إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / الجوانب الاقتصادية للأزمة العراقية ـ الكويتية (1980 ـ 1990)









رابعاً: بوادر الأزمة الاقتصادية، بين العراق وكلٍّ من الغرب والكويت بعد انتهاء حربه على إيران

رابعاً: بوادر الأزمة الاقتصادية، بين العراق وكلٍّ من الغرب والكويت بعد انتهاء حربه على إيران

    كان يبدو أن الإدارة الأمريكية، في عهدي الرئيسين رونالد ريجان وجورج بوش، تعيش فترة وفاق غريب مع الرئيس العراقي، صدام حسين، منذ انتهاء الحرب العراقية ـ الإيرانية، وحتى احتلاله الكويت، في الثاني من أغسطس 1990. فلم يكن يبدو على تلك الإدارة، أو على الأقل الشخصيات البارزة فيها، طوال تلك الفترة، أنها قد استوفت فهْم طموحات صدام حسين ودعاواه وإصراره الجادّ، من أجل الهيمنة في الشرق الأوسط، بكل الوسائل الممكنة. إلا أن دراسة متمعنة للأسلوب، الذي كان صدام حسين ينتهجه في المنطقة، منذ حربه على إيران، عام 1980، تبين، بوضوح، أنه كان يتصرف بناءً على ما يمكن تسميته بنظرية "المافيا" في العلاقات الدولية. فقد كون صدام حسين، في منطقة الخليج العربي، ما يشبه "فريق فتوة"، تحولت أنشطته، فيما بعد، إلى واحد من أكبر الاصطدامات الدولية، في عصرنا الحاضر. لقد تقمص، خلال سنوات حربه على إيران، شخصية "الأب الروحي" للمنطقة، واستمر في ذلك، بعدها[1].

    ويقول جون كوولي، في كتابه "الحصاد": "يعتقد بعض الشخصيات الرئيسية في الشرق الأوسط، أن أزمة عام 1990 ـ 1991، جاءت نتيجة تواطؤ، متعمد أو عفوي، بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية والكويت، يتمثل في نصب فخ للرئيس العراقي، صدام حسين. من بين هذه الشخصيات ولي العهد الأردني، الأمير الحسن بن طلال، الذي أبدى استعداده لمناقشة هذا الاحتمال معي. فقد أخبرني مع عدد من الزوار الآخرين، خلال عدة جلسات، في خريف عام 1990، أن باقي الدول العربية لم تستطع أن تفسر موقف الكويت المتحدي تجاه العراق، في نزاعهما حول الحدود والنفط والديون، والذي تطور إلى أزمة دولية، كما فهمها العرب، وإن لم ترها واشنطن كذلك. لقد رأى العرب أن الأزمة، قد نتجت، ولو بشكل جزئي، عن كون الكويت كانت تضخ أكثر من حصتها المقررة من النفط، ربما بتشجيع، ولكن بالتأكيد من دون تثبيط من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية، دافعة بذلك بأسعار النفط نحو الانخفاض، بما يقلّ عن المستويات المفضلة لدى دول منظمة "الأوبك".

    وغداة وقف إطلاق النار بين العراق وإيران، قررت الكويت زيادة إنتاجها النفطي، مخالفة بذلك الاتفاقات المعقودة في إطار منظمة "الأوبك". وقد اعتمدت، في تحقيق هذه الزيادة الإنتاجية، على آبار الرميلة، الواقعة في المنطقة الحدودية، المتنازع فيها مع العراق، والتي كانت موضوعاً، في السابق، لمناقشات دبلوماسية صاخبة. وهذا الحقل تطالب العراق بملكيته كاملاً.

    لقد كانت ظروف العراق، المثقلة ثروته بثماني سنوات من الحرب ضد إيران، تفرض عليه أن يسعى إلى رفع أسعار النفط في السوق العالمية، وأن يزيد من معدل دخله، إلى أعلى المستويات. إنه ليس من الحقيقة أن يقال إن الكويت، وحدها، هي التي كسبت من الحرب العراقية ـ الإيرانية، كما يدعي العراق وأنصاره، إذ إنها تكبدت بعض الخسائر، كذلك، وتعرض أمنها للخطر، طوال هذه الحرب.

    لقد وضعت الكويت والمملكة العربية السعودية إستراتيجيتَيهما طويلتَي المدى، على مبدأ الدفع بمعدلات استهلاك النفط العالمية نحو الزيادة، والعمل على ضمان أكبر حصة ممكنة في هذه السوق، إضافة إلى هدف مهم جداً، وهو المحافظة على أسعار النفط في مستوى، لا يؤهل الدول الصناعية، أن تتمكن من تطوير موارد طاقة بديلة. ولذا، فقد كانت الكويت أكثر دول النفط استعداداً للتعايش مع الأسعار المنخفضة، وذلك بعكس العراق، الساعي إلى الحصول على التسديد المقدم والفوري لثمن مرتفع لمبيعاته من النفط.

1. إخفاق "الأوبك"، والمواجهة النفطية العراقية ـ الكويتية

    أعلن العراق، كبقية بلدان منظمة "الأوبك"، تثبيت مستوى إنتاجه وأسعاره، دولياً، بموجب القرارات الجماعية لوزراء نفط المنظمة. فهذه القرارات يمكن التقيد أو الالتزام بها، عندما يكون هناك سوق للبائعين، أو أن البلدان المنتجة للنفط تنتج حسب الحصص الإنتاجية. ومن الظاهر أنه عندما تتوافر طاقات فائضة، تحاول البلدان الأعضاء توسيع المبيعات، من خلال التخفيضات الخفية، أو اتفاقات التجارة المتقابلة، أو عبر التخفيض المعلن الصريح للأسعار.

