إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات صحية وغذائية / الموسوعة الصحية المصغرة / التنويم المغناطيسي









التنويم المغناطيسي والطب

سابعاً: التنويم المغناطيسي والطب

بدأت علاقة التنويم بالأبحاث الطبية منذ منتصف القرن التاسـع عشر، حين استخدم لعلاج بعض الأمراض النفسية والعصبية، مثل الهستيريا والصرع، والمساعدة في التخلي عن بعض العادات الضارة، مثل التدخين أو شرب الكحول، وعلاج بعض الأمراض العضوية مثل ضغط الدم العالي خصوصاً في النساء، وكذلك تخفيف الأوجاع الناتجة عن الروماتيزم والمفاصل والأسنان والدورة الشهرية والولادة والقرحة المعوية. كما يساعد التنويم على احتمال الحروق المؤلمة وأوجاع السرطان، وتجنب ألام الصداع، وقد استخدم بنجاح في علاج حالات القلق الليلي، والتبول الليلي اللاإرادي، وفقدان الشهية أو شدتها. وربما يأتي التنويم بنتائج إيجابية في بعض الأمراض، كالتعثر بالنطق أو الثأثأة في الكلام، واستعادة الصوت بعد فقدانه، وقضم الأظافر، وغيرها.

إن حالة التّنويم المغناطيسي نفسها، هي نوع من الاسترخاء الجسدي، الذي يساعد في الإحساس بالراحة الجسدية. كما أن الإيحاء أثناء التنويم المغناطيسي يتم قبوله بعد الاستيقاظ.

وقد منح التنويم المغناطيسي، كعامل مساعد طبي في التخدير، وكمسكن للألم، أملاً جديداً في تخفيف معاناة كثير من المرضى، وأجراء العمليات الجراحية دون مخدر. كما استطاع بعض المنومين معرفة وعلاج الأمراض، التي يعانى منها المصابين بالصمم. وكان سبيلهم إلى ذلك أن ينوِّم المعالج شخصاً سليم البنية غير الشخص الأصم، وينقل آلامه إليه بأن يقول له: "إن وصلتك به فلا بد إنك تحس بآلامه" فيحس النائم في هذه الحال بالألم الذي يعانيه الأصم، ويخبر عن موضعه ويصف العلاج كأعظم خبير، فيصف المنوِّم العلاج، حسب إرشاد النائم.

1. التنويم وعلاج الألم

يفرز المخ مادة كيميائية، تشبه المورفين، ولكن دون آثاره الجانبية، مثل الإدمان، وهي مسؤولة عن تخفيف الألم، وتُسمى أندورفينز Endorphins. وهى قادرة على القضاء على الألم أكثر من المورفين، وتُشكل جزءاً أساسياً من دفاع المخ ضد التوتر والقلق والعصبية. كما أن إفراز هذه المواد يؤثر بشكل عميق على العواطف والسلوك، وهذا يفسر الإحساس بالراحة الذي يشعر به الشّخص الخاضع للتنويم المغناطيسي، حيث يزداد إفراز هذه المادة. ويفسر، كذلك، لم أن بعض الناس مِمَن ينتجون قاتلات ألم طبيعية أكثر، لديهم قوة تحمل للألم أكثر من أولئك الذين يقاومون إفراز هذه المادة، في داخل عقولهم. ويؤكد بعض المنوِّمين قدرهم على السيطرة، على إفراز تلك المادة في عقل النائم، بما يمكّنهم من إقناعه فعلا بعدم الإحساس بالألم، مما يقلل من استعمال قاتلات الألم، التي تسبب الإدمان.

إن إستراتيجية السّيطرة على الألم، تتنوع ـ إلى درجة كبيرة ـ تبعاً لشخصية النّائم وقابليته للتنويم المغناطيسي، و تبعاً لشخصية المنوِّم وقدراته على اختيار إحدى طرق التنويم المغناطيسي. وقد استخدم التنويم المغناطيسي كذلك في علاج من يعانون ألماً مزمناً في الظهر، وفي تخفيف ألام الولادة وتحديداً في المراحل المبكرة من الطلق، دون استخدام مسكن أو مخدر. أما في المرحلة الثانية فتُستخدم بعض المسكنات الخفيفة فقط، ويتوقف ذلك على حالة المريضة، ومدى اقتناعها بالإيحاء.

