إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / مجتمع المدينة









الارتباط بالجماعة Sociability

مجتمع المدينة Urban Society

    تُعرّف المدينة، بشكل عام، بوصفها وحدة اجتماعية حضرية، محدودة المساحة والنطاق، ومقسمة إدارياً. ويعتمد النشاط فيها على الصناعة والتجارة، وتقل فيها نسبة المشتغلين بالزراعة، وتتنوع فيها الخدمات والوظائف والمؤسسات. وتمتاز بكثافتها وسهولة مواصلاتها، وتخطيط مرافقها ومبانيها وهندسة أراضيها، وتتمايز فيها الأوضاع والمراكز الاجتماعية والطبقية.

وتمر المدينة بمراحل نمو مختلفة. وقد وضّح "ممفرد Mumford" مراحل نمو المدينة في كتابه "ثقافة المدينة"، على النحو التالي:

1. مرحلة النشأة، ويسميها Eopolis، وتتميز بانضمام بعض القرى إلى بعضها، واستقرار الحياة الاجتماعية، لاسيما بعد اكتشاف الزراعة واستئناس الحيوان، وقيام الصناعات اليدوية والحرفية البسيطة. وكانت الجماعات التي تكوّن المدن في البدء جماعات مرتبطة برابطة الدم والقرابة، ولعب الدين دوراً مهماً في حياة هذه المدن.

2. المدينة المتوسطة Polis، وتتميز هذه المرحلة بوضوح التنظيم الاجتماعي والإداري والتشريعي، واستقرار الوضع السياسي للطبقتين الحاكمة والمحكومة، وانتعاش التجارة واتساع نطاق الأسواق وتنوع الأعمال والوظائف والتخصصات، والتميز الطبقي بين مختلف الفئات، وقيام المؤسسات والفنون، ونشأة المدارس. وقد أصبحت المدينة في هذه المرحلة "مركز ثقل"، يقصدها الأفراد للاستمتاع بمباهج الحياة المتقدمة وقضاء مصالحهم.

3. المدينة الكبيرة ويسميها Metropolis، أو المدينة الأم Mother City، حيث نجد في كل إقليم مدينة تنفرد بمميزات خاصة، وتأخذ وضعاً إستراتيجياً مميزاً، وتتوافر فيها الطرق السهلة المُعبدة، وتحتل التجارة والصناعة فيها المقام الأول. وقد تصل بعض هذه المدن إلى أن تصبح عاصمة الدولة أو الإدارة المحلية، وتتركز فيها كل مظاهر النشاط الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، بحيث تُصبح بحق هي المدينة الأم.

4. المدينة العظمى Megalopolis، وتُعد هذه المرحلة بداية انحلال المدينة، وتأخذ عوامل الضعف في الظهور؛ لأن عوامل كثيرة تغذيها، من أهمها أن الإنتاج الآلي يحل محل الفن الأصيل، وتأخذ الفردية في الظهور، وتزداد أسباب الصراع بين طبقة رؤوس الأموال والعمال. ويُلاحظ، كذلك، انتشار الانحرافات في محيط الأحداث والجرائم في محيط الرجال، والمؤامرات والدسائس في محيط النقابات والهيئات والمؤسسات.

    وعلى الرغم من الجاذبية والشمول في كتابات "ممفرد" عن تطور مراحل نمو المدينة، إلا أن المدن المعاصرة ـ أياً كانت أنماطها وأحجامها ـ تكافح من أجل البقاء والاستمرار في إثراء الحياة الإنسانية؛ فالمدن وُجدت لتبقى وتزدهر وليس للانهيار. ومن هنا تتجه المدينة إلى خلق حياة حضرية أكثر إشباعاً وسعادة. لذا، فقد تبنى "ويرث Werth" مدخلاً تاريخياً ـ إلى حد ما ـ في دراساته الحضرية، وهو يرى أن بداية الحضارة ارتبطت على نحو بارز بنمو المدن الكبرى.

    وقدم "ويرث" تعريفاً محدداً للمدينة بوصفها طريقة واضحة مميزة في الحياة؛ فالمدينة في تصوره هي وحدة عمرانية كبيرة نسبياً، تتميز بالكثافة السكانية، وهي مقر دائم لأفراد غير متجانسين اجتماعياً. ويظهر تأثير المدينة على الإنسان كلما ازدادت نمواً في الحجم؛ فبازدياد عدد المقيمين بالمدينة تزداد الروابط بينهم ضعفاً، كما تتعرض العلاقات الاجتماعية للتغير والتبدل، فتصبح غير شخصية وسطحية ومؤقتة وسريعة الزوال. كما أن ساكن المدينة يكيف علاقاته بطريقة رشيدة ومعقدة. كما تُمارس الحياة في المدينة بإيقاع سريع. ويؤكد ويرث على تنوع جماعات المدينة، والصراع بين مختلف الانتماءات، والحراك الجغرافي والاجتماعي المتزايد لسكانها. لذا، ذهب بعضهم إلى تعريف المدينة بأنها: المكان الذي أصبح من الكبر بحيث لم يعد الناس يعرفون بعضهم بعضاً.

    في حين يرى "بارك Bark" أن المدينة ليست فقط تجمعات من الناس، مع ما يجعل حياتهم فيها أمراً ممكناً، بوجود الشوارع والمباني والكهرباء ووسائل المواصلات. كما أنها ليست فقط مجموعة من النظم والإدارات، مثل المحاكم والمستشفيات والمدارس والشرطة والخدمات. إن المدينة، فوق هذا كله، اتجاه عقلي ومجموعة من العادات والتقاليد والعواطف المتأصلة في هذه العادات؛ بمعنى آخر أن المدينة ليست فقط مكان فيزيقي أو بناء صنعه الإنسان، وإنما هي نتاج الطبيعة وذات طبيعة إنسانية، على وجه الخصوص. ومن ثَم، فالمدينة في النهاية مكان إقامة طبيعي للإنسان المتمدن، ولهذا فإنها تُعَد منطقة ثقافية تتميز بنمطها الثقافي المتميز.

