إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / النتائج العسكرية، والدروس المستفادة من حرب تحرير الكويت






خطة الهجوم البري للتحالف



تمهيد

المبحث الخامس

النتائج والدروس المستفادة، على المستوى العملياتي للقوات البرية

أولاً: تطبيق عقيدة (أسلوب) الحرب البرية ـ الجوية

    على أثر انتهاء، الحملة الجوية، المرحلة التمهيدية لعملية "عاصفة الصحراء"، كانت القوات المشتركة قد حققت تفوقاً ساحقاً، في مجالات القوة النيرانية، والسيطرة الجوية والبحرية والإلكترونية، والحرب النفسية، والاستخبارات والاستطلاع؛ فضلاً عن تفوّقها في عقيدة القتال، الذي اعتمدته خطة "عاصفة الصحراء".

    وقد عُهد بالضربة الرئيسية في العملية البرية، إلى الفيلقَين الأمريكيين 7 و18، والفِرقة البريطانية الأولى، والفِرقة الفرنسية السادسة الخفيفة؛ لاعتناق تلك القوات عقيدة قتالية واحدة، هو عقيدة حلف شمال الأطلسي في الحرب البرية ـ الجوية، والذي كان الجنرال برنارد روجرز، رئيس الأركان الأمريكي الأسبق، والقائد الأسبق لقوات حلف شمال الأطلسي، قد اعتمده، عام 1979، بعد دراسات عميقة، وتجارب مضنية، أسهمت فيها صروح البحث والتطوير في المعسكر الغربي، ومراكزه التدريبية، ومعاهده العلمية، مستلهمة الدروس والخبرات، المستفادة من مسارح الحرب العالمية الثانية، وحروب كوريا وفيتنام والشرق الأوسط وشبه القارة الهندية.

    وقوام هذه العقيدة القتالية، هي المسارعة إلى انتزاع السيطرة الجوية من الخصم، توطئة لقصف قواته وأسلحته ومعداته ومستودعاته ومراكز سيطرته قصفاً عنيفاً. وضرب خطوط إمداده. وشن حرب إلكترونية ضارية، تشل سيطرته في الميدان، قبْل البدء بمهاجمته بالقوات البرية، التي تحرص على توجيه الضربات المتفوقة، والعميقة، والمتزامنة، في كل أرجاء المسرح لإيقاع الهزيمة الساحقة بالعدو، في أسرع وقت، وبأقل خسائر. ومن الطبيعي، أن يتطلب ذلك استخداماً واسعاً للقوات الخاصة والمظليين، وقوات الاقتحام الرأسي والإبرار البحري.

    اقتضت الضربة الرئيسية، من جهة الغرب، وفقاً لهذه العقيدة، التوغل العميق، والسريع، في أرض العراق، حتى البصرة، وتطويق القوات العراقية، المتمركزة حول الحدود، الكويتية والسعودية، من أجْل عزْل جبهة القتال عن قلب الدولة.

    وفي المنطقتَين، الشرقية والشمالية، تولت القوات، العربية ومشاة البحرية الأمريكية[1]، مهاجمة الدفاعات العراقية، على امتداد حدود الكويت الجنوبية وسواحلها، سعياً إلى تحريرها.

    وبعد مفاجأة قصف الأهداف العراقية المنتخبة، في 17 يناير، بالقنابل والصواريخ والدانات الكثيفة، والمُحكمة التسديد، أمكن القوات المشتركة أن تسحق القوة الجوية العراقية، في بضعة أيام، وتُجبر أفضل طائراتها وأحدثها، على اللجوء إلى مطارات إيران، لتنجو من هلاك محقق؛ فسلَّمت، بذلك، خصمها السيادة الجوية المطلقة.

    وقوّض ذلك القصف الكثيف، الذي قدِّر إجماليّ طلعاته بنحو 108 ألف طلعة، بمعدل طلعتَين كل دقيقة، بِنية العراق الأساسية، إذ دمّر 325 منشأة صناعية، و7 معامل تكرير نفط، و500 مؤسسة، حربية وتكميلية، وأغلب محطات الطاقة والمياه والصرف الصحي، ومعظم الجسور المهمة، ومراكز الاتصالات.

    ولم يكن القطاع العسكري أوفر حظاً؛ إذ فقد، بدوره، جزءاً كبيراً من أسلحته الرئيسية (الدبابات ـ العربات المدرعة ـ المدافع)، ومنصات صواريخه، أرض / أرض، وأرض / جو، وحوالي 60% من طائراته، و 90% من سفنه الحربية، فضلاً عن اضطرار ما بقي منها سليماً إلى الانسحاب من الحرب. كما أزال القصف الجوي كل المستودعات، الكيماوية والبيولوجية، والمفاعلات النووية، وشلّ شبكات السيطرة الميدانية، ودمّر طُرُق المناورة والإعاشة ومحاورهما؛ فتدهورت معدلات الإمداد بالأغذية والمؤن والذخائر، إلى أقل من 1: 100 من كميات الاستهلاك اليومي العادي (اُنظر جدول حجم القوات العراقية المدمرة، في مسرح العمليات الكويتي، خلال الحرب البرية).

    وحَدّ من مناورة القوات العراقية، تدمير الطرُق والجسور، ونفاذ الوقود، وسيطرة التحالف الجوية. وبذلك، فقدت قوات العراق البرية، أهم عنصر من عناصر بناء الدفاع، وهو القدرة على تحقيق المناورة وخفة الحركة، من أجْل توجيه الضربات والهجمات المضادّة. وتحولت الوحدات المدرعة إلى الدفاع[2]، ولم تنفّذ، خلال الحرب البرية، سوى هجمة مضادّة واحدة، ضد وحدات مشاة البحرية، التي استطاعت أن تصدّها. وأصبحت الوحدات المدرعة، ووحدات المدفعية، صيداً سهلاً لصواريخ قوات التحالف؛ فانهارت معنوياتها، وفقدت عزمها على مواصلة القتال، الذي أصبح غير متكافئ.

