إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات صحية وغذائية / الموسوعة الصحية المصغرة / التنويم المغناطيسي









التطور التاريخي للتنويم المغناطيسي

ثانياً: التطور التاريخي للتنويم المغناطيسي

1. التنويم المغناطيسي قديماً

للتنويم المغناطيسي جذور عميقة في تاريخ الفكر البشري، قبل أن يتحول في السّنوات الأخيرة علماً قائماً بذاته، له قواعده وأصوله. والتنويم حقيقة علمية، عرفتها البشرية ومارستها في مختلف العصور، بصور وأشكال متنوعة. وقد أخضعه العلماء في العصور اللاحقة للبحث العلمي، فقدموا الأدلة العلمية على وجوده، وعالجوا بواسطته الأمراض المستعصية، فجاءت نتائجه حسية لا يُرقى إليها الشّك.

فمنذ القِدم، كان لبعض الناس تأثير نفسي على أشخاص آخرين، وما زال هذا التأثير يُمارس حتى يومنا هذا، في كل مكان وزمان. وما خلّفته الأجيال الماضية من كتابات متناثرة، وصور منقوشة، تدل بوضوح على أنهم عرفوا التنويم المغناطيسي، ومارسوه بأنفسهم، وأن كثيراً من الأسرار، التي كانت تحيط بالسّحر والكهانة والفراسة وغيرها من الممارسات، إنما كانت قائمة على معرفتهم للتأثير النفسي في صورة التنويم، واستخدامهم إياه بطريقة عملية، شبيهة لما نعرفه عنه اليوم. كان الاعتقاد السائد قديماً، أن فئة من الناس، كالسحرة والمنجمين والكُهان، يملكون قوة خفية مستقرة في باطنهم، يستطيعون بواسطتها التأثير على غيرهم، وهذه القوة تتيح لهم ممارسة أقصى درجات التحكم في مشاعر الآخرين، من حيث الإقناع والأمر والنهي.

أ. التنويم عند المصريين القدامى

كان الكهنة المصريون يمارسون العرافة، وهم في حالة الغيبوبة التّامة، الناتجة عن تحديقهم في أشياء براقة ذات نقوش عجيبة. وكان بعض الكهنة يمارسون طقوسهم الدينية وعيونهم مغمضة، ليهِّيئوا أنفسهم لمشاهدة الآلهة، كما يعتقدون. وكانت الغيبوبة، التي تنشأ في الهيكل أثناء الصلاة، نوعاً من النوم المغناطيسي. وهذا الأمر كان شائعاً حتى عند غير المصريين القدامى، إذ كان الوثنيون بصورة عامة، يعتقدون هذا الاعتقاد. كما أن التمائم والأغاني الدينية كانت تُلقى في نغمات رقيقة، مؤثرة، جامعة لوسائل التأثير الإيحائي، والمغناطيسي، إذ كان يقصد بها جعل المتعبدين في حالة تخدير وغيبوبة.

ب. التنويم عند الفرس والهنود

كان المجوس من الفرس، والكهان من الهنود، يمارسون التأثير النفسي المعروف حديثاً بالتنويم، بصور مختلفة، مثل: التعزيم، والرُقي، والصّلوات لدفع سوء الحظ وإزالة المرض، والرُّقي ضد لدغ الحيات، والتخلص من تأثيرات الجن، وإكثار الخيرات والبركات وغيره.

وتوجد قصائد كُتبت خصيصاً لإحداث النّوم السحري. ودراسة الطقوس الدينية لدى الهنود، تُظهر كيف كان التنويم يلعب دوراً أساسياً لديهم، لاسيما في الاحتفالات التي تقام لآلهة الجو وآلهة الحصاد، تحت إشراف البراهمة، وحالات التأمل والانشغاف، التي يستغرق فيها رهبان الهندوس وراهباتهم. كما يُلاحظ أن وسائل إحداث الغيبوبة عند ممارسة "اليوجا"، لا تختلف كثيراً عن أساليب التنويم الحديث؛ فممارسو اليوجا يبدءون بعض الشعائر والطقوس، ثم يتجنبون كل المؤثرات الخارجية، ويركّزون انتباههم على شئ يضعونه أمامهم ليشغلهم عن العالم الخارجي، الذي يحيط بهم.

