إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1978، (الليطاني)





حملة الليطاني

لبنان



المبحث الخامس

المبحث الخامس

الإعلام الإسرائيلي والتدخل العسكري في الأزمة اللبنانية

أولاً: الإعلام الإسرائيلي خلال الأزمة اللبنانية

شاركت إسرائيل في الحرب الإعلامية بشكل سافر، وتجلّى ذلك في تشويه حقيقة الموقف، عبْر وسائل الإعلام الإسرائيلية المختلفة، من خلال:

1. التركيز في الصبغة الطائفية للصراع

فقد سعت إسرائيل إلى إغفال العوامل، السياسية والاجتماعية، في تفسير أساليب الصراع. وصوّرته على أنه صراع على شخصية لبنان، أمام المحاولات الإسلامية لزعزعة السيطرة المسيحية. وعبْر وسـائل الإعلام، أخذت تستنفر الرأي العام الغربي، لنجدة المسيحيين في لبنان، من خلال تأكيدها على أن ما يجري هو عملية إبادة شـاملة للأقلية المسيحية. وانتقدت جريدة "نوفيتي كوريي الإيطالية Novetti Kurrie"  موقف البابا، الذي لا يكترث لمصير المسيحيين. وصورت "هاآرتس"، خيبة أمل الزعماء المسيحيين اللبنانيين من العالم المسيحي الغربي، الذي لم يتدخل لمصلحتهم. وانتقد "حاييم هرتزوج Chaim Herzog"، مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، في 13 نوفمبر 1975، انشغال الجمعية العامة بإسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، بينما تتعرض الطائفة المسيحية في لبنان لخطر شديد. ووجّه إيجال آلون Yigal Allon، وزير خارجية إسرائيل، في 3 نوفمبر 1975، في مناسبة فتح مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في باريس، لوماً إلى فرنسا، لأنها تتجاهل مشكلات الطائفة المسيحية، التي تخلّت عنها الدول المؤيدة. وهاجم إسحاق رابين Yitzhak Rabin ، رئيس وزراء إسرائيل في ذاك الوقت، سكوت العالم وتعاميه عن أحداث لبنان. ودَعَتْ جريدة "يديعوت أحرونوت" إلى "أن على إسرائيل أن تهبّ إلى مساعدة المسيحيين في لبنان".

وحين نصبّت إسرائيل نفسها حليفاً لطرف في الصراع الدائر، منطلقة من موقف طائفي واضح، إنما كانت تهدف إلى التداخل لخلق دولة طائفية، تستفيد من وجودها عقائدياً واقتصادياً، لأنها ستكون خير تبرير لوجود الكيان اليهودي.

وفي أعقاب دخول القوات السورية إلى لبنان، قال إيجال آلون: "إنه ليس في وسع إسرائيل التسليم بتسوية لبنانية، تؤدي إلى تدمير الشعب الماروني الكاثوليكي. إن الوضع في لبنان يتخطى الشأن الداخلي. وأمامنا محاولة لإبعاد الشعب الماروني العريق".  وفي مناسبة صدور الجزء الأول من ترجمة حياة بن جوريون، ذكر شيمون بيريز، في جريدة "معاريف" قول بن جوريون، عام 1956: "يجب أن يتحرر لبنان في بعض مناطقه الإسلامية، ليتمكن المسيحيون من العيش فيه". والحقيقة الكامنة من وراء هذا الاتجاه، هي أن إسرائيل، ليست فعلاً وراء أحد الفريقين، ولكنها وراء فكرة تصادم الفريقين، والطائفية هي الحليف لها في ذلك.

2. الهجوم على صيغة الدولة الديموقراطية العلمانية

حين نادت منظمة التحرير الفلسطينية في الأمم المتحدة، عام 1974، بدولة فلسطينية ديموقراطية، تتعايش فيها كل الأَديان، وقدمت لبنان نموذجاً للحل المطلوب ـ المتمثل في التعايش الوطني بين الأديان والآراء، في إطار من الحرية والديموقراطية ـ استغلت إسرائيل أحداث لبنان لإظهار استحالة بناء الدولة الديموقراطية العلمانية، التي تدعو لها الثورة الفلسطينية. وصرح إيجال آلون، وزير خارجية إسرائيل، في 20 سبتمبر 1975: "إن المخربين أرادوا استغلال لبنان، الدولة الديموقراطية العلمانية، التي يعيش فيها أبناء شعوب مختلفة وديانات مختلفة تعايشاً سلمياً، وأرادوا أن يطوعوها لحسابهم من أجل تحقيق أهدافهم".

3. التركيز في مساوئ الوجود الفلسطيني في لبنان

ركزت أجهزة الإعلام الإسرائيلية على أن الوجود الفلسطيني في لبنان، هو السبب الرئيسي لمشكلته، وما عداها من مشاكل تُعد هامشية، ونقلت هذه الأجهزة كل رأي أو تصريح، يُشتم منه رائحة العداء اللبناني للفلسطينيين. وفي حديث إذاعي لرئيس معهد شيلواح، التابع لجامعة تل أبيب، في 14 أبريل 1975، يحلل فيه سبب اندلاع القتال في لبنان، يقول: "إن المنظمات الفلسطينية تتحدى أسلوب الحياة اللبنانية. وإنه بعد فشل محاولة الجيـش اللبناني ردع هذه المنظمات، فإن منظمات متطوعة، مثل "الكتائب"، تحاول القيام بالواجبات، التي كان يجب أن يقوم بها الجيش". كما هاجمت جريدة "شعاريم"، "المخربين"، الذين أنكروا الضيافة، التي قوبلوا بها من جانب المسيحيين في لبنان، والذين يكرَهون لبنان البورجوازي، الذي ترفع رايته "الكتائب". وعَزَت جريدة "دافار" إلى (المخربين): "تهمة السعي إلى القضاء على مكانة المسيحيين، الذين منعوا، حتى الآن، جعل لبنان دولة مواجهة ضد إسرائيل". ورأت جريدة "جيروزاليم بوست Jerusalem Post": "أن إشعال الحرب إنما هو ناجم عن وجود منظمة التحرير الفلسطينية، الأمر الذي عكّر صفو العلاقات بين الطوائف. وإذا لم تضع حكومة لبنان حدّاً لنشاط المنظمة، فلن يكون هناك مناص من تصعيد الحرب الأهلية".

