إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / الإدمان (المخدرات، المسكرات، والتدخين)، من وجهة النظر الاجتماعية









خصائص المدمنين وسماتهم الاجتماعية:

خصائص المدمنين وسماتهم الاجتماعية

المدمن Addict هو الفرد الذي تعود على تعاطي مادة مخدرة بأي صورة من صور التعاطي، بحيث ينتج عن الإفراط في التعاطي، تبعية نفسية أو جسمية أو كلاهما معاً.

وتتخذ ظاهرة الإدمان عند المدمن شكل الاعتياد والإصرار والتكرار الضار، بحيث يصبح التعاطي لديه يمثل نوعاً من الاعتماد الجسمي، أي تصل حالته إلى حاجته العضوية لأن يتعاطى عقاراً معيناً أو عدة عقاقير.

وظاهرة الإدمان والأضرار، من واقع الظروف، التي يمر بها الفرد المدمن تتمثل أضرارها فيما يلي:

1.   يعصي الخالق وتتصارع نفسه بين ذاته وبين بيئته الاجتماعية، نحو مرضاة الله وحيث يُصارع ذلك ويدفعه من حوله للإقلاع عن نزواته، التي لا يستطيع الإقلاع عنها.

2.   يُصارع المرض الجسمي والنفسي والعقلي، الذي تسبب من ورائه مشكلات اجتماعية أسرية وغيرها.

3.   يواجه مشكلات أسرية عديدة منها:

أ. التذبذب والرفض والعزل في بعض الأحيان.

ب. الخلافات الدائبة بينه وبين زوجه وأولاده.

ج. اضطراب الموارد الأسرية والاقتصادية.

د. احتقار أفراد الأسرة لكيانه ووجوده.

هـ. المعاناة من التخريب والدمار الذي قد يسببه داخل الأسرة.

4.   يواجه مشكلات إنتاجية واجتماعية في عمله، إذ يتأثر إنتاجه بالاضطراب والسُّح وعدم الانتظام في العمل، مما يضر بالاقتصاد القومي، وتضطرب علاقاته الاجتماعية بزملائه ورؤسائه، وقد يؤدي الحال إلى فصله من العمل.

5.   يُكلف القائمين على العلاج الطبي أو النفسي أو العقلي العديد من النفقات، التي قد يكون من الأجدى إنفاقها على مقاومة ومعالجة الأمراض العامة لأفراد المجتمع.

6.   يُكلف علماء الدين الجهود الكثيرة، لمحاربة معصية الله وإلقاء النفس إلى التهلكة ودمار النفس، وتفكك الروابط الأسرية والاجتماعية.

7.   يواجه مع رجال الأمن العديد من المشكلات لما يرتكبه من حوادث تضر بنفسه وبالآخرين، ومن دمار في بعض الأحيان للممتلكات العامة أو الخاصة.

8.   يُكلف القائمين على الشؤون الصحية الجهود المضنية، بالتعاون مع القائمين على الشؤون الأمنية، في متابعة وحظر تداول العقاقير المخدرة، التي تدخل إلى السوق التجاري بطرق غير مشروعة.

9.   يكلِّف القائمين على السهر وحماية أمن البلاد وحدودها الجهود المضنية لمحاربة تهريب المخدرات والعقاقير المخدرة.

10. يُشجع التجارة غير المشروعة واستنزاف المال وصرفه على العقاقير المخدرة الضارة، التي يتاجر فيها تجار جشعون مستغلون خارجون على النظام الاجتماعي والأخلاقي العام، ويجرأون على تجارة الموت بقلوب قدت من صخر.

11. يُكلف القائمين على الرقابة الجمركية، في المطارات والموانئ الساحلية، والمراقبين في الطرق البرية، الجهود المكثفة في الكشف عن عمليات التهريب للعقاقير المخدرة.

12. وأخيراً يُكلف الاقتصاد القومي العبء الثقيل، في تشجيع الإنفاق غير المثمر، وحيث يتأثر الاقتصاد القومي وخاصة في الدول النامية، التي قد تحتاج إلى ترشيد الإنفاق من أجل النهوض بمصلحة الفرد والجماعة.

ونظراً لانتشار ظاهرة الإدمان، بين فئات عديدة في المجتمع فقد دعى ذلك المجتمع الدولي والمسؤولين على المستوى المحلي في مختلف دول العالم، للتعاون مع المؤسسات العالمية ذات الاهتمام، لمحاربة ظاهرة الإدمان.