    ونظراً إلى كثافة الاعتماد المتبادل بين البائعين، فإن زيادة مبيعات بلد معين، تقيد أو تكبل مبيعات أو إيرادات البلدان الأخرى. فهذه الدرجة العالية من الاعتماد المتبادل، بين قِلة من البائعين، تتماثل مع سلوكية أسعار احتكار القِلة لشركات النفط العالمية.

    كان داخل منظمة "الأوبك" وجهتا نظر متباينتان، تجاه تحديد مستوى الإنتاج المطلوب، أو سعر بيع النفط المنتج. تمثل إحداهما مجموعة من البلدان بقيادة المملكة العربية السعودية، المدعومة من قِبل بلدان الخليج الأخرى: الكويت، الإمارات، قطَر، وترى أن استقرار الأسعار، حتى المنخفضة نسبياً، قد يكون مهماً جداً لكافة الأعضاء، على الأمد البعيد. ومن أجل كبح تصاعد الأسعار، أبدت هذه البلدان استعدادها لزيادة مستويات الإنتاج فيها. انطلقت هذه المجموعة على ما يبدو من جملة معايير، يمكن إيجاز أهمها بما يلي:

أ. توافر احتياطيات نفطية ضخمة فيها، أو تمتعها بقدرات أو إمكانات هائلة، لزيادة الإنتاج، وضخ كميات كبيرة منه.

ب. تبنِّي أسعار منخفضة، لن يؤثر كثيراً في مستويات إيرادات حكومات هذه البلدان، خصوصاً بعدما تمكنت من تراكم أصول مالية ضخمة، أو امتلكت استثمارات هائلة في البلدان الصناعية الغربية.

ج. ضآلة عدد السكان فيها.

د. اعتماد أسعار منخفضة، مقبولة من البلدان الصناعية الرئيسية المستهلكة، المستوردة للنفط، قد يؤدي إما إلى تخلّيها عن جهودها لإيجاد بدائل من النفط أو الطاقة، أو سيسهم في تخفيف إجراءات المحافظة على استهلاك الطاقة، المعتمدة فيها، مما قد يقود إلى تحسين أوضاع الطلب العالمي على النفط.

هـ. صيانة قيمة أرصدة استثماراتها في البلدان الصناعية، أو عدم تأكلها، من خلال تزايد معدلات التضخم؛ إذ إن استقرار سعر النفط، سيؤدي إلى استقرار الأسعار بصورة عامة.

    إزاء هذه المجموعة من البلدان التي يمكن أن يطلق عليها "بلدان إنتاج الحد الأقصى"، برزت مجموعة أخرى يمكن نعتها بـ "بلدان السعر الأقصى"، وتمثل وجهة النظر الثانية.

    وضمّت المجموعة الثانية، بشكل أساسي، بلداناً تميزت بمحدودية الاحتياطيات النفطية، والكثافة السكانية، والمستوى المنخفض لدخل الفرد، مقارنة بالمجموعة الأولى، والعجز الدائم في ميزان المدفوعات، إضافة إلى الديون الخارجية الكبيرة. فرضت محدودية الاحتياطيات النفطية في بلدان هذه المجموعة، كما أملت عليها مواقفها تجاه أسعار النفط، لأنها عمدت إلى تحقيق أقصى دخل ممكن. كما تأثرت مواقفها هذه بالخطط الإنمائية الطموح، التي استدعت مكوناً كبيراً مهماً من العملات الأجنبية. ونظراً إلى أن جميع البلدان المصدرة للنفط، تستلم إيراداتها بالدولار الأمريكي، فقد رغبت هذه المجموعة في تكييف أسعار النفط، لتعويض أي تأكل لقيمة الدولار، سواء بسبب التضخم أو تذبذبات العملات الأجنبية. وقد ضمت هذه المجموعة: الجزائر، إيران، العراق، ليبيا، نيجيريا، فنزويلا.

    ونتيجة لانهيار أسعار النفط، عام 1986، إذ تدنّى سعر البرميل، من 29 دولاراً، عام 1983، إلى أقلّ من 10 دولارات، عام 1986. وبلغ، في بعض الأحيان، 7 دولارات، مما نجم عنه تقهقر في إيرادات "الأوبك" المجمعة، من 131 مليار دولار، عام 1985 إلى 77 مليار دولار، عام 1986، بينما ارتفعت الصادرات النفطية، بنسبة 17%، خلال الفترة عينها. فانهيار الأسعار، عام 1986، حمل "الأوبك"، في أكتوبر 1986، على العودة إلى نظام الحصص، والاتفاق على سعر رسمي، أو سعر "إشارة"، بلغ 18 دولاراً، كما عُدَّ السعر الضروري للتنمية الاجتماعية الاقتصادية، لكافة البلدان الأعضاء.

    لذلك، فمحاولة بلد ما زيادة إنتاجه أكثر من حصته، تعني أنه سيبيع نفطه بأسعار أقلّ من سعر "الإشارة". كما تعني، كذلك، أن البلد غير الملتزم، سيوسع حصته في الأسواق، على حساب المنتجين الآخرين، مسبباً تراجع إيراداتهم، مع أثره غير المرغوب فيه في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

2. اتفاق نوفمبر 1988

    اشتمل هذا الاتفاق على العوامل الرئيسية التالية:

أ. بلوغ سقف الإنتاج 18.50 مليون دولار ب/ي، في النصف الأول من عام 1989.

ب. استمرار الهدف السعري، البالغ 18 دولاراً للبرميل، لمجموعة النفط الخام لـ "الأوبك".

