إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / المسرح الدولي والإقليمي والعربي (خلال الفترة من 1980 إلى 1990)









المبحث الثاني

المبحث الرابع

النظام العراقي وأحداث المسرح الدولي

أولاً: استغلال النظام العراقي لأحداث المسرح السياسي خلال الفترة من أول يناير 1989 ـ أول أغسطس 1990

    كان المسرح السياسي، العالمي والإقليمي والعربي والإسلامي، مهيّأً، بل مشجعاً لنظام مثل النظام العراقي على اتخاذ قراره السياسي غزو الكويت.

    فمن الناحية الدولية، كان العالم يمر بحالة من "الغليان" شبه الكامل، بداية انهيار الاتحاد السوفيتي، ثورة الديموقراطيات في أوروبا الشرقية، وبداية الانفراد الأمريكي باتخاذ القرار العالمي، أو الهيمنة العالمية بصفة عامة. بمعنى أن العالم، كان يمر في فترة انتقالية، مع ما يصاحبها من حالة من الفراغ، الذي يحدث، عادة، في فترات الانتقال من نظام سابق إلى نظام لاحق. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، كانت القوة التي أصبحت القوة العالمية الوحيدة، أي الولايات المتحدة الأمريكية، مركزة أنظارها وجهودها في ما يجري في شرقي أوروبا، أكثر من تركيزها في سائر أنحاء العالم، والشرق الأوسط، بعد أن هدأت الأمور، عقب انتهاء الحرب العراقية ـ الإيرانية، وتطبيع العلاقات الأمريكية ـ العراقية، بل باتت تنظر إلى العراق، عقب الحرب، على أنه قوة إقليمية، يمكن التعامل معها؛ وهو ما يتضح من الخطابات المتبادلة بين الرئيسَين جورج بوش وصدام حسين، خلال تلك الفترة (عام 1990)، ومن الحوارات التي دارت بين عضو مجلس الشيوخ، روبرت دول والرئيس صدام حسين، وكذلك من تصريحات جون كيلي، مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، في بغداد، ومن تلك المقابلة الشهيرة بين صدام حسين وسفيرة الولايات المتحدة الأمريكية لدى بغداد، أبريل جلاسبي .

    لقد فسر صدام حسين كل هذه الأحداث، على أنها مؤشرات إلى عدم قدرة الولايات المتحدة الأمريكية، أو ترددها في التدخل في المنطقة، نتيجة انشغالها بالشرق الأوروبي، من ناحية، وضعف القرار الأمريكي، وفق قراءة القيادة العراقية لهذه الأحداث، بل موافقة واشنطن على ما يمكن أن يجري، إذا ضُمنت مصالحها في المنطقة؛ وهو ما ضمنه صدام حسين نفسه، من خلال مقابلاته مع الوفود والشخصيات الأمريكية. ومن ثَمّ تصور صاحب القرار في العراق، أن في إمكانه اقتناص الفرصة، وتحقيق الغاية، من دون أثر فعلي يذكر، حتى إنْ غاب حليفه السابق (الاتحاد السوفيتي) عن الساحة، وإنْ كانت الحرب الباردة قد انتهت، وحل محلها النظام العالمي الجديد، الذي لا يسمح باختلال توازن القوى الإقليمية، بما يهدد الأمن العالمي، خاصة بعد الانهيار الإيراني، عقب الحرب العراقية ـ الإيرانية، وتهديد بغداد بالاستيلاء على كامل منطقة الخليج، وثروتها الهائلة، فضلاً عن القوة العسكرية الضاربة.

    ومن الناحية العربية، ثمة عاملان أساسيان، يشكلان دافعَين وراء قرار العراق اجتياح الكويت.

العامل الأول: هو اعتقاد صدام حسين، أن الحرب العراقية ـ الإيرانية، قد رسخته زعيماً للعرب. وهو ما يتضح، مباشرة، من تصرفاته في قمة بغداد، التي عُقدت في الفترة من 28 إلى 30 مايو 1990،"قمة صدام"، التي كان فيها النجم الأوحد. كما أن أجهزة الإعلام العربية، لم تألُ جهداً في إبراز زعامته، خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية وعقبها، مما أعطاه الانطباع، أن شرعيته وشرعية تصرفاته، إنما تنبعان من ذاته هو (كريزما Charisma)، وليس من أي شيء آخر.

العامل الثاني: ولعله الأهم، هو الافتقار إلى نظام عربي قادر على التصدي لأطماع صدام، إضافة إلى أنه حين إنشاء"مجلس التعاون العربي"، اعتقد أنه، من خلاله، قد اكتسب ولاء أكبر دولة عربية، ألا وهي مصر. فهشاشة النظام العربي، والنفخ في زعامة صدام، كانا جزءاً من البيئة التي سمحت لقرار العراق اجتياح الكويت، أن يظهر إلى الوجود .

    ومن الناحية الإقليمية، هنالك ثلاثة عوامل، أعطت القيادة العراقية الانطباع أن مجال الحركة مفتوح.

العامل الأول: هو خروج إيران من المعادلة الإقليمية، إلى حدٍّ كبير، وبروز العراق، استطراداً، كأقوى قوة في المنطقة.

