إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1978، (الليطاني)





حملة الليطاني

لبنان



المبحث الثالث

المبحث الثالث

الحرب الأهلية (1975 ـ 1976)

كانت الحالة الاجتماعية في لبنان، عند مطلع عام 1975: المقاومة الفلسطينية محور التفاف الرفض اللبناني، والدولة اللبنانية محور التفاف مؤيدي صيغة التعايش بين الطوائف، ومعادلاتها الآنية. وقد خيل إلى الكثيرين، قبل الاصطدامات المسلحة، أنه من الممكن التوفيق بين منطق الثورة  المسلحة ومنطق الدولة. وكانت نتيجة هذا التخيل (اُنظر ملحق معلومات مختصرة عن اتفاقية القاهرة عام 1969)، والملاحق العديدة التي تبعتها،. وحتى عام 1975، كان كل فريق قابضاً على سلاحه، يريد حماية مصالحه السياسية، بالقدر الذي تكسبه هذه الحماية حق ممارسة شرائعه الدينية، وغير الدينية. وأصبح نظام الحكم وسيطاً بين المحاور المتناقضة، يقرب وجهات النظر، قدر الإمكان.

وعندما تبرز متناقضات المجتمع، أي مجتمع، على هذا النحو، تصبح الحادثة، أي حادثة، مؤامرة يحيكها فريق ضد آخر. هذا بغض النظر عن هوية الفاعل الحقيقي، وأهدافه الوطنية. وهكذا اغتيل معروف سعد، نائب صـيدا، ووقعت مجزرة عين الرمانة، التي ذهب ضحيتها أكثر من عشرين شخصاً، في 13 أبريل 1975. فكان هذان الحادثان مدخلاً إلى الحرب. إذ اخذ كل محور يدعي لنفسه البراءة، ويكيل التهم للفريق الآخر. وما يهمنا من هذين الحادثين، هو أنهما كانا الشرارة، التي أدت إلى حرب مسلحة، دامت حوالي سنتين. وهي حرب، ككل حرب، بدأت بهدف ما، وانتهت بهدف آخر مغاير تماماً.

والواقع أن الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1976) قد مرت بأربع مراحل

1. المرحلة الأولى: وتركزت على التباينات الاجتماعية (أبريل 1975 ـ أكتوبر 1975)

جرت المرحلة الأولى من الحرب، التناقضات الطبقية، الكامنة في المجتمع اللبناني، والتي أصبحت أكثر بروزاً، بفعل النمو الاقتصادي والعمران. إن للإنماء وجهين: وجه يعالج النمو والتقدم بشكل مطلق، كأن يقال، مثلاً، إن الإنتاج، الصناعي والزراعي، أو حملة الشهادات، الجامعية والمهنية، كالطب والهندسة، قد ازدادوا من خمسة بالمائة إلى عشرة بالمائة. ووجه آخر، لا يهتم بالزيادات المطلقة، بل بنسبة توزيعها بين المناطق والفئات المختلفة في المجتمع. ويعبر عن المفهوم الثاني للإنماء بمصطلح: "التنمية الاجتماعية"، أو "العدالة الاجتماعية". وهكذا، يصبح الإنماء طريقة للتكامل بين الفئات المختلفة، قصد التقريب بينها، أي بين الجماهير والنخبة، الأصول والفروع، أو بين الأغنياء والفقراء. ومن الواضح أن التقدم الصناعي والزراعي، وتطوير مرافق الاقتصاد برمتها، إن لم يرافقهما تشريعات جديدة، تقرب بين الفئات، وتجمع بين الشتات، سيؤديان حتماً، إلى تعميق الفروقات، وتقوية المتناقضات، التقليدية والمستحدثة.

ومما لا شك فيه، أن لبنان عام 1975، كان أكثر غنى من لبنان قبل ذلك التاريخ. كان أكثر إنتاجاً وحركة مالية وتجارية. ولكنه كان، في الوقت نفسه، أشد وأبرز تناقضاً بين الفقر والغنى، الجهل والعلم، التعقل والتعاطف. وهكذا، ما كادت شرارة الحرب تندلع، حتى انبرى عدد كبير من التنظيمات الشعبية، من أحزاب عقائدية أو مجموعات طائفية، للدفاع عن حقوق المحرومين، مركزة بذلك على الحزام الصناعي، حزام البؤس والفقر، حزام النازحين من القرى إلى المدن، الذي يلف بيروت من الشرق والجنوب والغرب، ماراً ببعض المخيمات الفلسطينية. وقد خيل إلى الكثيرين، آنذاك، أن الأحداث، التي سبقت صيف 1975، ما هي سوى انتفاضة اجتماعية، هدفها الإصلاح، ورأب الصدع بين الفئات، وبالفعل، فقد قامت، إثر ذلك، عدة محاولات، على مستوى الحكم، معيدة النظر في سياسة الدولة الإنمائية، وتوزيع الثروة العامة.

