إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / المسرح الدولي والإقليمي والعربي (خلال الفترة من 1980 إلى 1990)









وثيقة

وثيقة

بيان الشيخ صباح الأحمد الصباح، نائب رئيس الوزراء، وزير خارجية الكويت

أمام مجلس الأمّة الكويتي

في 20 مارس 1984

في شأن الجهود التي بذلتها الكويت في وضع حدّ للحرب العراقية ـ الإيرانية

 بسم الله الرحمن الرحيم

سعادة الأخ الرئيس.

الإخوة أعضاء مجلس الأمة الكرام.

    أشكركم جميعاً لإتاحتكم الفرصة لي، لألقي أمامكم بياناً موجزاً، حول الجهود المبذولة لوضع حدٍّ للحرب الدامية، التي تدور رحاها بين العراق الشقيق والجارة المسلمة إيران، على مدى أكثر من ثلاث سنوات. وكان هدف الكويت من تلك الجهود، هو التوصل إلى الحلول العادلة، التي تكفل ضمان حقوق الطرفَين، وإنشاء علاقات حُسن الجوار، كي يسود الأمن والاستقرار في المنطقة، لخير الأمّة العربية والإسلامية.

    ولا شك أننا جميعاً متفقون على الطبيعة المأساوية، والخطيرة، لهذه الحرب. كما أننا مجمعون على الشعور العميق بالألم، لاندلاعها واستمرار تصاعدها، وما تنطوي عليه، من مخاطر متشعبة وتعقيدات مخيفة، على الدولتَين المتحاربتَين، وعلى المنطقة ـ ونحن في قلْبها ـ بل والعالم بأسْره.

أيها الإخوة.

    إن موقفنا من هذه الحرب واضح، منذ اندلاعها. فنحن ندرك، بيقين مطلق، بأنه لا معنى لاستمرارها، فضلاً عن بداية اشتعالها. إذ ليس هناك بين البلدَين الجارَين المسلمَين، أية مشاكل، يستعصي حلها، إذا ما خلصت النوايا، وتوافرت الإرادة السياسية. وهناك من القوانين الدولية والمواثيق والمعاهدات، ومن القنوات الشرعية، عبْر المنظمات، الإقليمية والعالمية، ما يغْني عن الاحتكام إلى السلاح. وفوق هذا وذاك، فإننا كمسلمين، لنا من مقاييس العدل والتسامح، المستمدة من كتابنا العظيم وهدْي رسولنا الكريم، ما يفتح أمامنا سُبُل الحل لكل معضلة أو مشكلة. هذا، وفي الوقت الذي نقول ذلك، ندرك تماماً، بأن هناك من الأسباب ومن التعقيدات، الإقليمية والدولية، التي أفسحت الظروف أمام استمرار وتصاعد هذا الصراع الدامي. ولعل غياب التضامن العربي، والانقسامات التي ابتُلينا بها، وتصدّع الصف العربي وتوزُّعه بين جهات متعددة، تشكل أحد أهم العوامل لهذه المأساة واستمرارها.

    ولَعلّي لا أكرر القول، حين أشير بأن الكويت، أدركت المخاطر، التي أنذرت بها غيوم الشك والريبة، وهي تخيم على علاقات البلدَين، العراق وإيران، قُبَيل سبتمبر 1980، فبادرنا باتصالات ثنائية، محاولين إزالة أسباب ذلك التوتر، الذي أدى، فيما بعد، إلى المجابهة العسكرية. وتلا ذلك المشاورات، التي أجراها صاحب السمو، الأمير المفدى، مع بعض زعماء الدول الشقيقة، وحل المشاكل بين الطرفَين بالتفاوض، وبما يحفظ الحقوق العاجلة، والمشروعة، لكلا الطرفَين.

    وبطبيعة الحال، فإننا في الخليج العربي، والحرب تدور في منطقتنا، بين إخوتنا في العراق الشقيق وبين الجار المسلم في إيران، نستشعر مدى فداحة النزيف الدموي، وإهدار طاقات البناء الحضاري. لذا، فعندما قام مجلس التعاون الخليجي، اكتسبت الجهود، التي كانت تبذلها الكويت، قبْل قيام المجلس، قوة دافعة إلى الأمام، وذلك نتيجة لتأطير الجهود الخليجية، الساعية لإنهاء هذه الحرب، من خلال هذا المجلس. وقد تمثل أحد تلك الجهود من قِبل المجلس، في البعثة التي أرسلها المجلس إلى كلٍّ من طهران وبغداد، والتي كان لي شرَف عضويتها، مع الأخ الكريم، وزير الدولة للشؤون الخارجية في دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة. وكما تعلمون جميعاً، فقد قمنا بزيارة لكلٍّ من طهران وبغداد. وأستطيع أن أقول، إننا شعرنا بارتياح كبير، للقدر الذي أظهره الإخوة المسؤولون في كلٍّ من بغداد وطهران، من الاستعداد للتعاون مع مهمتنا، قبْل أن يطرأ تغيير مفاجئ، وفي اتجاه مخالف.

