إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1978، (الليطاني)





حملة الليطاني

لبنان



المبحث السادس

المبحث السادس

أطراف الصراع في لبنان، وتصاعد الأزمة

تعددت الأطراف في الأحداث على الجبهة اللبنانية ـ الإسرائيلية، التي قادت إلي العدوان الإسرائيلي، من خلال "حملة الليطاني". فالحملة لم تقتصر على هدف واحد، بل استهدفت تحقيق خمسة أهداف، جملة واحدة، هي:

1. تدمير المقاومة الفلسطينية.

2. تحقيق أمل إسرائيل في السيطرة على الجنوب اللبناني.

3. تحدي القوات السورية على أرض لبنان.

4. الضغط على العرب للإسراع في تحقيق سلام مع إسرائيل.

5. استعراض القوة للتحالف الإسرائيلي ـ الأمريكي، في مواجهة التحالف السوفيتي مع بعض القوي العربية.

أولاً: لبنان الدولة وأثر الطوائف اللبنانية

يرجع معظم مشاكل لبنان إلى نظره الشك والحذر، التي تنظر بها كل طائفة إلى الأخرى. فقسم من سكان لبنان، يندفع مؤمناً بالعروبة، وتجذبه القومية العربية. وجزء آخر يؤمن بالحضارة الغربية، ويتجه إليها، ويخشى أن يذوب لبنان في مجموعة عربية كبيرة ذوباناً، يفقده استقلاله وكيانه وطابعه الخاص. وهناك تناقض واضح بين الجناحين، اللذين يتألف منهما لبنان. فهناك فئة لا تريد لبنان مستقلاً، وتبرر موقفها بأن بقاء استقلال لبنان، ومحافظته علي طابعه الخاص، هو عقبه في سبيل الوحدة العربية. وإذا بقى لبنان على استقلاله، كان ممراً للاستعمار، وأن الكيان اللبناني، وجد لكي يجمع الأقلية المسيحية في الشرق. وهذا أمر لا يستوجب إنشاء دولة لبنان، ما دامت دول الشرق الإسلامية، تُؤمّن للأقلية فيها ممارسة الشعائر الدينية، وتضمن لها حرية الإقامة والتملك وغيرها من الحريات. ولكن نظرة الفريق الأخر، أن لبنان ليس عائقاً في سبيل وحدة عربية، ولكن ما يحول دون تحقيقها إنما هي عقبات محلية، وخلافات تاريخية، واعتبارات جغرافية، ومصالح دولية، وسياسات عالمية. وكان نتيجة الانقسام في الرأي، أن أصبح لبنان يعيش الازدواجية في الفكر، وفي الانتماء، والشعور بالولاء للوطن.

أثر الطائفية في الجيش اللبناني، وظهور ميليشيات الأحزاب

لاشك أن الطائفية، بمفهومها اللبناني، الذي يعتمد على اختلاف المضمون والهدف والانتماء، كان لها أثر كبير في تكوين الجيش، وفي إعداده لمهامّ قتال رئيسية. ولذلك، كان الرؤساء اللبنانيون، يتحاشون الزج بالجيش في أي معارك رئيسية. وكان الاختبار الأول له، في شهر مايو 1973، عندما دُفع لتصفية المقاومة اللبنانية، وعجز عن تنفيذ المهمة. ومن تلك اللحظة، ظهرت ميليشيات الأحزاب، لتقوم نيابة عن الجيش بهذه المهمة.

وقد أوضح التقرير المشهور بالرقم[1]، مدى عجز الجيش اللبناني عن القيام بالمهام المطلوبة  منه، وأن إعادة تسليحه وتدريبه، قد تستغرق سنوات، إلي جانب عدم ضمان التزامه بتنفيذ الأوامر، نتيجة لتركيبة الطائفي. ومن ثم، فليس هناك مفر من الاعتماد علي الميليشيات الخاصة، علي أن يكون الجيش عاملاً مساعداً لها. وقد جرت مناقشة مسألة إعداد الميليشيات في اجتماعات بين رئيس الجمهورية، سليمان فرنجية، من ناحية، وقائد الجيش، العماد إسكندر غانم. كما نُوقشت في المكتب السياسي لحزب "الكتائب"، برئاسة الشيخ بيار الجميل، ثم بين كميل شمعون وبيار الجميل. وقد ظهر أن هناك أربعة مشاكل، تعترض إنشاء الميليشيات، منها التمويل، وجمع الشباب، والتسليح، والتدريب.

ومن المفارقات أن حزب "الكتائب"، كانت له المبادرة الأولى في سرعة تعبئة الشباب، وإنشاء الميليشيات وتدريبها عسكرياً. وتولى جيش لبنان شراء السلاح، وتحويله إلى ميليشيات "الكتائب" و"الأحرار" و"حراس الأرز". بعد ذلك، تم الاتفاق مع رئيس الجمهورية على تكليف الجيش بتعيين ضباطه، من الموارنة، بتدريب الميليشيات، من طريق الإجازة أو الإعارة. وقد وصل الأمر إلى أن استخدم الجيش اللبناني الدعم العربي، المالي والعسكري، الذي تقرر له في مجلس الدفاع العربي، في 5 يوليه 1974، لصالح هذه الميليشيات.

وقد درب حزب "الكتائب" بعض أفراد ميليشياته في إسرائيل، وألمانيا الغربية، والأردن، وبعض الدول الأخرى. أمّا إمداد الميليشيات بالسلاح، فقدّره سامبسون في كتابه "سوق السلاح"، بقيمة تراوح بين 200 و600 مليون دولار. وهذه الأموال جاءت من البنوك المنهوبة، ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA ، وإسرائيل، وألمانيا الغربية، والفاتيكان، وإيران، وفرنسا، وبعض الدول العربية.