2. المرحلة الثانية: وتركزت حول المتناقضات الطائفية (الربع الأخير من عام 1975 ـ مارس 1976)

بينما كان بعض اللبنانيين، يُعدّ لسياسة إنمائية، أكثر عدالة مما سبق، إذ بهجوم مسلح، تشنه مجموعة العشائر السنية في جرود عكار، بالتعاون مع بعض المنظمات، المحسوبة على المقاومة الفلسطينية، ضد بعض القرى المسيحية في تلك المنطقة. وكان قد سبق هذا الهجوم اشتباكات متقطعة، في طرابلس، بين الثائرين الطرابلسيين والنازحين الموارنة، من سكان بلدة زغرتا والجرد. وكان بين الفريقين عداوة تقليدية، يرجع أصلها إلى زمن بعيد.  

إن الهجوم، الذي شنته العشائر السنية، على القرى المسيحية، في عكار، بدَّل المقاييس، وغير الحسـابات. ذلك أن القرى، التي هوجمت، ريفية، سكانها من الفلاحين والكادحين. وبالفعل، سقط نتيجة هذا الهجـوم عدد كبير من القتلى، حملة السلاح، الذين كانوا ينتمون إلى أحزاب عقائدية، رافضة للحكم اللبناني ومبادئه. ومنذ ذلك التاريخ، في أواسط خريف عام 1975، بدأ الصراع ينحو منحى طائفياً بارزاً. فقد رأت القوى المناهضة لمجموعة الرفـض اللبناني، أن تثأر لقرى عكار من بيروت وضواحيها، وذلك بسبب قدرة مقاتلي القوة المناهضة على الكر والفر في هذه المنطقة، وكذلك بسبب انتماء عدد كبير من نازحي عكار، خاصة الموارنة منهم، إلى حزبي "الكتائب اللبنانية" و"الوطنيين الأحـرار". وكان هؤلاء قد نزحوا من الشمال إلى بيروت والجبل، خلال العقدين السابقين للأحداث. كما انخرط قسم كبير منهم في الجيش اللبناني السابق.

استمرت المعارك الطائفية، على عدة محاور في بيروت. وكانت حصيلتها النزوح الطائفي، المتبادل بين المنطقتين، الشرقية والغربية، اللتين يفصل بينهما "خط الشام" الحديدي القديم، الذي فصل، في السابق، بين المتصرفية[1].  وولاية بيروت. في هذه المرحلة، أُفرغت المنطقة الشرقية وجبل لبنان من المسلمين، والمسيحيين ذوي الميول اليسارية، كما أُفرغت قرى من سكانها المسيحيين، وأخصهم الموارنة. ولم يكن هذا النزوح الطائفي، المتبادل، عشوائياً، كما خُيل لبعض المراقبين، بل كان استعداداً للصراع الطائفي المسـلح. والملاحظ أن عدداً كبيراً من المسيحيين، المنخرطين في أحزاب عقائدية، لا طائفية، قد حملوا السلاح في وجه بعض المسيحيين. ولكن قلما نجد أحداً من التنظيمات السياسية الإسلامية، التي ارتضت الصيغة اللبنانية، قلباً وقالباً، واستفادت منها، يحمل السلاح في وجه مجموعة الرفض اللبناني والفلسطيني.

وخلال هذه المرحلة، التي استمرت حتى إعلان الانقلاب العسكري، في مارس1976، على يد العقيد الأحدب هو[2]، بقيت مؤسسات الدولة اللبنانية قائمة، ولو اسمياً. ومن ثم، ساد الاعتقاد أن الصراع المسلح، إن هو إلا حرب طائفية، أهلية لبنانية. وقامت، على هذا الأساس، لجـان عديدة لمحاورة الفرقاء اللبنانيين، بقصد قطع دابر الفتنة، وإعادة الاستقرار إلى ذلك البلد الممزق.

3. المرحلة الثالثة: انقسام الجيش اللبناني، وبروز دور المقاومة الفلسطينية (مارس 1976 ـ أغسطس 1976):

احتدم الصراع في هذه المرحلة، أكثر منه في أي وقت مضى. ودخل حلبة الصراع عناصر جديدة، لم يكن لها دور بارز في القتال من قبل. أهم هذه العناصر الجيش اللبناني، الذي انقسم على نفسه، رسمياً، إثر انقلاب الأحدب، وأخذ كل فريق يقاتل إلى جانب طائفته ومحورها. إن انقسام الجيش على ذاته، وضرب مركز رئاسة الجمهورية، التي أصبحت، هي الأخرى، فريقاً من النزاع، أفقدا الدولة كثيراً من صفاتها الشرعية وهيبتها. وعلى الرغم من ذلك، بقي البرلمان مصدر التشريع والشرعية، مما أكسب الدولة قوة على الاستمرار، على الرغم من تفكك مؤسساتها، بما فيها الرئاسة.

بعد انقسام الجيش، وضرب رئاسة الجمهورية، صار العالم يتوقع انتصار فريق على فريق، بطريقة أو بأخرى. وهنا، بدأت تبرز إلى السطح تناقضات المجتمع اللبناني والمقاومة الفلسطينية، في آن واحد، معاً. كان كلما احتدم القتال المسلح، برز إلى مسرح الأحداث قوتان متضادتان: المقاومة الفلسطينية، بفصائلها المختلفة، و"الكتائب اللبنانية" ومن ينضوي تحت لوائها. ولعل السبب في ذلك، اعتماد هذين المحـورين على تنظيمات شبه عسكرية، وعلى نوع من العضوية المتحركة، الفاعلة، في صفوف النازحين الفلسطينيين واللبنانيين. فقد استطاع هذان التنظيمان تحريك قواتهما العسكرية من مكان إلى آخر، حسب ما تفرضه استراتيجية القتال، خلافاً لِمَا كانت عليه التنظيمات الأخرى، التي لم تكن لها القدرة على التحرك. كانت تقاتل، شرط أن يكون القتال محصـوراً في حي أو قرية أو ضاحية معينة، حيث تتمركز هذه التنظيمات.