    وأودّ أن أقول أمامكم، إننا في مجلس التعاون، لا نعتبر مهمتنا منتهية، بل إننا لا نزال رهن إشارة طهران، إذا ما ارتأت أن مواصلتنا لهذه المهمة، سيكون مفيداً لخدمة الهدف المنشود، وهو إيقاف الحرب. كما كان من الجهود المتعبة، والكثيرة، التي بذلت من قِبل مجلس التعاون، أن قام أصحاب الجلالة والسمو، قادة دول المنطقة، بإرسال الرسائل والمندوبين إلى زعماء الدول الصديقة، وبشكل خاص زعماء الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي، مناشدينهم جميعاً بعمل كل ما يستطيعون، خارج مجلس الأمن أو من خلاله، لإيقاف هذه الحرب. وقد مثل مجلس التعاون الخليجي البوتقة، التي انصهرت فيها مواقف الدول الأعضاء، وتماثلت بحيث إننا نستطيع القول، وبكل ثقة، إن الموقف الخليجي تجاه هذه الحرب، بكل أبعادها وجوانبها، والسعي المخلص لإيقافها، هو موقف موحَّد.

    وبطبيعة الحال، فإن وجود ذلك الموقف الخليجي الموحَّد، لم يحُلْ دون استمرار الدول الخليجية ببذل ما تستطيعه من جهود منفردة، بما فيها استمرار الكويت في إجراء اتصالات مكثفة مع جميع منظمات وقوى ودول العالم، ومنها الرسالة الأخيرة، التي وجّهها صاحب السمو الأمير إلى السيدة إنديرا غاندي، بصفتها رئيسة الدورة الحالية لمؤتمر قمة عدم الانحياز، والتي يحثّها سموّه فيها على بذل المزيد من الجهود من قِبَلها وقِبَل الحركة، لإنهاء الحرب.

    وفي إطارنا العربي، فإن مؤتمر القمة العربي الثاني عشر، الذي انعقد بفاس، بالمملكة المغربية الشقيقة، في سبتمبر 1982، قد أتاح الفرصة لقادتنا، لتناول هذا الموضوع، بجوانبه المختلفة، حيث اتضحت المواقف، واتُّخذت القرارات على ضوء تلك الأحداث.

    كما أن الاجتماع الطارئ لمجلس جامعة الدول العربية، الذي انعقد على مستواه الوزاري، في بغداد، أخيراً، يمثل استمراراً طبيعياً، ومتابعة منطقية لِما اتفقت عليه الدول العربية في مؤتمر فاس. ولا شك أن الاستجابة والمشاركة الفعالة، التي تمثلت في ذلك الاجتماع، تعكس مقدار ما يشعر به الأشقاء من عِظَم المسؤولية، التي تواجهنا في هذه المرحلة من تاريخنا. هذا، ولقد أسفر الاجتماع في بغداد عن قرارات، تضمنت تأكيداً حقيقياً للنهج السلمي، والتصالحي، الذي تميزت فيه المعالجة العربية لمسألة الحرب بين العراق وإيران. ولا شك بأن اللجنة، التي شكلها مؤتمر بغداد الأخير، لمتابعة تنفيذ ذلك القرار ستضع هذه الحقيقة نصب أعينها أثناء سعيها لأداء مهمتها. وكما هو معروف، فإن اللجنة تتكون من وزراء خارجية كلٍّ من العراق، المملكة العربية السعودية، الكويت، تونس، الأردن، المغرب، الجمهورية العربية اليمنية، والأمين العام لجامعة الدول العربية. وستعقد هذه اللجنة اجتماعها الأول في تونس، في نهاية الشهر الحالي.