1. الضربة الرئيسية

    اندفعت القوات، الأمريكية والبريطانية والفرنسية، على امتداد وادي الباطن، في اتجاه مدينتَي البصرة والناصرية، لتعزل مسرح عمليات الكويت وجنوبي العراق، عن قلب الدولة العراقية، محاولة تطويق الدفاعات العراقية، وقطْع خط الرجعة على كافة القوات العراقية المتمركزة جنوب البصرة. وعاونت أعمال هذه القوات، على امتداد المسرح وفي عمقه، عمليات الإبرار الجوي والاقتحام الرأسي، الرامية إلى إرباك دفاع الخصم وشل حركة احتياطياته، ومنعها من التدخل في المعركة. كما كلفت بالاستيلاء على الأهداف المهمة والحاكمة، تطبيقاً لعقيدة الحرب البرية ـ الجوي، مما عجّل بانهيار الدفاعات العراقية.

2. نقاط القوة والضعف

أ. تطبيق عقيدة المعركة البرية ـ الجوية، من خلال تنفيذ المناورة والخداع، وضرب المراكز الإستراتيجية للعدو، وتحقيق عدة اختراقات، في آن واحد، واستخدام حاسم للقوات، بالالتفاف والتطويق، وتضمين المناورة استخدام قوة النيران. فتحقق، بذلك، أركان العقيدة القتالية الأمريكية، الأربعة: المبادأة (Initiative) وخفة الحركة (Agility) والعمق (Depth)، والتزامن (Synchronization).

ب. تجنّبت تكتيكات المعركة البرية ـ الجوية معارك الاستنزاف البرية (كما حدث في الحرب العراقية - الإيرانية). وعمدت إلى الهجوم على نقاط ضعف العدو، ونقاط تعرّضه، واستمرار العمليات، على مدار الساعة، والاستفادة من كافة القدرات القتالية. والهجوم، أساساً، على الأنساق الثانية والاحتياطيات، وتوجيه الضربات إليها من الأجناب، بالالتفاف والتطويق العميقين.

ج. إن النجاح في المناورة، والمحافظة على معدلات عالية للعمليات، لم يتحقق إلا بعد حرب استنزاف جوية مكثفة، وأخرى برية، نفذّتها قوات مدربة تدريباً عالياً، وتستخدم تكنولوجيا متقدمة، ضد القوات العراقية، التي تتبنّى عقيدة الدفاع الثابت. فضلاً عن أن قوات التحالف، الأمريكية والبريطانية والفرنسية، " التي تقاتل ضمن حلف شمال الأطلسي .. كانت تبني عقيدتها على أساس مواجهة قوات حلف وارسو، التي تمتلك التفوق العددي، والعديد من القدرات العسكرية المتطورة. زد أن قوات التحالف، كان لها احتراف متميز. كما توافر لها الوقت، لتحقيق معدلات عالية من الاستعداد والكفاءة القتالية، في مواجهة قوات عراقية، تضم عدداً وافراً من المجندين، بمستوى تدريبي فقير، وقيادة ضعيفة.

د. برهان المعركة البرية ـ الجوية على قِيمة كثير من المتغيرات في فن العمليات.

هـ. نجاح قوات التحالف في استكمال حركة مناورة واسعة، إلى الغرب. إذ كان على الفيلقَين، السابع والثامن عشر، المكلفَين بتوجيه الضربة الرئيسية، في عمق الأراضي العراقية، وفي إطار عملية الخداع ـ أن ينتظرا نجاح القوة الجوية في تحقيق السيطرة الجوية، قبل أن يبدءا التحرك إلى مواقع الهجوم، في أقصى الغرب من حفر الباطن[3]. وقد أدى تأخير التحرك إلى تضليل الجانب العراقي عن طبيعة التحركات.

و. التعاون والتنسيق، بين القوات المدرعة وقوات المشاة الآلية، والنيران غير المباشرة، وقوات الاقتحام الرأسي، وقدرتها على سرعة التحرك؛ على الرغم من أن دبابات (M1 A1)، وعربات برادلي المدرعة (M-2/M-3)، كانت تُستخدم للمرة الأولى، أو بأساليب جديدة. وقد أثبتت المعارك، أن قتال الأسلحة المشتركة، قد يتطلب، مستقبلاً، تغييرات في نُظُم القيادة والسيطرة، والاستخبارات، والحاسبات الآلية، والتدريب، والتكتيكات.

ز. مرونة القوات الجوية، التابعة للفيلق الثامن عشر، وفاعليتها، سواء في تأمين فتح القوات أو المعاونة الجوية القريبة. ومع ذلك، فإن أمر العمليات الجوي اليومي (ATO)، لم يسمح بالاستقلال الكامل لنُظُم، مثل طائرات (AH-64) العمودية. كما لم تكن الطائرات العمودية الهجومية، قد دُعمت بوسائل بيانات تحديد الأهداف، التي لَمّا توضع، بعدُ، في الخدمة.

ح. استخدام التحالف طائرات ذات أجنحة ثابتة، لدعم قواته البرية المتقدمة. واقتداره على إدارة معركة فاعلة على مستوى مسرح العمليات.