    أما "زيمل Zemel" فحاول أن يبحث في الأسس النفسية، التي تكمن وراء الطابع المتروبوليتي (المدينة المتضخمة) للحياة؛ فدرس التوترات، والعواطف، ونوع الذكاء الذي يجب أن يتمتع به الأفراد، الذين ينجحون في الحياة في مثل هذا النوع من المدن الكبرى. كما اهتم -في الوقت نفسه- بدراسة التنظيم الاجتماعي المتناهي التعقيد، الذي يؤدي إلى قيام الروابط والجماعات المتعددة التي تعتمد على تقسيم دقيق للعمل. ويعتقد "زيمل" أن أهم خاصية في تعريف المدينة الكبرى، هي امتدادها الوظيفي أبعد من حدودها الطبيعية.

    ويرى "ماكس فيبر" أن العنصر المشترك في تعريفات المدينة هو أنها تتكون من مجموعة أو أكثر من المساكن المتفرقة، لكنها نسبياً تُعَد مكان إقامة مغلق. وتُبنى المنازل في المدن –عادة- قريبة بعضها من بعض، فيكون الحائط لصيق الحائط، كما هو الحال في المدينة الحديثة الآن. أي أن المدينة منطقة محلية ومكان يتميز بالمساكن الكثيفة، مُشكِّلة نوعاً من المستوطنة شديدة الازدحام، إلى الدرجة التي يُفتقر فيها التعرُّف المتبادل بين السكان. وعلى هذا يرى فيبر أن المدينة الحديثة هي نسق أو محل إقامة مغلق نسبياً لتجاور المنازل بشكل كبير، ومن شروطها الضرورية وضوح وظيفتها الاقتصادية.

    لذا، ذهب "ماينر Miner" إلى أن المدينة تُعَد مركزاً للسيطرة والهيمنة الاقتصادية، وأن دورها كظاهرة للقوة شيء مهم. ويظهر ذلك في القوة السياسية والقوة الاقتصادية، وعادة، ما توجد معاً في المدينة. وبوجه عام، فإن وظائف المدينة من حيث السيطرة الاقتصادية والسياسية والثقافية، هي خصائص أولية للمدينة، وأن شكل المدينة هو نتيجة لهذه الوظائف؛ ولذلك، فإن تباين أشكال المدن يرجع إلى اختلاف وظائفها.

    وقد حدد علماء الاجتماع الحضري خصائص أساسية للمجتمع الحضري، من خلال ثمانية أبعاد رئيسية هي:

1.   المهنة: يعمل معظم أفراد المدينة أساساً بالأعمال التجارية والصناعية والحرف والإدارة. وقد ترتب على أنساق المهنة في مجتمع المدينة عدة نتائج، من أهمها انفصال جماعات المهنة عن الجماعات القرابية، والتخصص الدقيق والمتقن في مجال العمل، وظهور معايير لتحديد المكانة المهنية للفرد، ومقاييس مختلفة للنجاح المهني، كالتحصيل الدراسي المتخصص والخبرة الفنية ومستويات الكفاءة، وغير ذلك.

2.   البيئة: يتميز مجتمع المدينة بعزلة نسبية عن البيئة الطبيعية، الأمر الذي يجعل للبيئة الاجتماعية والبشرية غلبة وسيطرة واضحة.

3.   حجم المجتمع: يتميز مجتمع المدينة بكبر حجمه النسبي عن النموذج الريفي، ومن ثَم، فإن ثمة علاقة طردية بين الحضرية واتساع الحجم.

4.   كثافة السكان: يتميز مجتمع المدينة بارتفاع معدلات الكثافة السكانية كسمة مميزة، وترتبط فيه الخصائص الحضرية بعلاقة طردية مع ارتفاع معدل كثافة السكان.

5.   التجانس والتغاير: تتميز المدينة بالتغاير والتباين في الخصائص النفسية والاجتماعية والعرقية، ومن ثَم، يرتبط التغاير ارتباطاً طردياً بالمدينة.

6.   التمايز الاجتماعي والتدرج الطبقي: يتميز مجتمع المدينة بتدرج المهن هرمياً، وتؤسس المكانة الاجتماعية والطبقية للفرد في حدود ما استطاع أن يحقق لنفسه من كسب مادي، بعيداً كل البُعد عن انتمائه لجماعة قرابية معينة. إضافة إلى ذلك، فإنه مع زيادة تقسيم العمل وتخصصه في المجتمع الحضري، تتضح –وباستمرار- أهمية الدور المهني للفرد، كعامل من أهم عوامل كسب المكانة في المجتمع.

7.   الحراك والتنقل: يتميز مجتمع المدينة بزيادة معدلات الحراك الاجتماعي بأشكاله المكانية والاجتماعية، ومن ثَم، ترتبط معدلات الحراك في صوره المختلفة ارتباطاً طردياً مع زيادة الحياة الحضرية.

8.   أنساق التفاعل: يتميز المجتمع الحضري باتساع نطاق تفاعل الفرد، ومن ثَم، تغلب العلاقات غير الشخصية والمؤقتة أو الثانوية. كما تبدو هذه العلاقات بدورها ذات طابع سطحي رسمي انقسامي. وباختصار يتفاعل سكان المدينة مع بعضهم كأرقام أو عناوين، وليسوا كأشخاص.