إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) North Atlantic Treaty Organization NATO




لورد اسماي
لورد جورج روبرتسون
لورد كارينجتون
مانليو بروزيو
مانفريد فورنر
ويلي كلاس
بول هنري سباك
جوزيف لانز
خافيير سولانا
ديرك ي ستيكر
علم الحلف

الهيكل التنظيمي المدني (1951)
الهيكل التنظيمي العسكري للحلف (1951)
تنظيم قيادة الحلفاء بأوروبا 1952
السكرتارية العامة للحلف
الأقسام المعاونة للسكرتير العام
تنظيم القوة خفيفة الحركة
الهيكل التنظيمي للحلف حتى 1990
الهيكل التنظيمي للحلف حتى 1992
هيئة أركان الحلف الدولية
أقسام هيئة الأركان الدولية
اللجان الرئيسية للمجلس
الهيكل التنظيمي العسكري 1992
هيئة الأركان العسكرية للحلف 1992
تنظيم التحالف بوسط أوروبا
الهيكل التنظيمي للحلف 1998
اللجان الرئيسية للحلف 1998
هيئة الأركان الدولية 1998
هيئة الأركان العسكرية 1998
أقسام هيئة الأركان الدولية (1998)
الهيكل العسكري للناتو (1998)
الهيكل العسكري للناتو بأوروبا (1998)
الهيكل العسكري للناتو بالأطلسي (1998)
مؤسسات التعاون والاستشارة
قوات التحالف في أوروبا (2000)
قوات التحالف في الأطلسي (2000)
قيادات مناطق عمل الحلف
قيادة التحالف في أوروبا
قيادة التحالف في الأطلسي
القوات التقليدية لحلف الناتو
القوة النووية لحلف الناتو

مناطق تهديد أمن الحلف
دول الناتو أبريل 1949
دول حلف وارسو 1955
قوات التحالف وسط أوروبا
قوات التحالف جنوب أوروبا
قوات التحالف شمال غرب أوروبا
قوات التحالف في الأطلسي



الفصل الثالث

المبحث الخامس

التجديد الشامل للحلف، والتعاون مع المنظمات الأوروبية (1990 ـ 1993)

    برز تعبير النظام العالمي "الجديد"  (New  World order)بين المتخصصين في العلوم السياسية، وفي وسائل الإعلام الدولية، بعد أن أطلقه الرئيس الأمريكي " جورج بوش" في أعقاب حرب تحرير الكويت (حرب الخليج الثانية 1991). ومع كثرة الحديث عن هذا النظام الجديد، فإن أحدا لم يستطع تحديد مكوناته ودعائمه حتى نهاية القرن العشرين، رغم مرور عقد كامل على ذلك التغيير. ربما كان ذلك لأن هذا النظام ظل في حاله من السيولة لم تستقر لفترة طويلة، لكثرة المتغيرات والتداعيات المؤثرة، إلا أنه هناك مؤشرات عامه تدل على أبرز التوجهات لهذا النظام الجديد.

    أدى انهيار الكتلة الشرقية، وتفكك الاتحاد السوفيتي نفسه، واختفاؤه من المسرح السياسي[1] ـ وقد سبقته النظم الشمولية في دول أوروبا الشرقية ـ إلى تصاعد الجدل بصورة لافتة، حول قضية المستقبل، لحركة النظام الدولي "الجديد"، نظراً للممارسات غير المنصفة، التي تميزت بالازدواجية في هذا النظام، الذي وصف بأنه أحادي القطبية، بمعنى انفراد الولايات المتحدة بقمته كقوة عظمى وحيدة.

    أدت التحولات التي شهدها النظام الدولي، إلى تراجع مهمة "الدفاع الجماعي" للناتو ضد عدو أو أعداء محددين مسبقاً، في إطار مواجهة التهديدات التي أفرزتها البيئة الجديدة لما بعد الحرب الباردة. ورغم أن مهمة الدفاع الجماعي بقيت المهمة الرئيسية للحلف، وفق المادة الخامسة من اتفاقية واشنطن.

    قد كشفت بيئة ما بعد الحرب الباردة كذلك عن بروز تهديدات للأمن الأوروبي/ الأطلسي، كما اعتبرها الحلف، من خارج المنطقة التقليدية المحددة لنشاطه، وفق المادة السادسة من اتفاقية واشنطن، وهي"أوروبا وشمال الأطلسي". باتفاق أعضاء الحلف على استمراره، كان لابد من تعديل مهام الحلف، بما يتواءم مع المناخ الدولي ما بعد الحرب الباردة، خاصة بعد وقوع العديد من الأزمات، والحروب الأهلية، والصراع على السلطة، في بلدان شرق ووسط أوروبا، وأقاليم أخرى من العالم، والتي اعتبرت تهديدا للاستقرار في القارة الأوروبية، وللولايات المتحدة بشكل غير مباشر.

    بدأت محاولات التواؤم، بعد اجتماع مجلس شمال الأطلسي في تيرنبري "Turnberry" باسكتلندا، في 7 ـ 8 يونيه عام 1990. حيث بدا واضحاً التحول في مهمة الحلف، من مواجهة تهديد مباشر من حلف وارسو، إلى تحقيق الأمن والاستقرار في القارة الأوروبية، وهو ما غير مضمون التحالف من كونه أداة "للدفاع الجماعي"، إلى منظمة مشتركة تبحث عن توفير الحماية في مواجهة تهديدات غير محددة، تهدد بتقويض أمن الدول الحليفة. وإلى جانب استمرار المهمة الأساسية للحلف (الدفاع الجماعي)، برزت مهمة بناء هيكل جديد للاستقرار في كل أوروبا، وهو ما يتطلب دعم عمليات التحول السياسي والاقتصادي، في دول شرق أوروبا (المعسكر الشرقي سابقا).

    كان تقدير دول حلف الأطلسي، للتحديات الإستراتيجية الجديدة، التي ستواجههم، كما صاغوها في "رسالة تيرنبري Message From Turnberry"، هي تلك الأزمات والصراعات، التي ستنشب في مناطق الفراغ الأمني، الذي تخلف عن انهيار الاتحاد السوفيتي، في شرق ووسط أوروبا، والقوقاز ووسط آسيا، حيث يوجد حجم ضخم من القوات الروسية المسلحة، ومخزون كبير من الأسلحة النووية. كذلك منطقة شمال أفريقيا وجنوب وشرق البحر المتوسط، وجنوب غرب آسيا، وهي مناطق مهددة بصراعات وحروب أهلية وإقليمية ـ طبقاً لرؤية دول الحلف ـ ويؤثر ذلك على استقرار القارة الأوروبية، مشكلاً التهديد الجديد لدول الحلف.