وكان أفراد القبائل البدائية يمارسون احتفالات يرقصون فيها على أنغام الطبول، التي تدق على وتيرة واحدة؛ فينشأ عن ذلك مرح وانفعال حاد، في صفوف الحاضرين، يقترب، أحياناً، من حالة الجنون المؤقت، وتبدو في الرقص ظواهر مختلفة، شبيهة بظواهر التنويم المغناطيسي.

ج. التنويم عند العبرانيين والآشوريين

كان العبرانيون والآشوريين يستخدمون وضع الأيدي على الرأس والجبهة ، والنفخ في الوجه، لعلاج الأمراض. وكانوا يلجأ ون إلى العراف يسألونه عن الأمور الخاصة بهم كأفراد، أو عن الشؤون العامة، كالحروب.

د. التنويم عند قدماء الإغريق

مارس أطباء الإغريق قديماً، حركات سحرية، تشبه تمرير اليد وسحبها فوق وجه النائم، كتلك التي يستخدمها أصحاب التنويم المغناطيسي اليوم. وكان لديهم كهنة متخصصون في بعض المعابد، للاستشارة الطبية. فإذا قصدهم المريض وأرادوا معالجته، ألقوا بأنفسهم في حالة من الغيبوبة لمحاولة معرفة سر هذا المرض، والغوص في أعماقه.

هـ. التنويم عند الرومان

كان الرومان يعالجون الأمراض، بوضع اليدين بطرق خاصة على مكان الداء. كما كان المعالجون، يُشخِّصون الأمراض، ويصفون العلاج، وهم في حالة تشبه حالة النائم. وقد استعمل الرومان التنويم لشفاء المصابين بالخبل والجنون، وذلك بواسطة تدليك الجبهة والرقبة والكتفين، وأدركوا أنهم كلّما أكثروا من التدليك، غاص المريض في نوم عميق لفترة أطول.

و. التنويم عند الفرنسيين

كانت النساء اللاتى ينشأن في المعابد والهياكل، يمارسن أعمال الكهان، ومعالجة الأمراض المستعصية، في أجواء هادئة شبيهة بأجواء التنويم المغناطيسي.

2. التنويم المغناطيسي حديثاً

يرجع الفضل في تطوّر علم التنويم المغناطيسي، إلى عدد من العلماء، من مختلف أنحاء أوروبا، أشهرهم: العالم مسمير من ألمانيا، والدكتور جيمس برايد من إنجلترا، والعالمان ليبولت وإيميل كوي من فرنسا.

أ. مسمير والتنويم المغناطيسي

يُعد العالم والطبيب الألماني أنطوني مسمير، أبو المغناطيسية الحيوانية Animal Magnetism ورائد التنويم المغناطيسي الحديث. وقد دخل إلى الدير وهو في العاشرة من عمره، ليتعلم كيف يصبح كاهن المستقبل، واستمر في دراسة اللاهوت حتى دخوله الجامعة. كما درس علم الفلك والفيزياء والرياضيات. ثم ترك الكنيسة واتجه نحو دراسة الطب،الذي كان يرى أن كل شئ يمكن إثباته مادياً فقط ، بينما كان مسمير يؤمن بوجود قوى مجهولة وغامضة. وعندما درس علم التنجيم، كان يعتقد أن للنجوم تأثيراً في أحوال الناس، ونسب هذا التأثير إلى الكهربائية أولا، ثم إلى المغناطيسية، بعد ذلك.

وبعد أن أنهى دراسته للطب في مدينة فيينا النمساوية ، درس علم العلاج المغناطيسي وبرع في ممارسته. وعالج بعض الأمراض بواسطة قطع مغناطيسية معدة خصيصا لهذا الغرض. ثم أعلن نظريته وتجاربه في المغناطيسية الحيوانية عام 1775، فأثار بذلك ضجة كبرى في كافة أنحاء أوروبا.

