إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / تنامي الدور الإيراني، وتأثيره على الأمن القومي العربي





مواقع إيران النووية الأساسية
نظام ولاية الفقيه الملالي
الهيكل التنظيمي للقوات المسلحة
التقسيم الإداري لإيران
التقسيم العرقي والطائفي




المبحث الثاني

المبحث السادس

تنامي الدور الإيراني في المنطقة العربية

لعبت إيران أدواراً كبرى، ليس في المنطقة العربية فحسب، وإنما في منطقة الشرق الأوسط منذ فجر التاريخ، بحكم موقعها الجغرافي، وما تمتاز به عن الدول المجاورة لها في المنطقة من توافر موارد الثروة المختلفة، وأيضاً لصعوبة التغلب عليها عسكرياً في أراضيها لوعورة الأرض ما يجعلها ملائمة للدفاع لكثرة المواقع الطبيعية بها. وتكمن الأهمية الرئيسة لموقع إيران الجغرافي فيما يختص بالمواصلات العالمية في البر والبحر في أنها تربط بين

·      الشرق: إلى الهند والشرق الأقصى.

·      الجنوب: إلى الخليج العربي والجزيرة العربية والمحيط الهندي وإلى أفريقيا.

·      الغرب: إلى جنوب غرب آسيا وشرق البحر المتوسط وأوروبا.

·      الشمال: إلى روسيا ومنطقة بحر قزوين وشرق أوروبا.

تكمن الأهمية الإستراتيجية لإيران في النقاط الآتية

1. توسط موقعها الجغرافي بين الشرق الأقصى والشرق الأدنى. وبين قارتي آسيا وأفريقيا.

2. إشرافها على الخليج العربي ومدخل المحيط الهندي، أقرب الطرق المؤدية إلى المياه الدافئة المفتوحة بالنسبة لروسيا الاتحادية والدول المجاورة لها.

3. مناعة أراضيها وطبيعتها الجغرافية التي توفر ميزة دفاعية كبرى للدولة.

4. وفرة الموارد الزراعية والحيوانية والمعدنية، مع إمكان التوسع في استغلالها كلما زادت الإمكانات المادية والفنية.

5. توفر النفط بنسبة كبيرة في الجنوب الغربي، ويقدر الاحتياطي الموجود بها نحو 930 مليون طن.

6. تعد إيران سوقاً استهلاكية كبيرة بالمقارنة بدول المنطقة.

7. تفوق إيران في القوى البشرية عما حولها من دول الجوار، ما يمكنها من إيجاد قوة عسكرية كبيرة.

8. هي أقرب المعابر الأرضية من آسيا إلى منطقة الخليج العربي، ومن ثم إلى أفريقيا.

9. اتساع رقعتها المساحية، التي تصل إلى 628 ألف ميل مربع، يتيح لها وجود عمق دفاعي كبير وعمق استراتيجي لدول الجوار أمام أي غزو خارجي.

منذ أواخر سبعينيات القرن العشرين، وعلى الرغم من مرور أكثر من ثلاثين عاماً على انتصار  الثورة الإيرانية، بقيادة الخميني، فلا تزال إيران "الدولة الإسلامية" تمثل مشكلاً عظيماً يصعب على الغالبية العظمي من مفكرين ومحللين وعامة حل رموزه الحقيقية أو حتى الاقتراب من فهمها أو تصديق نواياها، حيث تصطدم مطامح سياستها بين المصالح القومية لكل من الولايات المتحدة الأمريكية القطب الأوحد، والمنطقة العربية خاصة بعد انتهاء حرب الخليج الثالثة، وتحقيق هدفها بخروج العراق من توازن القوى بمنطقة الشرق الأوسط، بما كان يمثل من ثقل سياسي وقوة اقتصادية وقدرة عسكرية عالية، واتفاق ذلك مع المطامح والأهداف الإيرانية، الإقليمية والدولية.

أصبحت إيران وبما لا يدع مجال للشك إحدى الدول المحورية بمنطقة الشرق الأوسط، خاصة في ضوء ما تمتلكه من مقومات حضارية وثقافية وموقع جيوإستراتيجي بالغ الأهمية يضم داخله قدرة اقتصادية وأمنية وعسكرية وسياسية وإعلامية، وبما يجعلها إحدى القوى الرئيسة التي يصعب تجاهلها في معادلة توازن القوى بمنطقة الشرق الأوسط بعامة، والمنطقة العربية بخاصة، بما تتمتع به من مقومات القوى الشاملة.

ظلت المطامح والأهداف القومية الإيرانية ثابتة ولم يطرأ عليها تغييرات جوهرية ما بين عصر الثورة الإسلامية وما قبلها في ظل حكم الشاه، وإن اختلفت أسبقياتها والأدوات والأساليب لتحقيقها، وهو ما يعكس السعي الدائم للبحث عن دور للدولة ومكانة إقليمياً ودولياً، وإن كان اعتمد في حكم الشاه التحالف مع القوى الكبرى "الولايات المتحدة الأمريكية" وحلفائها "إسرائيل"، فقد اقتصر بعد الثورة ليكون دور إيران مناوئاً ومنافساً لهما.

