إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / الأوضاع الدولية والإقليمية والعربية، بعد "عاصفة الصحراء" حتى نهاية عام 1991









مقدمة

المبحث الرابع

الواقع العربي عقب حرب الخليج

    تمخضت أزمة الخليج بنتائج عديدة، أثرت تأثيراً واضحاً في مستقبل المنطقة العربية، سواء بانهيار الأُسس، التي ارتكزت عليها العلاقات العربية ـ العربية، أو إعادة ترتيب خريطة التحالفات والصراعات العربية. وتكشفت عن عدم وجود اتفاق في الإدراك، السياسي أو الأمني، لأعضاء التجمعات الإقليمية العربية. وأسفرت عن اتضاح مجموعة من المشكلات، الهيكلية والبنائية، في العلاقات العربية ـ العربية. بل إن الدول العربية، تركت الولايات المتحدة الأمريكية لتنفرد انفراداً تاماً بإدارة نتائج حرب الخليج، فالأطراف العربية، تكاد تكون غائبة غياباً تاماً عن صنع القرارات المتعلقة بهذه الإدارة. ويختلف هذا الواقع، إلى حدٍّ ما، عن مرحلة إدارة الأزمة، حين اتخذت الأطراف العربية المختلفة قرارات مهمة، كان من شأنها تعزيز الإدارة الأمريكية للأزمة. فالمؤكد أنه لم يصدر أي موقف عربي جماعي، من أي قضية كبرى من القضايا المتعلقة بمستقبل العراق، والتي صدرت في صددها عدة قرارات من مجلس الأمن[1].

    لقد فشل العراق في دعوة مجلس الجامعة العربية إلى مناقشة بعض القضايا التي تهمه، حتى من منطلق إنساني بحت، ولا سيما قضية رفع الحظر الاقتصادي عنه. بينما بدر بعض الإشارات من دول المغرب العربي، إلى إجراء مصالحة عربية عامة، أو العمل على تخفيف وطأة الحظر الاقتصادي على العراق، أو الدعوة إلى رفض تجويع الشعب العراقي. ولكن هذه الإشارات، لم تتخذ شكل مبادرات، سياسية ودبلوماسية، متكاملة.

    كما اكتفت مصر وسورية بإصدار بيانات، حول حرصهما على دعم التكامل الإقليمي للعراق، ورفض تقسيمه بأي شكل من الأشكال؛ في إشارة إلى رفض ضمني لاستخدام التقسيمات، العِرقية والمذهبية، كمدخل إلى التغيير أو الإصلاح السياسي الداخلي، في العراق.

    أما دول مجلس التعاون الخليجي، فأصدرت عدة قرارات، تخص مسائل مستقبل العراق، سواء من المجلس الوزاري، أو القِمة الخليجية. ولكنها اقتصرت على دعوة العراق إلى احترام قرارات مجلس الأمن، وتنفيذها كلية؛ مما يعني نوعاً من التأييد، غير المشروط، لكافة قرارات المجلس.

أولاً: معطيات الواقع العربي، بعد الحرب

    على الرغم من انهزام القوات العراقية، واستكمال تحرير الكويت، إلاّ أنه لا يمكن، القول، إن انتهاء الأزمة، من الناحية القانونية، يحمل في طياته نهاية ضمنية لمعضلة الخليج، أو أزمة النظام العربي، على حدٍّ سواء.

    وحكم معطيات الواقع العربي، عقب حرب الخليج، عاملان أساسيان:

  • تعديل مصادر التهديد التقليدي، الذي تواجهه الأمة العربية.
  • أهمية العمل العربي المشترك، وحتمية الحوار والتفاهم، كسبيل إلى البقاء.

1. تعديل مصادر التهديد التقليدي

    طالما رأى الفكر السياسي العربي، أن تهديد الأمن القومي العربي، إنما مصدرة الدول المجاورة، غير العربية، وتحديداً إسرائيل وإيران. وظل هذا المنطق، يحكم توجهات السياسة العربية، بمختلف جوانبها، السياسية والعسكرية، إلى أن تفجرت أزمة الخليج، لتضيف بُعداً جديداً غير مسبوق إلى المفهوم العربي لمصادر التهديد، متمثلاً في التهديد من الداخل، من قبل دولة عربية، لأخرى شقيقة.