وتتلخص هذه النظرية في الاعتقاد بوجود سائل كوني، تسبح فيه الأجساد كافة، مشابه للمغناطيسية المعدنية، التي يُشاهد تأثيرها علي المعادن، لكنها مغناطيسية خاصة بالمخلوقات الحية، ولذلك أسموها "المغناطيسية الحيوانية". كما كان يرى أن الإرادة البشرية لها القدرة على استخدام هذا السائل، وجعله يدخل جسم شخص أخر، ليزيد الإرادة فيه، ويقوّي ثقته بقوته الذاتية.

نال مسمير إعجاب الناس بمقدرته العجيبة، وإنجازاته، التي تُعد في إطار المستحيلات. فقد كان يفرض على الناس خضوعهم إليه، فيجعلهم يلّبون إرادته وأوامره، بصورة كاملة. وقد فسر قوته، بسبب مقدرته على ضبط السّائل الشبيه بالقوة المغناطيسية، الذي يحل في جسم الشخص المراد تنويمه. فكان التنويم يتم في قصير حال أن يمرر يديه على المريض. غير أن مسمير، الذي كان ذا عقلية علمية وعملية، في الوقت نفسه، اكتشف أن الأمر سيطول، إذا حاول علاج كل مريض على انفراد، فاخترع طريقة العلاج الجّماعي.

وكانت عيادته صالة كبيرة معتمة، تُغطي الستائر نوافذها وأبوابها، وفي وسطها بركة كبيرة من خشب السنديان تسمح لثلاثين مريضاً بالوقوف حولها. وعندما كان المرضى يحيطون بهذه البركة، كانوا يؤمرون بالصمت التام، وربما كان ذلك لجعلهم أكثر قابلية للموسيقى، المعدة خصيصاً لهذه المناسبة. وكان يجعل بعض المغنيين ينشدون لهم في أصوات رخيمة، فيُصيب المرضى نوع من الذهول. وبعد مرور ساعات عليهم وهم في هذه الحال، يصيبهم شيء من الانجذاب والخمول. وفي اللحظة الحاسمة، يظهر الدكتور مسمير في الصالة بصورة مفاجئة، وهو يرتدي ثوباً حريرياً براقاً، ويمر بين المرضى مثبتاً نظره عليهم، ممرراً يديه على أجسامهم، لامساً إياهم بقضيب من الحديد، لا سيما الأعضاء المريضة. وكان معظم المرضى يشفون بعد جلستين أو ثلاث على الأكثر. وقد استطاع هذا العالم أن يجمع حوله أتباعاً كثيرين، تكونت منهم مدرسة سميت "المسميرزم" Mesmerism، نسبة إليه.

وقد بدا للجميع، في ذلك الوقت، أن المغناطيسية الحيوانية ينتظرها مستقبل باهر، غير أن أساتذة الطب أنفسهم، الذين قبلوا الأطروحة الشجاعة لمسمير، كانوا ينتظرون الفرصة للنيل منها ومن صاحبها.

وقد جاءتهم الفرصة، عقب علاج مسمير لعازفة البيانو، التي كانت تعاني ما يُسمى "العمى الهستيري"، ولم يفلح أحد في علاجها، حتى أفضل أطباء العيون في فيينا، وتمكن مسيمير من إعادة بصرها إليها.

