إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / منظمة المؤتمر الإسلامي





علم المنظمة




المبحث الثامن

المبحث الثامن

تقوية فعالية المنظمة في مجال التسوية وتنسيق السياسات الخارجية

أولاً: تقوية فعالية المنظمة في مجال تسوية المنازعات

    اهتمت منظمة المؤتمر الإسلامي، بموضوع التسوية السلمية للمنازعات، بين الدول الأعضاء، سواء في نصوص الميثاق، أو قرارات مؤتمرات القمة الإسلامية. كذلك، أنشأت المنظمة محكمة العدل الإسلامية الدولية، كإطار قانوني وسياسي لتسوية المنازعات بين أعضائها. بيد أنه من الواضح أن دور المنظمة في تسوية المنازعات بين الدول الأعضاء، ما زال محدوداً. فقد درجت المنظمة على عدم التدخل في المنازعات، التي تقع في إطار اختصاص جامعة الدول العربية، أو منظمة الوحدة الأفريقية. كذلك، يلاحظ أن المنظمة لم يحالفها التوفيق تماماً، في تسوية العدد المحدود من المنازعات، الذي حاولت تسويته.

    إن البداية في تقوية فعالية المنظمة، في ميدان تسوية المنازعات بين الدول الأعضاء، تكمن في حدوث تغير جذري في مفهوم المنظمة في ميدان تسوية المنازعات، وهو أنها أداة لتسوية المنازعات، التي لا تقع في إطار الاختصاص المباشر للتنظيمات الإقليمية الأخرى. وعليها أن تبني مفهوماً جديداً مؤداه، أنها مسؤولة عن تسوية جميع المنازعات، التي تنشأ بين الدول الأعضاء سواء بمفردها أو بالاشتراك مع التنظيمات الإقليمية الأخرى. فلا يكفي أن تدعو المنظمة في الميثاق، وقرارات مؤتمرات القمة، الدول الأعضاء إلى تسوية منازعاتهم بالطرق السلمية، ولكن يجب أيضا أن تتحمل المنظمة مسئوليات محددة في هذا الصدد.

    من ناحية أخرى، فمن الضروري أن تطور المنظمة مجموعة من التقاليد القانونية ـ السياسية، في ميدان تسوية المنازعات، بحيث تشكل تلك التقاليد أُسساً وأُطراً راسخة لدور المنظمة في المستقبل. ومن أهم تلك التقاليد قاعدة الاعتراف بشرعية الحدود الراهنة، بين الدول الإسلامية. فالملاحظ أن الغالبية العظمى من المنازعات بين تلك الدول، منازعات حدودية إقليمية. وعلى الرغم من أن ميثاق المنظمة يؤكد صراحة، أن المنظمة تسعى إلى تأكيد استقلال وسيادة ووحدة أراضي الدول الأعضاء، إلاّ أن مبدأ احترام الحدود الراهنة لم يستقر بعد في تقاليد المنظمة، كما هو الحال في منظمة الدول الأمريكية، ومنظمة الوحدة الأفريقية. وفي غياب مثل هذا المبدأ، ترددت المنظمة في الاقتراب من العديد من المنازعات بين الدول الأعضاء. كما لم تستطع المنظمة أن تتبع سياسة واضحة إزاء بعض المنازعات، تعكس مبدأ احترام الحدود الراهنة، وعدم جواز تغييرها بالقوة، مما أثار الشك لدى بعض الدول الأعضاء المتنازعة، في "انحياز" المنظمة. كما حدث في حالة النزاع العراقي ـ الإيراني، ومما أثار أيضاً تساؤلات كثير من الدول، الأعضاء وغير الأعضاء، حول مصداقية المنظمة حين ساندت الصومال، في نزاعها مع إثيوبيا سنة 1977، تحت شعار التضامن الإسلامي، مع أن الصومال كانت هي الدولة الساعية، إلى تغيير الحدود السياسية بالقوة المسلحة.

    كذلك، فمن المهم أن تشمل تلك التقاليد، تأكيد مبدأ تسوية المنازعات، بين الدول الأعضاء في إطار إسلامي، أو على الأقل في إطار تشارك فيه منظمة المؤتمر الإسلامي. فقد أرست منظمة الدول الأمريكية مبدأ عرض المنازعات، بين الدول الأعضاء، على المنظمة قبل عرضها على الأمم المتحدة. كما أقرت منظمة الوحدة الأفريقية، مبدأ تسوية المنازعات بين الدول الأعضاء في إطار أفريقي.

