إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / غزو العراق عام 2003




مواقع عسكرية قًصفت بالذخائر الذكية
موقع سد الحديثة
مجموعة صور لصدام حسين
محمد سعيد الصحاف
مجلس الحكم العراقي
آية الله علي سيستاني
أركان النظام الصدامي
المظاهرات تعم مدن العالم
بليكس والبرادعي
تحطيم تمثال صدام حسين
صدام حسين لحظة القبض عليه
كولين باول
عناصر القيادة السياسية العسكرية في الحرب
قادة المعارضة العراقية

أهم المدن العراقية
مناطق الاحتلال (سبتمبر 2003)
مناطق القاعدة (ديسمبر 2006)
مناطق القاعدة ديسمبر 2007
أوضاع فرق الحرس الجمهوري
محاولة اغتيال صدام
محاور التقدم الرئيسية والمساعدة
مخبأ صدام حسين
مستويات هجمات قوى التمرد
الأهداف الإستراتيجية في وسط بغداد
الليلة الأولى لقصف بغداد
الهجوم على مطار صدام الدولي
التمرد والعصيان
انتشار قوات التحالف
الحلقة الدفاعية حول بغداد
اقتحام الفرقة الثالثة لبغداد
توزيع قوات الحرس الجمهوري ومواقع قوات التحالف
حصاد ثلاثة أسابيع من المعارك
سيناريو الحرب البرية المتوقع
غزو العراق
قوات التحالف في الحرب
قاعدة العديد الجوية بقطر

معركة الاستيلاء على جزيرة الفاو
أقسام العراق الطائفية والعرقية (بالمحافظات)
المحافظات العراقية
التوزيع السكاني للأكراد بين دول المنطقة
التوزيع السكاني في المحافظات
تحرك القوات الأرضية والقوات الخاصة
خرائط الجمهورية العراقية



بسم الله الرحمن الرحيم

المبحث الأول

خلفية تاريخية (1991 - 2003)

أولا: نتائج هزيمة العراق في حرب تحرير الكويت 1991

يصعب الفصل بين مقدمات الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، وبين معقبات هزيمة العراق في حرب تحرير الكويت عام 1991. فقد قام النظام العراقي بغزو الكويت، في أغسطس 1990، بدوافع شخصية وأهداف إستراتيجية واقتصادية، تتمثل في رغبة بسط هيمنة نظام حكمه البعثي على دولة الكويت وضمها للعراق، مقدمة لبسط هيمنته على باقي دول الخليج العربية لإقامة الإمبراطورية البعثية التي يحلم بها، وخطوة لامتداد هذه الإمبراطورية نحو المشرق العربي، لتكون قوة إقليمية عظمى في المنطقة، وحارساً للمصالح الغربية فيها. هذا إلى جانب أهداف إستراتيجية واقتصادية أخرى، تتمثل في مد سواحل العراق على الخليج عبر السواحل والجزر الكويتية، والاستحواذ على ثرواتها وعائداتها النفطية، في خطوة نحو إبتزاز باقي دول الخليج العربية.

ولذلك أعد "صدام حسين" جيشاً ضخماً قوامه 1.1 مليون جندى، وبما يعادل 66 فرقة، سبعة آلاف دبابة و11.200 عربة مدرعة، و3810 مدفع، و340 راجمة صواريخ، و110 صاروخ سكود (أرض/ أرض)، فضلاً عن حجم من القوات الجوية الذي يبلغ 728 مقاتلة، ودفاع جوي 120 بطارية صواريخ أرض/ جو، إلى جانب قوة بحرية قوامها 13 لنش صواريخ، و50 لنش مرور، و50 صاروخ دفاع ساحلي، هذا فضلاً عن برنامج ضخم لإنتاج أسلحة دمار شامل وتطويرها، نووية وكيماوية وبيولوجية. وقد استخدم بعض أسلحته الكيماوية بالفعل في حربه ضد إيران، وضد الأكراد في حلبجة، عام 1986.