غير أن الفتاة لم تستطيع العزف ببراعة، كما كانت تفعل قبل العلاج. وأخذ الأطباء يلعنون مسمير، ويذيعون أنه السبب في فقد الفتاة قدرتها على العزف، حتى أن والد الفتاة دخل منزل مسيمير، كالمجنون يحمل سيفاً ويريد قتله. وعادت حالة "العمى الهستيري" إلى الفتاة مرة أخرى، فطر مسمير من الجامعة، ولجأ إلى فرنسا. وتشكلت لجنة علمية للتحقيق فيما يدعيه. ولكن اللجنة لم تهتم بمعرفة ما إذا كان مسمير قد نجح في علاج بعض المرضي أم لا، بل كان همها الوحيد هو اكتشاف دقة نظرية "المغناطيسية الحيوانية". ولمّا كان يستحيل البرهنة على ذلك، وضعت حالات الشفاء، التي نجح مسمير في تحقيقها، في خانة الخيال. واحتقره الناس قبل موته، وقالوا إنه دجال وألفوا رواية هزلية للسخرية به. وكتبت الجرائد الإنجليزية تسخر منه. ثم أصبح مسمير في الظل، حتى توفي عام 1815.

ولكن طريقة مسمير ظلت باقية. واستطاع باحث يدعى "دوبو سيغور"، يعمل في مجال التنويم المغناطيسي، أن يتجاوز الطابع الاحتفالي، واستخدام الموسيقى والستائر، وأن يجعل "المنوَّم مغناطيسياً" يستغرق في نوم عميق، ليس بسبب التعب أو عدم المبالاة، ولكن نتيجة لنعاس غريب. وقد أحدثت حوله الكثير من الضوضاء والحركات والصراخ فلم يستيقظ، ولكنه ينهض فجأة ويمشي ويتحدث، وهو يخضع كلياً للسيد دوبو سيغور، الذي لم يكن بعيداً عن اعتبار نفسه ذي إرادة كونية. فقد اكتشف التنويم المغناطيسي، وكذلك الإيحاء المنوم.

وجاء بعد ذلك العالم دولوز، ليكتشف "الإيحاء ما بعد التنويمي"، ويشير إلى أن الشخص عندما يكون يقظاً، فإنه يرد على الأوامر المعطاة له عندما كان نائماً. وهكذا تابع عدد من الباحثين أعمالهم، حتى وصل التنويم المغناطيسي إلى مرحلة الصعود.

وفي عام 1838 أُجريت عمليات بتر رهيبة دون ألم، باستخدام التنويم المغناطيسي. كما استخدم التنويم المغناطيسي ونجح في أكثر من ثلاثمائة عملية كبيرة، دون أية أوجاع. ومع ذلك استقبل هذا الإنجاز المدهش بالاحتقار، وعلى الرغم من النجاحات الكبيرة العملية لتأثير التنويم المغناطيسي، فإن المسميرية تدهورت أكثر مما تطورت.

ب. جيمس بريد James Braid

كان الدكتور جيمس بريد جراحاً شهيراً إنجليزياً، مَثَله مَثَل الغالبية من زملائه الأطباء يُنكر المغناطيسية الحيوانية إنكاراً باتاً، ويرى أن المسميرزم ونتائجه، ناشئة عن خداع النفس والاحتيال. ولكنه بعد أن شاهد إحدى المعالجات بطريقة مسمير، اقتنع بصحتها، وقرر أن يجري بنفسه بعض التجارب. وفي عام 1841 توصل إلى اكتشاف إمكانية إيجاد حالة غيبوبة خاصة، يُمارس معها العلاج أحياناً، وذلك بتركيز الانتباه على نقطة مركزية ثابتة. وهو أول من أطلق عبارة Hypnotism، المشتقة من اليونانية Hypnos ومعناها النّوم، وأطلق هذه العبارة على ظواهر التنويم، وأعلن وجود علاقة ثابتة بين "التنويم" وبين "النوم الطبيعي". وقال: إن التنويم ينشأ عن إجهاد أعضاء الحس، وأن انتباه المريض إذا تركز على شئ براق، ثابت أو خلافه، فإنه تحدث له حالة نفسية باطنة يصبح معها قابلاً للإيحاءات، التي يلقيها إليه المنوِّم.