    حتى بعد الغزو، استمرت هواجس دول الخليج تجاه العراق. ولذا دأب صانعو القرار فيها بشكل خاص في اتخاذ الترتيبات الأمنية، الفردية والجماعية، الكفيلة بمواجهة أي تهديد محتمل، من دولة، أو مجموعة دول عربية، ضد دولة أخرى شقيقة. وهو ما يُعَدّ بُعداً جديداً في البناء الفكري لمقتضيات الأمن العربي، بالتوازي مع الترتيبات الدائمة لمواجهة التهديدات التقليدية المحتملة، من دول الجوار، غير العربية. وهو ما استدعى العديد من الحسابات المركبة، من منطلق تداخل المصالح العربية وتشابكها، ودقة المعادلات، التي تحكم علاقات دولها.

2. أهمية العمل العربي المشترك وحتمية الحوار

    لئن انتهت حرب الخليج، فإن الكراهية، التي صاحبتها لم تنته، وما اندملت جراحها؛ إذ إن التناقضات، التي أثارتها، بلغت حجماً من الكبر والعمق، يصعب تجاوزه بسهولة. وخرج العقل العربي من هذه المحنة، وقد أجهدته معارك حرب الكراهية، التي شنها العرب بعضهم ضد بعض. وارتفع بعض الأصوات العربية، داعية إلى تضميد الجراح، والتحرك من أجل التوصل إلى تفاهم بين الدول العربية، لضمان مصلحة كلٍّ منها وسيادتها، مع العمل على تأمين التعاون العربي، على صعيد الأمن القومي والمصلحة القومية. واقترح بعض العرب، أن تضطلع مصر بدورها في إعادة لمّ الشمل العربي. فتلقفّت الجامعة العربية هذه الفكرة. وانبرى أمينها العام، عصمت عبدالمجيد، الذي عُين في 5 مايو 1991، يركز، خلال تحركاته، في أمرَين: أحدهما هو تنقية الأجواء العربية، والثاني هو الاستماع لجميع وجهات النظر العربية، خدمة للأمر الأول.

    وإزاء هذه الأوضاع، التي أفرزتها الأزمة، وما فرضته من متغيرات، نادى العديد من الدول العربية بضرورة الانتقال إلى مرحلة أخرى، تتجاوز نتائج حرب الخليج، من أجل وضع رؤية مستقبلية للعمل العربي المشترك، تحقيقاً للاستمرار السياسي، وما يقتضيه من تحركات، سواء على الصعيد العربي ـ العربي، أو على الصعيد العربي ـ الإسرائيلي؛ والاستقرار الاقتصادي، بما يتطلبه من تعاون والتكامل بين الدول العربية؛ وإعادة النظر في مناقشة قضية الأمن القومي العربي، بمختلف أبعادها، الإقليمية والدولية.

ثانياً: مواقف العالم العربي، السياسية والاقتصادية، بعد انتهاء الحرب

1. التحرك من أجْل تحقيق الاستقرار السياسي

    أكدت أزمة الخليج حقيقة، كادت تُنسى، أنه لا مستقبل للاستقرار السياسي في الشرق الأوسط، من دون التوصل إلى حلول عادلة لكافة مشكلات الصراع العربي ـ الإسرائيلي، سواء ما يخص منها الشعب الفلسطيني، أو تلك المتعلقة بباقي الدول العربية، أطراف الصراع.

    لقد كان لأزمة الخليج تأثير مزدوج في قضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي. فهو، بالنسبة إلى العرب، إيجابي وسلبي، في آن معاً. يتجسد شقه الإيجابي في ما بدا من إجماع عالمي على أهمية التوصل إلى تسوية سلمية، لكافة قضايا الشرق الأوسط، وعلى رأسها القضية الفلسطينية؛ واهتمام مختلف الأطراف الدولية المؤثرة، ولا سيما دول الغرب الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، ببذل المساعي الجادة، تهيئة لمناخ، يلائم التحرك على صعيد الحل السلمي. وهو أمر، حتّم على الدول العربية، ضرورة أن تسلك مسلكاً جماعياً، تجاه التصورات المطروحة للحل، لتفويت الفرصة على إسرائيل.