إن أحد العوامل، التي تقنع المرأة باستعمال التنويم المغناطيسي في الولادة، هو أنها ستكون واعية، وتشارك في عملية الولادة. كما أن معظم الأمهات يخشين على أطفالهم، من أثار استعمال التخدير . وقد أصبحت النساء واعيات لطرق السيطرة على ألم الولادة، واستخدام الإيحاء الذاتي، من طريق التنفس الإيقاعي المنتظم والعميق، الذي يركز انتباه المريضة بعيداً عن الألم، ويوجه أفكارها إلى العد والتنفس، ما يؤدى إلى اختفاء الإحساس بالألم، ويسرع الزمن بين كل مرحلة من الطلق والمرحلة التي تليها، بحيث تكون بداية كل تقلص إشارة للمريضة للاسترخاء في إغفاءة تنويميه عميقة، وتقودها نهاية كل تقلص إلى الخروج من تلك الحالة.

2. التنويم المغناطيسي والجراحة

يُستخدم التنويم أحياناً بدلاً من المخدر في العمليات الجراحية، وذلك في الحالات التي لها تاريخ حساسية لأدوية التخدير، أو وجود مرض بالقلب، أو حساسية صدرية مثلاً، أو لعدم رغبة المريض في تناول المخدر.

وتُجرى الجراحات بواسطة التنويم، دون الإحساس بالألم في معظم الأحيان. غير أن التحضير النفسي للتنويم، يتطلب وقتاً أطول مما يتطلبه المخدر، وهو أمر لا يسمح بإجراء عمليات جراحية طارئة. كما أن المريض قد يستيقظ من تأثير التنويم فجأة، قبل نهاية الجراحة، وهذا يسبب آلاماً شديدة، قد تؤدي إلى صدمة عصبية ويعرض حياة المريض للخطر. ولهذا، وضعت قيود شديدة على استخدام التنويم في هذا المجال.

3. التنويم المغناطيسي والسّرطان

يبدو أن مرض السرطان، بالتحديد، من أكثر المجالات الطبية، التي يستخدم فيها التنويم المغناطيسي، لمساعدة المريض في السيطرة على عواطفه، وبناء ثقة في الشفاء.

وقد حصل مرضى السرطان، المعالجين بالتنويم المغناطيسي، في حالات كثيرة، على راحة كافية من الألم، إذ انخفضت حاجتهم إلى جرعات مخدرة بشكل كبير، كلّما ازداد أيمانهم بالشفاء.

وفي جميع مجالات العلاج، يُعطي التنويم المغناطيسي للمريض أملاً في الشفاء لا ضرر منه بالتأكيد. وقد شكّل التنويم المغناطيسي الملاذ الأخير، لكثير من المرضى الميؤوس من شفائهم، مِمَن تشكلت لديهم مناعة من قاتلات الألم. وهناك حالات كثيرة لمرضى السرطان، الذّين استطاعوا مغادرة الفراش نهائياً، وممارسة حياتهم بصورة أقرب إلى الطبيعية.

4. التنويم المغناطيسي وطب الأسنان

يُعد استعمال التنويم المغناطيسي في مجال طب الأسنان، من أنجح المجالات. فمعظم الناس يشعرون بالخوف والهلع من الجلوس على كرسي الأسنان. لهذا، كانت تهيئة المريض، أولاً، للذهاب إلى الطبيب، ثم الجلوس على الكرسي، هي أولى مهام التنويم المغناطيسي. لذا يمارس بعض المنوِّمين عملهم في غرفة الانتظار، وقبل العلاج بعدة دقائق، وهو أسلوب له أهمية خاصة في علاج الأطفال، لأن هذه التجربة اللطيفة تهيئ الطفل لزيارات مستقبلية، دون الهياج والصراخ المعتادين في مثل تلك الظروف. وقد قال أطباء الأسنان إن المريض المفرط الحساسية، يمكن تنويمه مغناطيسياً بسهولة أكثر.