وقد سمي بريد المغناطيسية الحيوانية بـ "التنويم" أو "الذهول". ويعد تعليله لذلك أول تعليل علمي، قال: إن التحديق المستمر يشل المراكز العصبية المتسلطة على العين، فيرتخي جفناها وينطبقان. فصار يُمسك بيده شيئاً لامعاً أمام عيني من يريد تنويمه، ويرفع يده به، حتى يُضطر الناظر إليه أن ينظر إلى أعلى، فيتعب سريعاً؛ ثم يُدني الشيء اللامع منه رويداً رويداً، فتتعب أجفان عينيه وتنطبق. وإذا لم تتعب في النوبة الأولى، كرر ذلك وأمر الناظر أن يوجه عينيه وعقله إلى ذلك الشيء. وقد سُميت طريقة هذا العالم "البرادزم" Braidism، نسبه إلى اسمه بريد.

ج. ليبولت والتنويم المغناطيسي

بدأ الدكتور ليبولت، في مدينة نانسي في فرنسا، يدرس تجارب مسمير عام 1864، وأنشأ عيادة للعلاج بهذه الطريقة، وحصل على نتائج عظيمة. وفي عام 1866 أعلن أن ظواهر التنويم، إنّما ترجع إلى التأثير النفسي أو الإيحاء. وكان عندما يأمر المرضى أن يناموا، فإنهم، في الحال، ينعسون نُعاساً هادئاً، ثم يأخذون جرعتهم من الإيحاءات الشافية. وعندما تصدر إليهم الأوامر أن يستيقظوا، كانوا يسيرون بهدوء بعيداً. وكان الدكتور ليبولت يحرص على أن يشرح لمرضاه، وأن يؤكد لهم، أن كل ما يحدث عنده من علاج يمكن تفسيره علمياً، وأنه لا يمارس أية قوة خفية، كما يزعم الجاهلون. وقد أُطلق اسم "مدرسة نانسي"، على من قبلوا نظريات الدكتور ليبولت. وتتلخص نظريته في أن التحليل التام للتنويم، إنما يتحقق عن طريقة الإيحاء، وأن التنويم المغناطيسي يُعد ظاهرة طبيعية، وأن الغالبية العظمى من الأشخاص يمكن تنويمهم مغناطيسياً، وأن ما يسمى بالتنويم المغناطيسي ما هو إلاّ إِشغال حيز طبيعي من الدماغ بنشاط معين، هو الإيحائية؛ أي الاستعداد للخضوع إلى تأثير معين، دون مناقشة الفكرة، وأن أشخاصاً لديهم استعداد بدرجة ما لتقبل الإيحاء، ويمكن أن يوحي لهم بأفكار وانفعالات وأفعال وهلوسات.

ويستنتج من ذلك أن إمكانية تقبل التنويم المغناطيسي، مشروط بالحالة العضوية في تلك اللحظة، وأن مظاهر النوم المغناطيسي تعود إلى السبب ذاته، وهو الإيحائية.

د. الدكتور برنارد Bernard والتنويم اليقظ

في عام 1884 أعلن الدكتور برنارد اكتشاف الحالة المعروفة بالتنويم اليقظ، Hypnosis، وهي الحالة التي يكون فيها الشخص واقعاً تحت تأثير الإيحاء الصادر عن المنوِّم، ولكنه مع ذلك يبقى شاعراً بما حوله، محتفظاً بذاكرة تامة، لكل ما يجري له، وما يحيط به. وعدّها برنارد الحالة الأساسية للتنّويم؛ إذ ليس النوم بمقدمة من مقدمات التنويم، ولا هو بلازمة من لوازمه، بل هو مجرد صورة من صوره.

هـ. إيميل كوي Eimile Coue

في عام 1885 التقى ليبولت مع إيميل كوي، الذي تتلمذ على يديه ومارس الإيحاء التنويمي Hypnotic على طريقته. ولاحظ كوي تأثير الإيحاء اليقظ في إحداث الشّفاء، فعكف على دراسته، وأسس ما أسماه: "مدرسة نانسي الجديدة"، وأعطى إيحاءاته الشّافية مجاناً لقاصديه الكثيرين، ونال شهرة واسعة تخطت الحدود، واعتمد كثيراً على الإيحاء اليقظ، وسماه "الإيحاء الذاتي"، مقرراً أن كل إيحاء ليس في الحقيقة، إلاّ إيحاءاً ذاتياً، وأن القوة الفعالة في التنويم إنما هي الإيحاء، والذي يمكن إعطاؤه الإيحاء في غير حالة النوم، بل يمكن أن يمارسه المريض نفسه.