وهكذا ظهرت "الكتائب" بصورتها، التي عرفها العالم بدءاً من بداية  عام 1975، بإعلان رسمي، يتلخص في مضمون رسالة، أرسلها بيار الجميل، زعيم الحزب، إلى رئيس الجمهورية، سليمان فرنجية، جاء فيها: "لكل شيء في الحياة حدود. وللإنسان خصوصاً قدره معينه على الاحتمال، فمتي استنفدها انفجر. ولعل مأساة الجنوب قد أوصلتنا إلى حدود هذه المقدرة. إن الوضع لم يعد من الممكن السكوت عليه، فالدولة دولتان والجيش جيشان، والسلطة سلطتان". ومن هنا، بدأت تتصاعد أعمال "الكتائب"، وتنتشر مذابحها شرقاً وغرباً وجنوباً، حيث لم يكن في مقدور أحد مواجهتها، إلاّ من خلال تصريحات الإدانة. وتبعاً لذلك، تصاعدت الحرب الأهلية اللبنانية بالصورة المأساوية التي عرفها العالم بها.

ويتلخص الموقف اللبناني، عشية العدوان الإسرائيلي، في منتصف مارس 1978، في الآتي:

1. أن لبنان الدولة، لا تسيطر علي الموقف في لبنان، وهي واجهة لدولة فقط.

2. حزب "الكتائب"، يملك الحل والعقد في عموم لبنان. وقد تمكن قادتُه من استقطاب أو تحقيق تنسيق، ولو إلي أدني حدّ، مع القوات السورية في لبنان، ومع إسرائيل، ومع جهات أجنبية وعربية أخري، لضمان التأييد والإمداد بالسلاح والمال. وكان مجال التأمين والتنسيق يتجه في اتجاه واحد، وهو المقاومة الفلسطينية.

3. في داخل ميليشيا "الكتائب" نفسها، كان هناك فئات متشددة وذات نزعة عنصرية. وكما كان من بينهم من هو أقل حساً وطنياً. وقد تمكنت إسرائيل من استقطاب عنصر فعال من الكتائب للعمل لمصلحتها، تم تجنيده في الجنوب، وهو الرائد سعد حداد، الذي قاد ما يسمي "جيش الجنوب".

4. بينما كانت الصراعات "والحرب بالوكالة" دائرة على أرض لبنان، كان لمصر موقف محدد، لم تتزحزح عنه لحظة، وهو: "ارفعوا أيديكم عن لبنان، واتركوا لبنان للبنانيين". وعلى الرغم من سلبية هذا الموقف، إلاّ أنه كان الممكن الوحيد في تلك المرحلة.

ثانياً: الفلسطينيون في لبنان

على الرغم من أن تاريخ الوجود الفلسطيني في لبنان قديم، ويعود إلي ما قبل عام 1948، وازداد نتيجة للأحداث التاريخية للصراع العربي ـ الإسرائيلي، إلاّ أن الأوضاع لم تستقم أبداً لتوفير مناخ مناسب، وشرعي، لهذا الوجود، على الرغم من توقيع اتفاق القاهرة، في 3 نوفمبر1969، والذي جاء بعد صدامات عنيفة بين الجيش اللبناني والفلسطينيين، سقط فيها الكثيرون من الشهداء. فقد تحددت حقوق الفلسطينيين، في اتفاق القاهرة، في العمل والإقامة بلبنان، والسماح لهم بالمشاركة والتعاون المشترك مع الثورة الفلسطينية. كما تحدد دور لبنان في تسهيل العمل الفدائي الفلسطيني، وإيجاد صيغة للتنسيق والتعاون المشترك بين الثورة الفلسطينية والجيش اللبناني. فضلاً عن تحديد الإجراءات لحماية الأمن اللبناني، وسيادة السلطة اللبنانية على أرضها. وقد قوبل هذا الاتفاق، وقتها، بمعارضة بعض الفئات اللبنانية، المناوئة للوجود الفلسطيني من الأساس، والتي سارعت إلى اتهام العماد إميل البستاني، قائد الجيش اللبناني، الذي وقع الاتفاق، بأنه "باع القضية".

وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا الاتفاق أدى إلى عاملين إيجابيين:

الأول: إيقاف أو تأجيل "الصدامات" اللبنانية ـ الفلسطينية لمدة حوالي ثلاث سنوات تقريباً.

الثاني: حل المشكلة الفلسطينية في أعقاب أحداث "أيلول الأسود" وما أسفرت عنها من صدامات بين السلطة الأردنية والفدائيين الفلسطينيين، والتي أدت إلي عقد مؤتمر قمة القاهرة، في 25سبتمبر1970، الذي كان أحد قراراته السماح بنزوح المقاومة الفلسطينية إلي لبنان.

وكانت بداية تفجّر الموقف، للمرة الثالثة، بين اللبنانيين والإسرائيليين في ربيع عام 1973، إثر العملية الخاصة الإسرائيلية علي مكاتب القيادات الفلسطينية في بيروت "غارة شارع فردان"، التي استشهد فيها ثلاثة من تلك القيادات، هم محمد يوسف النجار، وكمال ناصر، كمال عدوان. وكان سبب الانفجار هو إدانة عجز السلطة اللبنانية عن حماية البلاد، وتخاذلها عن الرد علي هذا الهجوم. فبدلاً من أن تضم القوي اليمينية صوتها إلي جانب المقاومة الفلسطينية، فإنها طالبت بنقل مخيمات الفلسطينيين من حول بيروت. وقامت وحدات الجيش اللبناني بمحاصرة هذه المناطق والمخيمات، ومهاجمة بعضها، وتفتيشها وقصفها، واعتقال عدد كبير من قاطنيها بدعوى الحرص علي سيادة لبنان[2]. ثم استمرت التحرشات والمذابح، طبقاً لخطة "قوي يمينية"، تهدف لخلق فتنة طائفية في لبنان، وإحداث صِدام مسلح بين الجيش اللبناني والمقاومة الفلسطينية، تتابعت أحداثه، بين الانحسار والانتشار، حيث شملت لبنان كله. وأصبح المواطن اللبناني غير آمن على نفسه، مما دفع السلطة اللبنانية أن تقف موقفاً غير متعاطف مع الفلسطينيين، وتعاملهم كغرباء غير مرغوب فيهم، أو نازحين فُرضوا فرضاً على لبنان، وفرقت، قانوناً، بين المواطن اللبناني والفلسطيني. وأمام كل هذه المتغيرات، لم تكن السلطة الفلسطينية في درجة من فهم الأوضاع، تتيح لها إحباط هذا المفهوم لدي السلطة اللبنانية، والتنسيق معها في سبيل مصلحة الطرفان. بل إنها على العكس تماماً، واجهت القوة بالقوة، وفرضت حزاماً أمنياً علي الجنوب في مواجهة السلطة اللبنانية. وكل ذلك زاد الأزمة اشتعالاً.

