إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1978، (الليطاني)





حملة الليطاني

لبنان



المبحث الرابع

المبحث الرابع

الاجتياح الإسرائيلي (1978، الليطاني) والأزمة اللبنانية

أولاً: الاجتياح الإسرائيلي للبنان (1978، الليطاني)

مع مطلع عام 1978، كانت مهمة تحقيق الأمن في جنوب لبنان، قد خرجت تماماً من يد السلطة اللبنانية، وأصبحت رهن التطورات المقبلة في أزمة الشرق الأوسط. وقد عبّر عن ذلك، فؤاد بطرس، وزير الخارجية والدفاع اللبناني، في ذلك الوقت، في كلمته أمام لجنة الدفاع والشؤون الخارجية بمجلس النواب اللبناني، يوم 24 أكتوبر 1977، حيث ذكر أن "الجنوب اللبناني، أصبح، الآن، ورقة ضغط لأكثر من فريق، يستخدمها في السباق الدبلوماسي". كما يؤكد فؤاد بطرس المعلومات، التي توافرت لدي العديد من المراقبين، بأن الوضع في جنوب لبنان، أصبح مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بمؤتمر جنيف. فإسرائيل يمكنها أن تشن هجوماً واسعاً، لاجتياح الجنوب اللبناني، كورقة ضغط على الدول العربية، للذهاب إلى  جنيف، من دون تمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية. كما أنه في حالة نجاح انعقاد مؤتمر جنيف في موعده المحدد، في آخر ديسمبر 1977، قد يجد الجنوب اللبناني الفرصة للحل وتحقيق الأمن".

والواقع أن هذه المرحلة الزمنية المهمة، شهدت العديد من المتغيرات التي كان أولها وأهمها:

مسيرة السلام، التي بدأتها مصر بمبادرة رئيسها الراحل محمد أنور السادات إلى زيارة القدس، في 19 نوفمبر 1977، وما أعقبها من تحركات، واتجاهات ما بين الرفض والموافقة، للانضمام إلى المسيرة. وقد اتجهت التحليلات السياسية لأي أزمة، تتصاعد في المنطقة، في هذا التوقيت، إلى ربطها بزيارة القدس، ومعطيات السلام الجديدة. وهذا هو ما عبّر عنه، وزير الخارجية اللبناني.

ومنطقة الشرق الأوسط، بدولها العديدة، كانت، في هذا الوقت، تعبُر مرحلة تاريخية ما بين الحرب والسلام. وكان لا بد أن يصاحب هذا العبور أزمات وصراعات، تعكس آثارها علي مسيرة الأمم المختلفة. وأقلّ هذه الانعكاسات هو توقع اعتداءات، أو الشروع فيها. وهذا ما حدث فعلاً، على الجانب الإسرائيلي، على الرغم من أن إسرائيل، كانت تخوض، فعلاً، حرب استنزاف ضد المقاومة الفلسطينية، تؤثر فيها في المجالات المختلفة. والواقع أن اشتراك إسرائيل في حروب الاستنزاف، على طول حدودها، في فترات مختلفة، جعلها تواجه مصاعب اقتصادية حادة، لأن الحفاظ على جيش تقليدي قوي، أصبح عبئاً ثقيلاً على الدولة اليهودية.

والمتغير الثاني: هو شعور إسرائيل بحرية العمل الفدائي الفلسطيني، من دون وجود سلطة لتحجيمه. وللأسف، فإن منظمة  التحرير الفلسطينية، أخطأت، للمرة الثانية، في الجنوب اللبناني، خطأها الأول نفسه، في شرقي الأردن. فلم تسعَ لتحقق الحد الأدنى من التنسيق والتعاون مع السلطة اللبنانية، بل إنها انحازت إلى فئة دون أخرى، واختلفت أهدافها مع الأهداف السورية داخل لبنان. ومن ثمّ، أصبح وجودها في الجنوب اللبناني، "أو عموم لبنان"، شيء غير مرغوب فيه، سواء من جانب السلطة اللبنانية، أو من جانب إسرائيل. ومن ثم، وقعت بين حَجَرَي الرحا ... لذا، فإن "حملة الليطاني"، كان هدفها تدمير المقاومة الفلسطينية، والتخلص منها نهائياً.

المتغير الثالث: كان على أرض لبنان نفسها، حيث أصبحت ميداناً لصراعات، إقليمية وعالمية، بين أطراف رئيسية، تستغل هذه الساحة، بأسلوب "الحرب بالوكالة". فوجود قوات سورية في لبنان (حوالي 25 ألف مقاتل في ذاك الوقت) كان واقعاً قننه مؤتمر الرياض، عام 1976، باشتراك قوات رمزية من الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية والسودان، لإعطاء هذه القوات صفه "القوات العربية". كما ساعدت القوات السورية على "تمرير" مساعدات، عراقية وإيرانية، إلى بعض الأطراف. وفي المقابل، كان هناك مساعدات، غربية ومسيحية، للفئات المارونية، وحزب "الكتائب". وكان هناك مساعدات سوفيتية لليساريين اللبنانيين. ومن خلال تلك المساعدات، كانت الحرب تدور بين الفئات  المتصارعة، ولم يكن من السهل على دولة "حدودية"، مثل إسرائيل، أن تقف مكتوفة اليدين ... بمعني أن لا يكون لها وجود، سواء من طريق التحالف "مع جيش لبنان الجنوبي"، أو الوجود بقواتها نفسها، وهذا ما حدث فعلاً.

ثانياً: إسرائيل والأزمة اللبنانية (أسباب الصراع وأهدافه)

غني عن القول أنّ وجود إسرائيل في قلب الوطن العربي، وعلى حدود أكثر من دولة عربية، يشكل خطراً على هذه الدول جميعها وعلى شعوبها. فضلاً عن أن روابط الأمة الواحدة، قد جعلت من القضية الفلسطينية القضية المركزية في الحياة العربية، منذ عام1948. وكان من نتائج ذلك، أن خاضت المنطقة العربية ثلاث حروب ضد إسرائيل، في ربع قرن، مع الاختلاف في عدد البلدان العربية، وحجم المشاركة ونوعها. ومن الطبيعي، أن البلدان العربية، الأكثر قرباً من الأرض الفلسطينية والخطر الإسرائيلي، كان لها النصيب الأكبر من الاهتمام والمشاركة. لذا، لا يمكن البُعد بلبنان عن التزامه بالقضية الفلسطينية. فلبنان جغرافياً، دولة مواجهة مع إسرائيل، وسياسياً، هو في موقعه الطبيعي حلقة سياسية في الجدار العربي، المحيط بإسرائيل. وهاتان الحقيقتان تفرضان على لبنان عدم اتخاذ موقف الحياد والعزلة.

1. لبنان والخطر الإسرائيلي

قبل ظهور القضية الفلسطينية، كان يربط فلسطين بالمناطق المجاورة ـ التي أصبحت بعد الحرب العالمية الأولى كيانات منفصلة ـ وشائج متينة: سياسية واقتصادية ودينية. وقد تعرضت جميعها لأطماع القوى الكبرى وصراعها من أجل السيطرة على المنطقة. وليس مصادفة توافق الأزمة اللبنانية، عام 1840، مع بداية تحرك اليهود نحو فلسطين[1].