    إن منظمة المؤتمر الإسلامي، ما زالت تفتقر، إلى بعض المقومات المؤسسية، لكي تلعب دوراً يُعتد به في المنازعات بين الدول الأعضاء. وأهم تلك المقومات المؤسسية هو تقوية الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي. إن خبرة التنظيمات الإقليمية الأخرى، توضح أنه بصرف النظر عن النصوص الواردة في المواثيق، فإن دور الأمانة العامة كان هو الدور الحاسم في تحديد مدى فعالية تلك التنظيمات، في تسوية المنازعات بين الدول الأعضاء. فمن الضروري إنشاء لجنة سياسية دائمة في إطار الأمانة العامة، تتولى متابعة المنازعات التي قد تثور بين الدول الأعضاء، وتتدخل في المراحل الأولى لظهور النزاع. كذلك، فمن المهم أن تشرع الأمانة العامة للمنظمة، في تطوير خطط محددة لكيفية إنشاء قوات لحفظ السلام، توضع على الحدود بين الدول الأعضاء المتنازعة، إذا ظهرت أوضاع تتطلب ذلك. وقد سبق أن اقترحت لجنة المساعي الحميدة، التي أنشأتها المنظمة، وضع قوات طوارئ لحفظ السلام على الحدود العراقية ـ الإيرانية. ومن الضروري كذلك أن تتحوط الأمانة العامة لاحتمال اضطلاعها بمسؤولية إعداد قوات لحفظ السلام في المستقبل، مما يوفر لها قدراً من المصداقية لدى الدول الأعضاء. أضف إلى ذلك، ضرورة دعم صلاحيات الأمن العام للمنظمة، وذلك بإعطائه حق الدعوة مباشرة إلى دورة استثنائية لمؤتمر وزراء الخارجية، في حالة حدوث نزاع مسلح، أو نزاع ينطوي على احتمال استعمال القوة العسكرية، بين الدول الأعضاء. فالميثاق يعطي للأمين العام الحق في طلب عقد تلك الدورة، ولكنه يشترط موافقة ثلثي الدول الأعضاء على انعقادها، علماً بأن تلك الموافقة لم تتوافر إلاّ في حالة مناقشة التدخل السوفيتي في أفغانستان، والقضية الفلسطينية.

    وربما كان من الأوفق، أن تنسق منظمة المؤتمر الإسلامي جهودها في ميدان تسوية المنازعات، مع جامعة الدول العربية، ومنظمة الوحدة الأفريقية، بحيث يتم تجميع موارد التنظيمات الثلاثة في إطار مؤسسي محدد، يتولى تسوية المنازعات بين الدول الأعضاء، في أكثر من تنظيم إقليمي واحد. فليس من المقبول أن تتخلى منظمة المؤتمر الإسلامي، عن التدخل في المنازعات بين الدول الأفريقية الأعضاء بها، بدعوى أن منظمة الوحدة الأفريقية هي الإطار الأنسب لتسوية تلك المنازعات. وإنما يجب أن تتدخل في تلك المنازعات، على الأقل بالاشتراك مع منظمة الوحدة الأفريقية، أو جامعة الدول العربية، أو كلتيهما طبقاً لطبيعة النزاع.

ثانياً: فعالية المنظمة في ميدان تنسيق السياسات الخارجية

    نص ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي، على وظيفة تنسيق السياسات الخارجية بين الدول الأعضاء في المادة 2/أ (1)، التي ذكرت أن من أهداف المنظمة "تعزيز التضامن الإسلامي بين الدول الأعضاء"، والمادة 2/أ (2)، التي نصت على "التشاور بين الدول الأعضاء في المنظمات الدولية"، كأحد أهداف المنظمة. فالتضامن الإسلامي يعني بالضرورة، في أحد أبعاده، بلورة سياسات خارجية مشتركة أو متقاربة بين الدول الأعضاء، تجاه القضايا الدولية الرئيسية. فلا يمكن الزعم بوجود تضامن بين دول تتبنى سياسات متضاربة تجاه القضايا الدولية. أما الهدف 2/أ فانه يلزم الدول الأعضاء في المنظمة، التي تشترك في عضوية منظمات دولية أخرى، أن تتشاور بهدف تنسيق سياستها في إطار تلك المنظمات. ويلاحظ أن الهدف 2/أ (2)، لا يُلزم الدول بالتوصل إلى رأي واحد حول القضايا المعروضة، أمام المنظمات الأخرى.