ج. حصول كلٍّ من العراق وإيران على حصتَين متساويتَين، يبلغ كلٌّ منهما مليونين وستمائة وأربعين ألف ب/ي، مع تخصيص 14.27% من إجمالي إنتاج "الأوبك" لكلٍّ من البلدَين.

د. الاتفاق على التعريف التقني للمكثفات.

هـ. منح اللجنة الوزارية لمراقبة الأسعار، الصلاحية للدعوة إلى مؤتمر وزاري استثنائي، فيما إذا عمد أحد الأقطار الأعضاء، إلى انتهاكات رئيسية للاتفاق، على مدى شهرَين متتاليَين.

    وبعد أن اتفقت أقطار "الأوبك" على هذا الاتفاق، فقد صار من المحتوم عليها تطبيق شروطه بأمانة وجدية؛ إذ إن العجز عن ذلك، سوف ينطوي على ضربة خطيرة لمصداقية المنظمة. ويعتقد العديد من المراقبين النفطيين، أن الاتفاق كان محاولة جادّة، من قِبل الأقطار الأعضاء في المنظمة، للتوصل إلى اتفاقية شاملة، تأخذ في الحسبان المصالح المشتركة للدول المنتجة. وقد استوجب هذا الاتفاق تقديم التنازلات اللازمة، من قِبل جميع الأطراف. وقد خرجت هذه التسوية إلى حيّز الوجود، عندما أعلن وزير النفط الإيراني، أن هدفه هو الحفاظ على حصة بلاده من إجمالي حصص "الأوبك" الإنتاجية. وكانت هذه الحصة تبلغ 14.27%، على أساس اتفاق الحصص، عام 1986، حين بلغت حصة إيران مليونين وثلاثمائة وتسعة وستين ألف ب/ي، وحصة العراق 1.54 مليون ب/ي، وكانت حصة "الأوبك" الإجمالية 16.6 مليون ب/ي. وكان الإبقاء على هذه الحصة الإيرانية، وإعطاء العراق نصيباً مكافئاً لها، يعنيان أن على بقية الأعضاء الأحد عشر، أن يتفقوا على خفض، مقداره حوالي 900 ألف ب/ي من نصيبهم من إجمالي سقف الإنتاج الجديد. وتنازلت إيران عن موقفها المعلن، عدم قبول حصة إنتاجية متساوية مع العراق، بينما قبل العراق، من جانبه، أن يخفض إنتاجه بحدود 10 آلاف ب/ي، وألاّ يستعمل كافة الطاقة الإنتاجية والتصديرية المتاحة له، عام 1989، والتي ستراوح بين 3.5 و4 ملايين ب/ي.

    وكان الاتفاق حول السقف الجديد، البالغ 18.5 مليون ب/ي، خلال النصف الأول من عام 1989، يتماشى، كذلك، مع التوقعات المتفائلة، حول الطلب على نفط "الأوبك" خلال عام 1989، ويتيح ارتفاعاً تدريجياً في الأسعار. كما أن هذا السقف نفسه، يعطي فرصة لزيادة هامشية في إنتاج، الأوبك، على أرقام عام 1988. وفي الوقت نفسه، فإنه يسمح بتكريس جزء من الزيادة من الطلب العالمي في مصلحة البلدان غير الأعضاء. كما أن الاتفاقية، تقدم تعريفاً واضح المعالم بمشكلة المكثفات، وتوفر آلية لضمان الالتزام بالحصص المقررة.

    وفي ظل ظروف ذلك الوقت، فإن اتفاقية نوفمبر 1988، مَثلت بداية إيجابية نحو عقد جديد لمنظمة "الأوبك"، آملة أن تتجنب فيه أخطاء السبعينيات والثمانينيات. وكان يمكن أن تتوج هذه الاتفاقية، في حال نجاح المفاوضات الدائرة، وقتئذٍ، بمؤتمر قمة لملوك ورؤساء أقطار "الأوبك". ولكن تقع على عاتق أعضاء المنظمة، كذلك، مسؤولية مزدوجة، نحو إعادة هيكلة الاقتصاديات المحلية وترشيدها، حتى لا يصبح إغراء الإنتاج النفطي الزائد على الحصص المقررة، مشكلة مزمنة. والواقع، أن بعض الأقطار، قد بدأت السير، بالفعل، في هذا الطريق الصعب. ولكن، لا يزال الكثير مطلوباً في هذا المجال. كما أن على الأقطار الثلاثة عشر، أن تمتلك الإرادة السياسية، لتنفيذ الاتفاقات، والوفاء بالالتزامات، التي يتعهد بها وزراء نفطها؛ لأن تغاضي دولة عن الاتفاق، سيسفر، حتماً، عن موقف تطلق فيه الحرية للجميع، الأمر الذي ينطوي على عواقب وخيمة لكل الأطراف المعنية.

    والمشكلة، أن الكويت، لم تكن تخفي ما تفعله. فأثناء اجتماع "الأوبك" في فيينا، في 5 يونيه 1989، لم يخفِ الشيخ علي خليفة الصباح، وزير النفط الكويتي، رأيه على أحد. بل إنه أدلى بحديث لصحيفة وول ستريت جورنال، ذات التأثير القوي في دوائر المال، في نيويورك، نشرته في 12 يونيه 1989. وكان ما قاله أشبه ما يكون بإملاء قوة عظمى، تفرض شروطها، من دون أن تكترث لأحد. ومما قاله: "إن الكويت، لا تنوي الالتزام بحصتها المقررة، وهي مليون وسبعة وثلاثون ألف برميل في اليوم. وهي ستصر على حصة، مقدارها مليون وثلاثمائة وخمسون ألف برميل في اليوم". وعلقت الجريدة، من جانبها، قائلة: "في الوقت الحالي، تنتج الكويت مليوناً وسبعمائة ألف برميل في اليوم".