تتسم عملية صنع القرار في النظام الإيراني بما يختلف عن باقي الأنظمة الأخرى، سواء الداخلية أو الخارجية، بتعدد الجهات المسؤولة عن اتخاذ القرار بما يصعب على أي منها الإنفراد به دون وجود مراقبة فعالة عليها، في أطر ومحددات المبادئ التي قامت عليها الثورة الإيرانية المستندة في جوهرها على نظرية ولاية الفقيه في المذهب الشيعي.

لعبت التوجهات والأهداف الإيرانية دوراً مهماً في الاستفادة من المعطيات الإقليمية والدولية التي حدثت خلال الفترة الأخيرة، لإبراز أهمية دورها المؤثر في العديد من القضايا المثارة في المنطقة، ومحاولة التأكيد على عدم إغفالها في أي ترتيبات مستقبلية لإعادة توازنات القوى الإقليمية، خاصة مع تمسكها بحقها في امتلاك القدرات النووية واستخدامها في المجالات السلمية.

بنجاح الثورة الإسلامية في الإطاحة بالشاه "محمد رضا بهلوي"، عام 1979، بدأ تغيير جذري في دور إيران على المستوى الإقليمي. فبعد أن كانت خلال عهد الشاه أهم حلفاء الغرب، وتضطلع بدور حماية المصالح الغربية عموماً، والأمريكية تخصيصاً، تحولت إيران إلى عدو ومصدر تهديد لمصالح الغرب، وعلي رأسها تدفق النفط من الخليج، وأمن إسرائيل، ولكنها لم تتخل عن مطامحها الإقليمية، واعتمدت في هذا السياق على ركائز جديدة كان على رأسها مبدأ تصدير الثورة إلى الخارج، والتي أدت إلى توتر علاقاتها مع معظم الدول العربية، ودخولها في حرب مع العراق دامت ثماني سنوات، فضلاً عن تعرضها لعزلة دولية وإقليمية.

بفعل عوامل عديدة، مثل تراجع أهمية الخطاب الأيدلوجي داخلياً وخارجياً، بعد وفاة الإمام "الخميني" وانهيار الاتحاد السوفيتي السابق، وبدء ما يسمي بـ "مرحلة التحول من حالة الثورة إلى حالة الدولة"، استبعدت إيران سياسة "تصدير الثورة" في تعاملها مع المنطقة العربية بصفة مؤقتة، واستعاضت عنها بأدوات أخرى، مثل تأسيس علاقات وثيقة مع قوى عربية رئيسة على غرار سورية، بهدف إكساب دورها في الإقليم غطاءً عربياً، وفتح قنوات تواصل مع العديد من المنظمات، مثل حزب الله في لبنان، وحركتي حماس والجهاد والإسلامي في فلسطين، والحوثيين في اليمن، وأيضا مع التجمعات الشيعية في المنطقة العربية، وذلك لدعم مطامحها في أن يكون لها دور رئيس في معظم الملفات والقضايا العربية.

أولاً: الدور والأهداف الأمنية - العسكرية

1. مواصلة دعم الأنشطة الإرهابية سراً:

بوصف ذلك أحد الأدوات التي تمتلكها في مواجهة الضغوط الدولية، ومواصلة تقديم المساندة والدعم للمنظمات المتشددة في المنطقة، مثل: حزب الله - منظمة حماس - الجهاد الإسلامي - جماعة الحوثيين - طالبان، مرتبطاً بنشر الفكر الشيعي، واستمرار احتفاظها بالعديد من عناصر تنظيم القاعدة على أراضيها لمحاولة استخدامهم في بعض العمليات الإرهابية، في حالة توجيه ضربة عسكرية لها من جانب الإدارة الأمريكية.

2. انتهاج سياسة مزدوجة في التعامل مع أفغانستان

ففي الوقت الذي تحتفظ فيه بعلاقات وثيقة مع الحكومة الأفغانية، تقوم بدعم عناصر المقاومة "حركة طالبان" في ضوء رغبة النظام الإيراني في زيادة نفوذه الإقليمي وتأمين مصالحه في أفغانستان، خاصة مع احتمال استخدام الأراضي الأفغانية في توجيه ضربة عسكرية لإيران حال اتخاذ الحكومة الأمريكية قراراً بهذا الشأن.

3. ضرورة استكمال الملف النووي الإيراني

وذلك برفض "نجاد" الالتزام بالقرارات الدولية الصادرة في هذا الشأن، القرارات الأرقام 1696 و1737 و1747 و1803 و1929، وتمسكه بحق بلاده في تخصيب اليورانيوم.

4. رفض إبداء أية مرونة لتسوية مشكلة الجزر الإماراتية

تعدد التصريحات الإيرانية بأن جزر طنب الكبرى، والصغرى وأبو موسى، تُعد قضية غير خاضعة للمفاوضات، رغم سابق إبداء الرئيس "خاتمي" إمكان التفاوض حول جزيرة أبو موسى في محاولة إيجاد تسوية ولو جزئية لحل المشكلة.