    ويمكن القول، إن منظمة المؤتمر الإسلامي قد لعبت دوراً مهماً في ميدان تنسيق السياسات الخارجية للدول الأعضاء، على عدة مستويات. المستوى الأول هو أن المنظمة وفرت إطاراً تنظيمياً للتشاور، بين الدول الأعضاء، وللتقريب بين سياساتها إزاء القضايا الدولية الرئيسية. والمستوى الثاني هو أن المنظمة، بلورت ما يمكن أن نسميه الخطوط العريضة " لسياسة خارجية إسلامية " تجاه تلك القضايا. وأخيراً، فإن المنظمة ظهرت كممثل جماعي للدول الأعضاء، في التعامل مع المنظمات الدولية الأخرى، وسنتناول هذه المستويات على حدة في الآتي.

1. المنظمة وتقريب السياسات الخارجية للدول الأعضاء

على الرغم مما قد يبدو من تنافر، بين السياسيات الخارجية للدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، إلاّ أن تأمل الخطوط الأساسية لتلك السياسات، يوضح وجود قدرٍ كبيرٍ من التشابه بينها، تجاه القضايا الدولية الكبرى. ذلك، أن منظمة المؤتمر الإسلامي، بما وفرته من أطر تنظيمية للتفاعل بين الدول الأعضاء، أسهمت في تحقيق هذا التقارب. إن تجميع بيانات تصويت الدول الإسلامية على مشروعات القرارات، التي عرضت على الدورة الخامسة عشرة للجمعية العامة سنة 1960 (أي قبل إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي بحوالي عشر سنوات)، وعلى مشروعات القرارات التي عرضت على الدورة السادسة والثلاثين للجمعية العامة سنة 1981 (أي بعد حوالي عشر سنوات من إنشاء المنظمة)، وحساب معامل الاتفاق بين كل دولتين إسلاميتين. يعكس أن معاملات الاتفاق، بين كل دولتين إسلاميتين، التي تعادل 80 % فأكثر، قد زادت من 19% من إجمالي معاملات الاتفاق بين الدول الإسلامية سنة 1960، إلى 99% من إجمالي تلك المعاملات سنة 1981. والعامل الوسيط الذي ظهر في منتصف هذه الفترة الزمنية، وبالتحديد سنة 1970، هو منظمة المؤتمر الإسلامي. وقد لا تكون المنظمة هي العامل الوحيد، الذي أدى إلى هذا التغير الواضح في درجة التماثل بين سياسات الدول الإسلامية، ذلك أن هناك بالقطاع عوامل أخرى قد أثرت على سياسات الدول الإسلامية خلال تلك الفترة. ولكن الأمر الذي لا يمكن تجاهله هو أن منظمة المؤتمر الإسلامي كانت أحد المتغيرات الرئيسية، التي أنتجت هذا التحول الواضح في السياسات الخارجية للدول الإسلامية من اتجاه التنافر إلى التقارب.

