إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) North Atlantic Treaty Organization NATO




لورد اسماي
لورد جورج روبرتسون
لورد كارينجتون
مانليو بروزيو
مانفريد فورنر
ويلي كلاس
بول هنري سباك
جوزيف لانز
خافيير سولانا
ديرك ي ستيكر
علم الحلف

الهيكل التنظيمي المدني (1951)
الهيكل التنظيمي العسكري للحلف (1951)
تنظيم قيادة الحلفاء بأوروبا 1952
السكرتارية العامة للحلف
الأقسام المعاونة للسكرتير العام
تنظيم القوة خفيفة الحركة
الهيكل التنظيمي للحلف حتى 1990
الهيكل التنظيمي للحلف حتى 1992
هيئة أركان الحلف الدولية
أقسام هيئة الأركان الدولية
اللجان الرئيسية للمجلس
الهيكل التنظيمي العسكري 1992
هيئة الأركان العسكرية للحلف 1992
تنظيم التحالف بوسط أوروبا
الهيكل التنظيمي للحلف 1998
اللجان الرئيسية للحلف 1998
هيئة الأركان الدولية 1998
هيئة الأركان العسكرية 1998
أقسام هيئة الأركان الدولية (1998)
الهيكل العسكري للناتو (1998)
الهيكل العسكري للناتو بأوروبا (1998)
الهيكل العسكري للناتو بالأطلسي (1998)
مؤسسات التعاون والاستشارة
قوات التحالف في أوروبا (2000)
قوات التحالف في الأطلسي (2000)
قيادات مناطق عمل الحلف
قيادة التحالف في أوروبا
قيادة التحالف في الأطلسي
القوات التقليدية لحلف الناتو
القوة النووية لحلف الناتو

مناطق تهديد أمن الحلف
دول الناتو أبريل 1949
دول حلف وارسو 1955
قوات التحالف وسط أوروبا
قوات التحالف جنوب أوروبا
قوات التحالف شمال غرب أوروبا
قوات التحالف في الأطلسي



المبحث الثالث

التطوير لمواجهة نمو القوة السوفيتية، وكذا تغير السياسة الخاصة للاتحاد السوفيتي(1952 ـ 1967)

    استطاع الاتحاد السوفيتي، أن يوطد علاقاته الخارجية مع العديد من الدول الصغرى ودول العالم الثالث، وجاهرت عدة دول بتحولها إلى النظام الشيوعي، بينما حرصت دول أخرى على اتباعه دون إعلان، أو تحت مسميات أخرى. كذلك فإن الاتحاد السوفيتي فاجأ الغرب بانتزاعه المقدمة، في عدة مجالات علمية وعسكرية، وسياسية أحياناً، وهو ما كان ينذر الغرب بالخطر، لفقده مصداقيته، وضعفه عن مواجهة السوفيت، الذين كانوا يحتفظون بحجم كبير من القوات، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

أولاً: تطوير الهيكل التنظيمي للحلف، لمواجهة المتغيرات الجديدة:

1. السكرتارية الدائمة للحلف: (أُنظر شكل السكرتارية العامة للحلف):

    وُسّعَتْ السكرتارية الدائمة للحلف، لتشمل إدارات عديدة، حتى يمكنها مواجهة أي متغير جديد (هيئة الأركان الدوليةNATO International Staff "NIS" ). وأصبحت مهمتها، التحضير والتنظيم لأعمال مجلس الحلف، وقد أصبح لكل دولة عضو بالحلف، عضو بالسكرتارية الدائمة، وهؤلاء الأعضاء، موظفون مدنيون، ذو صفة دولية. وهم مسؤولون أمام السكرتير العام. بعضهم يلحق للعمل بالحلف فترات محدودة، إعارة من حكوماتهم، والبعض الآخر يعين مباشرة بواسطة الحلف، حسب مؤهلاتهم وتخصصاتهم، التي يحتاجها العمل:

أ. السكرتير العام: "Secretary General"

(1) المسؤول عن إصدار القرارات، وتقديم المشورة، ويرأس مجلس شمال الأطلسي على مستوى المندوبين (السفراء)، ولجنة تخطيط الدفاع، ومجموعة التخطيط، وإدارة هيئة الأركان الدولية، وهو المتحدث باسم الحلف.

(2) يعين نائب للسكرتير العام "Deputy Secretary General"، ينوب عنه في حالة غيابه، ويرأس لجنة الحد من الأسلحة التقليدية، ولجنة الدفاع للناتو.

(3) يتبع السكرتير العام، مكتب سكرتارية يضم سكرتارية تنفيذية، وهيئة للصحافة، ومكتب الأمن، ومستشاراً للشؤون القانونية.

ب. الأقسام الخمسة المعاونة للسكرتير العام: (أُنظر شكل الأقسام المعاونة للسكرتير العام)

    خمسة أقسام، يرأس كل منها نائب أو مساعد للسكرتير العام، يختص بمعالجة وتناول القضايا في مجال تخصصه وهي:

(1) قسم الشؤون السياسي:

ويتكون من ثلاث إدارات (سياسية، اقتصادية، إعلامية).

(2) قسم التخطيط، والسياسة الدفاعية:

ويتكون من إدارتين (إدارة تخطيط وسياسة القوات، إدارة التخطيط النووي).

(3) قسم الدعم الدفاعي:

    وهو المسؤول عن بحوث التسليح والتطوير والإنتاج ويتكون من أربع إدارات (التسليح وبحوث الدفاع ـ قيادة ومراقبة واتصال ـ دفاع جوي ـ تخطيط التعاون وتوحيد المعايير).

(4) قسم البنية الأساسية والإدارية، والتخطيط لحالات الطوارئ المدنية:

ويتكون من ثلاث إدارات (بنية أساسية ـ إمداد إداري ـ التخطيط لحالات الطوارئ المدنية).

(5) قسم الشؤون العلمية والبيئة:

وهذا القسم مسؤول عن تقديم المشورة في القضايا العلمية والتقنية وشؤون البيئة.

