إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) North Atlantic Treaty Organization NATO




لورد اسماي
لورد جورج روبرتسون
لورد كارينجتون
مانليو بروزيو
مانفريد فورنر
ويلي كلاس
بول هنري سباك
جوزيف لانز
خافيير سولانا
ديرك ي ستيكر
علم الحلف

الهيكل التنظيمي المدني (1951)
الهيكل التنظيمي العسكري للحلف (1951)
تنظيم قيادة الحلفاء بأوروبا 1952
السكرتارية العامة للحلف
الأقسام المعاونة للسكرتير العام
تنظيم القوة خفيفة الحركة
الهيكل التنظيمي للحلف حتى 1990
الهيكل التنظيمي للحلف حتى 1992
هيئة أركان الحلف الدولية
أقسام هيئة الأركان الدولية
اللجان الرئيسية للمجلس
الهيكل التنظيمي العسكري 1992
هيئة الأركان العسكرية للحلف 1992
تنظيم التحالف بوسط أوروبا
الهيكل التنظيمي للحلف 1998
اللجان الرئيسية للحلف 1998
هيئة الأركان الدولية 1998
هيئة الأركان العسكرية 1998
أقسام هيئة الأركان الدولية (1998)
الهيكل العسكري للناتو (1998)
الهيكل العسكري للناتو بأوروبا (1998)
الهيكل العسكري للناتو بالأطلسي (1998)
مؤسسات التعاون والاستشارة
قوات التحالف في أوروبا (2000)
قوات التحالف في الأطلسي (2000)
قيادات مناطق عمل الحلف
قيادة التحالف في أوروبا
قيادة التحالف في الأطلسي
القوات التقليدية لحلف الناتو
القوة النووية لحلف الناتو

مناطق تهديد أمن الحلف
دول الناتو أبريل 1949
دول حلف وارسو 1955
قوات التحالف وسط أوروبا
قوات التحالف جنوب أوروبا
قوات التحالف شمال غرب أوروبا
قوات التحالف في الأطلسي



القسم السابع

المبحث الرابع

العلاقات بين الغرب والشرق، ومؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي (1967 ـ 1990)

أولاً: إعادة تمركز أجهزة الناتو:

    تخلل هذه الحقبة (1967 ـ 1990) انتقال عدة مقار للحلف، رئيسية وتابعة، من المدن والدول التي ظلت بها منذ نشأتها. وتلاحظ أن نقل مقار الحلف أو قياداته، من أماكنها، كان نتيجة لتغيير في وجهة النظر السياسية، للدولة المضيفة، أو تغيير القيادة السياسية لتلك الدولة:

1. في 31 مارس 1967، انتقلت قيادة قوات التحالف في أوروبا (SHAPE)، من مقرها السابق في فرنسا، إلى المقر الجديد في كاستيو "Casteau"، بالقرب من مونز "Mons" في بلجيكا.

2. انتقلت كذلك قيادة قوات التحالف من وسط أوروبا إلى هولندا.

3. انتقال عناصر الدفاع الجوي التابعة لقيادة الحلف (NADGE) من فرنسا إلى بلجيكا (بروكسل) وكانت كل التنقلات السابقة، نتيجة لسحب فرنسا لقواتها العسكرية من الحلف، وإصرارها على عدم المشاركة في النشاط العسكري للحلف، مع بقاءها عضواً بالحلف.

    كان الحدث الآخر الذي أثر على أماكن تمركز القيادات التابعة للحزب، تغير القيادة السياسية في مالطة، على اثر نجاح قوى سياسية معارضة، في الانتخابات، وطلبت القيادة السياسية الجديدة للجزيرة، سحب مركز قيادة القوات البحرية للحلف في جنوب أوروبا "NAV South" وقد نقل إلى نابولي في إيطاليا، وقد وقعت مالطة مع بريطانيا اتفاقية بتقديم تسهيلات عسكرية للحلف لمدة سبع سنوات اعتباراً من 26 مارس 1972، والتي انتهت في 31 مارس 1979، واستبدلت الاتفاقية، بضمان إيطاليا تطبيع العلاقات مع مالطة، من خلال اتفاقية لتقديم معونة اقتصادية لمالطة، وقد أشارت الاتفاقية إلى عدم السماح للسفن العسكرية السوفيتية باستخدام الموانئ المالطية.

    كما استكملت كل أجهزة الحلف، وطوّرت، لتناسب متغيرات المرحلة، واستكملت كذلك قيادات القوات التابعة سواء في الأطلسي، أو في أوروبا، واللجان الرئيسية الأخرى المعاونة، ووضحت خطوط الاتصال بين كل أجهزة ومؤسسات الحلف. (أُنظر شكل الهيكل التنظيمي للحلف حتى 1990).

ثانياً: الأمن والتعاون الأوروبي

1. توقعات مؤتمر للأمن الأوروبي:

    أعرب الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون Richard M. Nixon، عند زيارته لمقر الحلف في فبراير 1969، عن أمله في بدء عهد جديد من المباحثات مع الاتحاد السوفيتي، وانتهاء مرحلة المواجهة، وفي مارس 1969 دعا إعلان بودابست الصادر عن حلف وارسو إلى عقد مؤتمر للأمن الأوروبي.

    يعتبر مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي " Conference on Security and Cooperation in Europe CSCE "أهم ما توصلت إليه الدبلوماسية في القارة الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، لتخفيف التوتر في القارة، في وقت اشتد فيه الصراع بين الكتلتين، في مرحلة الحرب الباردة.

    ومؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي (CSCE)، هو المحفل الوحيد، الذي يربط الولايات المتحدة الأمريكية، بجميع دول أوروبا، كذلك هو التنظيم الأمني الوحيد، الذي جمع القوتين العظميين، والذي لا يمكن بدونهما، أن يكون هناك استقرار وأمن، أو فاعلية لأي نظام أمني في كل أوروبا.

    يشترك في مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي، كل الدول الأوروبية، المستقلة فقط (حتى لا تطالب القوميات التي تريد الانفصال عن دولها بالعضوية)، إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا. وتتخذ قرارات المؤتمر بالإجماع، أي أن كل دولة لها حق الاعتراض (Veto)، حتى لا تسيطر أي دولة على المؤتمر، وحتى لا يمكن إخراج أي دولة من عضويته.

    شهد مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي، مؤتمرين رئيسيين، في فترة المرحلة الثالثة، لتطور حلف شمال الأطلسي (1967 ـ 1990)[1].