وحين أصبحت الصهيونية حركة سياسية، تسعى إلى تأسيس دولة يهودية في فلسطين، دخل لبنان في دائرة مواجهة الخطر اليهودي، ليس بحكم الروابط القومية فقط، التي دفعت رجال الحركة العربية فيه إلى معارضة أهداف الصهيونية في فلسطين، والتنبيه إلى أخطارها، بل لأن الادعاءات الصهيونية، تجاوزت حدود الوطن الفلسطيني الصغير، لتشمل جنوب لبنان، والموارد المائية فيه. وتكشف تطلعات الكُتّاب اليهود، خلال القرن التاسع عشر، أن حدود الأرض المقدسة، في جميع الاقتراحات، التي طرحوها، تشمل مصادر القوة، والأرض الواسعة، والمياه الضرورية للزراعة والصناعة، والمراكز الإستراتيجية، التي تضمن لها السيطرة على الأراضي المجاورة لها، مستندين في ذلك إلى حجج دينية وتاريخية، ظاهراً.

ومن الملاحظ أن تيودور هرتزل Theodor Herzl ، في مذكراته، يطلق كلمة فلسطين على مساحة من الأرض، تتجاوز حدود فلسطين، المعروفة جغرافياً، لتشمل جميع الأراضي، اللبنانية والسورية والأردنية، وبعض الأراضي، العراقية والمصرية والسعودية. وكان تركيزه على لبنان وسورية (جنوبي لبنان وجبل الشيخ)، نظراً إلى أهميتهما الاقتصادية والعسكرية، واحتوائهما على مصادر المياه، الضرورية لتطوير الحياة، الاقتصادية والاجتماعية، في فلسطين. وقد رافق هذا الاتجاه السياسي عمل استيطاني، بدأ، منذ عام 1882، بإقامة مستوطنات يهودية في الجليل الأعلى، قرب الأردن (حوض نهر الحاصباني)، ومشارف حوض الليطاني، ومستوطنات في حوض بحيرة طبرية، حول اليرموك وسهل جوران، السوري.

وأثار نشوب الحرب العالمية الأولى الادعاءات الصهيونية بشكل أكثر حدة. إذ مع قرب انهيار الإمبراطورية العثمانية، أصبح تحقيق المطامع الصهيونية أقرب إلى الواقع. وانتقل مركز الحركة الصهيونية، خلال الحرب، إلى لندن. ونتج من ذلك اتجاه بريطانيا إلى دعم خطط الصهيونية في فلسطين، بعد الحرب.

وكانت بريطانيا، خلال الحرب العالمية الأولى، قد عقدت عدداً من الاتفاقيات المتضاربة، لتوزيع المناطق العربية ورسم الحدود كيفما اتفق، في وقت، لم تكن تسيطر فيه، بعد، على تلك المناطق. وقد استثنت مراسلات مكماهون Henry McMahon ، عام1915 من الدولة العربية،(اُنظر ملحق مراسلات حسين مكماهون) الساحل السوري، من أضنة حتى منطقة في الجنوب، تقع ما بين صيدا وعكا، بحجة المصالح الفرنسية. وقد ثبت، فيما بعد، أن المنطقة الساحلية المستثناة، لا تضم ولاية بيروت، ولا سنجق القدس المستقل، كما ادعت بريطانيا. ودعمت اتفاقية سايكس ـ بيكو Sir Mark Sykes-Georges Picot  ، في 16 مايو 1916،(اُنظر ملحق اتفاقية سايكس ـ بيكو 16 مايو 1916) ادعاءات فرنسا بوجود مصالح لها في المنطقة الساحلية من لبنان وشماله. والعنصر الجديد في هذه الاتفاقية، هو تأسيس فلسطين، كوحدة منفصلة، تحت إدارة دولية، مع وجود بريطاني حول حيفا وعكا. وحددت الخريطة، المرفقة بالاتفاقية، حدود فلسطين الشمالية تحديداً، يبدأ من منطقة رأس الناقورة وضواحي صور، ويتجه نحو الجنوب الشرقي، في اتجاه الشاطئ الشمالي لبحيرة طبرية.

كانت هذه الحدود سبباً لرفض قادة الحركة الصهيونية مقترحات سايكس ـ بيكو، التي قدمتها لهم الحكومة البريطانية، بعد توقيع الاتفاقية، لأن القبول بها يعني خسارة اليهود للجليل ومنابع الأردن. وبدأوا في شن حملة مركزة، تبين ضرورة شمول حدود الوطن القومي، على الأراضي الواقعة جنوبي بيروت ودمشق.

وفي الخامس عشر من فبراير 1917، نشرت مجلة "فلسطين"، التي تصدرها الصهيونية، في منشستر Manchester، مقالاً بعنوان "حدود فلسطين". تحدثت فيها عن الأسس، التي يجب اعتمادها لترسيم حدود فلسطين "المستقبل". ففيما يتعلق بلبنان، تقول: "إن الحد الإستراتيجي الطبيعي، الوحيد، هو القطاع الضيق، الذي يقع في الشمال، في صيدا، إلى أقصى الحد الجنوبي للبنان، والحد الطبيعي الآخر، هو وادي البقاع، في حال حيازة الأطراف الجنوبية للبنان وجبل الشيخ، وتحصينها تحصيناً، يكفل السيطرة على المخرج الجنوبي لهذا الوادي". وتعني "أقصى الحد الجنوبي للبنان حدود لبنان المتصرفية، وكان جنوبي لبنان الحالي، باستثناء منطقة جزين، يدخل ضمن منطقة سنجق عكا".

وبعد صدور تصريح بلفور، في 2 نوفمبر1917، بدأت اللجنة الاستشارية لفلسطين[2] عملها، لوضع مقترحات لحدود فلسطين، بالاستناد إلى ادعاءات تاريخية واقتصادية وجغرافية. وأصرت على أن تشمل الحدود الشمالية نهر الليطاني وجبل الشيخ. وحدث تغيير جذري لاتفاقية سايكس ـ بيكو، في شأن حدود فلسطين الشمالية، بعد الاحتلال البريطاني العسكري لفلسطين، عام 1918، واعتبارها منطقة محتلة في الجنوب. فتحولت الحدود إلى الشمال الشرقي في اتجاه بانياس، بدلاً من تحويلها إلى الجنوب الشرقي، في اتجاه طبرية.

ومنذ نهاية الحرب العالمية الأولى، وحتى عام 1923، خضع تخطيط حدود فلسطين الشمالية لضغط مزدوج: فرنسي في الشمال، يحاول التمسك باتفاقية سايكس ـ بيكو، أو تعديلها تعديلاً خفيفاً، وبريطاني، بتشجيع من الصهيونية، في الجنوب، يسعى إلى دفع حدود فلسطين شمالاً، داخل سورية ولبنان.