2. المنظمة وبلورة سياسة خارجية إسلامية

يتفق دارسو السياسة الخارجية على أن الأيديولوجية، يُعد أحد العوامل التي تؤثر على صياغة السياسة الخارجية، وعلى أن تأثير الأيديولوجية على السياسة الخارجية، يزداد في المراحل الأولى للثورات الاجتماعية، حيث تهيمن الأيديولوجية إلى حد يمكن معه وصف السياسة الخارجية بأنها "سياسة أيديولوجية"، كأن يُقال إن السياسة الخارجية الفرنسية بعد ثورة سنة 1789، كانت "سياسة ليبرالية"، أو أن السياسة الخارجية السوفيتية عقب ثورة سنة 1917 كانت سياسة "اشتراكية" وبهذا المعنى يمكن أن نتحدث عن إمكانية وجود سياسة خارجية "إسلامية". ويمكن أن تُعرّف هذه السياسة بأنها، تلك السياسة التي تصاغ وتنفذ انطلاقاً من مبادئ التصور الإسلامي للعلاقات الدولية، ولأهداف الدولة الإسلامية في الميدان الدولي. ولاشك أن هناك منظوراً إسلامياً للعلاقات الدولية، يشكل أساساً لوجود سياسة خارجية "إسلامية". هل يشترط لوصف السياسة الخارجية بأنها "إسلامية" أن تنطلق من مفهوم الجهاد؟ لقد كان هذا التساؤل محل اهتمام العديد من المفكرين، ويوضح استعراض الفقه الإسلامي المعاصر أن أغلبية المفكرين ترى، أن "الجهاد" ليس هو الأساس "الوحيد" أو "المركزي" للرؤية الإسلامية للعلاقات الدولية، وأن قبول الدول الإسلامية المعاصرة لبعض المبادئ العامة للقانون الدولي، لا يتناقض بالضرورة مع تلك الرؤية. كما أن كثيراً من المبادئ القانونية العامة، تجد جذورها في الرؤية الإسلامية للعلاقات الدولية ذاتها. وقد دافع الباحث منيع الدين في كتابة بعنوان ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي، عن وجهة النظر تلك، مقدماً الأدلة الفقهية على أن الرؤية الإسلامية للعلاقات الدولية، لا تنطلق بالضرورة من مفهوم الجهاد. ومن ثم يمكن وصف السياسة، التي تعبر عنها منظمة المؤتمر الإسلامي بأنها "إسلامية على أساس أنها تنطلق من اعتبارات "التضامن الإسلامي"، كما أنها محصلة لسياسات مجموعة الدول التي تعرف ذواتها بأنها "دولا إسلامية ".

ويمكن القول إن منظمة المؤتمر الإسلامي عبر ثمانية مؤتمرات قمة، وخمسة وعشرون مؤتمراً عادياً لوزراء الخارجية، استطاعت أن تقدم المعالم الرئيسة لسياسة خارجية "إسلامية" مشتركة، بين الدول الأعضاء. ويمكن بالرجوع إلى بيانات وقرارات المؤتمرات السالفة، أن تُحدد معالم تلك السياسة.

أ. الأمن الدولي

ارتبط مفهوم الأمن الدولي، في أعمال منظمة المؤتمر الإسلامي بقضية الأسلحة النووية، وغيرها من أسلحة الدمار الشامل. فقد طالبت المنظمة بضمان أمن الدول غير النووية، من خلال تقديم الدول النووية ضمانات رسمية بعدم استعمال أسلحتها النووية (مؤتمر وزراء الخارجية الخامس سنة 1974)، وإنشاء مناطق خالية من الأسلحة النووية، في أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا، ومنطقة سلام في المحيط الهندي (مؤتمر وزراء الخارجية السابع سنة 1976). كما أشارت إلى أن تحقيق الأمن الدولي، بما في ذلك أمن الدول الإسلامية، يتطلب الالتزام بمبادئ القانون الدولي. كما دعت المنظمة إلى تدمير أسلح الدمار الشامل، لخلق عالم خال من الأسلحة النووية، ومضاعفة الجهود الرامية إلى إيجاد حل لمجمل قضايا نزع السلاح (المؤتمر الثامن عشر لوزراء الخارجية سنة 1989).

ب. تصفية الاستعمار

تُعد تصفية الاستعمار، من القضايا المركزية في رؤية المنظمة للسياسة الخارجية. فقد دعت المنظمة، منذ المؤتمر الثالث لوزراء الخارجية سنة 1972، في قرار "التضامن مع الشعوب الأفريقية ضد الاستعمار"، إلى تصفية الاستعمار في أفريقيا. كما أعلنت التزامها بمساندة حركات التحرر الوطني في أفريقيا (المؤتمر الرابع لوزراء الخارجية سنة 1973). وفي المؤتمرات اللاحقة أعلنت دعم كافة حركات التحرر، ومساندة الدول الأفريقية المعتدى عليها من الدول الاستعمارية. فساندت حركة استقلال غينيا بيساو، وجيبوتي، وناميبيا، وغيرها من الدول الأفريقية.

ج. الفصل العنصري

ركزت منظمة المؤتمر الإسلامي على إدانة سياسة الفصل العنصري، في جمهورية جنوب أفريقيا. ودعت إلى فرض عقوبات شاملة وإلزامية على تلك الجمهورية، وإدانة محاولتها زعزعة الاستقرار في دول المواجهة الأفريقية (مؤتمرا وزراء الخارجية السابع عشر سنة 1988، والثامن عشر سنة 1989).