2. مؤتمر هلسنكي: (31 يوليه ـ أول أغسطس 1975)

    في عام 1969، أعلنت دول حلف الأطلسي، استعدادها لقبول اقتراح الاتحاد السوفيتي، الذي طرحه في عام 1966، بالتفاوض بين الحلفين الأطلسي ووارسو، لبحث الموضوعات العديدة التي تهم الطرفين. وفي فبراير 1969 كذلك أعرب الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون عن أمله في إجراء مثل تلك المباحثات. وفي مارس 1969، أعلنت دول حلف وارسو، في بوادبست، الدعوة إلى عقد مؤتمر للأمن الأوروبي.

        تأخر الاتصال بين الطرفين حتى عام 1972، إذ بدأت مفاوضات رسمية، وجادة، للتوصل إلى صيغة مقبولة لدى كل الأطراف، يجتمع في إطارها الدول الأعضاء في المعسكرين، والدول الأوروبية الغير أعضاء بهما كذلك.

    كانت الظروف مهيأة منذ بداية السبعينيات لعقد مثل هذا المؤتمر الهام. ففي 16 أبريل 1970 بدأت المفاوضات بين الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي للحد من الأسلحة الاستراتيجية، في فينا، بهدف التوصل إلى معاهدة تنظم ما يصلوا إليه من اتفاق Strategic Arms Limitations Treaty (Salt)، ووقع في موسكو (26 مايو 1972) الاتفاق الأول بين الطرفين(Salt - 1). وبدأت في 21 نوفمبر من نفس العام، في جنيف مباحثات لاتفاق ثاني (Salt - 2).

    ثم في 3 يونيه 1972، وقعت الدول الأربع ـ المحتلة لبرلين ـ (فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي) اتفاقية خاصة بالأوضاع في برلين. وأعقبها اتفاق على القواعد الأساسية، بين شطري ألمانيا، وُقَّعْ في برلين الشرقية، في 21 ديسمبر 1972. وبدا أن المناخ مناسباً لمحادثات تجمع شمل كل الدول المهتمة بالأمن في أوروبا.

    بدأت الاتصالات الرسمية، تزداد كثافة وجدية، فعقد في هلسنكي (3 ـ 7 يوليه 1973) مؤتمر تهميدي، أعقبه مؤتمر آخر في جنيف (سبتمبر 1973). وقعت الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة في أعقاب المؤتمر الثاني (6 ـ 24 أكتوبر 1973) وأدت إلى توتر العلاقات بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية مرة أخرى، إذ كان كل قطب يؤيد ويساند أحد جانبي الحرب، وكانت الولايات المتحدة، تلقي بكل ثقلها العسكري والسياسي خلف إسرائيل، بينما كان الاتحاد السوفيتي يؤيد مصر وسورية، كما كان السوفيت حريصين على عدم سقوط دمشق في أيدي الإسرائيليين، مما دفع قادة الاتحاد السوفيتي إلى التهديد بنقل قوات سريعة الانتشار (محمولة جواً) إلى دمشق للدفاع عنها، ورد الأمريكيون برفع درجات التأهب إلى الحالة القصوى في كل قواعدهم خارج الدولة بما في ذلك القوة النووية، وهو ما أخر ما كان يبدو وشيكاً بين الحلفين اللدودين.

    استغرق الأمر عامان، حتى أمكن جمع دول الكتلتين، وكذلك الدول الأوروبية المستقلة الأخرى (خارج الحلفين) في مؤتمر هلسنكي في 31 يوليه 1975، حيث وقعت 35 دولة أوروبية (لم توقع ألبانيا على الاتفاق) والولايات المتحدة الأمريكية وكندا ما عرف باسم "اتفاق هلسنكي النهائي ـ Helsinki Final Act."[2]، ولم يستمر الوفاق بين القطبين، كما كان مرجواً.

تضمن اتفاق هلسنكي النهائي، أربعة أجزاء رئيسية:

أ. الجزء الأول: (الأمن في أوروبا)، حيث أتفق على:

(1) التخلي عن استخدام القوة أو مجرد التهديد بها.

(2) عدم خرق الحدود القائمة.

(3) عدم التدخل في الشئون الداخلية.

(4) ضمان السلامة الإقليمية لكل دولة.

(5) تسوية الخلافات بالطرق السلمية.

(6) احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.  

ب. الجزء الثاني: (التعاون العلمي والاقتصادي والبيئي والتقني).

ج. الجزء الثالث: (التعاون في المجال الإنساني) حيث أتفق على:

(1) السماح باتصالات منتظمة بين العائلات المقسمة، وتسهيل الزواج.

(2) تسهيل السفر والسياحة بين مواطني الدول المختلفة.

(3) تيسير تدفق المعلومات بصورة أفضل.

(4) الإقرار بحرية الفكر والدين.

(5) حق تقرير المصير.

د. الجزء الرابع:

    تحديد لجان ومؤتمرات للمتابعة. وقد حددت مؤتمرات فرعية لذلك، منها مؤتمر إجراءات بناء الثقة، والأمن، ونزع السلاح، والحد من الأسلحة التقليدية. وتقرر انعقاد هذه المؤتمرات، للمتابعة، في بلجراد عام 1977، ومدريد عام 1980، وستوكهولم عام 1984، وأثينا عام 1986، وقد أسفر ذلك عن اتفاقية بشأن الإبلاغ المسبق عن المناورات العسكرية ومراقبتها والتحقق من تفاصيلها. كما راجعت تلك المؤتمرات تنفيذ اتفاق هلسنكي.

    حصل كل جانب، على أحد المكاسب التي كان يسعى إليها، من الطرف الآخر. فقد تحقق للاتحاد السوفيتي، اعتراف الغرب بالأمر الواقع، وبالحدود بعد الحرب العالمية الثانية (الجزء الأول من الاتفاق)، بينما كسب الغرب، في المقابل، تعهد الشرق باحترام حقوق الإنسان، وحق تقرير المصير (الجزء الثالث من الاتفاق).

    سرعان ما تعرض الاتفاق لنكسات، تعثر بسببها تطبيقه[3]، ولم يستمر الوفاق بين القطبين، كما كان مرجواً.

    وعلى الفور كلف الوزراء المجلس، صياغة قائمة بالموضوعات المحددة التي شملها بيان حلف وارسو، وبحث كيفية بدء مباحثات جدية على أساسها.