ط. فاعلية الاندماج الجوي ـ البري، وتعزيزه بالقدرة على الملاحة الدقيقة، ليلاً، أو في أحوال عدم وضوح الرؤية؛ وتمكينه من تحديد الأهداف بدقة. وامتلاك ذخائر أكثر ذكاءً، وطائرات أقدر على المعاونة القريبة، طوال المعركة، وأشد دِقة في اصطياد الدبابات المعادية. فضلاً عن توافر نُظُم قيادة وسيطرة (C41/BM)، موحدة ومنسقة.

ي. تميّز حرب الخليج بأكبر تجمعات أسلحة مدرعة في التاريخ العسكري، حقّقت مجموعة من الأرقام القياسية، بالنسبة إلى التحركات المدرعة المتواصلة. وأظهرت قِيمة المدرعات المتطورة، في الاشتباكات مع الدبابات والأسلحة المضادّة للدبابات. وقدمت نُظُم إدارة نيران وأجهزة رؤية حرارية، استطاعت أن تغيّر معدلات الاشتباك تغييراً كبيراً، وأدت إلى تحديد مسافات الاشتباك بدقة، والقدرة على تحديد مدرعات العدو وتدميرها، على مسافات طويلة، وفي ظروف رؤية سيئة.

ك. كما مكّن تشكيلات المشاة الآلية للتحالف، تفوّقها في نُظُم الرؤية والتنشين وتقدير المسافة، من الاشتباك مع قوات المشاة العراقية، على مسافات بعيدة؛ فلم يطاولها معظم الأسلحة العراقية، بل أمكنها الالتفاف حولها، والقضاء عليها، بسهولة. وساعدها على ذلك، مستوى تدريب عالٍ، وإمكانات متطورة من التسليح؛ كان لأجهزة الرؤية الحرارية، وتقدير المسافة، وتفوّق قوة النيران فيها دور مهم في مواجهة قوات عراقية، افتقرت إلى أسلحة مضادّة للدبابات، ونُظُم رؤية وتنشين بعيدة المدى، تستطيع أن تحقق اشتباكاً فعالاً مع تشكيلات المشاة الآلية للتحالف.

ل. حاجة القوات الخفيفة إلى ضرورة جعلها أكثر قدرة على القتال، وزيادة قدراتها بالأسلحة المضادّة للدروع؛ بتزويدها أسلحة إضافية، بل يجب أن يتوافر لها عناصر مدرعة، وتزويد عرباتها أجهزة رؤية حرارية ونُظُم تحديد المحل (GPS).

م. نجاح التعاون بين الدبابات وعربات القتال المدرعة، في تدمير المدرعات أو المشاة الآلية العراقية، مثل نجاح دبابات الفوج الثاني المدرع، من نوع (M1 A1)، بالتعاون مع عربات برادلي (M-3)، خلال معركة (73 شرقاً)، في خلق ثغرة بين الفِرقة 12 المدرعة وفِرقة توكلنا على الله العراقيتَين.

ن. فشل القيادة العراقية في تقييم التأثير، الإستراتيجي والعملياتي والتكتيكي، لقوات التحالف الجوية. وعجزها عن فهْم معنى تكنولوجيات الحرب البرية وقدراتها المتفوقة. وقصر نظرتها إلى الحرب على زاوية خبراتها في الحرب ضد إيران، واستخدام أساليب الدفاع الثابتة؛ مما أدى إلى سرعة انهيارها.

3. الدروس المستفادة

أ. أهمية تطبيق إستراتيجية الاقتراب غير المباشر، من خلال تحاشي الاصطدام، قبْل إرهاق العدو بالضربات الجوية.

ب. الالتفاف والتطويق والاختراق السريع، للتعجيل بانهيار الدفاعات المعادية. وأكدت أهمية ذلك أعمال قتال الفيلقَين، السابع والثامن عشر.

ج. أهمية استكمال عمليات فتح القوات المدرعة، والمشاة الآلية، في موعد، يسبق الهجوم مباشرة، مع السِّرّية الكاملة في تنفيذ هذه المناورة، من أجْل تحقيق المفاجأة. وتُعَدّ مناورة الفيلقين، السابع والثامن عشر، إلى مسافات، تراوح بين 150 و260 ميلاً، لاتخاذ مواقع بدء الهجوم، خير دليل على ذلك؛ وذلك، يتطلب، في الوقت نفسه، إعداد المسرح إعداداً هندسياً وإدارياً، قبْل بدء تنفيذ المناورة.

د. أهمية التحديد الدقيق والسليم لقدرات العدو ونُظُم دفاعاته؛ لأن التقييم السليم، سيؤدي إلى نجاح القوات المهاجمة في تنفيذ مهامها[4]. فضلاً عن وصول المعلومات، في الوقت الملائم، إلى القادة الميدانيين في أرض المعركة.

هـ. أهمية التدريب العملي، من خلال تنفيذ برامج تدريبية شاملة، على عمليات، وأرض مماثلتَين للمهمة، التي ستضطلع بها القوات، قبل بدء المعركة البرية ـ جوية، بوقت كافٍ، مع ضرورة توفير الدعم الملائم، ليوائم دور كل تشكيل في هذه العملية.

و. أهمية التفاعل بين مختلف أسلحة القوات المشاركة في المعركة البرية ـ الجوية، من أجْل تحقيق نتائج فاعلة، ترفع مستوى التعاون والأداء المشترك.

ز. أهمية تطوير التعاون بين أجهزة الاستخبارات والعمليات، تمهيداً لتنسيق أفضل، في تحديد طبيعة العدائيات وحجمها، على مستوى مسرح العمليات، وتحقيق الفاعلية لنُظُم وأسلحة القتال المستخدمة، التي تؤدي إلى إحداث التدمير الملائم في قوات العدو.