إلا أن هذه القوة العسكرية الضخمة مُنيت بهزيمة ساحقة في حرب تحرير الكويت (عاصفة الصحراء)، حيث أُجبر العراق نتيجة لها على الانسحاب من الكويت، بعد أن تكبدت القوات العراقية خسائر بشرية ومادية جسيمة يحددها اللواء "رفيق السمرائى" مدير المخابرات الحربية العراقية الأسبق، في كتابه (طريق الجحيم من العوجة إلى الكويت) في الآتى:

"تدمير شبه كلي لعدد 26 فرقة عراقية، و45 ألف قتيل، و180 ألف جريح، و153 ألف هارب، و70 ألف أسير، كما سيطرت قوات التحالف على مساحة من جنوب العراق تقدر بحوالى 73 ألف كم2". ثم يسجل السامرائى بعد ذلك في كتابه حجم الخسائر في الأسلحة والمعدات على النحو التالى: "لقد خسرنا في هذه الحرب ما بين 2500 - 2700 دبابة من أصل 4500 دبابة، وحوالي الرقم نفسه من العربات المدرعة والمدفعية لكل منهما، وبقى لدينا 260 طائرة قتال، عدا الطائرات التي هُرِّبت إلى إيران وهي 115 طائرة قتال من أصل 640 طائرة".

أما تقديرات الجانب الأمريكي لخسائر العراق في هذه الحرب، فقد قدرت القيادة المركزية للتحالف أن قواتها قامت عملياً بتمزيق أكثر من 15 فرقة عراقية، وأن (5 – 7) فرقة من 43 فرقة كانت لاتزال لها قدرات عملياتية، كما تم أسر 86 ألف عراقي. أما تقديرات وزارة الدفاع الأمريكية فقد أفادت بأنه بعد الحرب إنخفضت قدرات عشر فرق إلى ما بين (صفر - 25%) من قوتها القتالية، وست فرق أخرى وفرقتان مدرعة انخفضت قدراتها القتالية ما بين (25 -50%)، وست فرق مشاة وفرقتان ميكانيكية، وفرقة مدرعة انخفضت قدراتها القتالية (50 – 75%)، وخمس فرق مشاة وفرقة قوات خاصة، وفرقة ميكانيكية، وفرقتين مدرعتين انخفضت قدراتها القتالية (75 - 100%).

وبالنسبة لخسائر المعدات، تشير التقديرات إلى أن العراق فقد 50% من إجمالى الدبابات، و40% من إجمالى عرباته المدرعة، و50% من إجمالى المدفعية. كما فقد الجيش العراقي خارج مسرح العمليات الكويتي كثيراً من مخزوناته وبنيته الأساسية بسبب الهجمات الجوية للتحالف في عمق العراق.

وأفادت نتائج الصور الجوية الفضائية أن إجمالى المدمر للعراق خلال الحملة الجوية والبرية للتحالف بلغ 2633 دبابة، و1688 مركبة قتال مدرعة، و2196 مدفع وراجمة صواريخ. وأنه في أول مارس 1991، بعد توقف القتال كان لايزال تحت سيطرة العراق 842 دبابة، و1412 مركبة قتال مدرعة، و297 مدفع وراجمة صواريخ. كما سادت بعد الحرب مباشرة حالة من الفوضى والهيجان والسخط معظم وحدات الجيش العراقي، ما أدى إلى حدوث حالات تمرد في جنوب وشمال العراق، وانضمت عناصر من القوات المسلحة إلى المتمردين الأكراد في الشمال والمتمردين الشيعة في الجنوب، حاولوا الاستيلاء على السلطة، إلا أن قوات الحرس الجمهوري التابعة لصدام حسين تمكنت من إخماد حالات التمرد بمزيد من القسوة والعنف، لذلك ـ وتحسبا لهذا الموقف ـ حرص "صدام حسين" على سرعة إخراج وحدات الحرس الجمهوري من المسرح الكويتي، في 27 فبراير 1991.

ثانياً: إعادة بناء القوات المسلحة العراقية، وأجهزة الامن، والحرس الجمهوري

1. القوات المسلحة

بعد توقف القتال في جبهة الكويت، في أول مارس 1991، أعاد صدام بناء قواته المسلحة، وتخلص من حوالي 1500 ضابط كبير، وأعدم أعداداً أخرى، كما قام الجيش العراقي باسترداد عدد من المعدات التي كانت قد تركها أو التي سقطت في أيدي المتمردين في العراق. كذلك دفع الجيش بمتسللين إلى داخل الكويت في محاولة لاسترداد معدات وقطع غيار وأسلحة، وفي حالات كثيرة تمكنت وحدات عراقية من إصلاح معدات كانت مدمرة.