5. إطلاق التصريحات العدائية المتشددة تجاه إسرائيل

محو إسرائيل من الخريطة، والتشكيك في المذابح التي تعرض لها اليهود على أيدي القوات الألمانية إبان الحرب العالمية الثانية، وذلك بهدف محاولة لاكتساب شعبية لها بين دول المنطقة، إضافة إلى إحراج الأنظمة العربية.

6. إمكان استهداف دول الخليج

في حالة موافقتها على استخدام أراضيها لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، مثل حرق آبار النفط، وعدم مرور ناقلات النفط التابعة لدول المنطقة في مضيق هرمز.

7. ارتباطاً بالتطورات الحالية وتصاعد حدة التوتر بين طهران وواشنطن بشأن تخصيب اليورانيوم

فإن النظام الإيراني يسعي لتحقيق عدة أهداف إستراتيجية لتفعيل دورها في المنطقة العربية، تتمثل أهمها في الآتي:

أ. الحصول على اعتراف واشنطن بالجمهورية الإسلامية الإيرانية.

ب. الحصول على دور أساسي بوصفها قوة إقليمية مهيمنة في منطقة الخليج العربي.

ج. إرغام الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا على إعطائها ضمانات أمنية مستقبلية.

د. الحصول على القدرات النووية دون تصنيع القنبلة النووية حالياً، وامتلاكها الإمكانات كافة التي تستطيع بها تصنيع القنبلة في فترة معينة حال التأكد من وجود تهديد إستراتيجي لها.

8. يمكن الإشارة إلى بعض المحددات التي زادت من رصيد القدرات العسكرية الإيرانية في المنطقة، وذلك على النحو التالي:

أ. المرحلة المتقدمة التي وصل إليها برنامجها النووي على الأقل من ناحية المعرفة التقنية.

ب. تعثر السياسات الأمريكية في المنطقة وإثارة الفوضى في العراق، الأمر الذي حولها إلى مستنقع يصعب الخروج منه، وأعطي لطهران ساحة رئيسة للنفوذ والمساومة مع واشنطن.

ج. القدرات العسكرية المتطورة التي أصبحت بحوزة إيران في الوقت الحالي.

د. تفكك الجبهة العربية وتدني التنسيق بين دولها في مواجهة تنامي الدور الإيراني وتهديداتها المستقبلية للمنطقة، في حالة امتلاكها للسلاح النووي وتمسكها بتصدير مبادئ الثورة الإيرانية.

هـ. انجازات حلفاء إيران (حزب الله - حماس - الحوثيين)، الأمر الذي مكن طهران من لعب دور إقليمي أكبر يجبر واشنطن على عدم تجاهلها في أية ترتيبات بالمنطقة مستقبلاً.

9. زيادة تصاعد الدور الإيراني إقليمياً

ونجاحها في توظيف الظروف الإقليمية والدولية لخدمة مصالحها في المنطقة، مستثمرة التداعيات الناجمة عن الوجود الأمريكي بكل من العراق وأفغانستان.

10. مواصلة دعم إيران لحزب الله مادياً وعسكرياً

بما يجعله أحد أدوات طهران لاستخدامه في إثارة الأوضاع في المنطقة، وهو ما أكدته العمليات بين كل من حزب الله وإسرائيل.

11. عدم القدرة على تحجيم التطلعات الإيرانية المستقبلية لامتلاك السلاح النووي

قد يزيد من ثقل التأثير الإيراني على أدوات الحركة الموالية لها داخل مسارات عملية السلام المختلفة في منطقة الشرق الأوسط، مثل: حزب الله اللبناني، وحركتي حماس والجهاد الفلسطينيتين، والنظام السوري في حالة استقراره، والحوثيين.

12. تصاعد الأزمة النووية الإيرانية مؤخراً

أعقب صدور عدة قرارات من مجلس الأمن لفرض عقوبات على إيران، مع بقاء احتمالات توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، في حالة فشل الجهود الدبلوماسية ظهور العديد من السلبيات على المنطقة، يمكن إبرازها في الآتي:

أ. احتمالات توجيه إيران ضربات صاروخية للمنشآت النووية الإسرائيلية، وما تمثله من تأثيرات سلبية على المنطقة لتعرضها لآثار الضربة (إشعاع - غبار ذري).

ب. تعرض المنطقة لضغوط من المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، لتطبيق القرارات الدولية بفرض عقوبات على إيران.

ج. إثارة حالة من عدم الاستقرار الداخلي بالمنطقة، بتصاعد المظاهرات المناوئة للولايات المتحدة الأمريكية، وردود الأفعال السياسية والشعبية لإيقاف التهديدات الأمريكية على إيران بوصفها دولة إسلامية، وعدم تكرار السيناريو الأمريكي في العراق، لاسيما مع ظهور التيارات الإسلامية بعد ثورات الربيع العربي.