العامل الثاني: هو عدم معادلة القوة العسكرية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية للقوة العسكرية العراقية. مما أعطى صدام حسين الانطباع، أنه قادر على تفكيك هذا المجلس، بطريقة أو بأخرى. ومثال ذلك تلك المناورة، التي حاول أن يلعبها مع المملكة العربية السعودية، حين وقّع معها معاهدة عدم اعتداء مشترك، وعدم استجابته، في الوقت عينه، لطلب الكويت وضع حدود نهائية معه، وذلك عقب انتهاء الحرب العراقية ـ الإيرانية.

العامل الثالث: هو كويتي بحت، ألا وهو الصراع، الذي كان دائراً، عام 1990، بين المعارضة الكويتية والحكومة، حول مجلس الأمة والمجلس الوطني، والذي أوحى للقيادة العراقية بانشطار الجبهة الداخلية للكويت، والاعتقاد أن تلك المعارضة، سوف تستقبل"قوات التحرير"العراقية بالورود، خاصة أن الصحافة الكويتية، في ذلك الوقت،"المعارضة والمؤيدة"، كانت تقف وراء العراق، من دون تحفظ يذكر. ولعل هذا هو ما أوحى للقيادة العراقية، أن تعلن، في أيام الاجتياح الأولى، أن هنالك ثورة شعبية في الكويت، وأن هذه الثورة، قد طلبت الدعم من"الأشقاء" في العراق.

ثانياً: الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية

    شهد عام 1989، اتجاه التقارب الأمريكي ـ السوفيتي، الذي أخذت معالمه في البروز بروزاً واضحاً، على كافة الصُّعُد. فإذا كان عام 1988، قد شهد إنجاز معاهدة الحدّ من الصواريخ متوسطة المدى، فإن عام 1989، شهد إزالة عقبات عديدة أمام التوصل إلى اتفاقات مشابهة، فيما يتعلق بالصواريخ، قصيرة وطويلة المدى، والأسلحة التقليدية الكيماوية، والتجارب النووية تحت الأرض. وتواصلت محاولات إنجاز هذه الاتفاقات، كحصيلة للتنازلات السوفيتية المتلاحقة، عن مواقف خلافية، كانت تعرقل إنجاز هذه الاتفاقات.

1. الاتحاد السوفيتي

    شهد عام 1989 عواصف شديدة، في المعسكر الاشتراكي، أدّت إلى انهيار دول شرقي أوروبا، وتخلّيها عن الاشتراكية، والبحث عن موقع لها في المعسكر الرأسمالي. ولم يكن هذا الانهيار بعيداً عن التوجه السوفيتي إلى التخلص من سياسة الهيمنة، التي دأب عليها طيلة عقود. كما أن المقترحات، التي تقدَّم بها الاتحاد السوفيتي، لتخفيض ترسانة الأسلحة، النووية والتقليدية، في أوروبا وآسيا، كان لها أثرها الواضح في تخفيف حدّة التوتر الدولي. وسارت موسكو خطوات كبيرة، في الاتجاه السليم؛ حينما سحبت قواتها من أفغانستان، وكشفت الغطاء عن النظام العسكري في أديس أبابا، واتَّبعت سياسة تراجعية في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وتسليح الدول العربية، كسورية وليبيا واليمن الديموقراطية الشعبية. وفَقَدَ الاتحاد السوفيتي، أمام النزاعات القومية، والصعوبات الاقتصادية، كونه"القوة الأعظم"، بعد الولايات المتحدة الأمريكية. لقد بدأ ينكفئ أكثر فأكثر، نحو الداخل. وسعت الدوائر الغربية إلى تحقيق"نصر بلا حرب"على الاشتراكية، لإلغائها من الوجود.

    كما اتفق الرئيسان، الأمريكي جورج بوش، والسوفيتي ميخائيل جورباتشوف، على بدء مرحلة جديدة في العلاقات بين الشرق والغرب، في القمة التي عقدت بينهما، يومَي 2 و 3 ديسمبر 1989، أمام سواحل مالطة (Malta)[1]، في شأن الحدّ من التسلح، في مجالاته، التقليدية والنووية الإستراتيجية والكيماوية، واستعراض المشكلات الإقليمية، لا سيما في أمريكا الوسطى والشرق الأوسط. وتعهد جورباتشوف بوقف شحنات السلاح إلى أمريكا الوسطى، بينما أكد جورج بوش إصراره على منع حكومة نيكاراجوا من تصدير الثورة إلى السلفادور والدول المجاورة. أمّا الشرق الأوسط، فقد استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية الحصول على وعد من الاتحاد السوفيتي، بتأييد الجهود الأمريكية الجارية في المنطقة. ووجهت القمة نداء، لوقف إراقة الدماء في لبنان. وقد أطلع الرئيسان حلفاءهما على نتائج قمتهما. وأكد بوش ضرورة بقاء حلف شمال الأطلسي، على الرغم من انتهاء الحرب الباردة. وقد أشارت جريدة"الأهرام "إلى ذلك بقولها:"حرب باردة في المعسكر الغربي، وقمة دافئة في البحر الكاريبي".