وقد كتب هذا الطبيب الفرنسي أيميل كوي، الذي يُعد سفيراً لنظرية الإيحاء الذاتي، منذ أكثر من نصف قرن، في كتابه: "طريقة كوي" The Coue Method، ما يأتي:

"نحن نمتلك في داخلنا قوة من الطاقة، التي لا يمكن حسابها، وإذا وجّهنا هذه الطاقة بأسلوب حكيم، فستعطينا السّيادة على أنفسنا، إنها تسمح لنا، ليس بالتخلص من الأمراض الجسدية والعقلية فقط، بل تسمح لنا بالعيش في سعادة نسبية".

"ما يعرفه الإنسان بشكل واعٍ يمثل فقط عُشر من جبل ثلج عائم. وبالتنويم المغناطيسي الذاتي، سيصبح من السهل على الإنسان أن يمتلك التسعة أعشار المدفونة تحت الماء".

وقال أيضاً: "عندما تتمنى أن تفعل شيئاً معقولاً، أو عندما يكون عليك أداء واجب، فكر دائماً بأنه سهل، اجعل كلمات "صعب"، و"مستحيل"، و"لا أستطيع" تختفي من قاموسك. قل لنفسك: "أنا أستطيع أن أفعل، وسأفعل، ويجب أن أفعل". وعندما ترى أي شئ سهلاً، فإنه يصبح أكثر سهولة لك، مع أنه قد يبدو صعباً للآخرين.

"إن مدح النفس يساعدك على بناء الثقة بها، ولا شئ له القوة التي يمتلكها صوت نفسك. كما أن تقوية الذات Ego ضرورية، للتعويض عن الانحدار الذي يخضع له معظم الناس خلال سنوات النمو".

فعلى الرغم من الأُسس البدائية للغاية لنظرية أميل كوي، غير أنها تتمتع بميزة كبيرة، لأنه استخدم الإيحاء الذاتي عملياً، فهي عدّه إيحاء ينبع من المريض ذاته. وكمثال ، لا يمكن علاج إنسان خجول، بمحاولة إقناعه، بكل الذرائع المعقولة، كي لا يكون خجولاً؛ فالمُعالج النفسي يعرف أنه من غير المفيد إقناع المريض نفسياً، بأن نقول له: إن سلوكه أحمق لهذا السبب أو ذاك، وأن عليه بذل مجهود... الخ.

ولما كان كل مرض نفسي يعود إلى سبب وجداني، فإن كل معالجة نفسية ينبغي أن تستهدف "الوجدانية". وقد حاول كوي أن يتوصل إلى ذلك، عندما قال: "عندما تكون المخيلة والإرادة في صراع، فإن المخيلة هي التي تنتصر دون استثناء".

لذلك، أولى كوي أهمية كبيرة لدور الحياة النفسية غير الواعية، التي أسماها "المخيلة". وبالتأكيد كانت طريقته بدائية، فقد كانت تستهدف استبعاد الإيحاء المرضي، من طريق إيحاء مضاد صحيح؛ وباختصار: "أمر وأمر مضاد".

كان كوي يطلب إلى المرضى أن يكرروا، حتى وإن لم يؤمنوا بذلك، ولكن بطريقة تؤثر على الأذنين: "إني أتحسن شيئاً فشيئاً يومياً، ومن كافة النواحي".

هذه المقولة المتكررة ميكانيكياً، يجب أن تتوجه هكذا نحو اللاوعي "الوجدانية"، وهذا "اللاوعي" الذي اقتنع أخيراً بواسطة الانعكاس، يدفع الشخص إلى التصرف بشكل طبيعي، عقلياً وإرادياً.