2. اللجان والمؤسسات المختلفة للحلف:

    استمرت اللجان المنشأة في أعمالها، وكان معظمها قد أنشئ في المرحلة الأولى، بتوسع، لتشمل معظم الأنشطة المحتمل أن يعمل فيها الحلف، وكان أهمها:

أ. اللجان العليا للحلف:

    وهي لجان متخصصة، مهمتها وضع إطار السياسات التي يقرها مجلس الحلف، ولجنة التخطيط الدفاعي، وعددها 19 لجنة رئيسية، ينبثق منها عدد كبير من اللجان الفرعية في كافة المجالات والأنشطة. وأهم تلك اللجان:

لجنة تخطيط الدفاع ـ مجموعة التخطيط الفوري ـ اللجنة السياسية ـ لجنة العمليات والتدريب.

ب. المؤسسات المدنية التابعة للحلف:

    أنشأ الحلف، بناء على توصية لجانه العليا، عدة مؤسسات، ذات أنشطة مختلفة، تبعاً لحاجة الحلف، وهي مدنية الصبغة.

3. مؤتمر لشبونة (25 فبراير 1952):

كان على رأس الموضوعات التي بحثها مجلس الحلف في مؤتمر لشبونة، التقرير المقدم من لجنة الطوارئ، عن التحليل التفصيلي للقدرات الدفاعية لدول الحلف، وقد وافق المجلس على الهدف النهائي لحجم القوة المقترح بواسطة لجنة الطوارئ (TCC)، الذي يهدف إلى توفير"50 فرقة، 4000 طائرة قتال، قوات بحرية قوية" وذلك بنهاية عام 1952. وكانت لجنة الطوارئ قد قدرت، أن الفترة الانتقالية لذلك، تمتد حتى عام 1953-1954.

عقد اجتماع آخر لمجلس الحلف، على المستوى الوزاري في باريس في مايو 1952، حيث رحب المجلس فيه رسمياً بانضمام كل من اليونان وتركيا، اللتين قامتا بالتوقيع على اتفاقية الحلف ثم التصديق عليها.

4. إنشاء قيادات عسكرية للحلف جديدة:

    شهد عام 1952 تطوير الهيكل العسكري للحلف، بإضافة قيادتين جديدتين، هما: قيادة التحالف في الأطلسي Allied Command Atlantic (ACLANT)، في نورفولك بولاية فرجينيا بالولايات المتحدة في يناير 1952، وقيادة التحالف في القنال (الإنجليزي) Allied Command Channel (ACCHAN) "ببورت سموث" في المملكة المتحدة في 21 فبراير 1952.

في الاجتماع الوزاري الذي عقد في باريس من 15ـ 18 ديسمبر 1952، قدم السكرتير العام، أول تقرير له عن مدى التقدم في أعمال الناتو. وطالبه المجلس بمزيد من  الدراسة الاقتصادية. كما قدمت اللجنة العسكرية كذلك، تقريراً عن مدى التقدم الذي تحقق، وخاصة في مجال التدريب، ومدى فاعلية القوات التي تحددت للقيادة العامة، وكذلك ما تم في مجال توحيد النظم والعقائد العسكرية لقوات الحلف. كان هذا الاجتماع، فرصة انتهزها المجلس ليتخذ أول قرار في موقف دولي، خارج حدود مسؤولية الحلف، حيث أعلن أن الحرب الدائرة في الهند الصينية، التي تواجهها فرنسا، يجب أن  تقدم لها المعونة من دول الحلف.

أما الاجتماعين الوزاريين، اللذين عقدا في عام 1953، فقد اعتمد المجلس فيهما خططاً دفاعية بعيدة المدى، بالإضافة إلى عدد من الإجراءات لتحسين نوعية قوات الناتو، وهو ما دفع إلى عمل خطة للمشاركة في النفقات مدتها " 3 " سنوات، لمتطلبات البنية الأساسية للحلف.

ثانياً: المتغيرات المؤثرة على الحلف:

    بعد أن توصل الحلف لأهمية انضمام ألمانيا الغربية إليه، وتسليحها، عمل على تنفيذ ما سبق إقراره بانضمامها، حتى يمكنه الاستفادة من المميزات التي تضيفها الدولة الألمانية على الحلف، من عمق دفاعي، وقوة مضافة، إضافة إلى حرمان الاتحاد السوفيتي من محاولة ضمها إليه تحت إغراء اتحاد شطري ألمانيا، وهي أحد المخاوف البعيدة، التي عان منها الحلف كثيراً، في تحسبه لكل الاحتمالات. كذلك كانت الأوضاع والمتغيرات في الجانب الآخر (الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية) موضع رقابة ونقاش في الحلف (وقد تضمنت الفترة من 1952 إلى 1956 عدة متغيرات في الجانب الشرقي).

1. انضمام ألمانيا الغربية للحلف:

    كان الجهد الرئيسي للحلف خلال عام 1954، هو الانتهاء من انضمام ألمانيا الغربية للحلف، وقد تمت الموافقة على ذلك بالمؤتمر الذي عقد في لشبونة في 29 أغسطس 1954،  غير أن فرنسا رفضت توسيع الحلف، واقترحت إقامة نظام دفاعي أوروبي، إلا أنه أمكن بعد جهود مضنيه وضغط أمريكي التوصل لحل بديل، ومن ثم عقد مؤتمر في لندن في 28 سبتمبر 1954، على مستوى وزراء الخارجية، حيث توصلوا لصياغة سلسلة من القرارات لكل ما يتعلق بقدرات الناتو، كما سجلوا وجهات نظر حكومات دول الحلف التي أشارت إلى أن: معاهدة حلف شمال الأطلسي يجب أن تعتبر مستديمة غير محدودة المدة.

    وقع في باريس يوم 23 أكتوبر اتفاقية، ترحب بانضمام ألمانيا الغربية إلى الحلف، مع توقع عدم التوصل إلى اتفاقية قريبة مع الاتحاد السوفيتي، تتعلق بتسوية تهدف إلى سلام نهائي.