    ويعود فشل الاتحاد السوفيتي في التعامل الدولي، على أساس مبدأ توازن المصالح، إلى تفاقم أوضاعه الداخلية، وعجزه، استطراداً، عن تعبئة عوامل قوّته الهائلة، المبعثرة. وقد أسهم في وصول الاتحاد السوفيتي إلى هذه الحالة، عدد من الأزمات والمشكلات، على رأسها المشكلة الاقتصادية، ومشكلة القوميات، والصراعات السياسية والأيديولوجية، التي أدّت إلى شل الإرادة السياسية للدولة

    وخلال عام 1990، واصل الاقتصاد السوفيتي مسيرة تدهوره الشديد فحقق معدلات نمو سالبة، للعام السادس على التوالي، مما يعني تدهور مستويات المعيشة تدهوراً شديداً، خلال أعوام ستة منصرمة. أمّا من الناحية الكيفية، فإنه يمكن القول إن الاقتصاد السوفيتي، قد شارف، عام 1990، على الانهيار الفعلي. وكانت الإشارة الرئيسية إلى هذا الانهيار، المجاعة، التي باتت تهدد المجتمع السوفيتي، خاصة المدن الكبرى.

    ويمكن النظر إلى الانهيار والفوضى الاقتصادية، اللَّذَين تمخضا بشبح المجاعة، على أنهما أهم العوامل وراء انهيار الإدارة السياسية، والتدهور الشديد، الذي لحق بشعبية جورباتشوف، والتصاعد الخطير لشعور اليأس والإحباط والتشاؤم، في المجتمع السياسي السوفيتي عموماً. كما أن الأزمة الاقتصادية الهائلة، قد ألقت بظلالها على الصراع، السياسي والأيديولوجي، في الاتحاد السوفيتي. فشهدت الصراعات الداخلية، في النصف الأول من عام 1990، على الجبهة القومية، تصاعداً خطيراً، خاصة في جمهوريات البلطيق. وقد بدأ الصراع يتصاعد بين الدولة المركزية والمطالب الاستقلالية لجمهوريات البلطيق.

    كذلك عرفت الساحة الداخلية للاتحاد السوفيتي، محاولات انقلاب على جورباتشوف وصراعاً بينه وبين "بوريس يلتسن Boris Nikolayvich Yeltsin" كما انتاب الحزب الشيوعي السوفيتي موجة من استقالات قياداته، وبدء تفسخه.

2. الولايات المتحدة الأمريكية

    انشغلت الولايات المتحدة الأمريكية، خلال النصف الأول من عام 1989، باستكمال تشكيل الإدارة الجديدة، التي ستتولى تنفيذ السياسة الأمريكية، الداخلية والخارجية، حتى مطلع عام 1993. وعلى الرغم من العقبات، التي واجهها الرئيس جورج بوش، في تشكيل إدارته، والتي تبلورت في رفض الكونجرس التصديق على ترشيح جون تاور لتولّي وزارة الدفاع، فإن جورج بوش، سرعان ما تجاوز الأزمة، وسحب ترشيحه لتاور واستبدل به ريتشارد تشيني، ليستكمل بذلك تشكيل إدارته.

    وعلى صعيد السياسة الخارجية، شهدت الساحة الأمريكية، آنئذٍ، انقساماً في الرأي، حول طريقة التعامل المُثلى مع جورباتشوف. فكان هناك فريق، يتزعمه"جورج كينان Kennan Geore Frost"، مهندس سياسة الاحتواء، إبّان الحرب الباردة، يرى ضرورة التجاوب مع التفكير الجديد لجورباتشوف. ومن ثَمّ، يجب على الولايات المتحدة الأمريكية، أن تتفاوض مع الاتحاد السوفيتي، من منطلق حُسن النية. أمّا الفريق الآخر، فكان يتزعمه"كاسبار واينبرجر Caspar Willard Weinberger"، وزير الدفاع الأسبق، ويركز في محاذير التعامل مع جورباتشوف.

    وقد أدى اختيار الإدارة الأمريكية نهج التجاوب مع الزعيم السوفيتي إلى مزيد من التقارب بين الدولتَين، اتضح في الزيارتَين المتبادلتَين لوزيرَي خارجية البلدَين، وما ترتب عليهما من نتائج إيجابية. ففي زيارة"جيمس بيكر James Addison Baker "إلى موسكو، في 8 مايو 1989، أُحرز تقدّم ملموس، في العديد من مجالات التباحث. وفي زيارة"إدوارد شيفرنادزه Eduaed Amvrosiyevich Shevardnadze "إلى واشنطن، في 23 سبتمبر 1989، وُقِّعت عدة اتفاقات، تتعلق بحُرية انتقال مواطني الإسكيمو (Eskimo) بين البلدَين، عبْر ممرات"بيرينج Bering "، من دون تأشيرة، والسماح بتبادل زيارات خبراء حقوق الإنسان، وإعطاء مواطني الاتحاد السوفيتي حرية أكبر في زيارة الولايات المتحدة الأمريكية.