3. اجتماع قمة لندن في مايو 1977:

    كان من نتائج دورة الانعقاد التي تمت في لندن ، أن أعاد الحلفاء التأكيد أنهم مستمرون في القيام بدور مركزي كحراس لأمنهم الجماعي، وهو ما أدى إلى الثقة والقوة التي مكنتهم من متابعة جهودهم لتقليل حدة التوتر بين الشرق والغرب، والعمل على زيادة التقدم في حجم التعاون في علاقات الشرق والغرب منذ التصديق على إعلان الأمن والتعاون في أوروبا (CSCE) ، كما أكد الحلفاء على ضرورة احترام حقوق الإنسان، ومبادئ الحرية، التي ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة، والوثائق الدولية الأخرى بما فيها ميثاق هلسنكي، وهي ضرورية للسلام والصداقة والتعاون بين الدول، وكلف المجلس وزراء الدفاع، لإعداد وتطوير برنامج بعيد المدى Long Term Defence Programme (LTDP) يهدف إلى تحسين قدراتهم الدفاعية من أجل مواجهة التحديات في الثمانينيات.

4. باريس: (19 ـ 21 نوفمبر 1990)

    بعد خمسة عشر عاماً من مؤتمر هلسنكي، عقدت قمة ثانية في باريس عام 1990، واعتبرت النهاية الرسمية والفعلية للحرب الباردة بين المعسكرين، وبداية جديدة لأوروبا جديدة. وكما كان الاتحاد السوفيتي، هو أول من دعا إلى مؤتمر هلسنكي، كذلك كان هو الداعي لمؤتمر باريس. إذ دعا إليه ميخائيل جورباتشوف "Mikahail Gorbachev"  السكرتير العام للحزب الشيوعي السوفيتي (الأخير)، أثناء زيارته لروما في ديسمبر 1989 "بهدف بناء البيت الأوروبي الكبير"، وهو تعبير جديد في السياسة الخارجية السوفيتية، وإن كان قد سبقه تغيرات جذرية، في دول شرق أوروبا، بعد أن خفف الاتحاد السوفيتي قبضته عنها، طبقاً لسياسة جورباتشوف الجديدة.

    حضر المؤتمر كل الدول الأوروبية (عدا ألبانيا) إضافة إلى الولايات المتحدة وكندا، وقد أسفر المؤتمر عن أربع نتائج، اعتبرت الأسس التي يبنى عليها الأمن والتعاون في أوروبا:

أ. إنشاء المؤسسات الدائمة لمؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي، وهي ثمانية:

(1) مجلس المؤتمر (وزراء خارجية الدول الأوروبية الأعضاء).

(2) لجنة ممثلي الدول الأعضاء (للإعداد لجلسات مجلس المؤتمر).

(3) مكتب الحالات الطارئة (يتولى الدعوة لعقد اجتماعات طارئة لممثلي الدول الأعضاء).

(4) أمانة المؤتمر (تقوم بالأعمال الإدارية والسكرتارية والمعلومات).

(5) مركز تجنب الصراعات (تقديم العون إلى مجلس المؤتمر في مجال تقليص أخطار النزاعات).

(6) اللجنة الاستشارية (مراقبة أعمال الأمانة الدائمة).

(7) الأمانة الدائمة (تنفيذ المهام التي تكلفها بها اللجنة الاستشارية).

(8) مكتب الانتخابات الحرة (توفير المعلومات عن الانتخابات في الدول الأعضاء).

ب. توقيع معاهدة خفض الأسلحة التقليدية في أوروبا[4]، في فيينا (18 نوفمبر 1990)، أثناء انعقاد مؤتمر باريس. وجوهر الاتفاق تحديد الحد الأقصى للسلاح والعتاد، وعدد القوات في أوروبا. ويلتزم بها الدول 22 للحلفين جميعاً.

ج. بيان انتهاء العداء، وهو البيان الذي أعلن نهاية مرحلة الخصومة بين الحلفين، وانتهاء الحرب الباردة بينهم، وإقامة علاقات جديدة على الصداقة المتبادلة.

د. ميثاق باريس من أجل أوروبا جديدة، وهي الوثيقة التي وقعتها الدول التي حضرت المؤتمر (34 دولة). ويحدد فيها شكل أوروبا في المرحلة القادمة، وأسلوب التعاون بين دول القارة.

ثالثاً: المسائل الدفاعية للحلف:

1. مراجعة استراتيجية الرد المرن:

    قام الوزراء في لجنة التخطيط الدفاعي بمراجعة شاملة لاستراتيجية الرد المرن التي أخذ بها الحلف منذ عام 1956. وكانت فكرة استراتيجية الحلف، قد اعتمدت على ضوء التطورات السياسية والعسكرية والتقنية. وقد بنيت على أساس توفر القدرات المرنة المتوازنة على رد الفعل. نشر قوات تقليدية ونووية، والاستعداد لمواجهة كافة أنواع الاعتداء أو التهديد. وقد وضعت خطة خمسية طارئة، تغطى الفترة من 1968 - 1972.

2. تقرير هارمل عن المهام المستقبلية للحلف:

    قدمت الدراسات الخاصة بمستقبل أعمال الحلف "تقرير هارمل" والذي أُعِدْ تنفيذاً للقرار الوزاري السابق في ديسمبر 1966، وبدأ العمل مبكراً منذ يناير 1967، من خلال الرؤية التحليلية الشاملة لتقرير هارمل. تكونت لجان فرعية لدراسة الموضوعات الرئيسية والعلاقات بين الشرق والغرب والتي شملت العلاقات فيما بين الحلفاء، والسياسة الدفاعية العامة، والعلاقات مع الدول الأخرى. أرسلت تقارير اللجان الفرعية إلى حكومات دول الحلف واتخذت القرارات في 13 ـ 14 ديسمبر 1967 إذ وافقت الخمس عشرة دولة على وثيقة تحدد الإطار العام للمبادئ الرئيسية، وتحدد عدداً من المهام التي يمكن للحلف أن يقوم بها في المستقبل.

    وكان عنوان الوثيقة "تقرير المجلس عن الأهداف المستقبلية للحلف" وقد أكد التقرير على:

أ. استمرار قيام الحلف بالمهام السياسية والعسكرية للتحالف.

ب. الاستعداد في المستقبل لمواءمة الحلف مع أي ظروف متغيرة.

ج. تحديد الأهداف الرئيسية للتحالف وهى:

(1) إقامة علاقات دولية تتميز بالمزيد من الاستقرار.

(2) الإجراءات الضرورية للسلام العاجل والنهائي في أوروبا.