بدأت أحداث الأزمة اللبنانية في صيدا، بدءاً من 26 فبراير 1975، بتظاهرة قام فيها صيادوا الأسماك، وشاركت فيها الأحزاب الوطنية، احتجاجاً على منح إحدى الشركات، التي يملكها كميل شمعون، امتيازاً لاحتكار صيد الأسماك لمدة 99 عاماً، علي طول الشواطئ اللبنانية، مما عدّه الصيادون قطعاً لأرزاقهم. وهنا تحركت القوي اليمنية، متمثلة في  أحزاب "الكتائب" و"الأحرار" و"الكتلة الوطنية"، لتأييد السلطة اللبنانية والجيش اللبناني في مواجهة القوي الوطنية الأخرى. وأعطي الإعلام الرسمي للدولة اهتماماً خاصاً لتلك التظاهرات. وسرعان ما تقلبت الأمور ليخرج من أزمة لبنانية ـ لبنانية  إلي مواجهة بين يمين لبناني ضد الفلسطينيين، إذ كان حادث مذبحة عين الرمانة، في 13 أبريل 1975[3]، هو الإنذار بأن حزب "الكتائب"، قد أخذ على عاتقه مسؤولية تنفيذ مخطط لخلق طائفية في  لبنان، وإحداث صِدام بين الجيش والمقاومة. وقد نجح فعلاً في ذلك، إذ بدأت، منذ ذلك التاريخ، الاشتباكات بالأسلحة الثقيلة بين المقاومة وحزب "الكتائب" في بيروت، وبها دخلت المقاومة الفلسطينية حلبة الحرب الأهلية اللبنانية، سواء باختيارها أو مجبرة على ذلك، على الرغم من البيان الفلسطيني، الذي أصدره ياسر عرفات، في 25 يونيه 1975، وأكدّ فيه أن الثورة الفلسطينية، ليست طرف صراع في هذه الحرب. والحقيقة أن ذلك لم يكن علي الإطلاق في مصلحة المقاومة الفلسطينية، التي خسرت كثيراً من أفرادها، وتعرضت لمذابح رهيبة في مخيمَي "جسر الباشا" يوم 29 يونيه 1976، و"تل الزعتر" في 12 أغسطس 1976، والتي اشتركت في بعضها، للأسف، ضد الفلسطينيين، قوات سورية، بحجة الحفاظ علي أمن لبنان. وهناك عدة قوى، كان يؤثر "معظمها بالسلب" في الوجود الفلسطيني في لبنان، أهمها القوي اليمينية، والتي لها العديد من الأهداف، وقد حددها كمال جنبلاط، الزعيم اللبناني، في الآتي:

1. خوف غالبية المسيحيين في لبنان من احتمالات المستقبل، وسيطرة الروح الطائفية على كيانهم.

2. خشية الفلسطينيين في لبنان من العودة إلي تلك الأوضاع، التي كان يحياها الفلسطينيون قبل الثورة.

3. وجود نظام سياسي في لبنان، يعادي التطور والتقدم، ويقف في وجه بناء جديد في لبنان، تنصهر فيه الاتجاهات الطائفية في بوتقة وطنية حقيقية.

4. التغيرات الديموجرافية، التي تهدد التوازن بين المسلمين والمسيحيين، والتي ترتب عليها، أن أصبح عدد المسلمين في لبنان يناهز 65% من عدد السكان، وأصبح الموارنة ثالثة طائفة، بعد الشيعة والسنة.

5. عدم الانضباط القائم في الوسط الفلسطيني. فهناك أخطاء لبعض الفلسطينيين يضخمها المعارضون للمقاومة، ويسوقونها ضد الوجود الفلسطيني كله في لبنان.

6. التسليح المكثف، لدى المقاومة واليمينيين في لبنان، والذي ترك آثاراً سيئة علي الجانبين.

7. العامل الاقتصادي، فكثير من اللبنانيين، يحقدون على الثورة الفلسطينية، لأنها تهدد التركيبة الاجتماعية والاقتصادية القائمة في لبنان، والتي تعتمد علي قطاعَي التجارة والخدمات، ولا يواكبها خطط للتنمية العمرانية والزراعية والصناعية وغيرها، تخفف من ذلك الشعور، الذي يسيطر علي أهالي لبنان، بأن الثورة الفلسطينية تحمل في ثناياها تهديداً لهذا الكيان الاجتماعي الهش.

ويتلخص الموقف الفلسطيني في لبنان، عشية العدوان الإسرائيلي، في منتصف مارس 1978، في ست نقاط، هي:

1. يمثل الفلسطينيون كياناً "شبه ملفوظ" قوامه حوالي 50% من أصحاب الأرض الشرعيين، على الرغم من أن وجوده يرتكز علي معاهدات واتفاقيات معترف بها. ولكن يكفي أن يكون الفلسطينيون منبوذين في مناطقهم، حتى تأتي ردود الفعل غالباً في غير مصلحتهم، وتقترب من حد الشماتة، والإهمال.