    أما الشق السلبي، فيتجسم في ما حققته إسرائيل، من مكاسب سياسية ضخمة، وما اكتسبته من تعاطف عارم، ناجم عن امتناعها عن الرد على القصف الصاروخي العراقي؛ فضلاً عن مكاسبها العسكرية، المتمثلة في كميات من الأسلحة المتطورة، أخلت بالتوازن العسكري في المنطقة. كما أتاحت أزمة الخليج لإسرائيل فرصة نادرة لتأكيد تشبثها بالجولان؛ ورفضها نشوء دولة فلسطينية، وهو ما أكدته تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية، في 5 سبتمبر 1991، مستدلاً بما تعرضت له إسرائيل من العدوان العراقي، على ما يمكن أن يكون عليه وضعها، إذا ما انطلقت تلك الصواريخ من مرتفعات الجولان.

    ومن ثَم، أصبح لزاماً على الدول العربية، إزاء هذا الوضع، أن تسعى للتوصل إلى أساس مشترك بينها، للتعامل مع قضايا الصراع العربي ـ الإسرائيلي، تماشياً مع معطيات الواقع الجديد، من خلال سياسات جماعية، أكثر مرونة وفاعلية.

    وإذ أصبحت أهمية تسوية الصراع العربي ـ الإسرائيلي، لا خلاف فيها، لتحقيق الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط، فإن عنصراً آخر، لا يقلّ عنها أهمية، بات يستدعي الاهتمام، ألا وهو مستقبل العلاقات العربية ـ العربية؛ وضرورة تحقيق الحد الأدنى، من التفاهم والرؤية المشتركة، في ما يخص الشؤون العربية، وعلاقات دولها بعضها ببعض، تمهيداً لمواجهة العالم الخارجي مواجهة أكثر قوة وتماسكاً.

2. الأوضاع الاقتصادية العربية، بعد الحرب

    لا جدال، أن هناك جوانب كثيرة، ومعقدة، لأثر الأزمة في الاقتصاد الخليجي بخاصة. من أبرزها الفوضى الهائلة، الناجمة عن ريبة المواطنين الخليجيين، واندفاعهم، صغار المدخرين وكبارهم، إلى استبدال العملات الأجنبية بمدخراتهم من العملات المحلية، وتحويلها إلى الخارج. وتلا سحب المدخرات نشاط في سوق الأسهم المستثمرين لبيع أسهمهم، طلباً للسيولة المالية، لتحويل مدخراتهم إلى الخارج.

    وعلى الرغم من انتهاء الحرب، واستقرار الأوضاع نسبياً، إلاّ أنه تواصل تحويل المدخرات الوطنية الخليجية، إلى الخارج، وبشكل منتظم. ويؤكد ذلك التقرير الصادر عن وزارة الخارجية، في الإمارات، في الأول من مايو 1991، الذي انتقدت فيه استمرار التحويل إلى خارج المنطقة، بعد انتهاء الأزمة. حتى إن الحكومة الكويتية، اضطرت، بعد التحرير، إلى وضع حدٍّ أقصى للسحب من المصارف، قدره أربعة آلاف دينار، شهرياً، لكل مودِع، خوفاً من لجوء المواطنين إلى تحويل جزء كبير من ودائعهم ومدخراتهم إلى الخارج، مما يؤثر في حجم السيولة المتوافرة في الأسواق، وربما يؤدي إلى إضعاف مركز العملة الوطنية، على المدى الطويل. كما اضطر بعض دول الخليج إلى تغطية عجز الموازنة الحكومية، من طريق طرح سندات وأذون خزانة، جذباً للسيولة المحلية المتوافرة، بدلاً من تغطيته بالسحب من الاحتياطيات في الخارج، أو الاقتراض من الأسواق الدولية. والدليل على ذلك ما ذكرته دراسة صادرة عن مصرف فرنسا المركزي، في أبريل 1991، أن وكالة نقد البحرين (المصرف المركزي)، قد أوقفت إصداراتها الأسبوعية من سندات الخزانة، كي لا تجفف سوقاً، خفت فيها السيولة إلى درجة، صعب معها تمويل عجز الموازنة، وجمد بعض الإنفاق الحكومي.

    ولم تقتصر الفوضى، التي شهدتها أسواق الخليج، عقب الأزمة مباشرة، على ذلك، بل تعدته إلى الإضرار بالجهاز المصرفي في دول الخليج عامة، وفي مصارف البحرين خاصة، فأغلق عدد كبير من المصارف في البحرين، ونقلت مكاتبها إلى خارج المنطقة. كذلك، انسحب عدد كبير من المساهمين المحليين، وبات صعباً إقناعهم بالعودة، مرة أخرى، بالقوة نفسها.