(3) توضيح الوسائل التي يمكن الاعتماد عليها، وتحديد طرق الاقتراب الممكن اتباعها تجاه المشكلات، من خلال المزيد من المشاورات

د. حدد التقرير مهمتين أخرتين للحلف:

(1) الأولى ذات طبيعة عسكرية، وهى الدفاع عن المناطق المعرضة، وخاصة البحر المتوسط، حيث أدت الأحداث التي شهدها الشرق الأوسط إلى توسع النشاطات السوفيتية.

(2) الأخرى سياسية أساساً، وهى صياغة مقترحات الخفض المتوازن للقوات بين الشرق والغرب، وهو الاقتراح الذي سبق تقديمه مبكرا في اجتماعات لوكسمبرج.

بدأ المجلس اعتباراً من بداية عام 1968 في تنفيذ البرنامج الذي احتواه تقرير هارمل.

3. قرارات لجنة التخطيط الدفاعي:

    اجتمعت لجنة التخطيط الدفاعي مرات عديدة، ناقشت فيها التقارير المعروضة، خاصة تقرير هارمل، واتخذت عدة قرارات لزيادة فاعلية الحلف، وحل المشكلات التي أوضحتها التقارير، أهم تلك القرارات هي:

أ. زيادة قدرات الحلف التقليدية. 

ب. وضع خطة طوارئ خمسية (1969 ـ 1973).

ج. الموافقة على تشكيل قوة بحرية لديها القدرة على التجمع في البحر المتوسط.

د. تكليف القيادة البحرية للجنوب، التابعة لقيادة قوات التحالف جنوب أوروبا، بإجراء أعمال استطلاع جوي، وبحري، لصالح دول الحلف في البحر المتوسط (تركيا، اليونان، إيطاليا، فرنسا، أسبانيا).

هـ. الاستمرار في العمل باستراتيجية الرد المرن، والدفاع المتقدم.

و. عدم تخفيض قوات الحلف، بقدر مماثل للجانب الآخر، طبقاً لاتفاقيات الخفض المتبادل المتوازن.

ز. ضرورة المحافظة على قدرات الحلف النووية، في المستوى اللائق لتأكيد الردع، والدفاع.

ح. تحديد الدور العسكري، والسياسي للقوات الأمريكية التابعة للحلف، والتي لا يمكن الاستغناء عنها، في الخطط الدفاعية.

ط. التأكيد على ضرورة دفع عجلة التعاون بين دول الحلف في مجالات البنية التحتية، والبحث العلمي، تطوير الإنتاج.

ي. الاستمرار في إطلاق سلسلة أقمار صناعية للاتصالات، خاصة بالحلف، لتأمين الاتصال بين قيادات الحلف، واستقرارها[5].

ك. تحديد مشاكل الدفاع، واتخاذ القرارات اللازمة للتغلب عليها.

4. التخفيض المتبادل والمتوازن للقوات:

    وافق الاتحاد السوفيتي، على المقترحات التي قدمت في لقاء القمة في ريكيافيك عام 1968، الخاصة "بالخفض المتبادل والمتوازن في القوات"، وأتفق على الاستمرار في تلك المباحثات، والضغط على الاتحاد السوفيتي وحلفاؤه لمزيد من التخفيض في أوروبا.

5. مراجعة المعاهدة الدفاعية بين أيسلندا والولايات المتحدة:

    بناء على طلب أيسلندا، عدلت المعاهدة الدفاعية السابق توقيعها في 5 مايو 1951 بين البلدين، لاستخدام التسهيلات في ريكيافيك، بواسطة الولايات المتحدة وقد توصلت الدولتان إلى الشكل الجديد للمعاهدة يوم 22 أكتوبر 1971 والتي بموجبها يستمر تمركز القوات الأمريكية في القاعدة.

6. مواجهة التهديدات النووية التكتيكية للسوفيت:

    بزيادة قدرة الاتحاد السوفيتي النووية، خاصة التكتيكية، بعد أن نجح الاتحاد السوفيتي في تجارب الصاروخ ذاتي الحركة SS - 20 ، أصبحت استراتيجيات الحلف "الدفاع المتقدم، والرد المرن" غير ملائمة وهو ما يتطلب تغير استراتيجية الحلف، وتطوير وتحديث برامج إنتاج الصواريخ النووية التكتيكية.

    كلفت مجموعة التخطيط النووي بهذه المهمة، كما تم تشكيل مجموعة عالية المستوى (A High Level Group) تحددت مهامها في:

أ. تحقيق التقدم على مسار ضبط التسلح.

ب. تحقيق التقدم في مسألة تحديث أسلحة المسرح النووية (التكتيكية).

    وقد أمكن للجنتين وضع تصور مناسب، لتصحيح عدم التوازن بالنسبة للقوات العسكرية، في المسرح الأوروبي والمشاركة في مناقشة مجالات بناء الثقة وإجراءات ضبط التسلح التي تم وضعها لتطوير موضوع الأمن والتعاون المتبادل في أوروبا، من خلال:

أ. التخفيضات في مستوى القوات الاستراتيجية.

ب. المقترحات التي قدمت، لإعطاء دفعة جديدة، لمحادثات التخفيض المتبادل والمتوازن للقوات (MBFR)، التي تتعلق بالمرحلة الأولى من الاتفاقية، وبمجموعة الإجراءات المتفق عليها، لتأكيد تنفيذ الاتفاقية.

رابعاً: أبرز الأزمات خلال المرحلة وانعكاساتها على الحلف

1. اندلاع الحرب في الشرق الأوسط:

    خلال تلك المرحلة، من تطور الحلف (1967 ـ 1990)، اندلعت عدة حروب في الشرق الأوسط وكان للحلف مواقف متباينة من تلك الحروب، والتي شارك فيها دول أعضاء بالحلف، أما بقوات عسكرية، أو بدعم ومساندة لأحد أطرافها:

أ. في 5 يونيه 1967، نشب القتال بين إسرائيل والعرب، وتم التوصل إلى إيقاف لإطلاق النار، وكان موقف الحلف من تلك الحرب سلبياً إذ اكتفى بإعراب الأعضاء عن دعمهم للجهود الرامية إلى إقامة سلام دائم في هذه المنطقة الحيوية.

ب. رغم توقف أعمال القتال، إلا أن العنف اندلع فجأة في المنطقة مرة أخرى بعد أيام من وقف إطلاق النار (حرب الاستنزاف) الأمر الذي جذب اهتمام الرأي العام لمصادر الأخطار في الموقف الدولي إذ مازالت العديد من المشكلات الدولية والإقليمية بدون حل، مثل المشكلة القبرصية والعلاقات التركية اليونانية.