وتعد ظاهرة الإدمان على المستوى الفردي والجماعي، من الظواهر الاجتماعية المعقدة، التي تتشابك عناصرها وتتعدد مسبباتها. والإدمان في صورته المبسطة متماثل مع الأمراض المعدية، التي تصيب الإنسان الفرد وتنتشر بين أفراد المجتمع، وتكون نتاج مؤثرات ومسببات متعددة تتفاعل مع بعضها، مما يترتب عنها أعراض جسمية معينة تصيب الفرد المدمن، ويتأثر بها ويؤثر على من حوله من أفراد المجتمع.

وقد يتداعى الجسم كله بالنسبة للفرد المدمن نتيجة الإدمان، وتتوقف الأعراض والمضاعفات عند تمكن الإدمان من الفرد، كما هو الحال عند إصابة الفرد بمرض معين، حيث تتوقف الأعراض على عوامل منها:

1.   الحالة النفسية والصحية للفرد؟ قبل وعند وبعد، تمكن الإدمان منه.

2.   البيئة الاجتماعية والمستوى الاقتصادي للفرد المدمن.

وتتوقف أعراض ومضاعفات الإدمان، كالأمراض العضوية، على عوامل تتمثل في العناصر والمسببات التالية:

  • الفرد Individual Host
  • العقار Agent
  • البيئة Environment
  • وهناك تفاعل دائب Interaction بين هذه العناصر الثلاث يتمثل في العلاقات المتبادلة بين العناصر، التي سبق ذكرها، كما يأتي:

ويمكن تحديد التداخل والعلاقات المتبادلة بالصورة الموضحة التالية:

ومن الخصائص الاجتماعية للمدمنين، انتشار الإدمان بين أفراد الأسرة الواحدة، التي بها أحد المدمنين.

إذ تتراوح نسبة الإدمان بين أقارب مدمن الخمر، خاصة من الذكور، على النحو الآتي:

الآباء 17 ـ 53%

الأمهات 2 ـ 12%

الأشقاء 21 ـ 30%

الشقيقات 1 ـ 100%

وقد تبين أن سوء استخدام أو تعاطي العقاقير المخدرة من قبل الآباء، يؤثر على الأبناء، فالأم أو الأب الذي يُسرف في تعاطي المهدئات، يتبع أبناؤه الأسلوب نفسه. وهذه الظاهرة ليست موروثة، بقدر ما هي أسلوب متعلم عن طريق القدوة.

وقد تكون للوراثة دور في إدمان الخمر، مع وجود العوامل الوراثية المشجعة، فما تم من دراسات على التوائم المتشابهة[1] Identical Twins، أثبت أن هذه التوائم تتأثر بالعوامل الوراثية، لدرجة تصل إلى ما يزيد عن 50% إذا كان الأباء مدمنين أو في حالة التعرض لإصابات مرضية.

أما في حالة التوائم غير المتشابهة[2] Unidentical Twins، فإن نسبة التطابق تنخفض في خصائص هذه التوائم، إلى أقل من النسبة المشار إليها آنفاً، الأمر الذي يشير إلى أن عامل الوراثة له أهمية في إدمان المسكرات بين أفراد الأسرة الواحدة.

والواقع إن إدمان الخمور أو العقاقير المخدرة، ينتشر بين أقارب المدمنين سواء تربوا في البيئة نفسها أو في بيئات متباعدة. وعلى الرغم من هذا، فإن الجزم بأن الوراثة لها صلة أو دور حاسم في الإدمان، أمر يحتاج إلى المزيد من البحث والتقصي.

وضمن تصنيفات الطب النفسي للشخصية الإدمانية، تصنيف "كيزول وولتون" Kessol & Walton، حيث يصفان السمات الشخصية للفرد المدمن في صورة:

  1. عدم النضج: حيث تضعف قدرة الفرد ولا يستطيع الاعتماد على نفسه والاستقلال عن غيره، خاصة الأبوين، ويفتقد تكوين علاقات ثابتة وهادفة مع الآخرين.
  2. الضعف الجنسي: حيث يعاني الضعف الجنسي والخجل الشديد من الجنس الآخر، أو قد يكون مصاباً بالشذوذ الجنسي (الجنسية المثلية) لكثرة تردده على حانات شرب الخمور، أو وجوده مع الذكور بصفة دائمة. وقد يكون المدمن ممن يُخفي أفكاره الجنسية الشاذة بإفراطه في تناول الخمر أو العقاقير المخدرة.
  3. التمركز حول الذات: حيث يكون سلوكه قائماً على إشباع رغباته في الحال وغير مستقر، ومتردد، وغير صبور. وحمايته الزائدة وهو صغير، تجعله باستمرار في حاجة إلى من يلجأ إليه، واستمرار شعوره كطفل في شخصيته بعد كبره.
  4. عدم الاستقرار والعدوانية: حيث يشعر المدمن بالقلق الزائد عند عجزه عن التعبير عن الغضب، وقد يجد في الخمر ضالته أو في العقاقير المخدرة، كي يعبر عن غضبه بطريقة عنيفة في بعض الأحيان.
  5. الاضطراب الزائد: حيث يكون المدمن قلقاً متوتراً بصورة زائدة، فيلجأ إلى الخمور والمسكرات والعقاقير لتسكين القلق، مما يؤدي إلى الإدمان.

العمر

فيما يتعلق بالأعمار في فئات المدمنين، فإنه تتمركز أعمار الذكور بين المدمنين في متوسطها في حدود الأربعينات (حوالي 44 سنة)، وفي الإناث يصل متوسط أعمار المدمنات إلى 45 سنة. أما بالنسبة للأحداث المنحرفين، فقد تبين أن الخمر هي العقار المفضل وينتشر التعاطي بصورة غير عادية في أعمار 13 ـ 19 سنة.

ومن المعروف أن علاج الإدمان في صغار السن ـ المراهقين والشباب ـ أصعب بكثير من العلاج في كبار السن.

دور العمل وطبيعته

وفيما يتعلق بالظروف الاقتصادية والاجتماعية، وفئات وطوائف الأفراد في المجتمع عند الإدمان، وجد من دراسات إحصائية، أن نسبة المدمنين على الخمور، تزداد بين العاملين في الصناعات والمهن المتعلقة بصناعة أو بيع الخمور، وينتشر تعاطي العقاقير المخدرة بين العمال غير المهرة والبحارة وسكان المدن الساحلية، حيث تسهل عمليات تهريب العقاقير المخدرة.

كما ينتشر تعاطي الحشيش والهيروين بين الشباب العاطل عن العمل، أو الذين ينتمون إلى العاملين في وظائف أو مهن مرموقة.

الحالة الاجتماعية

بالنسبة للحالة الاجتماعية تبين انتشار إدمان الخمور بين العزاب والمطلقين والأرامل أكثر من المتزوجين، وترتفع بين المطلقين من الجنسين بصورة خاصة. ويلاحظ أن العزوف عن الزواج، يدفع الشباب إلى إدمان العقاقير.

البيئة

خصائص وسمات البيئة الاجتماعية التي يحدث فيها الإدمان:

تتمثل خصائص وسمات البيئة الاجتماعية، التي يحدث فيها الإدمان، كما يلي:

الأسرة وآثارها في التنشئة الاجتماعية.

تعاطي الخمور في المجتمعات الغربية أمر شائع ومنتشر، ويسهل الحصول على الخمور دون عناء. كما أن تعاطي العقاقير ـ في هذه المجتمعات ـ يتم دون استشارة طبية، فيكثر تناول المسكنات والمهدئات والمنشطات من دون مراجعة الطبيب.

وتحاول نظرية "جيلينيكيس" jellinekis تفسير الفروق في السمات، وتفضيل شرب الخمور في بلاد عديدة في العالم. وفي دراسات وتفسيرات عن إدمان الخمور، وجد أن الإيطاليين والأمريكيين من أصل إيطالي Italian - Americans يكثرون من الشراب، ومبدأ شرب الخمر لديهم من الطفولة، ولذلك فإنهم لا يشعرون بأضرار الخمر، وربما يكون مرجع هذا أن الإيطاليين لديهم عادات تنظيم تناول الطعام Dietry Habits. حيث يتناولون الخمور مع طعامهم، ولذلك فإن عاداتهم في الشراب تعد طبيعية للغاية.

العادات الاجتماعية والأعراف والتقاليد في الحياة الأسرية:

من عادات المراهقين في الدول الغربية خروجهم في جماعات من الجنسين إلى الحدائق لتعاطي المشروبات غير المقطرة مثل البيرة، ثم يتبعون ذلك بتعاطي الخمور مع الرفاق داخل الحانات.