    ثم شنّ الشيخ علي خليفة الصباح هجوماً مركزاً على المملكة العربية السعودية، قال فيه: "إن المملكة العربية السعودية والكويت على طريق تصادم محقق، بسبب الحصص، ونحن لا ننوي أن نتراجع".

    وربما كان الكلام على المملكة العربية السعودية مقصوداً به، أن يسمع غيرها. وكان الخطر يتأتى من أن المملكة العربية السعودية تستطيع أن تصبر، وأمّا العراق، فكان الصبر عزيزاً عليه، لأن دخله، بسبب انخفاض أسعار النفط، تدنى بمقدار سبعة مليارات دولار، عام 1989، وهو مبلغ يعادل المطلوب منه لخدمة ديونه، في ميزانية ذلك العام. وكان يتوقع زيادة في خسائره؛ إذ إن انخفاض دولار واحد في سعر البرميل الواحد يعني نقصاً قدره مليار دولار، كل عام، في دخله.

    وكان المأزق، أن الكويت، هي الأخرى، مثل العراق، تحتاج إلى زيادة في دخلها، وإن اختلفت الأسباب، على الرغم من أن كليهما كان يعتمد على المصدر نفسه، وهو النفط. كان وضع الكويت المختلف، يتمثل في طبيعة تركيب ثروتها، المالية والاقتصادية، فهي استثمرت، على نطاق واسع، في شركات كبرى، في الغرب، لتكرير النفط وتسويقه، وأصبح ربحها يتأتى من بيعه في الأسواق مباشرة للمستهلكين، وليس من بيعه خاماً للشركات الكبرى. كذلك، كانت استثمارات الكويت، في الخارج، مركزة في شركات صناعية، ربما لا يلائمها ارتفاع أسعار النفط. ومن ثم، كانت قادرة على تعويض انخفاض دخلها من سعر النفط الخام، من طريق زيادة أرباحها من الشركات الصناعية' وشركات توزيع النفط، التي تملكها أو تسهم فيها.

    وهكذا، اتفق مورد الدخل، واختلفت أساليب التعامل معه، أي أن سعر النفط الخام، يؤثر مباشرة في دخل العراق، لكنه لا يؤثر في دخل الكويت. كانت الكويت، كمستثمر في السوق الصناعية العالمية، غير قلقة من نفط رخيص. أمّا العراق، كمصدر مباشر للنفط الخام، فقد كانت أسباب قلقه حادّة. والواقع أن دخل الكويت، لم يتأثر بانخفاض سعر النفط، في النصف الثاني من الثمانينيات؛ إذ كان نصف دخلها منه، ونصف دخلها الآخر من استثماراتها في الخارج. أمّا العراق، فدخله الرئيسي من النفط، وأي شيء غيره، هو دخل فرعي وجانبي. وربما كان التناقض بين الاثنين، في جزء منه، هو التناقض بين دولة مصدرة للمواد الخام الطبيعية، ودولة أخرى تقبل لعبة السوق محدداً للسعر.

    وقد يرى بعض المحللين، أن هذه السياسة، من جانب الكويت، كانت سياسة أنانية، تتبعها دولة بالغة الغنى، لا يعنيها كثيراً مصالح الآخرين، وإن كانوا عرباً مثلها؛ لكن مشاكل الاقتصاد، دائماً، مركبة. كان للكويت أسباب، تراها، من وجهة نظرها، موضوعية، وتبرر احتياجها الشديد إلى المال، وتتلخص هذه الأسباب في الآتي:

أ. رغبة الكويت في تعويض خسائرها، أثناء الحرب العراقية ـ الإيرانية .

ب. إحساس الكويت بأن أمنها مكشوف، ومعرض، وتحتاج إلى المال لشراء السلاح.

ج. سقوط الاقتصاد الكويتي في براثن أزمة سوق المناخ.

    وهكذا، كانت الكويت محتاجة إلى المال، قدر احتياج العراق إليه، وإن اختلفت الأسباب، فخرجت عـن مقررات "الأوبك"، وبادر الشيخ علي خليفة الصباح إلى القول، إن الكويت لا تقبل، ولا تلتزم بحصص "الأوبك". وقد بدا هذا القول تحدياً للدول الإقليمية الثلاث، الأقوى، والمحيطة بالكويت، وهي: العراق، وإيران، والمملكة العربية السعودية، وجميعها كانت معارضة لموقف الكويت، ومتأذية من الخروج عن حصص منظمة "الأوبك".

    كان العراق مندهشاً من التحدي الكويتي. وإذ وجد المملكة العربية السعودية وإيران في صفه، فقد أخذته الظنون، أن الكويت تنفذ سياسة مرسومة، ما كان لها أن تقوى على الرياض، لولا أن وراءها من يساندها، أو يحرضها على خفض الأسعار. وراحت لهجة العراق تعلو وتحتد، بينما سعر النفط يواصل تدنّيه.

3. نظام الحصص النفطية عام 1989

    مع بداية عام 1989، شهدت سوق النفط انتعاشاً ملحوظاً عمّا كانت عليه عام 1988، إذ ارتفع سعر برميل النفط إلى 17 دولاراً، بعد أن بلغ مستوى منخفضاً، مقداره 13.5 دولاراً، في المتوسط، خلال عام 1988، ومقارنة بمستوى 18 دولاراً للبرميل لسعر القياس لنفط "الإشارة"، الذي قررته "الأوبك". ومع هذا التحسن الملحوظ في الأوضاع، رأت منظمة "الأوبك"، مع نهاية عام 1989، أن الفرصة مواتية لرفع سقف إنتاج المنظمة، عن المستوى السابق، الذي بلغ 20.5 مليون ب/ي، خاصة أن الإمارات والكويت، قد أعلنتا، مراراً، عدم قبولهما بالحصة المحددة لهما، ضمن السقف السابق.