    هذا، وإن الموقف العربي الراهن، يحمّلنا واجب القول بأن علينا، كعرب، مسؤولية أعظم في العمل بجهد وجدّ على إيقاف هذا النزيف، البشري والمادي. وذلك لن يتأتى لنا، إلاّ بالارتفاع عن حضيض الخلافات الجانبية، إلى قِمة المسؤولية القومية، بتهيئة الظروف لقيام صف موحَّد، وتضامن حقيقي، يرقى بنا على كل المعوقات الآنية. فمصير أمتنا، تتهدده الأخطار من كل جانب، وبأيدينا، وحدنا، يمكن الحل، متى توحدت الإرادة، وصدق العزم. ولا شك أن مضامين ميثاق الجامعة العربية، ونصوص معاهدة الدفاع العربي المشترك، وبقية المعاهدات والمواثيق العربية، لو أتيح لها التطبيق العملي المخلص، لتمكنت بها أمّتنا العربية من تجاوز الكثير من العقبات، التي واجهتها في مسيرتها العشوائية، وجنّبتها من المزالق الشيء الكثير، ووفرت عليها من دماء أبنائها، وطاقات شعوبها المهدورة من بناء حاضرها ومستقبلها.

    وإسلامياً، فقد استجاب مؤتمر القمة الإسلامي الثالث، الذي عقد في مكة والطائف، للاقتراح الذي قدمته الكويت، وشاركتها فيه بعض الدول الإسلامية الأخرى، بشأن تشكيل لجنة من بعض قيادات الدول الإسلامية، تسعى للتوسط لإنهاء هذه الحرب. وقد بذلت تلك اللجنة، التي يرأسها الزعيم الأفريقي الكبير، الأخ الرئيس أحمد سيكوتوري، جهوداً حثيثة نحو تلك الغاية. وقد مدد مؤتمر القِمة الإسلامي الأخير، في الدار البيضاء، مهمة هذه اللجنة.

    أما في حركة عدم الانحياز، فقد بدأ التجاوب يتزايد بشكل ملحوظ، مع دعوة للاستمرار في العمل، لإنهاء هذه الحرب، حيث إن الحركة، ممثلة باجتماعاتها المختلفة ورئاستها الحالية، السيدة غاندي، تبذل جهوداً خاصة في هذا المجال.

    ورغم هذه الجهود المبذولة، خليجياً وعربياً وإسلامياً، فإننا نشعر بأن على الأمم المتحدة مسؤولية خاصة. فلقد أصدر مجلس الأمن قراره المرقم 540، وتضمن، فيما تضمن من فقرات، دعوة الأمين العام لمتابعة هذا الموضوع، الذي يهدد السلم والأمن في العالم. ولذا فإن الأمين العام للأمم المتحدة، مطالب، وبشكل مُلحّ، الآن، بضرورة التحرك السريع، وإعطاء هذه القضية الأهمية، التي تتناسب وفداحة المخاطر، التي تنجم عنها.

    كما أن دول العالم الكبرى، والتي لها مصالحها العالمية ومسؤوليتها الدولية، عليها ألاّ تستمر في الوقوف متفرجة على أنهار الدماء وسُحُب الدمار، دون اتخاذ أية خطوة، هي في قدرتها على اتخاذها. ونحن، هنا، لا ندعوها إلى التدخل لصالحها، ولكن ندعوها لبذل جهد أكبر لصالح السلام والأمن الدوليَّين.

    وفي الختام، أيها الإخوة، أودّ أن أجدّد التأكيد على العناصر الرئيسية لموقف الكويت الحالي من هذه الحرب، والذي لا يختلف، في جوهره، في الواقع، مع الموقف المعلَن من قِبَل الدول الأعضاء في مجلس التعاون وجامعة الدول العربية.

1. إننا، وبلا أدنى تحفّظ، ضد استمرار هذه الحرب. كما أننا لا نرى مبرراً معقولاً، ومقبولاً، لاستمرارها.

2. إننا ندرك الخطورة القصوى، لاحتمال تدخل القوى الأجنبية في شؤون المنطقة، نتيجة لاستمرار هذه الحرب.

3. إننا لَعَلَى يقين بوجود أفضل الإمكانيات للتوصل إلى حلول معقولة، وعاجلة، لكل المشاكل العالقة بين العراق وإيران، وذلك عن طريق التفاوض، وبالطريقة التي يرتضيها الطرفان.

4. إنه لَمِن الإنصاف والحقيقة، أن نشيد، هنا، بما أظهره العراق الشقيق، من تجاوب بنّاء مع مختلف الوساطات، التي بذلت حتى الآن، لوضع حدّ لهذه الحرب. كما أننا نناشد، وبكل صدق وإخلاص، الجارَة، جمهورية إيران الإسلامية، للجنوح للسلام، والاستجابة للنداءات المخلصة، التي تطالب بوضع حدّ لهذه الحرب ولهذا النزيف المحزن لإمكانيات، لا شك بأن العالم الإسلامي، هو، الآن، في أمس الحاجة لها، في مواجَهته مع أعدائه الحقيقيين.

والله أسأل، أن يلهمنا صدق القول وسواء السبيل.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.