إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / علم الاجتماع الاقتصادي









الخيال

علم الاجتماع الاقتصادي

قبل أن نُعرِّف علم الاجتماع الاقتصادي، لا بد أن نُشير أولاً إلى مفهوم علم الاقتصاد. يُعرّف علم الاقتصاد، بشكل عام، بأنه دراسة للبشرية في ممارسة شؤون حياتها العادية، وخاصة ما يتعلق بتحديد الأسعار، التي تُدفع مقابل السلع والخدمات، وعما يحدد الحصة التي تذهب إلى الأجور والفائدة والأرباح، وكذلك ريع الأرض والأشياء الثابتة وغير القابلة للتغيير المستخدمة في الإنتاج، ونظرية القيمة ونظرية التوزيع.

عُرِّف علم الاقتصاد، بشكل أكثر تحديداً، بأنه الدراسة العلمية لإنتاج وتوزيع واستهلاك السلع والخدمات، لتحقيق رفاهية الأفراد. وكان يُطلق على علم الاقتصاد مسمى "الاقتصاد السياسي" Political Economy، بما يفيد أنه يبحث في موضوعات خاصة بالدولة. غير أنه عندما تناول العلماء هذا الموضوع -في العصور الحديثة- لاحظوا أن ذكر الدولة يتوقف على ذكر المواطنين؛ فتحول اهتمامهم إلى البحث في الوسائل التي تؤدي إلى زيادة ثروة الشعوب؛ ثم ما لبثوا أن اهتدوا إلى أن نمو الثروة الاقتصادية يتوقف على جهود الأفراد في حياتهم الاجتماعية؛ فأصبح موضوع هذا العلم البحث في هذه الجهود، وهو موضوع اجتماعي يختلف عن موضوعه السابق، الذي سُمي من أجله "بالاقتصاد السياسي".

والنشاط الاقتصادي بطبيعته نشاط اجتماعي، ذلك أن الناس لا يبذلون جهودهم الاقتصادية في عزلة عن بعضهم بعضاً؛ إذ يفتقر كل منهم إلى الآخر في مختلف أوجه النشاط الاقتصادي. وينشأ عن هذا الاتصال بين الأفراد علاقات متشعبة لا يمكن حصرها؛ فمن علاقات بين أصحاب العمل والعمال، إلى علاقات بين البائعين والمشترين، إلى أخرى بين المنتجين بعضهم ببعض. ويؤثر التنظيم الاجتماعي على نمو النشاط الاقتصادي، كما يؤثر هذا النشاط بدوره على التنظيم الاجتماعي.

وقد عُرِّف علم الاقتصاد وفقاً لذلك بأنه: دراسة الكيفية التي عليها ينظم الناس استخدام الموارد، لإشباع رغباتهم وحاجاتهم. بمعنى أن علم الاقتصاد يهتم بدراسة التنظيم الاقتصادي، وهذا يتطلب دراسة مختلف النظم الاقتصادية والمشكلات، التي تواجه كل نظام، والطرق الممكنة لحل هذه المشكلات. ولما كانت حاجات الإنسان البيولوجية آمرة، ورغباته التي تحددها الثقافة لا حدود لها، أي أن حاجاتنا لا تنتهي وغير محدودة؛ بينما النشاط والموارد الطبيعية محدودة، لا غنى لكل مجتمع من أن يقتصد، بمعنى أن يقرر (سواء بتدبير أو بغير تدبير) كم من الوقت والنشاط والموارد سوف يستهلك لمواجهة هذه الحاجة؟ وتحقيق تلك الرغبة على حساب الحاجات والرغبات الأخرى؟ وما الذي ينبغي تأجيله؟ وتتخذ هذه القرارات في إطار المركب التنظيمي، الذي سُمي الاقتصاد.

أي أن الاقتصاد هو المركب التنظيمي، الذي يرسم طريق قرارات وأفعال أفراد المجتمع، وهم ينظمون ويقضون وقتهم ونشاطهم وقدراتهم، ويستخدمون الموارد المتيسرة لهم لإنتاج وتوزيع السلع أو الخدمات، التي سوف تتجه لإشباع حاجاتهم ورغباتهم.

ينقسم علم الاقتصاد إلى ميدانين عامين، هما:

الميدان الأول:  الاقتصاديات على المستويات الصغرى، التي تتعلق بالقرارات التي تتخذ على مستوى الوحدات الفردية، مثل المنتجين والعمال والمستهلكين.

الميدان الثاني: الاقتصاديات على المستويات الكبرى، التي تتعلق بمستوى السلوك الكلي أو التجمعات الكلية، مثل المنتج Output الذي يحصل عليه كل المنتجين، والكميات التي تُنفق من طريق المستهلكين.