    ومع اجتماع المنظمة العادي، في فيينا، في 25 نوفمبر 1989، قُدِّمت عدة مقترحات، منها الاقتراح الإيراني، الذي يوصي بزيادة سقف الإنتاج إلى 23 مليون ب/ي، خلال النصف الأول من عام 1990، مع إعطاء حصة نسبية أكبر لكل من الكويت والإمارات، وخفض الحصة النسبية للمملكة العربية السعودية. وقد رُفض هذا الاقتراح، نتيجة لموقف المملكة العربية السعودية، الرافضة أي تخفيض من حصتها النسبية، البالغة 24.3% من جملة سقف إنتاج "الأوبك"، ولو بمقدار برميل واحد. الاقتراح الثاني قدمته المملكة العربية السعودية، ودعا إلى تحديد سقف إنتاج جديد، يبلغ 22.5 مليون ب/ي، مع إعطاء حصة لكل من الإمارات والكويت، تبلغ مليوناً ونصف المليون ب/ي. وقد رُفض هذا الاقتراح، كذلك، لسببين. الأول، هو رفض الإمارات للحصة المحددة لها، وصعوبة الحصول على التنازل من أي من البلدان الأعضاء الأخرى عن إنتاجه النسبي، ضمن سقف إنتاج "الأوبك". وكان الاقتراح، الذي لاقى القبول، أخيراً، هو ذلك الذي قدمه العراق، والذي حدد سقف إنتاج للمنظمة 22 مليون ب/ي، وإعادة إدماج الكويت في نظام الحصص، بإعطائها حصة مليون ونصف المليون برميل، وإبقاء الإمارات خارج هذا الاتفاق، مع تجميد حصتها الرسمية عند مليون وخمسة وتسعين ألف برميل، وعدم مطالبة أي دولة عضو أخرى بخفض حصتها النسبية، إلاّ على أساس اختياري؛ وهو ما كان متوقعاً في حالة إندونيسيا، لعدم قدرة طاقتها الإنتاجية على تغطية الحصة الجديدة المحددة لها. وكان التوقع السائد، أن إيران لن تستطيع إنتاج كامل حصتها، البالغة 3.14 ملايين ب/ي.

4. زيادة صادرات الكويت والإمارات ودول أخرى من النفط

    أهمل عدد من أعضاء منظمة "الأوبك" التقيد بالتزاماته الذاتية، حينما سمحت زيادة إنتاجه، الذي مارس بدوره ضغوطاً تنازلية على الأسعار، حتى انخفضت إلى مستوى دون 18 دولاراً للبرميل، تراوح المعدل بين 16.93 دولار/ برميل، عام 1987، و13.22 دولار/ برميل، عام 1988، و15.69 دولار/ برميل، عام 1989.

    وإذ تمكنت الكويت والإمارات من زيادة صادراتهما النفطية، لم يكن العراق في وضع يمكنه من تحقيق ذلك، بسبب القيود الصارمة، المفروضة على منافذه التصديرية. وقد شعرت الحكومة بإحباط شديد، عندما استفحلت الأزمة الاقتصادية في البلاد.

    وتدهورت الأوضاع، بسرعة وبصورة شديدة، مع نهاية فبراير 1990، حينما وصل إنتاج منظمة "الأوبك" إلى حوالي 24 مليون ب/ي، وزاد على ذلك، خلال مارس 1990. ويعد هذا المستوى هو أعلى إنتاج للمنظمة، منذ عام 1981. وكان من الطبيعي، في ظل هذه الأوضاع، أن ينخفض سعر برميل النفط إلى ما يراوح بين 13 و13.5 دولاراً للبرميل، وهو ما يقل بنحو 25 إلى 30% عن مستوى سعر القياس، الذي حددته "الأوبك"، أي 18دولاراً للبرميل.

    وذكر عدد من المراقبين في أسواق النفط، أن هناك عدة دول، تجاوزت حصصها، بشكل منتظم، وهي الإمارات، التي أنتجت نحو مليونَي ب/ي (انخفض إنتاجها، بدءاً من أول يناير 1990 نحو 350 ألف ب/ي، ولكنه يزيد نحو 900 ألف ب/ي، على حصتها الرسمية). والكويت، التي أنتجت، بالمثل، حوالي مليونَي برميل (نحو نصف مليون ب/ي، أعلى من حصتها). والمملكة العربية السعودية، التي قدِّر إنتاجها بنحو 5.7 ملايين ب/ي (أي بمقدار يزيد على حصتها بنحو 320 ألف ب/ي). وإيران، التي فاجأت أسواق النفط بقدرتها على إنتاج ما يزيد على حصتها.

    إضافة إلى ذلك، فقد حدثت زيادة في إنتاج الدول غير الأعضاء في "الأوبك"، في مارس 1990، قدِّرت بنحو 300 ألف ب/ي، لتصل إلى 28.6 مليون ب/ي. وقد تركزت الزيادة في إنتاج بحر الشمال، الذي ارتفع إنتاجه نحو 200 ألف ب/ي. وارتفع صافي صادرات الكتلة الشرقية نحو 100 ألف ب/ي('`التقرير الإستراتيجي العربي، لعام 1990.