أولاً: إعادة صياغة دور الحلف، وتنظيم هيكله ومؤسساته:

    اتجه الحلف إلى استبدال مهمة مواجهة التهديد المباشر من حلف وارسو إلى مهمة دعم وتعظيم الأمن والاستقرار في القارة الأوروبية. وأدى هذا التحول إلى تغيير حتمي في مهام المنظمة بهدف توفير الحماية في مواجهة أشكال مختلفة من التهديدات غير المحددة. فإلى جانب استمرار المهمة التقليدية للحلف (الدفاع الجماعي) برزت مهمة رئيسية هي الحفاظ على السلام ومواجهة الاضطرابات في كافة أنحاء القارة الأوروبية، وحولها أيضا، ويشمل ذلك:

1. دعم عمليات التحول السياسي والاقتصادي في دول المعسكر الشرقي سابقا، لاحتواء التهديدات التي يمكن أن تظهر في هذه المنطقة، وهي العملية التي وصلت قمتها فيما بعد بضم عدد من دول شرق ووسط أوروبا للحلف.

2. البحث عن صيغة الاتفاق مع عدد من دول جنوب المتوسط لتوفر غطاء قانونيا دوليا وتسهيلات للعمل السريع في مواجهة ما تراه دول الحلف تهديدا لأمنها الوطني من هذا الاتجاه، وهو ما أدى إلى ظهور فكرة "الشراكة" بين الحلف وعدد من دول جنوب المتوسط.

    حددت الدول الأعضاء بالحلف، الاتجاهات المحتمل تفجر الصراعات فيها، مما يؤثر على أمن دول الحلف في عدة اتجاهات، هي: (أُنظر خريطة مناطق تهديد أمن الحلف)

1. الاتجاه الشرقي:

منطقة عدم استقرار بين ألمانيا وروسيا، في شرق ووسط أوروبا.

2. الجنوب الشرقي:

    منطقة القوقاز ووسط آسيا.

3. المحور الجنوبي:

    مناطق شمال أفريقيا وجنوب وشرق البحر المتوسط، وجنوب غرب آسيا، وتحددت التهديدات التي قد تؤثر على استقرار القارة الأوروبية، بالصراعات العرقية، والحروب الإقليمية والأهلية، إضافة إلى العديد من أنماط المخاطر غير العسكرية المتصلة بالآثار الممتدة للعنف الداخلي، والهجرة غير الشرعية، وما إلى ذلك، وهو ما يخرج بالحلف عن نطاقه التقليدي المحدد في اتفاقية إنشاؤه.

   ومن تلك النظرة كانت المشكلات الخاصة بالأسس الإستراتيجية ـ الدفاعية لتوسيع الحلف. فقد كانت الوظيفة الأساسية للحلف، هي احتواء الخطر السوفيتي على أوروبا، وهو ما كان يمثل مصدر تهديد عسكري خارجي، مباشراً وواضحاً، لأمن القارة، يتم التعامل معه من خلال "هيكل عسكري"، يستند على إستراتيجية دفاعية، مرتكزة على "الردع النووي"، في إطار القطبية الثنائية الأمريكية ـ السوفيتية. وأدى تفكك الاتحاد السوفيتي، إلى الإطاحة بالمفاهيم والضوابط والمؤسسات، التي حكمت الأوضاع الأمنية، طوال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، بصورة جعلت من الصعب ارتكاز عملية إعادة التواؤم، على أسس دفاعية. فلم يعد ردع عدوان محتمل، يمثل أساساً متصوراً لبناء الأمن والدفاع الأوروبي، وحتى إذا كانت روسيا الاتحادية، نتيجة الأزمات الداخلية التي تعانى منها، يمكن أن تشكل تهديداً كامناً، فإن هذا التهديد لا يرقى للمستوى، الذي يبرر نفقات هذا الحلف الضخم. كما أن هذا التهديد ليس مباشراً، حيث من الممكن أن يمس الدول المجاورة لروسيا، وليس هيكل النظام الدفاعي الأوروبي (الناتو).

    اختفي المفهوم التقليدي للتهديد، ببروز توجهات "التعايش الأمني"، وتقلص الأهمية التقليدية الدفاعية للحلف. لكن الأهم هو أن المهام الجديدة للحلف، استندت على مفاهيم جديدة، مبهمة، مثل "المخاطر" و "التحديات" و "عدم الاستقرار"، وارتبطت بصراعات قومية وإقليمية "منخفضة الشدة" وكذلك مشكلات غير عسكرية، حلت محل مفهوم التهديد، وفقدت المفاهيم المحددة للأمن والدفاع مضامينها، وأصبح هيكل الحلف العسكري ربما غير ملائم للتعامل معها.

        وضح منذ العام 1991، أن المفاهيم الأمنية الجديدة للحلف تواجه أزمة، وخاصة:

أ. عمليات حفظ السلام خارج حدود الحلف. فتجربة الحلف في "البوسنة والهرسك"، تشير إلى أن تدخل قواته لم يؤد إلى حل المشكلة، وإنما إلى تجميد الأوضاع القائمة، في الوقت الذي ظلت احتمالات التدهور قائمة، في حالة سحب قوات الحلف خارج أراضى البوسنة، وهو ما تكرر مرة أخرى عند التدخل ضد الصرب لمصلحة كوسوفا.

ب. مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وهي المهام التي ترتبط بعمليات العنف المسلح والجرائم الخطرة (كتهريب المواد النووية)، وتنطوي على طبيعة مختلفة، قد تدفع إلى التحول لصيغة جديدة، قد يكون من الصعب التعامل معها بفعالية.

        باختلاف أسس بقاء الحلف، اختلفت الأسس الأمنية ـ الدفاعية له كذلك، وكان من الضروري إعادة صياغة للحلف، وليس مجرد تطوير لمهامه فقط.