وهذا ما يوصلنا إلى تعريف علم الاقتصاد، بأنه العلم الذي يهتم بدراسة ذلك الجزء من النشاط الفردي والاجتماعي، أو الجزئي والكلي، الذي نكرسه للوصول إلى أحسن الظروف المادية لتحقيق الرفاهية. ويُطلق على هذا النشاط الفردي والجماعي اسم "النشاط الاقتصادي"، وهو أحد أوجه النشاط الاجتماعي، بشكل عام. وتجدر الإشارة إلى أن علم الاجتماع الاقتصادي لا يرمي من دراسته إلى الوصول إلى قوانين اقتصادية بحتة، أو الوصول إلى هذه القوانين بغرض ذاتي؛ وإنما يهدف إلى الانتفاع بها في الارتقاء بالأوضاع والنظم والمستويات الاقتصادية. فإذا كان الاقتصاد يهتم بالمنفعة، فإن علم الاجتماع الاقتصادي يعني العدالة؛ وإذا كان الاقتصاد يضع القوانين، التي يستند عليها النظام الاقتصادي، فإن علم الاجتماع الاقتصادي يستنبط قوانين تدعم البنيان الاجتماعي من الناحية الاقتصادية.

إن علم الاجتماع الاقتصادي يساعد على معرفة أي النظم الاقتصادية، التي يمكن أن تلائم هذا المجتمع أم ذاك، وما الذي يجب الاحتفاظ به؟ وما الذي يجب استبعاده من وسائل النشاط أو الاستغلال الاقتصادي؟. ويرجع ذلك إلى أنه يدرس النشاط الاقتصادي، بوصفه أحد مظاهر النشاط الاجتماعي، بل هو أهم ناحية من سلوك الأفراد، لأنه يتصل بقوام البنيان الاجتماعي، وينظر إلى هذه الظاهرة الاقتصادية نظرته إلى الظواهر الاجتماعية، نظرة لا تقل شأناً عن الظواهر السياسية والدينية والأخلاقية واللغوية، وهي كلها ظواهر تنبع من طبيعة الحياة الاجتماعية، وما تنطوي عليه من تفاعل بين الأفراد واحتكار مشاعرهم، وتقابل رغباتهم وخضوعهم لظروف بيئية واجتماعية تصهرهم جميعاً في بوتقة واحدة، تتحدد آثارها وتتداخل العوامل المؤثرة فيها، بالنتائج المترتبة عليها.

وعلى هذا النحو يكون تعريف نيل سملسر Smelser، هو أفضل التعريفات لعلم الاجتماع الاقتصادي، الذي أشار إليه في كتابه "سوسيولوجيا الحياة الاقتصادية"، بوصفه "العلم الذي يقوم على تطبيق الإطار المرجعي لعلم الاجتماع ونماذجه التفسيرية، لدراسة وتحليل الأنشطة الاقتصادية الحديثة، التي تعالج عمليات الإنتاج، والتوزيع، والتبادل، واستهلاك للسلع والخدمات النادرة".

مجالات علم الاجتماع الاقتصادي

يرتبط علم الاجتماع الاقتصادي في الوقت الراهن بمجموعة حديثة من الموضوعات والقضايا والمجالات، التي تعكس نوع التعريف الحديث له، والذي يسعى لتحليل الظواهر والنظريات الاقتصادية، بوصفها ظواهر اجتماعية تهتم بمعالجة مشكلات مرتبطة بالنسق السوسيولوجي العام. كما يهدف لاستخدام المنظورات الاجتماعية لدراسة تلك الظواهر والمشكلات، بصورة واقعية إمبريقية. وقد ساعد ذلك على ظهور مجالات جديدة يعالجها هذا العلم حالياً، وهي:

1. الاستهلاك والإنتاج، والاختراعات التكنولوجية، والأسواق، والعمل، والمال، والصناعة، والمستهلك.

2. تأثير العوامل الاجتماعية والأخلاقية على الاقتصاد والتنظيمات الاقتصادية، مثل البنوك وشركات التأمين والشركات العالمية والصناعية وغيرها.

3. تحليل العلاقة بين الاقتصاد والتنظيمات غير الاقتصادية الأخرى، مثل الدولة والنقابات والاتحادات العمالية وغيرها.

4. دراسة الطبقات الاقتصادية، والحياة داخل تنظيمات العمل، والحراك الاقتصادي والاجتماعي والمهني.

5. معالجة النظريات والأيديولوجيات الاقتصادية، والاتجاهات نحو الاقتصاد والمهن الاقتصادية، مثل المستثمرين وأصحاب المال والعمل.

6. دراسة اقتصاديات الرفاهية، والنظام الاقتصادي العالمي الجديد، ومشكلات التضخم، والعقود، والقروض والمعونات، والمال والاقتصاد الرسمي، وغير الرسمي.

7. معالجة قضايا التنمية الاقتصادية في دول العالم الثالث، مثل الفقر، والصحة، والعلاج، والتعليم، وغيرها من قضايا أخرى.

ولم يقتصر اهتمام علماء الاجتماع الاقتصادي على تلك المجالات الحديثة، التي تكشف عن دخول هذا الفرع الحديث في جوهر الظواهر والمشكلات الاقتصادية، بقدر ما اهتم المتخصصون بفكرة تنوع الاهتمامات والمجالات الحديثة لعلماء الاجتماع والتعاون، مع غيرهم من المتخصصين في العلوم الاجتماعية الأخرى. كما اهتم علماء الاجتماع الاقتصادي، أيضاً، بالتطورات والتغيرات، التي أدت إلى ظهور عدد من الفروع الوليدة النشأة لعلم الاجتماع.