وبدأت الجولة الأولى لترسم الحدود في ديسمبر 1918، بموافقة جورج كليمنصو Georges Clemenceau، من أجل تحويل السيطرة على فلسطين إلى سيطرة بريطانية، مقابل دعم بريطاني لمطالب فرنسا في سورية ولبنان. وفي المذكرة الرسمية، التي قدمتها الحركة الصهيونية إلى مؤتمر السلام، 1919، مع الخريطة المرفقة، أصرّت على أن تشمل الحدود الشمالية، والشمالية الشرقية، على جنوبي لبنان وجبل الشيخ. وأكدت ذلك في مذكرة بلفور إلى لويد جورج Lloyd George ، في 26 يونيه 1919، في شأن تخطيط الحدود: "الأمر الرئيسي، الذي يجب أن يوضع في الحسبان، هو تفعيل السياسة الصهيونية، وذلك من خلال زيادة الموارد في فلسطين. لذلك، يجب أن يكون تحديد الحدود الشمالية لفلسطين ممتدا للسيطرة على المصادر المائية الشمالية، بحيث تدخل في نطاق فلسطين، وليس سورية". وعاد بلفور Arthur James Balfour في مذكرته، التي يستعرض فيها الاتفاقيات المتعلقة بالمنطقة، إلى القول: "إذا كانت الصهيونية، ستؤثر في المسألة اليهودية في العالم، فيجب تهيئة فلسطين لاستقبال أكبر عدد ممكن من المهاجرين اليهود. وهكذا، فإنه لمن المفضل، بشكل واضح، أن تحصل على سيطرة القوة المائية، التي تتبع لها بشكل طبيعي، إمّا من خلال توسيع حدودها إلى الشمال، أو من خلال معاهدة مع الانتداب في سورية، الذي لا تستطيع مياه جبل الشيخ المندفعة جنوباً أن تكون ذات نفع له بأي حال من الأحوال".

وأوضح هربرت صموئيل Sir Herbert Samuel [3]. الرغبة في الاستيلاء على مصادر المياه، لتوفير عوامل النجاح لمستقبل فلسطين، في رسالته إلى أعضاء الوفد البريطاني، في محادثات السلام، بباريس، بالقول: "إن نجاح مخطط مستقبل فلسطين بأسره، يعتمد على قدرة البلاد على استيعاب المهاجرين اليهود. وهذا بدوره، يعتمد على تطوير الصناعة والزراعة. ويعتمد تحقيق ذلك على توافر المياه. ومن هنا، كانت الحدود الشمالية المقترحة حيوية للغاية". وشرح ذلك في مقال، ظهر في مجلة "فلسطين" العدد 17، الجزء الثالث، بقلم بن جوريون David Ben-Gurion وإسحاق بن زفي Itzhak Ben-Zvi ، بعنوان "حدود فلسطين ومساحتها". وتضمن المقال شرحاً لأهمية المياه لدولة إسرائيل، من خلال تأكيد أن الحياة الاقتصادية في فلسطين، تعتمد على مصدر المياه الموجودة في شمالي البلاد، ومن الأهمية الحيوية أن تضمن فلسطين استمرار تدفق المياه التي تروي البلاد، وأن تتمكن أيضاً من تخزينها، والسيطرة عليها عند منابعها.

كانت العقبة الوحيدة أمام ترسيم الحدود الشمالية لفلسطين، هي الاعتراضات الفرنسية. إذ كانت فرنسا تَعُدّ حدود فلسطين الشمالية جزءاً من سورية. ولم يكن كليمنصو على استعداد لتمديد الحدود الشمالية لفلسطين حتى ضواحي دمشق، لمصلحة الصهاينة، والتخلي عن كل مياه دمشق للمستوطنات اليهودية. واقترح حلاً وسطاً، يأخذ في الحسبان تأمين المطالب الصهيونية. إذ تجعل الحدود، بدلاً من أن تضم وادي الليطاني كله، من البحر حتى الانحناء شمالاً، تمتد من مكان بالقرب من نقطة البدء لخط سايكس ـ بيكو، شمال عكا، في اتجاه شمالي شرقي، ليُضم إلى فلسطين انحناء الليطاني نفسه، ومن هنا، يمكنها أن تمتد شرقاً حتى السفوح الجنوبية لجبل الشيخ، جنوب راشيا، قاطعة نهر الحاصباني. وهو اقتراح يترك لسورية المنطقة الساحلية، شمال عكا، وحتى صور وحاصبيا وراشيا. ولكن، تعثرت المفاوضات، إزاء إصرار فرنسا على مواقفها، وإصرار بريطانيا على ضم قضاء صفد، والسيطرة على مياه السفوح الجنوبية لجبل الشيخ، والسفوح الغربية لمرتفعات الجولان، ونهر اليرموك.

وباء بالفشل كل الجهود، التي بذلها زعماء الحركة الصهيونية، خاصة وايزمان، لإقناع فرنسا بالتخلي عن الأراضي الواقعة جنوب بيروت لفلسطين. واستمرت مفاوضات المندوبين، الفرنسيين والبريطانيين، في شأن الاتفاق على مسألة حدود فلسطين الشمالية، إلى ما بعد مؤتمر سان ريمو San Remo، (اُنظر ملحق مؤتمر سان ريمو إبريل 1920) حتى توقيع معاهدة 23 ديسمبر1920، التي عينت الحدود الفاصلة بين النفوذَين، الفرنسي والبريطاني، بخط يمتد من رأس الناقورة على البحر المتوسط، مروراً ببانياس فحديقة درعا السورية. واستغرق المسح التفصيلي للحدود حتى مارس 1923، حين تم التوقيع على الاتفاق النهائي. وأعلن قادة الحركة الصهيونية سخطهم على الاتفاق، ورضوخ بريطانيا للمطالب الفرنسية، التي أفقدتهم فرصة الاستيلاء على الليطاني ومنابع الأردن العليا وجنوب لبنان وجبل الشيخ وجوران.

وسعى اليهود إلى الاستيلاء على منابع المياه، وتغيير الحدود بطريقة سلمية، وذلك بشراء الأراضي المحيطة بمنابع نهرَي الأردن والليطاني، من طريق سماسرة ماهرين، وإغراءات كبرى. ولكن محاولاتهم لاقت معارضة من السلطات الفرنسية، التي رفضت استيطان الجاليات اليهودية في الأماكن المحيطة بالحدود، خوفاً من المطامع التوسعية الصهيونية. كما ارتفعت أصوات في لبنان، تحذّر من الخطر الصهيوني. ومع ذلك، فقد نجح اليهود، بين الحربين العالميتين، في أن يبتاعوا قرية "المنارة" اللبنانية، التي تقع على تل مرتفع، يشرف على الجزء الجنوبي الشرقي من "جبل عامل". كما ابتاعوا امتياز تجفيف بحيرة الحولة والمستنقعات المجاورة لها. وكان الغرض من شراء هذه الأرض، هو السيطرة على حوض نهر الليطاني.

2. نشوء دولة إسرائيل وأثره في لبنان

كان من الطبيعي، بحكم التعامل الجغرافي، والوحدة الحضارية، وروابط لبنان القومية والتاريخية بفلسطين، أن يُحدث قيام إسرائيل آثاراً محسوسة في الواقع اللبناني ظهرت في الآتي:

أ. الأثر العسكري

اشترك لبنان في حرب 1948 ضد إسرائيل، إلى جانب الدول العربية. وقام بالدور الذي سمحت به إمكاناته المحدودة، كدولة حديثة الاستقلال. وعبْر أراضيه، دخل متطوّعو جيش الإنقاذ، وحدثت الصدامات الأولى في أشد الجبهات كثافة بالمستوطنات اليهودية. وكسائر الدول العربية، وقّع لبنان اتفاقية ردوس ، عام، التي شكلت غطاء دولياً، وظلت تمثل الهدنة الوحيدة الباقية بين بلد عربي وإسرائيل، على الرغم من أن حدود الأخيرة، لم تكن مرسومة بدقة.