    ففي أمريكا الوسطى، وفي 29 أغسطس 1989، تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية وبّنما، بسبب اتِّجار"مانويل أنطونيو نورييجا Manuel Antonio Noriega Morena"، حاكمها العسكري، ورَجُلها القوي، في المخدرات، وتهريبها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ولتمكين مرشح المعارضة المنتخب،"جويليرمو أندارا Guillermo Endara "، من تولي رئاسة الدولة، بعد أن حال نورييجا دون ذلك، وألغى نتائج الانتخابات، بدعوى التدخل الخارجي فيها. لقد عَدّ الرئيس الأمريكي، جورج بوش، مكافحة تجارة المخدرات، واجباً قومياً، يجب أن يتصدى له بكل إمكانات الولايات المتحدة الأمريكية، العسكرية والسياسية. وفي 3 أكتوبر 1989، وقعت محاولة انقلاب عسكري في بّنما لإطاحة الجنرال نورييجا، قائد الجيش والحاكم الفعلي في البلاد. وبعد ساعات من إعلان محاولة الانقلاب، أكد متحدث عسكري أمريكي، أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست على خلاف مع القوات المسلحة في بّنما؛ وإنما النزاع كان مع الجنرال نورييجا، الذي أجهض الرغبة في الديموقراطية لدى شعب بّنما. وفي الوقت نفسه، أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، أن القوات الأمريكية في بّنما (12 ألف جندي) قد وضعت في حالة تأهب قصوى.

    وفي 4 أكتوبر 1989، أعلن الجنرال نورييجا، أنه يسيطر على الموقف في بلده، بعد أن أحبط محاولة الانقلاب، التي أسفرت عن مصرع عشرة عسكريين من زعماء الانقلاب، واعتقال 39 آخرين. واتَّهم الولايات المتحدة الأمريكية بتدبيرها؛ وهي المحاولة الثانية ضده، في أقلّ من 18 شهراً. وعلى الجانب الآخر، أعربت الولايات المتحدة الأمريكية عن خيبة أملها، لفشل محاولة الانقلاب. وأكد متحدث باسم البيت الأبيض، أن واشنطن ستواصل الضغط، من أجْل إزاحة نورييجا من منصبه.

    وفي 10 أكتوبر 1989، وتصعيداً للموقف المتوتر بين البلدَين، سعى الحاكم العسكري البّنميّ، نورييجا، لدى السلطات القضائية في بّنما، إلى إصدار أمر قضائي باعتقال قادة القاعدة العسكرية الأمريكية، على جانَبي قناة بّنما، بتهمة الاشتراك في محاولة الانقلاب الفاشلة في بلاده.

    وفي 15 ديسمبر 1989، أعلنت الجمعية الوطنية في بّنما (البرلمان)، بالإجماع، أن بّنما في حالة حرب ضد الولايات المتحدة الأمريكية. وبتحدٍّ، اختارت الجنرال مانويل أنطونيو نورييجا رئيساً جديداً للحكومة، مع منحه سلطات استثنائية أوسع.

    وفجر 20 ديسمبر 1989، أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية قواتها إلى بّنما، للعمل ضد نورييجا، ومحاولة اعتقاله. وكانت الأوامر قد صدرت إلى وحدات عسكرية أمريكية من قواعدها في ولاية كاليفورنيا (California)، وفورت براج (Fort Bragg)، في ولاية كارولينا الشمالية، بالانضمام إلى الوحدات الموجودة في بّنما في هذه العملية (عملية القضية العادلة Operation Just Cause)، التي بدأت بضرب مقر القيادة العسكرية، في بّنما سيتي، حيث يُفتَرَض وجود نورييجا. إلاّ أنه تمكن من الهرب. وفي 3 يناير 1990، تمكنت القوات الأمريكية من اعتقاله، بعد أن لجأ إلى سفارة الفاتيكان في العاصمة البّنميّة، وتقديمه إلى المحاكمة، في الولايات المتحدة الأمريكية.

    وفي منطقة الشرق الأوسط، شهد النصف الأول من عام 1990، تعرّض الجهود الأمريكية، في تقريب وجهات النظر بين إسرائيل والفلسطينيين، للفشل. وحذر الرئيس الأمريكي، جورج بوش، إسرائيل من أخطار تضييع الوقت. في الوقت عينه، كانت إسرائيل تحاول شن حملة مكثفة، لوقف الحوار بين واشنطن ومنظمة التحرير الفلسطينية. كما صدر تحذير أمريكي ـ سوفيتي لإسرائيل، من استمرار بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة. لذلك، تصاعدت حدّة الجدل بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. كما أكد جورج بوش معارضته للاستيطان وتغيير وضع القدس.

ثالثاً: قمة الدول السبع الصناعية الكبرى

    خلال الفترة بين 9 و12 يوليه 1990، عقدت قمة في هيوستن (Houston)، في الولايات المتحدة الأمريكية، ضمت زعماء كلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا واليابان وألمانيا الغربية وفرنسا وبريطانيا وكندا. وهي القمة الأولى، بعد إعلان إنهاء الحرب الباردة، رسمياً. وجسدت موضوعاتها وقراراتها ترتيب الأولويات، وتمايز الاستجابات تجاه القضايا المطروحة على جدول الأعمال، وفق توازن القوى، وتوازن المصالح بين الدول الصناعية الكبرى المؤتمرة، وتبعاً للظروف العالمية المتغيرة.

    قد ظهر منطق توازن المصالح بين الدول الصناعية الكبرى، في تأكيد القمة مبدأ الخيارات المتمايزة، إزاء تقديم المساعدات الاقتصادية إلى الاتحاد السوفيتي، وتطوير العلاقات الاقتصادية مع الصين الشعبية. وتجسّد واقع توازن القوى بين الدول الصناعية الرئيسية، في ترْك الباب مفتوحاً للمفاوضات، بعد القمة، من أجل تسوية خلافاتها حول قضايا تحرير التجارة العالمية، في إطار جولة أوروجواي.