    وعلى الرغم من تحقيق دول الخليج، عدا الكويت والعراق، مكاسب كبيرة، نتيجة لزيادة إنتاجها من النفط وارتفاع أسعاره، خلال الفترة الممتدة من أغسطس 1990 حتى يناير 1991، إلاّ أن تحمّلها أعباء مالية كبيرة، في نفقات الحرب، أثر في مركزها المالي. وأحبط ترجيح كافة المصادر المطلعة في أسواق النفط، التي توقعت ارتفاع أسعاره، نظراً إلى نضوبه أو انخفاض إنتاجه في أجزاء عديدة من العالم، عدا منطقة الشرق الأوسط؛ إذ إن الدول الخليجية، طفقت تزيد طاقتها الإنتاجية، بل إن الكويت، أعلنت أنها لن تلتزم بأي حصة، تحدد لها منظمة "الأوبيك"، مستقبلاً، ولن تأخذ في حسبانها، إلا حاجتها المالية، ومصالح الدول الصديقة، التي ساعدتها على التحرر. وقد انعكس ذلك على استمرار الانخفاض في أسعار النفط، أو بقائها على مستواها.

    وطاولت المتاعب الاقتصادية، الناجمة عن أزمة الخليج، معظم الدول العربية، خاصة الفقيرة منها. وتجسمت تلك المتاعب في:

أ.  انخفاض حجم الاستثمارات الموجهة إلى الدول العربية، أدى إلى توقّف بعض مشروعاتها الإنتاجية.

ب. مغادرة العمال العرب منطقة الخليج، خشية التطورات المتوقعة فضلاً عن استغناء بعض الدول الخليجية عن أولئك التابعين منهم لدول ساندت العراق، مثل الأردن واليمن والسودان، ما أدى إلى حدوث خلل في تنميتها الاقتصادية. أضف إلى ذلك عودة معظم العمال العرب في الكويت والعراق، إلى بلادهم.

ج. توقّف عملية السياحة في العديد من الدول العربية، خاصة تلك التي تعتمد جزء كبير من دخلها على السياحة، مثل مصر.

ثالثاً: الأمن القومي العربي، بعد انتهاء الحرب

    يتمثل الأمن القومي العربي في أنه الغاية الإستراتيجية، التي تتفق مع مبادئ الدول العربية ومصالحها وأهدافها، بهدف حماية كيانها وحق شعوبها في البقاء والعيش في إطار من الأمن. وتستخدم في ذلك كافة إمكاناتها المتاحة، بكفاءة، لتنفيذ الإستراتيجية المرسومة طبقاً لتخطيط مرحلي طويل، يحقق الأهداف القومية، ويؤمّن مصادر القوة، في كافة الميادين، في إطار من النظام والاستقرار الداخليَّين، في مواجهة التحديات المحتملة، في الداخل والخارج.

    لقد تأثر الأمن القومي العربي، بعد حرب الخليج، تأثراً واضحاً، خاصة بعد التهديد الذي جاء من داخل النظام العربي، باعتداء دولة عربية على جارتها العربية، وهو ما لم يعهده العالم العربي، في التاريخ المعاصر. كما رجحت، في الميزان الإقليمي للشرق الأوسط، بعد الحرب، مصالح الدول غير العربية، إسرائيل وإيران وتركيا. فإيران هي الدولة الوحيدة في الخليج، التي تعتمد على نفسها، عسكرياً. وليس لإسرائيل ندّ عسكري عربي.

    كما تداعى مجلس التعاون العربي إلى حلف جديد، أثناء الحرب، ضم مصر وسورية والمملكة العربية السعودية. واختلف موقف دول المغرب العربي عن موقف هذه الدول، ولكنهم أصبحوا يأملون المحافظة على موقفهم، عند هذا الحد، أثناء هذه الفترة العصيبة، التي ازدادت فيها العلاقات بين دول المنطقة تعقيداً.