4. التركيز في الخلافات العربية

ويُستدل من طريقة العرض، التي قدمت بها الأجهزة الإعلامية، داخل إسرائيل وخارجها، الأزمة اللبنانية، أن هناك تأكيداً على الخلافات العربية، وتحريضاً على الإمعان فيها.  فذكرت "يديعوت أحرونوت": "بأن الحرب اللبنانية تكشف انقسام في العالم العربي، وتعمق الخلافات في الرأي السائد في الدول العربية". وألمحت "هاآرتس": "إلى أن الشرخ بين مصر وسورية، الذي توقعه رابين في ديسمبر 1974، حقق نجاحاً يفوق أي تقدير، على يد عنصر، لم يكن رئيس الحكومة يحلم به". كما رأت "عال همشمار": "أن المعركة في لبنان، ألقت بذور خلاف بين جهات مختلفة في المعسكر العربي، وأن الصراع الداخلي اللبناني، تحوّل إلى مواجهة في العالم العربي". كما أكدت الجريدة: "أن التدخل السوري في لبنان، أدّى إلى حدوث استياء في أوساط العالم العربي، وأن سورية، من خلال هذا التدخل، تسعى إلى تحقيق حلم سورية الكبرى داخل الوطن العربي". وتوقعت جريدة "دافار": "أن ينشأ، نتيجة الصراع العربي في لبنان، نظام جديد للقوى في المنطقة العربية، بسبب تصارع ثلاثة مخططات في الساحة اللبنانية: مخطط الأسد، ومخطط جلود، ومخطط السادات". وأن قضية لبنان، تجسد، أكثر من أي شيء آخر، مدى التمزق العربي. فالجامعة العربية أظهرت عجزاً مطلقاً عن حل الأزمة اللبنانية". وأبدت الجريدة ارتياحها للوضع الذي تواجهه المقاومة، نتيجة التدخل السوري، وفرض الحصار على مناطق وجودها.

كما أكدت إسرائيل أن تفجّر الوضع في لبنان، ليس نتيجة الخلافات العربية المستحكمة فقط، بل بسبب الخوف من منظمة التحرير الفلسطينية أيضاً، التي استغلت الانقسامات في العالم العربي لمصلحتها، وعمقت توغلها في الدول العربية. وأن تقاعس هذه الدول أمام الدور السوري، نابع عن رضى عن الخطوات السورية. كما أكدت أن منظمة التحرير الفلسطينية، إنما تمثّل بؤرة خطر على البنية الداخلية للدول العربية. وأن النداء الذي وجهته المنظمة إلى الزعماء العرب، بالتدخل لإنقاذ حركة المقاومة، قد جاء متأخراً، بعد أن كانت الأطراف العربية، قد استخدمت الفلسطينيين كأداة موجهة ضد إسرائيل لسنوات طويلة. ومع تعمق الشرخ بين الحكام العرب، برزت حقيقة أنهم لا يهتمون إلا بأنفسهم، ومصلحتهم التي تكوّن العامل الحاكم والمقرر، في نظرهم.

وفي حديث لإسحاق رابين، رئيس الوزراء الإسرائيلي، إلى جريدة "دافار" قال: "أنه يرى نتيجتين، من الزاوية الإسرائيلية للصراع الدموي في لبنان. أولاً: أن العالم العربي غير مهيّأ للالتفات إلى موضوع المفاوضات مع إسرائيل، سواء لتحقيق تسوية شاملة، أو لإنهاء حالة الحرب، إذ إن توجهاته السياسية الأساسية، وجزءاً من  مجهوده الحربي، منصبان على الحرب في لبنان. ثانياً: تضاؤل أخطار التنسيق العسكري العربي لمواجهة إسرائيل".  

وكشف رابين صواب السياسة الإسرائيلية وفاعليتها، في عدم وجود قوات أجنبية في منطقة مجاورة للحدود الإسرائيلية. واستطرد قائلاً: إنه يرى "على المدى القريب، تزايد حالة التوتر بين السوريين والفلسطينيين في لبنان، وأن العامل المسيحي سيزداد قوة، وأن اليسار في حالة تدهور، وأن القوات السورية أُبعدت عن خطر المواجهة في الجولان، وأن التوتر العسكري بين العرب وسورية وصل الذروة، وأن هذه الأوضاع خلقت توتراً في العالم العربي، بدلاً من أن تجمعه المواجهة ضد إسرائيل، وأن هذا الصراع سيستمر طويلاً".

كما ذكر رابين، في حديث آخر إلى "نيويورك تايمز New York Times" : أن القتال قد قلّل من احتمالات وقوع صِدام من جانب العرب، متحدين ضد إسرائيل". وعلق مردخاي جور، رئيس الأركان، على هذه الأحداث بالقول: "لقد دخل العرب في صراع عنيف. وبدلاً من أن نكون نحن الهدف، تخاصم العرب فيما بينهم، وتركزت كل جوانب هذه الصراعات في لبنان، وأكسبت مشكلته طابعاً حادّاً جداً. وهكذا، بسبب هذا الوضع، نعمت الحدود الشمالية الإسرائيلية بهدوء لا بأس به. وهو أمر مهم لنا. كما أتاح للجيش الإسرائيلي تخفيف الانشغال بما يجري، والتركيز أكثر على الإعداد لحرب شاملة. فمن زاويتنا، أتاح لنا الصراع في لبنان التركيز على المسائل الرئيسية". كما أكد رابين لجريدة "دافار": "أن الحرب الأهلية في لبنان، أحدثت شرخاً في العالم العربي. وأدت إلى إهمال موضوع المواجهة مع إسرائيل. وأن الجرح العربي، في هذه المرة، قد انفتح كثيراً، إلى حدّ أنه أصبح صعب الالتئام".

لقد كان التفكك العربي هو الورقة، التي ربحتها إسرائيل. كما أنه ظل مصدر رضى لها، لأنه وفّر الهدوء والسكينة للحدود الإسرائيلية، وأثّر في مجرى السياسة إزاء الصراع العربي الإسرائيلي. وفي الحرب الأهلية اللبنانية، وجدت إسرائيل مركزاً مثالياً لإرهاق الدول العربية واستنزافها، مادياً وعسكرياً وبشرياً، مما يحُول دون إقامة جبهة موحدة ضد إسرائيل، التي كانت تخشى، فقط، قدرة العالم العربي على الاتحاد ضدها. ومن هنا جاء حرص إسرائيل على إبقاء تدخلها في الأزمة خفيّاً، لأن كل تدخل فعلي من جانبها، سيعكس الوضع، وسيؤدي إلى تكتل جميع الفرقاء المتنازعين في العالم العربي ضدها ، إذ إن التدخل الإسرائيلي، كما قالت جريدة "دافار": "سيؤدي إلى حرب شاملة مع العرب. وبدلاً من الانشقاق الآخذ في التزايد بين سورية ومصر والعراق، سنساهم بأيدينا في تكتل سريع، ومتجدد، لجبهة محاربة، معادية لإسرائيل".