ح. أهمية الاندماج الكامل بين مهام عمليات الطائرات، ذات الأجنحة الثابتة، وتلك العمودية، واللَّتين تتبعان لفرعَين مختلفَين، تذليلاً للمشاكل المتعلقة بتخصيص القوات، وتحديد الأهداف، وتقييم التدمير.

ط. ضرورة إيجاد حلول جديدة ومتطورة، لمشاكل أسلوب التعارف، تجنباً لإصابة القوات الصديقة.

ي. أهمية دعم القوات الخفيفة بالعناصر المدرعة، والصواريخ المضادّة للدبابات، التي تمكّنها من قتال عدوّ رئيسي، إذا اضطرت إلى ذلك.

ك. أهمية التوسع في عمليات الإبرار الجوي، بمجموعات قتال كبيرة، من أجْل تحقيق عدة أهداف، خلال الاختراق العميق، مثل:

(1)  إرباك العدوّ بوجود قوات خلف خطوطه الدفاعية.

(2)  تأمين التشكيلات المدرعة، أثناء تقدُّمها إلى تحقيق أهدافها.

(3)  تحقيق معدل عالٍ من الهجوم.

(4)  إغلاق محاور انسحاب القوات المعادية.

ل. أهمية التوسع في استخدام عناصر الاستطلاع الأرضي، وعمليات الاستطلاع خلف الخطوط، من أجْل توفير المعلومات اللازمة للقوات المهاجمة.

م. ضرورة دراسة الأرض جيداً، وتوفير الخرائط، التي توضح معالمها، وبشبكة إحداثيات ملائمة؛ لأن ذلك من شأنه تحقيق ضربات سريعة، وذات فاعلية، ضد القوات المدافعة.

ن. ضرورة التنسيق الكامل بين الهجمات، البرية والجوية والبحرية والبرمائية؛ إذ من شأنه، أن يحقق هجوماً كاسحاً للقوات، في إطار تعاونها الشامل.

ثانياً: القتال المتواصل، على مدار الساعة ليلاً ونهاراً وفي جميع الأحوال الجوية

    تمكّنت قوات التحالف من القتال، ليلاً، بكفاءة عالية، وعلى مدى، لا تطاوله الأسلحة العراقية. وأبرز مثال على ذلك، عدم قدرة الدبابات العراقية من نوع (T-72)، على الصمود أمام الدبابات الأمريكية من نوع (M1 A1).

    توافرت أجهزة ملاحية دقيقة (GPS)، مكّنت قوات التحالف من تحديد مواقع الوحدات الصديقة، ومواقع العدو؛ فتحركت عبْر الصحراء بسهولة ودِقة.

    توافرت الإمكانات لإصابة الأهداف، على مسافات أبعد من مدى البصر؛ وظهر ذلك جلياً، في نتائج القصف، الجوي والبحري والبري.

    أضفت حرب الخليج شرعية على معظم التغييرات، التي حدثت في تطور التكتيكات والتدريبات، واستخدام القوات خلال معارك القوات المدرعة. إذ كانت القوات قادرة على استغلال خفة حركة مدرعاتها، لتحقيق معدلات قياسية في التقدم، مع استغلال نُظُم الرؤية الليلية المتطورة، ومدى المدافع وأجهزة التوازن الآلية، وأجهزة إدارة النيران، لتحقيق ميزة حاسمة على أفضل القوات العراقية إعداداً وتسليحاً، وهي قوات الحرس الجمهوري. وكشفت نتائج اشتباكات المشاة الآلية، أن عربة القتال المدرعة الأمريكية، برادلي، وفرت ميزات مهمة على قوات عراقية مزودة بعربات قتال مدرعة (BMP)؛ وأن خفة الحركة المتفوقة، وقوة النيران، والوقاية، التي تميزت بها عربة برادلي، جعلتها متفوقة، إلى حد بعيد، حتى على أحدث العربات الأمريكية، من نوع (M-113 A1)، في القتال.

1. نقاط القوة والضعف

أ. حققت أجهزة الرؤية الحرارية، ونُظُم إدارة النيران، للقوات المشتركة، ميزة حاسمة في اكتشاف الأهداف، وإلى تغيير معدَّل الاشتباك ومداه تغييراً كبيراً على القوات العراقية، التي لا يبدو أنها درِّبت أو نُظِّمت للقتال، في أحوال سوء الرؤية، أو الاشتباك على مدى أطول من 1500م.

ب. تأتي لقوات التحالف خمسة أشهر ونصف، لتعديل مدرعاتها. فزوِّدت الدبابات الأمريكية من نوع (M1 A1) ألواح تدريع إضافية. وأدت هذه الخطوات إلى تحسين الوقاية من النيران، والقدرة على البقاء (Survivability) والقتل (Lethality). كذلك زوِّدت الدبابات (M-60) دروع رد فعل متطورة، كما أضيفت قمصان مدرعة جانبية، إلى دبابات تشالنجر البريطانية وعربات (Warrior) المدرعة.

ج. تهيّأ للقوات الوقت الكافي، لتبني تقنيات صيانة وإصلاح جديدة، لمواجهة مشاكل الرمال  الناعمة والحرارة، في الصحراء.

د. أدى استخدام ذخائر عالية التقنية، إلى زيادة حجم الخسائر في القوات العراقية، وقلَّتها في قوات التحالف.

2. الدروس المستفادة

أ. أهمية تحقيق التفوق التكنولوجي للقوات البرية، لتستطيع إصابة الهدف، من الطلقة الأولى، خلال القتال، الليلي أو النهاري.

ب. أهمية الارتفاع بمستوى تدريب الفرد ومعدَّل أدائه، ليستطيع أن يواصل المعدل العالي لأداء المعركة، واستخدام المعدات ذات التقنية المتقدمة، والارتفاع بمستوى كفاءتها القتالية.