وبعد عام 1949، حدث تطور ملموس في السياسة اللبنانية، أخرج لبنان من معسكر المواجهة. وظلت الحدود اللبنانية المتاخمة لإسرائيل حدوداً باردة، مما جعل لبنان الحلقة العسكرية الأضعف في الطوق العربي المحيط بإسرائيل. ولم تلجأ السلطة اللبنانية إلى إنشاء قوة رادعة، للمشاركة في المعركة العربية ضد إسرائيل، بل تمسكت باتفاقية الهدنة القائمة منذ عام 1949. (اُنظر ملحق نص اتفاق الهدنة، الموقع بين الجمهورية اللبنانية ودولة إسرائيل في 23 مارس 1949) وامتنعت، من ثم، عن المشاركة في الحروب المتلاحقة في المنطقة، على الرغم من أنها، سياسياً، ساندت الموقف العربي. ولم يكن ذلك لأن اليهود تخلّوا عن أطماعهم في الأرضي اللبنانية ومياهه، فقد ظل الجنوب اللبناني منطقة مهمة من مساحة الأراضي العربية، التي توضحها خريطة المطامع الصهيونية، بما فيها من مصادر مياه للري، ومواقع إستراتيجية، والتي تعدّ أساس مقومات إسرائيل. ومن جهة أخرى، فإن خروج لبنان من عملية المشاركة في الصراع ضد إسرائيل، بعد حرب 1948، أدى إلى تبنّيه سياسة دفاعية، خلال الفترة من 1948 ـ 1967.

كان محور الخط السياسي اللبناني، يدور حول درء الخطر الإسرائيلي، بالاعتماد على الضمانات الدولية، لا على القوة اللبنانية الذاتية، أو العربية. وكان أنصار هذا الخط، من الطبقات المسيطرة، يبررون ذلك بأن مرحلة ما بعد 1948، هي مرحلة دفاع، لا هجوم.  وما دامت سياسة الدولة، لا تستهدف، في تلك المرحلة، المشاركة في حرب التحرير، على أساس أن هذه الحرب غير ممكنة في الظروف الدولية القائمة آنذاك، فإنه من الممكن تحقيق هدف الدفاع والحماية، بالضمانات الدولية. ودعموا تبريرهم بأن إسرائيل دولة قوية، عسكرياً، وبناء القوات المسلحة اللبنانية، لن يبدل موازين القوى لمصلحة العرب، ولكن سيدفع إسرائيل إلى تعزيز جيشها بقوات إضافية، تعدل الموازين من جديد، وتجعلها تتجه نحو الاعتداء على لبنان، بحجة حماية إسرائيل لأمنها، لأن تبرير الاعتداء على لبنان، الذي دخل حلبة الصراع، أسهل من تبرير الاعتداء على لبنان المُسالم. ولقد ازداد التركيز على هذه النقطة بعد حرب 1956، ووصل إلى ذروته عام 1964، حين أُثيرت قضية تحويل نهر الأردن. فقد وافقت دول مؤتمر القمة العربي على اقتراح لبنان بعدم السماح لقوات مصرية أو سورية أو فلسطينية بالدخول إلى لبنان، والاكتفاء بتزويد لبنان بالسلاح، لتأمين حمايته وتمكينه من تحويل مجرى نهر الوزاني (وهو أمر لم ينفذ).

ومع كل ما يوجه من انتقادات إلى السياسة الأمنية اللبنانية ومخططيها، الذين لم يعوا حقيقة الضمانات الدولية، أو العلاقة بين الأمن القومي والأمن القطْري والأخطار الإسرائيلية البعيدة المدى، استطاع النظام السياسي اللبناني، قبل وجود المقاومة الفلسطينية، الحفاظ على العزلة اللبنانية، وأن يضع نفسه خارج إطار الصراع، الذي شهدته المنطقة العربية، فانتزع مبررات الاجتياح للأراضي الجنوبية من يد إسرائيل، عام 1967. فاكتفت، آنذاك، بوضع اليد على بعض المزارع الصغيرة، مثل مزارع "شبعا" على سفح جبل الشيخ، وأنشأت مراكز مراقبة في الأراضي اللبنانية، على طول الحدود، وشقت الطرقات تحت ستار دعوى الحرص على مراقبة حدودها المفتوحة أمام الأراضي الجنوبية. وهكذا، استطاع لبنان أن يخرج من آثار حرب 1967 متمسكاً باتفاقية الهدنة فقط، وأثبتت السياسة الأمنية الحذرة نجاحها، ولكن أصبح من الصعب الحفاظ عليها بعد حرب الأيام الستة، وبعد تصاعد أعمال الثورة الفلسطينية.

ب. الأثر الاقتصادي

من مفارقات التاريخ، أن لبنان كان المستفيد الأول من النكبة الفلسطينية، عام 1948؛ إذ أخذ الدور الاقتصادي، الذي كانت تقوم به فلسطين، كوسيط بين العالم الخارجي والمشرق العربي، وكان هذا الدور هو السبب الأساسي لازدهار قطاع الخدمات في لبنان (تجارة ـ ترانزيت (عبور أو نقل) ـ نشاط مصرفي ـ سياحة). كما أسهمت الطاقات الفلسطينية، التي نزحت إلى لبنان، خاصة المالية والتجارية، في دفع تطور الخدمات فيه. وظهر في لبنان ما سُمي "بالازدهار الاقتصادي"، الذي دعمته المقاطعة العربية لإسرائيل، من خلال إخراج لبنان من دائرة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وتحويل مصروفات التسلح إلى المشروعات العامة، التي تستفيد منها الطبقات المسيطرة في تسهيل مشروعاتها الخاصة وتأمين ازدهارها، إذ تحتكر تجارة الترانزيت، وتجتذب السياح ـ عرباً وأجانب ـ ووكالات الشركات الأجنبية، ورؤوس الأموال العربية، التي لا تجد في أقطارها مجالات الاستثمار أو طريقاً إلى الاستقرار. وبالإجمال، ازدهر لبنان، اقتصادياً، بفضل علاقاته العربية, إلاّ أن مشابهة طبيعة النشاط الاقتصادي الإسرائيلي لطبيعة الاقتصاد اللبناني، دفعت إسرائيل إلى محاولة ضرب الاقتصاد اللبناني، بمضايقته في الخارج، وترويج الدعايات الكاذبة عنه، وخلق أوضاع سياسية غير مستقرة له.