    تضمن جدول الأعمال ثلاث مجموعات من القضايا الرئيسية:

1. القضية الأولى، تتصل بعلاقات الغرب والشرق

    خاصة تقديم المساعدات الاقتصادية، التي تحتاج إليها دول شرقي أوروبا، بعد انهيار النظام الاشتراكي القديم.

2. والقضية الثانية، تتعلق بعلاقات الغرب بعضه ببعض

    وتحديداً بمناقشات المنازعات الاقتصادية، التي تشغل"الدول الصناعية الرئيسية"، التي انفردت بقيادة الاقتصاد العالمي.

3. والقضية الثالثة، ترتبط بعلاقات الغرب والجنوب

    وخصوصاً تخفيف المديونية الخارجية"لدول العالم الثالث"، في ظل تأكد أخطار تهميشها في النظام العالمي الجديد.

    وهكذا، يتبين أن الدول السبع الصناعية الكبرى، كانت منشغلة بمشاكلها الاقتصادية، في المقام الأول، فلم تول قضية الشرق الأوسط اهتماماً يذكر.

رابعاً: المملكة المتحدة

    شهد عامي 1989 ـ1990 عدة متغيرات في بريطانيا سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي (إقليمياً وعالمياً) أثرت في علاقاتها الخارجية خاصة مع دول أوروبا الشرقية، ودول منطقة الشرق الأوسط.

    فعلى المستوى الأوروبي، شهدت بريطانيا المزيد من التطورات لدفع فكرة الوحدة الأوروبية لتأخذ شكلها التطبيقي والتنفيذي في عام 1992، والتي يتم في إطاره وضع جدول زمني واضح ومحدد لتنفيذ جميع مراحل خلق السوق الموحدة.

    كما انشغلت بريطانيا، خلال هذه الفترة، بالمتغيرات الجوهرية التي حدثت في دول أوروبا الشرقية، وتوجهها نحو الليبرالية الاقتصادية والسياسية، والتي قد تؤدي إلى احتمالات انضمام بلدان أوروبا الشرقية أو بعضها إلى الجماعة الأوروبية.

    كما أن توحيد الألمانيتين في الثالث من أكتوبر 1990، والذي اعتبر من أهم الأحداث العالمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تطلب من بريطانيا ودول غرب أوروبا ضرورة التكيف مع هذا التحول المهم، خاصة مع الاتفاق على دخول ألمانيا الموحدة بعضوية كاملة في حلف الأطلنطي.

    وشهدت هذه الفترة، العديد من المشاكل الاقتصادية، التي بدأت تظهر ملامحها بوضوح خلال عامي 1989 ـ 1990، على الساحة الأوروبية بصفة عامة والبريطانية بصفة خاصة تمثلت في: 

1.  انخفاض معدل نمو الناتج القومي للدول الصناعية، ومنها بريطانيا عام 1989 بنسبة 3.4% وعام 1990 بنسبة 2.6%.

2.  اضطراب الأوضاع الاقتصادية لمجموع دول الشمال الصناعي بسبب المشاكل الاقتصادية في شرق أوروبا، وهو ما انعكس على الوضع الاقتصادي الداخلي في بريطانيا، وتباطؤ معدلات النمو، وانخفاض متوسط نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي.

    وفي منطقة الشرق الأوسط، شهدت العلاقات البريطانية ـ الإيرانية، خلال هذه الفترة، توتراً بسبب إعلان الإمام آية الله الخميني، فتوى إهدار دم الكاتب سلمان رشدي، الهندي الأصل وبريطاني الجنسية، مؤلف كتاب آيات شيطانية، بسبب ما ورد فيه من عبارات تهاجم الإسلام، مما أدى إلى تجميد العلاقات بينهما.

    واتسم الموقف البريطاني في المسألة الفلسطينية، وقضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي، بشيء من التميز خلال العامين 1989 ـ 1990، على نحو لم تعهده البلدان العربية منذ سنوات. وكان انشغالها، في منطقة الشرق الأوسط، خلال هذه الفترة، متجهاً نحو تعميق التعاون والتنسيق السياسي، في منطقة الشرق الأوسط، بالتعاون مع الجماعة الأوروبية، في محاولة لإثبات الثقل السياسي لها خاصة بعد ما لمسته الساحة الأوروبية، من تقارب عربي وعودة الوفاق بين دولها في أعقاب مؤتمر عمان 1987، ومؤتمر قمة الدار البيضاء عام 1989.

    وكان التحرك البريطاني، هدفه تحقيق المصالح الأوروبية، في إطار سياسة مستقلة عن الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أبدت كل من بريطانيا وفرنسا اهتماماً ملحوظاً يستهدف دفع عجلة السلام في منطقة الشرق الأوسط، من خلال:

1. ترحيبها بالقرارات التي اتخذها المجلس الوطني الفلسطيني، بالجزائر في 22 نوفمبر 1988، خاصة قبول قراري مجلس الأمن الدولي رقمي 242، 338، كأساس لعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط.

2. تأييدها لقرارات منظمة التحرير الفلسطينية، الخاصة بمكافحة الإرهاب.

