إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / الجوانب الاقتصادية للأزمة العراقية ـ الكويتية (1980 ـ 1990)









خامساً: التصعيد العراقي للأزمة النفطية مع الكويت

خامساً: التصعيد العراقي للأزمة النفطية مع الكويت

    في 15 يوليه 1990، صعّد العراق حملته على الكويت والإمارات العربية المتحدة، قبل اجتماع "الأوبك" نصف السنوي العادي المقرر انعقاده في 26 يوليه 1990. كما وسع نطاقها، خصوصاً ضد الكويت، عندما اتَّهَم، في مذكرته، المرفوعة من وزارة الخارجية، إلى الجامعة العربية، حكومة الكويت بإسهامها، مع حكومة الإمارات، في ما وصفه بالعمليات المخططة، لإغراق أسواق النفط بفائض الإنتاج. وشبّهت المذكرة العراقية الأعمال الكويتية بالعدوان العسكري، كما اتَّهمت الحكومة الكويتية بتصميمها على تخريب الاقتصاد العراقي.

    وجاء في المذكرة: "إن اعتداء حكومة الكويت على العراق، هو اعتداء مزدوج. فمن ناحية، تعتدي عليه، وعلى حقوقه، بالتجاوز على أراضينا وحقولنا النفطية، وسرقة ثروتنا الوطنية. وإن مثل هذا التصرف هو عدوان عسكري. ومن ناحية أخرى، تتعمد حكومة الكويت تحقيق انهيار في الاقتصاد العراقي، في هذه المرحلة، التي يتعرض فيها إلى التهديد الإمبريالي الصهيوني الشرس، وهو عدوان، لا يقلّ في تأثيره عن العدوان العسكري. إننا إذ نعرض هذه الحقائق المؤلمة، أمام الأشقاء العرب، فإننا نأمل أن يرفع الأشقاء صوتهم، عالياً، لوضع حدّ لهذا العدوان المتعمَّد، المدبَّر، ولكي ينصحوا المنحرفين للعودة إلى السلوك السوي، الذي يأخذ في الحسبان المصلحة القومية المشتركة، ومتطلبات الأمن القومي المشترك".

    وقد أضافت حكومة العراق إلى قائمة شكواها ضد الكويت، في شأن إنتاج النفط، والحدود، مسألتين أخريَين. ارتبطت القضية الأولى بالنزاع حول حقل الرميلة النفطي، حينما اتَّهم العراق الكويت باستخدام طريقة الحفر "المائل"، لسحب النفط من حقل الرميلة، الواقع ضمن الأراضي العراقية. وتعلقت المسألة الثانية بالمساعدات المالية، الممنوحة له من الكويت.

1. أزمة حقل الرميلة

    يطالب العراق بحقل نفط الرميلة الضخم. ويتخذ هذا الحقل شكل موزة، ويقع ضمن الحدود المتنازع فيها بين البلدَين، ويبلغ عمقه 10 آلاف ومائتي قدم، تحت رمال الصحراء. ويقع أكثر من 90% من الحقل، البالغ طوله خمسين ميلاً، في العراق، ومع ذلك، فإن معظم نفطه المستخرج، في العقد الماضي (1980 ـ 1990)، ضخه الكويتيون. والنفط في حقل الرميلة، يتدفق بسهولة. ومن الناحية النظرية، تستطيع المضخات، الموجودة في أراضي الكويت، سحب نفط الحقل كله. وفي رأي الرئيس العراقي، صدام حسين، أن الكويتيين كانوا يسرقون النفط العراقي. ولم يكن ذلك قضية ثانوية أو هامشية. فحقل الرميلة أحد أكبر الحقول في العالم، وتقدر احتياطياته بثلاثين مليار برميل، أي ثلاثة أضعاف الحجم الأصلي لحقل "خليج برودهو" (Prudhoe Bay)، في آلاسكا. واكتشف هذا الحقل في عام 1953، ويقع ثلث الآبار العراقية، تقريباً، في هذه المنطقة. غير أن العراق، أثناء حربه على إيران، التي دامت ثماني سنوات، لغم حصته من الحقل، لمنع سقوطه في أيدي الإيرانيين. ورفعت الكويت إنتاجها، واستحوذت على بعض المشترين من العراق، وضخت ملايين البراميل من الحقل. واللافت، أن الرئيس صدام حسين، يرى أن الحقل برمّته يخص العراق.

2. مشكلات المساعدات والقروض الكويتية للعراق

    أمّا في خصوص المساعدات المالية، الممنوحة للعراق من الكويت، ففي حين عَدّتها الكويت قروضاً، عَدَّها العراق منحاً. فمن وجهة النظر العراقية، إن هذه المساعدات، أو القروض، أو المنح، يجب إلغاؤها للأسباب التالية:

أ. الحرب على إيران، لم تشن للدفاع عن سيادة العراق، بل استهدفت حماية الجناح الشرقي للأمة العربية، خصوصاً بلدان الخليج.