وبحلول سبتمبر 1992، بعد أكثر من عام من انتهاء الحرب، كان الجيش العراقي قادراً على نشر (500 ألف – 600 ألف جندي)، منهم أعداد كبيرة من الاحتياط، منهم 300 ألف – 350 ألف فرد في الجيش النظامي، أي حوالى 40% من القوة التي كانت موجودة قبل الحرب، ولكن تم تشكيل الجيش النظامي من أفراد مجندين ذوي مستوى تدريب متدني، وروح معنوية منخفضة، ومع ذلك تم تقوية هذه القوات منخفضة الكفاءة القتالية بواسطة قوات الحرس الجمهوري، التي أعيد تنظيمها وتدريبها وتسليحها، مع إعادة تنظيم قوات الأمن.

وأفادت تقارير أجهزة المخابرات الغربية أن الجيش العراقي، بنهاية عام 1992، صار منظماً في خمسة فيالق وثلاث وحدات حرس حدود منتشرة على الحدود مع سورية والمملكة العربية السعودية والكويت، وأن الجيش يضم من (24 - 30) فرقة، منهم ثلاث فرق مدرعة نظامية، وثلاث فرق ميكانيكية نظامية، و15 - 17 فرقة مشاة نظامية، وعدداً من اللواءات المستقلة.

أما فيلق الحرس الجمهوري فيضم ثلاث فرق مدرعة، وفرقتين ميكانيكية، وثلاث فرق مشاة، ووحدة قوات خاصة، تضم من 32 - 35 فرقة، مقابل عدد من 50 - 70 فرقة قبل الحرب.

وفي عام 1995، ارتفعت قوة الجيش العراقي مرة أخرى، وأصبح لديه 400 ألف جندى معظمهم من العاملين، ومن 5-6 فيلق بها من 28 - 30 فرقة، منها عشر فرق مدرعة وميكانيكية (أربع فرق بالحرس الجمهوري، وست فرق بالجيش النظامى)، و20 فرقة مشاة (ثلاث فرق بالحرس الجمهوري، و17 فرقة بالجيش النظامى)، وفرقة قوات خاصة بالحرس الجمهوري. وشملت أسلحته 3000 دبابة معظمها أنواع قديمة، و5000 مركبة مدرعة معظمها ذات قدرة محدودة، وحوالى ألفي قطعة مدفعية، 7000 مدفع مضاد للطائرات، وعدة مئات من الصواريخ أرض/ جو قصيرة المدى، وحوالى مائة منصة صواريخ أرض/ أرض متوسطة المدى (من نوع سكود)، ونحو 150 طائرة عمودية هجومية.

ولأن المؤسسة العسكرية كانت تعد الضلع الثالث في المثلث المكون للنظام العراقي الحاكم في العراق، بجانب عائلة "صدام حسين"، والمؤسسة الأمنية، والمؤسسة السياسية المتمثلة في حزب البعث، فقد خصص النظام مليار دولار سنوياً لإعادة بناء القوات المسلحة العراقية وتنظيمها وتسليحها وتدريبها. وفي هذا الصدد حصل على أسلحة ومعدات قتالية حديثة من روسيا وأوكرانيا ويوغسلافيا والصين وكوريا الشمالية وبلغاريا، وقد ظهر هذا التطوير في أكبر عرض عسكري شهده العراق منذ هزيمة عام 1991، حيث سار في هذا الاستعراض حوالي ألف دبابة، وعدة مئات من العربات المدرعة وقطع المدفعية وراجمات الصواريخ، وحوالى 60 مروحية، فضلاً عن صواريخ أرض/ جو، وصواريخ أرض/ أرض سكود. وقد كسر النظام العراقي الحصار المفروض على إعادة تسليح العراق بعد الحرب، بالحصول على حاجاته التسليحية من خلال طرف ثالث ووسطاء وشركات تسليح وهمية.