3. انتقادها عرقلة إسرائيل لانعقاد المؤتمر الدولي تحت إشراف الأمم المتحدة.

4. إدانتها لسياسة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، ومعارضتها لتوطين اليهود السوفييت بالأراضي المحتلة.

5. طالبت السلطات الإسرائيلية وقف إجراءات القمع ضد الفلسطينيين، والالتزام بمعاهدة جنيف لحماية حقوق المدنيين تحت الاحتلال، مع إجراء حوار سياسي مع الشعب الفلسطيني، لفتح الباب أمام تسوية المشكلة الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي.

خامساً: التغييرات في أوروبا الشرقية

    شهد عام 1989، والنصف الأول من عام 1990، تدعيماً للاتجاهات المستمرة نحو التغيير والإصلاح، في بعض دول أوروبا الشرقية، التي شهدت مزيداً من التقدم نحو الليبرالية، السياسية والاقتصادية، مثل المجر وبولندا. كما شهدت هذه الفترة بداية التفكك في صفوف الدول، المناوئة لإصلاحات جورباتشوف.

    وعلى صعيد المعسكر الاشتراكي، بدأت تظهر الخلافات بين الاتحاد السوفيتي ودول حلف وارسو، الرافضة مسايرة توجهاته، وخلافاته مع رومانيا وتشيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا، بسبب رفض قيادات هذه الدول الاستجابة لدعاوى التغيير والإصلاح. وإذا كان الوضع يمثل امتداداً، بالنسبة إلى رومانيا ويوغسلافيا، فإن تشيكوسلوفاكيا، تمثل حالة جديدة، ولا سيما أن الاتحاد السوفيتي، سبق أن أقدم على غزو براج (Prague)، عام 1968، ليوقف حركة تغيير وإصلاح، مشابهة لما يدعو إليه جورباتشوف. كما نشب الخلاف بين ألمانيا الشرقية والمجر، وتبلور في قضية سماح المجر لمواطني ألمانيا الشرقية، بعبور حدودها، صوب ألمانيا الغربية.

    لقد شهد النصف الأول من عام 1990 تقنيناً للتحولات السياسية الكبيرة، التي حدثت خلال عام 1989. وتجسد هذا التقنين من خلال انتخابات عامة، نزيهة، أجريت بإشراف دولي، وفي ظِل إصلاح دستوري جذري. ففي بولندا، قرر البرلمان إنهاء الفترة الرئاسية للجنرال "ياروزلسكي Wojcieck Witold Jaruzelski "، وإجراء انتخابات مباشرة. وفي المجر، جرت الانتخابات العامة للبرلمان الجديد، في 25 مارس و 8 أبريل 1990، وأسفرت عن فوز حركة المنتدى الديموقراطي، وتحالُف الديموقراطيين الأحرار وحزب صغار المزارعين، على الحزب الشيوعي. وتولّى زعيم حركة المنتدى الديموقراطي، "جوزيف انتال Jozeef Antall"، رئاسة الحكومة الجديدة، في 2 مايو 1990. وفي تشيكوسلوفاكيا، جرت انتخابات برلمانية حرة، في يونيه 1990، أسفرت عن فوز حركة المنتدى الديموقراطي، على الحزب الشيوعي، وانتُخب زعيم حركة المنتدى،"فاتسلاف هافيل Vaclav Havel"، لرئاسة الدولة، بوساطة البرلمان، في يوليه 1990. وفي رومانيا، جرت الانتخابات العامة، في 20 مايو 1990، وأسفرت عن فوز جبهة الإنقاذ الوطني، وفاز رئيس الجبهة"إيون إيليسكو  Ion Iliescu" برئاسة الدولة. وفي بلغاريا، جرت الانتخابات البرلمانية الحرة، في يونيه 1990، وانتهت إلى فوز الحزب الاشتراكي الحاكم بأكثر من 57% من مقاعد البرلمان، في الوقت الذي دعم الحزب تسلم زعيم معارض رئاسة الدولة.

    أمّا في ألمانيا الشرقية، فقد فاز"التحالف من أجْل ألمانيا"، في الانتخابات العامة، التي جرت في مارس 1990؛ وهو ائتلاف من الأحزاب اليمينية، المتحالفة مع الحزب الديموقراطي المسيحي، في ألمانيا الغربية. وتكونت الحكومة الجديدة بزعامة"لوثر دى ميزير Lothar de Maiziere"، زعيم الحزب المسيحي الديموقراطي، أكبر أحزاب التحالف.

    وتُعَدّ حالة توحيد ألمانيا، هي أهم حالات التحول السياسي في أوروبا الشرقية، بسبب ارتباطها الوثيق بالتوازنات الإستراتيجية بين الغرب والشرق، ومستقبل النظام الدولي ككل. وبسبب هذا الارتباط الوثيق، خاضت الدول الأربع الكبرى، المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، والتي تسيطر على برلين، مفاوضات شاقة مع الدولتَين الألمانيتَين باسم (4+2)، لتجديد الوضع الإستراتيجي لألمانيا الموحدة.