ب. تحقيق الكويت، خلال فترة الحرب، منافع مالية ضخمة، من جراء بيعها كميات نفط أكثر، بأسعار عالية.

ج. امتداد فترة الحرب على إيران، كلّفت العراق نفقات لم تكن متوقعة؛ فالتجهيزات العسكرية المشتراة، أو المستخدمة، بلغت المليارين فوق المائة مليار دولار.

3. اجتماع الأوبك (26 يوليه 1990)

    كان اجتماع "الأوبك"، في 26 يوليه 1990، في جنيف، اجتماعاً قصيراً جداً؛ إذ سهل الاتفاق بين وزراء النفط على سقف جديد للإنتاج، يبلغ 22.5 مليون ب/ي، مع إعطاء الإمارات العربية المتحدة حصة محددة، قدرها مليون ونصف المليون ب/ي، والموافقة على سعر جديد لبرميل النفط، قدره 21 دولاراً للبرميل، وبدا هذا الاتفاق كحل وسط، مُرضٍ لجميع الأطراف. وفي الواقع، إن ما سهل سرعة الاتفاق، هو أن اجتماع جدة، كان قد وضع الخطوط العريضة له. كما أن التهديد العراقي للكويت والإمارات، كان، ولا شك، وراء موافقة كل منهما على إعلان التزامها بحصة محددة، ضمن سقف جديد لإنتاج المنظمة.(أُنظر جدول اتفاقات حصص الإنتاج لدول "الأوبك" (1989ـ 1990))

4. التحركات العراقية، ورفع سعر النفط

    وتحت ظل تحركات القوات المسلحة العراقية، على امتداد الحدود الكويتية ـ العراقية، قررت منظمة "الأوبك"، في 27 يوليه 1990، زيادة سعر "الإشارة" لبرميل النفط، إلى 21 دولاراً، كما تبنّت حصصاً جديدة، من دون السماح لأي بلد عضو بتجاوز حصته المخصصة، لأي سببٍ كان.

    وربما تعد هذه، هي المرة الأولى، التي يصل فيها الخلاف حول السياسة النفطية، بين بلدان "الأوبك"، إلى حدّ التهديد بالحرب، ثم شنِّها، فعلاً، بغزو العراق الكويت. إذ إن خرق نظام حصص الإنتاج، من قِبل أي دولة من الدول الثلاث عشرة، أعضاء "الأوبك"، كان يُعَدّ سياسة تقليدية، ويكاد يكون مقبولاً، ضمناً، منذ العمل بهذا النظام، في مارس 1983. ويبدو أن عمق المشكلات والأزمات الاقتصادية، ولا سيما في مجال ندرة النقد الأجنبي، الناجم عن انخفاض أسعار النفط، هو السبب في حدَّة هذه الأزمة وتميزها عن غيرها من الأزمات، التي طالما نشبت بين دول "الأوبك".

    وبعد اجتياح العراق الكويت، في الثاني من أغسطس 1990، واحتلالها، ثم إعلان حكومة العراق، في 8 أغسطس 1990، ضم الكويت، وعلى أثر الحظر الدولي، المفروض على الصادرات النفطية، العراقية والكويتية، وتصاعد المطالبة بزيادة بلدان "الأوبك" إنتاجها على الحصص المقررة ـ قررت المنظمة، في اجتماعها، المنعقد في 29 أغسطس 1990، في فيينا، تأجيل بتّ التحديد للحصص الجديدة، تمكيناً للبلدان الأعضاء من زيادة إنتاجها، من دون قيود؛ وربما اتخذت "الأوبك" قرارها استجابة لضغوط أمريكية.

    وهكذا كان تراكم المشاكل من أكبر العوامل التي صعبت الحلول، واختلفت مصالح رفاق الطريق، واتسعت الخلافات، باستدعاء الأسباب القديمة الكامنة، بمعنى أن الاختلاف على أسعار النفط وحصص الإنتاج، استدعى قضية الحرب العراقية ـ الإيرانية، والديون من أجل الدفاع عن دول الخليج، ثم قضية أحقية العراق في جزيرتَي بوبيان ووربة، وانتهت إلى قضية الحقوق التاريخية في الكويت كلها. ووصلت الصعوبات إلى طريق مسدود، واستعصت الحلول ولم يقدر، أنها تنطوي على خطر، تقتضي مواجهته بعض التضحيات.

    وخلاصة القول، إن السياسة النفطية، ستبقى مصدراً لتهديد الأمن في منطقة الخليج، إذا غابت حقيقتان عن صانع القرار العربي ـ الخليجي، في هذا المجال، هما: أن النفط هو المصدر الرئيسي للطاقة (44% من استهلاك الطاقة في الدول الصناعية، عام 1989)، وسوف يبقي كذلك، عقوداً طويلة قادمة. كما أن النفط هو المصدر الرئيسي لتوليد الدخل القومي، في جميع الدول الخليجية، وسوف تبقى هذه الأهمية الحيوية للنفط، على الرغم من جهود تنويع مصادر الدخل في هذه الدول، بسبب احتياطياته الهائلة، وضرورات تصديره.