ج. اندلعت أعمال القتال مرة أخرى في الشرق الأوسط يوم 6 أكتوبر 1973 بين إسرائيل والعرب في سيناء والجولان، انتهت بوقف لإطلاق النار في 28 أكتوبر 1973 وأدى تصاعد التوتر بين القوتين العظميين، إلى لفت النظر لخطورة الصراعات الإقليمية على الأمن والسلام الدوليين، وهو ما يتطلب من الحلف مراقبة مناطق التوتر وتداعيات الأحداث فيها، والإعداد لها مسبقاً.  

2. غزو تشيكوسلوفاكيا:

    بعد إعلان ريكيافيك في 24 يونيه 1968، تلقت الجهود المبذولة للوفاق بين الشرق والغرب صدمة كبيرة، ففي 20 أغسطس 1968 غزت قوات الاتحاد السوفيتي وأربع دول أخرى من حلف وارسو، تشيكوسلوفاكيا[6]. لسحق التمرد المناهض للشيوعية فيها.

    أدانت الدول الأعضاء بحلف الناتو التدخل العسكري لدول حلف وارسو، في الشؤون الداخلية لتشيكوسلوفاكيا وعدوه انتهاكاً صارخاً لميثاق الأمم المتحدة، وللقانون الدولي، وأعلنوا إصرارهم على الإدانة، دون اتخاذ أي إجراء يمكن أن يؤدى إلى زيادة الموقف سوءاً. وأصدرت لجنة التخطيط الدفاعي دراسات عن انعكاسات الأزمة سياسياً، وعسكرياً، واقتصادياً على الحلف.

3. أزمة قبرص:

    في منتصف يوليه 1974 وقع انقلاب ضد الرئيس القبرصي مكاريوس، وقد أعقب ذلك تهديد تركيا بالقيام بعمل عسكري في الجزيرة. ولما فشلت محاولات التفاهم التي تمت في فيينا، بمساعدة بريطانيا، للتوصل إلى حل وسط بين اليونان وتركيا، غزت القوات التركية شمال الجزيرة، في إجراء عسكري من جانب واحد لمساندة القبارصة الأتراك. أدى ذلك التصرف إلى أزمة خطيرة في العلاقات بين البلدين العضوين في الحلف، الأمر الذي دفع الحكومة اليونانية إلى إعلان قرارها بالانسحاب من الهيكل العسكري للحلف. وبينما شكل حل مشكلة قبرص إحدى مشكلات الأمم المتحدة ، فإن مجلس الحلف قام منذ بداية الأزمة بتكثيف مشاوراته للتوصل إلى حل يرضى الطرفين، وبذل السكرتير العام للحلف جهود شخصية لإنهاء المشكلة.

    وفي أكتوبر 1980 عادت اليونان للانضمام إلى الهيكل العسكري للحلف، رغم استمرار وجود القوات التركية في شمال الجزيرة.

4. غزو أفغانستان:

    في 27 ديسمبر 1979، دخلت القوات السوفيتية، الحدود الأفغانية، لمساندة الحكومة الشيوعية، التي استولت على الحكم في أفغانستان، مما دفع البلاد إلى حرب أهلية، زعزعت الأمن في المنطقة كلها. وقد انعكست آثار ذلك الغزو، على المجتمع الدولي، ورفضت المنظمات العالمية والإقليمية ذلك الإجراء، وطالبت السوفيت بالانسحاب فوراً.

    سبب الغزو صدمة للدول الأوربية الغربية، التي كانت تسعى، في إطار سياسة الوفاق، إلى تحسين العلاقات مع الاتحاد السوفيتي وكتلته الشيوعية في أوروبا، إذ كانت تعد لمؤتمر الأمن الأوروبي في مدريد (نوفمبر 1980). وكان هناك مستويان لرد فعل الحلف، فعلى المستوى الفردي، تأثرت مسيرة التعاون، نتيجة لقرارات الدول المتحالفة، كل على حده. أما على المستوى الجماعي، فرغم تأثر العلاقات بين الحلف والسوفيت، من جراء قرارات دول الحلف منفردة، التي استنكرت الغزو، فإن قيادة الحلف حافظت على الحد الأدنى من العلاقات، لتفادي سوء التفاهم في المسائل ذات الحساسية مستقبلاً، مع تنبيه الاتحاد السوفيتي إلى عدم رضا الحلف عن ذلك الإجراء، وقرر الأعضاء ضرورة أن يكون لذلك ثمناً يتكلفه الاتحاد السوفيتي، وهو ما يعني مساندتهم العملية، للجماعات المنشقة على الحكومة، التي يدعمها السوفيت. أبقى الحلف على العلاقات مع السوفيت، حتى يمكن إشعارهم بعد الرضا الحلف عن ذلك الحدث، واستمروا في الإعداد لمؤتمر مدريد.

خامساً: الاستراتيجية النووية للحلف في السبعينيات، والثمانينيات، وتقليل مخاطر الحرب النووية

    تبنى الحلف في السبعينيات، استراتيجية نووية جديدة عرفت باسم الردع الواقعي (Realistic Deterrence)، وهي تستند إلى ثلاث مراحل، تمر من خلالها إجراءات التصعيد (الوفاق ـ الردع ـ الحرب الفعلية).

وذلك من خلال مجموعة من العمليات المستمرة هي:

1. البحث عن مضمون للوفاق بين القوتين العظميين وحلفائهما تمنع التصعيد الخطر للتوتر.

2. البحث عن وسائل لزيادة مصداقية استراتيجية الردع.

3. البحث عن وسائل لزيادة قدرات القتال الفعلي، لتوفير دفاع أكثر كفاءة وفاعلية عن المسرح الأوروبي، لزيادة مصداقية استراتيجية الردع.

    كان البحث عن استراتيجية نووية جديدة نتيجة لنجاح الاتحاد السوفيتي في تحدى استراتيجية الرد المرن، وتحقيق تعادل في القدرات النووية الاستراتيجية والتكتيكية مع الولايات المتحدة. وفي بداية عام 1970 أعلن الرئيس الأمريكي نيكسون ـ عقب توليه الحكم ـ استراتيجية جديدة، أطلق عليها "استراتيجية الردع الواقعي"[7]، والتي وضعت مبادئها وأسسها، على ضوء خبرة ومعاناة الولايات المتحدة في حربي كوريا وفيتنام، وهى تقوم على توزيع الأعباء والمسؤوليات بين الولايات المتحدة وحلفائها وأصدقائها، على أساس ثلاث ركائز رئيسية هي: القوة، المشاركة، التفاوض.