2. أصبح الفلسطينيون يحاربون في عدة جبهات، على الرغم من أن عدوهم الرئيسي يأتي من الجنوب والغرب، إلاّ أن الشمال والشرق يمثلان تهديد الصديق، الذي غالباً ما يكون تأثيره أشد من تأثير العدو نفسه. ومن ثم، تشتت الجهود الفلسطينية في معظم المجالات.

3. أدت الفوضى السياسية، التي كانت تعيشها لبنان، في هذا الوقت، إلي انشغال القيادات السياسية الفلسطينية، واستنزاف جهود الفلسطينيين في المسألة اللبنانية ـ اللبنانية، مما شكل خطراً شديداً، لأن القضية الفلسطينية ضلّت طريقها، ولم تصبح هي قضية العرب، كما كانت في السابق.

4. لم تراعِ القيادات الفلسطينية الجهود التي بذلتها مصر في سبيل القضية. وسارت، مع آخرين، في اتجاه معاكس لمسيرة السلام المصرية. وعارضت زيارة الرئيس محمد أنور السادات إلى القدس. وكانت خسارة الفلسطينيين، من جراء ذلك، قاسية عليهم هم، أنفسهم. على الرغم من أن مصر لم تتخل عنهم حتى برغم معارضتهم لها.

5. اكتسبت المقاومة الفلسطينية، عالمياً، صبغة الإرهاب، نتيجة لبعض الأعمال الفدائية، التي شملت مناطق عديدة في الدول الغربية، وأهمها خطف الطائرات، أو العمل ضد مسؤولين أو مصالح إسرائيلية في الخارج. وبسبب وصف المنظمات الفلسطينية بالإرهاب، فإن الرأي العام العالمي، لم يَعُده متعاطفاً معها.

6. لم تتخذ القيادات الفلسطينية، في الوقت نفسه، الكيان والصورة، المطلوب أن تكون عليهما في هذه المرحلة الحاسمة، التي تستدعي التركيز على قضيتها، وعدم تكوين جبهات أو محاور، بل التنسيق مع كل الأطراف، لإبراز القضية الفلسطينية على أنها شعب يطالب بحق العودة إلي أرضه، حتى يتعاطف الرأي العام معه. ولكن عكس هذه الصورة هو الذي كان سائداً، من إنشاء محاور، وتبني اتجاهات بعض الدول وآرائها، والتنافس الداخلي بين القيادات الفلسطينية  نفسها. وكل تلك الصور، أثّرت على الكيان الفلسطيني نفسه. فلم يجد من يقف معه في مٍحنته، يوم 15 مارس 1978، عندما بدأ الهجوم الإسرائيلي. بل إن الرأي العام العالمي، لم يتبيّن حقيقة هذه الحرب وأهدافها، ولا من هو الطرف المعتدى عليه فيها.

ثالثاً: الدور السوري في لبنان

لم تنظر سورية، يوماً، إلى لبنان علي أنه دولة مستقلة بشكل تام. بل كانت تعُدّه جزءاً من أراضيها، أقتُطع في لحظة تاريخية استعمارية، لم تكن دمشق خلالها قادرة علي إيقاف هذا القرار أو تعطيله.

وعلي الصعيد الإستراتيجي العسكري، فإن الحدود اللبنانية ـ السورية، تُعَدّ نقطة الضعف الرئيسية في الدفاعات السورية، إذا ما حدث هجوم إسرائيلي علي سورية. لذلك، فإن دمشق ترى أراضي لبنان امتداد إستراتيجي للأراضي السورية، وليس قطراً مستقلاً.

وقد حرصت سورية، دائماً، أن  يكون لها تأثيرها السياسي على مجريات الأمور في لبنان، سواء من طريق الطوائف أو الأحزاب التي تمولها (الروم الأرثوذكس ـ الدروز ـ الحزب القومي الاجتماعي ـ حزب البعث العربي)، أو من طريق الدعم المستمر للمسلمين في لبنان، الأمر الذي كان يزعج الطائفة المارونية، ويدفعها إلى المطالبة بحل الخلافات المتعلقة بالحدود، وإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، لإنهاء هذه الخصوصية السورية في لبنان.

وقد رأت سورية أن الحرب الأهلية في لبنان، تؤثر علي أمنها الوطني تأثيراً مباشراً. ولذلك، قررت، بصورة منفردة، التدخل عسكرياً في لبنان، لإنهاء هذه الحرب، والفصل بين المتحاربين. ثم تم تقنين هذا التدخل، عربياً، في المؤتمر الذي عقد في الرياض، في الفترة من 16ـ 18 أكتوبر 1976. وأصبح لسورية وجود عسكري دائم في لبنان، ومؤثراً في الأحداث، حتى أنها أمسكت بزمام الموقف، وأدارت الصراع بما يحقق مصالحها في الدرجة الأولي، وسيطرت على القرار اللبناني، حتى لا يتعارض مع الأهداف السورية.

ويلاحظ أن الولايات المتحدة الأمريكية، لم تبدِ اعتراضاً علي التدخل السوري. ولكنها راقبته بحذر، وكان موقفها منه، يتعارض مع موقفها ضد التدخل الإسرائيلي، مثلاً، وذلك لأن واشنطن، كان يهمها أن تنتهي الحرب الأهلية اللبنانية، ولم تكن تريد هي نفسها، أن تتورط فيها. كما لم ترغب في أن تتدخل إسرائيل حتى لا تشعل موقفاً عربياً، قد يؤدي إلي حرب جديدة بين إسرائيل والعرب. لذلك فإن الحل السوري، كان هو أقرب الحلول الملائمة للموقف وقتئذٍ. ومن أجل تحديد دور سورية في لبنان، وضعت الولايات المتحدة الأمريكية، بالتنسيق مع إسرائيل، "الخط الأحمر"، والتزمت القوات السورية ألاّ تتعداه، حتى لا يحدث أي تهديد للأمن الإسرائيلي.