5. تخبط أسعار النفط، قبل الغزو العراقي للكويت

    إن حركة أسعار النفط، قبل اجتياح العراق الكويت، تظهر، بجلاء، حالة التخبط في أسواق النفط. ففي أكتوبر 1988، انخفض سعر برميل النفط إلى 12 دولاراً، ثم ارتفع، في نهاية العام نفسه، فبلغ 14 دولاراً، ثم وصل، في ديسمبر 1989، إلى 18.84 دولاراً، واستمر في التصاعد، حتى بلغ 18.98 دولاراً، في يناير 1990. وتوقف تصاعد سعر البرميل، بعد ما بدأت الكويت والإمارات زيادة الإنتاج، مما سبب هبوطاً حادّاً، وازداد هبوطه إلى 14.02 دولاراً، في يونيه 1990، أي تدهور 30% عن سعر "الإشارة"، مما سبب تبديداً لدخل النفط في عدد من الدول، أعضاء "الأوبك".

    وفي 12 فبراير 1990، أوضح وزير النفط الكويتي، علي خليفة الصباح، موقف الكويت، المُصَعِّد الرئيسي لإنتاج النفط، داخل "الأوبك"، فقال: "ابتداء، أرغب في التأكيد لكم، أننا ننتج، الآن، أكثر من الحصة المقررة. دعونا نتجاوز الخوض في هذه القضية. إنني أعتقد، أن واجبنا البقاء ضمن الحصة المقررة، عندما تكون أسعار سلة "الأوبك" أقلّ من 18دولار/برميل. أما إذا تجاوز السعر 18 دولاراً، فإنني أعتقد، أنه يجب على كل واحد من الأعضاء، أن ينتج أكثر من الحصة المقررة". واستطرد وزير النفط الكويتي، قائلاً: "إن الأسعار الجارية لـ "الأوبك"، البالغة 18 دولار/برميل، لا بدّ أن تبقى على مستواها هذا. ونتمنى التخلص من حصص "الأوبك"، في أسرع ما يمكن. فمن وجهة النظر العملية، تُعَدّ هذه الحصص غير عقلانية. إن كل ما نحتاج إليه الإقرار بهذه الحقيقة".

    وهكذا نمّت تصريحات وزير النفط الكويتي عن سياسة الحكومة الكويتية النفطية الجديدة، من خلال العناصر التي طرحها، والتي تتلخص في الآتي:

أ. إن السعر الاسمي للنفط، يجب أن يبقى مستقراً، بمستوى 18 دولار/برميل.

ب. يجب التخلص من نظام حصص "الأوبك".

ج. متى ما دفعت قوى السوق السعر إلى مستوى أعلى من 18 دولار/برميل، فيجب أن تقدِم البلدان الأعضاء على توسيع إنتاجها، للعمل على خفض السعر.

    ولا بدّ من الإشارة إلى أن مثل هذه السياسة، قد تكون مفهومة، إلى حدّ كبير، لو لم تكن الكويت بلداً عضواً في "الأوبك". ومع ذلك، زادت الكويت إنتاجها إلى مليونين ونصف المليون ب/ي، بزيادة مليون برميل على الحصة المقررة. كما أن احتياطياتها النفطية ضخمة، وعدد سكانها صغير. إضافة إلى ذلك، استثمرت الكويت رأسمالاً ملحوظاً، في شراء منشآت المصافي، أو منافذ التوزيع لنفطها في أوروبا. كما امتلكت محفظة استثمارية كبيرة، تجاوز دخلها، بعض السنوات، إيراداتها النفطية.

    وعلى النقيض من ذلك، لم يتمكن العراق من زيادة صادراته، كما رغب في التمسك بنظام حصص "الأوبك"، إضافة إلى افتقاده الاستثمار في منافذ التسويق في الخارج، وافتقاره إلى محفظة استثمارية يمكنه سحب ما يريد منها. وعوضاً عن ذلك، أصبح العراق أكثر اعتماداً على الإيرادات النفطية، من أي وقت مضى.

6. مؤتمر الأوبك (16 مارس 1990)

    وفي 16 مارس 1990، اجتمعت، في فيينا، لجنة مراقبة الأسعار، المنبثقة من منظمة الدول المصدرة للنفط، "الأوبك"، في دورتها الخامسة، لبحث مسألة توزيع الحصص الإنتاجية الثابتة، وفق الحد الأقصى للإنتاج الحالي، على الدول الـ 13 الأعضاء في المنظمة. كما بحثت اللجنة تطور التعاون بين المنظمة والدول المنتجة للنفط، المستقلة، من أجل المحافظة على استقرار الأسعار. وحضر الاجتماعات وزراء النفط والطاقة للدول الثماني، الأعضاء في اللجنة، وهي: الكويت والمملكة العربية السعودية والجزائر والعراق وإيران وإندونيسيا ونيجيريا وفنزويلا. وحضرها، كذلك، ممثلو باقي الدول الأعضاء في "الأوبك"، وهي: الإكوادور والجابون وليبيا وقطَر والإمارات العربية المتحدة، على مستوى وزراء النفط.

    وقد اتفق وزراء النفط في دول منظمة الدول المصدرة للنفط "الأوبك"، على الاستمرار في العمل بالاتفاق السابق للمنظمة، حول سقف الإنتاج والأسعار، خلال الربع الثاني من عام 1990. وأعلن وزراء النفط استعداد بلادهم للالتزام بالحصص، المقررة لها في المؤتمر الوزاري السابق للمنظمة، المنعقد في فيينا، يوم 25 نوفمبر 1989. وأكّد ذلك صادق بوستة، وزير الطاقة الجزائري، رئيس المؤتمر الوزاري للمنظمة، في ختام اجتماعات اللجنة الوزارية لمراقبة الأسعار، في 17 مارس1990. وبموجب الاتفاق، سيظل الإنتاج الكلي من النفط، للدول الأعضاء الثلاث عشرة، محدداً بمعدل 22 مليون ب/ي، وبسعر قياسي، يبلغ 18 دولاراً للبرميل.