3. أثر الوجود الفلسطيني في لبنان

كانت العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بين سكان لبنان وفلسطين قوية، قبل قيام إسرائيل، وذلك بحكم الجوار الجغرافي والرابطة التاريخية. وقد تعرضت، خلال حرب 1948، قرى في الجنوب اللبناني للاحتلال والتدمير. وكان طبيعياً أن يلجأ الفلسطينيون (150 ـ 200 ألف نسمة) إلى لبنان لدى قيام إسرائيل، (اُنظر ملحق مجزرة دير ياسين 9 إبريل 1948) وازداد هذا العدد حتى وصل، في نهاية السبعينيات، إلى نحو نصف مليون فلسطيني. وتغير هذا الواقع بفعل النتائج، التي أسفرت عنها حرب يونيه 1967، إذ إن احتلال الأراضي الفلسطينية كلها وأجزاء من أراضي ثلاثة دول عربية، فضلاً عن حالة عجز هذه الدول عن إزالة آثار العدوان، أو إيجاد حل للقضية الفلسطينية، قدمّا للثورة الفلسطينية الوليدة (عام 1965) عوامل جديدة، زادت من تصاعد عملياتها وانتشارها، بعد أن حسبت إسرائيل أن انهيار الجيوش العربية، سيؤدي إلى انهيار القوة المسلحة الفلسطينية. وكان أمراً بديهياً أن تشكل الجبهة اللبنانية، إضافة إلى جبهة الأردن الأساسية، أرضاً مثالية للثورة الفلسطينية. فطبيعة الأرض تساعد على شن حرب عصابات فدائية داخل الأراضي المحتلة، انطلاقاً من جنوبي لبنان والعودة إليه. ناهيك بأن الضربات الفدائية، تنزل بشمالي إسرائيل، الذي يتركز فيه جزء أساسي من الصناعة الإسرائيلية، وتزداد فيه الكثافة السكانية. لذا، كان وجود الثورة الفلسطينية، جزئياً، على أرض لبنان، عند خطوط وقف إطلاق النار مع إسرائيل، ومخيمات النازحين على امتداد الأراضي اللبنانية، لا يعود إلى اختيار سهل بقدر ما يعود، إلى ظروف موضوعية، ناجمة عن المناخ العام، الذي طبع الشرق العربي، إثر حرب يونيه 1967، وإلى حكم جغرافية لبنان الملاصقة للحدود الإسرائيلية، وأزلية علاقة لبنان بفلسطين، وانتقال غالبية التجمعات الفلسطينية إليه.

اعتمدت منظمات العمل الفدائي على عناصر من الشعب الفلسطيني، والحركة الوطنية اللبنانية. إلاّ أن السلطة اللبنانية، حاولت، منذ البداية، أن تحُول دون اتساع وجود المقاومة الفلسطينية في لبنان. ووقف بعض القوى اللبنانية في وجه العمل الفلسطيني، من أجل منع قيام تضامن وطني لبناني مع الحركة الفدائية، مستغلة التخوف اللبناني من إسرائيل. وساعدت إسرائيل، باعتداءاتها المتكررة على القرى الحدودية، وعلى القواعد الفدائية وما تلاها من نزوح سكان الجنوب اللبناني في اتجاه الداخل، على إعطاء المبررات للقوى المعادية للثورة في لبنان، للقيام بحملة لتقييد حركة الثورة الفلسطينية على الأراضي اللبنانية، والحد من نشاطها عبر حدودها مع إسرائيل.

وكشف تفجّر الثورة الفلسطينية التناقض الذي يعيشه لبنان، من حيث علاقاته التاريخية والقومية بالعالم العربي، وطبيعة نظامه السياسي، الذي يقوم على رفض الانخراط في مسألة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، لجعل لبنان يقف محايداً بعيداً عن قضايا المنطقة وتطوراتها.

وعجزت أسوار العزلة أن تمنع تفاعل حركة التحرر الوطني الفلسطينية بالحركة الوطنية اللبنانية، لأنها تعتبر أن الموقف من المقاومة، يعني الاعتراف بأهمية القضية الفلسطينية، ووجود حركة المقاومة، ودور لبنان، كمشارك في المعركة، في تصفية آثار العدوان، والتصدي للاعتداءات الإسرائيلية، والصمود إزاء الضغوط الإسرائيلية لضرب المقاومة. ودخلت الحكومات اللبنانية المتعاقبة في دوامة الحلقة المفرغة، الأمر الذي أدى، عملياً، إلى مواجهة المقاومة الفلسطينية. وكان الاعتداء الإسرائيلي محرضاً للسلطة على التضييق على المقاومة، والاقتصاص منها أحياناً. وكان إقدام إسرائيل على مهاجمة مطار بيروت، عام 1969، من أبرز الخطوات الإسرائيلية الانتقامية، التي دفعت السلطة اللبنانية إلى محاولة التضييق على العمل الفدائي، في أبريل ثم أكتوبر عام 1969، مما سبب ردود فعل محلية، كادت تتطور إلى حرب أهلية. وتباينت الآراء حول طريقة المعالجة الجذرية للتصرف الإسرائيلي، فكان من بينها الاستعانة بالقوات الدولية، لإقامة حاجز على طول الحدود الجنوبية المجاورة للأراضي المحتلة، لمنع إسرائيل من الاستمرار في انتهاك الأراضي اللبنانية. وقوبل هذا العرض بالرفض في تلك الفترة.

في ظل ضغط عربي، رسمي وشعبي، متزايد على السلطة اللبنانية، طلب لبنان وساطة مصر، حتى تم الاتفاق على صيغة لبنانية ـ فلسطينية في "اتفاق القاهرة"، الذي كان يعني أن وضعاً جديداً قد نشأ في لبنان، وهو حرية العمل الفدائي وشرعيته، إذ أعطت الحكومة اللبنانية للعمل الفدائي الفلسطيني حق الوجود في منطقة العرقوب الجنوبيـة، والتي كانت تُعرف عند الإسرائيليين بأرض "فتح"، وهي منطقة صعبة، يسهل الدفاع عنها، ويصعب اجتياحها، وتسهّل العبور إلى إسرائيل، وهذا الوضع كان يشكل الحد الأدنى المعقول للالتزام اللبناني بالقضية الفلسطينية.

ونجحت هذه الاتفاقية في تحقيق هدفها لثلاث سنوات، على الرغم من أن القوى اللبنانية المعادية للوجود الفلسطيني المسلح، رأت أن مجرد الاعتراف بحق الفلسطينيين في الانطلاق من الأراضي اللبنانية للقيام بعمليات عسكرية، هو إسقاط فعلي لاتفاقية الهدنة، التي عُقدت في رودس عام 1949، ومن ثمّ، تعرض لبنان لخطر الاجتياح الإسرائيلي. وخلال فترة رئاستَي الرئيسين، شارل الحلو 1964 ـ 1970، وسليمان فرنجيه 1970 ـ 1976، حاولت الحكومة اللبنانية التوفيق بين اتفاقية الهدنة واتفاقية القاهرة، متذرعة بأن المعركة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأن لبنان ليس طرفاً. والواقع أن الهجوم على اتفاقية القاهرة، بحجة عدم إعطاء إسرائيل ذريعة للاعتداء، لم يكن مجدياً. فإسرائيل ـ في ذلك الوقت ـ كانت قد حذفت اتفاقية الهدنة من حسابها، وكانت تعتدي على لبنان، بذريعة أو من دون ذريعة.

وبوجه عام، استطاع لبنان بين عامَي 1969 و1971، أن يحتوي كافة المشاكل الناجمة عن الوجود الفدائي، من خلال نوع من التفاهم مع الفدائيين، والاعتماد على الصداقات الدولية والضغط الدولي، لمنع تصعيد العمليات الإسرائيلية الانتقامية. إلاّ أن تصفية قواعد الثورة الفلسطينية بالأردن، في النصف الثاني من عام 1970، زادت من أهمية الساحة اللبنانية، وأصبحت المنفذ الرئيسي لتحرك الثورة الفلسطينية إلى الأراضي المحتلة، خاصة الجليل، من ثم، أدت إلى تصاعد عمليات الردع المباشر وغير المباشر الإسرائيلية (قصف القرى الجنوبية الحدودية)، وإلى تركيز الجهود الإسرائيلية، الدبلوماسية والسياسية، على الساحة اللبنانية، من أجل إقفال الجنوب، النافذة الأخيرة، في وجه الثورة.