ثانياً: مهام الناتو في عصر الفوضى الدولية (قبل استقرار النظام الدولي الجديد):

    حتى يمكن صياغة المهام، بعد التغيرات الجذرية في النظام العالمي، وتغير التهديدات كان لا بد من تحديد شكل وقوة التهديدات، والاتجاه المتوقع لها، وهو ما يعني ضرورة تحديد ودراسة الخصم. كانت رسالة تيرنبري (يوليه 1990) قد حددت ملامح عامة للتهديدات، والمواقع المحتملة لحدوثها، وشكلت مجموعة لمراجعة العقيدة العسكرية للحلف، بناء على ذلك التحديد، لذلك عكفت المجموعة على دراسة متأنية للوصول إلى طبيعة التهديدات، والإلمام بكافة المعلومات عنها.

    أصدر قادة الحلف إعلان روما في 7 ـ 8 نوفمبر 1991 حول السلام والتعاون، وكانت المجموعة العسكرية قد أنهت أعمالها فيما كلفت به، وأكدت في تقريرها على اختلاف "طبيعة التحديات والمخاطر الأمنية" التي على الحلف أن يواجهها في المستقبل، عما كانت عليه في الماضي. وحددت الآتي: (أُنظر ملحق نص إعلان روما (الإستراتيجية الجديدة للحلف 1991))

1. لم يعد التهديد بهجوم شامل على كافة الجبهات قائماً، وهو ما يخفف من قوة التهديدات المستقبلية، ولم تعد تلك النقطة مثار تركيز في إستراتيجية الحلف.

2. من وجهة أخرى، لم يعد التهديد محصوراً في الهجمات من اتجاه واحد، كان مقدراً أن تكون من الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية، بل أصبحت الهجمات ذات اتجاهات محتملة متعددة. يصعب التنبؤ بأيهما الأكثر توقعاً.  

3. كذلك لم يعد التهديد محصوراً في عمل عسكري تقليدي، أو نووي، بل أصبح ذو أوجهه مختلفة يصعب تقييمها.

4. لم يعد من الممكن حدوث خطر مباغت، فقد أتاحت مساحة الدول التي خرجت من دائرة الاتحاد السوفيتي، والتقنية المتقدمة في أجهزة الحصول على المعلومات، مدة زمنية متسعة للإنذار، بالنسبة للحلف.

5. لم تعد المخاطر قاصرة بالعدوان على أراضي دول الحلف، بل من الممكن أن تكون نتيجة أوضاع داخلية متدهورة، اقتصادياً أو اجتماعياً أو سياسياً، أو صراع عرقي أو نزاع حدود، وهو ما كثر بعد انهيار الكتلة الشرقية في وسط وشرق أوروبا، ويمكن أن تهدد استقرار أوروبا بتطورات غير متوقعة، أو بتدخل خارجي، قد يكون طرفاً فيه أحد أعضاء الحلف.

6. مازالت روسيا الاتحادية، تمثل نفس الخطر الذي كان يمثله الاتحاد السوفيتي. فهي الأكبر قوة في أوروبا، تقليدياً ونووياً.

7. حساسية الموقف في الشرق الأوسط عامة، وجنوب البحر المتوسط خاصة. واستقرار الأمن في تلك المناطق، أمر ضروري لأمن أوروبا ـ على ضوء تجربة حربيّ الخليج الأولى والثانية، والحروب العربية الإسرائيلية الأخيرة ـ بسبب انتشار الأسلحة ذات التقنية المتقدمة في المنطقة، خاصة أسلحة الدمار الشامل، والصواريخ الباليستية، التي يزداد مداها وقدراتها ودقتها، يوماً بعد يوم، وأصبحت قادرة على الوصول إلى بعض دول الحلف.

8. يجب أن يوضع في الاعتبار أن أمن دول الحلف سوف يتأثر، نتيجة مواجهتهم لأي اعتداء (طبقاً للمادتين الخامسة والسادسة من معاهدة واشنطن)، نتيجة استخدام أسلحة وإجراءات ذات مجال واسع، مثل أسلحة الدمار الشامل، وحظر تصدير الموارد الأولية الحيوية، وعمليات الإرهاب والتخريب.

وضح من إعلان روما، أن العقيدة العسكرية الجديدة للحلف، ترتكز على مبادئ أربعة:

1. الاستمرار في مهمة "الدفاع الجماعي".

2. المحافظة على وحدة الأمن للأعضاء، وزيادة مسؤولية الأعضاء الأوروبيين في الدفاع عن أنفسهم[2].

3. استمرار الهيكل العسكري الموحد للحلف، وإعادة بناءه، ليعتمد أكثر على تعدد الجنسيات، وتكون قواته أكثر مرونة وخفة حركة، حتى يمكن المشاركة في المهام الخاصة، التي أبرزتها المتغيرات الجديدة (حفظ السلام، توفير الراحة، تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالقوة).

4. استمرار الاعتماد على كلا القوتين التقليدية والنووية، على أن يخفضا لأدنى حد ممكن، دون المساس بفاعليتها، لذلك يزداد الاعتماد على القوات الاحتياطية، مع تقليل حالات التأهب.

    أدى هذا التصور، للمبادئ الرئيسية المكونة للعقيدة العسكرية الجديدة، إلى التسليم بانتهاء خطر هجوم واسع من الشرق، كما شاع دفء البيئة الأمنية الجديدة في أوروبا، والتي تحقق الاستقرار والرفاهية في شمال الأطلسي، وصلاحيتها كمناخ ملائم لتطوير العلاقات الدولية، التي تقوم على السلام. ونتيجة لذلك أقرت دول حلف الأطلسي، إنشاء مجلس تعاون شمال الأطلسي ـNorth Atlantic Cooperation Council، تحقيقاً لمبدأ التعاون مع دول حلف وارسو (السابق)، وقد انبثق عن تلك الخطوة فكرة الشراكة من أجل السلام، ومنها أمكن انضمام بعض دول حلف وارسو السابق، إلى حلف شمال الأطلسي.

ثالثاً: المفهوم الإستراتيجي الجديد للحلف:

    رغم اتفاق دول الحلف على شكل وقوة واتجاه التهديدات، والتي وصفت بالعمومية في كل ما يتعلق بها، وصعوبة التنبؤ بها، فإن الاتفاق على المفهوم الإستراتيجي الجديد كان من الصعوبة، بحيث فشل الحلف في الاتفاق على مفهوم إستراتيجي موحد، إذ كان هناك رؤيتان مختلفتان، الأولى أوروبية تسعى إلى حلول ذات صبغة أوروبية جماعية، في إطار الدفاع الجماعي، والثانية أمريكية تسعى إلى الانفراد بالحل، فهي صاحبة القرار لتحريك آلة الحرب، واستخدام القوة العسكرية. كان المفهوم الأوروبي يركز على "أمن الأعضاء"، بينما كان المفهوم الأمريكي يركز على "المصالح الأمنية".