    ومثلت مشكلة عضوية ألمانيا الغربية في حلف شمال الأطلسي، المشكلة المركزية في هذه المباحثات. ورأت موسكو، أن توحيد ألمانيا، يمكن أن يمثّل مناسبة فريدة لحل الحلفَين العسكريَّين، شمال الأطلسي ووارسو، كجزء من عملية بناء السلام الإيجابي، في أوروبا والعالم. بينما رأى الغرب وألمانيا الغربية أن الوحدة الألمانية، تجعل ألمانيا ككل، بما فيها الجزء الشرقي، عضواً في حلف شمال الأطلسي. والواقع، أن الاتحاد السوفيتي، كان راغباً في إظهار أكبر قدر ممكن من المرونة. على أن الأهمية الجوهرية لهذه المسألة، بالنسبة إلى الأمن الإستراتيجي السوفيتي، جعلت الاتفاق في شأنها صعباً.

    وقد أدى تصلب الغرب، وانهيار قوة السوفيت، إلى رضوخ موسكو للمطالب، الألمانية والغربية، في شأن هذه المسألة، لقاء منحة مالية ألمانية للاتحاد السوفيتي، تقررت في لقاء"هيلموت كول Helmut Kohl" وميخائيل جورباتشوف، في موسكو، في الفترة من 14 إلى 16 يوليه 1990، حين أقر الطرفان السيادة الكاملة لألمانيا الموحَّدة، و"حقها"في اختيار التحالف العسكري الذي تريده، والتزام ألمانيا تخفيض قواتها العسكرية إلى 370 ألف جندي، وانسحاب الاتحاد السوفيتي من الجزء الشرقي من ألمانيا، في غضون أربع سنوات، مع إيجاد ترتيبات لنشر قوات حلف شمال الأطلسي في ألمانيا. وتوج هذا الاتفاق بلقاء وزراء الخارجية الستة[2]، في 17 يوليه 1990، واتفاقهم على مبادئ إنشاء حدود دفاعية لألمانيا الموحَّدة، وعلى جعل الاتفاق في وثيقة، تصدر عن مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبيَّين، بدلاً من اتفاقية سلام[3].

سادساً: الجماعة الأوروبية

    شهد عام 1989، والنصف الأول من عام 1990، المزيد من التطورات، لدفع فكرة الوحدة الأوروبية، إلى أخذ شكلها التطبيقي والتنفيذي، عام 1992. وعلى الرغم من إنجازات العديد من الدول الأوروبية وجهودها الواضحة وعلى رأسها أسبانيا وفرنسا، اللتان تناوبتا مهمة رئاسة السوق، خلال عام 1989؛ كان هناك عدم تفاؤل تجاه تحقيق مشروع"أوروبا 1992"، وكان الاعتقاد سائداً أنه سيستغرق، على الأغلب، عقد التسعينات كله. وكانت مجالات الانشغال، تتلخص في النقاط الرئيسية الآتية:

1. عملية لتطبيق إجراءات خلق السوق الواحدة.

2. البحث والتنمية للتكنولوجيا المتقدمة.

3. انتخابات البرلمان الأوروبي.

    وفي هذا الإطار، يمكن بلورة أهم التطورات الداخلية، التي شهدتها الجماعة الأوروبية، فضلاً عن قضايا الجدل السياسي، خلال النصف الأول من عام 1990، في شأن عدد من القضايا الرئيسية.

1. المسألة الألمانية

    تصدّر موضوع توحيد ألمانيا، منذ سقوط حائط برلين، في نهاية عام 1989، قائمة الأولويات الأوروبية واللقاءات المكثفة، الجماعية والثنائية. فقد كانت تلك المسألة، من المنظور الأوروبي الغربي، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمعظم التحولات، التي شهدتها أوروبا، الوسطى والشرقية، وتعني أنه يقع على عاتق أوروبا مسؤولية تاريخية، هي قيادة هذه التطورات وتوجيهها صوب"الاتجاه الصحيح"، المتوافق مع المصالح والأهداف الأوروبية الغربية.

2. قضية التوسع في عضوية الجماعة الأوروبية

    احتلت مسألة التوسع في عضوية الجماعة الأوروبية، قدراً كبيراً من الأهمية، في إطار التطورات الداخلية، خلال النصف الأول من عام 1990. ومحور هذه القضية، هو تفاعُل عنصرين رئيسيَّين. أولهما، يتعلق بالتزايد المطّرِد في أعداد الدول المطالبة بالانضمام إلى عضوية الجماعة، سواء منها تلك التي تقدمت بطلب رسمي، مثل قبرص وتركيا، والدول الأخرى التي لا تزال تبحث، بجدية، في هذا الأمر، مثل دول أوروبا الشرقية، وبعض الدول الإسكندنافية، مثل النرويج وفنلندا، ودول أخرى مثل مالطة وسويسرا.

    أمّا العنصر الثاني، فيرتبط بالاتجاه الرئيسي داخل الجماعة، المعارِض، بشدة، أي محاولات للتوسع في عضوية الجماعة. ويتزعم هذا الاتجاه رئيس المفوضية الأوروبية، ويسانده المجلس الأوروبي. ويرى أنصار هذا الاتجاه، أن"توسيع"الجماعة، يشكل خطراً على هدف"تعميق"العلاقات بين الدول الأعضاء الاثنتَي عشرة، الرامي إلى المزيد من التوحيد السياسي. وقد استقرت السياسة، التي تتبعها المفوضية الأوروبية، أساساً لرفض أي طلب رسمي، في هذا المجال، وضرورة تأجيل أي محادثات في صدد العضوية، حتى نهاية عام 1993، على أساس أن جدول أعمال الجماعة، ينوء بالأعباء، في المرحلة الحالية.