وهكذا، وبفعل منطق القتال، أخذت فصائل المقاومة الفلسطينية، تبرز إلى مسرح الأحداث بشكل أقوى، وأعنف من قبل، خصوصاً عندما انتقل القتال إلى حدود جبال لبنان الشرقية، مما فرض على المقاتلين رقابة دقيقة وإشرافاً مباشراً. وتجدر الإشارة إلى أن فترة القتال المسلح الطويل، دفعت عدداً من اللبنانيين والفلسطينيين، إلى حمل السلاح، لأغراض متنوعة، فمنهم من قاتل لتحقيق مبدأ ثوري، أو دفاعاً عن النفس، أو لكسب لقمة العيش. ومنهم من حمل السلاح، قصد الابتزاز والتعدي على الآمنين. وكلما أمعن القوم في حمل السلاح، ضعفت الرقابة النظامية على المقاتلين. فانتشار السلاح أفقد القتال معناه ومضمونه الثوري، وبات الكل يخشى العودة إلى شريعة الغاب، إلا الأحزاب العقائدية، اليسارية واليمينية، التي كانت تمارس الضبط والنظام على أعضائها، والتي لم يكن لها ذلك الوجود المكثف، لفرض نفسها على مجرى الأحداث. كان يخيل إلى المراقب أن القتال مستمر بعد تفتيت الدولة اللبنانية، لمجرد الاقتتال، وليس لتحقيق أهداف سياسية واضحة. وبتعبير أدق، أنه بعد انقسام الجيش، وضرب رئاسة الجمهورية، وسيطرة القوى على قسم كبير من البلاد[3]، كان من المنطقي، أن يمارس الثائرون، أياً كانت هويتهم، السلطة، وأن يستأثروا بالحكم. ولكن هذا لم يحدث، بسبب التركيبة الاجتماعية لدى الثائرين.

كان الثائرون فرقاء عديدين، جمعهم رفض صيغة الحكم في لبنان ومعادلاته. ولم يكن لهم برنامج سياسي موحد يجمعهم في تنظيم واحد. كان بينهم العقائدي اليساري الثائر، والمتدين القلق على مصيره، والمعتدل الذي يريد حماية مصالحه، والتنظيمات والتشكيلات المحلية المتنوعة، التي لم يكن لها لون سياسي معين، انخرطت في صفوف الثائرين لأسباب معيشية وأمنية. فمن لم ينتم إلى تنظيم معين أضاع فرصة الحصول على المؤن المعيشية، كما أنه أصبح عرضة للابتزاز. وما يقال عن مجموع الثائرين على التركيبة السياسية اللبنانية، يقال أيضاً عن المجموعة الأخرى، مع فارق أساسي في البيئة الاجتماعية. كان الفريق، الذي وقف في وجه الثائرين، متجانساً دينياً، وإلى حد كبير، سياسياً، بذلك استطاع، ولو إعلامياً، أن يقف وقفة الرجل الواحد.

ومن المعتقد أنه لو استمر القتال، على نحو ما كان عليه خلال تلك المرحلة، لبرزت، حتماً، إلى مصاف القيادات، ودون منازع، تنظيمات المقاومة الفلسطينية في صفوف الثائرين، و"الكتائب اللبنانية" في صفوف اليمينيين. وبسبب دقة تنظيم هذه العناصر، استطاعت أن تضبط مسلك الأفراد، المنتمين إليها. الأمر الذي أكسبها قوة ونفوذاً بين المواطنين. فلو استمرت الحرب لانضوت تحت ألوية هذين الطرفين، فصائل المجتمع كلها. ذلك أن من يرفض الانضواء، يفقد الحماية، وربما العمل وسبل العيش.

4. المرحلة الرابعة: دخول القوات العربية إلى لبنان، في خريف 1976

وضعت قوات الردع العربية حداً فاصلاً للاقتتال الدامي، ولكنها لم تبدد الحقد والخوف المتبادلين، اللذين ولدتهما الأحداث، وغرستهما في النفوس. وبدأت مرحلة التصفيات المتبادلة. وبدا كأن التجانس الطائفي، الذي تميز به المجتمع اللبناني، في العمل والمسكن، أخذ ينحسر رويداً رويداً. وبدأ عدد من المسيحيين، الذين كانوا يسكنون ويعملون في المناطق الإسلامية، في تصفية وجودهم في هذه المناطق. وهذا، بالطبع، أضعف البنية القومية، والتماسك الوطني، وقوى التناقضات الاجتماعية في المجتمع الواحد.

