إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / المسرح الدولي والإقليمي والعربي (خلال الفترة من 1980 إلى 1990)









وثيقة

وثيقة

ترجمة

رسالة الرئيس صدام حسين

إلى كلٍّ من

قائد الثورة الإسلامية الإيرانية، علي خامنئي

والرئيس الإيراني، علي أكبر هاشمي رافسنجاني

في 19 مايو 1990

 السيد/ علي خامنئي.

السيد/ علي أكبر هاشمي رافسنجاني.

    تلقيت خطابكم، المؤرخ في 6 شوال 1410هـ، الموافق الأول من مايو 1990م، رداً على خطابنا في 26 رمضان 1410هـ، الموافق الحادي والعشرين من أبريل 1990م. وقد قرأته، وإخواني في القيادة، وأعدنا قراءته عدة مرات.

    ومع أننا فهمْنا من خطابكم، أنكم توافقون ـ وهو أمر يسرّنا ـ على اقتراحنا، عقد لقاء بيننا، على مستوى القِمة، سعياً إلى حل حاسم، ونهائي، للمشاكل المهمة المعلَّقة، بين بلدينا، والتي نجمت عن الحرب، أو كانت لها سبباً، إلاّ أن روح الخطاب نفسه، لم تَكُ كما كنا نأمل. فقد تضمنت بداية الخطاب كنايات واستعارات ساخرة، ترددت في متنه، ما أمكن السياق ترديدها، فضلاً عن عبارات قاسية، في نهايته.

    السادة الأفاضل، عندما فكّرنا في الكتابة إليكم، مباشرة، كنّا نضع في حُسْباننا شتى جوانب علاقتنا الخاصة. ورأينا أن التراسل المباشر، وما يتمخض به من علاقة، لهو أبلغ أثراً في تحقيق اتصال وحِوار مباشرَين، وأنه لا طريقة أفضل أو أجدى أو أكثر فاعلية، من ذلك، لتحقيق السلام الذي نتمناه بين العراق وإيران، بل بين الأمّة العربية وإيران. فنحن نعلم، ونفترض أنكم تعلمون، أن السلام بيننا، لا يمكن تحقيقه من طرف واحد، يكون مقتنعاً به، بينما الطرف الآخر ليس على الدرجة نفسها من الاقتناع، أو من طرف واحد يوليه اهتمامه، بينما الطرف الآخر، يلتفت عنه، ولا يشارك الطرف الأول في الأفكار، والمعاني، والوسائل عينها.

    قبل كتابة خطابنا إليكم، استعدنا حقيقة أننا قد تبادلنا أشد التعبيرات، وربما أكثرها حدّة، على مدى السنوات العشر الماضية. وبغض النظر عن التأثير، الذي تركه ذلك الأسلوب في الصراع والحرب بيننا، فهو لم يحقق السلام.

    لقد تضمن خطابكم تعبيرات مثل:"الحرب المفروضة"، و"الفهم البطيء". واختتمتم، كذلك، بعبارة: ]وَالسَّلاَمُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى[[1]w. بدلا من استخدام "السلام عليكم"، وهي التحية المألوفة، عادة، في مثل هذه المراسلات.