د. تراجع فرص حل مشكلة الجزر الإماراتية التي تحتلها إيران لتوسيع مناطق نفوذها البحرية في الخليج، وخاصة حول مضيق هرمز، الأمر الذي قد يؤثر على الدور العربي في المنطقة.

13. امتلاك إيران العديد من اللنشات السريعة والخفيفة

المسلحة بأسلحة متعددة (صواريخ سطح/ سطح - طوربيدات خفيفة)، وعدد كبير من الصواريخ الساحلية من بينها الصاروخ "رعد" الذي يصل مداه إلى 350 كم، يمكن إيران من تعطيل الملاحة البحرية في مضيق هرمز.

14. تطوير إيران لأنظمة صواريخ باليستية

نجاحها في تكوين بنية تحتية وتكنولوجية، وكذا توافر كوادر علمية يتيح لها القدرة على تهديد العديد من الدول في المنطقة، يأتي ذلك في إطار هدفها في فرض واقع جديد هو أنها دولة محورية وقوية لها ثقلها الإقليمي والدولي.

15. دعم إيران للتنظيمات الفلسطينية المعارضة

ما ترتب عليه من انقسام الموقف الفلسطيني إلى سلطتين متنازعتين بالضفة والقطاع، في إطار حرصها على تثبيت الأوضاع القائمة لإعادة صياغة معادلة القوى في المنطقة، وإيجاد أدوات ضغط على المجتمع الدولي يمكن استخدامها لصالح ملفها النووي والتفاوض مع القوى الكبرى.

16. سعي إيران لدعم القوى الشيعية في العراق

في إطار تأسيس إقليم شيعي يتمتع بحكم ذاتي، وتصاعد قوة النفوذ الكردي داخل النظام، والسعي لتثبيت أوضاع الحكم الذاتي بإقليم كردستان.

17. تحرك إيران ميدانياَ لتنفيذ الأهداف بعيدة المدى

مخطط يستهدف تقسيم اليمن إلى قسم شمالي تُعيد فيه حركة الحوثيين حكم "الإمامة" الشيعي على الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، لاستهداف استقرارها بحكم أنها قوة سُنية رائدة بالمنطقة. وقسم جنوبي تحكمه حركات سياسية موالية لإيران، يشكلان معاً منطلقاً لتمدد إيراني كبير في المنطقة.

18. التركيز على عمليات بناء الثقة مع الدول الخليجية

من طريق إقامة حوار وتفاهم مشترك، ومحاولة تغيير الانطباعات السابقة عن النظام، مثل: توقيع اتفاقيات مع الكويت وقطر، وتسليم بعض عناصر تنظيم القاعدة غير القياديين المقيمين على أراضيها، وزيارة "أحمدي نجاد" للمملكة العربية السعودية، في مارس 2007، ومشاركته في القمة الخليجية بالدوحة، إضافة إلى السعي لإزالة أي شكوك لدي الدول العربية الخليجية نحو مساعيها لتطوير قدراتها العسكرية، خاصة في مجال الصواريخ الباليستية من خلال تأكيدها في العديد من اللقاءات الثنائية مع دول المنطقة، بأنه مُخصص لحماية أمنها من أية تهديدات خارجية يمكن أن تواجهها (اُنظر ملحق البيان الختامي لقمة الدوحة "إعلان الدوحة").

ثانياً: الدور والأهداف الاقتصادية الإيرانية

1. التعامل مع الأولويات الاقتصادية في ظل المشكلات التي يعاني منها الاقتصاد الإيراني، مثل: ارتفاع نسبة البطالة والتضخم - انخفاض مستوى المعيشة وتزايد معدلات الفقر، بإقامة علاقات تجارية مع دول المنطقة لمعالجة هذه المشكلات، إضافة إلى ما يمثله أي تدهور في موقفها الاقتصادي من التأثير سلباً على حجم المساعدات التي تقدمها للتنظيمات المتشددة، تزايد الانتقادات الداخلية للنظام بتخصيص أكثر من 700 مليون دولار لإعادة إعمار أفغانستان، ودعم حماس رغم المشكلات الاقتصادية للدولة.

2. سيطرة إيران على مضيق هرمز وتصعيد تهديداتها بإغلاقه في حالة تعرضها لضربة عسكرية، ما يؤدي إلى عدم مرور أية حاملات للنفط فيه (يمر عبر هذا المضيق 25% من الإنتاج العالمي للنفط)، يطرح تداعياته السلبية على اقتصاد المنطقة العربية، خاصة المصري، في ضوء مرور غالبية ناقلات النفط عبر قناة السويس، وهو ما قد يؤدي إلى تقليل العوائد المادية المنتظر تحقيقها منها.

ثالثاً: الدور الرئيس للسياسة الخارجية الإيرانية

1. وضع خطة طويلة المدى للأمن القومي تحقق برنامج لسياسة خارجية تمتاز بالنشاط الإيجابي.

2. توسيع نطاق الدور المحدود لجمهورية إيران الإسلامية حول ما يتعلق بتشكيل التوازنات في المنطقة والعالم، والاستفادة الواسعة من قدرات الدولة في دفع أهداف السياسة الخارجية.

