إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / المسرح الدولي والإقليمي والعربي (خلال الفترة من 1980 إلى 1990)









مقدمة

مقدمة

    على الرغم من أن النظام العربي، قد أخذ يفيق من أزمته الهائلة، الممتدة طوال الفترة من 1978 إلى 1987، فإن التحول الجذري لهيكل السياسة الدولية، قد أظهر ضعف هذا النظام، داخلاً وخارجاً. وسريعاً ما وصلت صحوة النظام العربي، التي بدأت مع مؤتمر القمة العربي غير العادي، التي عُقدت، في عمّان،  في الفترة من 8 إلى 11 نوفمبر 1987، إلى ما يشبه الطريق المسدود، بسبب استنفاد فرص وإمكانات الصيغة السياسية، التي نهضت عليها هذه الصحوة، وهي صيغة"تنقية الأجواء العربية". ولم يحدث ذلك بسبب الصعوبات الشديدة، التي أوقفت استكمال تنقية الأجواء العربية، أمام صخرة التنافس السوري ـ العراقي فحسب، بل أصبحت القضية الرئيسية، هي نمط الاستجابة للتغيرات العالمية، التي جلبت تحديات عاصفة للأمن العربي، الفردي والجماعي، وهزت بعنف مكانة العرب، الدولية والإقليمية.

    لقد كان النظام العربي في حاجة إلى سياسة جديدة، قادرة على الانتقال من الميراث السياسي لفترة الأزمة الطاحنة، التي أعقبت توقيع اتفاقية كامب ديفيد، في 17 سبتمبر 1978، وانفجار الحرب العراقية ـ الإيرانية، في 22 سبتمبر 1980، إلى إستراتيجية موحدة، لمواجهة التهديدات والتحديات، الناجمة عن التحولات في السياسة العالمية، في بداية التسعينيات. وقادرة، كذلك، على صياغة برامج محددة، لضمان اطِّراد تقدم الصحوة القومية، ووضع أُسس انطلاق حقيقية لها. والواقع أن المسألة، لم تُثَر على هذا النحو. فانطوت سياسة"تنقية الأجواء العربية"، على الاعتقاد بكفاية العودة إلى نمط العلاقات العربية، السابقة على الأزمة. وكان من الطبيعي أن يؤدي الاستنفاد السريع لإمكانات فلسفة"التنقية"، إلى وقف عملية الصحوة، في نهاية المطاف. وظهر ذلك واضحاً عندما قرر مؤتمر القمة العربي غير العادي، الذي انعقد في الدار البيضاء، في الفترة من 23 إلى 26 مايو 1989، تكليف لجنة الخبراء بإعادة النظر في مشروع الميثاق الجديد للجامعة. وانتهى الأمر إلى الاقتصار على أمل تعديل الميثاق.

    ويمكن الربط، بشكل خاص، بين إقدام النظام العراقي على إشعال نيران الحرب ضد إيران، في 22 سبتمبر 1980، وبين إقدامه على غزو الكويت، بعد زهاء عشر سنوات من هذا التاريخ. كانت إرهاصات الغزو، قد تكونت من النتائج المؤلمة للحرب ضد إيران. وإذا كان من الصعب عزل هذا الغزو عن نتائج الحرب العراقية ـ الإيرانية، فإنه من الصعب، كذلك، عزله عن سياقه العربي.

    لقد أدى النزاع العراقي ـ الإيراني إلى ارتباط العراق، شيئاً فشيئاً، بالدول الغربية، إذ أحس أنه قد أصبح في حاجة إلى مساندة الولايات المتحدة الأمريكية، الراغبة بدورها، في المحافظة على التوازن الإقليمي، وذلك بإمدادها العراق باحتياجاته، من طريق الدول الصديقة لها في منطقة الخليج .