وقد واصل النظام العراقي إعادة تأهيل قواته المسلحة عبر عدة محاور:

أ. الاستفادة من الدروس التي أفرزتها هزيمة العراق في حرب تحرير الكويت، والدروس التي أفرزتها حروب إقليمية أخرى، مثل حروب أفغانستان والبلقان والصومال.

ب. التركيز على رفع الكفاءة النوعية للقوات، في مقابل تقليص حجم التوسع الكمي.

ج. تحديث الأسلحة والمعدات القديمة، بما يزيد من قوة نيرانها وخفة حركتها.

د. زيادة الاهتمام بالدفاعات الجوية الأرضية على المستويين الكمي والنوعي، لمواجهة التفوق الجوي الأمريكي والبريطاني، لاسيما في مناطق الحظر الجوي شمال وجنوب العراق.

هـ. استيراد أنظمة تسليح ومعدات جديدة في حدود الضروري لخدمة مهام العمليات، وتخزين حجم كبير من قطع الغيار، وبما يؤمن استمرار الكفاءة القتالية للأسلحة والمعدات الموجودة، وظروف الحصار المضروب حول العراق.

وفي هذا الإطار جرى تحديث الدبابات الروسية (T-54, T-55. T-62, T-72) بمحركات وأنظمة تبريد جديدة، استوردها من أوكرانيا، كما عقد صفقة قيمتها 450 مليون دولار، حصل بموجبها على سبع كتائب صواريخ أرض/ جو سام- 10، مع تحسين أنظمة الصواريخ سام- 2. هذا إلى جانب صفقة أخرى حجمها 63 مليون دولار لتطوير المقاتلات الاعتراضية ميج. كما اعتمد العراق على الصين في تطوير شبكة راداراته، وأدخل رادارات إنذار جوي سلبية لا تصدر إشعاعات، ومن ثم يصعب توجيه صواريخ جو/ أرض ضدها، كذلك قامت الصين بتركيب نظام كابلات للإتصالات يعتمد على الألياف البصرية لربط وحدات الدفاع الجوي على مستوى كل العراق، وصفقة رادارات أخرى من نوع TAMARA مع بلغاريا.

وقد واجه النظام العراقي صعوبات عديدة لتنفيذ خطط إعادة بناء قواته المسلحة وتطويرها، ليس فقط بسبب الحصار الذي فرضه الغرب عليه للحصول على حاجاته التسليحية، بل أيضاً لفقد هذا النظام السيطرة على عائدات نفط العراق بالنظر لتحكم الأمم المتحدة فيها، ما أدى إلى تقليص إنفاقه الدفاعي بنسبة تصل إلى 50% عما كان في عام 1990، حيث بلغ في عام 2001 حوالى 1.4 مليار دولار، نسبة كبيرة منها مخصصة للمرتبات والإعاشة، ما أدى إلى قيامه بتنفيذ عمليات تهريب ضخمة لنفطه خارج سيطرة الأمم المتحدة.

وقد برز هذا الضعف واضحاً في عدم قدرة قيادة الدفاع الجوي العراقية على ربط جميع وحدات الدفاع الجوي في إطار منظومة واحدة للقيادة والسيطرة، ما أدى إلى فقدان التعاون والتنسيق بينها، وبروز ثغرات في نظام الدفاع الجوي على مستوى الدولة، خاصة على صعيد الإنذار الراداري، بعد أن ضربت المقاتلات الأمريكية نظام الاتصالات الذي كانت أقامته الصين اعتماداً على الألياف البصرية قبل استكماله. وبسبب هذا الضعف، والأزمات التي واجهت عمليات إعادة بناء وتطوير القوات المسلحة، سعى النظام العراقي إلى تعويض النقص والضعف في القوات البرية والجوية، بزيادة الاعتماد على أسلحة الدمار الشامل (الصاروخية والكيماوية والبيولوجية)، حيث قدّر الخبراء الروس أن إعادة كل فرع من أفرع القوات المسلحة العراقية إلى المستوى الذي كان عليه قبل الحرب يحتاج إلى عشرة مليارات دولار.