5. إظهار دور إسرائيل الحضاري

منذ بداية الحرب اللبنانية، ظلت الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية هادئة. وحرصت إسرائيل على إبقائها كذلك،من أجل إقناع العالم بأن إسرائيل تحرص على السلام، وتراعي النواحي الإنسانية، متهمة العرب بالتخلف الحضاري والعنصرية القومية. واستغلت إسرائيل الأوضاع المعيشية الصعبة، التي كان يُعانيها سكان القرى الحدودية في الجنوب اللبناني، نتيجة الأزمة الطويلة، وانقطاع موارد الرزق والمواد التموينية، وفقدان الأدوية، وتوقف معظم العيادات الطبية عن العمل. فراحت تمد جسورها مع الأهالي في الجنوب، تحت ستار الإنسانية، بتقديم الخدمات الضرورية، وتزويد الناس بالمواد الغذائية والمياه والوقود. ثم وسّعت نشاطها بأن بدأت، عملياً، بشراء المنتجات الزراعية الجنوبية، وإيجاد فرص عمل داخل إسرائيل لعدد قليل من العـال اللبنانيين العاطلين. كما أقامت المستوطنات ومضخات المياه عند مراكز الحدود، حيث البوابات المقامة على طول السياج الشائك، المكهرب، الذي بنَته إسرائيل على طول الحدود، ففُتحت هذه البوابات لأهالي قرى جنوب لبنان، الباحثين عن الطعام والعمل والعناية الطبية. وبدأت الصحف الإسرائيلية، منذ يونيه 1976، تتناقل أخبار هذه الجسور، وتتحدث عن مناطق التعاون بين الإسرائيليين واللبنانيين. وأطلق شيمون بيريز على هذه العملية اسم "سياسة السياج الطيب" "The Good Fence Policy"، ادّعى أن إسرائيل تقدم المساعدات الطبية والغذائية لدوافع إنسانية، وتمنى أن تخلق هذه الجسور المفتوحة أرضية للسلام ولعلاقات حُسن الجوار. وقال: "إننا مهتمون، بصراحة، بتنقية العلاقات بين السكان على جانبَي خط الحدود ودعمها، من أجل إقامة علاقات حسن جوار، في هذا البحر من العداء حولنا".

كما نشرت جريدة "دافار" مقابلة مع إيجال آلون قال فيها: "إن سياسة السياج الطيب، ساهمت مساهمة إيجابية كبيرة في اكتساب التعاطف معنا، في أوساط السُّكان اللبنانيين، وفي رؤية العالم إلى إسرائيل في الضوء الصحيح".

وقد استطاعت إسرائيل، عبر تقديم عدد من الخدمات، أن تخلق جو نفوذ مؤقتاً، جنوب نهر الليطاني. وضمنت بذلك حياد حدودها مع لبنان، من دون أن تلجأ لعملية اجتياح كامل. وشرحت "يديعوت أحرونوت" مطولاً مبررات المساعدات الإسرائيلية، واحتمالات المستقبل، بقولها: "مع احترام الجانب الأخلاقي الإنساني، الذي تنطوي عليه المساعدة لعرب جنوبي لبنان، فليس العلاج الطبي والعمل التمويني، إلاّ موضوعات فرعية. فالهدف الحقيقي للسياسة الإسرائيلية المسماة "السياج الطيب"، هو خلق وضع جديد في المنطقة على الحدود الفاصلة".

كان همّ إسرائيل هو انتزاع الروح العدائية ضد إسرائيل من نفوس سكان الجنوب اللبناني، وتوضيح أن ما لحقهم من مآسي كان بسبب الوجود الفدائي، مع تركيز دعايتها في القرى المسيحية داخل الشريط الحدودي، مستغلة حالة الخوف، التي انتابت بعض الأوساط المسيحية، لكي تظهر بمظهر الحامي للمسيحيين، في وجه أي محاولات اعتداء يتعرضون لها. وكانت هذه المخاوف قد غذتها الدعايات الإسرائيلية والقوى اليمينية اللبنانية، مما دفع المواطنين في هذه القرى، إلى القبول بمبدأ التعامل مع إسرائيل. ويمكن اعتبار ذلك بداية المخطط اليميني ـ الإسرائيلي، لفتح جبهة جديدة في الجنوب، بخلق الأجواء الملائمة التي تحول من دون عودة النشاط الفدائي للمنطقة. وهذا ما أشار إليه شيمون بيريز حين قال: "إن تقليص وجود منظمة التحرير الفلسطينية في المنطقة الجنوبية، عملٌ ترجمته إسرائيل إلى نموذج مدروس للحوار. فالحدود التي تعَدّ دولية وثابتة، هدأت مؤقتاً في كلا الجانبين. وأصبح السكان يريدون نُظُماً، تختلف عن تلك التي فُرضت عليهم من قِبل عناصر خارجية".

وأشارت "يديعوت أحرونوت" إلى احتمالات تطور الوضع بعودة المنظمات إلى الجنوب، حسب اتفاق القاهرة، بعد مؤتمرَي القمة في الرياض والقاهرة. وأكدت أن سياسة "السياج الطيب"، هدفت، أولاً وقبل كل شيء، إلى خلق وضع، يجعل من الصعب على "المخربين" أن ينطلقوا من هذه المنطقة في المستقبل. ومع ذلك، لم تحقق تلك السياسة، ـ السياج الطيب ـ النجاح الذي حاولت الدعاية الإسرائيلية الإيحاء به. والدليل على ذلك أن سكان القرى، الذين دخلوا إسرائيل عبر الأسلاك الشائكة، كانوا يتوسلون إلى الصحفيين ألاّ يذكروا أسماءهم، كما كانوا يُخفُون وجوههم. والسبب في ذلك أن التجار، الذين تعاملوا مع إسرائيل، تعرضوا لعمليات انتقامية، وكان ذلك إنذاراً لهم بعدم السماح للإسرائيليين بالتدخل في شؤونهم. كما أن التوتر في الجنوب، الذي اندلع بين القوى الوطنية واليمينية، بدأ يؤثر في أوساط العمال اللبنانيين العامـلين داخل إسرائيل. وزُرعت الألغام في الطرق المؤدية إلى "السياج الطيب". كما أن هناك دليلاً آخر على عدم فعالية سياسة "السياج الطيب"، وهو سيل الهجرة الذي لم ينقطع من القرى الجنوبية إلى شمال لبنان، على الرغم من كل ما بثته أجهزة الإعلام الإسرائيلية في سبيل الدعاية لسياسة فتح الجسور، وإيهام أهالي الجنوب بنجاحها.