3. تهيئة مجالات السياسة الخارجية لتعزيز الاستقرار والتنمية ومواءمة جميع المؤسسات وأجهزة الدولة لإيجاد وحدة في اتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية.

4. إقامة علاقات متوازنة مع الأسواق العالمية باستثمار رؤوس الأموال وتأمين احتياجات الدفاع للدولة.

5. تنمية التعاون الدولي للحد من إشكال نظام القطب الواحد، والمشاركة في المنظمات الدولية والإقليمية، لتأمين مصالح إيران مع الدول النامية، من خلال تعزيز أوجه التعاون بينهما وبين العالم الإسلامي.

6. حماية أمنها القومي من جميع التهديدات والحفاظ على استقلالها الوطني، ويفسر ذلك سعيها لإخراج القوى الأجنبية من المنطقة، نظراً لما يمثله من تهديد مباشر لمصالحها.

7. دعم وضعها الإقليمي من خلال امتلاك أدوات ضغط مؤثرة تتيح لها التحرك بحرية خارج حدودها لزيادة نفوذها بالمنطقة.

8. تطوير العلاقات مع تركيا لتلاقي مصالحهما عقب الاحتلال الأمريكي للعراق وما نجم عنه من تصاعد لنفوذ القوى الكردية، والتنسيق معها بشأن الأوضاع في العراق، في ضوء تخوفهما من إقامة دولة كردية في شمال العراق تؤثر على أمنهما القومي، وهو ما أكدته استجابة طهران للمطالب الأمنية التركية للحد من تحركات عناصر حزب العمال الكردستاني في منطقة الحدود للبلدين، والاعتراف بأن الحزب منظمة إرهابية، وتسليم الناشطين بعد إلقاء القبض عليهم لقوات الأمن التركية.

9. توثيق علاقاتها مع سورية، خاصة مع تشابه الضغوط التي تتعرض لها الدولتان من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، والتنسيق معاً بشأن القضايا الإقليمية المهمة في المنطقة، مثل: أوضاع لبنان - العراق - فلسطين، والحصول على دعم كل منهما للآخر في المحافل الدولية، حيث تتعرض الدولتان لضغوط، إيران نتيجة برنامجها النووي، وسورية نتيجة الاتهامات الدولية الموجهة لها بالتورط في جرائم حرب ضد المعارضة والثوار من الشعب السوري.

10. رفض المشاريع الخارجية للإصلاح، لاسيما مشروع الشرق الأوسط الكبير، مع قناعتها بأنه يحقق مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في المنطقة، ويؤثر سلباً على استقرار دولها، وذلك بالتزامن مع طرحها مشروعاً جديداً يُعرف باسم "الشرق الأوسط الإسلامي"، وعدِّه البديل الأمثل من وجهة النظر الإيرانية لمواجهة المشروع الأمريكي.

11. التدخل الإيراني في الشأن اللبناني على أساس طائفي، وتمسكها بعلاقات خاصة مع حزب الله، مع استثمار هذه الورقة لدعم موقفها الخلافي مع الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية بشأن ملفها النووي.

رابعاً: الدور والأهداف الاجتماعية الإيرانية

1. التركيز بصورة كبيرة خلال هذه المرحلة على نشر المذهب الشيعي داخل الدول العربية والإسلامية، في إطار حرصها على توسيع القاعدة الشيعية في المنطقة.

2. الاستمرار في إثارة حالة من عدم الاستقرار داخل العراق، بحسبان أن ذلك يصب في مصلحتها دون الوصول إلى مرحلة الحرب الأهلية؛ إذ إن هذه المرحلة ستكون أزمة للأمن القومي الإيراني (تدفق اللاجئين - إنشاء دول كردية)، وذلك من خلال استخدام علاقاتها بكافة الأطراف العراقية الحكومية، والميليشيات الشعبية، والأحزاب السنية، وجماعات المقاومة، والأحزاب الكردية، لصالح مواصلة حالة الفوضى.

3. دعم علاقات إيران بالمنظمات الإقليمية، مثل: منظمة المؤتمر الإسلامي، وجامعة الدول العربية، في إطار رغبتها في حشد العالمين العربي والإسلامي لتأييدها، لاسيما في مشكلتها النووية.

4. مواصلة النظام الإيراني توجهه عقدي بدعم الفكر الثوري والمد الشيعي يعد أبرز التهديدات التي تواجه المنطقة، حيث إن هدف الثورة تصدير فكر الإمام الخميني للدول العربية والإسلامية.

5. رغم اعتماد طهران سياسة تستهدف التقريب بين المذهبين السني والشيعي ورغبتها في إحياء اللجنة المشكلة من الأزهر الشريف في هذا الشأن، إلا أن كل هذا يندرج تحت سياسة عدم إظهار النوايا الحقيقية، وأن الهدف الترويج للمذهب الشيعي في المنطقة الأمر، الذي وضح خلال اجتماع المؤتمر التأسيسي، الذي عقد بطهران في يناير 2007، وتمثلت أبرز نتائجه في الآتي:

أ. اتجاه إيران لتشكيل منظمة عالمية باسم "المؤتمر الشيعي العالمي"، بهدف الترويج للمذهب الشيعي في الدول العربية والإسلامية.