وقد أعدت خطتان للطواريء في الجيش، الأولى تتعلق بالحالة التي تستطيع فيها أجهزة الأمن والشرطة السيطرة على الأوضاع الأمنية، بينما تتعلق الخطة الأخرى بتدخل وحدات الجيش في المحافظات لفرض الأمن والسيطرة في حالة عجز أجهزة الأمن عن ذلك، وأبقيت قوات الحرس الجمهوري احتياطياً عاماً تتدخل بأوامر من "صدام حسين" شخصياً، أما وحدات الجيش الأخرى فتخضع لأوامر المحافظين، كما نصت الأوامر على الفتح الفوري للنيران ضد التظاهرات ودون أوامر من المستويات الأعلى. كما تلاحظ نشر 80% من القوات البرية في المحافظات الجنوبية القريبة من الكويت، والتى اندلعت فيها مظاهرات الشيعة، في مارس 1991، مع استمرار تهديد الدول الخليجية الأخرى.

2. الحرس الجمهوري

شكَّل فيلق الحرس الجمهوري المحور الرئيس للقوات المسلحة العراقية، وكان قبل حرب تحرير الكويت يتكون من 12 فرقة، دمجت بعد هزيمة العراق في هذه الحرب في ست فرق، منها ثلاث فرق مدرعة ثقيلة (النداء، حامورابى، والمدينة المنورة)، وثلاث فرق خفيفة (العمارة، بنوخز نصر، وبغداد)، بالإضافة إلى 16 لواء مستقلاً منها: أربعة ألوية قوات خاصة، عشرة ألوية مغاوير، لواءا فدائيو صدام. وقد بلغ حجم قوات فيلق الحرس الجمهوري 270 ألف فرد، وكان حجم القوات التي نجت من حرب الكويت سبعة آلاف فرد فقط، وهو ما يعنى أنه نجح بعد هذه الحرب في إعادة تأهيل هذا الفيلق بنسبة 80%، وهو ما يفسر استحواذ هذا الفيلق على 75% من الأموال التي خصصت لإعادة تأهيل القوات المسلحة العراقية.

وكانت قوات الحرس الجمهوري تعمل تحت قيادة (قصي) النجل الأصغر لصدام حسين، وهو رجل مدني ليس لديه أية خبرات أو ثقافة عسكرية، وتتبع قيادته "صدام حسين" شخصياً، ومهمة الحرس الجمهوري الأساسية كانت تأمين نظام حكم "صدام حسين" والمنشآت المرتبطة بهذا النظام، خاصة قصور الرئاسة. وكانت فرق الحرس الجمهوري لها الأولوية في الحصول على أحدث الأسلحة والمعدات التي تصل إلى العراق، مثل الدبابة T-72، وعربة القتال المدرعة BMB-2. كما كان يُختار أفراده من ذوي التأهيل العالي الذين يدينون بالولاء لنظام "صدام حسين".

وتنقسم قوات الحرس الجمهوري إلى ثلاثة أفرع من حيث تخصيص المهام:

أ. قوة الحماية الخاصة: وتشكل دائرة الحماية الأولى لصدام حسين، ويرأسها ضابط تكريتي (نسبة إلى تكريت مسقط رأس "صدام حسين")، ويختار أفرادها من المعروف عنهم شدة الولاء للنظام، ومهمتها توفير الحماية العسكرية له وأسرته أرضاً وجواً في كل محيط المواقع الرئاسية. كما تشرف هذه القوة على كل المخابئ والملاجئ السرية التي قد يلجأ لها "صدام حسين" في حالات الطوارئ، والدفاع عنها.

ب. قوة حماية العاصمة: يقودها أيضاً ضابط تكريتي، وتعد القوة العسكرية الأقوى في العراق من حيث التسليح والتدريب والانضباط، وهي متعددة المهام وتملك عدداً من الطائرات العمودية الهجومية والإقتحامية، لتوفر لها خفة حركة أعلى وقدرة على الانتشار السريع إلى المواقع المهددة أمنياً داخل وخارج بغداد، ولمواجهة محاولات الانقلابات العسكرية، وقمع الانتفاضات الشعبية، وحركات التمرد. وهى القوة العسكرية الوحيدة المسموح لها أن تكون داخل بغداد وأن تحمل ذخيرة معها.