    وعقب الحرب، حاولت دول مجلس التعاون الخليجي، بادئ الأمر، الاضطلاع بالدور الرئيسي في توفير الأمن لهذه المنطقة، مع دولتَين عربيتين أخريَين، هما مصر وسورية. ولكن الدول الثماني، لم تلبث، في نظر كثير من المراقبين، أن أخفقت، عملياً، في الإبقاء على الحلف الجديد. واستدار معظم دول مجلس التعاون الخليجي إلى الغرب، مرة أخرى، لبناء نظام جديد للأمن، على أساس اتفاقيات ثنائية. كما اتجهت دول المنطقة إلى التوسع في شراء الأسلحة، من أجْل بناء قوات عسكرية، تحقق لها القدرة على حماية أراضيها وسيادتها واستقلالها الوطني. وقُدم إلى بعض دول المنطقة مزيد من الأسلحة الحديثة، على الرغم من القيود، التي فُرضت للحدّ من التسلح، أو لضبطه؛ إذ وافق سعي دول المنطقة، المحموم، إلى اقتناء الأسلحة، رغبة دولها المنتجة في بيعها، بل الإغراء به، ليس لدواعٍ سياسية أو أيديولوجية، كما كان الحال في فترة الحرب الباردة، بل لأسباب مالية، في المقام الأول. وهكذا شهدت دول المنطقة، بعد الحرب، موجة جديدة من سباق التسلح.

    ولعل من أسوأ الآثار، التي خلفتها أزمة الخليج في العالم العربي، هو اختلال التوازن الإستراتيجي في المنطقة، في مصلحة الدول، التي طالما شكلت مصادر التهديد التقليدي للأمن القومي العربي، وذلك بعد تدمير قوة العراق العسكرية. ويتمثل هذا الخلل، على صعيد منطقة الخليج، في مواجهة إيران؛ وعلى مستوى الشرق الأوسط، في مواجهة إسرائيل، التي تدفقت إليها الأسلحة الحديثة، من الولايات المتحدة الأمريكية مكافئة لها، بعد الحرب. وفي ظل هذا الواقع الأمني الجديد، فشلت دول الخليج في وضع صيغة أمنية، تعتمد فيها على قدراتها، فلجأت إلى الاتفاقيات الأمنية الثنائية، مع بعض الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، من أجْل تحقيق التوازن، الذي أخلت به الحرب ونتائجها.

رابعاً: جامعة الدول العربية، بعد انتهاء الحرب

    كانت الجامعة العربية، هي أهم ضحايا الأزمة، على المستوى العربي. فإذ فشلت في الاضطلاع بدور ملموس، في مواجهة اختراق العراق مواثيقها الرئيسية، بمنعه أو ردعه ـ انصرفت عن الاهتمام بها معظم الدول العربية، وخاصة دول الخليج. وفضّل معظم دولها الأعضاء العلاقات الثنائية، على العمل الجماعي، من خلال مؤسسات الجامعة. بل اتخذت دول الخليج، التي أحبطتها الجامعة، موقف المعارض الدائم لكافة مشروعات العمل العربي المشترك. كذلك، شهدت هذه الفترة اصطدام المحاولات العربية للتأقلم مع النظام الدولي، نتيجة تباين مواقفها الواسع، واختلافاتها العميقة في قضايا العلاقات العربية بالنظام الدولي والقوى الغربية، المهيمنة عليه، مثل الموقف من التشدد الغربي (الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا) تجاه ليبيا، وهو ما وضع الجامعة في تناقض حادّ بين الحاجة إلى التكيف الإيجابي مع النظام الدولي، وأولوية التضامن العربي ضد العدوان الخارجي. هذه الأوضاع، أثرت في نشاط الجامعة ودورها. ووضحت في المؤشرات التالية:

1.  عزوف دول مجلس التعاون الخليجي، عن المشاركة الفاعلة في أعمال الجامعة ومؤسساتها، بما في ذلك مداولات مجلس الجامعة، في دوراته، العادية والطارئة، وأعمال اللجان، التي شكلها لمتابعة قضايا معينة، وعلى رأسها اللجنة السباعية، لمتابعة الأزمة الليبية ـ الغربية؛ واللجنة المتعلقة بمتابعة الهجرة اليهودية إلى فلسطين؛ واللجنة الخماسية، لمتابعة الأزمة الصومالية. كما لم تشارك دول الخليج في أعمال اللجان، التي صاغت القرارات الصادرة عن مجلس الجامعة. بيد أنها شاركت المداولات المتعلقة بموازنة الجامعة، والمشروعات التنظيمية، التي يترتب عليها التزام مالي. واتسمت مشاركتها بالتحفظ الشديد من كل ما يتعلق بالالتزامات المالية الجديدة، ورفض أية مشروعات تحتمها.