6. التمهيد المتواصل لاحتمال التدخل العسكري من جانب إسرائيل

تابعت إسرائيل، باهتمام شديد، تطور الأحداث في لبنان. وبدا من أسلوب توجيه الأخبار والتعليقات، أنها تمهد لاحتمال التدخل العسكري. رأت "يديعوت أحرونوت" أنه في مكان ما في الصورة، كان يحوم ظل إسرائيل، "ليس كبلد معادٍ بالذات ... بل كعائق، دون إحداث تغيير في غير مصلحة لبنان كما هو عليه اليوم". والواقع إن التغيير في غير مصلحة لبنان، من وجهة نظر إسرائيل، كان يعني أن يتحول لبنان إلى دولة مواجهة. فما دام لبنان ساحة لحـرب داخلية، فإن إسرائيل تمتنع عن التدخل المباشر، مكتفية بتغذية الصراع بطرق غير مباشرة. ولكنها تهدد بالتدخل وشن عمليات عسكرية، لو تدخلت أي قوة سورية أو عربية أخرى في النزاع القائم، أو قُدّم دعم للوجود الفدائي. ومنذ بداية الأحداث، عمدت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى التهويل المصطنع، في وصف الأخطار على الحدود، للإبقاء على جو من التوتر، من أجل التأثير في مجرى الأحداث في لبنان. ونقلت الإذاعة والصحف الإسرائيلية تحذيرات وتصريحات، أطلقها المسؤولون الإسرائيليون، يهددون بالتدخل المباشر إذا توافرت مقاييس وشروط معينة. رافق ذلك زيارات المسؤولين العسكريين إلى مناطق الحدود الشمالية، والقيام بجولات جوية في المواقع المتقدمة، تذكيراً بأن قوات إسرائيل في حالة استنفار، ونقلت الإذاعة الإسرائيلية، في 31 أكتوبر 1975، حديثاً لرئيس الأركان، مردخاي جور، قال فيه: "إن ما يهمنا هو ألاّ يصبح لبنان دولة مواجهة، وإذا تدخلت قوات عربية، خاصة سورية، فسوف يكون للأمر مغذى عسكري من الدرجة الأولى، لأن ذلك سيكون إيذاناً بفتح جبهة جديدة على حدود إسرائيل".  ووصف مردخاي جور الجبهة الجديدة بأنها متشابكة للغاية، من ناحيتَي الأرض والقرب من مناطق ذات كثافة سكانية. وعالجت، "هاآرتس" الموضوع عينه بتساؤلها: ما هو الخط الأحمر، الذي يُعَدّ تجاوزه مَسّاً بمصالح إسرائيل الأمنية الحيوية؟ وبعبارة أخرى، ما الذي يمكن أن يُعَدّ ذريعة الحرب، من وجهة نظر إسرائيل؟ كما أبرزت المخاوف الإسرائيلية، من أن تؤدي التطورات في لبنان إلى انضمامه إلى الجبهة الشرقية: "لا يجوز، في أي حال، إذا ما أقيمت جبهة شرقية تضم لبنان، إلغاء احتمال قيام الجيش السوري بمحاولة العمل من جناحين: الأول من مرتفعات الجولان، والثاني من طريق لبنان". وأكد رابين: "أ ن تغيير الوضع في لبنان، ينطوي على خطر حقيقي على أمن إسرائيل، وأننا نحتفظ بحقنا في الدفاع عن أمننا على الحدود الشمالية لدولة إسرائيل".

بل إن بعض الصحف الإسرائيلية، كانت تؤيد التدخل الإسرائيلي في لبنان، على أساس أن الفرصة كانت سانحة للتدخل، لتجنّب الأخطار، التي قد تنجم، في المستقبل، نتيجة لتغَيُير الأوضاع في لبنان. بل ذهب بعض المراقبين إلى اتهام الحكومة بالتقصير وتفويت الفرصة، بسبب عدم تدخلها. كما أكدت "يديعوت أحرونوت": "أنه إذا ما دخل الجيش السوري لبنان، وتم انتشاره بالشكل الذي يهدد أمن إسرائيل، ويخرق التوازن الأمني بين البلدين، فإن ذلك سيكون مدعاة للتدخل الإسرائيلي في لبنان". وحتى يونيه 1976، كانت إسرائيل لا تزال ترى أن الدور السوري لم يصل بعد إلى حدّ يهدد بتغيير الوضع، أو يقتضي رد فعل إسرائيلياً.

الخطر الثاني، الذي لوحت به إسرائيل، هو ازدياد الوجود الفلسطيني. وهو ما حاولت إسرائيل إبعاده من الحدود خلال أحداث الأزمة. ولكنه عاد ليتمركز في المواقع التي هجرها الجيش اللبناني، وخاصة بعد تشكيل جيش لبنان العربي، في 11 مارس 1976. وعبّر آلون، في الكنيست، عن هذا القلق بقوله: "ليس خطر غزو سوري هو الخطر الأمني الوحيد الوحيد، المحتمل أن ينتج، من زاويتنا، عن الحرب الأهلية في لبنان. فهناك أيضاً، خطر آخر أكثر أهمية، وهو محاولة المنظمات الفلسطينية، السيطرة على الجزء الجنوبي من لبنان، لتحويله إلى قاعدة منظمة لأنشطة عصاباتها، ضد إسرائيل ومستوطناتها. ولن نسلم بهذا الخطر، ولن نتجاهله إذا تجسدّ. وسنستمر في الاحتفاظ بحقنا السياسي الأوفى، وفي السهر على استعدادنا العسكري، من أجل ضمان مصالحنا الحيوية في مناطق الحدود وسلامة سكانها. وسنستمر في الاحتفاظ بحقنا في اتخاذ الخطوات اللازمة، بحسب ما تفرضه الظروف، من أجل ضمان هذَيْن الأمرَيْن في المستقبل".

ووصفت جريدة "دافار" موقف الفلسطينيين في الجنوب اللبناني بالقول: "إن أخطر نتيجة تؤدي إلى الحرب، هي سيطرة المنظمات الفلسطينية وحلفائها في جنوبي لبنان على امتداد الحدود مع إسرائيل". كما أشارت إلى الفراغ الذي نشأ بعد ترك الجيش اللبناني مواقعه في الجنوب اللبناني، والتي أصبحت تمتلئ بالقوى المعادية. وأكد شيمون بيريز ذلك، في الكنيست، بقوله: "إذا ما نشأ خطر يهدد مستوطنات الشمال، نتيجة احتـلال "المخربين" وهو الاسم الذي تطلقه إسرائيل على جيش التحرير الفلسطيني، للمواقع الخالية، فإن الجيش الإسرائيلي سيعمل على إبعاد هذا الخطر".

وبعد التدخل السوري المباشر في لبنان (يونيه 1976)، ناقشت الأوساط الرسمية والمعلقون السياسيون الإسرائيليون احتمالات التدخل الإسرائيلي، من خلال مراقبة دقيقة للتطورات.  وأشارت جريدة "دافار" ، إلى "أنه ليس ثمة مبرر، نتيجة الدراسـات الخارجية عن تحرك السوريين ووحدات المخربين، لتبديل الرأي والسياسة الإسرائيليين في الموضوع. وأن إسرائيل مستعدة لمواجهة أي احتمالات للموقف العسكري على الحدود الشمالية". ودار معظم المناقشات حول شرح مفهوم الخط الأحمر ومضمونه، الجغرافي والسياسي، خاصة بالنسبة إلى نقطتين أساسيتين: الأولى، إمكان تمركز قوات سورية في بعض المناطق اللبنانية بصورة دائمة. والثانية، إمكان تجدد نشاط المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل من جنوبي لبنان.

وفي خصوص النقطة الأولى، أوضحت إسرائيل، أن ما تعنيه بالخط الأحمر، ليس خطاً جغرافياً، ولكن المقصود به عدة عوامل مختلفة، مثل حجم التوغل السوري في لبنان، وحجم القوة العربية، التي سترسل إليه، ومدة بقائها فيه، وصورة التشكيل الجديد لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان. وعلى الرغم من كل ما قيل عن الضمانات الأمريكية لإسرائيل، قبل التدخل  السوري وبعده، إلاّ أن إسرائيل حذرت سورية من التمادي في بسط  نفوذها على لبنان، ومن ثمّ، ضمه كله إليها أو ابتلاع جزء منه. وحذر آلون سورية من أي محاولات "تقوم بها، من أجل دمج لبنان مع سورية".