د. القضايا الاقتصادية

احتلت القضايا الاقتصادية مركزاً متقدماً، في أولويات اهتمامات منظمة المؤتمر الإسلامي، منذ مؤتمر القمة الثاني المنعقد سنة 1974. وعبر سلسلة من المؤتمرات، بلورت المنظمة رؤية للسياسة الاقتصادية الدولية، تدور حول محورين. الأول هو التزامات الدول المتقدمة، إزاء الدول النامية، وينصب حول المطالبة بإقامة نظام اقتصادي عالمي جديد، يقوم على التوسع في تحويل الموارد إلى الدول النامية، وتحسين شروط المعونات والقروض، وإلغاء القيود التمييزية على نقل التكنولوجيا إلى الدول النامية، وإقامة نظام نقدي عالمي جديد، يضمن القيمة الحقيقية لاحتياطات الدول النامية (قرارات مؤتمر القمة الثاني سنة 1974). كما طالبت المنظمة بإجراء تغييرات هيكلية أساسية، في العلاقات الاقتصادية الدولية، تشمل نقل الموارد للدول النامية، ونقل التقنية، وحماية القوى الشرائية للدول النامية (المؤتمر الحادي عشر لوزراء الخارجية). أمّا المحور الثاني فهو خطوات التعاون بين الدول النامية كإقامة اتحادات بين الدول النامية، المنتجة للمواد الخام، لضمان السيطرة على الأسعار، وتعديل التعريفات الجمركية بين الدول النامية، وتسهيل انتقال الاستثمارات فيها (مؤتمر وزراء الخارجية السادس سنة 1975). وركزت المنظمة على التعاون بين الدول الإسلامية، في مجال تعزيز المواصلات بينها، وتسهيل انتقال الأيدي العاملة والخبراء (مؤتمرا وزراء الخارجية السابع والثامن).

هـ. الأقليات الإسلامية

ركزت المنظمة على قضية الأقليات الإسلامية. وقد كانت هذه القضية، هي القضية الوحيدة التي ظهرت المنظمة في إطارها كممثل جماعي للدول الأعضاء. وتدور رؤية المنظمة لهذه القضية حول التدخل بالأساليب الدبلوماسية، لإقناع حكومات الدول غير الإسلامية بمراعاة المطالب المشروعة للأقليات وفقاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وذلك " بما لا يمس سيادة ووحدة أراضى الدول غير الإسلامية".

إذا كانت تلك هي أهم معالم الرؤية العامة، التي بلورتها المؤتمرات الإسلامية للعلاقات الدولية، فيمكن أن نؤخذ حالة معينة، وهي القضية الفلسطينية، كنموذج محدد يوضح هذا الموقف. فقد استطاعت المنظمة أن تبلور ما يمكن أن تسمية سياسة خارجية إسلامية مشتركة، بين الدول الأعضاء تجاه القضية الفلسطينية، ويمكن أن تحدد أهم معالمها فيما يلي:

(1) مفهوم القضية الفلسطينية

ميّزت بيانات مؤتمرات القمة، بين القضية الفلسطينية، وبين مشكلة الشرق الأوسط. وأشارت إلى أن "القضية الفلسطينية هي جوهر مشكلة الشرق الأوسط، ولب الصراع العربي ـ الإسرائيلي". وحددت أن قضية فلسطين، إنما تنحصر في بعدين: الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية سنة 1967، واغتصاب الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، كما جاء في إعلان لاهور الصادر عن مؤتمر القمة الثاني سنة 1974. وتوضح قراءة بيانات مؤتمرات القمة، أن فلسطين في مفهوم منظمة المؤتمر الإسلامي، هي الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967. فلا تكاد تشير البيانات الصادرة عن مؤتمرات القمة، أو مؤتمرات وزراء الخارجية، إلى أراضى فلسطين المحتلة سنة 1948، إلاّ في سياقين. الأول هو استرداد الفلسطينيين لممتلكاتهم في تلك الأراضي، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة، والثاني هو إشارة مؤتمر وزراء الخارجية السادس، المنعقد في جدة سنة 1975، إلى "دعم صمود الشعب العربي في الأراضي المحتلة منذ عامي 1948، 1967، حتى يتم التحرير".