فالحرب، التي شنت على الصيغة الطائفية، نجحت في هدفها، ولكنها ـ في المقابل ـ فشلت في إقامة نظام بديل أفضل منها. ولعل الحرب، لو ركزت على التناقضات الجديدة والمستحدثة، بسبب التحولات الاقتصادية والاجتماعية، التي ألمت بهذا البلد، لجاءت النتيجة أكثر نظاماً، وأكثر ديموقراطية وتقدماً، متوافقة مع متطلبات الحياة المعاصرة.  

أولاً: الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، والحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1976)

لِمَ لَمْ يفكر الأمريكيون في التدخل العسكري المباشر، على الرغم من أن الموقف بدا أشد خطراً، مما كان عليه عام 1958؟

هناك تفسيرات مختلفة، لتعليل هذا الموقف الأمريكي. ففي عام 1958، كان الدافع الأقوى نحو التدخل العسكري، هو وجود قوة استقطاب نحو الوحدة العربية، ممثلة في تضخيم شخصية الرئيس المصري، جمال عبدالناصر. وهذا العنصر، بات غير موجود في عام 1975. ثم أن الصراع الداخلي في لبنان، صار وثيق الصلة بحركة التحرير الفلسطينية. وفي هذه الحالة، فإن انهيار الدولة اللبنانية أمام الجبهة الفلسطينية ـ الإسلامية، سيؤدي، حتماً، إلى تدخل إسرائيلي. ولم تخف الحكومة الإسرائيلية نياتها، بالفعل، فهددت بشن عمل عسكري، في حالة تدخل طرف خارجي لمصلحة هذه الجبهة. ولعلها كانت تعني سورية على وجه الخصوص. وكأن إسرائيل صارت تؤدي الدور عينه، الذي أدته الولايات المتحدة الأمريكية عام 1958.

ومن بين المتغيرات العالمية، التي صرفت الولايات المتحدة الأمريكية عن فكرة التدخل العسكري المباشر، هو هدوء الحرب الباردة. ففي عام 1958، تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية، استناداً إلى مبدأ أيزنهاور، لمكافحة الشيوعية. أمّا في عام 1975، فقد صار الرأي العام الأمريكي معادياً للتدخل العسكري المباشر بصفة عامة، نتيجة التجربة المريرة في فيتنام. وفي الوقت الذي احتدمت فيه الحرب الأهلية اللبنانية، كان الشيوعيون يقتربون من الاستيلاء على السلطة في أنجولا. وقـد رفض الكونجرس الأمريكي خطة التدخل العسكري هناك. فمن باب أولى، كان لابد أن يرفض تدخلاً في لبنان. وقد ألمحت وزارة الخارجية الأمريكية إلى مضمون سياستها الجديدة، بإصدار بيان يعلن أن لبنان من أوثق أصدقاء واشنطن بالمنطقة. وقد أبلغ كل من سورية وإسرائيل وأطراف أخرى، بهذه الحقيقة. "إن الولايات المتحدة الأمريكية، لا تتدخل. وفي الوقت نفسه، لا تسمح بتدخل أطراف أخرى، تهدد الكيان اللبناني.

إن إحجام الولايات المتحدة الأمريكية عن التدخل المباشر، لا يعني أن الصراع اللبناني، دار بمنأى عن المؤثرات الخارجية. فعلى الأقل، كان لمعظم المنظمات العسكرية في لبنان أعوان في الخارج، يمدونها بالمال والسلاح[4]،  كذلك، اجتذب الصراع اللبناني اهتماماً خاصاً من بعض الدول، فالفاتيكان ـ مثلاُ ـ أبدى قلقاً شديداً، إزاء تصاعد القتال، وتكاثر الضحايا، وتحرج موقف الموارنة في الصراع. كما أعلنت فرنسا عن استعدادها لتقديم وساطتها، فضلاً عن إعلانها، على لسان رئيسها، في مايو 1976، استعدادها لإرسال 5000 جندي، بقصد الفصل بين الأطراف المتنازعة، وإقرار السلام. ولكن قوبل ذلك العرض باستنكار شديد، من اليسار، ومنظمة التحرير الفلسطينية. ووصفه رشيد كرامي بأنه عودة إلى عهد الانتداب. كما انتقده أيضاً معظم الدول العربية، في حين أيدت "الكتائب" وكميل شمعون هذه الخطة. ولكن، عندما تم التدخل السوري، صراحة، ضد اليسار، أعلن جنبلاط عن تأييد التدخل الفرنسي، للمحافظة على كيان لبنان، ضد فكرة التقسيم، التي أيدتها بعض الأوساط اللبنانية.