ب. تقديم العناصر الشيعية في الدول المستهدفة من جانب إيران (دول الخليج - سورية - لبنان - اليمن - مصر)، تقارير شهرية لرئاسة المؤتمر تتضمن المعلومات والانجازات التي حققتها في تلك الدول.

ج. استقطاب الرموز والشخصيات الدينية البارزة ودس العناصر الموالية لإيران في صفوفهم.

د. بناء المجتمع الإيراني من الداخل، وذلك بالاهتمام بالتعليم ورفع مستوي المعيشة للشعب الإيراني.

خامساً: الدور والطموحات الإيرانية في المنطقة العربية

يأتي الدور الإيراني بالمنطقة العربية في سياق التحول في أهداف السياسة الخارجية الإيرانية، من مجرد محاولة مواجهة الظروف المحلية الطارئة إلى تحديد طبيعة المناخ الدولي المحيط وتهيئته، بما يحقق أكبر قدر ممكن من مصالحها، لاسيما أن الدول العربية تمثل لها بوابة نحو العالم عبر المياه الدولية، وتوفر لها محطات تجارية وغير تجارية على المحيطين الهندي والأطلسي.

رؤية إيران أن النظام العالمي الحالي (أحادي القطبية) يهدد مصالحها القومية، ومن ثم فإنها تبحث عن كل منطقة تساعدها على مواجهة الحصار الغربي والأمريكي المفروض عليها، فقارة آسيا تحتل المرتبة الأولى في توجهها شرقاً لكن هذا التوجه يصطدم بوجود أمريكي وتنافس صيني، ومن ثم فالبديل هو التوجه نحو دول قارة أفريقيا بصفة عامة، والمنطقة العربية بصفة خاصة.

إن طهران في سعيها لتنمية علاقاتها بالدول العربية لا تبدأ من فراغ، فهناك تعاون بالفعل في العديد من المجالات السياسية، والاقتصادية، والفنية، والعلمية، والثقافية. وهناك رغبة عربية واضحة في الاستفادة من الخبرة الإيرانية في قطاعات التكنولوجيا، والنفط، وصيانة معامل تكرير النفط، والاستكشافات النفطية.

أوجدت المصالح المشتركة الحالية بين إيران والدول العربية، العديد من القواسم المشتركة التي تساعد على تطوير العلاقات، فالإسلام يمثل قاسماً مشتركاً، وكلاهما عاني من سيطرة الأجانب. ففي الوقت الذي تسعي فيه الولايات المتحدة الأمريكية للتضييق على ظاهرة تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد العربية، طورت إيران علاقاتها الدبلوماسية مع بعض الدول العربية.

سادساً: الدور الإقليمي لإيران في ظل ثورات الربيع العربية

جاءت موجات التغيير والتحول الديمقراطي التي تجتاح الدول العربية لتربك حسابات إيران، لما لها من تأثير في التوازن الإستراتيجي في المنطقة، مما يؤثر على مصالح إيران ودورها الإقليمي، وهو ما يفسر حالة الارتباك الواضحة التي اتسم بها تعامل إيران مع هذه التطورات، لدرجة عدم وجود سياسة إيرانية واحدة، وإنما سياسات متعددة، وربما متناقضة في بعض الأحيان في موقفها من الثورات الشعبية العربية.

بدت إيران مطمئنة إزاء الثورات الشعبية في كل من مصر وتونس، أوائل عام 2011، والإطاحة بنظامي الرئيس التونسي "زين العابدين بن على"، والمصري "حسني مبارك"، اللذين يعدان من حلفاء الغرب في المنطقة العربية، بما يعني فشل الولايات المتحدة الأمريكية في المحافظة على الأنظمة الداعمة لها، ويعني أيضاً انتصار ما يسمي بـ"محور الممانعة" الذي تقوده إيران، ويضم كل من سورية، وحزب الله اللبناني، وحركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، في مواجهة مع "محور الاعتدال"، الذي كان يضم دول مجلس التعاون الخليجي، إلى جانب مصر، والأردن، وبعض الدول العربية الأخرى.

فضلاً عن ذلك، بدأ الحديث في إيران عن بعض المكاسب الآنية من قيام الثورات في العديد من الدول العربية:

1. توجيه اهتمام المجتمع الدولي بعيداً عن أزمة الملف النووي الإيراني، ومحاولة كسب مزيد من الوقت سواء لمواجهة الصعوبات التكنولوجية التي هاجمت البرنامج النووي في الفترة الأخيرة، مثل فيروس ستوكسنت الذي نجح في إخراج عدد غير قليل من أجهزة الطرد المركزي عن دائرة السيطرة، أو لتحقيق أكبر قدر من التقدم في عمليات تخصيب اليورانيوم، حيث كان لافتاً نجاح إيران، منذ فبراير 2011، خلال ذروة اشتعال الثورتين المصرية والتونسية، في زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 13.9%، بمقدار 500 كجم، من 3600 كجم إلى 4100 كجم.