    نظمت الاتفاقيات، العلاقات بين الدول الأعضاء في الناتو وبين ألمانيا الغربية، حيث أدمجتها في إطار التحالف الغربي، كما شملت كذلك ضمانات تتعلق بمستويات القوة والتسلح الأوروبي، وقد شملت اتفاقيات باريس عدة عناصر هامة، كان أبرزها:

أ. إنهاء الاحتلال الأمريكي/ البريطاني/ الفرنسي، لألمانيا الغربية، واعتبارها دولة ذات سيادة، ونقل مسؤولية القوات المحتلة بها لتكون في إطار اتفاقيات حلف الناتو. وإعادة تسليح ألمانيا الغربية، والسماح لها بتعبئة قوات في حدود نصف مليون جندي، وبناء 1350 طائرة، وبعض الوحدات البحرية الصغيرة، تحت قيادة حلف شمال الأطلسي، مقابل تعهد كونراد أديناور، المستشار الألماني، بعدم استخدام القوات الألمانية، التي سمح بتعبئتها، لتوحيد شطري ألمانيا بالقوة.

ب. موافقة كل من ألمانيا الغربية وإيطاليا على معاهدة بروكسل، وتحول الاتحاد الغربي ليكوّن اتحاد أوروبا الغربية (WEU)، وأصبح هناك تعاون وثيق بين اتحاد أوروبا الغربية وحلف الناتو.

ج. دعوة ألمانيا الغربية للانضمام إلى الناتو، لتساهم بجيشها الوطني في إيجاد توازن عسكري مع الشرق وانضمامها إلى اتحاد أوروبا الغربية كذلك.

د. موافقة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة (والأخيرة بواسطة احتياطيات معينة في الظروف الاضطرارية، أو عند وجود مصاعب في التمويل) على توفير القوات اللازمة لأوروبا عند الضرورة، على أن يتم إنشاء تشكيل موحد يتبع القائد العام للتحالف في أوروبا، ويتمركز في نطاق مسؤولية قيادته.

    أصبح انضمام ألمانيا الغربية إلى حلف الناتو ساري المفعول اعتباراً من 5 مايو 1955. وبعد يومين أدان الاتحاد السوفيتي الاتفاقيات، وفي 14 مايو 1955 أعلن إنشاء حلف وارسو، من دول أوروبا الشرقية التي تدور في فلكه، رداً على اتفاقيات باريس.

    وفي اليوم التالي (15 مايو 1955) تم توقيع اتفاقية مع النمسا، والتي بموجبها تم إنهاء الاحتلال الرباعي لها (الولايات المتحدة/ الاتحاد السوفيتي/ بريطانيا/ فرنسا ). وقد قامت فرنسا بمحاولة لحل مشكلة انضمام ألمانيا للحلف، إذ دعت لعقد اجتماع في جنيف على مستوى رؤساء حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي في المدة من 18 ـ 21 يوليه 1955، تم الإعداد له بواسطة وزراء الخارجية. غير أن الاجتماع فشل وانتهى دون التوصل لاتفاق، وكلف رؤساء الحكومات وزراء خارجيتهم بمواصلة دراسة المشكلات المثارة.

    عقد مجلس الحلف (على المستوى الوزاري) لمناقشة مقترحات وزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، قبل انعقاد مؤتمر جنيف مرة ثانية في 27 أكتوبر 1955. كان المقترح وضع مسألة توحيد ألمانيا ضمن جدول أعمال المباحثات، مع استمرارها ضمن التحالف الغربى، الأمر الذي رفضه الاتحاد السوفيتي، وبذلك لم يتوصل وزراء الخارجية إلى أية نتائج.

    في الاجتماع الوزاري لمجلس الحلف، في ديسمبر 1955 أعلن المجلس أن النتائج السلبية لاجتماعات جنيف، لم تنجح في التوصل إلى اتفاق بشأن توحيد ألمانيا، لذلك دعيّ المجلس إلى مشاورات أخرى، داخل الناتو، لمسألتي توحيد ألمانيا، وبرلين.

2. المتغيرات في الاتحاد السوفيتي:

أ. كانت أولى المتغيرات هي وفاة الرئيس السوفيتي جوزيف ستالين، يوم 5 مارس 1953. وبدا وقتها أن القيادة الجديدة، يمكن التفاهم معها في نقاط الخلاف، حول السلام والأمن في أوروبا، ومستقبل ألمانيا، حيث كان الزعيم الجديد نيكيتا خروشوف Nikita Khrushchev ينتقد، في تصريحات غير معلنة، سياسة ستالين وأسلوب حكمه للبلاد.

ب. فجر السوفيت مباغتة هائلة بتوصلهم إلى القنبلة الهيدروجينية، والتي نجحوا في تجربتهم لها وأعلنوا ذلك، في 8 أغسطس 1953. وقد قوى ذلك من موقفهم إزاء حلف الأطلسي، إذ أصبحت القوة النووية، التي يعتمد الحلف على تفوقه فيها، في طريقها للتعادل، وقد يتفوق الروس فيها.

ج. ضم السوفيت قوات دول أوروبا الشرقية المسلحة، إلى قواتهم، في حلف وارسو، رداً على ضم حلف الناتو لألمانيا الغربية. وقد أعطى حلف وارسو مميزات عدة للاتحاد السوفيتي، فاقت ما حصل عليه حلف الناتو من انضمام ألمانيا الغربية، إذ أصبح للاتحاد السوفيتي عمق دفاعي على جبهة عريضة، كذلك أضاف إلى قوته الهائلة، عدة مئات الألوف من الأفراد العسكريين المدربين جيداً، ويوضع في الاعتبار، أن دول أوروبا الشرقية هي في معظمها دول صناعية، خاصة بولندا، وهو ما يضيف إلى الصناعات العسكرية السوفيتية قوة مضافة في الإنتاج العسكري.

د. رغم أن خروشوف كان ينتهج سياسة معتدلة، مقارنة بسلفه، إلا أنه لم يتردد في سحق تمرد في المجر بالقوة المسلحة في 4 نوفمبر 1956، ليحذر أي دولة في دائرة الشيوعية من محاولة الخروج عنها، كذلك تقرب إلى يوغسلافيا، محاولاً إعادتها إلى صفوف الشيوعية السوفيتية.