وفي خصوص النقطة الثانية، نجد أنه مع ترحيب إسرائيل ببعض الظواهر، الناتجة من التدخل السوري والمؤدية، على المدى القريب، إلى إضعاف قوة منظمة التحرير الفلسطينية، إلاّ أنها كانت واثقة أن الأمور، لن تبقى على ما هي عليه، وخاصة إذا أُبعد الفلسطينيون إلى جنوبي لبنان، أو أتاحت سورية لمنظمة التحرير الفلسطينية ما يسمح لها بالعمل ضد إسرائيل من الأراضي اللبنانية، لأن الأمر، في هذه الحالة، سوف يتعلق بأمن إسرائيل الإستراتيجي في وقت الحرب. وهدد إيجال آلون، في مقابلة صحفية، نشرتها "دافار" بقوله: "من المحظور السماح لمنظمة التحرير الفلسطينية بالسيطرة، من جديد، على مناطق أو قواعد قريبة من الحدود، بغرض ممارسة نشاط ضد إسرائيل". واختتم تهديده بقوله: "فالوضع الذي كان قائماً في السابق، لن يعود مرة أخرى".

وقد مثّل مؤتمر قمة الرياض (16 ـ 18 أكتوبر1976)، من وجهة نظر إسرائيل، احتمالاً في تغير الموقف العربي، بشكل يهدد أوضاع الحدود الشمالية الإسرائيلية، التي كانت هادئة حتى تلك الفترة. وتناولت الصحف الإسرائيلية الموقف، بعد هذه القمة، من زاويتين:

الأولى: خطر إرسال قوات ردع عربية، قوامها 30 ألف جندي، إلى لبنان. ووضعت في حسبانها إمكان توجُّه هذه القوات نحو الجنوب، ودورها المستقبلي في حالة نشوب حرب بين العرب وإسرائيل.

الثانية: احتمال عودة الفدائيين إلى مواقعهم في الجنوب، بدعم من سورية، خاصة إذا وُضعت اتفاقية القاهرة موضع التطبيق، بهدف استئناف العمليات الفدائية من الجنوب اللبناني.

لقد أصبح واضحاً، أن إسرائيل، لن تحتمل توغلاً مكثفاً لقوات الردع العربية إلى الجنوب. ولن تقبل بمحاولة الفدائيين استئناف نشاطهم من الحدود الشمالية، أو السيطرة على الجنوب. وحول هذا الموضوع، تركزت التحذيرات الإسرائيلية المستمرة لقوات الردع، وللسوريين بوجه خاص، من تجاوز الخط الأحمر، الذي أصبح مرناً جداً، ومتحركاً جداً، وفق الظروف. فالخط الأحمر، بالنسبة إلى إسرائيل، هو المساحة الممتدة من الجزء الجنوبي لليطاني، حتى ميناءَي صيدا وصور. ولكن التفسير، الذي أعطته تل أبيب لما سُمي بالخط الأحمر، لا يعني، بالضرورة، ضفاف الليطاني، بل إن الخط الأحمر هو كل ما ترى إسرائيل فيه تهديداً لأمنها.

لذا، جاء احتجاج إسرائيل على دخول قوات الردع بلدة النبطية، التي تقع شمال الليطاني، إذ رأت أن وجود هذه القوات فيه تهديد لأمنها، نظراً للأهمية الإستراتيجية لهذه البلدة، وسيطرتها على الطرق المؤدية لإسرائيل. وأعلن شيمون بيريز: "أن إسرائيل لن تحتمل أي تهديد عسكري على الحدود الشمالية، من جانب قوات عسكرية أجنبية. وستعارض أي حشد عسكري، سوري أو فلسطيني، بالقرب من حدودها". وكان الباعث على هذا التحذير أمرين:

أولهما: خوف إسرائيل من تحوّل لبنان إلى دولة مواجهة مع إسرائيل، على الصعيدين السياسي والعسكري.

وثانيهما: العمل على منع عودة النشاط الفدائي إلى الشريط الفاصل، أي الحيلولة دون العودة إلى تطبيق اتفاقية القاهرة. وعمدت التعليقات الإسرائيلية إلى التهويل بالأخطار المترتبة على عودة رجال المقاومة.

وجاء تحذير جريدة "هاآرتس" على ألسِنة بعض المسؤولين الإسرائيليين، بقولها: "لن نرضى أن يتحول الجنوب (اللبناني)، من جديد، إلى قاعدة لقوات معادية، تعود إلى قصف مستعمرة كريات شمونة، وتخطف رهائن. لقد سمحت إسرائيل للجيش السوري بالتدخل في لبنان، ولم تفعل ذلك من أجل أن يصبح جنوبي لبنان، ثانية، مجالاً حصيناً لمنظمة التحرير الفلسطينية، برعاية دمشق هذه المرة".

وأمام هذا التحول الجديد في الموقف، كان على إسرائيل أن تتّبع أساليب ثلاثة:

1. البحث عن ضمانات أمريكية، عبر اتصالات دبلوماسية مع السلطات اللبنانية والسورية، تُبقى الجنوب منطقة عازلة، لا تدخلها قوات سورية أو عربية، ولا منظمات فدائية.

2. تشجيع جهات محلية، لا يسُرُّها استئناف الحرب ضد إسرائيل، "جهات لبنانية مهتمة بالعيش معنا بسلام، ولا ترغب في الرضوخ لمنظمات الإرهاب"، كما وصفتها جريدة "دافار".

3. التدخل العسكري المباشر.

ثانياً: التدخل العسكري الإسرائيلي في الأزمة اللبنانية

1. قبل مؤتمر قمة الرياض (16 ـ 18 أكتوبر 1976)

لم تكتفِ إسرائيل بمراقبة التطورات، أو بالحرب الإعلامية، أو التهديد بالتدخل، بل كانت، منذ بداية الأزمة اللبنانية، متدخـلة فيها فعلاً، ليس لحماية أهدافها ومصالحها الأمنية فقط، وإنما للاستفادة أيضاً من الأوضاع العامة القائمة في لبنان. وفي الوقت نفسه، لم تخفِ إسرائيل مساعداتها لبعض أطراف الصراع داخل لبنان. فذكرت جريدة "يديعوت أحرونوت" أن المعونة الإسرائيلية، التي تُقَدم إلى لبنانيين، ليست إنسانية فقط، وأن تشجيع المسيحيين، قد بدأ بفضل الأسلحة الإسرائيلية، التي تدفقت إليهم من طريق البحر. وأكدت أن هذه المساعدات، شملت "تدريب وحدات، وتزويد بالأسـلحة والمعَدات". وكشفت وكالة أنباء نوفوستي السوفيتية، في الرابع من أغسطس 1976، عن بعـض الوقائع، التي تشهد على الدعم العسكري المباشر، وأن القوى اليمينية في لبنان، تتلقى أسلحة ومعَدات من إسرائيل.  وذكر ممثل القوى اليمينية لمراسل الجريدة الأمريكية "كريستين ساينس مونيتورThe Christian Science Monitor"، أن الإسرائيليين راضون. فنحن نقوم بعملهم في لبنان، عوضاً عنهم، وذلك بقمع القوى التقدمية في لبنان وحركة المقاومة الفلسطينية. كما أكدت مجلة "التايم Time" الأمريكية، اشتراك إسرائيل الفعلي في الحرب الأهلية اللبنانية. وأوضحت أن هناك عدداً من اللقاءات، تمّت بين شيمون بيريز، وزير الدفاع الإسرائيلي، وزعماء الموارنة، جرى فيها نوع من التفاهم، للقضاء على قواعد المقاومة الفلسطينية في جنوبي لبنان. ووصفت المجلة اللقاء المثير، الذي جرى تحت جنح الظلام في ميناء جونيه، وكيف بدأ بنزول قوة الكوماندوز الإسرائيلية، التي أقامت اتصالات مع الحامية اللبنانية، فانتشرت قوات الطرفين على حد سواء، وعملت على تأمين مساحة للهبوط، وارتفعت طائرة عمودية من على سطح سفينة شحن، تقف قرب الشاطئ، يحرسها أسطول صغير. وكانت الطائرة تحمل المسؤولين الإسرائيليين. وقد أشارت المجلة، في مقال لاحق، بعد عام تقريباً، إلى تفاصيل وقائع هذا الاجتماع السري، الذي عُقد بين إسحاق رابين وشيمون بيريز، من جانب، وكميل شمعون وبيار الجميل، من جانب آخر، اللذين وصلا في قارب مستقل. وأنهما طلب ا من ر ابين سرعة التدخل لمصلحتهما، لك ي يحتفظا بمواقعهما في لبنان. وقد علقت المجلة على هذا  اللقاء بقولها: "أول مرة تتحالف فيها إسرائيل، على نحو فعال، مع العرب في دولة محايدة، منذ الأزمة الأردنية عام 1970".