    كانت المناسبة تضيف قوة ضاغطة أثناء عمل مجلس الحلف، فهي قمة احتفالية لمرور خمسون عاماً على إنشاء الحلف، كما أنها قمة فاصلة بعد انهيار خصم لدود. لذلك كان لا بد التوصل إلى صيغة تتفق مع كل وجهات النظر، لذلك أكد البيان الختامي، مجدداً، على المبادئ العامة المتفق عليها، لمواصلة المهمة الرئيسية للحلف "الدفاع الجماعي" عن الدول الأعضاء، وتقوية علاقات الشراكة مع روسيا الاتحادية وأوكرانيا، والاستمرار في الحوار مع دول الشرق الأوسط، ودفع الجهود لمواجهة مخلفات الحرب الباردة، من انتشار أسلحة الدمار الشامل، ووسائل إيصالها. أما القضايا محل الخلاف، فقد صيغت في عبارات عامة، غير محددة.

    أوضحت صياغة البيان الختامي لدورة الانعقاد الخمسين، اتجاهات الحلف الجديدة، فقد كانت التعديلات في المفهوم الإستراتيجي، تتمشى مع المنظور الأمريكي، أكثر من مواءمتها للمنظور الأوروبي، والذي كانت فرنسا وألمانيا تتمسكان به، وقد أوضح التعديل المدخل على المفهوم الإستراتيجي، المهام المستقبلية للحلف كذلك، وفي فقرة واحدة، جاء المعنى كله، ووضحت ملامح التغيير للمفهوم الإستراتيجي للحلف.

    أما الفقرة فقد جاء فيها: "يتعرض أمن الحلف لمخاطر عسكرية وغير عسكرية كثيرة التنوع، تأتي من اتجاهات عديدة، وغالباً ما يصعب توقعها. وتتضمن هذه المخاطر، عدم الاستقرار واحتمال نشوء أزمات إقليمية قابلة للتطور السريع في المناطق المحيطة بدول الحلف. ويمكن أن تواجه المصالح الأمنية للحلفاء مخاطر ذات طابع أكثر عمومية، تنجم عن الإرهاب والتخريب والجريمة المنظمة وانقطاع وصول الموارد الحيوية".

أما التغيير فكان في المفهوم التالي:

1. اعتبار صيغة "المصالح الأمنية" هي أساس عمل الحلف، بدلاً من صيغة "أمن الدول الأعضاء". ويعني ذلك، تغلب وجهة النظر الأمريكية أولاً، كما أن تفكك الاتحاد السوفيتي وانتهاء حلف وارسو، وسعيّ روسيا الاتحادية ودول أوروبا الشرقية للاندماج مع أوروبا الغربية، ينهي فكرة تهديد الأمن، ويصبح تعبير المصالح الأمنية، بعموميته، أصلح للتعبير عن جوهر وظيفة الدفاع المطلوبة في البيئة الجديدة، فهو يستوعب المتغيرات التي تستجد، حسب رؤية صاحب القرار، ويكون التأثير على المصالح الأمنية للدول الأعضاء هو أساس الدفاع.

2. يحدد المفهوم الجديد، التهديدات الجديدة، للمصالح الأمنية، لدول الحلف في:

أ. انتشار أسلحة الدمار الشامل.

ب. الإرهاب الدولي.

ج. انقطاع وصول الموارد الحيوية.

د. نشوء أزمات إقليمية قابلة للتطور السريع في المناطق المحيطة بدول الحلف.

هـ. انتهاك حقوق الإنسان.

و. التهديد باستخدام القوة المسلحة أو قيام دولة ما باستخدامها فعلاً ضد أراضي أي دولة أخرى.

3. يبدأ الحلف مرحلة جديدة في تاريخه، يكون له فيها المبادرة بشن الهجوم، ضد الطرف (أو الأطراف) الذي ترى القيادة السياسية للحلف خطورته على مصالح دول الحلف.

رابعاً: التجديد في البنيان العسكري:

    الحلف في تنظيمه، تدريجياً، خلال السنوات التي تلت انهيار الكتلة الشرقية، ليكيف أجهزته بما يتلاءم مع المتغيرات الجديدة. وكان التغيير الأكبر في الهيكل العسكري للحلف. (أُنظر شكل الهيكل التنظيمي للحلف حتى 1992) و(شكل هيئة أركان الحلف الدولية) و(شكل أقسام هيئة الأركان الدولية) و(شكل اللجان الرئيسية للمجلس) و(شكل الهيكل التنظيمي العسكري 1992) و(شكل هيئة الأركان العسكرية للحلف 1992) و(ملحق القيادة العسكرية والقوات لحلف الناتو (التقليدية والنووية)).

    أصبحت السمة الجديدة للقوات المسلحة بالحلف، هو الاعتماد على الجنسيات المتعددة، وقد أقر رؤساء الدول والحكومات الأوروبية ذلك الاتجاه، في اجتماعهم في روما (7 ـ 8 نوفمبر 1991)، وأصبحت الظاهرة الرئيسية، لتطور قوات الحلف.

    منذ الخمسينيات، كانت القوات المتحالفة في وسط أوروبا (AFCENT) مكونة من ثمانية فيالق، من دول مختلفة، كل فيلق ذو جنسية واحدة. وشكلت جيوش ميدانية من تلك الفيالق، روعيّ أن تكون ثنائية الجنسية. تشكلت مجموعة جيوش الشمال من 4 فيالق من دول بلجيكا والمملكة المتحدة وهولندا وألمانيا الغربية (كل فيلقين في جيش)، ومجموعة الجيوش المركزية من 4 فيالق كذلك، من دول الولايات المتحدة (فيلقان) وألمانيا الغربية (فيلقان). لذلك كان كل فيلق، يختلف عن نظيره من الجنسيات الأخرى، في التشكيل والتنظيم، وعدد الأسلحة، ونوع المركبات، وحجم قواته، وأسلوب إعاشته، وأسلوب تدريبه، وأسلوب قتاله كذلك. ولم يشكل ذلك انخفاضاً للكفاءة القتالية، إذ كان كل فيلق، يتولى توفير احتياجاته الإدارية والفنية، من دولته، لذلك أمكن لقيادة قوات التحالف في وسط أوروبا الاحتفاظ بكفاءة قواتها القتالية، عالية.