2. تقليص حالة الأهمية والزخم التي حظيت بها حركة الاعتراض على نتائج الانتخابات الرئاسية، التي أجريت في عام 2009، وأسفرت عن فوز الرئيس "محمود أحمدي نجاد" بفترة رئاسية ثانية، والتي تمثل ما يمكن تسميته بالمعارضة من داخل النظام، وهو ما منح الفرصة للسلطات الإيرانية لتضييق الخناق على حركة الاعتراض.

3. الاستفادة من الزيادة الملحوظة في أسعار النفط، خصوصاً بعد وصول موجات التغيير الديمقراطي إلى ليبيا، وبروز توقعات باحتمال امتدادها إلى دول نفطية أخرى في المنطقة.

وعلى ضوء هذه التداعيات الإيجابية الأولية اندفعت إيران إلى الحديث عن ولادة شرق أوسط جديد في المنطقة، على أنقاض الأنظمة التي سقطت، واستدعت في هذه اللحظة مشروعها لإقامة شرق أوسط إسلامي، الذي سعت إليه في مواجهة المشروعات التي طرحتها الولايات المتحدة الأمريكية، عقب احتلال العراق عام 2003، مثل مشروع الشرق الأوسط الكبير، والشرق الأوسط الجديد. ويعتمد هذا المشروع الإيراني على محورين

·   الأول: أيدلوجي يتمثل في إيمان النظام الإيراني بحتمية قيام الحكومة العالمية للإسلام، وبضرورة اضطلاع إيران بدور قوي في التمهيد لذلك.

·   الثاني: استراتيجي يتصل بمحاولات إيران تكوين حزام أمني يكون بمنزلة حائط صد لكل المحاولات التي يبذلها خصومها لاختراقها من الداخل أو إحكام محاصرتها عبر دول الجوار.

أما على المستوى الإقليمي، فقد فرضت التطورات التي تشهدها العديد من الدول العربية بدائل ضيقة أمام إيران، دفعتها إلى اعتماد سياسات متناقضة إزاءها. ففي الوقت الذي دعمت فيه الثورات والاحتجاجات التي شهدتها دول مثل تونس ومصر والبحرين ورأت أنها مستوحاة من الثورة الإسلامية الإيرانية، وصفت الأحداث التي شهدتها سورية بأنها شأن داخلي، وأيدت إجراءات النظام السوري في التعامل معها، كما رفضت تنظيم المظاهرات في العراق، حيث أصدر وكيل المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية "على خامنئي" في العراق، "محمد مهدي الأصفي"، فتوى بتحريم التظاهر.

مخاوف إيران لا تنتهي عند هذا الحد، بل إن المسارات المحتملة للتطورات الجديدة في الشرق الأوسط يمكن أن تُخصم من النموذج الذي سعت إيران، منذ قيام الثورة عام 1979، إلى ترويجه وتصديره إلى دول الجوار لصالح نماذج أخرى، مثل النموذج التركي الذي بدأ يحظى بأهمية  خاصة في رؤية العديد من الاتجاهات، بوصفه أنسب النماذج السياسية للحالتين المصرية والتونسية تحديداً، والوصول إلى هذا النموذج لا يريح إيران، لأنه سيتضمن في كل الأحوال مبادئ وأسس تتعارض مع طروحاتها وتوجهاتها، مثل المواطنة، والحريات العامة، والمجتمع المدني وغيرها.

سابعاً: رؤية عربية جديدة تجاه إيران

تبدو إيران غير مطمئنة لاحتمال أن تتمخض عن الثورات العربية الحالية ملامح رؤية عربية جديدة للتعامل مع المحيط الخارجي، لاسيما دول الجوار التي تشترك في صراعات على قضايا مختلفة مع الدول العربية، وهنا تكتسب العلاقة مع إيران أهمية خاصة، لاسيما أن التطورات الأخيرة أسهمت في تصعيد خلافاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي إلى مستويات غير مسبوقة، على خلفية التباين في التعاطي مع الأزمة البحرينية.

فقد أسقطت إيران منذ البداية بعداً طائفياً على الأزمة، من خلال تصويرها على أنها مواجهة بين أغلبية شيعية محرومة من حقوقها السياسية والاقتصادية وأقلية سُنية تسيطر على مقاليد الحكم، ونددت بإرسال دول مجلس التعاون الخليجي لقوات درع الجزيرة لحماية المنشآت الحيوية في البحرين، وهددت بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء التدخل السعودي في البحرين، وصعدت الخلاف مع دول مجلس التعاون بمطالبتها منظمة الأمم المتحدة باتخاذ إجراءات بشأن الأزمة في البحرين.