وقد تُرجم التفاهم الإسرائيلي ـ اليميني إلى واقع ملموس، فزودت إسرائيل اليمينيين بالأسلحة والمعَدات، ودربت أفراداً منهم على القتال. وأكدت مجلة التايم أنها زودتهم بنحو 110 دبابات، و5 آلاف بندقية آلية، و12 ألف بندقية عادية، وبعض الزوارق البحرية، لأغراض الدورية، وبعض الطائرات الصغيرة. كما دربت 1500 فرد من اليمينيين على القتال، داخل معسكرات إسرائيلية. وقد أدى الأسطول الإسرائيلي، خلال الأزمة، دوره في دعم القوى اليمينية. وأكدت المصادر الإسرائيلية الحصار، الذي فرضته البحرية الإسرائيلية، على مرفأَي صور وصيدا، اللذين تسيطر عليهما القوات التقدمية اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية. وأسرت بعض الزوارق الصغيرة، وأغرقت أخرى. واعترفت الصحف الإسرائيلية بأن التدابير الإسرائيلية، أدت، بالفعل، إلى إغلاق طريق التزود بالأسلحة والمؤن في مرفأَي صيدا وصور.

2. بعد مؤتمر القمة

أدّى تفجُر الأزمة إلى انهيار وضع السلطة في جنوبي لبنان، خاصة بعد ظهور ما عُرف بـ "جيش لبنان العربي" (مارس 1976)، وتمكّنه، بمساعدة العناصر الفدائية، من احتلال بعض المواقع في الجنوب. إلا أن مراقبي الأمم المتحدة، أشاروا في تقاريرهم إلى تزايد الوجود العسكري الإسرائيلي، وأن القوات الإسرائيلية أصبحت ترابط على مسافة تقدر بنصف كيلومتر داخـل الأراضي اللبنانية. كما ذكر أحد المراقبين الدوليين، في رأس الناقورة، أن الإسرائيليين لا يعُدّون منطقة الجنوب الحدودية جزءاً من أراضي لبنان.

حرصت إسرائيل على تهيئة الظروف لنقل الحرب الأهلية إلى الجنوب، فبدأت بتحريض العناصر اليمينية في القوات النظامية على رفض الانضمام إلى الجيش العربي. وبمساعدة إسرائيل، تمكنت هذه العناصر من تشكيل قوة عسكرية لمساعدة الميليشيا اليمينية، التي كانت تقاتل في منطقتَي بيروت والجبل، ووعدتهم بالمسـاعدة على قتال الفلسطينيين واليساريين. وبدأت ميليشيا اليمين، بالجنوب، في بناء التحصينات حول القرى، والقيام بدوريات مسلحة في المنطقة، وإنشاء متاريس على الطرق الرئيسية، تمهيداً لتحريك الوضع عسكرياً في هذه المنطقة الحدودية.

وعلى الرغم من أن قضية الجنوب، كانت على جدول أعمال مؤتمرَي القمة، في الرياض والقاهرة، وكانت موضوعاً أساسياً، استأثر باهتمام كافة الأطراف، إلا أن المؤتمرين، ركزوا الاهتمام على بحث كيفية وقف الحرب اللبنانية، عبْر تدخل قوات الردع، بينما اتُّخذت قرارات عامة لمواجهة الوضع العسكري في الجنوب، مثال ذلك: أوصى الرؤساء بإعادة إحياء اتفاق القاهرة عام 1969[1]، الذي يُعطي للفلسطينيين قواعد عسكرية في منطقة العرقوب. ولكن الواقع أن تطبيق اتفاق القاهرة، كان تطبيقاً نظرياً، بسبب العديد من الصعوبات، التي منها على سبيل المثال:

أ. تخوّف عربي من حدوث انفجار على خط المواجهة، يكون كفيلاً بنقل الأزمة من مرحلة التعريب إلى التدويل. لذا، وعلى الرغم من اهتمام الدول العربية بمسألة التواجد الفلسطيني، إلا أن الموقف العربي ارتأى تجميد العمليات على الحدود اللبنانية في هذه المرحلة، حتى لا يتعرض الجنوب اللبناني للاحتلال من جانب إسرائيل.

ب. سعي إسرائيل الدائم إلى إفراغ شريط القرى الأمامي، امتداداً من البحر حتى أعالي منطقة العرقوب، من أي وجود عسكري مُسلّح. ثم مد هذا الفراغ بكل مقوماته الملائمة، ليشمل مناطق القطاع الأوسـط من الجنوب، الذي يمتد، بدوره، في مدينة صور حتى النجيلة والمناطق المجاورة. ولذا، تركز سعي إسرائيل، بعد مؤتمر القمة، على تشكيل حزام أمن حولها، لا تعبره قوات الردع، ولا يتعداه الفلسطينيون المسلحون.

ج. محاولة القوى اليمينية التخلص من الوجود الفلسطيني، بحجة أن وجود وحدات المقاومة الفلسطينية، ستؤدي إلى اصطدامات مع إسرائيل، وسيحوّل الجنوب، من جديد، إلى أرض حرب فلسطينية ـ إسرائيلية، مع ما يلي ذلك من تدفق مهاجرين من الجنوب نحو الشمال، وخلق مشاكل أكثر للبنان. لذا، كانت هذه القوى على استعداد لمنع الفلسطينيين، بالقوة، من الوصول إلى هناك، مستعينة بالدعم الإسرائيلي، بعد أن تخلّت عنهم القوى العربية والدولية في هذه المرحلة.