3. استكمال إجراءات مشروع"أوروبا 1992"

    وشهد النصف الأول من عام 1990، امتداد نشاط المحور الفرنسي ـ الألماني إلى محاولة الإسراع في خطوات تنفيذ السوق الموحَّدة. إذ إن تقارير الجماعة، أكدت، حتى نهاية عام 1989، استمرار نمط التعثر والتباطوء المتعمد، الذي يسود عملية التطبيق. وحتى نهاية التاريخ نفسه، لم تنجح المفوضية الأوروبية عينها في الإدخال إلى عملية التطبيق، سوى 68 توجيهاً فقط.

    والجزء الأول من مشروع "أوروبا 1992" الذي يَعِد بإحداث تغييرات، يستشعرها المواطن الأوروبي ـ هو الجزء المتعلق بإلغاء القيود، على الحدود. وهو يثير التكهنات المشككة في إمكانية دخوله حيّز التنفيذ. على أن اتفاق فرنسا وألمانيا ودول"البينلوكس Benelux" (بلجيكا وهولندا ولوكسمبورج)، على احتواء ذلك التباطؤ المتعمد، وتحقيق، على مستوى خمسة بلدان، خلال منتصف عام 1992، ما يفترض، مبدئياً تحقيقه، على مستوى الدول الاثنتى عشرة، في أول يناير 1993 ـ قد أعطى دفعة قوية لمشروع"أوروبا 1992"، من خلال التوقيع على"اتفاقية شينينجين" (Schenengen Treaty)، في يونيه 1990. التي ستزال، بمقتضاها، جميع العراقيل أمام حرية انتقال الأشخاص والخدمات، بين البلدان الخمسة، في موعد، أقصاه منتصف عام 1992. وكان يعني ذلك، عملياً، تحقيق السوق الموحَّدة، قبْل موعدها بنصف عام. كما يعني ذلك، أن مجموعة شينينجين، سوف تصبح مختبراً عملياً، لِما سيكون عليه شكل الجماعة الأوروبية ككل.

    وعلى الرغم من أن التوقيع على تلك الاتفاقية، كان مقرَّراً خلال عام 1988، فإنه أُجِّل، بعد أن أصبحت الوثيقة المتعلقة به جاهزة، في ديسمبر 1989. وكان تنفيذ المشروع، قد أرجئ، لأسباب داخلية، تتصل بمجريات الوحدة الألمانية، وهو ما حُسِمَ، في هذه المرحلة.

4. التقدم في مجال التوحيد الأوروبي، الاقتصادي والنقدي

    يُعَدّ تقرير محافظي المصارف المركزية، المعروف باسم"تقرير ديلور عن التوحيد، الاقتصادي والنقدي"ـ محور مشروع الوحدة، الاقتصادية والنقدية، وخطوة مهمة على صعيد تطوير مشروع"أوروبا 1992". وينص التقرير المعني على إيجاد عملة أوروبية موحدة، ومصرف مركزي أوروبي موحَّد، فضلاً عن تحقيق المزيد من التنسيق في السياسة الاقتصادية الكلية للدول الأعضاء في الجماعة، عبْر ثلاث مراحل:

أ. المرحلة الأولى، تبدأ في يوليه 1990، تحرَّر، خلالها، حركة رؤوس الأموال داخل السوق، مع التزام جميع الدول الأعضاء، تطبيق النظام النقدي الأوروبي تطبيقاً جادّاً. ويُنشأ، خلال هذه المرحلة، كذلك، صندوق الاحتياطي، كخطوة ممهدة لإنشاء مصرف مركزي موحَّد.

ب. أمّا المرحلة الثانية، وهي مرحلة انتقالية، فيكون التركيز، خلالها، في تحقيق المزيد من تنسيق السياسة، المالية والنقدية، للدول الأعضاء، على نحو يسمح بإنشاء مصرف مركزي أوروبي موحَّد، يتولى مهمة الإشراف على المؤسسات والإجراءات، المرتبطة بالسياسات، المالية والائتمانية، للدول الأعضاء.

ج. وبمقتضى المرحلة الثالثة، تُدعَم السلطة النقدية المركزية، للسيطرة على النقد المتداول في السوق، وإلغاء أسعار الصرف بين عملات الدول الاثنتَي عشرة.



[1] بدأت هذه القمة، بالتناوب، فوق سطح البارجة السوفيتية، "مكسيم جوركي"، والبارجة الأمريكية "يو. إس. إس. بلناب"، في خليج "مرسلوك Marsaxlokk"، بالقرب من جزيرة مالطة، واستمرت يومَين.

[2] الدول الست هي: الألمانيَتَين، إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي، وبريطانيا، وفرنسا.

[3] وفي 12 سبتمبر 1990 وُقِّعت اتفاقية تسوية نهائية مع ألمانيا، من قبل الوزراء الستة، في موسكو. وفي 2 أكتوبر 1990، وُقِّع، في نيويورك وثيقة لوقف حقوق وسلطات الدول الأربع الكبرى في برلين، الأمر الذي سمح بتوحيد ألمانيا، بصفة نهائية، في 3 أكتوبر 1990.