    أعلنت الولايات المتحدة سياستها لتنفيذ استراتيجية "الرد الواقعي" لتكون:

1. الاحتفاظ بحق استخدام الأسلحة النووية المناسبة لمقابلة أي تهديدات تواجه الأمن الوطني للدولة وحلفائها.

2. ستعاون الولايات المتحدة الدول الأخرى طبقاً لتعهداتها.

3. ستدافع الولايات المتحدة عن مصالحها الوطنية في أي وقت تهدد فيه هذه المصالح، وفي أي مكان في العالم.

4. حينما لا تتعرض مصالح الولايات المتحدة وتعهداتها الدولية للخطر، سيصبح دور الولايات المتحدة محدوداً (سياسياً) حيث لن تتدخل عسكرياً.

    لم تعد تلك الاستراتيجية مناسبة في نهاية السبعينيات لانتهاء الوفاق بين القوتين العظميين، تدريجياً، ونتيجة لاستمرار بناء السوفيت للقوات النووية الاستراتيجية والتكتيكية، وكذلك القوات التقليدية، لذلك بدأت الولايات المتحدة، اعتباراً من عام 1978، في البحث عن أفكار جديدة للاستخدام، أكثر فاعلية لقدراتها النووية الاستراتيجية، لردع نشاط الاتحاد السوفيتي. ومع حلول العقد الثامن، تبنت الولايات المتحدة استراتيجية نووية جديدة عرفت باسم "الرد المرن، ومبادرة الدفاع الاستراتيجي" (Strategic Defense Initiative, Flexible Response). كانت الولايات المتحدة تبحث عن مضمون جديد لاستراتيجية الرد المرن، على ضوء متغيرين رئيسيين هما: التطور التكنولوجي الكبير في الأسلحة التقليدية، تطور العقائد القتالية الجديدة.

    في 23 مارس 1983 أعلن الرئيس الأمريكي الجديد رونالد ريجان "Ronald Wilson Reagan" عن مبادرة أمريكية جديدة، أطلق عليها "مبادرة الدفاع الاستراتيجي"[8]، تهدف إلى تطوير نظام جديد من الأسلحة الفضائية الدفاعية لتدمير الصواريخ الباليستية المعادية قبل وصولها لأهدافها، على أن تكون مستعدة قبل عام 2000.

    وقد أفترض أن هذه المبادرة ستؤدي إلى تغيير جوهري في الاستراتيجية النووية للطرفين، فأنظمة الدفاع الجديدة قادرة على تدمير الأسلحة النووية السوفيتية، مما يحول الردع النووي لمصلحة الولايات المتحدة مرة أخرى، وهو ما يغير كذلك "عقيدة التدمير المتبادل المؤكد" إلى عقيدة أخرى هي "البقاء المتبادل المؤكد ـ Mutual and Assured Survival MAS". وقد دار جدل حول الصعوبات المادية والعلمية والتقنية، لتلك العقيدة والتي مضت فيها الولايات المتحدة.

سادساً: محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية:

    خلال زيارة الرئيس الأمريكي نيكسون لموسكو في 26 مايو 1972، وُقَّعَتْ اتفاقية الحد من الأسلحة الاستراتيجية Strategic Arms Limitation Talks SALT ، بعد سلسلة محادثات كانت قد بدأت عام 1969. عكست الاتفاقية تعقيد وحساسية المسائل التي طرحت فيها، والتي شملت:

1. اتفاقية غير محدودة المدة للحد من نظم الصواريخ المضادة للصواريخ.

2. اتفاقية لمدة خمس سنوات لإجراءات تحديد الأسلحة الهجومية الاستراتيجية.

3. ضرورة تقليل مخاطر حوادث الحرب النووية بطريق الخطأ، وتحسين ترتيبات الاتصالات بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة.

    استؤنفت المفاوضات بعد ذلك بين الجانبين، في جنيف في 21 نوفمبر 1972 لبحث مزيد من الوسائل التفصيلية للحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية (SALT II). وقد شكلت مباحثات "سولت ـ 2" الموضوع الرئيسي الذي دارت حوله المشاورات المكثفة بين الحلفاء فيما بعد، حتى وقعت اتفاقية دائمة للحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية في 18 يونيه 1979 وأتفق على استمرار تلك المباحثات (SALT) للتوصل إلى مزيد من التعاون في مجالها.

سابعاً: المحادثات للخفض المتبادل والمتوازن للقوات:

    نجح الحلفاء في تخفيض حدة المواجهة العسكرية مع الكتلة الشرقية منذ عام 1968. ولمزيد من الحد من القوات أعلن وزراء خارجية دول الحلف عن دعوة مفتوحة من دول الناتو إلى دول حلف وارسو، للانضمام إليهم في مباحثات تمهيدية لتبدأ في 31 يناير 1973 لبحث خفض متبادل ومتوازن للقوات في وسط أوروبا[9]. والإشارة إلى أن هذه المباحثات يمكن أن تقود إلى مباحثات اقتصادية في خريف عام 1973 على التوازي.

    شكلت المبادئ التي سبق تحديدها في اجتماعات روما عام 1970، الأسس التي ستدور المباحثات في إطارها والتي شملت المحافظة على الأمن من خلال أدنى مستوى من القوات. وأن لا يحقق تخفيض القوات في وسط أوروبا أي ميزات لأي جانب أو أن يقلل الأمن في المناطق الأخرى في أوروبا.

عقدت بفيينا في 30 أكتوبر 1973 مباحثات التخفيض المتبادل والمتوازن للقوات Mutual and Balanced Force Reductions (MBFR) واقترح أن تكون المرحلة الأولى للاتفاقية، خفض القوات البرية لكل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة. لم يتحقق في الشهور التالية التقدم المأمول في العلاقات بين الشرق والغرب، وفي نفس الوقت فإن المباحثات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي "سولت -2" لم تسفر عن جديد للحد من الأسلحة الاستراتيجية.

    عرضت دول حلف الناتو في 16 ديسمبر 1975 مبادرة لإدخال بعض نظم التسلح النووية الأمريكية في مباحثات التخفيض والذي لم يتجاوب معه الجانب الشرقي. وفي عام 1976، وبعد عامين من المفاوضات، قدم الجانب الشرقي بعض البيانات عن القوات الشرقية التي تتعلق بموضوع الخفض، حيث ظهر اختلاف جديد في وجهات النظر، لأن الأرقام المقدمة كانت أقل من التقديرات التي توصل لها الغرب، لذلك أكدت الدول الغربية ضرورة وضوح البيانات، كقاعدة أساسية لضمان تقدم المفاوضات.