3. تأثير المتغيرات السوفيتية على حلف الناتو:

        أدت تلك المتغيرات إلى عدم فاعلية استراتيجيات الحلف وسياساته، خاصة العسكرية منها، لذلك بدأ الحلف في حلقة أخرى من التطوير، إذ كان خروشوف قد اتجه إلى الدول الأفريقية والآسيوية، وأمريكا الجنوبية ليستميلها إلى الكتلة الشيوعية، وهو ما أشعر الحلف بخطر تلك السياسة، خاصة الولايات المتحدة، التي وجدت الأفكار الشيوعية تملأ فنائها الخلفي.

ثالثاً: تغيير الاتحاد السوفيتي لسياسته الخارجية (1956 ـ 1967):

1. التغيير في السياسة الخارجية للاتحاد السوفيتي:

    أدت سياسة ستالين، بعد الحرب العالمية الثانية، إلى عزلة الاتحاد السوفيتي، والتي انعكس آثارها على تقلص النفوذ السوفيتي، في كثير من المناطق في أنحاء العالم. لذلك بدأ خلفاؤه، في تغيير تلك السياسة، عقب وفاته (5 مارس 1953)، وكانت أولى الخطوات توقيع معاهدة صداقة وتعاون متبادل، مع سبع دول أوروبية، شيوعية، وإنشاء قيادة عسكرية مشتركة، وهو ما عرف باسم حلف وارسو، حيث وقعت تلك المعاهدة، في العاصمة البولندية وارسو، في 14 مايو 1955. وتعهدت الصين الشعبية علناً بتضامنها وتأييدها الكاملين للمعاهدة وحلفها.

    حاول الاتحاد السوفيتي كذلك، إقامة حاجز بينه وبين دول أوروبا الغربية، من الدول المحايدة، يمتد من الدول الإسكندنافية شمالاً وحتى اليابان جنوباً. كما انتهج استراتيجية سياسية، سميت بسياسة التعايش السلميّ، والتي رحبت بها دول حلف الأطلسي، وأدت تلك الاستراتيجية السياسية، إلى انخفاض حدة التوتر بين الشرق والغرب نسبياً.

    وضح أن الاتحاد السوفيتي، يسعى في سياسته الخارجية الجديدة، إلى منافسة الغرب في النفوذ السياسي والاقتصادي، في ثلاث مناطق، في آن واحد، لكسر طوق العزلة التي فرضها ستالين بسياسته "الستار الحديدي"، والتي ساعدت الأمريكيون على زيادة نفوذهم في الدول المحيطة بالاتحاد السوفيتي والدول الأوروبية، الشيوعية. كان للاتحاد السوفيتي أهدافاً متشابهة في المناطق الثلاث، التي بدأ في توثيق العلاقات معه، ومنافسة النفوذ الغربي فيها وهي:

أ. أوروبا الغربية:

(1) التصدي للدعاية الغربية، في أوروبا الغربية، ومقاومتها، والعمل على نشر الأيدولوجية الشيوعية في دول أوروبا الغربية، استعداداً لبسط النفوذ السوفيتي عليها وتوحيد أوروبا شرقاً وغرباً، في إطار الشيوعية العالمية، وإبعاد الولايات المتحدة الأمريكية عنها.

(2) إنشاء قوة بحرية كبيرة، يمكنها تهديد مواصلات الغرب. وإيجاد قواعد بحرية وجوية، خارجية، تمكن الاتحاد السوفيتي من السيطرة الكاملة على أوروبا الغربية، والبحر المتوسط.    

(3) الاقتراب من القواعد الأمريكية الخارجية، والأراضي الأمريكية والكندية كذلك، بإيجاد قواعد في الجزر الأطلسية، خاصة أيسلندا، التي تتحكم من موقعها في القطب الشمالي وكندا والولايات المتحدة الأمريكية.

(4) إنشاء قواعد للصواريخ الباليستية، قريبة من دول حلف الأطلسي، يمكن منها السيطرة على كل أراضي الحلف في أوروبا، وما خلفها كذلك.

ب. الشرق الأوسط:

(1) استغلال مساوئ الاستعمار البريطاني والفرنسي للمنطقة، لإقصائهما منها تماماً.

(2) منافسة الولايات المتحدة في الأسواق المحلية، ونشر المذهب الشيوعي في المنطقة.

(3) عزل أوروبا، عن أفريقية وآسيا، وفرض السيطرة السوفيتية على تلك المناطق مباشرة.

(4) الوصول إلى جنوب آسيا وشرق أفريقية، وتطويقهما، ومنع النفوذ الغربي من الوصول إليهما.

(5) حرمان الغرب من الحصول على النفط من الخليج العربي، للتأثير على نموه الاقتصادي، وإضعافه صناعياً.

ج. الشرق الأقصى:

(1) منافسة النفوذ الأمريكي في كوريا الجنوبية، وطرده منها، مثلما حدث في الصين.

(2) استعادة النفوذ الشيوعي في فرموزا[1]، وعودتها للصين.

(3) إلغاء السيطرة الغربية على اليابان.

(4) تطويق الهند، بنشر النفوذ الشيوعي في الدول المحيطة (الملايو، إندونيسيا).

(5) التعامل التجاري مع جنوب آسيا، والسيطرة على أسواقه واستقلال خاماته.

(6) بسط النفوذ، والسيادة، على المحيط الهادي والمحيط الهندي.

    تعتبر تلك السياسة، سعياً مباشراً، لتحقيق الشيوعية العالمية، كما وردت في أقوال لينين، بالسيطرة على العالم، من خلال الاتجاه جنوب شرق، فجنوباً، ثم الشرق الأوسط، فالبحر المتوسط، فأوروبا، وبذلك تسيطر الشيوعية على العالم[2].

2. توسيع نشاط الحلف، وتنوع مجالاته، خارج النطاق الدفاعي والعسكري:

    عقد في مايو 1956 اجتماع وزاري لمجلس الحلف، أشار في بيانه إلى ضرورة امتداد أنشطة الحلف إلى المجالات غير العسكرية، كما تشير إلى ذلك المادة الثانية من معاهدة التحالف. لذلك كونت لجنة ثلاثية، من ثلاث وزراء للخارجية (إيطاليا، النرويج، كندا) بهدف إعداد توصيات، بالأساليب التي تمكن المجلس من القيام بعمله على الوجه الأكمل في المجالات الغير عسكرية.