ج. أهمية تبنّي تكتيكات حديثة، واستخدامات غير تقليدية للمعدات والأسلحة، بما يسمح بارتفاع مستوى أداء الفرد والوحدة والمعدة، على مدار الساعة (ليلاً ونهاراً).

د. تطوير أجهزة الرؤية بأنواع حديثة، مثل النوع الحراري، وأجهزة إدارة النيران، باستخدام الحواسب للدبابات والعربات المدرعة، حتى تتوافر لها القدرة على تحقيق التفوق على المدرعات المعادية؛ لأن ذلك، من شأنه أن يزيد من قدرتها على القتال، الليلي والنهاري، ويعطيها ميزة: "اكتشِف، قبْل العدو. وأطلق، قبْله" (See First - Shoot First).

ثالثاً: المعدَّل غير المسبوق، للعمليات والإسناد القتالي

    أحدثت التقنية العالية تغييراً كبيراً في المعارك الحربية، تمثّل في طبيعة الأسلحة، والخطط الحربية المتطورة، ونُظُم المعلومات، التي اقتضتها الحرب الحديثة، المتسارعة الأداء، وستزداد الحاجة إلى المعلومات، ما استمرت عملية تطوير الأسلحة. كما أن السرعة العالية، التي تتحرك بها القوات البرية، تجعلها في حاجة إلى أن تتعرّف مواقع تمركز التشكيلات، الصديقة والمعادية، وتحركاتها، بدِقة شديدة، أكثر من حاجتها إليها في المعارك البطيئة الحركة.

    وهذه السرعة في العمليات وكثافتها العالية، نجمتا عن ارتفاع مستوى التدريب والانضباط والروح المعنوية. وشهدت حرب الخليج بقدرة القادة على تحسين خططهم، وابتكار وسائل جديدة، ووضعها موضع التنفيذ.

    كما أن النجاح في تحقيق معدَّل عالٍ، من العمليات والإسناد القتالي، لم يتحقق في أي حرب سابقة، إلا نتيجة إستراتيجية التحالف في إدارة حرب نفسية واسعة النطاق، ضد القوات العراقية، أسفرت عن تأثير شديد في عدد كبير من الجنود، الذين تركوا مواقعهم، ولاذوا بالفرار، أو سلّموا أنفسهم، من دون أي مقاومة، أثناء الهجوم البري؛ مما أدى إلى التعجيل بانهيار الدفاعات العراقية.

    وكذلك، أتاحت المرونة في التخطيط، مواجهة الأحداث والمواقف الطارئة، والسريعة، والتعامل معها بما يوافقها؛ بل وفّرت، كذلك، احتياطيات قادرة على التدخل، لمواجهة أي أحداث مفاجئة.

1. نقاط القوة والضعف

أ. القوات التي أنجزت دورها على الوجه الأكمل، في " عاصفة الصحراء " وبمعدلات عالية، استغرق إعدادها وتطويرها سنوات عديدة، لكي يتأتّى لها ذلك.

ب. التقنية المتقدمة، المستخدمة في هذه الحرب، ظهرت في صورة معدلات عالية للقتال وسير العمليات ليلاً ونهاراً. إذ تساوت الأعمال القتالية للوحدات ليلاً، بأسلوب القتال نفسه نهاراً.

ج. افتقاد التوازن بين قدرات الأسلحة المتماثلة، المستخدمة في فروع الجيش المختلفة، جعل تكاملها صعباً، وأضعف قدرتها على تنفيذ عمليات قتالية.

2. الدروس المستفادة

أ. أهمية إعداد القوات وتدريبها على مهام العمليات المنتظرة، مما يحقق معدلات عالية أثناء تقدمها وقتالها وإنجاز مهامها.

ب. أهمية تدريب القوات، على مسرح العمليات الفعلي، أو على آخر يشابه مسرح العمليات المنتظر، مع زيادة حجم مشروعات التدريب المشترك وعددها.

ج. ضرورة استخدام أنواع جديدة من الأسلحة المتطورة، خاصة أسلحة المدرعات والمشاة الآلية والمدفعيات، بما يحقق للقوات قدرات عالية، في أسلوب تنفيذ المهام، ونتائج المعركة.

د. أهمية تطوير الأساليب والوسائل المستخدمة في الاستطلاع، من أجْل ملاحقة سرعة تطور المواقف، والقدرة على توصيل المعلومات إلى جميع المستويات، في الوقت الملائم.

هـ. ضرورة توفير الدعم الملائم للقوات، من الأسلحة المعاونة، حتى تستطيع أن تؤدي دورها، على أكمل وجه، خلال مراحل القتال المختلفة.

و. أهمية تطوير أساليب وتنظيم ومعدات القيادة والسيطرة، لتستطيع أن تواكب المعدلات العالية للعمليات.

ز. ضرورة التوسع في استخدام عناصر الحرب الإلكترونية، من أجْل إحباط الإجراءات المضادّة للعدوّ، وإضعاف قدراته على الاستمرار في القتال، أو في السيطرة على قواته.

رابعاً: دور القوة البشرية والتدريب في رفع المستوى القتالي

    الاستعداد القتالي والعوامل البشرية والتدريب، هي دروس، لا يمكن إغفالها، على الرغم من أنها ليست بجديدة، في مجال فن الحرب. فالنتائج التفصيلية للقتال البري، تشير، إلى أن أهميتها، في صنع انتصار قوات التحالف، لا تقلّ عن أهمية التكتيك والتكنولوجيا.

    ما كان للمعركة البرية، أن تتميز بالسرعة والحزم، لو لم تكن القوات على درجة عالية من الاستعداد القتالي، ومستوى التدريب، ساعدت عليهما العديد من المشروعات التدريبية المشتركة.