(2) منظمة التحرير الفلسطينية

أكد إعلان لاهور الصادر عن مؤتمر القمة الثاني، أن "منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني". وطالب الدول الأعضاء، التي لا يوجد بها مكاتب للمنظمة، أن تقدم التسهيلات اللازمة لفتح تلك المكاتب. وأضاف مؤتمر القمة الثالث سنة 1981، أن الدولة الفلسطينية المستقلة يجب أن تكون بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وأعاد تأكيد أن منظمة التحرير "لها وحدها الحق الكامل في تمثيل الشعب الفلسطيني، والاشتراك اشتراكاً مستقلاً ومتكافئاً، في جميع المؤتمرات والنشاطات والمحافل الدولية، المعنية بقضية فلسطين".

(3) المقاومة الفلسطينية

اعترف مؤتمر القمة الإسلامي الثاني، "بشرعية كفاح الشعب الفلسطيني ضد الاستعمار العنصري الصهيوني". وأشار مؤتمر القمة الثالث إلى "حق الدول العربية، ومنظمة التحرير الفلسطينية، في الكفاح بجميع أشكاله العسكرية والسياسية، وبجميع الوسائل من أجل تحرير أراضيها، وتحقيق الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني"، وإلى دعمه الكامل والفعال للشعب الفلسطيني، في نضاله المشروع داخل الوطن العربي المحتل". كما أكد البيان الصادر عن مؤتمر القمة الخامس، المنعقد في الكويت سنة 1987، الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في تصديه المشروع، ومقاومته الباسلة، لسياسة الإرهاب الرسمي والمنظم، التي يمارسها العدو الإسرائيلي الصهيوني في فلسطين المحتلة.

(4) تسوية القضية الفلسطينية

تقدم بيانات مؤتمرات القمة الإسلامية، تصوراً محدداً لكيفية تسوية القضية الفلسطينية، يتلخص في العناصر التالية:

(أ) "قضية فلسطين كل لا يتجزأ في المعالجة والحل، فلا يمكن تجزئة الحل أو جعله يشمل بعض أطراف النزاع" (بياناً مؤتمراً القمة الثالث والرابع).

(ب) "الانسحاب الإسرائيلي الكامل وغير المشروط، من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، واستعادة الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، التي تشمل حقه في وطنه فلسطين، والعودة إلى وطنه واسترداد ممتلكاته، وتقرير مصيره من دون تدخل خارجي" (بيان مؤتمر القمة الرابع سنة 1984).

(ج) "إقامة دولة فلسطينية مستقلة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، كما جاء في بيان مؤتمر القمة الثالث. وأضاف بيان المؤتمر الرابع، أن تكون القدس عاصمة تلك الدولة. وقد تكررت هذه النصوص في قرارات مؤتمر القمة الخامس، ومؤتمر وزراء الخارجية الثامن عشر، المنعقد في الرياض سنة 1989.

(د) "انسحاب إسرائيل من القدس شرط أولى لتحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط" (بيان مؤتمر القمة الثاني). وأشار برنامج العمل، الصادر عن المؤتمر، أن المقصود بالقدس هو القدس العربية، أي القدس المحتلة سنة 1967، وأضاف مؤتمر القمة الرابع أن تصبح القدس عاصمة للدولة الفلسطينية.

(هـ) "الانسحاب الفوري غير المشروط، من جميع الأراضي العربية المحتلة، منذ يونيه سنة 1967" (بيان مؤتمر القمة الثاني والمؤتمرات التالية).

(و) رفض قرار مجلس الأمن الرقم 242، كأساس لتسوية القضية الفلسطينية، تأسيساً على أنه "لا يتفق مع الحقوق الفلسطينية والعربية، ولا يشكل أساساً صالحاً لحل أزمة الشرق الأوسط وقضية فلسطين" (بياناً مؤتمر القمة الثالث والرابع)، مع العمل على استصدار قرار جديد من مجلس الأمن، ينص صراحة على انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، بما فيها القدس (بياناً مؤتمراً القمة الرابع والخامس).

(ز) رفض اتفاقيات كامب ديفيد كأساس لتسوية القضية الفلسطينية. فقد أشار "برنامج العمل الإسلامي لمواجهة العدو الصهيوني"، الصادر عن مؤتمر القمة الثالث، إلى الاستمرار في مقاومة اتفاقيات كامب ديفيد حتى يتم إسقاطها، بينما لم يشر البيان الختامي لمؤتمر القمة الخامس، المنعقد في الكويت، والمؤتمرات التالية إلى كامب ديفيد بالاسم.