وفجر التاسع من أغسطس 1971، وقعت معركة في جنوبي لبنان، بين قوات المقاومة الفلسطينية والقوات الإسرائيلية، التي اجتازت حدود لبنان، لمهاجمة قواعد للمقاومة، وهاجمت قريتَي الهِبَّارِيَّة[4] وراشيا الفخار (في قضاء حاصبيا)، تحت ستر قصف من المدفعية الثقيلة للقريتَين، اللتين تبعدان 6 كيلومترات عن الحدود الإسرائيلية. واشتبك الطرفان بالسلاح الأبيض. واستمرت المعركة نحو ست ساعات، امتدت خلالها إلى مسافة 24 كيلومتراً شمال الهِبَّارِيَّة حتى التلال المطلة على قرية راشيا الفخار.

وتمكن رجال المقاومة من وقف تقدم المدرعات الإسرائيلية، التي حاولت احتلال مرتفعات الهِبَّارِيَّة ولم تسفر هذه الإغارة عن سوى قتيل واحد من جانب المقاومة.

وفي النصف الثاني من عام 1972، حدث تطور في طبيعة الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب، بالتصدي المباشر للفدائيين، وتولّي عمليات القمع داخل الأراضي اللبنانية، ووصلت هذه الحملة ذروتها في اجتياح جنوبي لبنان، إلى عمق 15 كم، في 16و17سبتمبر1972، بقوات كبيرة، ثم الانسحاب منه، تحت تأثير الضغوط الأمريكية. وقد أجمل الجنرال ديفيد أليعازرDavid Elazar ، رئيس الأركان الإسرائيلي، أهداف الحملة الإسرائيلية على الجنوب، بقوله: "حددنا لأنفسنا مهمتين: تدمير قواعد المخربين، وتصفية رجالهم الموجودين في المنطقة. وقد تم تحقيق هاتين المهمتين في شكل كامل". لذا، كانت العمليات الإسرائيلية ضد قواعد الثورة الفلسطينية، والقوى الوطنية اللبنانية، تستهدف:

أ. تدمير القوة المسلحة الفلسطينية.

ب. استعداء السلطة في لبنان على المقاومة.

ج. خلق التناقض بين الشعب اللبناني والمقاومة، بالتركيز الإعلامي على نظرية، مفادها أن أعمال إسرائيل ناتجة من وجود الفدائيين في الجنوب، وقيامهم بعمليات ضد القرى الحدودية.

د. إعداد الرأي العام العالمي إعداداً تدرجياً متصاعداً، لتقبل فكرة احتلال الجنوب، تحت ستار دواعي الأمن الإسرائيلي.

وإزاء تصاعد العمليات الإسرائيلية ضد لبنان، وضعفه العسكري، لم تَعُدْ السلطة اللبنانية قادرة على مواجهة الموقف. وكحلّ بديل، لجأت إلى الطرق الدبلوماسية والضغط الدولي، لوقف العمليات الإسرائيلية. وتقدمت بعدة شكاوى إلى مجلس الأمن، كانت حصيلتها إدانة مستمرة للعدوان الإسرائيلي، من خلال عشرة قرارات، صدرت عن المجلس، إبان الفترة من عام 1968 حتى عام 1973[5]. ولكن الدعم المعنوي للبنان، لم يوقف الاعتداءات. فحاول المسؤولون اللبنانيون الضغط على الفدائيين، للحدّ من نشاطهم، وتجميد أعمالهم الفدائية، وإخلائهم من مدن الجنوب اللبناني وقراه. وساءت العلاقات بين الطرفين. وتحت وطأة الضغوط العربية، أمكن تفادي الانفجار، حتى اختل التوازن في أبريل 1973، بعد تصاعد المناوشات في أعقاب الغارة الإسرائيلية على شارع فردان في بيروت. واستمر الصراع أسبوعاً، إلى أن نجحت الوساطات العربية في التوصل إلى وقف إطلاق النار، وإرساء قواعد جديدة.

ونتيجة للآثار، التي ترتبت على حـرب أكتوبر 1973، وتوسع العمليات العسكرية الفدائية، عادت إسرائيل إلى قصف القواعد الفلسطينية. وأصبحت الاعتداءات شبه يومية، من خلال قصف الطيران للمخيمات والقرى، مع قصف الزوارق البحرية الإسرائيلية للمناطق الساحلية الجنوبية، والإغارة ضد بعض الأهداف في الجنوب اللبناني. ولكن، مع تغير الظروف المحلية والعالمية، بات هذا الأسلوب التقليدي غير كافٍ، وكان لا بد من البحث عن وسائل غير تقليدية.

4. أهداف إسرائيل من إثارة الأزمة

الواقع أن السؤال، الذي كان يطرح نفسه خلال الأزمة اللبنانية، هو: ما هو الدور الإسرائيلي في الأزمة اللبنانية؟ إذ على الرغم من كل التفسيرات، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، للأزمة، فلا يمكن أن تكون وحدها المسؤول المباشر، أو أن تبرر ما حدث خلال عامين متتاليين. ولكن الظروف مثلت أرضاً خصبة لتحقيق جملة أهداف، تبدو إسرائيل فيها المستفيد الوحيد من تفجر الوضع في لبنان، في ذلك الوقت، ومن استمرار الوضع غير المستقر فترة طويلة. ويمكن رصد هذه الأهداف في ثلاثة اتجاهات:

أ. الاتجاه الإستراتيجي

تحتفظ إسرائيل، منذ قيامها، بنظام أمن خاص، يعتمد على استمرار الحروب والصراعات الداخلية في الوطن العربي. وفي عام 1975، وصل لبنان إلى مرحلة، أصبح فيها عبئاً وعائقاً للنظام الأمني الإسرائيلي، بعد أن كان يُعَدّ أضعف حلقة في سلسلة الدول العربية، على حد تعبير بن جوريون؛ إذ بدّلت حرب أكتوبر 1973 الكثير من الأوضاع الإستراتيجية في المنطقة. فقد استفادت الثورة الفلسطينية، بعد أن شاركت في الحرب ضمن حدود طاقتها، بإعادة تنظيم صفوفها، وتطوير قواتها المسلحة وعملياتها العسكرية، وصار في وسعها الاعتماد على الدرع العربي، لتخفيف تأثيرات الردع المباشر. وكان عام 1974 هو عام العمليات الفدائية الانتحارية. فلجأت إسرائيل إلى مجموعة من الإجراءات والتدابير الوقائية، لمنع دخول الفدائيين إلى لبنان، رافقتها عمليات انتقامية مستمرة، من قرى الحدود الجنوبية والمخيمات الفلسطينية، بعد أن حمّلت لبنان مسؤولية هذه العمليات. وكان الهدف من هذه العمليات فصل ارتباط اللبنانيين بالفلسطينيين، ودفع الطرفين إلى صدام مسلح. وهو هدف قديم ما برحت إسرائيل تسعى إلى تحقيقه. فتحصل بذلك، عملياً، من طريق استنزاف القدرات، العسكرية والسياسية، الفلسطينية، على وقف إطلاق النار في الجبهة الوحيدة، التي ما فتئ القتال دائراً فيها، إذ إن معارك داخلية كهذه، تمنع تصاعد العمليات في المناطق المحتلة، وعلى خطوط وقف إطلاق النار.