    ولأننا نريد السلام، من أجل معانيه العظيمة لنا ولمعتقداتنا ـ فإن رسالتنا، تتضمن مفاهيم وتعبيرات، توافق فهْمنا الإنساني وأهدافنا النبيلة. ومن ثَمّ، لم نستخدم إلاّ التعبيرات، التي ترضي الله، ثُم الشعوب. وبداية، فإن استخدامنا هذه التعبيرات، لا يعني تغييراً في مفاهيمنا ووجهات نظرنا؛ بقدر ما يعني أننا نرغب في فتح صفحة جديدة، تجعلنا أقرب إلى الطرف الآخر، وأقدر على التأثير فيه تحقيقاً للسلام، وهو ما نَعُدُّه هدفاً نبيلاً، في مصلحة شعبَينا، والإنسانية كلها. ولأن هذا هو الأكثر مواءمة لتحقيق ذلك، فإن الواجب يحتم علينا انتهاج أسلوب جديد في تخاطبنا، أسلوب يختلف عن الأسلوب الذي اتّبعناه، أثناء الحرب، وقبْلها. ولا شك أن اللجوء إلى معجم التعبيرات والكلمات، الذي رُكن إليه، أثناء الحرب، لن يوحي بازدياد قوة أيٍّ من الطرفَين. كما أنه لن يساعد على تأكيد أي حق يدعيه أحدهما. إضافة إلى ذلك، فإن استخدام تعبيرات لائقة في التخاطب، حتى لو لم يضف جديداً إلى قوة أي طرف ولم يساعده ـ بعد الاعتماد على الله ـ فهو لن يضعف من قدراته، كما أنه لن يلغي أي حق ثابت له، بل قد يكون طريقاً مضيئاً للقلوب، التي أرهقتها الحرب، وسببت لها جراحاً عميقة. وسيعينها على تلمس الحقيقة، ويؤهلها لفعل ما هو ملائم لإرساء السلام.

    ومن ثَمّ، فإن الأولى بنا، ألاّ نجزم، في التخاطب، بأن ما نعتقده، من وجهة نظرنا، هو حق لنا، حتى لا تسارعوا أنتم إلى الجزم بأن ما تعتقدونه هو حق لكم. وبذلك، سيفتقد كلانا الاستعداد النفسي المطلوب، لقبول الحِوار المباشر بيننا. ولا نعني، بقولنا هذا، إغلاق باب الحِوار، الذي قد يمهد الطريق، من خلال الاتصال المباشر، لِما يراه كلانا أمراً مجدياً؛ فيدرك كلٌّ منّا الصلة بين الخطوة الأولى والخطوة الأخيرة، على طريق السلام؛ ويكون في مقدوره النظر إلى عملية السلام، على أنها حق كلها، منذ بدايتها الأولى؛ ورؤية الصلة بين ما يَعُدّه أحدنا حقاً له، وما يَعُدّه الآخر حقاً له.

    ومن الأفضل لنا، ونحن نسعى إلى السلام، ألاّ يشغل أحدنا نفسه بالماضي، على حساب المستقبل، لأن مَنْ يفعل ذلك منّا، يظل في نظر شعبه ـ والشعب أكثر قدرة على معرفة توجهات كل طرف ـ متهماً ببطء الفهم. وإننا، حين نقول ذلك، لا نريد الهروب من الماضي، لأنكم تعلمون، أو يمكنكم أن تدركوا، أننا قادرون على تقديم الوثائق الكافية، التي تدعم وجهة نظرنا، في شأن البادئ بالحرب والعدوان، وكيف بدأ ذلك كله. وتعلمون، كذلك، أن لهذه الوثائق تأثيرها الفعّال في إقناع الجزء الأكبر من شَعْبَينا، والإنسانية على نطاق واسع، بصورة تفوق التصريحات، والتصورات المسبقة لكلٍّ من قيادتَي البلدَين.

    إنكم مدركون، تماماً، أن المسائل المتعلقة بهذه القضية، والاستغراق فيها، إذا أصررنا على أن تكون هي بداية محادثاتنا، لدلالاتها ذات التسلسل الزمني، كما تعودتم أن تقولوا قبل يوليه 1990 ـ تتطلب وقتاً وجهداً في الحِوار، يمتدان فترة زمنية، ستكون طويلة مثل سنوات الحرب، أو أطول منها. وإنكم تدركون جيداً، كذلك، أن لكل طرف في هذا الصراع، رؤيته الخاصة إلى بداية انفجار الصراع. وبناءً عليه، فإن كل طرف، سيؤسس رأيه على حقائق، عملية وقانونية، تغاير الحقائق التي يستند إليها الطرف الآخر. وسيتأتى، من ذلك، تحديد الطرف الذي فُرضت عليه الحرب، والطرف الذي استبدل الرسائل بالحشود العسكرية.