ومن التقاليد والأعراف، التي تعمل على تثبيت تعاطي الخمور أو الإقلاع عنها، ما يأتي:

  1. استمتاع الكبار بتعاطي الخمور، يُشجع الصغار على تناولها.
  2. تذوق الخمور أو شمها والاستمتاع بذلك، يشجع على التعاطي.
  3. قد يحدث الامتناع، عندما يشاهد الصغار الأباء في حالة سكر شديدة، مما يزيد الرغبة في عدم التعاطي مستقبلاً.

الاضطراب والتفكك الأسري وأثره في الإدمان:

إن عدم توافر وسائل التنشئة الاجتماعية السليمة داخل الأسرة، نتيجة الاضطراب والتفكك الأسري، قد يترتب عليه انحراف الأبناء، وقد يحدث الإدمان بينهم، نتيجة للعلاقات غير السليمة والعداء بين الأبوين أو الطلاق أو وجود بدائل عن الأباء أو الأمهات، أو الهجرة، أو الوفاة.

ويزداد الإدمان في الأسر المضطربة، التي تسوء فيها العلاقات بين الوالدين. وتمثل الأم العنصر المهم في نمو السّمات، التي تؤدي إلى الاستعداد للإدمان على الخمر أو العقاقير. فغياب الأب أو استمرار تعاطيه للعقاقير المخدرة وفقدانه الوعي أمام أبنائه وعدم التمسك بالتعاليم الشرعية، كل هذا يعتبر من الأسباب الرئيسية لحدوث الإدمان، بل يعتبر الأب قدوة سيئة أمام الأبناء، فكيف لهم بالتمسك بالقدوة الحسنة.

وعلى طرف آخر، قد تكون الأم متسلطة مستبدة مع الزوج والأبناء، ولا ترعى واجباتها ومسؤولياتها تجاه أسرتها. أو تكون الأم نابذة للأبناء أو مفرطة في الحماية والرعاية، (أو يكون من سماتها الاضطراب الانفعالي والشعور بالذنب والعدوانية والسيطرة).

وتضعف بالتالي الاستقلالية الذاتية Self Independence عند الأبناء، مما يدفعهم إلى الانحراف؛

ويؤثر الإفراط من قبل أحد الأبوين في تناول العقاقير المسكنة أو المنشطة أو المهدئة، غالباً، على استعداد الأبناء في تعاطي العقاقير نفسها.

السلوك السائد في الحياة الأسرية وأثره على الأبناء:

يؤثر النمط السائد في شرب الخمر بين الأباء، على سلوك الأبناء فالوالدان اللذان يحبذان شرب الخمر، قد يؤثران بدورهما على الصغار فيصبح الأبناء إما متعاطين بصورة معتدلة، أو لا يتعاطون الخمور على الإطلاق. وإذا كان نمط الأبوين نحو الخمر متناقضاً وغير منسق، فقد يؤدي ذلك إلى احتمال الإدمان بين الأبناء عند الكبر.

ومن الأسباب المؤدية إلى الإدمان، ودخل الأسرة أو الحرمان من الأبوة أو الأمومة، تُرتيب الأبناء بالنسبة للأخوة.. (فالأبناء الكبار يقلدون الأباء بصورة أكبر من الصغار) حجم الأسرة، الاتكالية المترتبة على التنشئة الاجتماعية الخاطئة، عدم النضج الفكري عند الأبناء، تثبيت نمط الاتكالية Independence (عدم الاستقلالية) عند الأبناء، نتيجة لسوء التعامل الدائم بين الأبوين، وانحراف السلوك من قبل الأم أو الأب في ظروف الحياة العادية.

كما وجد أن عدم النضج الفكري عند الأبناء، يكون نتيجة للتنشئة الاجتماعية الخاطئة، وحيث تختلط الأمور أمام أنظار الأبناء، ويصعب عليهم الاندماج في الحياة الاجتماعية، الأمر الذي يترتب عليه ضعف إدراك الفرد لدوره مع الجماعة التي يعيش بينها، مما قد يدفعه إلى الإدمان ومرجع هذا غالباً إلى التفكك الأسري، وعدم وجود القدوة الطيبة أمام الأبناء.