وكان هدف إسرائيل الثاني من ضرب المخيمات الفلسطينية والقواعد اللبنانية، هو منع لبنان من التوجه نحو المعسكر العربي المحارب، مما يعني تقليص حدودها الساخنة، ومنع القوات العربية من فتح جبهة جديدة. وكان واضحاً للقيادة العسكرية الإسرائيلية بعد الحرب، بأنه في حالة نشوب حرب جديدة على الحدود اللبنانية، لن يبقى لبنان خارج دائرة النشاط العسكري. ومن الملاحظ أن الجنوب اللبناني، ظل المنطقة المتفجرة الوحيدة على الحدود الإسرائيلية، بعد توقيع اتفاقية فك الارتباط على الجبهة السورية، في 31مايو1974. وسارعت الحكومة اللبنانية، خوفاً من احتلال إسرائيل للجنوب، بدعوى تحطيم القواعد الفدائية، إلى الحصول على ضمانات جديدة من الدول الكبرى، في مواجهة هذا الاحتمال.

ويبدو أن لبنان نجح في التوصل إلى تفاهم من هذا النوع مع الولايات المتحدة الأمريكية، إثر زيارة هنري كسينجر Henry Alfred Kissinger ، وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، في 16 ديسمبر1973، على الاّ تخضع الأراضي اللبنانية لمفاوضات مؤتمر جنيف للسلام. ولكن هذا السلاح التقليدي اللبناني، لم ينجح في وقف الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة. فلجأت السلطة اللبنانية إلى محاولة الحصول على دعم عربي. واستجابت الدول العربية، ودعت إلى عقد مجلس الدفاع العربي المشترك، بالقاهرة، في 5 يوليه1974. ورفض لبنان العرض، الذي تقدمت به الدول العربية، لتقديم مساعدات عسكرية أو وجود قوات عربية. كما رُفضت المطالب الفلسطينية شراء أسلحة متطورة للدفاع. وبررت موقفها بأن التسلح الكثيف، سيعطي إسرائيل ذريعة لبدء هجوم رادع على لبنان واحتلال جنوبيّه. وكان كل ما تريده السلطة اللبنانية من الدول العربيـة، أن تستخدم نفوذها السياسي والاقتصادي، لإقناع الغرب بالضغط على إسرائيل لوقف غاراتها. ولكن السلطة اللبنانية مالت، فيما بعد، إلى التوافق مع الإرادة العربية، بالتعهد، سياسياً وعسكرياً، بحماية المخيمات الفلسطينية والأراضي اللبنانية من الغارات.

وازداد اهتمام إسرائيل، منذ مطلع عام 1975، باحتمال دخول قوات سورية إلى لبنان، وتحويله إلى دولة مواجهة على أرضها قوات سورية وفلسطينية، واستغلال سورية لإمكانات الأراضي اللبنانية، في حالة نشوب حرب في المستقبل. وهدد شيمون بيريز Shimon Peres، وزير الدفاع آنذاك، بأن هذا يهدد أمن الحدود الشمالية لإسرائيل وسلامتها، كما هدد رئيس الأركان، مردخاي جور، أنه سيضطر إلى أن يَعُدّ لبنان دولة مواجهة، وسيسلك تجاهه، من ردود الأفعال والمواقف، ما يتلاءم مع تطورات الأوضاع.  وازداد اهتمام إسرائيل بالمبادرة السورية، لإقامة قيادة سورية ـ فلسطينية، والتقارب بين سورية والأردن، وفكرة إحياء الجبهة الشرقية من رأس الناقورة إلى العقبة. وعبّرت الصحف الإسرائيلية عن هذه المخاوف، أثناء الأزمة، إذ كان هدف إسرائيل، كما تقول "هاآرتس" في عددها الصادر في 2 نوفمبر1975: "هو منع قيام جبهة رابعة، في حالة نشوب الحرب". وهكذا، فإن تفجير لبنان من الداخل، لا بـد أن تكون له انعكاسات خطيرة على فرصة إقامة جبهة واحدة، مؤلفة من دول المشرق العربي، ويحُول دون تحويل لبنان إلى دولة مواجهة لإسرائيل، على أرضها قوات سورية وفلسطينية. وأكد مردخاي جور ذلك، قبل الأزمة بشهرين، بقوله: "إنه يجب خلق وضع جغرافي سياسي جديد، ومنع العرب من التهديد باستئناف الحرب، كما فعلوا في حرب يوم الغفران".

وكانت خطوة إسرائيل التالية، إذا حدث فراغ على الحدود، أن تتقدم لتملأ هذا الفراغ، بالتمركز في الجنوب اللبناني، الذي له أهمية، عسكرية وإستراتيجية، لحماية أمن إسرائيل.  ومن ثم، تمنع المقاومة والجيوش العربية من التمركز فيه، لتهديد إسرائيل تهديداً مباشراً.

ب. الاتجاه السياسي

خططت إسرائيل، منذ بداية عام 1975، لتوريط القوى الفلسطينية في معركة تستهلك قواها، وتُفقدها الدعم العربي. لذلك، هلّلت للقتال الدائر في لبنان؛ إذ إنه سيشوه مكانة منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني. كما أن تعريب الصراع، وإثارة التناقضات بين قوى المواجهة العربية، سيضرب التضامن العربي، الذي ظهر في حرب أكتوبر، وتعطيل قدرات الأمة العربية، ويشغلها بقضايا جانبية، ويرهقها، مادياً وعسكرياً وبشرياً، في حرب استنزاف أهلية، ويضعف الثقة الدولية بالعرب. وهذا يخدم هدف إسرائيل، الذي عبّر عنه موشي ديان، لمراسل "التايمز Times" في 20 أبريل 1976، بقوله: "إن ما يجري ليس حرباً ضد إسرائيل، لكي نتصدى له". وصرح بأنه يتوقع تغييراً في الأنظمة العربية، تبعاً لذلك.

ومن الأهداف السياسية أيضاً، خلال الأزمة اللبنانية، هدف قديم، كانت إسرائيل تسعى إلى تحقيقه، في أكثر من مجال، وهو محاولة إقامة كيانات طائفية وعنصرية في المنطقة، تتخذها إسرائيل ذريعة لتبرير وجودها، كدولة يهودية، حيث يمكنها أن تتعايش مع مجموعة كيانات طائفية، تضمحل فيها القومية العربية. وهي خطة ليست جديدة، حواها مخطط صهيوني عنصري قديم. فمنذ عام 1937، كان بن جوريون وزملاؤه في الحركة الصهيونية، ينظرون إلى كل قطْر عربي، كمجموعة طوائف، لكل منها تصنيف خاص، وفقاً للمصلحة الصهيونية. وكان بن جوريون يرى في لبنان "الماروني" ممراً من أجل توسيع العمل الصهيوني.

هدف آخر كانت إسرائيل تسعى إلى تحقيقه، من خلال إثارة الأزمة اللبنانية، هو اختلاق قضية لبنانية تحِلّ مكان القضية الأساسية، وهي القضية الفلسطينية. وبذلك، تشغل الرأي العام العالمي بأحداث لبنان، لتظهر للعالم أن الصراع العربي ـ الإسرائيلي، ليس هو الوحيد في المنطقة، ولا هو يستدعي حلاًّ ملحّاً، وتفرض بذلك الحل الإسرائيلي. وكان هذا المخطط هو التحدي الأكثر خطراً، الذي تعمل إسرائيل على تنفيذه لضرب أماني الشعب العربي في تحقيق الوحدة، من طريق إثارة النعرات الطائفية، وإعادة المنطقة العربية إلى المناخ الشعوبي الممزق. فتعوق بذلك كل إستراتيجيات النضال الوطني ضدها. ولا يمكن فصل هذا الهدف عن مؤامرة دولية، افتعلت الحرب بهدف تغيير خريطة المنطقة العربية، بقصد تجزئتها وإعطاء إسرائيل، أو الدول الأجنبية، مبرراً للتدخل.