    إجراء العديد من المشروعات التدريبية، إبّان وجود القوات في مسرح العمليات السعودي، ساعد على الارتفاع بمستوى أدائها، بل نهوضها بأعمال الوقاية من الحرب، الكيماوية والبيولوجية، والتدريب على اختراق الموانع والدفاعات. إذ قلّلت تلك المشروعات من المشاكل والمصاعب، التي قد تواجهها القوات البرية، خلال القتال (لتضاريس الطبيعية ـ إجراءات الصيانة والإصلاح ـ التأمين الإداري).

1. نقاط القوة

أ. نشاط القوات إلى التدريبات، التي تلائم طبيعة الحرب المقبِلة. واشتمل نشاطها على:

(1)  خليط متوازن، من المناورة ورماية المدفعية وتدريب القيادات.

(2)  التدريب على ظروف الميدان، وتحت ظروف معركة واقعية.

(3)  الأسلحة المشتركة والعمليات المشتركة.

(4)  استخدام فعال لتكنولوجيا جديدة، وأسلحة جديدة؛ مع افتراض مواقف، توضح المشاكل، التي يمكن مواجهتها، مثل عمليات الإصلاح والصيانة.

(5)  التدريب على عمليات التأمين، الإداري والفني.

(6)  الاستعداد للحرب الكيماوية.

(7)  تأكيد اللياقة البدنية، لتوائم معدلات العمليات.

ب. ارتفاع المستوى تدريب ونوعية الفرد المقاتل من القوات المشتركة، في العمليات البرية، في حين اضمحلت معنويات الفرد العراقي، بسبب عنف القصف الجوي، والحملة النفسية العاتية.

2. الدروس المستفادة

أ. أهمية اختيار الفرد وإعداده جيداً، ليلائم:

(1)  مستوى التقنية العالية، التي يتعامل معها.

(2)  معدلات القتال العالية، والسريعة، التي سيواجهها خلال القتال الفعلي.

(3)  اللياقة البدنية العالية، التي تمكّنه من القدرة على الصمود، في ظروف صعبة، على مدار الساعة، ولعدة أيام متواصلة.

(4)  وهو ما يستدعي تعديل نُظُم التجنيد والتعبئة.

ب. أهمية الارتفاع بمستوى التدريب القتالي للأفراد، وتدريب القادة، من خلال مشروعات مراكز القيادة، مع مراعاة:

(1)  أن يكون التدريب فوق أرض مشابهة لمسرح العمليات الفعلي.

(2)  أن يكون التدريب في ظروف صعبة، تماثل ظروف الحرب الفعلية.

(3)  أن ينسَّق، خلال التدريب، بين الأسلحة المشتركة، حتى يمكن أن يبرز دور كل فرع، وأسلوب التعاون بين الأفرع المختلفة، وتختبر فيه كل عناصر العمليات العسكرية.

ج. ضرورة أن يكون هناك توازن بين وعاء القوة البشرية والنوعية المنتقاة، لتلائم نوعية التدريب وفاعليته.

د. استخدام الحاسبات وشبكات المحاكاة (المقلدات)، على ألاّ تكون بديلاً من المشروعات التدريبية الكبيرة المستوى؛ فهي لا يمكن أن تكون بديلاً من نوعية القوة البشرية ودرجة الاستعداد.

خامساً: تعديل الخطة الهجومية، أثناء إدارة العمليات

    التسلسل في تنفيذ الهجمات البرية تسلسلاً مفاجئاً، ودقيقاً، من أجْل إرباك العراقيين. فكان على الفِرقة الفرنسية السادسة المدرعة الخفيفة، والفِرقتَين الأمريكيتين، 82 المحمولة جواً و101  الاقتحام الجوي، من الفيلق الثامن عشر، الهجوم في اتجاه نهر الفرات الأدنى، في الساعة 0400، من اليوم الأول للهجوم، بهدف حماية الجانب الأيسر لقوات التحالف، ومنع أي تدعيمات من القوات العراقية في اتجاه الغرب، ثم منع انسحاب القوات العراقية من الكويت، شمالاً، داخل الأراضي العراقية.

1. نقاط القوة

أ. كان التدريب، ونجاح الهجوم على الحرس الجمهوري، والقدرة على قطْع طريق انسحاب القوات العراقية، شمالاً، من الكويت ـ هي العوامل المهمة في نجاح قوات التحالف، وتحقيق النصر. لذا، استخدمت خطة الهجوم الفيلق الثامن عشر والفيلق السابع، في قطع طُرُق الانسحاب على القوات العراقية وحصرها وتدميرها.

ب. قدَّرت الخطة، أن معظم القوات العراقية ستصمد وتقاتل، وأن انسحابها سيكون بطيئاً، نسبياً، وإجبارياً، نتيجة المعركة. ولكن في اللحظة التي بدأت فيها القوات العراقية بالانسحاب مذعورة من الكويت، كان لا بدّ من تعديل الخطة، من أجْل الإسراع في تحقيق الهدف الأساسي.

ج. اعتمدت الخطة، في تدمير قوات الحرس الجمهوري، على افتراض أنها ستقاوم، ولن ترتد إلى الشمال الشرقي، قبْل أن يصل إليها الفيلق الثامن عشر والفيلق السابع. وكان هذا يعني، أن القوات العراقية، في الجنوب، ستنجح في التمسك بمواقعها؛ ولكنها سرعان ما انهارت.

د. افترضت الخطة، أن القوة الجوية، قادرة على إقفال طُرُق الانسحاب، شمالاً، إذا كانت الأحوال الجوية والرؤية مواتيتَين.