    وكان الرئيس العراقي، صدام حسين، قد بعث، قبل اجتماع "الأوبك"، في 16 مارس، برسالة إلى أمير الكويت، يطالبه فيها باتخاذ كل الوسائل لإعادة سعر النفط إلى حدِّه المعقول. ولم تُؤتِ الرسالة ثمارها، على الرغم من الحزم في كلماتها.

    إن المصالح أقوى، دائماً، من الكلمات. وقد كانت الكويت ترى، أن مصالحها محققة بأسعار النفط كما هي، والدليل على ذلك أن ميزانية الكويت، عام 1989، حققت زيادة، مقدارها 37.6% على التقديرات الأولية لها. 

    وحاول الملك فهد والملك حسين، أن يتوسطا بين العراق والكويت، فاتضح لهما، أن الفجوة بين البلدَين، تخطت الخلاف في حصص "الأوبك" وأسعار النفط، ذلك أنه في الخلافات بين الأفراد والمجتمعات، تكون للمضاعفات المستجدة، دائماً، قوة استدعاء التراكمات الكامنة. لذا، كان على الملكين أن يسمعا كشفاً لحصر الخلافات السابقة. وبعد أن كانا يناقشان الخلاف على الأسعار والحصص الخاصة بالنفط، إذ بهما أمام مشاكل أخرى؛ فالخلاف على الأسعار والحصص، استدعى تجربة الحرب والديون، وتجربة الحرب والديون، استدعت، بدورها، قضية الجزر، وقضية الحقوق التاريخية في الكويت كلها. وتناثرت بذور الخلافات القديمة مرة أخرى، ولكن على أرضية جديدة، وفي أجواء مغايرة. وفي حين راح العراق يبحث في ملفات التاريخ، راحت الكويت تتمسك بالوقائع الراهنة.

7. اجتماع جدة (17 أبريل 1990)

    وإزاء هذه التطورات، جرت اتصالات واسعة بين أعضاء منظمة "الأوبك"، نشط في جزء منها رئيسها الدَّوري، صادق بوستة، وزير الطاقة الجزائري. ولذلك، عُقد اجتماع جدة، في 17 أبريل 1990، بين المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة، الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط، "الأوبك"، وأصدر وزراء النفط فيها بياناً، عقب الاجتماع، أعلنوا فيه: "أن انخفاض أسعار النفط الحالي، ما هو إلاّ نتيجة للزيادة في الإنتاج، سواء من الدول الأعضاء في "الأوبك"، أو خارجها. وأن الحل الذي يحقق الاستقرار النسبي لسوق النفط، هو أن تلتزم الدول الأعضاء في "الأوبك" بسقف الإنتاج، بما في ذلك الحصص الموزعة على هذه الدول. وأن تلتزم الدول المصدرة، من خارج "الأوبك"، كذلك، بعدم زيادة إنتاجها، مستفيدة من ارتفاع الأسعار، في الأوقات، التي يكون فيها الطلب مرتفعاً". "وأكدوا أنهم لا يميلون، كذلك، إلى عقد مؤتمر طارئ لـ "الأوبك"، مفضلين حضور الاجتماع الرسمي المقرَّر في 25 مايو 1990".

8. مؤتمر "الأوبك" (25 مايو 1990)

    كانت الدعوة إلى هذا المؤتمر (المؤتمر العادي السابع والثمانين لمنظمة "الأوبك")، قد ترددت على لسان وزيرَي نفط الجزائر وليبيا. وإزاء استمرار تدهور الأسعار، عقد اجتماع للجنة المراقبة الوزارية، التي تضم ثمانية بلدان، على أن يتسع الاجتماع، ليشمل مَن يحضر من الأعضاء الباقين، أي الدعوة إلى عقد مؤتمر طارئ؛ وإنْ لم يأخذ هذا الاسم. وكان من النتائج الأساسية للمؤتمر دعوة المملكة العربية السعودية إلى خفض الإنتاج بنحو نصف مليون برميل، وهو ما لم يقبله العراق، المطالب بتخفيض أكبر. واتُّفق، في النهاية، على خفض الإنتاج بنسبة 6% من الإنتاج الفعلي السائد، أي حوالي مليون ونصف المليون ب/ي، وتعهدت الرياض بخفض 430 ألف ب/ي، منها، والكويت نحو 400 ألف ب/ي. وفي هذا الاجتماع، أعرب العراق عن غضبه الشديد من تجاوز الحصص، وأعلن وزير النفط الكويتي، أن بلاده يهمها استقرار الأسعار، ليس للدفاع عن مصالحها فقط، وإنما مراعاة لأوضاع دول أخرى، كذلك، وهو ما يُعَدّ إشارة مباشرة إلى تهدئة الأوضاع مع العراق. بينما خرج وزير نفط الإمارات من الاجتماع، ليعلن، مرة أخرى، أن بلاده كانت قد أعطيت حصة غير رسمية، بموافقة جميع الدول الأعضاء، تبلغ مليونَي برميل، أمّا الحصة، التي اتفق عليها في الاجتماع الأخير، فهي مليون وتسعمائة ألف برميل. ولم تنفِ مصادر المنظمة هذا التصريح من قبل دولة الإمارات.