والسؤال: هل نجحت القوات السورية في مهمتها؟ والإجابة: إن الوجود السوري قلب الموازين، بالنسبة إلى المقاومة الفلسطينية، وأوقع بها خسائر كبيره، لكنه لم يوقف الحرب الأهلية، ولم يواجه ميليشيا "الكتائب" مواجهة حقيقة، بل إنه تحالف معها ضد الفلسطينيين، في بعض الأوقات. واستمرت الإستراتيجية السورية تتعامل بحذر شديد في لبنان، فهي تسمح باستمرار تفتت طوائفه، ولا تساعد علي إعادة تكوين الجيش اللبناني، ولا تعمل على دعم السلطة اللبنانية. ويمكن القول أن سورية، كانت تعمل لمصلحة أمنها فقط بوجودها في لبنان. وكان الموقف السوري، عشية الغزو الإسرائيلي لجنوبي لبنان، يتلخص في أن انتشار القوات السورية في مناطق الشمال اللبناني، وحول بيروت. ولم يكن لها وجود في مناطق الجنوب اللبناني. ومن ثم، فهي لم تؤدِّ المهمة القومية، التي انتظرها بعض العرب، والفلسطينيون بوجه خاص، بناء على ما التزمت به في مؤتمر الرياض عام 1976.

رابعاً: الموقف الإسرائيلي من لبنان

1. السياسة العدوانية الإسرائيلية

منذ عام 1965، لم تغفل إسرائيل عمّا يدور علي الساحة اللبنانية، ولا عن تنامي الوجود الفلسطيني فيها. وبدءاً من نهاية عام 1970، تركّز الجهد الإسرائيلي على متابعة "النزوح الفلسطيني" من الأردن إلي لبنان، حيث لم يتهاون في مطاردته، وارتكاب أعمال القتل والعدوان ضده، مع استعداء الحكومة اللبنانية والشعب اللبناني علي الوجود الفلسطيني من الأساس. وتمثلت أهم الاعتداءات الإسرائيلية علي لبنان في الآتي:

أ. في 12 مايو 1968، شنت إسرائيل اعتداءً علي قرية "حولا" اللبنانية الحدودية.

ب. في 15 يونيه من العام نفسه، تكرر الاعتداء علي قرية "ميس الجبل".

ج. في أكتوبر من العام عينه، وقع اعتداء علي قرية "المجيدية".

د. في 28 ديسمبر عام 1968، أغارت قوات خاصة إسرائيلية، علي مطار بيروت الدولي الساعة 9.30 مساءاً، بواسطة طائرات عمودية، حيث دمر الكوماندوز الإسرائيليون 13طائرة لبنانية كانت جاثمة على أرض المطار، بدعوى الرد علي الاعتداء الذي وقع علي طائرة العال الإسرائيلية في أثينا.

هـ. في 14 يناير 1972، شُن هجوم إسرائيلي علي جنوبي لبنان، حيث تحمل الجيش اللبناني مسؤولية الرد، ودخل منطقة العرقوب، التي حددتها اتفاقية القاهرة منطقة عمل للفدائيين الفلسطينيين، بموافقة السلطات اللبنانية.

و. في 21 ـ 22 يونيه 1972، شنت إسرائيل هجوماً واسعاً علي الجنوب اللبناني.

ز. في شهر سبتمبر 1972، تكرر هذا الهجوم علي أثر العملية الفدائية في ميونيخ Munich ، وقد سبق ذلك ادعاء إسرائيلي بعلاقة لبنان بهذه العملية. وتوغلت القوات الإسرائيلية في هذه العملية إلى عمق 15 كم داخل الجنوب اللبناني.

ح. في 21 فبراير عام 1973، شن الكوماندوز الإسرائيليين إغارة علي مخيمَي نهر البارد والبِدَّاوي في شمال لبنان.

ط. في أبريل من العام نفسه، شن الكوماندوز الإسرائيليين إغارة أخرى ضد مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت "غارة شارع فردان"، وقتلوا ثلاثة من قادتها، وخمسة من أعضاء الجبهة الشعبية الديموقراطية، وعدداً من المواطنين اللبنانيين. وقد تكررت هذه العملية بواسطة الإسرائيليين ضد مكاتب المنظمة في بيروت فـي العاشر من ديسمبر 1974.

واستمرت عمليات الإغارة، بعد ذلك، مركزة علي الجنوب اللبناني، سواء للرد علي أعمال فدائية، أو لمعاونة ميليشيا "الكتائب"، أو للردع فقط، وتكبيد المقاومة خسائر مؤثرة.

2. تأثير الحرب الأهلية اللبنانية في التقارب الإسرائيلي مع اليمين اللبناني

وقد استغلت إسرائيل الحرب الأهلية اللبنانية في تحقيق أهدافها. وكانت هذه الحربُ دائماً "عامل إشعال" للموقف، توجهه إسرائيل دائماً في اتجاه الإضرار بالقضية الفلسطينية، وإضعاف المقاومة، وإشغالها عن القيام بأي أعمال فدائية ضد إسرائيل. وكان هناك تعاون بين عملاء لبنانيين والسلطات الإسرائيلية، استغلته إسرائيل، من طريق القوي اليمينية، لتحقيق المخطط الرامي إلى التخلص من المقاومة الفلسطينية علي أرض لبنان، من خلال إجراءات، يقوم بها اللبنانيون أنفسهم عبْر مسارين:

الأول: تضخيم الخطر الناجم عن الاعتداءات الإسرائيلية علي الجنوب اللبناني والمدن اللبنانية.