    بتغير طبيعة التهديد، قل الاعتماد على نشر قوات كبيرة الحجم في مسارح العمليات لوسط أوروبا، في الخطوط الأمامية. واستبدل ذلك الأسلوب استخدام قوات سريعة الحركة (قوات الرد السريع)، وانخفضت أعداد القوات في وسط أوروبا من 28 فرقة إلى 16 فرقة، مشكلة في سبعة فيالق بالاعتماد على الفيالق المتعددة الجنسيات، على أن تكون العناصر الأساسية لقيادة الفيلق من دولة واحدة، هي نفسها دولة قائد الفيلق. (أُنظر شكل تنظيم التحالف بوسط أوروبا)

    أقترح وزراء دفاع دول حلف الناتو، في اجتماعهم في 28 ـ 29 مايو 1991 إنشاء قوة تدخل سريع، يمكنها التعامل مع الأخطار التي قد يواجهها الحلف، سواء من جانب دول أوروبا الشرقية، أو من الشرق الأوسط. وفي 7 ـ 8 نوفمبر 1991، وافق رؤساء الدول والحكومات على المقترح. كان المقترح يحدد تشكيل الفيلق (فيلق الرد السريعARRC ) من أربع فرق، اثنان بريطانية الجنسية، وواحدة متعددة الجنسيات من وسط أوروبا، والأخيرة متعددة الجنسيات من جنوب أوروبا، وتشكل القيادة من المملكة المتحدة (القوة الأكبر في التشكيل) وتوفر الولايات المتحدة المساندة الجوية في منطقة التدخل التي يكلف الفيلق بالعمل فيها (أُنظر شكل تنظيم التحالف بوسط أوروبا)

خامساً: العلاقات مع المنظمات الأوروبية الأخرى:

1. العلاقة مع اتحاد أوروبا الغربية: [3]W.E.U:

    كانت قمة "ماستريخت (9 - 10 ديسمبر 1991) Maastricht European Council"، ميلاداً جديداً لاتحاد أوروبا الغربية، إذ تحدد فيها العلاقة القانونية بين الاتحاد الأوروبي، واتحاد أوروبا الغربية، وحلف شمال الأطلسي. وصدر في نهاية اجتماع المجلس الأوروبي إعلاناً يحدد:

أ. دور الاتحاد، وعلاقاته مع الاتحاد الأوروبي، حيث وافقت دول الاتحاد الأوروبي على إسناد مهمة الدفاع والأمن، لاتحاد أوروبا الغربية.

ب. تطوير العلاقة مع منظمة حلف شمال الأطلسي، ليعتبر اتحاد أوروبا الغربية الإطار الدفاعي لأوروبا، في حالة انتهاء حلف الأطلسي[4] وحله.

ج. نقل مقر الاتحاد من بروكسل إلى لندن.

د. ضرورة دعم الجهاز التنفيذي للاتحاد، وإنشاء وحدة تخطيط وتجهيز وحدات عسكرية، داخل كل دولة، تخصص لتنفيذ مهام الاتحاد.

    على الجانب الآخر، رحب مجلس شمال الأطلسي في الاجتماع الوزاري، الذي عقد في ديسمبر 1994، بهذا الإعلان، ودعا الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، للانضمام إلى اتحاد أوروبا الغربية، الذي تقرر فيه توسيع الاتحاد، حيث التحقت كل من أيسلندا والنرويج وتركيا " كأعضاء مشاركينAssociated Members"، وحصلت اليونان على العضوية الكاملة ـ أما الدانمارك وأيسلندا فقد انضمتا بصفة مراقبين "Observers "، وقد انضمت إليه بعد ذلك عام 1995 كل من فنلندا والسويد والنمسا بعد انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي. أما دول أوروبا الشرقية فقد سمح لها بالانضمام بصفة " شريك منضمAssociate Partner"

    عقد أول اجتماع رسمي ببروكسل بمقر الحلف، لاتحاد أوروبا الغربية مع مجلس الحلف، في مايو 1995 من أجل مناقشة العلاقة، وإنشاء الروابط المؤسسية بينهما. ترتب علي ذلك الحضور المنتظم لسكرتير عام اتحاد أوروبا الغربية، للاجتماعات الوزارية لمجلس الحلف، وبالمثل يحضر كذلك سكرتير عام الحلف، الاجتماعات الوزارية لاتحاد أوروبا الغربية.

    كانت قمة رؤساء دول وحكومات الحلف، ببروكسل، في يناير 1994، نقطة تحول هامة على طريق الاتفاق الأمريكي الأوروبي، لتنشيط دور اتحاد أوروبا الغربية وزيادة فاعليته، واعتباره المكون الأوروبي للحلف، وقد جاء بإعلان الحلف في تلك القمة:

    أهمية بلورة منظور دفاعي أوروبي، يتلاءم مع الحلف، ويمكن الأعضاء الأوروبيين من تحمل مزيد من المسؤوليات تجاه أمنهم. والتأكيد على استعداد الحلف لوضع بنيته الأساسية تحت تصرف اتحاد أوروبا الغربية، وبصفة خاصة "قوة العمل المشتركة المجمعة ـCombined & Joint Task Force (CJTF)  " التي يتم تشكيلها، لتكون مستعدة للاستخدام من قبل كل من اتحاد أوروبا الغربية والحلف.

    جدد بيان قمة الحلف، بمدريد، في يوليه 1997، تأييده لتطوير الهوية الأمنية الدفاعية الأوروبية داخل الحلف، وتنفيذ مفهوم " قوة العمل المشتركة المجمعة ـCJTF ". وقد شارك الاتحاد عملياً بفاعلية في أحداث البوسنة، إذ أشترك مع الحلف في الحظر البحري في الإدرياتيك (العملية  Sharp Guard)، كما شارك في قوة البوليس التي تتولى إدارة مدينة موستار "Mostar" جنوب البوسنة والهرسك.