وتعد هذه الطريقة بدائية لأنها لا تتعامل إلاّ مع الأعراض، بصورة عامة. وهي لا ترى سوى المعاناة بصفتها العامة، ولا تُعالج ـ إلا نادراً ـ الحالات العميقة. وتبقى نظرية كوي، بالتأكيد، ضمن الخط الإيحائي، فالشخص يسمع صوتاً "صوته"، يوحي إليه بتحسن، وهذه القناعة تصبح "الوعي الذاتي".

وقد يبدو أمراً طبيعياً، القول، كذلك ـ وبعد اكتشاف علم النفس الحديث والطب النفسي ـ البدني"، Psychosomatic Disorders، إن النفس تؤثر على الجسد، وإذا ما استطاعت النفس أن تولد مرضاً فهي ذاتها التي تتمكن من شفائه. وبذلك تُصبح نظرية كوي مقبولة جداً.

ومما سبق يُقَسّم تاريخ التنويم، أو الذهول، إلى أربعة أقسام هكذا:

الأول: الزمن الذي مرَّ عليه قبل أيام مسمير، حينما كانت أفعال التنويم تعود إلى قوة روحية أو شيطانية.

الثاني: زمن مسمير حينما صارت تنسب إلى فعل مغناطيسي قائم في الشخص المنوِّم.

الثالث: زمن بريد الذي نسب التنويم إلى فعل فسيولوجي محض.

الرابع: زمن الذين ينسبون كل ظواهر التنويم، إلى فعل الاستهواء والإيحاء.

3. نظرية المغناطيسية Magnetism

العلاج بطريقة المغناطيس والجاذبية، عملية معروفة منذ زمن بعيد، وهى تؤدي إلى شفاء الأمراض بواسطة القوة المغناطيسية المعدنية.

أما القوة المغناطيسية الحيوانية Animal Magnetism، التي ظهرت تأثيراتها في المخلوقات الحية، فقد كان لها تأثير مدهش على المرضى، حتى أنه في عام 1955 أقرت إنجلترا بفعالية التنويم المغناطيسي، واستخدامه في المستشفيات، بل وتدريسه بالقدر والأهمية نفسها، التي تدرس بها الفروع الأخرى، وهو ما حدث في الاتحاد السوفيتي وكثير من البلاد، التي تتحدث الإنجليزية.

وظهر التنويم المغناطيسي، الذي يسبق العملية الجراحية، وأمكن من طريق الإيحاء التنويمي رفع أو خفض عدد ضربات القلب. ويؤثر التنويم المغناطيسي تأثيراً كبيراً على الجهاز التنفسي، وشديداً على الجهاز الهضمي، كما يؤثّر على حركات وإفرازات المعدة والأمعاء، وعلى الجهاز البولي "زيادة أو نقصان في كمية البول"، بل هناك تأثير على الوظائف الجنسية أيضاً. أما تأثير النوم المغناطيسي على أعصاب الجلد فكبير، لأن الجلد يرتبط بعلاقة حميمة مع الجهاز السمبثاوي".

والملاحظ أن العلاج المغناطيسي علاج كثير الوضوح والثبوت أحياناً، ولكنه كثير الغموض والإبهام أحياناً أخرى. وهو لا يصلح أن يكون أساساً لتجارب عملية لها نتائج، كالنتائج العملية الثابتة التي لا تقبل الشك. إضافة إلى ذلك، فإن طرق المعالجة قليلة المشابهة ، قليلة الثبات، حتى ليصعب على الإنسان أن يؤديها على نسق واحد، كلما أراد ذلك. وعلى العموم فهي قد تُشبه الغرائب المدهشة، أو الشعوذة أحياناً، ما جعل هذا العلم يقتصر على فئة قليلة من الناس تحوم حولهم الشكوك، وتكثر فيهم الرّيب والأقاويل. فظلت أخبار هذا العلم تقترن، غالباً، بالخرافات والأكاذيب، وقلة الثقة.