    أمّا قرار مجلس الأمن، الرقم 598، فمنذ قبولنا إياه، حين صدوره، في يوليه 1987، توخينا أن يكون خطة سلام شامل، ودائم، تتضمن ما يمكن البلدَين أن يوافقا عليه. وَقدّرنا أن فقراته ومبادئه، ستساعدنا على التوصل إلى اتفاق. فالتزمنا به، ولا نزال ندعو إلى ضرورة تنفيذه، بناءً على هذا الفهم. فنحن، في سعينا إلى السلام، ترتكز مواقفنا على الرغبة المشتركة لكلا البلدين في السلام، وإدراكهما المنافع التي يجنيانها منه. ونعتقد، كذلك، أن لديهما الحماسة نفسها، للتوصل إلى هذا السلام.

    ومن ثَمّ، نرى ألاّ يُطلب من أيٍّ من طرفَي الصراع، أن يدفع ثمناً مقدماً للقاء المباشر. ونقدر أن الشرطَين الوحيدَين، اللازمين للقاء، هما: الرغبة الجادّة في السلام، واستخدام مصطلحات عملية ذات دلالة. وحينما يتحقق السلام، فمن المؤكد، أن جيش كل بلد، سيكون على ترابه، ولن يكون له وجود على أي شبر أو بوصة على أراضي البلد الآخر، أو في مياهه الإقليمية ـ وهي التطورات التي خلقتها الظروف، والاعتبارات الخاصة المرتبطة بوقف إطلاق النار، وموقف اللاحرب، واللاسلم.

    ذكرتم في رسالتكم أنكم انسحبتم من الأراضي العراقية. وهنا، تشيرون إلى انسحابكم من حلبجة (Halabjah)، تحت ظروف خاصة، ومعروفة جيداً، إلى آخر ما ورد في تلك الفقرة من رسالتكم.

    وتعليقنا على ذلك، هو أننا، انسحبنا، كذلك، من أرضكم، التي دخلتها جيوشنا، تحت ظروف معروفة تماماً، في بداية الصراع المسلح، عام 1980. وكان هذا الانسحاب في 20 يونيه 1982، ومهدنا له بإعلاننا إياه، في 10 يونيه 1982، في وسائل إعلامنا. وقلنا إِننا سننسحب في فترة أقصاها عشرة أيام. وقد نفذنا وعْدنا بالفعل. أمّا انسحاب قواتكم من حلبجة، فقد أملته عليكم ظروف قتالية خاصة، تختلف عن ظروف انسحاب جيوشنا.

    فإذا كنتم تستدلون بانسحابكم من حلبجة، على حُسن النية، التي تظهر أنكم لا تطمعون في أراضي أحد، فإن مما يُدَعّم موقفنا ويعززه، أن انسحابنا من أراضيكم، عام 1982، وكذلك بعد معركتنا الرابعة،"توكلنا على الله"، في القطاعَين، الجنوبي والأوسط، في يوليه 1988، هو دليل آخر يُضاف إلى الأدلة، التي تُظهر حُسن نيتنا، ورغبة العراق عن الاحتفاظ بأي بوصة من الأراضي الإيرانية.

    وأيّاً ما كان الأمر، فنحن نعتقد أن السلام، يعني أنه لا ينبغي لأي طرف، أن يغتصب أيّاً من حقوق الطرف الآخر. ويعني، كذلك، أنه لا ينبغي لأيٍّ من طرفَي الصراع، أن يحتفظ بأي بوصة من أراضي الطرف الآخر، أو مياهه الإقليمية. هذه هي السياسة التي ننتهجها، ونلتزم بها، في أحلك الظروف وأشدها خطراً. ولذا، فمن الطبيعي أن نلتزم بها في الوقت الذي نستحثكم على الالتزام بها، وأنتم تخوضون مباحثات السلام، لتساعد على تحقيق السلام ـ بإذن الله.