    قدمت اللجنة الثلاثية تقريرها، في الاجتماع الوزاري الذي عقد في 13 ديسمبر 1956، وقد صدق المجلس على مقترحاتهم، واتفق على أن يقوم المندوبون الدائمون بإخطار مجلس الحلف عن أي تطورات مؤثرة على الحلف، حتى يمكن إجراء مشاورات فعالة للإجراءات الواجب إتباعها، على أن يقوم وزراء الخارجية، في ربيع كل عام، بتقييم مدى التقدم السياسي للتحالف، بناء على مراجعة يتم إعدادها، بواسطة السكرتير العام للحلف. وفي نفس الاجتماع، وافق المجلس كذلك على توجيه خاص، بالخطط العسكرية المستقبلية، التي أعدت بناء على المتابعة المستمرة لتطوير القدرات السوفيتية، في مقابل الأنواع المختلفة المتيسرة من الأسلحة الجديدة، للدفاع عن الحلف، وتأكيد اعتناق الحلف لاستراتيجية الدفاع المتقدم (Forward Defense).

    على صعيد آخر، كان هناك حدثان هامان في نهاية عام 1956، فقد حشدت كل من بريطانيا وفرنسا قواتهما، وهاجمتا بالتعاون مع إسرائيل، الأراضي المصرية، في 29 أكتوبر 1956، إثر تأميم الرئيس المصري جمال عبدالناصر، لقناة السويس في 26 يوليه 1956، ولم تنجح القوات البريطانية الفرنسية في تحقيق مهامها العسكرية أو السياسية رغم احتلالها لمدينة بور سعيد المصرية، واحتلال إسرائيل لكل شبه جزيرة سيناء.

    وفي المعسكر الآخر (الشيوعي)، ثار الشعب المجري على حكومته الشيوعية، واضطر الاتحاد السوفيتي للتدخل، تحت ستار حلف وارسو، لضرب الثورة وسحقها في 4 نوفمبر 1956. كانت تلك الأحداث، تؤكد أن المواجهة بين الحلفين اتخذت أبعاداً جديدة نتيجة لتغير السياسة السوفيتية الخارجية، وأن كل حلف يحاول استمرار سيطرته على مناطق نفوذه، مع خلخلة نفوذ الحلف الآخر في المناطق التي يسيطر عليها.

3. التصريح بالحصول على أسلحة نووية للدول الأوروبية الغربية:

    كانت إحدى توصيات اللجنة الثلاثية، ضرورة عقد مجلس الحلف من وقت لآخر، في العواصم المختلفة لدول الحلف. لذلك عقد الاجتماع الوزاري لمجلس الحلف في مايو 1957 "ببون"، حيث نوقشت سياسة الحلف الدفاعية، على ضوء الحملات السوفيتية، التي استهدفت احتواء الرأي العام في مختلف دول الحلف، وحثها على معارضة، سياسات تحديث قوات الحلف الدفاعية. واتفق المجلس، على أن الهدف الرئيسي للحملة، تأكيد أن الاتحاد السوفيتي هو القوة النووية الوحيدة، في القارة الأوروبية. ولمواجهة هذا التهديد، يجب على دول الحلف أن تكون في الوضع الذي يمكنها من مواجهة أي اعتداء عليها.

    أعلنت اللجنة أنه لا توجد قوة يمكنها أن تعيق أو تمنع الحلفاء من حقهم في الحصول على الأسلحة التي يحتاجون إليها للدفاع عن أنفسهم، سواء كانت تقليدية أو نووية.

    وكما أعلن المجلس، أنه مازال في حاجة مستمرة إلى درع قوى من القوات البرية والجوية والبحرية التقليدية لتوفير الحماية لدوله، وقرر الوزراء تكثيف جهودهم لتوحيد ألمانيا، من خلال انتخابات حرة، باعتبارها قضية ممتدة، بالإضافة إلى الوضع الشاذ لمدينة برلين[3] التي تشكل تهديداً مستمراً للسلام العالمي.

4. لقاء رؤساء الحكومات:

أ. تقابل الرئيس الأمريكي أيزنهاور، في أكتوبر 1957، مع هارولد ماكميلان رئيس الوزراء البريطاني، لدراسة الإجراءات الواجب اتخاذها لمواجهة التهديدات السوفيتية، وقد دعي السكرتير العام للحلف للانضمام إليهما، في أحد مراحل مباحثاتهما، التي دارت في واشنطن. وفي نهاية الاجتماع، أصدر الرئيسان بياناً متعدد الأهداف:

(1) التأكيد على ضرورة أن تعتمد دول العالم الحر على نفسها، وأنه يجب العمل على زيادة التعاون فيما بينها.

(2) حشد الموارد من أجل توفير الأمن والرخاء.

(3) تقرر إظهار وحدة الحلف بعقد مجلس الحلف، للمرة الأولى، على مستوى رؤساء الدول.

ب. تنفيذاً لما جاء في البيان الأمريكي ـ البريطاني، وبمشاركة السكرتير العام للحزب، عقد رؤساء الحكومات لقاء في باريس في المدة من 16 ـ 19 ديسمبر 1957، لتأكيد المبادئ والأهداف التي قام عليها الحلف، والتي تهدف إلى المحافظة على الأمن والسلام لجميع الدول الأعضاء. والتي كان أهمها:

(1) في المجال العسكري:

(أ) أكد المجلس على ضرورة امتلاك الحلف لأقصى قوة دفاعية مؤثرة، مع الوضع في الاعتبار التطورات الأخيرة في الأسلحة وأساليب استخدامها.

(ب) من الضروري بناء مخزون من الرؤوس النووية، تكون جاهزة للدفاع عن الحلفاء، عند الحاجة.

(ج) من منظور السياسات السوفيتية في ميدان الأسلحة الجديدة، قرر المجلس كذلك وضع الصواريخ الباليستية متوسطة المدى، في يد القائد العام للحلف في أوروبا، على أن يتم اتخاذ قرار نشر الأسلحة النووية في أماكنها، وعمل ترتيبات استخدامها من خلال اتفاقيات مع الدول المعنية مباشرة.