    وعلى الرغم من الأزمات الاقتصادية الطاحنة، التي بدأ العراق يواجهها، بعد نهاية الحرب، إلاّ أنه ظل يرى نفسه، بل كان يُنظر إليه، على أنه القوة الإقليمية الكبرى. كما ظل على اعتقاده، أن حربه على إيران قد أهلته لقيادة العرب. كان صدام حسين يأمل أن يعترف به الأمريكيون، كزعيم إقليمي للمنطقة، بينما كانت واشنطن تأمل أن"تحتوى طموحاته"، إذا لم يكن في الإمكان"ترويضه فعلاً".

    وعلى المستوى الإقليمي، كانت منطقة الشرق الأوسط، بما فيها العالم العربي، في مرحلة فوضى شديدة. وكان في بعض أجزائه يعاني الاقتتال، في حروب أهلية، أو خلافات وصل بعضها إلى حدّ الصراع المسلح.

    وكان الصراع العربي ـ الإسرائيلي، لا يزال دائراً، تستحضره، في الدرجة الأولى، انتفاضة الشعب الفلسطيني، التي مست وجدان الأمة، وحركت مشاعر غضبها، بصرف النظر عما إذا كان هذا الغضب قادراً على الوصول، بشحنته، إلى نتيجة، أو كان عاجزاً عن ذلك. وبدا، مع ازدياد معدلات هجرة اليهود السوفيت إلى إسرائيل، أن الأخطار تتفاقم، من دون رادع حقيقي، يستطيع حصرها، فضلاً عن استطاعة ردّها.

    وكانت المشكلة الحقيقية، أن قلب العالم العربي وعقله، وإمكاناته وقدرته على إدارة الصراع، باتت، جميعاً، موزعة وممزقة. فقد اختارت مصر، لأسباب منطقية، من وجهة نظرها، أن تعقد صلحاً مع إسرائيل. وبتوقيع معاهدة كامب ديفيد، كانت مصر في جانب، بينما وقف معظم شعوب الأمة العربية في جانب آخر. وبهذا التباعد في المسافات، داخل العالم العربي، نشأ فراغ، لم يكن هناك سبيل لتعويضه. وظهرت ثلاثة تجمعات إقليمية: مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي ركز دوره في حماية دوله. والاتحاد المغاربي، الذي بدأ مهموماً بأوروبا، على الساحل الآخر من البحر الأبيض المتوسط. ثم مجلس التعاون العربي، الذي خيل إليه أنه يمثل طموح الأمة العربية، بينما الواقع أنه لم يمثل غير طموحات فردية، لم تلبث أن اختلفت فيما بينها وتنازعت.

    ولم تستطع هذه المجالس، أن تستوعب آمال الأمة العربية وأحلامها، كما أنها لم تستطع أن تلمّ شتات الوطن العربي الممزق. ووجدت الأمة العربية نفسها أمام طريق مسدود.

    كانت هذه المقدمة البسيطة تمهيداً لتناول الموقف، الإقليمي والعربي، قبْل الغزو العراقي للكويت، في 2 أغسطس 1990، خلال عقد من الزمان، قبْل هذا الحدث.

    ولذلك، يتحتم تناول أهم الأحداث، خلال هذا العقد، التي أثّرت في طرفَي الصراع، وتأثرت بهما، في مبحثَين. يخصص أولهما لدراسة المسرح بشكل عام، مع التركيز في أبرز الأحداث والمواقف والعلاقات، في محيط هذا المسرح. ويخصص المبحث الثاني لدراسة كيفية استغلال النظام العراقي أحداث المسرح السياسي، قبْل غزو الكويت بعام ونصف، أي خلال الفترة من أول يناير 1989 وحتى أول أغسطس 1990، وهو ما يحتاج إلى التعمق في هذه الأحداث والتركيز في أهمها، تلك التي كان لها تأثير مباشر في قرار الغزو العراقي، حين كان كل القوى، الدولية والإقليمية والعربية، مشغولة بأحداث عالمية، ظهرت على السطح خلال هذه الفترة، ترتب عليها انتهاء الحرب الباردة، ودخول العالم كله في فلك نظام جديد، انفردت فيه الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم، بعد خروج الاتحاد السوفيتي من حلبة الصراع مشتتاً، مقسماً، مفككاً.