2. العلاقة مع منظمة الأمن والتعاون الأوروبي  OSCE:

    جاء إعلان هلسنكي عام 1975 ليعلن قيام المنظمة، بعضوية 35 دولة، والتي هدفت إلى:

أ. المساواة في السيادة، والاحترام المتبادل للحقوق السيادية لكل دولة.

ب. الامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها.

ج. احترام الحدود الدولية.

د. حل المنازعات بالوسائل السلمية.

    صدر في عام 1995 "ميثاق باريس لأوروبا الموحدة". ووافقت الدول الأعضاء في المنظمة على إنشاء العديد  من الأجهزة، التي تدير نشاط المنظمة، وتحولت بذلك من مؤتمر للتشاور بين الدول الأوروبية، إلى كيان مؤسسي. توسعت عضوية المنظمة في السنوات الأخيرة من القرن العشرين لتصل عضوية المنظمة إلى 54 دولة أوروبية، ومراقبين هما: اليابان وكوريا الجنوبية، وخمس دول متوسطية غير أعضاء هي: مصر ـ تونس ـ الجزائر ـ المغرب ـ موريتانيا.

    أتفق على أن يتشاور الحلف، ويتعاون كذلك، مع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في مجالات:

أ. معالجة الأزمات في أوروبا الشرقية، ودول الكومنولث المستقلة، والبلقان.

ب. إرساء أسس ومبادئ الأمن والاستقرار في أوروبا.  

ج. إمكان مشاركة الناتو (كمنظمة ذات هيكل وبناء عسكري) في عمليات حفظ السلام، لتعزيز مهام منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.

    تقدم منظمة الأمن والتعاون، المعونة الاقتصادية والمشورة الفنية، لدول شرق أوروبا، بهدف تضييق الفجوة التقنية، ودفع عجلة التقدم والتنمية، لتلك الدول، لاحتوائها وربطها بغرب أوروبا.

    ظلت مشكلة تحديد وتنسيق العلاقة بين المنظمات الثلاث وهي: الحلف واتحاد غرب أوروبا ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، مسألة غير محسومة، نتج عنها خلافات في الرؤية، بين حدود المهام والصلاحيات لكل منهم، وقد أدارت كل منظمة، عملية التطوير وفقاً لرؤيتها الخاصة، ولما كانت مهامها متشابهة إلى حد كبير، فيما يتصل بالحفاظ على الاستقرار الأوروبي، ويمكن من خلالها دعم عمليات التحول في شرق ووسط أوروبا، فقد وضح أن هناك تضارب وتناقض أحياناً.

3. مجلس تعاون شمال الأطلسي:

    جاء إنشاء مجلس تعاون شمال الأطلسي في 20 ديسمبر 1991، كخطوة لإيجاد علاقة رسمية بين الحلف ودول شرق ووسط أوروبا، وبدا التوجه خلال قمة لندن في 6 يوليه عام 1990 بدعوة حكومات الاتحاد السوفيتي وتشيكوسلوفاكيا، والمجر وبولندا وبلغاريا ورومانيا، لإقامة علاقات دبلوماسية منتظمة مع الحلف. وفي باريس، في 19 نوفمبر من نفس العام، وقع الحلفاء مع هذه الدول إعلاناً مشتركاً، أكد على أنهم لم يعودوا يعتبرون بعضهم البعض كأعداء. وبحث في اجتماع وزراء خارجية دول الحلف بكوبنهاجن (6 ـ 7 يونيه 1991)، قضايا تطوير العلاقات مع دول الشرق[5]. وعندما اجتمع رؤساء دول وحكومات أعضاء الحلف بروما (7 ـ 8 نوفمبر 1991) "عرضوا إقامة روابط رسمية، مع دول شرق أوروبا، التي كانت أعضاء في حلف وارسو سابقاً. واقترحوا إقامة مجلس تعاون يضم في عضويته 25 دولة هي كل الدول الأعضاء في حلف الناتو (16 دولة)، إضافة إلى الدول التي كانت أعضاء في حلف وارسو (6 دول)، ودول جمهوريات البلطيق الثلاث، تحت مسمىّ "مجلس تعاون شمال الأطلسي". وأتفق على استمرار إجراء اجتماعات واتصالات دورية مع مجلس شمال الأطلسي، واللجنة ا لعسكرية للحلف، ولجان أخرى في الحلف، حيث هدفت دول الحلف من ذلك خلق شبكة من العلاقات، تمكنها من دعم جهود التحول في الشرق، وحفظ الأمن والاستقرار في أوروبا، عبر العمل تحت مظلة مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي.

    كانت صيغة مجلس تعاون شمال الأطلسي North Atlantic Cooperation Council NACC هي الصيغة التي جرى استحداثها لتجرى تحت مظلتها هذه الاتصالات، وقد عقد المجلس اجتماعه التأسيسي في 20 ديسمبر عام 1991 بمشاركة 25 دولة. بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، توسعت عضوية المجلس لتشمل: 8 دول من الاتحاد السوفيتي السابق. وكذلك انضمت جورجيا وألبانيا في اجتماع 5 يونيه 1992. بأوسلو، وشاركت فنلندا بصفة مراقب. كما اتفق على أن يعقد المجلس اجتماعاً سنوياً دورياً، واجتماعات أخرى كلما دعت الحاجة، وقد تركز نشاط المجلس، في القضايا السياسية والأمنية، التي رأت دول الحلف أنها ضرورية لحفظ الأمن والاستقرار في أوروبا، ودعم عمليات التحول في دول شرق ووسط أوروبا، والتي شملت:

أ. هياكل القوة والقيادة.

ب. المفاهيم الديموقراطية للعلاقات المدنية والعسكرية.

ج. التنسيق المدني/ العسكري لإدارة النقل الجوي.

د. تحويل الإنتاج العسكري للأغراض المدنية.

هـ. المشاركة في مهام حفظ السلام.

سادساً: الدور الأمريكي في مرحلة التجديد:

    عبر الرئيس الأمريكي جورج بوش، عن الدور الذي يتوقع أن تقوم به بلاده، في تلك المرحلة بقوله، أن هناك حاجة لاستمرار الولايات المتحدة في الاحتفاظ بدور رئيسي أمني في أوروبا. وأن الوجود الأمريكي القوي في أوروبا لن يعطل طموحات التكامل الأوروبي، بل أن بلاده تؤيد ذلك التكامل إلى حد إقامة اتحاد سياسي والوصول إلى هوية دفاعية أوروبية.