(2) وفي المجال السياسي:

    اعترف رؤساء الحكومات بالحاجة إلى التشاور المكثف، وإلى تنسيق سياسي كبير، كما أعادوا تأكيد اتفاق وجهة نظرهم تجاه عدد من المسائل هي:

(أ) مشكلة إعادة توحيد ألمانيا، وتأمين وحرية المرور إلى برلين.

(ب) وفي مجال نزع التسلح أكدوا على الحاجة إلى سيطرة دولية كافية، حتى لا تنتشر مبيعات الأسلحة، عشوائياً لتشمل أسلحة متقدمة تقنياً.

(ج) الموافقة على تشكيل مجموعة فنية لتقديم المشورة في مشكلات نزع التسلح التي قد تنشأ نتيجة التقدم التكنولوجي.

(د) الإعلان عن الرغبة في تنمية أية مباحثات مع الاتحاد السوفيتي يمكن أن تقود إلى السيطرة على خفض التسلح إلى الحدود التي تفرضها العوامل الأمنية. وقد أعلنوا أنهم (أي رؤساء دول الحلف) مستعدين لمناقشة أي مقترح يقدم من أية جهة، وذلك فيما يتعلق بنزع التسلح الكلى أو الجزئي.

(3) الموضوعات العلمية والاقتصادية:

    كان أحد أسباب اللقاء الأمريكي ـ البريطاني إطلاق الاتحاد السوفيتي لقمر صناعي، إلى الفضاء الخارجي "سبوتنيك Sputnik" في 4 أكتوبر 1957، متفوقاً على الغرب ومنافساً لها في مجال الاستطلاع والتجسس.   

    لذلك وضع في اللقاء الأمريكي ـ البريطاني الأسس التي يمكن أن تقود للتعاون في المجالين العلمي والتقني بين دول الحلف، على أن يعتمد ذلك، على مدى ما تبديه كل دولة من نشاط ومن تعاون بين العلماء، سواء داخل كل دولة أو بين دول الحلف.

    أكد رؤساء الحكومات، رغبتهم في زيادة فاعلية الجهود الدولية، من خلال التبادل العلمي والمعلومات، ومن خلال المشاركة في ذلك. ولذلك فقد قرروا إنشاء لجنة علمية، يمكن لكل دول الناتو أن تشارك فيها بالخبراء المفوضين، في مجال السياسة العلمية. كما أوصوا بتعيين مستشار علمي للسكرتير العام للناتو.

    وقد أكد رؤساء الحكومات الحاجة كذلك إلى مشاركة وثيقة بين دول الحلف وبين دول العالم الحر ككل. وأن على مجلس الحلف من وقت لآخر، على ضوء المادة الثانية من المعاهدة وبدون حدوث ازدواجية مع أجهزة الحلف الأخرى، أن يقوم بمراجعة الاتجاهات الاقتصادية وتقييم التقدم الاقتصادي وتقديم المقترحات لتحسينه.

رابعاً: المبادرة السوفيتية وتداعيات الوفاق بين الشرق والغرب:

1. المبادرة السوفيتية:

    قبل أن يعقد الرؤساء اجتماعهم في ديسمبر 1958 بباريس، شن الاتحاد السوفيتي هجوم دبلوماسي، في شكل مبادرة، استمرت حتى بعد انعقاد المؤتمر. إذ أرسل سيل من الرسائل، إلى مختلف أعضاء الحكومات، كان أغلبها موقعاً من رئيس الوزراء السوفيتي بولجانين. أثارت هذه الرسائل عدداً من الموضوعات الحيوية للطرفين أهمها:

أ. الدعوة إلى عقد مؤتمر مشترك.

ب. إيقاف التجارب النووية.

ج. التخلي عن استخدم الأسلحة النووية.

د. إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في أوروبا.

هـ. التوقيع على معاهدة عدم اعتداء بين الكتلتين.

    وكان هدف السوفيت من تلك الرسائل بذر الخلاف بين دول الحلف، حتى يمكنهم استغلالها بدفع دول الحلف إلى التفاوض المنفرد مع الاتحاد السوفيتي.

2. مدى الاستجابة الغربية:

    توصل الحلفاء، للرد على هذا الهجوم الدبلوماسي، من خلال المشاورات السياسية، بالموافقة على مناقشة هذا الموضوع في مجلس الحلف، بدراسة خطابات الاتحاد السوفيتي، ومسودة الخطابات المعدة بواسطة كل دولة من دول الحلف للرد عليها، وبذلك نجح التحالف في إيجاد قاعدة موحدة لآرائهم، ويمكن الاعتماد عليها في المواقف المقبلة.

    أدت القدرات العسكرية الجديدة، التي حققها الاتحاد السوفيتي، في كلا المجالين النووي والتقليدي، إلى البحث عن حل سلمي للموقف المتفجر، الذي شكله استمرار تقسيم ألمانيا، فبينما كان يتم متابعة خطط الدفاع بعيدة المدى، فإن دول الحلف، في الوقت نفسه، بذلوا جهوداً ملحوظة نحو تنظيم عقد مؤتمر لمناقشة تسوية أوروبية مع الاتحاد السوفيتي.

3. الاجتماع الوزاري لمجلس الحلف في كوبنهاجن (15 ـ 17 أبريل 1958):

    في ذلك الاجتماع، روجع التقرير السياسي الذي أعده السكرتير العام للحلف، طبقاً لتوصيات اللجنة الثلاثية، حيث قُيَّمَتْ هذه الوثيقة، التقدم الذي قام به الحلفاء، في مجال التعاون السياسي. وقد وافق المجلس على الفكرة المقترحة لعقد مؤتمر للتسوية الأوروبية، من منظور أن مثل هذا الاجتماع يجب أن يقدم الخطوط الرئيسية التي يمكن التوصل من خلالها إلى تسوية للمسائل الهامة، ومن ثم يجب أن يعد له ويعقد في نفس الظروف الملائمة.