ج. الاتجاه، المائي والاقتصادي

ظلت المياه هي المحور الرئيسي، الذي تدور حوله اهتمامات إسرائيل بعد عام 1948، لسد حاجاتها في فلسطين المحتلة، وتوسيع رقعة الاستيطان، لاستيعاب أعداد كبيرة من المهاجرين الجدد. ومع تدفق المهاجرين الجدد، عمدت إسرائيل إلى الإسراع في استغلال مصادر المياه المتاحة لها، ووضعت الخطط لذلك. ومنذ بداية الخمسينيات، قُدرت كمية المياه الممكن استهلاكها، بين 2400 و2800 مليون متر مكعب سنوياً. وأشارت تقديرات الخبراء إلى أن النقص في كمية المياه، سيكون في حدود 200 مليون متر مكعب سنوياً من المياه، ابتداءً من عام 1975، حين تبدأ الأزمة الحقيقية للمياه، لأن الطلب على المياه سيفوق الكميات المتاحة. وكان طبيعياً أن تهتم إسرائيل اهتماماً جدّياً بتأمين مصادر مياه جديدة، قبل ذلك التاريخ. ولم يكن أمامها سوى حَلَّين: الاحتفاظ بالأراضي العربية المحتلة في 5 يونيه 1967، واحتلال المزيد من الأراضي العربية. ويلوح أمام إسرائيل مصدر آخر للمياه، وهو نهر الليطاني، الذي تتوق إلى الاستيلاء عليه منذ زمن بعيد، لأن استخدامه سهل، إذ يكفيها القليل من الإنشاءات، لتربطه بالشبكة القائمة لديها، فضلاً عن حاجتها إليه، لأنه يحل لها مشكلة ملوحة المياه المتزايدة في بحيرة طبرية. وفي ينايرعام1955، نشرت مجلة شؤون الشرق الأوسط "Middle Eastern Affairs" الأمريكية مقالاً، جاء فيه: "كان من الواضح أن أحلام تطوير النقب، لا يمكن أن تتحقق بدون مياه الليطاني". وتقدم أريك جونستون، مبعوث الرئيس الأمريكي "أيزنهاور Dwight David Eisenhower" ، بمشروع يقضي بتحويل 400 مليون متر مكعب من مياه الليطاني إلى نهر الحاصباني، لضمها إلى سهل البطوة في إسرائيل، ومن ثم، جرّها إلى النقب. وصرح "ليفي أشكول Levi Eshkol" ، وزير خارجية إسرائيل، عشية حرب يونيه 1967، لمندوب جريدة "لوموند Le Monde " الفرنسية: "هناك نصف مليار متر مكعب من مياه الليطاني تضيع سنوياً في البحر. ويجب استغلالها لمصلحة شعوب الم نطقة، ولا يسَع إسرائيل، العطشانة، أن تقف مكتوفة الأيدي، وهي تشاهد مياه نهر الليطاني ت ذهب هدراً إلى البحر. إن القنوات باتت جاهزة في إسرائيل لاستقبال مياه هذا النهر المحوّلة إليها".

وهكذا، يتضح أن الأطماع الإسرائيلية في مياه جنوبي لبنان أطماع قديمة، لحاجة إسرائيل لهذه المياه لتحقيق مشاريع الاستيطان. وكانت حاجتها إلى مياه الليطاني هي أحد الأسباب الرئيسية للغزو الإسرائيلي لأراضي لبنان، فيما بعد. بل إنه وبُعيد انفجار الأزمة في لبنان، طالبت جريدة "دافار" الإسرائيلية، في 15 أبريل 1975، بضخ مياه نهر الليطاني في نهر الأردن، لاقتسامها بين إسرائيل ولبنان والأردن.

يضاف إلى ذلك أن الاقتصاد اللبناني، يرتكز بصورة رئيسية على قطاع الخدمات (68% من الناتج الوطني). وأهم مقومات هذا القطاع هي التجارة والسياحة والنقل وإعادة التصدير والخدمات المالية والتجارية، التي انتقل معظمها من فلسطين إلى لبنان. وهذا القطاع يتطلب استقراراً. ولذا، كانت التهديدات الإسرائيلية والاعتداءات والدعايات الكاذبة، تهدف، بالأساس، إلى تدمير اقتصاد لبنان، وإزالته كمركز مالي واقتصادي وسياحي، ترثه إسرائيل.

ولا يَكْمُنُ خطر إسرائيل على الاقتصاد اللبناني فقط في خلق أوضاع سياسية غير مستقرة، تؤدي إلى انكماش اقتصاد الخدمات، ولا في ترويج الدعايات الكاذبة، لمنع السياح من زيارة لبنان، بل يَكْمُنُ أيضاً في طبيعة النشاط الاقتصادي الإسرائيلي المشابه للاقتصاد اللبناني، والمنافسة الإسرائيلية للاقتصاد اللبناني في الأسواق العالمية، وبصفة خاصة في أسواق أوروبا الغربية، وفي أفريقيا وآسيا. ولا شك أن الأراضي الزراعية الخصبة في سهلَي مرجعيون والساحلي، والمنتجة للحمضيات، كانت مَطْمَعاً لإسرائيل لتوسيع رقعتها الزراعية، والقضاء على منافس قوي لها في الأسواق العالمية. كما أن وجود أماكن أثرية غنية في لبنان، تُمثل عدة حضارات، تزيد من أطماع إسرائيل في الاستيلاء عليها، لتنشيط السياحة أو خلق ظروف مواتية لتحويل السياحة عن لبنان.



[1] كان توسع محمد علي ف ي سورية، بداية لقاء بين المصالح البريطانية في الشرق، وتوطين اليهود في فلسطين، كوسيلة لتحكم بريطانيا في المسألة الشرقية. وكانت تعليمات بالمرستون، رئيس الوزارة البريطانية، إلى الممثلين البريطانيين، في الشرق (1939 ـ 1940)، تقديم الحماية إلى اليهود، وتشجيع استيطانهم، لكبح أي مشروعات، في المستقبل، لمحمد على وخلفائه

[2] تشكلت اللجنة الاستشارية لفلسطين، في 12يوليه 1917، من كبار القادة الصهيونيين. وبدأت عملها بعد صدور تصريح بلفور

[3] المندوب السامي ا لبريطاني في فلسطين، في ذلك الوقت، يهودي متطرف، عمل من أجل إنشاء دولة إسرائيل. وقد أشرف على أعمال الهجرة اليهودية، وأصدر القوانين التي تتيح تملك اليهود أراضي فلسطينية

[4] تقع قرية الهِبَّارِيَّة على المنحدرات القريبة لجبل الشيخ، وهو جزء من الأراضي التي احتلتها إسرائيل في هضبة الجولان، عام 1967

[5] القرارات: 262/1968 - 207/1969 - 279/1970 - 280/1970 - 285/1970 - 313/1972 - 317/1972 - 332/1973 ـ 337/1973