وقد أنتج وصول التوتر إلى هذه الدرجة غير المسبوقة تداعيات سلبية على مصالح إيران، فقد دفع، أولاً، دول مجلس التعاون إلى التخلي عن سياستها القائمة على أن الوسيلة المثلى للتعامل مع إيران هي احتواؤها، من خلال الدخول في شراكات أمنية واقتصادية متعددة معها، بل والتلويح بإمكان الدخول في مواجهة معها إذا اقتضت الحاجة ذلك، وهو ما عكسه تصريح أحد وزراء خارجية دول المجلس، الذي قال فيه: "إن دول المجلس لن تسمح بتحول البحرين إلى لبنان أخر، وإنها مستعدة للدخول في حرب مع إيران وحتى مع العراق لحماية البحرين".

كما أنه أدى، ثانياً، إلى تضييق مساحة التباين بين دول مجلس التعاون الخليجي في تعاملها مع إيران، حيث اتفقت الدول الست على رفض موقف إيران تجاه الأزمة، ووافقت كل من سلطنة عمان وقطر اللتين تعتمدان سياسة مختلفة تجاه إيران عن بقية دول المجلس لاسيما المملكة العربية السعودية، على إرسال قوات درع الجزيرة إلى البحرين، وعلى التوجه إلى الأمم المتحدة للشكوى من التدخل الإيراني في شؤونها الداخلية، وتوجيه اتهامات لإيران بتهديد الأمن الوطني الخليجي، خلال الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية دول المجلس، الذي عُقد بالرياض في 3 ابريل 2011.

وكشف، ثالثاً، عن أن إيران تتعامل مع بعض الأزمات، مثل الأزمة البحرينية، من خلال اعتماد خطاب تهديدي، دون وجود رؤية واضحة تتضمن الأدوات التي يمكن أن تستخدمها لترجمة تهديداتها إلى واقع. فقد فشلت إيران في التعامل مع إرسال قوات درع الجزيرة إلى البحرين، رغم تهديدها بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء ذلك، واكتفت بتصريحات غامضة في هذا السياق، مثل تصريح الرئيس "أحمدي نجاد"، الذي قال فيه: "إن إيران ستقترح عما قريب خطة لتسوية المشكلة في البحرين"، مضيفا "أن بلاده لا تتدخل في شؤون البحرين، ولكن إذا تدخلت إيران، فإن كل خريطة المنطقة ستتغير".

ثامناً: قلق على الحلفاء

أهم ما يثير قلق إيران في هذه اللحظة هو وصول موجات المد الثوري الحالية إلى حلفائها في المنطقة، لاسيما سورية، لأن ذلك ينتج عنه تداعيات سلبية عديدة على مصالحها ومساعيها إلى التمدد في الإقليم. والمفارقة هنا تكمن في أن مجمل السيناريوهات المختلفة التي يمكن أن تنتهي إليها الأزمة الحالية في سورية تبدو غير مريحة بالنسبة لإيران، ففي حالة سقوط نظام الرئيس السوري "بشار الأسد"، فإن ذلك يعني في المقام الأول فقدان إيران لأهم حلفائها الإقليميين في المنطقة، وانقطاع جسر التواصل مع الحلفاء الآخرين، مثل حزب الله اللبناني، وحركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين، بما يمكن أن يوجه ضربة قوية لمطامح إيران الإقليمية والنووية في آن واحد.

المشكلة هنا، في رؤية إيران، لا تكمن في احتمال سقوط النظام السوري الحليف فحسب، بل في التعامل مع البدائل المطروحة في حالة حدوث ذلك، والتي يبدو أن إيران غير مستعدة لها حتى الآن، فلا توجد مؤشرات توحي بوجود علاقات تربط بين إيران والقوى والتيارات السياسية السورية الأخرى التي يمكن أن تحل محل النظام القائم، بل إن بعضها ينتهج سياسة غير ودية تجاه إيران، فضلاً عن أن الدعم الملحوظ الذي تبديه إيران تجاه السياسة التي ينتهجها النظام السوري في مواجهة الاحتجاجات يزيد من تباعد المسافة بين إيران وهذه القوى السياسية، ويمنح في الوقت ذاته الفرصة لقوى إقليمية أخرى، على غرار تركيا، للعب دور مهم في التواصل مع القوى السورية الأخرى، استعدادا للسيناريوهات المختلفة التي يمكن أن تتمخض عنها الأزمة الحالية.

خيارات متقاطعة ومسارات متشابكة، كلها سوف تنتج تداعيات على مصالح إيران وموقعها داخل الإقليم في اتجاه تراجع هذا الدور، في ظل بروز أدوار لقوى أخرى تمثل خَصماً من الرصيد الإيراني، وفي ظل احتمالات تراجع قوة الحلفاء التقليديين (سورية)، وتفجر العديد من الملفات الداخلية والإقليمية في وجه الدولة الإيرانية، بما يجعلها مضطرة لتقييد دورها الإقليمي والتراجع عن بعض أهدافها. ولكن كل هذه الاحتمالات تبقي، لكنها مؤجلة إلى أن تتبلور ملامح الشرق الأوسط الجديد بعد انتهاء موجات التغيير الديمقراطي التي تجتاح المنطقة في الفترة الحالية.