    أقر وزراء الخارجية بضرورة مناقشة مشكلتي إعادة توحيد ألمانيا، والسيطرة على نزع التسلح. وقد استعرض المجلس الرغبة في التفاوض بشأن نزع التسلح، باقتراح إجراءات جزئية، يمكن في وقت لاحق تطبيقها على نطاق أوسع. لتمنع الهجوم المباغت، أو للوقاية من الانفجارات الذرية، وهو ما يمكن أن يقود بعد ذلك، نحو وضع الأطر للتوصل إلى اتفاقية لنزع التسلح. ورغم أن المفاوضات لعقد المؤتمر استمرت خلال صيف 1958، إلا أن الاتحاد السوفيتي، فقد الدوافع لفكرة عقد المؤتمر، ففشلت الفكرة.

    استمر مجلس الحلف في التشاور، في المسائل التي تتعلق بالعلاقات مع الاتحاد السوفيتي، والتي شملت إيقاف التجارب النووية، ومنع الهجوم المباغت.

4. إعلان برلين في ديسمبر 1958:

    قام السكرتير العام للحلف بدور نشط، في جهود تسوية النزاعات بين الدول الأعضاء، وتوصل إلى حلول مقبولة لمشكلة أيسلندا، وكذلك مستقبل قبرص. وظلت مشكلتا مستقبل كل من ألمانيا وبرلين دون حل.

    وفي 10 نوفمبر 1958 أعلن خروشوف، رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي، عن رغبة الاتحاد السوفيتي في إنهاء الوضع الحالي لبرلين، وفي 27 نوفمبر 1958 أعادت الحكومة السوفيتية تأكيد هذا الموضوع، إذ أعلنت، أنها تقترح أن تنقل إلى السلطات في ألمانيا الشرقية خلال ستة أشهر، كل الصلاحيات التي تقوم بها الحكومة السوفيتية، في برلين الشرقية، طبقاً لاتفاقيات عام 1945، إضافة إلى السيطرة على الاتصالات (المرور) بين ألمانيا الغربية وبرلين.

    عقد المجلس الوزاري للحلف، اجتماعه الدوري، في باريس، المدة من 16 ـ 18 ديسمبر 1958، حيث أعطى اهتماماً خاصاً لمشكلة برلين،على ضوء وجهات النظر التي عرضتها حكومات كل من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا وكذلك ألمانيا الغربية، والتي ركزت في معظمها على:

أ. أن دول الناتو قد لا توافق على المقترح السوفيتي الخاص ببرلين، الذي يمكن أن يعرض للخطر حقوق الدول الغربية الثلاث (أمريكا، بريطانيا، فرنسا). لذلك يجب أن يظلوا في برلين حتى يمكنهم القيام بمسؤولياتهم خاصة ما يمكن أن يؤثر على انتظام الاتصالات بين برلين والعالم الحر. وقد أعلن المجلس أنها يمكن التوصل إلى تسوية بخصوص مشكلة برلين فقط في حالة الاتفاق مع الاتحاد السوفيتي على المشكلة الألمانية ككل.

ب. أعيد الإعلان عن استعداد القوى الغربية الدائم لمناقشة هذه المشكلة، بالإضافة لمسألتي الأمن الأوروبي ونزع التسلح.

ج. راجع المجلس التقرير الخاص بالتعاون السياسي بين الحلفاء والذي قدمه السكرتير العام للحلف، وأكد المجلس أن المشاورات يمكن أن تتقدم من خلال الدراسة المستمرة للمسائل السياسية بعيدة المدى.

د. بعد أسبوعين من مؤتمر باريس، الذي اتخذ وقفة حازمة في  مواجهة التهديد السوفيتي الجديد لألمانيا، قامت الدول الغربية الثلاث (أمريكا، بريطانيا، فرنسا)، بإرسال ردود رسمية، على الملاحظات السوفيتية، في 27 ديسمبر 1958، أعادوا من خلالها تأكيد نواياهم لاستمرار قواتهم في برلين، ورفض القرار السوفيتي المعلن، بنقل المسؤوليات السوفيتية في برلين إلى نظام ألمانيا الشرقية بما فيها محاور الطرق من وإلى برلين. وبذلك فشلت الجهود السوفيتية، لزعزعة موقف دول الحلف.

5. الإعلان السوفيتي للوفاق:

    خلال الشهور الثلاثة الأولى من عام 1959، شرع خروشوف في الانسحاب التدريجي من موقفه المتشدد السابق، وإعادة الوفاق بين الكتلتين على أساس التعاون السلمي في إطار استمرار الصراع بين النظامين الشيوعي والديمقراطي، ولكن بالوسائل السلمية، بدلاً من الصراع النووي. لتبدأ مرحلة جديدة من الوفاق.

6. احتمالات الوفاق:

    درست الدول الغربية احتمالات التوصل إلى اتفاقية مع السوفيت في ظل سياسة الوفاق. وكانت الاتصالات قد استؤنفت في فبراير 1959 بين السوفيت والغرب، واتفقوا على عقد مؤتمر يحضره وزراء الخارجية الأربعة لبحث المشكلة الألمانية.

أ. الاجتماع السنوي العاشر للحلف من 2 ـ 4 أبريل 1959:

    ركز التحضير لهذا المؤتمر على نقطة أساسية، إذ وضح أن وحدة العمل لدول الحلف، هي أفضل ضمان في المباحثات مع الحكومة السوفيتية لبحث الحلول المناسبة للمشكلات المعلقة بينهم.

ب. في الاجتماعين الوزاريين لمجلس الحلف في 15 ـ 22 ديسمبر 1959 شهد إنشاء قيادة جديدة للحلف في باريس. وفي 30 أبريل 1960، في إستانبول، وجه الوزراء اهتمامهم لمراجعة الموقف العام، للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، من خلال مشاورات مع حلفائهم. ورغم أن هذه المشاورات قد كشفت أن المواقف الغربية والسوفيتية بألمانيا مازالت بعدية عن التوصل لاتفاق عليها. إلا أن المناقشات التي تمت بين رؤساء الدولتين أيزنهاور، وخروشوف، في كامب ديفيد، فتحت الأبواب لمواصلة المفاوضات، على مستوى رؤساء الحكومات. وفي الإعلان الذي صدر عن اجتماعات إستانبول، أعاد المجلس تأكيد الموقف الغربي من مشكلتي ألمانيا (إعادة التوحيد، وحق تقرير المصير)، وأعلنوا كذلك، أن تحقيق نزع السلاح الشامل والكامل، يمكن أن يتم على مراحل، تحت السيطرة الدولية الفعالة.