وثبت أنّ دور الوالدين في إدمان الأبناء، مرجعه إخفاق أحد الأبوين في التنشئة، مما يترتب عليه ارتفاع نسبة الإدمان بين الأبناء، والصراع الأسري الذي يترتب عنه تصدع العلاقات بين الآباء والأبناء.

العوامل الثقافية والظروف الاجتماعية المتغيرة:

تختلف أنواع الإدمان وأنماطه باختلاف الظروف الثقافية والاجتماعية السائدة في مجتمع دون آخر، ويُعرف ذلك بالاختلافات الجغرافية Geographical Differences أو التباين الجغرافي Geographical Variation في استهلاك المخدرات:

  • ففي إيطاليا، من عاداتهم الاجتماعية شرب الخمور عند تناول الطعام، ولذلك يُعد الأمر طبيعياً للغاية عند تعاطي الكحول Alcohol Consumption
  • وفي فرنسا وإيرلندا واسكتلندا ينتشر في الحياة الاجتماعية شرب الخمور وإدمانها.
  • وفي اليابان والسويد ينتشر إدمان الخمور وتعاطي المخدرات.
  • وفي المدن الكبيرة بالولايات المتحدة الأمريكية يلاحظ ارتفاع نسبة تعاطي الهيروين والإفراط في الشراب.
  • وفي المملكة المتحدة يكثر تعاطي المسكرات والمنومات، وخاصة المركبات الباربيتورية.
  • ويزداد تعاطي الحشيش (الماريجوانا) في كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة بصورة تمثل خطورة على هذين البلدين.

وهذه الاختلافات مرجعها اختلاف العوامل الثقافية والاجتماعية، حيث تلعب كل من هذه العوامل دورها في تنمية الفرد في المجتمع، وحيث ينُم عن طرائق ونماذج التنشئة الاجتماعية، والاتجاهات والقيم وقواعد السلوك المختلفة.

ومن الدراسات التي تمت لمعرفة تأثير العوامل الثقافية والاجتماعية على ظاهرة الإدمان، ما تشير نتائجها إلى وجود ما يأتي:

1.   ثقافات تحرم تعاطي المسكرات:

تكون الاتجاهات السائدة بين أفراد هذه المجتمعات سلبية نحو التعاطي والمتعاطين للمسكرات والمخدرات. ففي الإسلام تحريم كامل لتعاطي المسكرات وما في حكمها. وفي المسيحية تحرم بعض الطوائف تعاطي المسكرات.

وقد تبين وجود جماعات دينية وثقافية في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وإيرلندا والسويد والنرويج وفنلندا، تعمل على تحريم المسكرات والمخدرات.

2.   ثقافات مزدوجة الاتجاهات:

وفيها يكون التناقض بين المنع والتعاطي، فقد يُسمح في المجتمع بالتعاطي من دون ضوابط، وقد يستنكر المجتمع شرب الخمور والمسكرات والمخدرات، الأمر الذي يجعل أبناء المجتمع في ازدواجية ثقافية. فقد يجنح بعض أفراد المجتمع نحو الإدمان، كما هو حادث في المملكة المتحدة وفي الهند وفي بعض البلدان الأفريقية، كما أن في هذه المجتمعات أفراداً يمتنعون عن تناول المخدرات والمسكرات.

3.   ثقافات متراخية:

وفيها يكون من التساهل التام، بل والتشجيع وتوفير الإمكانيات لتعاطي المسكرات والمخدرات. ومثل هذه الثقافات توجد في أسبانيا والبرتغال.

4.   ثقافات متساهلة للغاية:

لا يهتم المجتمع بالمنع أو القسر، بل توجد حرية كاملة في تشجيع على تناول الشراب المسكر.

وتوجد مثل هذه الثقافات في اليابان وفرنسا.

وفي العادة قد تسبب التغيرات الثقافية والاجتماعية، لأفراد جُدد في مجتمع جديد، إحداث ظاهرة الإدمان، كما يحدث عند المهاجرين من موطن إلى موطن آخر، وحيث يحتاج الفرد إلى توافق مع عادات المجتمع الجديد، يصحبه في العادة توتر عصبي داخلي، الأمر الذي يضطر معه الفرد إلى مجاراة التقاليد الجديدة في المجتمع الجديد.