    ولكن سرعة انهيار القوات العراقية وانسحابها، بعد النجاحات الابتدائية للتحالف، أديّا إلى طلب قائدَي الفيلقَين تعديل الجدول الزمني للهجوم، في الإسراع في دفع قواتهما، من أجْل تحقيق الأهداف المخططة، لمنع القوات العراقية من الانسحاب، ثم تدميرها. وأصبح الفيلقان في صراع مع الوقت، خاصة الفيلق السابع، الذي كانت قواته في الاحتياطي، صباح اليوم التالي للهجوم. وقد نجحا في تنفيذ أطول وأسرع تقدم مدرع، في التاريخ.

        لم تخلُ التعديلات على الخطة من المعوقات (نقاط الضعف)، أبرزها:

أ. أدت الأمطار، والعواصف الرملية، والدخان المتصاعد من آبار النفط المحترقة، في صباح يوم الهجوم البري، إلى الحدّ من الرؤية. ومن ثَم، فقد حدّت من الاعتراض الجوي لقوات التحالف، ومن قدرات القوات الجوية على تقديم المعاونة القريبة، ومن إمكانية تحرّك عربات الإمداد، ذات العَجَل.

ب. إن قوات الفيلق السابع والفيلق الثامن عشر، لم تستطع أن تغلق طريق انسحاب القوات العراقية من مسرح العمليات الكويتي، إلى البصرة، في الوقت الملائم، فاستطاع جزء كبير منها الانسحاب.

ج. قرار إيقاف الحرب، كان قد اتُّخذ، من دون تنفيذ الاقتحام الجوي، لإغلاق المخارج شمال البصرة؛ والمعروف أنه كان قراراً سياسياً، وليس عسكرياً.

    ولكن النتيجة، أن الإسراع، في تنفيذ الخطة، قد غيّر كثيراً من النتائج، التي كانت ستسفر عنها الخطة، لو تُركت لمعدلاتها السابقة، وأهمها:

(1)  إن الإسراع في تقدم الفِرقة الأولى المشاة الآلية، من الفيلق السابع، واختراق العمق العراقي، صباح اليوم الثاني للهجوم، باستخدام 241 دبابة (M1 A1)، وأكثر من مائة عربة برادلي المدرعة، على مواجهة ستة كيلومترات ـ أدّيا إلى نجاح هجومها، في غضون ساعتين فقط، بعد أن كان مخططاً له 18 ساعة. إذ استطاعت أن تهزم الفِرقتَين العراقيتَين 26 و48، وتأسر 5 آلاف جندي عراقي منهما. وقد ساعد هذا النجاح على زيادة سرعة هجوم التحالف.

(2)  تمكّن الفِرقة 101 اقتحام جوي، من إجبار وحدات عراقية كثيرة على الاستسلام، بإغلاقها مخارج البصرة، في 28 فبراير 1991.

(3)  إن مسارعة قائد الفيلق السابع إلى دفع آلاي الفرسان الثاني المدرع، وإتباعه بالفِرقة الأولى المدرعة، للإسراع في تطوير الهجوم ـ أدت إلى تدمير فِرقة حمورابي المدرعة العراقية تدميراً شاملاً.

2. أسباب انهيار القوات العراقية:

أ. فقدانها وسائل اتصالاتها، لمعرفة الموقف.

ب. قصورها عن تمييز الهجمات الرئيسية، من تلك الثانوية.

ج. إمكان تعرُّضها، فجأة، لهجمات الطائرات العمودية، من دون إنذار.

د. إمكانية التعرض لهجوم مجموعات قتال متفوقة، وأطقم مدربة تدريباً عالياً، والقتال على مسافات، تزيد على ألف متر.

3. الدروس المستفادة

أ. أهمية ترك الحرية للقائد الميداني، أن يتخذ القرارات الملائمة، طبقاً لما يُمليه عليه الموقف في ميدان المعركة.

ب. أهمية تعديل التخطيط، خلال إدارة العملية، ليلائم ظروف الموقف القتالي، وبما يؤدي إلى تحقيق الأهداف المحددة في الخطة.

ج. تشكيل مفارز مدرعة (تماثل تنظيم الفوج الأول، والفوج الثاني الفرسان المدرع)، من أجْل الاندفاع والضغط على العدو، لتمهد الطريق أمام اندفاع القوة الرئيسية لتطوير الهجوم، على أن يتأتى لهذه المفارز الدعم الملائم، من المهندسين والمدفعية والاستطلاع.

د. أهمية دور القوات الجوية في تقديم المساندة القريبة للقوات المهاجمة، وفي قطْع الطرُق، أمام القوات المنسحبة.

هـ. أهمية استغلال الليل في الاندفاع وتطوير الهجوم، وبما يحقق المفاجأة، ويربك القوات المعادية المدافعة.

و. الإسراع في دفع الإمدادات الإدارية، خاصة الوقود للوحدات المدرعة، ومن شأن ذلك أن يزيد معدلات تقدم القوات.

سادساً: وسائل الاتصالات والقيادة والسيطرة

    توافرت لقوات التحالف نُظُم قيادة وسيطرة واتصالات، وحاسبات (C4I/BM) حديثة. ولكن الولايات المتحدة الأمريكية، اكتشفت أن العائلة القديمة من أجهزة اللاسلكي (URC-12)، التي تمتلكها القوات البرية، تفتقر إلى المرونة والفاعلية والمدى، والقدرة على العمل في أحوال جوية سيئة؛ إلا أنها أوفر خبرة باستخدام النُظُم اللاسلكية الرقمية المحمولة جواً، وهي نُظُم خفيفة الوزن، نسبياً. يقدَّر وزنها بنحو 20 رطلاً. ولها حيّز تردد يراوح بين 30 ألفاً و87895 ميجا هيرتز (MH-2). ويبلغ عدد قنواتها 2320 قناة. ويصل مداها إلى 35 كم. وتعمل بطارياتها 1250 ساعة.