(5) وسائل تسوية القضية الفلسطينية

تُشير بيانات مؤتمرات منظمة المؤتمر الإسلامي، إلى مجموعة من الوسائل التي تساعد على تسوية القضية الفلسطينية، وأهمها:

(أ) تطبيق مجموعة من العقوبات السياسية والعسكرية على إسرائيل، منها عدم قبول أوراق اعتماد إسرائيل في الأمم المتحدة، وتجميد عضويتها (بلاغ مكة المكرمة الصادر عن مؤتمر القمة الثالث).

(ب) منع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، من خلال مطالبة دول العالم بالعمل على وقف تلك الهجرة (مؤتمر القمة الثالث والرابع والخامس).

(ج) قيام الدول الإسلامية، التي سبق لها الاعتراف بإسرائيل، بسحب هذا الاعتراف، وقطع جميع علاقاتها الدبلوماسية بإسرائيل (بلاغ مكة المكرمة الصادر عن مؤتمر القمة الثالث).

(د) تبنى مؤتمر القمة الإسلامي الرابع، خطة السلام العربية الصادرة عن مؤتمر القمة العربي الثاني عشر، المنعقد في فاس، وأضاف بيان مؤتمر القمة الخامس لأول مرة، التزام الدول الإسلامية بضرورة عقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط، برعاية الأمم المتحدة باشتراك جميع الأطراف المعنية بالنزاع العربي ـ الإسرائيلي، بما في ذلك منظمة التحرير الفلسطينية على قدم المساواة، ومشاركة سائر الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، من أجل تنفيذ القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، في هذا الشأن.

(6) الأبعاد الدولية للقضية الفلسطينية

اهتمت بيانات مؤتمرات القمة الإسلامية، بالأبعاد الدولية للقضية الفلسطينية على مستويين: الأول هو مسؤولية الدول الإسلامية، والثاني يتعلق بالتزامات القوى الكبرى، وفيما يتعلق بالمستوى الأول، قرر مؤتمر القمة الثالث "التزام الدول الإسلامية باستخدام، جميع إمكاناتها العسكرية والسياسية والاقتصادية والموارد الطبيعية، بما فيها النفط، كوسيلة فعالة لدعم الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني"، وأضاف بيان المؤتمر إلى ذلك إعلان الجهاد المقدس، لإنقاذ القدس الشريف ونصرة الشعب الفلسطيني، وتحقيق الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة. وأضاف مؤتمر القمة الرابع إلى ذلك قرارات محددة، تتعلق باعتماد تدريس جغرافية وتاريخ فلسطين، في جميع مدارس الدول الإسلامية، وإصدار طابع فلسطين الذي يخصص دخله لدعم المقاومة الفلسطينية. وأكدت قرارات المؤتمر السابع عشر لوزراء الخارجية، التزام الدول الأعضاء بدعم الانتفاضة الفلسطينية. وفيما يتعلق بالمستوى الثاني، طالب مؤتمر القمة الثاني الدول الكبرى، وقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة، ومنع الدعم العسكري والاقتصادي عنها.

3. المنظمة كممثل جماعي دولي للدول الأعضاء

إذا كانت منظمة المؤتمر الإسلامي، قد بلورت رؤية إسلامية للعلاقات الدولية، فإلى أي حد استطاعت أن تظهر في النظام الدولي، كمعبّر عن هذه الرؤية باسم الدول الأعضاء ؟ أن استعراض مجمل أنشطة المنظمة، يوضح أن المنظمة لم تلعب دوراً يذكر في هذا الميدان، إلاّ في قضية واحدة وهي قضية الأقليات الإسلامية. وذلك بسبب أن تلك القضية لا تقع في ميدان اختصاص أي تنظيم إقليمي آخر. ففي هذه القضية، تحدثت المنظمة وتفاوضت باسم الدول الأعضاء، مع الدول التي تعيش بها أقليات إسلامية. كما أن ميثاق المؤتمر الإسلامي أعطى للمنظمة صلاحية التدخل في هذه القضية، ضمن إشارته في الأهداف إلى دعم "الشعوب الإسلامية".