لذا، كان من الطبيعي قيام تحالف إسرائيلي ـ يميني، يجعل من الجنوب أهم نقطة ساخنة في العالم العربي، تكون إسرائيل هي المستفيد الأول من إشعال نارها. خاصة مع استمرار أطماعها التقليدية في أراضي لبنان ومياهه، والهادفة إلى إقامة جسر جديد، يجعل من الليطاني حدود أمن إسرائيل في الشـمال، إضافة إلى إمكان استخدام الجنوب لسد حاجات الاستهلاك والتصدير الإسرائيليين. وفوق كل ذلك، تسـتطيع إسرائيل الإبقاء على الحرب مشتعلة في الجنوب اللبناني، بعد أن توقفت في العمق اللبناني، وأن تحول الجنوب إلى طوربيد، يمكن أن يفجّر أي اتجاه نحو التسوية، لو تمت مثل هذه المحاولة، وأن تحتفظ بالجنوب ورقة ضغط على السياسة العربية، تخفف من مقاومة العرب لمواقفها، وتفرض التسوية التي تناسبها.

وهكذا اجتاحت منطقة الجنوب، في فترة ما بعد انتهاء حرب السنتين، في أكتوبر1976، موجه من الصراع المحلي المسلح، أصبحت أكثر الأحداث الجارية أهمية بمنطقة الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن المعلومات عن القتال الدائر هناك، كانت أقلّ من المعلومات عن أحداث الحرب الأهلية، لكنها لم تكن أقلّ أهمية أو ضراوة في منطقة حساسة، إستراتيجياً، تمتد ما بين الناقورة وجبل الشيخ. وخلال هذه الأحداث، امتد مجال نفوذ إسرائيل في الجنوب اللبناني. وأصبح التحالف الإسرائيلي ـ اليميني واضحاً، وبدأت الوحدات اليمينية المسلحة، والمدربة من قِبل إسرائيل، تُوسع عملياتها العسكرية، لضمان مراكز إستراتيجية في الجنوب، وإبطال مفعول اتفاقية القاهرة.

كما شَكلت سلسلة القرى، التي سيطرت عليها الوحدات اليمينية، ما يُسمى بحزام الأمن الإسرائيلي، وهو خط (مرجعيون ـ الخيام ـ رميش ـ عين إبل ـ رامية ـ يارين ـ الناقورة ـ دير ميماس ـ إبل السقي). وكرد فعل، سعى التحالف الفلسطيني ـ اليساري إلى الاحتفاظ ببعض المواقع قرب الحدود (بلدة بنت جبيل والقرى المجاورة ومدينة النبطية)، ومحاولة استرجاع بلدات القليعة والخيام ومرجعيون والطِّيبة، في محاولة للاحتفاظ بالطرق المسيطرة على منطقة العرقوب.

ومن الملاحظ أن كل القوى، التي كانت مشتركة في الحرب اللبنانية، بدأت تنقل مسرح عملياتها نحو الجنوب، وبكل ما تملك من أسلحة ومعَدات، ولم يتغير سوى الموقع فقط. وبدأ الاقتتال بين الجماعات الفلسطينية اليسارية والميليشيا اليمينية، داخل منطقة الحزام بعمق نحو 20 كم. وتزايدت عملية الإمداد بالأسلحة والمدافع والذخائر والعربات المدرعة من جانب إسرائيل للقوى اليمينية. ويبدو أنها زودتهم بكل شيء، بما في ذلك الملابس والدبابات، عدا الأفراد. وأظهرت شبكات التليفزيون الأجنبية، عناصر من الكتائب اليمينية يحملون أسلحة إسرائيلية الصنع. وتعمدت الصحف الإسرائيلية إبراز أوجُه المساعدة العسكرية، التي تقدمها إسرائيل لليمينيين في الجنوب، صراحة. فذكرت "عال همشمار": "أن المحاربين اللبنانيين يفاخرون علناً بالخوذ الفولاذية الإسرائيلية، وبالبنادق الهجومية الأمريكية، من نوع M-16" . وأكدت الجريدة نفسها "أن إسرائيل زوّدت "الكتائب" بدبابات خفيفة، يقودها لبنانيون تم تدريبهم داخل إسرائيل". ونقلت جريدة "هاآرتس" نقلاً عن مجلة "التايم": "أن إسرائيل زودت "الكتائب" بعدد 38 دبابة شيرمان Sherman ، و33 دبابة T-54 ، و5 زوارق مدفعية، من نوع دبور Dabur، وثلاثة زوارق، من طراز تيوشي". وأكد هرتسوج، ممثل إسرائيل في الأمم المتحدة، ما أبرزته الصحف، عن المساعدات العسكرية الإسرائيلية لميليشيا "الكتائب" في لبنان.

كما فتحت إسرائيل مستشفياتها لقوى اليمنيين في لبنان، لنقل جرحاهم ومرضاهم إليها، وزودت هذه القوى بالوقود ومواد التموين، اللذين يعَدّان من المستلزمات الضرورية للاستمرار في القتال. وفي الوقت الذي تزايد فيه تدهور الوضع الأمني في الجنوب اللبناني، عززت إسرائيل قواتها بالمدرعات والمدفعية، على طول حدودها الشمالية.

ومن الواضح أن إسرائيل، استطاعت أن تزيد من حدّة الصراع الدائر بين القوى الفلسطينية والقوى اليمينية. وهذا يعني نجاحها في تصعيد الصراع العربي ـ العربي، على الجانب الآخر من حدودها الشمالية، والذي نجح في الحدّ من العمليات الفدائية المسلحة داخل الحدود الإسرائيلية. كما نجحت أيضاً في أن يتولى اليمينيون المهمة، التي ظلت تقوم بها لعدة سنوات سابقة.

وما من شك في أن تدهور الوضع الأمني في الجنوب اللبناني، مع تزايد المعارك بين الفريقين المتقاتلين، ومع مزيد من النزوح، وإفراغ المنطقة سكانياً[2]، كل ذلك أدى إلى أن ازدياد التصريحات الإسرائيلية بالتلويح باجتياح الجنوب، خاصة بعد التطورات التي حدثت في إسرائيل، ومنها فوز تكتل الليكود في الانتخابات، وما رافقها من تشدّد المواقف الإسرائيلية. ومن ثمّ، جاء التصعيد المستمر من جانب إسرائيل، حتى اكتملت الحلقة تماماً من أجل قيامها بالعدوان على الأراضي اللبنانية. ومن الواضح أن إسرائيل، قد كسبت أكثر من أي طرف آخر في الصراع الداخلي في لبنان، والذي تمثل في تقويض التوازن الداخلي فيه، وصرف طاقات القوات الفدائية عن النشاط الحدودي، وتحويل قطاع جنوبي لبنان إلى منطقة مكشوفة للتغلغل الإسرائيلي، مع ضمان عدم عبور قوات عربية وراء "الخط الأحمر"، الذي رسمته إسرائيل بحجة حماية حدودها. هذا، إضافة إلى تحويل أنظار الرأي العام العالمي عن القضية الجوهرية في الصراع العربي ـ الإسرائيلي وهي القضية الفلسطينية.

ثالثاً: الطبيعة الطبوغرافية للحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية

1. مسرح عمليات حملة الليطاني (اُنظر شكل حملة الليطاني)

من المفيد، قبل أن نخوض في غمار الصراع العسكري، أن نتعرف طبيعة مسرح العمليات، الذي دارت فوقه "حملة الليطاني"، وهو منطقة الحدود الشمالية الإسرائيلية، ومنطقة الجنوب اللبناني. وكلتاهما امتداد لطبيعة جغرافية واحدة.