ج. انهيار مؤتمر القمة:

    في اليوم التالي لاجتماعات إستانبول (أول مايو 1960)، حدثت مفاجأة أدت إلى اختلال كل الموازين، فقد انهارت كل الترتيبات الخاصة بعقد مؤتمر للقمة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، إذ أعلن خروشوف أن طائرة تجسس أمريكية تعمل على الارتفاعات العالية جداً، أسقطت داخل الأراضي السوفيتية[4]، وهى طائرة من نوع ى ـ 2 "U - 2". وأعلن خروشوف تأجيله حضور قمة أمريكية ـ سوفيتية، لعدم رضاه عن الإجراءات التي اتخذها الرئيس الأمريكي، لمواجهة الموقف الناتج عن إسقاط الطائرة الأمريكية[5].

7. مؤتمر القمة للدول الشيوعية ـ التعايش السلمي:

    بعد أقل من أسبوعين وفي 27 يونيه 1960، تركت دول الكتلة الشرقية فجأة محادثات نزع التسلح في جنيف، بشكل مفاجئ وأعتبر أن ذلك سياسة سوفيتية جديدة متشددة.

    وزاد الأمر تعقيداً، ما طرحه خروشوف عند حضوره اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر مايو، بربط إتمام مقابلة الرئيس الأمريكي، بضرورة أن تدين الولايات المتحدة عملية التجسس. وقد أعقب ذلك عقد مؤتمر في نوفمبر بموسكو ضم "81" حزباً شيوعياً من معظم دول العالم التي وافقت على وجهة نظر خروشوف فيما يتعلق بالتعايش السلمي.

8. تم عقد مؤتمر وزاري للحلف في مايو 1961، في أوسلو، لتداول الموقف، عبر فيه المجلس عن أسفه لعدم إحراز تقدم في مسألتي إعادة توحيد ألمانيا، ومباحثات نزع السلاح بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. وأعاد الاتحاد السوفيتي التهديد السابق إعلانه، بتوقيع اتفاقية سلام منفصلة مع ألمانيا الشرقية.

9. الإنذار السوفيتي النهائي بشأن برلين:

    زار الرئيس الأمريكي جون كيندي "John F.Kennedy" مجلس الحلف بباريس في أول يونيه 1961، ثم تقابل مع خروشوف بفيينا يومي 2 ـ 3 يونيه 1961، في إطار إقامة علاقات ثنائية شخصية، وتبادل الآراء، ولم يكن متوقعاً من هذا اللقاء أن يخرج بنتائج فورية، في ظل الاختلافات الكبيرة بين وجهات نظر الشرق والغرب، خاصة ما يتعلق ببرلين. وقد أكد ذلك الإنذار الذي وجهه خروشوف في خطاب له بموسكو في 15 يونيه كإنذاراً نهائياً (مثل الإنذار السابق توجيهه للغرب في نوفمبر 1958)، بتوقيع اتفاقية سلام منفردة مع ألمانيا الشرقية، بنهاية عام 1961. وهو ما ينهي حقوق الغرب في الوصول إلى برلين. تصاعدت الأزمة بسرعة، وفي 8 يوليه أعلن خروشوف وقف خطة تخفيض قواته المسلحة، وقام بزيادة النفقات الدفاعية بمقدار الثلث.

    رداً على الإجراءات السوفيتية، دعا الرئيس الأمريكي كنيدي في 25 يوليه إلى ضرورة بناء قوات ضخمة للحلف.


 



[1] هي الصين الوطنية، والتي اضطرت إلى ترك الأراضي الصينية، والتمركز في جنوب فرموزا الصينية، وإقامة دولة غير شيوعية بها.

[2] من أقوال لينين: "أقرب الطرق إلى باريس، هو طريق الجنوب الشرقي ثم جنوب آسيا، فالشرق الأوسط ومنه إلى باريس".

[3] كانت برلين مقسمة إلى جزء غربي (كانت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تحتله) وآخر شرقي، وكل جزء منهما يتبع لأحد شطري ألمانيا، وقد أنشأت السلطات الشيوعية حائطاً خرسانياً لعزل الجزء الشرقي عن الغربي. كما أن الوصول للجزء الغربي كان لا بد من المرور عبر أراضي خاضعة لألمانيا الشرقية.

[4] كان قد تم أسر قائدها كذلك، وهو الطيار فرانسيس باورز.

[5] كان الرئيس الأمريكي أيزنهاور، قد أعلن إيقاف طلعات التجسس فقط، بينما كان خرشوف يود أن يعلن عن إدانة تلك الطلعات، ومعاقبة المسؤولين عنها، باعتبارها تمت دون علم الإدارة الأمريكية.

[6] في أغسطس 1968، بدأت مجموعة عمل، تم إنشاؤها، تحت إشراف المجلس، تبعاً لقرار 1965، لتقديم وجهات النظر في العلاقات مع مالطة، حيث قامت حكومة مالطة، بتعيين ممثليها في بروكسل، لعرض وجهة نظرها في علاقتها بالناتو.

[7] لم يكن لأيسلندا "الدولة الخامسة عشر" قوات بالحلف.

[8] صدر هذا الإعلان بواسطة وزراء خارجية هذه الدول عقب لقائهم في 15 ديسمبر 1966.

[9] تردد أن الأمريكيين تراجعوا عن هذه الاستراتيجية إلى استراتيجية أخرى لشكهم في قدرة بقاء قوات الضربة الثانية الأمريكية وأنهم أتبعوا استراتيجية `التدمير المتبادل Mutual Assured Destruction` ، إلا أن ذلك لم يتأكد، ومن المعتقد أن الاستراتيجية السائدة ظلت هي استراتيجية `الرد المرن`.

[10] تم إلغاء هذا المنصب بعد ذلك عام 1968.

[11] اختلف تكوين هذه المجموعة عدة مرات، ولكن في نوفمبر 1979، قررت الدول الثلاث عشرة الاشتراك بشكل دائم.