الثاني: إظهار عجز الدولة عن مواجهة هذه الاعتداءات، بدعوى أن لبنان لا يمكن أن يواجه قوة إسرائيل العسكرية، وأنه لا يملك إمكانيات هذه المواجهة. والتركيز على الحل الأمثل، والأوحد، وهو إخلاء منطقة الجنوب من المقاومة الفلسطينية، ووضع حدٍّ لاستفزازاتها لإسرائيل، لضمان عدم قيام الأخيرة بالاعتداء، مرة أخرى، علي لبنان.

وفي كلتا الحالتين، كان الاتجاه السائد للسلطة اللبنانية والقوي اليمينية، هو تحقيق هدف إسرائيل في خلق رأي عام لبناني، رافض للوجود الفلسطيني في لبنان.

ولتنفيذ هذا المخطط "كما تريد إسرائيل"، كان هناك اتصالات علي أعلى مستوى، بين مسؤولين إسرائيليين ولبنانيين. فقد اتصل كميل شمعون بإسرائيل أربع مرات، منذ بداية الأزمة اللبنانية وحتى يناير 1976. رداً علي ذلك، زار شيمون بيريز، وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، لبنان (جونية) ثلاث مرات، حتى أغسطس 1977، واجتمع خلالها بكميل شمعون وبيار الجميل.

وتقول مجلة "التايم" الأمريكية: "أن أول زيارة قام بها بيريز إلى لبنان، كانت في مايو 1976، حين تحركت ثلاث سفن صاروخية من ميناء حيفا إلي جونية. وكانت إحداها تحمل إسحاق رابين، رئيس وزراء إسرائيل، وشيمون بيريز، وزير الدفاع. وقد انضم إليها سفينتان، تحمل الأولى كميل شمعون، وكان وقتها وزيراً لخارجية لبنان، والأخرى تحمل بيار الجميل. وكان يقود السفينة رجال الكوماندوز البحريين الإسرائيليين". وتقول مجلة "التايم" أيضاً: "إن كلا الزعيمين، رفضا الالتقاء برابين معاً. وقد طلب كل منهما (حسب رواية المجلة) التدخل الإسرائيلي المباشر في الحرب الأهلية في لبنان". كما حددت المجلة المساعدات التي قدمتها إسرائيل للجبهة اللبنانية بـ "35 مليون دولار مساعدة مباشرة، و110 دبابات، و5 آلاف بندقية آلية، و12 ألف بندقية عادية، وملابس عسكرية ومأكولات، وتدريب 1500 متطوع داخل المعسكرات الإسرائيلية".

وتأتي هذه المساعدات، ضمن نطاق الحرب بالوكالة، لأن إسرائيل تعلم أن كل هذه المساعدات وتوجيه التحالفات، سيكونان ضد الوجود الفلسطيني في لبنان، الذي تعمل إسرائيل علي إزالته، كما سبق أن أزالته من جبهتها الجنوبية، في الأردن. وكانت إسرائيل تفهم جيداً طبيعة النظام في لبنان، بسلبياته وإيجابياته. ونجحت، من البداية، في جذب الموارنة، كحليف طبيعي لها، بل وشجعتهم على إنشاء دولتهم في لبنان، وعملت دائماً علي تغذية الحرب الأهلية، واستمرار اشتعالها، حتى تستنزف المقاومة الفلسطينية، والقوي الوطنية اللبنانية في وقت واحد. وإشغالهما عن المعركة مع إسرائيل.

3. إستراتيجية إسرائيل في الجنوب اللبناني

حاولت إسرائيل إشعال الفتنه في الجنوب اللبناني، وإقناع سكانه من اللبنانيين، أن وجود المقاومة الفلسطينية يمثل خطراً داهماً عليهم. بل أكثر من هذا، تقمصت دور "السلطة اللبنانية نفسها"، في التخفيف من أعباء أبناء الجنوب، وبدأت، منذ نوفمبر 1975، بعد احتدام الحرب الأهلية، في تطبيق سياسة "السياج الطيّب"، لإقامة حسن جوار ما بين السكان علي طرفَي الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية، حيث استخدمت سلاحَيْن. أولهما: المساعدة الاقتصادية. وثانيهما: التأثير النفسي، (كما سبق ذكره من قبل). وبذلك، فقد اختارت إسرائيل أدوات التحرك، فاستبعدت التدخل بالقوات العسكرية مباشرة، ووضعت المنطقة تحت سيطرة إسرائيلية، بواسطة سكان الجنوب أنفسهم، وحتى كأنها تخضع لحكم إسرائيلي مباشر.