والواقع أنه لم يكن في وسع فرنسا، أن تغضب الدول العربية، بالانحياز إلى الموارنـة. كما لا يمكنها التدخل ضدهم، لأسباب تاريخية. ومن ثم، بقي العرض الفرنسي حبراً على ورق. وأدرك الموارنة أن عهد التدخل الأوروبي ـ الأمريكي لحمايتهم، قد انتهى. ولذلك، عاد الحديث يتردد عن تقسيم لبنان إلى دويلات، حسب الطوائف. فيخصص للمسيحيين الجبل. وتقام دويلة في الجنوب، يعيش في ظلها الفلسطينيون إلى جانب الشيعة. ويضم الساحل الشمالي إلى سورية. أمّا بيروت، فتعلن مدينة مفتوحة، تتمتع بنظام خاص، يضمن حيادها"[5]. وإذا صح ما قيل من أن الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الأوساط اللبنانية، أيدت هذا المشروع، فإن الهدف منه يكون هو تخليص لبنان من الوجود الفلسطيني، من جهة، وإيجاد دويلة فلسطينية، تُغني عن مطالبة العرب بالضفة الغربية، التي تتمسك بها إسرائيل. ومهما يكن من أمر جدية هذه المقترحات، أو عدمها، فقد قوبلت، بادئ الأمر، بالاستنكار من جميع الأطراف اللبنانية. ولكن، حينما ضاق الخناق على اليمينيين، خلال مارس1976، بادر كميل شمعون إلى الإعلان: "أنه لم يكن يرغب في تقسيم لبنان، لكن التقسيم صار أمراً واقعياً. ومن الجائز قيام اتحاد فيدرالي بين الأقاليم التي انقسمت إليها البلاد".

ثانياً: اتساع القتال، والتدخل السوري

لا شك أن ما بدا من احتمالات التقسيم، لو تحقق، فإن سورية تكون أكثر الدول المجاورة تأثراً بالنتائج المترتبة عليه. فوجود دويلة فلسطينية، أو شيعية في الجنوب، متاخمة لإسرائيل، يتيح للأخيرة استغلال الفرصة لابتلاع تلك الدويلة. ويشكل ذلك عامل ضغط جديداً على الجبهة السورية.  ولما اتسع نطاق القتال، خلال شهري ديسمبر 1975 ويناير 1976، تبين أن الهوة قد اتسعت بين الأطراف المتنازعة، حتى صار من المتعذر، أن تسوي وحدها منازعاتها، دون وساطة طرف خارجي. وهكذا، جاء التدخل السوري على شكل وساطة للتوفيق. وما لبثت الوساطة السورية، أن امتدت إلى المجال السياسي. كما أن مشاركة الفلسطينيين، صارت ضرورية، بعد أن تورطوا، إلى حد كبير، في النزاع الداخلي اللبناني. فتشكلت لجنة ثلاثية، مثلت فيها سورية ومنظمة التحرير، ورأسها مندوب عن لبنان، ومهمتها ترتيب وقف إطلاق النار، والسهر على تنفيذه. ثم امتدت الوساطة السورية إلى قضايا المجتمع والسياسة اللبنانيين، مثل إعادة النظر في التركيب الطائفي للدولة.

وكان جميع الفرقاء قد وافقوا على مبدأ التغيير، وبقي الخلاف قائماً حول كيفية تحقيقه. وبعد تكوين لجنة للإصلاح، مثلت مختلف الطوائف في لبنان[6]، اتفق على إصدار مبادئ عامة، تضمنها بيان رئيس الجمهورية، في 14 فبراير 1976. ومن بين التغييرات المهمة: تأكيد البيان على انتماء لبنان العربي، والأخذ بمبدأ المناصفة في عدد المقاعد، المخصصة للمسلمين والمسيحيين، واختيار رئيس الوزراء بواسطة المجلس، بدلاً من انفراد رئيس الجمهورية بتكليف من يشغل هذا المنصب.  وبالنسبة إلى وضع الفلسطينيين، أكد البيان احترام اتفاقية القاهرة عام 1969. كما أُعلن إلغاء الطائفية في الوظائف، ولكنه أبقى عليها، بالنسبة إلى الوظائف الثلاث الكبرى، حيث نص على أن يكون رئيس الجمهورية مارونياً، ورئيس الوزراء مسلماً سنياً، ورئيس مجلس النواب مسلماً شيعياً.

ومن الواضح، أن موافقة الحكومة اللبنانية على مهام اللجنة الثلاثية، المشار إليها، ثم التخلي عن بعض امتيازات الموارنة، حسب برنامج الإصلاح المعلن، يدلان على أن الموارنة، قد اضطروا، للمرة الأولى، منذ الميثاق الوطني في عام 1943، إلى التراجع عن تصلبهم التقليدي في عدة أمور. ومع ذلك، فإن البرنامج الإصلاحي، شأنه في ذلك شأن الحلول التقدمية التوفيقية، لم يكن في وسعه أن يرضي جميع الأطراف. فالجبهة التقدمية، بزعامة جنبلاط، اعترضت على التوزيع الطائفي، أصلاً، وطالبت بإلغائه، على جميع المسـتويات. كما أن معظم بطاركة الموارنة، أبدوا استياءهم من هذا البرنامج. ولم يمض زمن طويل على إعلانه، حتى تفاقمت الأزمة، وشهد لبنان ظاهرة تنذر بالخطر، لم يمر بمثلها أثناء أزمة عام 1958. فقد امتد الصراع إلى صفوف الجيش، فخرج بعض المسلمين على القيادة، بزعامة ملازم أول، يُدعى أحمد الخطيب. وكون المنشقون ما سمي بـ "جيش لبنان العربي". في حين أنشأ أنصار سليمان فرنجية "جيش التحرير الزغرتاوي"، بقيادة توني فرنجية، ابن رئيس الجمهورية. وتصاعد شأن الخطيب في إقليم البقاع.

وتأكدت عوامل انهيار الدولة حينما شن رشيد كرامي حملة على رئاسة الجمهورية، وقيادة الجيش، التي تغمض العين عن تهريب الأسلحة إلى "الكتائب" والميليشيات المارونية.