    لذلك لجأت دول الناتو، مضطرين، إلى تأكيد قدراتهم الدفاعية، برفعها للمستوى الذي يتناسب وتحقيق الردع المؤثر، ودون المخاطرة بتوتر جديد، خاصة أن نمو قدرات دول حلف وارسو، كان يتعدى كماً ونوعاً أهداف الدفاع.

    اتخذت سلسلة من الإجراءات الإضافية في إطار سياسات التسلح الوطنية، للمساعدة على زيادة تأثير الأسلحة المتوفرة من خلال التعاون في برامج التسلح. ولزيادة عمليات التوحيد القياسي، وكذلك مشروعات التسلح الداخلية الممكن تنفيذها، فقد كثفت الجهود، للاستمرار في المحافظة على القدرة الصناعية والتقنية المتقدمة، لدفاع الحلفاء، والمحافظة على توازن القوات، من خلال قدرة دفاعية كافية. شن الاتحاد السوفيتي حملة إعلامية عنيفة، رداً على قرار الحلفاء بتحديث الأسلحة النووية التكتيكية، والذي أتخذ في الاجتماعات الغير عادية، التي عقدت في بروكسل، لوزراء خارجية ودفاع دول الحلف في 12 ديسمبر 1979.

    في بداية الثمانينيات، دار نقاش حاد بين الكتلتين، حول انتشار الصواريخ الأوروبية (Euro Missiles)، كما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية مبادرتها الدفاعية الجديدة "حرب النجوم SDI"، وأصبحت أراضي الاتحاد السوفيتي وحلفاؤه، مهددة أكثر من ذي قبل.

    خلال قمة ريكيافيك (11 ـ 12 أكتوبر عام 1986) اقترح الرئيس السوفيتي "جورباتشوف"، سحب الصواريخ الباليستية السوفيتية من نوع SS-20، مقابل تنازل الولايات المتحدة عن الصواريخ الأوروبية التي يبلغ مداها من 1000-5000كم ، رفض الرئيس الأمريكي ريجان الاقتراح، واقترح بديلاً عنه سحب الصواريخ التي تتراوح مسافتها من 500 : 1000 كم. وهو ما وقعت بشأنه اتفاقية في واشنطن في 7 ديسمبر 1987، واقترح فيها بدء مباحثات "ستارت ـ Start" من جديد لتخفيض الأسلحة الاستراتيجية بنسبة50%. استؤنفت المفاوضات في جنيف مرة أخرى في 19 يونيه 1989.

ثامناً: موضوعات أخرى اهتم بها الحلف خلال فترة تطوره الثالثة (1967 ـ 1990)

1. المشكلات البيئية:

    في خطاب الرئيس الأمريكي نيكسون خلال الاحتفالات بالذكرى العشرين لإنشاء حلف الناتو (10 ـ 11 أبريل 1969)، جاء بعض المقترحات بخصوص المشكلات البيئية:

أ. أن الدول الأعضاء يجب عليها العمل الجماعي لعلاج المشكلات المتعلقة بالبيئة.

ب. وأنه يجب سرعة التوصل إلى مقترح بهذا الخصوص.

ج. ضرورة إنشاء لجنة تحديات المجتمع الحديثThe Committee on the Challenges of Modern Society (CCMS) .

2. ألمانيا الغربية وسياسة التقارب:

    في ديسمبر 1969 بدأت ألمانيا الغربية في مفاوضات مع الاتحاد السوفيتي، والتي قادت إلى التوقيع بموسكو، في 12 أغسطس 1970، على الاتفاقية السوفيتية الألمانية، كما كانت هناك محادثات مستمرة مع بولندا، لتطبيع العلاقات معهما، وانتهت بتوقيع اتفاقيتين في 12 أغسطس مع الاتحاد السوفيتي، وفي 7 ديسمبر 1970 مع بولندا. وكانت ألمانيا الغربية تهدف إلى تحسين علاقاتها مع دول أوروبا الشرقية، إلى حين التوصل إلى تسوية نهائية مع ألمانيا الشرقية. وقد بدأت المباحثات معها في 19 مارس 1970 كذلك، بتأييد كامل من الدول الأعضاء بالحلف. وأعتبر حلف الناتو أن توقيع تلك الاتفاقيات الثنائية مع ألمانيا الغربية، دعماً للوفاق في أوروبا.

    كما تمكنت ألمانيا الغربية، من توقيع اتفاقيات لتطبيع العلاقات مع كل من تشيكوسلوفاكيا وبلغاريا والمجر، خلال عام 1973. وعلى جانب آخر اعترفت دول حلف الناتو بألمانيا الشرقية (دون أن يؤثر ذلك على حقوق ألمانيا الغربية في برلين) وانضمت الألمانيتين إلى الأمم المتحدة في سبتمبر 1973.

3. التطورات الاقتصادية العالمية:

    بنهاية عام 1974 تصاعدت أزمة النفط نتيجة لتداعيات حرب أكتوبر 1973، والتي شملت: الارتفاع في أسعار تصدير النفط في قفزات متتالية، مع خفض إنتاجه، وأدى ذلك إلى تضخم لدى الغرب، شكل ضغوطاً على الاقتصاديات الغربية.

4. الموقف في الشرق الأوسط:

    كانت مشاكل الشرق الأوسط معقدة، لتشعبها، وتعدد أطرافها. ولأهمية المنطقة لدول الحلف، وقربها من الحدود الجنوبية له، تابعت لجان الحلف الموقف في منطقة الشرق الأوسط، وحددت ثلاث مشاكل ذات أهمية بالغة على أمن دول الحلف، يجب المسارعة في حلها:

أ. الحروب العربية ـ الإسرائيلية:

    وكانت تلك الحروب قد تجاوزت الخمس حروب، على مدار أكثر من ثلاثين عاماً، وقد تورط فيها أكثر من مرة بعض أعضاء الحلف (لسبب أو لآخر)، كما تدخل الاتحاد السوفيتي فيها كنصير للعرب، مما ينذر بمواجهة ساخنة معه. لذلك قامت الولايات المتحدة، بجهود مكثفة، أمكن استثمارها في توقيع اتفاقية بين مصر وإسرائيل لإنهاء حالة الحرب، وتطبيع العلاقات بينهما في 18 سبتمبر 1978 (اتفاقية كامب ديفيد)، على أن يتبعها اتفاقيات مماثلة مع باقي دول المواجهة مع إسرائيل.