ج. القوات المقاتلة: وتشمل باقي فرق الحرس الجمهوري، وتخضع لقيادة مشتركة من الضباط التكريتيين والعرب السُنَّة (حيث يحظر على الشيعة الانتساب لقوات الحرس الجمهوري)، وتشكل الاحتياطي الإستراتيجي للقوات المسلحة، وقد دُفع بها في بعض المعارك المتأخرة في الحرب مع إيران، وفي حرب تحرير الكويت، ولكن سرعان ما تُسحب لتوفير الاتزان الإستراتيجي في عمق العراق.

3. أجهزة الأمن

تساءل الكثيرون عن السر في نجاح نظام "صدام حسين" في حكم العراق حوالي ثلاثين عاماً، رغم كل الجرائم التي ارتكبها في حق شعب العراق، وتبديد ثرواته، وحوله إلى واحد من أفقر الشعوب العربية، رغم أن العراق هو البلد العربي الوحيد الذي أفاء الله عليه بنعم المساحة الواسعة (448.742 كم2) معظمها أراضي صالحة للزراعة، وتعداد سكاني كبير (25 مليون نسمة)، ووفرة مائية (نهري دجلة والفرات وعدد من البحيرات)، وموارد نفطية ضخمة (أربعة ملايين برميل/ يوميا) تدر عائدات مالية تصل في المتوسط إلى 20 مليار دولار سنوياً (اُنظر خرائط الجمهورية العراقية).

وتكمن الإجابة على هذا السؤال في احتفاظ نظام "صدام حسين" طوال فترة حكمه بأجهزة أمنية قوية كانت قادرة على اكتشاف أية معارضة للنظام، والإطاحة بالمعارضين فور الاشتباه فيهم. وقد حدد صدام لأجهزته الأمنية أربعة مهام تتمثل في ضمان سلامته الشخصية وعائلته، ومنع الانقلابات وإحباطها مبكراً، ومنع الانتفاضات الشعبية وإخمادها فور اشتعالها، وتقليص التهديدات الخارجية للنظام.

ويضم نظام الدعم الأمني أجهزة الأمن والمخابرات، وعدداً آخر لا يحصى من الأجهزة الرئيسة والفرعية، بعضها كان معروفاً وأخرى كانت سرية تتحرك وفق تكليفات خاصة من القيادة. أما الأجهزة الأمنية الرسمية المعروفة فهى خمسة: جهاز الحماية الخاصة، وجهاز مخابرات الرئاسة، وجهاز المخابرات العامة، وجهاز الاستخبارات العسكرية، وجهاز الأمن العام. وبعد هزيمة العراق في حرب الكويت أُعيد تنظيم هذه الأجهزة الأمنية وتدعيمها بعناصر أشد ولاءً للنظام، وأكثر خبرة أمنية، وبمساعدة أجهزة أمنية من روسيا ودول أوروبا الشرقية؛ وكانت المهمة الرئيسة المكلفة بها هذه الأجهزة تعقب العناصر التي تقود التمردات الشعبية ـ خاصة بين الأكراد في الشمال والشيعة في الجنوب ـ ومنع فرق التفتيش الدولية للبحث عن أسلحة الدمار الشامل من الحصول على أية معلومات عنها، فضلاً عن عرقلة أعمالها.

أ. جهاز الحماية الخاصة

يشكل الدرع الذي يوفر الحماية الجسدية لشخص صدام وعائلته، ويرتبط بشبكة معلومات سرية على الحاسب الآلى مع باقي الوحدات الأمنية والعسكرية، خاصة الحرس الجمهوري، وأعضاؤه الوحيدون المسموح لهم بحمل أسلحة وذخيرة حية في الدائرة المحيطة بصدام وعائلته، وكان "قُصي صدام حسين" هو المسؤول عن هذا الجهاز، ويُجند أعضاءه في أعمار مبكرة 16 – 18 سنة لضمان ولائهم الفكرى للنظام، ويجري تدريبهم على الولاء والطاعة المطلقة لصدام، ويبلغ تعداد أفراد هذا الجهاز حوالي 500 فرد، ويدخل في المهام المُكلف بها مراقبة باقي أجهزة الأمن، وتأمين عدم اختراقها بعناصر معادية من الداخل أو الخارج.