  • الرفاق والعصبة والجماعات، التي تشجع على الإدمان:

وجد أن الإسراف في تعاطي المخدرات والعقاقير المخدرة، يعود إلى ضغوط اجتماعية من نوع معين، حيث أن تأثير الجماعات من الرفاق والعصبة في أحرج فترات العمر.. المراهقة والشباب.. تدفع البعض إلى مجاراة وتقليد رفاق السوء، حيث تتكون الجماعات والشلل والعصابات التي من عاداتها تقاليد الاندفاع إلى التجريب في كل ما هو غريب وشاذ، مثل تعاطي الحشيش والهيروين وعقاقير الهلوسة والمغيبات الطيارة.

ويندفع المراهقون والشباب، عادة إلى الانضمام إلى هذه الفئات الضالة، نتيجة لخلل التركيب الأسري واضطراب العلاقات الأسرية، وعدم وجود الدوافع والقيم الدينية والروحية التي تهدي الضالين، إضافة إلى عدم الاطمئنان والقلق الزائد الذي ينتاب الأبناء في أحرج مراحل العمر. بل لوحظ أيضاً أن القلق والسلوك العدواني، من أسباب الجنوح والانحراف والخروج على تقاليد المجتمع، وتكوين الجماعات المارقة والتي من أهم مظاهر سلوكها تعاطي المخدرات والمسكرات.

ومما يُشجع على هذا أيضاً، ما يُعرف عملياً بعدم التناغم العقلي أو الفكري[3] Metal Dissonance فالحضارة السائدة في المجتمعات الحاضرة، تتداخل فيها عوامل كثيرة نتيجة انتشار وسائل الإعلام في صورها المتعددة، وترابط دول العالم عن طريق المواصلات السهلة، مما أدى إلى ازدواجية الفكر بين الشباب، ومن الأمثلة على ذلك المجتمعات الإسلامية:

  • فمنهم أمة تحكمها العقيدة السمحة ودستور الإسلام، ويبتعدون كلية عن تناول المسكرات والمخدرات.
  • ومنهم ما دون ذلك، يجارون التحضر ويصاحبون رفاق السوء وتضل بهم السُبل أي أن هناك الأفراد الذي يقنعون أنفسهم باتباع أي وسيلة، تخفف عدم التناغم العقلي.
  • وهناك الفئة الضالة التي تتبع سبل التقليد الأعمى والمجاراة والتمادي، ولا تستطيع الإقلاع عن تعاطي المسكرات والمخدرات، فيزداد لديهم التناغم العقلي.
  • وتأثير الرفاق في أخطر مراحل العمر قد يصعب الإفلات من قيوده، الأمر الذي يزيد التناغم العقلي بين الشباب المعاصر، وخاصة في المجتمعات المفرطة والمتساهلة، والتي تعاني من مشكلات أسرية واجتماعية.

هذا، وتجدر الإشارة إلى أن تعاطي عقار معين في بلد معين، قد يكون أمراً مقبولاً من الناحية الاجتماعية، في حين أنه عند تعاطي عقار آخر غير متداول الاستخدام في هذا المجتمع، قد يُنظر إلى متعاطيه على أنه إنسان معتل غير مرغوب فيه من الناحية الاجتماعية.

فالمدمن على الخمر في اليابان أو فرنسا يُعتبر إنساناً عادياً، بينما مدمن الأفيون أو مشتقاته يُنظر إليه على أنه إنسان مضطرب، حيث يتعاطى عقاراً غير مقبول من الناحية الاجتماعية

- العوامل الاقتصادية في البيئة الاجتماعية، وآثارها على الإدمان:

قد يؤدي الرواج الاقتصادي في بلد ما، دوراً هاماً في انتشار المسكرات والمخدرات والعقاقير المخدرة في البيئة الاجتماعية لذلك المجتمع. إذ تنتشر الصناعات الخاصة بالخمور، وزراعة النباتات المخدرة وتصنيعها، وصناعات التبغ وغيرها.. مما يُساعد على انتشار الإدمان. فمن العوامل المؤدية إلى زيادة إدمان الخمور في فرنسا، انتشار صناعة النبيذ، في ضوء الاعتقاد السائد في المجتمع الفرنسي بفائدة النبيذ الصحية.

إضافة إلى أن العائد على الدولة من رواج هذه الصناعة، والضرائب التي تُفرض على الإنتاج، يُقلل من رغبة الدولة في حظر تداول هذه العقاقير.