4. الموقف الإسرائيلي، عقب التدخل السوري في لبنان

لا شك أن دخول القوات السورية إلي لبنان غيّر موازين القوي، مما جعل إسرائيل تفكر في تطوير إستراتيجيتها السابقة، والسيطرة ـ بقواتها ـ على العمق القريب لها في الجنوب اللبناني، قبل أن تصل إليه القوات السورية. وفي الوقت نفسه، تكون أقرب ما يمكن من حلفائها من الميليشيات اللبنانية. وكانت كل الظروف تُمكّن إسرائيل من القيام بهذه الأعمال، دون أن تتكبد خسائر تذكر. ولكن موقف واشنطن المعلن وقتها، "أنها ضد أي تدخل أجنبي في الحرب الأهلية، على الرغم من أنها لم تعارض في التدخل السوري"، جعل إسرائيل تفكر غير مرة، حتى لا تحمل الإدارة الأمريكية على اتخاذ مواقف ضد إرادتها، خصوصاً مع قرب الانتخابات الأمريكية. وفي الوقت نفسه، لم يكن الموقف في الجنوب اللبناني، قد تدهور بشكل يهدد أمنها، ويجبرها علي مخالفة واشنطن. كما أن بداية الصدام الفلسطيني ـ السوري علي أرض لبنان، زاد من طمأنتها أن معدل التهديد علي حدودها سيقِل، ولن يزيد. لذلك، اكتفت إسرائيل بإعلان "الخط الأحمر"، وهو نهر الليطاني، وحددت أن اجتياز هذا الخط بواسطة القوات السورية، سيفرض عليها التدخل عسكرياً. ولكن سرعان ما تلاشي تحديد هذا الخط، ونشأ بعده خط "أحمر" آخر، غامض الملامح، ويخضع تحديده إلي عدة عوامل، تتعلق بالمناطق التي تتواجد فيها القوت السورية، والهدف من وجودها، ومدة بقائها. ويرتبط ذلك أيضاً بالهدف الإسرائيلي الأول، وهو المقاومة الفلسطينية، ومواقف الميليشيات اللبنانية، وخصوصاً المنحازة إلى إسرائيل. وقد أعطى تحديد هذا الخط الجديد حرية أكبر لإسرائيل في التدخل العسكري في لبنان، في أي وقت تشاء، ولا ترتبط فقط بخط "الليطاني".

5. قرار إسرائيل الهجوم على الجنوب اللبناني

إن إسرائيل، كعادتها دائماً، لديها الخطط العدوانية جاهزة للتنفيذ، ولا ينبغي سوى استكمال التجهيزات ووجود الذريعة. وكانت بداية عام 1978 مناسبة تماماً لإسرائيل، لشن عدوانها الذي انتظرته طويلاً.

أ. التوقيت

كان ربيع عام 1978 مناسباً، علي المستويين، الدولي والإقليمي، في وقت واحد. فهو لا يتعارض مع المصالح الأمريكية، ولا مع المصالح الأوروبية. ثم إنه يأتي في أعقاب مبادرة السلام المصرية تجاه إسرائيل، التي أصبحت واقعاً وليس من السهل علي مصر التراجع عنها. وقد تُقنع الضربة الإسرائيلية في هذا التوقيت، أطرافاً عربية أخرى بالانضمام إليها، أو غض الطرف عنها. كما كانت الحرب الأهلية اللبنانية في حالة استرخاء، ولا بد من إشعالها مرة أخرى، حتى لا تتمادى المقاومة الفلسطينية في توجيه ضرباتها إلى إسرائيل. وكان التنسيق اللبناني ـ الإسرائيلي شبه مكتمل لدعم مثل هذه العملية، بينما كان الانقسام العربي قد بلغ أعلى درجاته، عقب زيادة الرئيس السادات للقدس.

ب. الهدف

فهو محدود خلال عملية سريعة، تقتصر علي الجنوب اللبناني، تستغلها إسرائيل في تحقيق الآتي:

(1) بناء السياج الأمني، الذي يضمن شكلاً من الهدوء علي حدودها الشمالية.

(2) إعادة إشعال الحرب الأهلية اللبنانية من جديد.

(3) الاستيلاء علي مياه نهر الليطاني، الذي تسعى إليه منذ إنشائها.

(4) تدمير أقصى ما يمكن تدميره من قواعد المقاومة الفلسطينية، التي باتت آمنة، بعد فتور الحرب الأهلية، وعدم تعرضها لهجمات عنيفة من الميليشيات اللبنانية.

ج. الذريعة

وجدت إسرائيل في العملية الفدائية الفلسطينية، في الحادي عشر من مارس 1978، التي استهدفت حافلة إسرائيلية علي الطريق الساحلي في تل أبيب، الذريعة لشن الاعتداء علي الجنوب اللبناني. وقد ضخمت وسائل الإعلام الإسرائيلية الحدث. وراح القادة الإسرائيليون يطلقون صيحات التهديد. وأوعزوا إلي المنظمات اليهودية بكسب الرأي العام العالمي، لتقبل "الانتقام الإسرائيلي"، من منفذي الحدث، ومؤيديهم.

6. الموقف الإسرائيلي، عشية العدوان، "منتصف مارس 1978"

يتلخص هذا الموقف في خمس نقاط:

أ. أن العدوان الإسرائيلي هيأ لنفسه الوقت المناسب، لتحقيق الهدف المنشود. كما أوجد الذريعة التي يبني اعتداءاته كرد فعل لها.

ب. أن حشد الإمكانيات الإسرائيلية كان سريعاً، ولا يستلزم جهداً أو وقتاً، لأن حجم المهمة، والجبهة المعادية، لا تحتاج إلي حشد كبير.

ج. أن الرأي العام الإسرائيلي كان معبّأً نحو تحقيق الهدف، وتأييد قيادته السياسية في شن العدوان، انتقاماً من حادثة تل أبيب.

د. أن التنسيق الإسرائيلي مع بعض القوي اللبنانية، وخصوصاً حزب "الكتائب"، كان متكاملاً. بل إن الرائد "سعد حداد"، حليف إسرائيل كان شبه جاهز بقواته المنشقة، لاستلام المهمة من القيادة الإسرائيلية فور صدور أوامرها. "وقد أثبتت الأحداث، بعد ذلك، صحة هذا الافتراض".

هـ. أن إسرائيل كانت تضمن ردود الفعل مسبقاً، سواء علي المستوى العالمي أو الإقليمي. وكانت تعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية، لن تعترض ما دامت خطوط المواجهة لن تتسع. كما أن الدول العربية، لن تكون لها ردود فعل في ميدان المعركة، وستقتصر علي الإدانة السياسية. أمّا القوات السورية، فلن تجازف بالتحرك في اتجاه ميدان القتال، حتى لا يمتد إلي مناطق أخرى، لا تريد سورية أن تُسْتَدرج إليها.