وبينما كان الجدل دائراً بين كرامي وفرنجية، قام عزيز الأحدب، قائد حامية بيروت، بمحاولة شخصية، لوضع حد لهذه الفوضى. فأصدر بياناً، في 11 مارس 1976، يدعو فيه كلا من رئيسي الجمهورية والوزارة، إلى الاستقالة، وأن يختار مجلس النواب رئيساً جديداً في غضون سبعة أيام.

اعتبر فرنجية هذا العمل انتهاكا للشرعية وللديموقراطية. في حين نفى الأحدب، أن تكون لحركته صفة الانقلاب العسكري، مؤكداً أن الهدف منها، هو إنقاذ البلاد من الفوضى. والواقع، أن هدف الأحدب، لا يتخطى هذا القصد. فحركته تختلف عن حركة أحمد الخطيب، الذي كان يسـعى إلى إدخال تغييرات جذرية في أوضاع لبنان. ولا شك أن مركز فرنجية، صار مزعزعاً بعد تفكك الجيش.  ولذلك، أبدى استعدادا للاستقالة، إذا طلب ذلك ثلثا أعضاء المجلس. فلما تحقق هذا الشرط، ووقع 68 نائباً طلباً باستقالة رئيس الجمهورية، عاد فرنجية يحتج بأن الدستور لا يلزمه بالاستقالة، إلا في حالة الخيانة العظمى. هذا، مع العلم بأن مدة رئاسته، كانت موشكة على نهايتها، فلم يبق منها سوى ستة أشهر. ومما شجعه على التمسك بالرئاسة، ظهور رد فعل ماروني في الجيش. فقد ظهر العقيد أنطوان بركات، ليعلن أنه سيكرس جهوده للدفاع عن الشرعية، ويعني بذلك شخص فرنجية.

ومجمل القول أن الجيش، الذي كان عاملاً مخففاً لأزمة عام 1958، صار في أزمة 1975 ـ 1976، طرفاً مشتركاً فيها. فتفرقت وحداته، وانضمت إلى الميليشيات المتصارعة، حسب انتماءاتها الطائفية. وأدى ذلك إلى توسيع نطاق القتال، فبلغ من الضراوة، خلال النصف الثاني من شهر مارس 1976، ما لم يشهده لبنان من قبل. ولوحظت حركة هجرة جماعية، يقوم  بها المسيحيون إلى خارج البلاد، مما يعني أن كفة الجبهة التقدمية اللبنانية، المشتركة مع الفلسطينيين، قد رجحت على العناصر الأخرى. وهنا، جاء التدخل السوري ليقلب ميزان القوى.

بدا التدخل السوري، في أول الأمر، وكأنه وساطة، تستهدف الدفاع عن المطالب العادلة للمسلمين ولمنظمة التحرير الفلسطينية، وذلك طبقاً لمواقف سورية التقليدية من أزمات لبنان. بيد أن تحولاً في الموقف السوري، أخذ يظهر للعيان، بالتدريج، منذ مارس 1976. ففي بيان رسمي، في31 مارس، نددت حكومة دمشق باليسار اللبناني، الذي يتشدد في شروطه لإعادة وقف إطلاق النار. وكان البيان يُلمح، بصفة خاصة، إلى موقف كمال جنبلاط، الذي اشترط استقالة رئيس الجمهورية، قبل الاشتراك في أي محادثات، تستهدف وقف إطـلاق النار. وما لبثت سورية أن تجاوزت البيانات الرسمية، إلى المواجهة العسكرية ضد اليسار اللبناني. ثم دخلت في صراع دامٍ مع المنظمات الفلسطينية.

إن أقوى المبررات، التي قدمتها الحكومة السورية لهذا التحول، هو أنه إذا ما انهارت السلطة في لبنان، ووجدت إسرائيل أن الجبهة التقدمية اللبنانية الفلسطينية، تملأ هذا الفراغ فلا بد أن تقوم بعدوان، لاحتلال جزء من لبنان. فمن الأفضل المحافظة على النظام، حتى تفوت على إسرائيل مثل هذه الفرصة. بيد أن هذا التبرير، لا ينفي وجود عوامل أخرى، دفعت سورية إلى هذا التحول، من بينها الرغبة في السيطرة على منظمة التحرير الفلسطينية، وقد استخدمت لهذا الغرض عناصر "الصاعقة" الفلسطينية، التي تدين بالولاء لحكومة دمشق. ومن بين هذه الأسباب تأثر الصراع اللبناني بالمنافسات العربية. فهناك فئات ترتبط بالبعث العراقي، وفئات أخرى تتطلع إلى مصر. ولما كانت علاقة سورية بهذين القطرين متوترة، في ذلك الوقت، فقد رأت أن تسبق إلى التدخل، حتى تنفرد بمعالجة الأزمة اللبنانية. ومن جهة أخرى، فإن تحول الموقف السوري، قد أزال اعتراضاً أمريكياً محتملاً، ظهر في بداية الحرب الأهلية. أمّا بعد أن تكشف هذا التحول، فقد أعلنت الحكومة الأمريكية، أن الوساطة السورية عنصر إيجابي في أزمة لبنان.