    كذلك تمسك الرئيس بوش باستمرار حلف شمال الأطلسي، ولا بديل لذلك، ومن خلاله سيستمر إسهام  الولايات المتحدة في الدفاع (وغيره من المجالات) في أوروبا، وحتى بعد التوصل إلى ترتيبات مستقبلية، وإقامة اتحاد أوروبي.

    كانت النظرة الأمريكية للتعاون والتقارب في الجانب الأوروبي لشمال الأطلسي، لا تعني انتهاء الدور الأمريكي بالقارة الأمريكية، وإنما يمكن أن يتم التعاون والتقارب بالتوازي مع تطوير حلف الناتو، ليتعاونا معاً في مواجهة التحديات المستقبلية، والتي لم يفصح عنها أحد في تلك الآونة.

    كان الأوروبيون يشعرون بحاجتهم لوجود القوات الأمريكية، على قارتهم. فبعد 40 عاماً من انتهاء الحرب العالمية الثانية، كان في أوروبا أكثر من 300 ألف جندي أمريكي، وعدة آلاف من الدبابات والطائرات الأحدث في العالم. كما كانت قوة الردع للحلف تعتمد على الصواريخ المتوسطة المدى الأمريكية، المقامة في قواعد في أنحاء أوروبا الغربية. بل أن ذلك الواقع انعكس على اهتمام دول غرب أوروبا بتحديث قواتهم البرية سلباً، وهو ما يعني استمرارهم في الاعتماد على القوة النووية الأمريكية في أوروبا.

سابعاً: تأثير المشكلات المعاصرة على الحلف:

1. الحلف وحرب الخليج الثانية:

    نَبّه الغزو العراقي للكويت (2 أغسطس 1990) الولايات المتحدة ودول الحلف الأخرى، للأخطار التي يمكن أن تمثل تهديدات جديدة لمصالحهم خارج النطاق الجغرافي لعمل حلف الأطلسي في أوروبا الغربية، وكان ذلك بداية التفكير في ضرورة توسيع نطاق عمل الحلف.

    رغم اتفاق دول الحلف على إدانة العدوان العراقي، إلا أنهم اختلفوا في كيفية التعامل مع الأزمة. كان الحدث خارج نطاق عمل الحلف، ولكنه يمس مصلحة حيوية لدوله، ويتطلب تدخل لحماية تلك المصلحة.

    طالب الجميع بسرعة سحب القوات العراقية الغازية من الكويت. عدا بريطانيا التي تطابق موقفها مع الولايات المتحدة، الذي ينادى بالعمل العسكري ضد العراق. حرصت دول الحلف الأوروبية (فرنسا - إيطاليا ـ ألمانيا) على تجنب الخيار العسكري، (وهو ما أكده قرار البرلمان الأوروبي برفض العمل العسكري وضرورة إتاحة الفرصة أمام العقوبات الاقتصادية، التي اتخذتها الأمم المتحدة). غير أن بريطانيا والولايات المتحدة طالبوا باستخدام القوة لإجبار القوات العراقية على الانسحاب وتوقيع عقاب صارم وقاسي عليها، لإرهاب دول المنطقة والعالم، والتنبيه لرد الفعل الذي سيلاقونه في ظل النظام الجديد الذي بدأت تظهر بوادره.

    انضم عدد من دول حلف الأطلسي للمشاركة في العمل العسكري تحت مظلة الأمم المتحدة، بينما اكتفي البعض الآخر بمساعدات، اختلفت كذلك، ما بين مساندة كاملة بالقوات، أو دعم بمعدات أو وحدات غير مقاتلة (طبية أو إدارية أو فنية)، أو مشاركة في التكلفة، أو اكتفاء ببيان. وقد وضح من ذلك اختلاف وجهات نظر دول الحلف، واتجاه بعضها للعمل خارج الحلف، بينما ساندت دول أخرى، الدول المشاركة من الحلف في العمل العسكري، في إطار ميثاق الحلف. ففرنسا وألمانيا، على سبيل المثال، من منظور مصلحتيهما الكبيرة في العراق، حاولتا تجنب اللجوء للخيار العسكري في البداية، وتمسكت ألمانيا بنصوص دستورها، الذي يحظر إرسال قوات ألمانية للقتال في الخارج، إلا في إطار معاهدة حلف الأطلسي، لذلك زادت مشاركتها في تكاليف الحشد العسكري. وأرسلت ألمانيا وبلجيكا طائرات إلى تركيا، دفاعاً عنها، واشترطت عدم مشاركة طائراتهما في العمليات الهجومية، وذلك في إطار مبدأ الدفاع الجماعي بموجب معاهدة الحلف، أما فرنسا فبالرغم من مواقفها المبدئية في معارضة العمل العسكري، إلا أنها لحقت بالركب خشية تهميشها، وأرسلت هي وبريطانيا وإيطاليا قوات برية وجوية وبحرية إلى الخليج للمشاركة في الحرب، ورغم اشتراط فرنسا عدم مشاركة قواتها في مهاجمة العراق، إلا أنها سرعان ما نحت هذا الشرط جانباً.

    شارك العديد من دول الحلف بشكل أو آخر في العمل ضد العراق، إلا أن ذلك لم يكن تحت مظلة الحلف، وإنما بشكل فردي، طبقاً للظروف الذاتية لكل دولة، عدا ألمانيا وبلجيكا اللتين شاركتا في الدفاع عن تركيا في إطار الحلف. كما شاركت بعض دول الحلف بطريقة غير مباشرة من خلال استخدام الولايات المتحدة القواعد الجوية والبرية بأراضيهم، في غرب وجنوب أوروبا.

    أوضحت حرب الخليج الثانية ضرورة تكييف هياكل وعقائد الحلف، لكي يتمكن من التعامل مع الأزمات المشابهة، في ظل عالم ما بعد الحرب الباردة، بالعمل خارج نطاق عمل الحلف في أوروبا الغربية، كما أبرزت هذه الحرب كذلك ضرورة أن يعقد الحلف اتفاقيات أمنية مع بعض دول منطقة الشرق الأوسط المحورية، توفر لها التسهيلات العسكرية اللازمة، وهو الأمر الذي أدى إلى طرح الحلف، بعد ذلك، لمستوى معين من العلاقات (الشراكة)، مع بعض دول المنطقة، خاصة جنوب المتوسط، والتي يمكن أن تكون ذات نفع للحلف، في أزمات مشابهة.