    وقد عَلِمْنا من ردّكم على استفسارات سفيرنا إلى جنيف، التي قدّمها إلى سفيركم هناك، في شأن ما ورَد في خطابكم إلينا، في صدد لقاء أولي بين ممثلَيْن من كلا الجانبَين، أنكم تفضّلون هذا الأسلوب، في الإعداد للقاء على مستوى القِمة. ونحن نوافق على هذا الاقتراح، وقد كلفنا برزان إبراهيم التكريتي، سفيرنا إلى جنيف، إجراء محادثات، في هذا الشأن، مع سيروس ناصري (Sirus Naseri)، سفيركم هناك.

    ونحن نرى، أن مهمة مندوبَيْنا، هي تبادل وجهات النظر، في خصوص مواقف كلا الجانبَين، ليتمكن كل جانب من أن يتعرف بنفسه مواقف الطرف الآخر من القضايا، التي تستأثر باهتمامه. وعسى أن يكون في مقدور ممثلَيْنا أن يتفقا على بعض النقاط، التي تسهم في توضيح الصورة أمامنا، حين لقائنا على مستوى القمة. فتتيح لنا التفرغ لمعالجة سواها من نقاط الخلاف.

    وأمّا عن مكان عقد لقاء القِمة، فما زلنا ننتظر رداً محدداً من جانبكم، إذ لم نجد، في خطابكم، رأياً محدداً في شأن المكان الذي اقترحناه، وهو مكة المكرمة. ولعل هذا الأمر يصبح إحدى النقاط الأساسية، التي يناقشها مندوبانا.

    وكذلك المؤتمرون، فما زلنا نعتقد أن هذا اللقاء، يجب أن يضم صُنّاع القرار الأساسيين، في كلا البلدَين، ليثبت أنكم تقبلون، بالفعل، فكرة عقد لقاء على مستوى القمة، وتسعون، معتمدين على الله، إلى التوصل إلى هذا الهدف، بالتعاون معنا. فحضور كلٍّ منّا على مستوى القمة، يُعَدّ اختباراً لجدية الاتجاه إلى تسوية القضايا، من خلال حلول نهائية، مقبولة من كلا الجانبَين. فإذا تحقق هذا ـ بعون الله ـ فسوف يسود سلام دائم، وشامل. إنّ عدم حضور صُنّاع القرار الأساسيين، الذين يمكنهم أن يقولوا لا أو نعم، لقاء القمة هذا، سيؤثر في تنفيذ ما يُتفق عليه، وفي مدى الالتزام به. كما أنّ غيابهم، لن يحقق الهدف من لقاء القِمة، ولن يزيل مخاوفهم بالشكل المطلوب، وقد يؤدي إلى تعويق أو تعديل أي قرارات، يمكن التوصل إليها، أثناء اللقاء.

    إضافة إلى ذلك، إن السلام يبدأ حيث تبدأ بدايته النفسية، داخل أولئك الذين ينسجون خيوطه، لكي يظل ثابتاً في القلوب. ومن ثَمّ، فإن مَنْ يشارك في صنع السلام، منذ البداية، سيكتشف أنه مسؤول، نفسياً وأخلاقياً، عن تنفيذه والالتزام به.

    وفوق هذا كله، فإن حضور جميع صُنّاع القرار، سيجنبنا أي مبرر، قد يعقِّد عملية السلام، أو يعوّقها، بعد الموافقة عليها. واستطراداً، نكرر تأكيد اقتراحنا، أن يحضر لقاء القمة، من جانبنا، رئيس مجلس قيادة الثورة، رئيس الجمهورية، ونائب رئيس مجلس قيادة الثورة؛ ومن جانبكم، السيد علي خامنئي، والسيد علي أكبر هاشمي رافسنجاني. والله شهيد على حُسن نيتنا.

والسلام عليكم.

            التوقيع

       صدام حسين

بغداد، في 24 شوال 1410 هـ

الموافق 19 مايو 1990م



[1] تعبير خاطب به موسى ـ u ـ فرعون (سورة طه، الآية: 47)، وتعبير استخدمه الرسول ـ r ـ في رسائله إلى حُكام الروم، والفرس، والحبشة، وهو يدعوهم إلى الإسلام