دخلت القوات السورية منطقة البقاع على صورة تسلل. وفي أبريل 1976، أعلن حافظ الأسد، أن سورية ستتدخل لحماية المظلومين، أياً كانوا، وقد يكون المظلومون، في رأيه، هم "الكتائب" وحلفائهم. وعلى أي حال، فقد تحول لبنان إلى ساحة، تتصارع فيها القوى الداخلية والخارجية. ومما يدل على ذلك، توقيع اتفاق في 18 أبريل من العام نفسه، بين سورية ومنظمة التحرير، تستهدف تدعيم وقف إطلاق النار. ويُظهر لنا هذا الاتفاق، كيف أن سورية غدت تمثل الطرف، الذي يتحدث باسم اليمين اللبناني، بينما تقف منظمة التحرير كنائب عن اليسار.

ومنذ اشتداد القتال، تردد الحديث عن "تدويل المسألة اللبنانية، أو تعريبها"، أي إرسال قوات دولية، أو عربية، للفصل بين المتنازعين. وأبدى معظم الفئات اللبنانية اعتراضاً على كلا الحلين. إلا أنه بعد أن ظهر انحياز القوة العسكرية السورية، ومعها منظمة "الصاعقة" الفلسطينية، إلى جانب اليمين، عاد كمال جنبلاط، زعيم اليسار، يؤيد تدخل قوات عربية، في إطار الجامعة العربية. وبذا، اتفقت وجهة نظره مع وجهة نظر الحكومة المصرية.

اتسع انتشار القوات السورية، خلال شهر يونيه 1976، وظهرت على الساحل، وحول بيروت. واكتسبت سورية نفوذاً سياسياً بانتخاب "إلياس سركيس" رئيساً للجمهورية، وهو أكثر تقبلاً للتعاون مع حكومة دمشق. وانعكست آثار هذا التدخل، بصورة سيئة، على المقاومة الفلسطينية، إذ شرعت منظمة "الصاعقة" تصادم اليسار اللبناني في طرابلس، وهو يمثل إحدى الفئات المتمتعة بتأييد البعث العراقي. ولم تستمع "الصاعقة" لنداء ياسر عرفات، بالتوقف عن هذه المعارك الجانبية. وبذا، تأكدت الانقسامات في حركة المقاومة الفلسطينية، نتيجة للتدخل السوري.

أخذت الهوة تتسع، من جهة أخرى، بين منظمة التحرير الفلسطينية والقوات السورية، التي ارتبطت مع العناصر اليمينية. وبلغ الصراع ذروته بمذبحة مخيم "جسر الباشا"، في 29يونيه1976، ومذبحة "تل الزعتر"، في 12 أغسطس 1976، وهو من أكبر المعسكرات الفلسطينية في لبنان، وعادت ذكريات "أيلول الأسود" الأردني، تمثل في الأذهان، باسم "تموز الأسود في لبنان".

حارت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بين التقارب من مصر، والعودة إلى توثيق علاقاتها بسورية. ومن الواضح، أن الظروف السائدة ـ آنذاك ـ هي التي جعلت سورية مسيطرة على لبنان، المعقل الأخير للمقاومة. فاضطرت منظمة التحرير الفلسطينية إلى الانحناء  أمام العاصفة. والخلاصة هي أن المقاومة الفلسـطينية، التي كانت، في البداية، إحدى عوامل الإثارة للحرب الأهلية اللبنانية، صارت من أشد ضحاياها تضرراً منها. وإزاء هذه المحاور، التي امتدت للحرب الأهلية اللبنانية، تجددت فكرة إشراك دول عربية أخرى، سواء في إطار الجامعة، أو خارجها، للمساعدة على الخـروج من هذه الأزمة. وانعقد، بناءاً على هذه الفكرة، مؤتمر قمة محدود، في الرياض، الفترة من 16 إلى 18 أكتوبر 1976[7]. وحاول المؤتمرون، أن يعطوا الوجود العسكري السوري صفة عربية، وذلك بإشراك قوات من دول أخرى، "محايدة"، كالإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والسودان. وتسمية هذه القوات بـ "قوات الردع العربية"، على أن يتحمل بعض دول النفط نصيباً من نفقاتها.

وعُدّت القرارات الصادرة عن قمة الرياض كسباً لسياسة سورية. فقد أصبحت قواتها موجودة في لبنان، بتأييد من أطراف عربية كثيرة، ومن بينها مصر، التي اشتركت في مؤتمر الرياض، فضلاً عن أنها خففت عن سورية قدراً من الأعباء المالية، اللازمة لنفقات هذه القوات.

ثالثاً: نتائج حرب السنتَيْن (1975 ـ 1976)

كان للحرب الأهلية اللبنانية انعكاسات بعيدة المدى، على القضية الفلسطينية، وإلى درجة أقل على العلاقات العربية. ويمكن حصر نتائج تلك الحرب، بالنسبة إلى لبنان، في الأمور التالية:

1. تمزق لبنان، واقعياً، إلى مناطق شبه مستقلة، لها إدارتها المدنية الخاصة، ومنظماتها العسكرية، التي تدافع عنها. وبدت خريطة لبنان، في بعض الوقت، وكأنها موزعة بين ثلاث إدارات:

أ. الساحل، ابتداء من جنوب بيروت وحتى الحدود الإسرائيلية، ويخضع لإدارة الجبهة التقدمية (القوى اليسارية اللبنانية)، المشتركة مع الفلسطينيين.