ب. العلاقات اليونانية ـ التركية:

    نظراً لحساسية الخلاف بين الدولتين، العضويتين في الحلف، تدخل العديد من دول الحلف، وكذلك السكرتير العام للحلف، في محاولة لتقريب وجهات النظر، وإنهاء الخلاف بينهما حول الوضع في جزيرة قبرص. وقد تحسنت العلاقات بين البلدين نسبياً في النصف الثاني لعام 1980، خاصة مع توليّ القوات المسلحة إدارة البلاد منذ 12 سبتمبر 1980، وهو ما ساعد على عودة اليونان إلى الهيكل العسكري للحلف.

ج. الوجود السوفيتي في البحر المتوسط:

    لاحظ الحلف، تزايد الوجود البحري السوفيتي في البحر المتوسط، وكذلك ازدياد النفوذ السوفيتي في كثير من دول هذا المسطح البحري الهام، لملاصقته لجنوب أوروبا، بالإضافة إلى أهميته الحيوية للنقل البحري العالمي. لذلك أتخذ الحلف قراراً بمداومة رقابة القوات السوفيتية في المنطقة، والعمل على التوازن معها في القوات، ومعاونة دول المنطقة اقتصادياً، للحد من النفوذ السوفيتي بها.

5. الحوار بين الشمال والجنوب "North-South Dialogue"

    أشار وزراء التحالف مراراً خلال مناقشاتهم إلى ضرورة تقديم المساعدة للدول النامية، كما كرروا تصميمهم على العمل الدائب من أجل اقتصاد عالمي منصف وفعال. مشيرين إلى أن الجهود القائمة للدول الحليفة في مد يد المساعدة من أجل تقديم العون إلى الدول النامية، قد أبرزت أهمية ذلك.

6. الحرب العراقية ـ الإيرانية (حرب الخليج الأولى 22 سبتمبر 1980 ـ 20 أغسطس 1988):

    أدت تلك الحرب الإقليمية، الطويلة، بين دولتان، تعتبرا من القوى المؤثرة في منطقتهما، إلى زيادة التوتر في المنطقة، والتي خشيّ معه التأثير على إمدادات النفط من الخليج العربي إلى الغرب. لذلك سارعت الولايات المتحدة، وحلفاؤها في الناتو، إلى تكوين قوة بحرية في منطقة الخليج العربي، استطاعت إبقاؤه مفتوحاً للملاحة البحرية، وضمان سلامة ناقلات النفط، إذ كونت قوافل حراسة لها أثناء إبحارها بالقرب من مناطق القتال. كما استخدمت الولايات المتحدة تفوقها البحري والجوي، لإجبار إيران على عدم التعرض لمنشآت النفط أو ناقلاته، بعد تكرر حوادث قصفها بالصواريخ الإيرانية، أو بث الألغام البحرية في الممر الملاحي.

7. تقاسم الأعباء العسكرية والمالية:

    وافق قادة الحلف عام 1952 في لشبونة على توزيع الأعباء بحيث تتولى الولايات المتحدة القوتين: الجوية الاستراتيجية والبحرية، بينما يتولى اتحاد غرب أوروبا مهام القوات البرية. غير أن ذلك لم يتحقق، فاستمرت الولايات المتحدة في المشاركة في الأعباء البرية.

    ومع زيادة العجز في ميزان المدفوعات الأمريكي، بسبب وجود 300 ألف جندي أمريكي في أوروبا، اقترح السناتور "مايك مانسفيلد"، عام 1966، خفض عدد القوات الأمريكية في أوروبا، إلا أن انسحاب فرنسا من القيادة العسكرية، واستمرار الحرب الفيتنامية عرقل هذه الجهود. وفي عام 1978، بواشنطن، وافق قادة الحلف على زيادة الإنفاق الدفاعي بنسبة 3%، وقد أوفت كل من الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وفرنسا بذلك عام 1985، غير أن عدم مساهمة باقي الحلفاء بنصيب مناسب أعاد طرح المشكلة عام 1980 إبان حكم الرئيس ريجان. لذلك ربطت الولايات المتحدة بين استمرار القوات الأمريكية في أوروبا، وزيادة الحلفاء الأوروبيين مساهمتهم في الحلف.

    واستمر الخلاف بين الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون، عن مقدار مساهمتهم في الأعباء عسكرياً ومالياً.



[1] شهد المؤتمر كذلك مؤتمرين في المرحلة الرابعة، هما الأكثر أهمية، إذ كان الاتحاد السوفيتي قد انهار وتفكك.

[2] وقع هذا الاتفاق عن الولايات المتحدة الأمريكية الرئيس جيرالد فورد ` Gerald R.Ford` ، وعن الاتحاد السوفيتي ليونيد برجنييف، سكرتير عام الحزب الشيوعي السوفيتي.

[3] منها الغزو السوفيتي لأفغانستان (27 ديسمبر 1979)، وإقامة الولايات المتحدة قواعد صواريخ في ألمانيا الغربية، ونصب الاتحاد السوفيتي صواريخ مماثلة في تشيكوسلوفاكيا وألمانيا الشرقية، ولم تتحسن حقوق الإنسان في دول أوروبا الشرقية.

  [4]  وقعها 22 دولة (16 دولة أعضاء حلف الأطلسي، 6 دول أعضاء حلف وارسو).

[5] أطلق أول قمر صناعي للاتصالات من قاعدة كيب كيندي Cape Kennedy   بالولايات المتحدة في 20 مارس 1970، ثم أطلق الثاني في 2 فبراير 1971، والثالث في 18 نوفمبر 1978 من قاعدة كيب كانافيرال ` Cape Canaveral`   في فلوريدا، بالولايات المتحدة كذلك.

[6] هذه الدول هي: بلغاريا ـ ألمانيا الشرقية ـ المجر ـ بولندا.

[7] عرفت كذلك بمبدأ نيكسون Nixon Doctrine

[8] سميت كذلك بحرب النجوم حيث تستخدم في بعض مراحلها الفضاء الخارجي.

[9] المشاركون بشكل مباشر في هذه المحادثات هم: من حلف الأطلسي: بلجيكا - كندا - ألمانيا الغربية - لوكسمبرج - هولندا - بريطانيا - الولايات المتحدة - الدانمارك - اليونان - إيطاليا - النرويج - تركيا. من حلف وارسو: تشيكوسلوفاكيا - ألمانيا الشرقية - بولندا - الاتحاد السوفيتي - بلغاريا - رومانيا.