وقد واجهت المنظمة مشكلتين رئيسيتين، في سياق اهتمامها بقضية الأقليات. الأولى: هي أن المصالح الوطنية لبعض الدول الأعضاء، تعارضت مع اهتمام المنظمة بقضية الأقليات الإسلامية. فقد عارضت إندونيسيا، مثلاً، قرارات المنظمة بخصوص مسلمي الفلبين نظراً، لارتباط مصالحها بحكومة الفلبين أمّا المشكلة الثانية، فحدثت بسبب اعتراض بعض الدول، على تدخل المنظمة في قضية الأقليات، على أساس أن هذا التدخل، يتعارض مع المادة 2/7 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تحظر التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. وقد وجدت المنظمة مخرجا من هذا التناقض، وهو أنها أعلنت أنها تستند في اهتمامها بقضية الأقليات إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كما أنها في كل تعاملاتها مع قضية الأقليات، كانت حريصة على تأكيد وحدة وسيادة أراضي الدولة، التي تعيش فيها الأقلية الإسلامية.

اعتباراً من مؤتمر وزراء الخارجية الثالث، المنعقد في جدة سنة 1972، بدأت منظمة المؤتمر الإسلامي تهتم بقضية الأقليات الإسلامية. كما أنشأت إدارة للأقليات الإسلامية في، في إطار الأمانة العامة. وفي المؤتمر الحادي عشر لوزراء الخارجية سنة 1980 شكلت المنظمة "لجنة وزارية" تتكون من وزيري خارجية تونس والسنغال بالإضافة إلى الأمين العام للمنظمة. وقد عهد لهذه اللجنة بمهمة الاتصال بحكومات الدول التي يعيش فيها المسلمون، والتشاور مع المؤسسات المهتمة بالأقليات الإسلامية.

وفي هذا الإطار، اهتمت المنظمة بمشكلات الأقليات الإسلامية في الفلبين، وإثيوبيا، وقبرص، وبلغاريا بالتحديد. وأصدرت قرارات متعددة في هذا الصدد، تُعبر عن مساندتها لتلك الأقليات بأشكال متفاوتة. ومن بين هذه الأقليات، فإن منظمة المؤتمر الإسلامي لم تظهر كممثل جماعي للدول الأعضاء، إلاّ في تعاملها مع قضية الأقلية الإسلامية في الفلبين. واقتصر دورها إزاء الأقليات الثلاث الأخرى، على إصدار القرارات. أمّا باقي الأقليات الإسلامية الأخرى، فلم تتعامل معها منظمة المؤتمر الإسلامي.

أرسلت منظمة المؤتمر الإسلامي وفداً جماعياً، يضم وزراء خارجية ليبيا والسعودية والسنغال والصومال إلى الفلبين، طبقاً لقرار مؤتمر وزراء الخارجية المنعقد في ليبيا سنة 1973. وقد نجح الوفد في دفع حكومة الفلبين وحركة "مورو"، التي تمثل مسلمي الفلبين، إلى الدخول في مفاوضات تحت إشراف الوفد، وقد أسفرت المفاوضات عن عقد اتفاقية، أُعلنت في طرابلس (ليبيا) في سنة 1976. ووقع الاتفاقية، كشهود ومراقبين للحالة، وفد المنظمة برئاسة وزير الدولة الليبي للشؤون الخارجية. وتقرر في هذه الاتفاقية، منح المقاطعات الفلبينية، ذات الأغلبية المسلمة في الجنوب، الحكم الذاتي. وقد أساءت حكومة الفلبين تطبيق الاتفاقية، مما دعى منظمة المؤتمر الإسلامي إلى الاعتراف بجهة تحرير مورو، كممثل شرعي لمسلمي جنوب الفلبين، ومنحها صفة مراقب في المنظمة.

وبذلك يتضح أن دور منظمة المؤتمر الإسلامي كممثل جماعي للدول الأعضاء مع العالم الخارجي كان محدوداً. فقد اقتصر على موضوع واحد هو الأقليات الإسلامية، وبالتحديد الأقلية الإسلامية في الفلبين. كذلك، يلاحظ أن جميع القرارات الصادرة عن المنظمة بهذا الخصوص، صدرت عن مؤتمرات وزراء الخارجية، وأن مؤتمرات القمة تعمدت عد الاقتراب من تلك القضية، تماماً كما لاحظنا في حالة مؤتمرات القمة، ذلك حتى لا تلتزم الدول الأعضاء، على مستوى الملوك والرؤساء، بسياسة محددة في هذا الصدد.