    وتواصل تدهور الأسعار، على الرغم من خفض المملكة العربية السعودية إنتاجها نحو 450 ألف ب/ي، والكويت نحو 50 ألف ب/ي، في مايو 1990، نتيجة لرفع العراق وإيران إنتاجهما؛ إذ إن السوق لم يكن في وسعها سوى استيعاب 21.36 مليون ب/ي، من نفط "الأوبك" (سقف الإنتاج الرسمي)، بينما كان الإنتاج الفعلي يبلغ نحو 23.48 مليون ب/ي، كما يوضح الجدول التالي:

البيان

الربع الأول من عام 1990

الربع الثاني من عام 1990

الطلب على نفط "الأوبك" والمخزون

23.21

21.36

المعروض من "الأوبك"          

23.46

23.48

·    الكمية المذكورة بالجدول بالمليون ب/ي.

9. دود الفعل العراقية على ارتفاع أسعار النفط

    فجّر انزلاق الأسعار وتراجعها، من 20 دولار/برميل إلى 13.67 دولار/برميل، خلال الأشهر الستة الأولى من عام 1990، سلسلة ردود فعل في العراق. ففي بداية مارس 1990، نشرت جريدة "الثورة" الناطقة باسم حزب "البعث" الحاكم في العراق، تصريحات وزير الخارجية العراقي، التي هاجم فيها سياسة إنتاج دولتَي الكويت والإمارات. وفي 30 مايو 1990، أعلن الرئيس العراقي، في خطبته أمام مؤتمر القمة العربي الطارئ، المنعقد في بغداد، الأضرار الاقتصادية اللاحقة بالعراق، من جراء تراجع أسعار النفط، إذ قدّرها بحوالي مليار دولار، سنوياً، لكل هبوط في السعر بما يعادل دولار واحد. كما أشار إلى اعتقاد الحكومة إمكانية زيادة السعر إلى مستوى 25 دولاراً، خلال السنتَين القادمتَين، من دون الإضرار بمستويات التصدير. إن استمرار الأسعار في الانخفاض، يعني، بالنسبة إلى العراق، أن عليه أن يتحمل خسائر اقتصادية.

    ففي رأى الرئيس العراقي، أن الآثار الضارّة بالاقتصاد العراقي، نتيجة سياسة فائض الإنتاج الكويتية، تماثل الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الحروب التقليدية. وقد عبّر الرئيس العراقي، صدام حسين، عن ذلك بقوله: "أودّ أن يعلم إخواني العرب، الذين لا يرغبون في الحرب، أو الذين لا يعتزمون شن حرب ضد العراق، بأننا لا نتحمل هذا النمط من الحرب الاقتصادية، الموجَّهة ضد العراق. إنني على اعتقاد أن كافة إخواننا، يعرفون أوضاعنا، وعلى بصيرة تامة بها. لكن الصعوبات ـ بمشيئة الله ـ ستزول. ومع ذلك، أودّ القول إننا بلغنا حالة من الأوضاع السيئة، لا يمكن قبول ضغوطها. إنني أعتقد أننا جميعاً، كذلك الأمة العربية، سنحقق المنافع من مبادئ الالتزام بقرارات "الأوبك"، حول الإنتاج والأسعار".

    إن الحالة البائسة للاقتصاد العراقي، تجلت، بوضوح، من خلال تصريحات الرئيس صدام حسين، حينما قال: "إن بعض مليارات الدولارات، قد تحسم كثيراً من القضايا المجمدة، أو المؤجلة، في حياة العراقيين". وأعقبت تصريحات الرئيس العراقي، حول أزمة الاقتصاد العراقي، تأكيدات نائب رئيس الوزراء، سعدون حمادي، حينما أشار إلى أن التزام الكويت والإمارات العربية المتحدة بحصص الإنتاج، أو تخفيض إنتاجها إلى المستويات، المقررة من قِبل "الأوبك"، سيؤدي إلى زيادة الأسعار إلى المستوى المحدد، البالغ 18 دولاراً. ولم يكن العراق وحيداً في جهوده لإقناع البلدين بالالتزام بنظام الحصص، بل حاولت، في الحقيقة، دول أخرى، أعضاء في "الأوبك"، الضغط على الكويت والإمارات، لتخفيض إنتاجهما.

10. اجتماع جدة (10 يوليه 1990)

    حاولت المملكة العربية السعودية احتواء الخلاف بين العراق، من جانب، والكويت والإمارات، من جانب آخر. فدعت الرياض إلى اجتماع لوزراء النفط، ضم كلاًّ من المملكة العربية السعودية والكويت وقطَر والإمارات والعراق. واتُّفق، في جدة، في 10 يوليه 1990، على أن تنتج كلُّ من الكويت والإمارات العربية المتحدة نحو مليون ونصف المليون ب/ي، ورفض الطلب العراقي، الداعي إلى رفع سعر برميل النفط إلى 25 دولاراً للبرميل، بينما قِبل سائر الوزراء الأربعة الآخرين بسعر 20 دولاراً، الذي كانت قد دعت إليه إيران.

    وارتأى في مؤتمر جدة الحفاظ على مستوى الإنتاج الحالي، مع البحث في هذا المستوى، مجدداً، في أكتوبر 1990. وهو ما أيدته الكويت، بقبولها عدم المطالبة بزيادة حصتها، خلال مؤتمر "الأوبك"، المزمع عقده في 26 يوليه 1990، للعمل على رفع الأسعار أولاً.



[1] جون كوولي، كاتب وصحفي أمريكي كبير، ومراسل شبكة A B C News   الأمريكية، في لندن. وقابل جون كوولي الكثير من الشخصيات السياسية وزعامات العالم، وبالأخص تلك التي أدت دوراً مهماَ في أحداث الخليج العربي، خلال حروبه