وعلى جانب آخر، قد يكون تدهور العوامل الاقتصادية سبباً جوهرياً وراء انتشار العقاقير المخدرة. ففي أعقاب البطالة، التي تعرضت لها بريطانيا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ساءت الأحوال الاقتصادية للبلاد، مما ساعد على انتشار الإدمان بين العمال، نتيجة للبطالة وانتشار الفقر.

وفي المجتمع الأمريكي ينتشر إدمان المخدرات، بين الأفراد الذين لا يتمتعون بعوامل ثقافية أو اقتصادية كافية، مثل بعض الأمريكيين الملونين أو المهاجرين، أو الذين يعانون من مشاكل اقتصادية أو اجتماعية أو مادية.

وقد يكون في التخلف الدراسي وعدم مواصلة التعليم، ما يدفع الشباب إلى الالتحاق بالعمل في سن مبكرة ويتقاضون أجوراً عالية، ومالاً يشجعهم على تعاطي الخمور والعقاقير.

وعند تعرض البيئة الاجتماعية للكوارث والأزمات الاقتصادية والاجتماعية، التي ينجم عنها التدهور الاقتصادي، وخاصة عند التعرض للفيضانات الكاسحة أو إتلاف المزروعات نتيجة لغزارة الأمطار أو الحرائق المدمرة أو الزلازل والبراكين أو حوادث الطائرات، فإن بعض أفراد المجتمع، قد يندفعون نتيجة للقلق الزائد والاكتئاب المصاحبين لهذه الكوارث، إلى تعاطي الخمور والمخدرات والعقاقير المخدرة للتخفيف من تلك المشاعر القلق والاكتئاب.

وتعتبر الحروب العسكرية والنفسية، ذات أثر كبير نحو تخفيف حدة الإدمان أو انتشاره ففي الحروب العسكرية التي يطول أمدها بين الدول المتخاصمة، وتؤثر على المجتمع والحياة الاجتماعية بأسرها، يحدث شعور جماعي بين أفراد المجتمع بالخطر، ويصاحب ذلك مشاعر قوية جماعية للمشاركة في الويلات الجماعية… وعلى ذلك: فإما أن يزداد التعاطي.. وإما أن ينخفض. مثال ذلك ما حدث في بريطانيا خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، حيث شنت الحكومة البريطانية حظراً تاماً على تداول المسكرات، لأن ذلك يؤثر على الكفاءة والقدرة القتالية للجنود.

ومن المعروف أنه عقب انتهاء الحروب، وحدوث الكساد الاقتصادي، والتفكك الاجتماعي[4] ينتشر الإدمان بصورة كبيرة.



[1] التوائم المتشابهة Identical Twins والتي تنتج من بويضة واحدة بعد التلقيح من حيوان منوي واحد، تنشطر إلى شطرين وينجم عنها لاقحتان كل منها تكون جنيناً يتطابق مع مثيله في الجنس وفي توريث الصفات، وهي التوائم التي تسمى وحيدى اللاقحة.

[2] التوائم غير المتشابهة Unidentical Twins والتي تنتج من بويضتين يفرزهما مبيض الأنثى في الدورة الشهرية الواحدة ويلقح كل منهما حيوان منوي فينتج عنهما جنينان مختلفان كل الاختلاف في الجنس والخصائص الوراثية، ويُطلق عليهما توائم ثنائي اللاقحة. Glat,

[3] دم التناغم العقلي Mental Dissonance ويُعرف باللاتناغم المعرفي Congnitive Dissonance ومعناه أن الفرد يتصرف بطريقة يعلم أنها تتعارض تماماً مع ارائه ومعتقداته، ويؤدي ذلك إلى التوتر الشديد الذي يزيد الأمر سوءاً. فالمدمن عند استمراره في التعاطي يشعر باللذة. ولكنه يعتقد في قرارة نفسه أنه يضر بصحته ولا يعنيه مستقبله، ونتيجة لذلك يزداد التوتر والقلق لديه، فيتمادى في التعاطي للتخفيف من التوتر أي يحدث عدم التناغم (اللاتناغم).

[4] التفكك الاجتماعي Social Disorganization هو عبارة عن التوتر أو التصدع الذي يطرأ على العلاقات الاجتماعية في المجتمع أو على النسق الاجتماعي. والتفكك الكامل يؤدي إلى تحطيم أو انهيار النسق، ومعنى ذلك التدهور الذي يُصيب الضوابط الاجتماعية.