    أبرزت الحرب، أن التطوير الذي طرأ على أجهزة الاتصال، لم يكن كافياً لاحتياجات الفيلقَين، السابع والثامن عشر، كما أبرزت الحاجة إلى مراجعة قدرات الاتصالات التكتيكية، للجيش الأمريكي ومشاة البحرية.

الدروس المستفادة

1. أهمية تطوير نُظُم الاتصالات، على المستويَين، العملياتي والتكتيكي، بحيث يكون كامل الاندماج، وقادراً على الفتح السريع، في مصلحة المعركة البرية ـ الجوية.

2. أهمية استخدام وصلات الأقمار الصناعية، لتفادي المسافات التقليدية، وطبيعة الأرض، ومشاكل الأحوال الجوية، التي تؤثّر في نظام الاتصالات داخل المسرح.

3. ضرورة استخدام مدى واسع جداً من الترددات، لتلافي المشاكل الخاصة ببيانات الاتصالات، وإعطاء الترددات العسكرية مجالاً واسعاً.

4. دعم العمليات البرية ـ الجوية، بوسائل اتصالات، تعتمد على وسائل اتصالات متمركزة في الفضاء، أو محمولة جواً، وذلك من أجْل خلق نظام اتصالات فعال، والتي تتطلبها عمليات الفتح السريع؛ وتوفّر نظام قيادة وسيطرة واتصالات واستخبارات وحاسبات، يواكب المعدلات العالية للحرب.

5. أهمية التحول إلى نُظُم اتصالات رقمية مؤمنة، حديثة، بعيدة المدى، لتدعيم العمليات البرية ـ الجوية العالية المعدل.

6. ضرورة إعادة التفكير في بناء نُظُم القيادة والسيطرة والاتصالات والاستخبارات والحاسبات وإدارة المعركة (C4I/BM)، في ضوء الحاجة إلى استخدام أقمار صناعية قليلة النفقات، ومكونات نظام رخيص.

سابعاً: الإسناد، الإداري والفني

1. نقاط القوة

أ. أسهم الإسناد الإداري، على مستوى التشكيلات الميدانية، في تأمين عمليات الإمداد والتموين للقوات، سواء خلال مرحلة الفتح العملياتي للهجوم، أو أثناء الهجوم نفسه.

ب. حافظ التأمين الفني على استمرار تقديم المعاونة، من إصلاح وصيانة للمعدات، خاصة الدبابات والعربات المدرعة والمعدات الإلكترونية الدقيقة، خلال مراحل التقدم والفتح للقتال، على الرغم من سوء الأحوال الجوية (المطر ـ العواصف الرملية).

ج. زاد التدريب العالي لأطقم التأمين الفني، للقوات الجوية، عدد الطلعات الممكنة؛ ووفّر استمرار تقديم الإسناد النيراني الجوي القريب للقوات.

2. الدروس المستفادة

أ. التخطيط الإداري الجيد، عامل حاسم في نجاح العمليات. فقد تهيأت كل الإمكانات للتشكيلات والوحدات، في الوقت الملائم، ولم يعوزها أي نوع من أنواع الإمدادات الإدارية، طوال مراحل القتال المختلفة.

ب. أهمية توفير نظام صيانة متطور، في حروب الصحراء، يلائم بيئتها القاسية (الرمال ـ درجات الحرارة المرتفعة).

ج. ضرورة دفع أقسام إسناد إداري متقدم، تخرج من القواعد الميدانية الرئيسية، من أجْل تقديم الإسناد الإداري المتواصل، على مدار الساعة (ليلاً نهاراً)، وبما يوافق مهام العمليات، فتسير العمليات، جنباً إلى جنب، مع عمليات الإمداد.



[1] اشتركت وحدات مشاة الأسطول الأمريكية مع القوات العربية في هذا الاتجاه.

[2] احتلت القوات العراقية دفاعاتها في ثلاثة أنساق متتالية فيما بين الحدود المشتركة مع الكويت والسعودية وحتى جنوب البصرة. وقد استند النطاق الأمامي على مانع قوي من الخنادق وحقول الألغام والموانع الخرسانية والمصائد البترولية. وإلى الخلف منه وفي العمق القريب بين مدينة الكويت شرقاً ووادي الباطن غرباً، امتدت خنادق النطاق الثاني وموانعه القوية، ثم النطاق الثالث وبنفس درجة التجهيز، إلى الجنوب مباشرة من مدينة البصرة.

[3] تمت تحركات الفيلق 7، الفيلق 18 بين 17 يناير إلى 24 فبراير خلال فترة الحملة الجوية. وتحرك الفيلق 18 حوالي 260 ميلاً إلى الغرب وتحرك الفيلق السابع حوالي 150 ميلاً وكانت العربات تتحرك عادة بفاصل 15 ثانية. وقامت الطائرات سي ـ 130 بتوفير نقل جوي مكثف للمسرح إلى مواقع جديدة بالقرب من رفحا، وكانت الطائرات سي - 130 تطير على ارتفاعات منخفضة لتقليل احتمال اكتشاف العراق لها، ومن ثم تقوم بأي عمل يعرقل الحملة الجوية الجارية. وكان معدل الإقلاع والهبوط للطائرات سي ـ 130 هو طائرة كل سبع دقائق، 24 ساعة في اليوم لمدة 13 يوماً.

[4] يقول الجنرال ويليام كايس قائد الفرقة الثانية مشاة اسطول: "أن أكبر خطأ إرتكبته مخابراتنا كان في إظهار صدام حسين وقواته بأنها وحش لا وجود له"