والحدود بين لبنان وفلسطين تحت الانتداب، هي تلك التي رسمتها فرنسا وبريطانيا عام1922، في لجنة "بولا ـ نيوكومب"[3]، بعد الحرب العالمية الأولي مباشرة. وكان أساس ترسيمها، قد اتُّفق عليه في اتفاقية سايكس ـ بيكو، عام 1916. وكان طول الحدود ـ عند ترسيمها ـ يصل 82 كم، ازداد بعد حرب يونيه 1967، ليصبح 103 كم، عقب احتلال إسرائيل جبل الشيخ.

وتحوي الحدود بشكلها الحالي، العديد من الصور الطبوغرافية:

·   القمم والخطوط الفاصلة. وتنحصر في الجزء من البحر إلى شمال هضبة السلم، والقطاع الممتد من "جرداح" إلى جبل عميرام "شمال شتولا". وهناك العديد من التلال والهضاب المتوسطة الارتفاع، والتي تمثل أراضي حاكمة على شطري الحدود، وتترواح ارتفاعاتها  بين 700 و900 م فوق سطح البحر.

·   سلسلة القمم العالية في الجانب الإسرائيلي، التي تطل على عمق لبنان الداخلي، مثل جبل أدير (1008م)، وجبل ميروت (1208م)، وجبل دوف (1530م)، وجبل الشيخ (2200م).

·   مناطق الأحراج، التي تمتد في العديد من المناطق على طول الحدود، وتتركز في إسرائيل أساساً. وهذه الأحراج تتميز بالمناظر الطبيعية الجميلة، وتَعُدها إسرائيل ثروة وطنية. أمّا على الجانب اللبناني، فتستخدم في الرعي والتدفئة، مما يعرض أشجارها للقطع، كما تستخدم في التخفي، خصوصاً في شن أعمال المقاومة العسكرية.

·   اتجاه جريان المياه. وهي تتدفق من خلال أنهار ونهيرات وجداول من الشرق، حيث المرتفعات، إلى الغرب، باتجاه السهول، مكونة أودية ضيقة، وعميقة، قبل أن تصل إلى المنطقة الساحلية. وتشكل تلك المجاري المائية عوائق لتقدم القوات من الشمال إلى الجنوب وبالعكس.

وخلال هذه الطبيعة الطبوغرافية، فإن محاور التحرك تُعَدّ محدودة. ويشمل المحور الواحد العديد من التعرجات والفوارق بين الارتفاعات والانخفاضات، وكثير من الاختناقات. كما تتطلب التحركات الاستعانة بالعديد من الجسور، لاستخدامها في عبور الممرات المائية والوديان العميقة.

أمّا محاور الاقتراب على الحدود، فهي ثلاثة. أهمها المحور الساحلي بحذاء البحر، والذي يخترق التجمعات السكانية الرئيسية لكلتا الدولتين. ثم المحور الأوسط، وهو يتكون من عدة طرق فرعية، تكمل بعضها، لتصبح محوراً. ثم المحور الجنوبي الموازي لنهر الحصباني. وأي عمليات عسكرية، لا بد أن ترتبط باستخدام واحد أو أكثر من هذه المحاور.

2. التجمعات السكانية على كلا جانَبي الحدود

أ. الجانب الإسرائيلي

نظراً إلى خصوبة الأرض في تلك المنطقة، فهي مأهولة بالسكان. ويوجد في منطقة الحدود مباشرة نحو 28 مستعمرة، منها 9 مستعمرات كبيرة، و19 مستعمرة صغيرة، إضافة إلي مدينة واحدة .

وعلى مسافة خمسة كيلومترات من منطقة الحدود، توجد 23 مستعمرة، من بينـها مستعمرة "كريات شمونه"، و3 قري أقليات عربية. وعلى مسافة عشـرة كيـلومترات، توجد 30مستعمرة أخري، منها بعض قري يسكنها الدروز. وطبقاً لإحصائيات عام1983، فإن إجمالي هذه التجمعات السكانية، يصل إلي نحو 73 مستعمرة، يسكنها حوالي 130 ألف نسمة، منهم 15 ألفاً في كريات شمونه، و28 ألفاً في نهاريا، و7500 في معالوت وترشيي. وبين هؤلاء السكان عرب ومسلمون ومسيحيون ودروز، والغالبية من اليهود.

ب. الجانب اللبناني

تتعدد التجمعات السكانية في الجنوب اللبناني، وتتراوح ما بين القري الصغيرة والنجوع والبلدات والمدن. كما تتنوع طبيعة السكان من البدو إلى العاملين في الزراعة، والمهن الأخرى. وأغلب السكان من المسلمين الشيعة، يعيش بينهم المسلمون السُنة والمسيحيون.

وأهم البلدات الحدودية في نطاق عشرة كيلومترات من الحدود، هي: الناقورة، وعين إبل، وبنت جبيل، وبليدا وتبنين وجْوَيّا، ثم مدينة صور، التي لا تبعد عن الحدود أكـثر من 25كم.

وقد وصل تعداد سكان الجنوب اللبناني، قبل عملية "حملة الليطاني"، إلي ما يزيد على 200 ألف نسمة، نزح الكثير منهم في اتجاه الشمال. كما كان يتمركز العديد من التجمعات الفلسطينية في المنطقة.

 



[1] 'ينص القرار الرابع من وثيقة قمة الرياض (16 ـ 18 أكتوبر1976) على تنفيذ اتفاق القاهرة وملاحقه، والالتزام بمضمونها، نصاً وروحاً، وذلك بضمان من الدول العربية المجتمعة. وينص القرار الخامس على ما يلي: ".. تؤكد منظمة التحرير الفلسطينية احترامها لسيادة لبنان وسلامته وعدم تدخلها في شؤونه الداخلية .. انطلاقاً من التزامها الكامل بأهداف القضية القومية. وتضمن السلطة الشرعية اللبنانية، بالتالي، لمنظمة التحرير الفلسطينية، سلامة وجودها وعملها على الأراضي اللبنانية، في إطار اتفاق القاهرة وملاحقه".

[2] قدّر عدد النازحين من الجنوب، حتى نهاية أبريل 1977، بنحو 120 ألف لبناني، نزحوا في اتجاه الداخل. وترى مجلة "الحوادث" أن كثيراً من اللبنانيين، يرون أن انفجار الأزمة اللبنانية، لم يبدأ في بيروت، في 13 أبريل 1975، بل بدأ حين نزح سكان الحدود، نتيجة القصف والغارات الإسرائيلية. وهؤلاء النازحون تجمعوا حول العاصمة، مشكلين حزام الفقر، الذي زاد من شرارة الحرب

[3] تشكلت هذه اللجنة من مجموعتَين، الأولى فرنسية، برئاسة "بولا"، وهو مهندس، خبير بالتوقيع في الخرائط. والثانية إنجليزية، برئاسة "نيوكومب". وقد عملت اللجنة المشتركة، تحت حماية بريطانية كاملة، وراعت في رسمها للحدود، الأساس الذي وضعته اتفاقية "سايكس ـ بيكو