5. التنويم المغناطيسي والأمراض الجلدية

يُستخدم التنويم المغناطيسي بنجاح في علاج الأمراض الجلدية، الناتجة عن اضطرابات نفسية كالإكزيما، ومرض سقوط الشعر، وداء الصدفية، وحب الشباب والحساسية الجلدية وغيرها؛ والسبب أن ثمة علاقة وثيقة بين الجلد والأعصاب، لأن المنشأ الجنيني للجهازين واحد. ولهذا يلاحظ ارتباط بين الخوف وحدوث قشعريرة، وبين الارتباك واحمرار الوجه، كما أن القلق يزيد من كمية العرق، والتوتر يزيد من الحكة الجلدية. وهذا قد يفسر إصابة أعداد كبيرة من الشباب ببثور جلدية، عندما يكونون معرضين لانفعالات عاطفية. وقد تم بالإيحاء علاج كثير من تلك الحالات.

6. التنويم المغناطيسي والهستيريا

الهستيريا مرتبطة في الأذهان، بصفة عامة، بردود فعل غير سوية، ومبالغ فيها، تجاه بعض الأحداث في الحياة. وهي ليست وليدة هذا العصر فقط، بل إنها شغلت الأطباء منذ مئات السنين.

وقد استُبدل بمصطلح تعبير الهستيريا، مصطلح "المظاهر الهستيرية"، مثل العمى المفاجئ، والشلل المؤقت، وفقد القدرة على الكلام، وفقد الوعي والذاكرة، وحدوث تشنجات. والهستيريا مرض يصيب الرجال والنساء على حد سواء، وليس قاصراً على النساء وحدهن، كما كان يعتقد في الماضي.

ويفسر علماء التنويم المغناطيسي، حالات الشلل والعمى الهستيري بأن المصابين بالهستيريا يضعون في ذهنهم أنهم مشلولون أو عميان. أي أنهم يحملون في رؤوسهم فكرة متسلطة بسبب الإيحاء الذاتي وهى لا تقاوم. وبالمنطق نفسه، يمكن للتنويم والإيحاء أن ينزع تلك الأفكار من رؤوسهم، وإقناعهم بأنهم تماثلوا للشفاء، فيعودون للحركة مرة أخرى.

ومن أهم أعراض الهستيريا أن يحدث مزج بين الكلام غير المفهوم مع الدموع والضحكات والصراخ أحياناً. وإذا سقط على الأرض، فإن المصاب بالهستيريا يختار المكان الذي يسقط عليه، كما أنه لا يعض لسانة ولا يؤذي نفسه نهائيا الأمر، الذي يثبت أنها عملية مصطنعة.

وقد يحدث للمريض بالهستيريا تشنجات وتقلصات، من الممكن تشخيصها على أنها التهاب سحائي كاذب، التهاب الزائدة الدودية الكاذب، وفي بعض الأحيان الحمل الكاذب. مما يوضح عمق العلاقة بين المظاهر الهستيرية، ومظاهر التنويم المغناطيسي.

وعلاج مرضى الهستريا صعب، لأن المريض ينتقل من عَرَضٍ إلى الأخر دون سبب واضح يفسر ذلك. فقد يصبح أصماً، أو أعمى لفترة، ثم يصاب بالشلل ويشفي من العمى، وهكذا.

وعموماً، عند يُصاب أحد بأزمة هستيرية، فيجب ألاّ يظهر المحيطين به الذعر، وعليهم معاملته بهدوء، ومحاولة الوصول إلى أعماقه، لمعرفة سبب الغضب الذي أدى إلى أزمته، ثم علاجه بالإيحاء من طريق علم النفس والتنويم المغناطيسي.

ولا بد أن يجري المعالجة دائماً بصورة معمقة، وعن طريق الاستعانة بالوسائل الطبية والنفسية والتنويمية المناسبة معاً، لأن الهستيريا تمثل مجموعة كبيرة من الحالات. وقد لاحظ العلماء أن الشخص ذو الطباع الهستيرية، بوسعه العيش طيلة حياته دون مظاهر مبالغ فيها. وهو هش فكرياً، وسهل التقبل للإيحاءات، وأن الحياة الهادئة الخالية من الصدمات الانفعالية، قد لا تظهر أياً من أعراضه الهستيرية.