2.  محاولة كلٍّ من مصر وسورية، مع عدد آخر من الدول الأعضاء، الاقتراب، بحذر، للنهوض التدريجي بالعمل العربي المشترك، عبْر الجامعة، من طريق البدء بتناول موضوعات، يمكن حصر الاختلافات فيها في أقصى حدٍّ ممكن، خاصة بين مجموعتَي دول الخليج، والدول الراديكالية، القومية أو الإسلامية. وكانت مسألة الحرب الأهلية في الصومال، هي خير الفرص لتوافق عربي في شأنها. كما حاولت الجامعة، أن تؤدي دوراً في المسائل الإنسانية الملحّة، ولا سيما مسألة الأسرى الكويتيين في العراق، والظروف الإنسانية لشعب العراق، بعد الحرب. كذلك، بدت المرحلة الأولى من تفجر الأزمة الليبية ـ الغربية، مثالية لمعالجة عربية إجماعية، تصلح منطلقاً لمصالحة عربية ميدانية، في المستقبل. ومع ذلك، فقد تبّين، في سياق محاولات أمانة الجامعة المضي قُدُماً بالعمل العربي المشترك، في هذه المسائل، أن هناك حدوداً صارمة، لمدى ما يمكن أن تفعله، ومفروضة عليها، من الداخل والخارج.

3.  تحوّل غير ظاهر في توزّع مواقف دول الجامعة، خلال عام 1991؛ ودعوة، بعد حرب الخليج مباشرة، إلى مصالحة قومية، تمثلت في موافقة جميع الدول الأعضاء على ترشيح مصر وزير خارجيتها السابق، لمنصب الأمين العام الجديد للجامعة. بيد أن ذلك لم يقضِ على الاستقطاب، المنبثق من أزمة الخليج، ويجسمه التحالف المناهض لغزو العراق الكويت، ويضم دول الخليج، وكلاًّ من مصر وسورية؛ في مقابل التحالف المؤيد للعراق، وقوامه الأردن واليمن والسودان ومنظمة التحرير الفلسطينية. ومع اقتراب عام 1991 من نهايته، اتضح ميل هذَين التحالفَين إلى التفكك. فبينما احتفظت دول مجلس التعاون الخليجي، بوحدة موقفها من القضايا المثارة، ومن الجامعة نفسها، أبدت مصر وسورية رغبة في اتخاذ مواقف مستقلة عن دول الخليج. وفي الوقت نفسه، اتجهت دول المغرب العربي إلى تبنّي موقف المصالحة القومية، مما اقترب بها من الموقفَين، المصري والسوري. وطالما وقفت دول الخليج وحيدة، خاصة في ما يتصل بالقضايا التنظيمية، في حين رغب سائر الدول العربية، بما فيها مصر وسورية، في التحرر من ظلال أزمة الخليج، وعدم الربط بينها وبين القضايا والمشكلات الأخرى، التي تواجه العالم العربي، خاصة تلك المتعلقة بتطوير الجامعة ومؤسساتها.



[1] أهم قرارات مجلس الأمن التي صدرت عقب انتهاء الحرب والتي تتعلق بإدارة الأزمة هي: ـ القرار (686) بتاريخ 2 مارس 1991: والذي نص على وقف جميع الأعمال العدائية والاستفزازية التي ترتكبها القوات العراقية ضد دول التحالف، ويطلب من العراق إلغاء قراراته الخاصة بضم الكويت. ـ القرار (687) بتاريخ 3 أبريل 1991: والذي يرسي شروط وقف إطلاق النار رسمياً في الخليج. ـ القرار (688) بتاريخ 5 أبريل 1991: والذي ينص على إنهاء قمع السكان المدنيين. ـ القرار (689) بتاريخ 9 أبريل 1991: والذي يوافق على خطط نشر وحدة مراقبة الحدود. ـ القرار (692) بتاريخ 20 مايو 1991: والذي ينص على إنشاء صندوق لدفع تعويضات لمن يقاضي العراق.