ب. القسم الساحلي الشمالي، ما بين بيروت وطرابلس، إضافة إلى معظم أجزاء الجبل، ويخضع لإدارة مسيحية (القوى اليمينية اللبنانية).

ج. الباقي من لبنان وتقدر بنحو 60% من مساحة البلاد، ويخضع لإشراف سوري.

ومما هو جدير بالذكر، أن سورية امتنعت عن إرسال قواتها إلى الجنوب، خوفاً من التهديدات الإسرائيلية، التي ذكرت أن هناك خطاً معيناً، إذا تجاوزته القوات السورية، فإن لإسرائيل، حينئذ، حرية التصرف في اتخاذ الإجراءات المناسبة. وعندما عقد اتفاق شتوره، في يوليه1977، بين سورية ومنظمة التحرير الفلسطينية وممثلين عن لبنان، بقصد سحب القوات الفلسطينية من الجنوب، تعذر تنفيذ الاتفاق، لأن العناصر اليمينية في المنطقة، لم تستجب لقرارات شتورا، التي تقضي، أيضاً، بدخول الجيش اللبناني للمحافظة على الأمن في الجنوب. وفضلت هذه العناصر الاعتماد على مؤازرة إسرائيل بصورة مكشوفة، حتى ليمكن القول إن من ذيول الحرب الأهلية، تسلل النفوذ الإسرائيلي، بشكل غير مباشر، إلى جنوب لبنان.

2. انتهاء عهد طويل من تمتع الموارنة بمميزات عدة في البلاد. ولا أدل على تراجع نفوذهم، من تقبلهم وجود قوات عسكرية سورية على أرض لبنان، حتى لو كانت تستهدف الدفاع عنهم. ذلك أن وجود قوات سورية، أو عربية، على أرض لبنان، كان ينظر إليه ـ من قبل ـ كتهديد للكيان اللبناني.

3. تخريب الاقتصاد اللبناني تخريباً، يجعل إصلاحه أمراً صعباً، ويحتاج إلى وقت طويل. ذلك لأن التخريب، لم يقتصر على هدم المنشآت والمصارف وغير ذلك من المؤسسات التجارية،  بل إن الحرب الأهلية، دفعت كثيرين من أصحاب الخبرة إلى مغادرة البلاد، وكذلك الرأسماليون الذين هَربوا ثرواتهم إلى الخارج. أي أن لبنان افتقد العنصرين، اللذين يمكنهما إعادة البناء. وقُدرت الخسائر بسبب أضرار الحرب، عام 1976، بما يقارب المليارين ونصف المليار من الدولارات، وفقد لبنان الأمن وكل مقومات النشاط الاقتصادي الفعال. كما فقد مكانته، كمركز مالي، إذ أغلقت المصارف الأجنبية أبوابها ورحلت. كما فقد مكانته، كمركز تجاري ومنطقة جذب سياحي.

وبسبب انعدام الأمان، فضلاً عن أن دول المنطقة بدأت تتكيف مع غياب الدور الإقليمي للاقتصاد اللبناني، بدأت تظهر مراكز مالية وتجارية جديدة، في دبي والبحرين ومصر. وتطورت العلاقات التجارية المباشرة، بين الدول العربية والمراكز التجارية المهمة في العالم، من دون الحاجة إلى وساطة التجار اللبنانيين. كما بدأت سياسات تحرير الاقتصاد، تزحف على اقتصاديات دول المنطقة، حتى أصبحت سمة عامة لها، ففقد الاقتصاد اللبناني ككل ميزة نسبية في هذا الصدد. كما تطور العديد من المراكز السياحية في المنطقة، في ظل غياب لبنان عن المسرح السياحي.



[1] المتصرفية: هي أحد التقسيمات الإدارية إبان حكم الدولة العثمانية. والولاية: هو بيت الحكم. وأُطلق هذان المصطلحان على بيروت الشرقية والغربية. وأصبح لا وجود لهما، في الوقت الحاضر

[2] العقيد عزيز الأحدب، قائد حامية بيروت، في عهد الرئيس سليمان فرنجية، وإبّان وزارة رشيد كرامي. وكان له موقف تجاه الخلاف بين فرنجية وكرامي، إذ أصدر بياناً، في 11 مارس 1976، يطلب فيه استقالة الاثنين، مما أدى إلى صدور قرار نفيه، استناداً إلى انتهاكه للديموقراطية

[3] قدرت بثلثَي لبنان الكبير

[4] عرف فيما بعد، أن إسرائيل كانت تعطي `الكتائب` مساعدا ت عسكرية

[5] مشروع تقسيم لبنان`، مجلة `الحوادث`، بيروت، الصادرة في 27/9/1975

[6] انضم الوسطاء السوريون إلى هذه اللجنة

[7] صدر عن المؤتمر القرارات التالية: 1. الدعوة إلى المصالحة الوطنية. 2. تقنين الوجود السوري في لبنان، تحت اسم قوات الردع العربية. 3. تأكيد ضرورة تنفيذ اتفاق القاهرة