2. حلف الناتو، والأزمة في البوسنة والهرسك:

    تختلف أزمة البوسنة والهرسك، عن أزمة الغزو العراقي للكويت (حرب الخليج الثانية)، بالنسبة لحلف شمال الأطلسي، في كون الأولى في نطاق عمل الحلف في أوروبا، وهو ما يجعل لتلك الأزمة أهمية أكبر، تطبيقاً لما سنه الحلف، من تحديد لنطاق عمله في وسط وشرق أوروبا. وتحقق تلك الأزمة، ظن قادة الحلف، بتحسبهم للقلاقل الداخلية بالدول الأوروبية، أو تلك القريبة منها ـ رغم أنها قلاقل داخلية.

    لم يتدخل الحلف في البوسنة والهرسك، في البدء، تاركاً القوات الأوروبية فقط، لتحاول حل الأزمة وإنهائها، وهو ما يحقق للأوروبيين وجهة نظرهم في الاستقلال عن الولايات المتحدة، فيما يخص قارتهم، وكذلك يحقق وجهة نظر الأمريكيون، التي حرصوا على أن تتضح عملياً، بفشل الأوروبيين في الاعتماد على قوتهم الذاتية، وهو ما حدث بالفعل، رغم أن القوات الأوروبية كانت تعمل في إطار منظمتي مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي (CSCE)، واتحاد أوروبا الغربية (WEU) الأوروبيتين.

    في مؤتمر أوسلو (4 يونيه 1992)، أعلن مجلس الحلف استعداده لدعم عمليات حفظ السلام في البوسنة، تحت إشراف منظمة مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي، كما بدأ اعتباراً من يوليه 1992، التعاون مع اتحاد أوروبا الغربية في تطبيق العقوبات الاقتصادية ضد الصرب، بمراقبة الملاحة في البحر الأدرياتيكي، ومنع المواد ذات الصبغة (أو الفائدة) العسكرية إليها. وجاء قرار مجلس الأمن في نهاية 1992، بالموافقة على استخدام الحلف لقواته، وبالتعاون مع قوات اتحاد غرب أوروبا في فرض تنفيذ قرار مجلس الأمن بالقوة في البحر الأدرياتيكي، ليضيف شرعية، كانت لازمة لتدخل الحلف. وقد بدء الحلف في التخطيط للتدخل العسكري في البوسنة بعد موافقة وزراء الخارجية على دعم عمليات حفظ السلام في المنطقة.

    اشترك الحلف بطائراته كذلك في فرض حصار جوي، في الشهور الأولى من عام 1993، كما أمدت طائرات الحلف، البوسنة، بمواد الإغاثة الضرورية، ووفرت حماية جوية لقوات الحلف، التي كانت تسيطر على المناطق الآمنة في البوسنة، طبقاً لخطة الأمم المتحدة.

    أجاز مجلس الحلف اشتراك طائرات الحلف في أعمال قتال جوية، وقصف جوي ضد أهداف حربية عسكرية، بدأت في فبراير 1994[6]. وبتوقيع اتفاق "دايتون" شكل حلف الناتو قوات لتطبيق الاتفاق، من 14 دولة بالحلف، إضافة إلى 4 دول أوروبية من خارج الحلف.

    أوضحت أزمة البوسنة، للمرة الثانية، بعد حرب الخليج الثانية، ضرورة تطوير هياكل الحلف وعقائده وآلياته، للتكيف مع البيئة الدولية، في مناخها الجديد، خاصة بعد الخلاف الذي كاد أن يطيح بالجهود التي بذلت للسيطرة على الموقف من قبل الحلف، إذ اعترضت القوات الدولية (التابعة للأمم المتحدة) على التدخل المنفرد للأمريكيين وفرضهم آراءهم وكادت الولايات المتحدة أن توقف تدخلها العسكري.



[1] وقعت دول الكوميكون، بروتوكولاً في 28 يونيه 1991، في بودابست لإنهاؤه، ثم وقع بروتوكول آخر في 1 يونيه 1991 لإنهاء حلف وارسو، وفي 31 يناير 1992، أعلن حل الاتحاد السوفيتي وإحلال روسيا الاتحادية بدلاً منه، في مسؤولياته الدولية.

[2] يعني ذلك أن تقلل الولايات المتحدة من مسؤولياتها، والتكاليف التي تتحملها.

[3] اتحاد غرب أوروبا: 1. وقعت اتفاقيته عام 1948 ببروكسل (بلجيكا - فرنسا - لوكسمبرج - هولندا - المملكة المتحدة)، انضمت إليه بعد ذلك كل من إيطاليا وألمانيا عام 1954، وفي عام 1988 انضمت كل من أسبانيا والبرتغال، ثم انضمت ليونان عام 1992. 2. أهدافه: أ. إرساء أسس قوية لدعم اقتصاد دول أوروبا الغربية. ب. توفير المساعدة والمساندة لمقاومة أي سياسة عدائية. ج. تشجيع الوحدة والعمل على الوصول للاندماج الأوروبي. 3. شهدت الفترة من 1973 إلى 1984 انخفاضا ملحوظا في نشاطه حتى صدر إعلان روما في أكتوبر 1984 الذي حدد هدفه في `تعريف الأمن الأوروبي والتدرج في التوفيق بين السياسة الدفاعية للدول الأعضاء.

[4] يعتمد اتحاد أوروبا الغربية، على الهيكل العسكري للناتو، ويتم التعاون بينهما بشكل كامل خاصة فيما يتعلق بالمعلومات والتنسيق العسكري، وتعمل كلتا المنظمتين في تعاون وثيق للحفاظ على الأمن والسلم في أوروبا، فضلا عن أن عضوية اتحاد غرب أوروبا ترتبط بعضوية الدولة في الناتو.

[5] أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش George H.W.Bush عن استعداده لتجاوز مرحلة احتواء الشيوعية وتبني سياسة تهدف إلى ضم الاتحاد السوفيتي للمجتمع الدولي، وأنه يشارك دول الحلف في الانتقال إلى مرحلة ما بعد الحرب الباردة.

[6] أسقطت طائرات حلف الناتو أربع طائرات عسكرية حربية، انتهكت مناطق الحظر الجوي.