خامساً: موقف القًّوتين العُظمَيين

لئن كانت مواقف القوتين العُظميين تبدو متباينة، إلاّ أنها تركت آثارها في ساحة الصراع، لما لهما من مصالح في المنطقة، وارتباطات بدولها.

1. الولايات المتحدة الأمريكية

كان مفهوم الولايات المتحدة الأمريكية لحل مشكلة الشرق الأوسط، ينحصر في التفاوض المباشر بين العرب وإسرائيل. وكان تكتيك كيسنجر هو "عدم معالجة الأزمات وهي باردة، بل لا بد أن تصل إلي  درجة محددة من السخونة". وكان رأي واشنطن أن القضية الفلسطينية أساسية، ولا بد من أن تشمل التسوية النهائية لقضية الشرق الأوسط حلولاً لها. وكان رأيها أيضاً أنه "حتى تَقْبَل المنظمة الدخول في المفاوضات، فلا بّد أن تتعرض لبعض الضربات، التي تلقنها ضرورة السباحة مع التيار، الذي تتبناه الدول العربية المعتدلة".

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية، تتفهم القضية الفلسطينية، على الرغم من معارضتها للأساليب التي تتبناها منظمة التحرير الفلسطينية. وكانت تريد منها السير في التيار الأمريكي، للحصول علي الحلول المناسبة. ولكن المنظمة الفلسطينية لم تتقبل هذا الفكر، سواء بإيحاء من فكرها نفسه، أو من القوي التي كانت تفرض سيطرتها عليها. وفي هذه المرحلة الزمنية، كان تحرك السلام قد بدأ. وكانت واشنطن تريد أن ينضم إليه أكبر عدد ممكن من الدول العربية، وفي مقدَّمتهم الفلسطينيون، "الذين كانوا يعارضون عقد مؤتمر جنيف، وقتها". لذلك، استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية كل السُبل لتشجيع عملية السلام، بما فيها إعادة صياغة أسلوب عملها في المنطقة، بهدف ضبط عوامل التفجير في الموقف، الذي كانت بدأته منذ فترة، (وهذا ما جعل إسرائيل لا تقدم على غزو الجنوب اللبناني في أعقاب دخول القوات السورية إلى لبنان).

وهناك رابطة هامة تربط المصالح الأمريكية بإسرائيل، وتحرص الدولتان علي مراعاة هذه الرابطة تماماً. لذلك، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، مناحم بيجن Menachem Begin ، في عشية العدوان يوم 14مارس 1978، فـي زيارة للولايات المتحدة الأمريكية، حتى يقنع إدارتها بهذه العملية، إضافة إلى تحقيق المفاجأة المطلوبة، إذ لم يكن اللبنانيون أو الفلسطينيون أو العرب يتوقعون هجوماً إسرائيليا في ذاك الوقت.

2. الاتحاد السوفيتي

كان الدور السوفيتي في المنطقة في انحسار، منذ إنهاء مهمة المستشارين العسكريين السوفيت في مصر، في 18يوليه 1972، وما أعقب ذلك من قيام الولايات المتحدة الأمريكية بدور نشط في المنطقة، في أعقاب حرب أكتوبر 1973. ولم تكن زيارة الرئيس السادات للقدس علي هوى الاتحاد السوفيتي. وكان مفهوم حل قضية الشرق الأوسط، من وجهة نظره، يتلخص في الانسحاب الإسرائيلي من كل الأراضي المحتلة، وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة. أمّا بالنسبة إلى الضمانات فتتكفل بها  الدولتان العُظميان.

أمّا مسألة لبنان، فكان ما يربطه بها، هو وجود القوات السورية، من جهة، ووجود الحزب الشيوعي اللبناني من جهة ثانية. وكان يعلم تماماً مدى ارتباط المصالح الأمريكية بلبنان، ولم يكن يريد أن يدخل حلبة المنافسة.

وهكذا، فإن المحلل الدارس لطبيعة المنطقة، وأهداف إسرائيل، لم يكن لديه أي شك في أن كل الظروف متاحة لأن تشن إسرائيل عدوانها، في هذه الفترة. ولم يكن يُتوقع لسير الأحداث، إلاّ أن تمضي كما تخططها إسرائيل، لأن كل الحسابات لمصلحتها. كما لم يكن يُتوقع أن تحبط ردود الفعل العربية، سياسياً، أو اللبنانية ـ الفلسطينية، عسكرياً في الميدان، قرار الاعتداء الإسرائيلي.

ومن كل ما تقدم، يتضح أن إسرائيل أقدمت على غزو الجنوب اللبناني بما يشبه مشروعاً تدريبياً عسكرياً، ضامنة نجاحه من قبل أن تبدأ.



[1] 532 أعدّ هذا التقرير رئاسة الأركان، لتبرير عجز الجيش اللبناني عن تحقيق مهامه. وشرح التقرير ما حدث في الجيش من انشقاق العديد من قادته وأفراده، والانضمام إلى الميليشيات، التي أصبحت تعمل ضد الجيش، وأهمها الميليشيات المسيحية

[2] كانت المرة الأولى للتصادم خلال عام 1969، وأدت إلى اتفاقية القاهرة، والمرة الثانية خلال عامي 1971و1972، وأدت إلي ضغوط على المقاومة، لتخفيف عملياتها ضد إسرائيل عند الحدود اللبنانية، حتى لا تعطي ذريعة لإسرائيل لتنفيذ مخططاتها ضد الجنوب اللبناني

[3] يتلخص حادث عين الرمانة في مهاجمة أفراد من حزب `الكتائب` لحافلة، تقلّ فلسطينيين من سكان تل الزعتر، بعد مشاركتهم في احتفال بذكرى مذبحة دير ياسين. وقد استشهد في هذا الحادث 26 فلسطينياً، وجُرح 29 آخرون.