ب. جهاز مخابرات الرئاسة

يتولاه أحد أفراد أسرة صدام، ويلعب دور المنسق بين أجهزة الأمن والمخابرات العامة والمخابرات العسكرية، ومن خلال هذه الجهاز استطاع صدام السيطرة على جميع أجهزة الأمن والمخابرات الموجودة في النظام، وذلك من خلال عناصر تابعة لجهاز مخابرات الرئاسة، كانت تدسّ داخل باقى الأجهزة الأمنية والمخابراتية لمعرفة كل ما يجري داخلها، كما كلف هذا الجهاز أيضاً بمراقبة أفراد عائلة صدام وتحركات المسؤولين في النظام داخل وخارج العراق.

ج. جهاز المخابرات العامة

مهمته مكافحة التجسس، والحصول على المعلومات السياسية والاقتصادية والفنية عن الدول المجاورة وغير المجاورة، المعني لنظام صدام أن يكون له نفوذ بها، وزرع العملاء داخل دوائر صنع القرار في هذه الدول والسعي لتشكيل رؤيتها بما يتفق ومصالح النظام العراقي. ويرتبط بهذا الجهاز وحدة خاصة بالتحقيق والتعذيب ومحاكمة أعداء النظام، كما يوجد له ممثلون في جميع السفارات بالخارج تحت أغطية دبلوماسية، وعملاء داخل السفارات الأجنبية في العراق. وكان يتولى هذا الجهاز لفترة طويلة "برزان التكريتى" الأخ غير الشقيق لصدام. كما يتولى هذا الجهاز أيضاً مراقبة قيادات حزب البعث وكوادره، وشراء الأبواق الإعلامية في الخارج. وكان يوجد ضمن تكوين هذا الجهاز (المكتب 16) المسؤول عن تخطيط وتنفيذ عمليات إرهابية (إغتيالات وتخريب) في خارج العراق.

د. جهاز الاستخبارات العسكرية

مهمته الأساسية مواجهة التهديدات العسكرية القادمة من الخارج، ومن قوى المعارضة في الداخل، فضلاً عن أمن القوات المسلحة ومنع إختراقها بواسطة عناصر معادية أو هدامة. ورغم الطبيعة العسكرية لهذا الجهاز إلا أنه لم يكن يتبع وزير الدفاع بل يتبع صدام شخصياً، ويرأسه أحد المقربين لصدام لاسيما من أبناء تكريت. ويتكون قوة هذا الجهاز من حوالى سبعة آلاف فرد، ومنظم في ثلاثة فروع رئيسة: سياسي وخاص، وإدارة أمن، ويتبعه الملحقون العسكريون العراقيون في الخارج، كما يشرف على الملحقيات العسكرية الأجنبية في العراق. وقد رأس هذا الجهاز أثناء الحرب مع إيران (1981 - 1988) أحد أكفأ ضباط المخابرات في الجيوش العربية، وهو اللواء ركن "وفيق السامرائى"، ولعب دوراً مهماً في اكتشاف النوايا الإيرانية مبكراً، ولكن بسبب قوة هذا الضابط ونفوذه حاول "صدام حسين" اغتياله، إلا أنه تمكن من الهروب إلى بريطانيا، ولم يرجع للعراق إلا بعد الغزو الأمريكي للعراق 2003.

هـ. جهاز الأمن العام

يطلق عليه (البوليس السري)، وهو من الشرطة، ويوجد له ممثل في كل قسم شرطة في العراق، لضمان سيطرة النظام على المجتمع العراقي من الداخل. وتنحصر مهمته في مكافحة الأحزاب والتنظيمات السياسية المعارضة لحزب البعث الحاكم، والقضاء على الثوار والتنظيمات الإجرامية، مثل تجار المخدرات وعصابات المافيا المنظمة التي ترتكب جرائم القتل والدعارة... الخ، فضلاً عن مراقبة المتاجرة بالعملة الحرة، والسوق السوداء، وأسعار المواد والسلع الغذائية، إلى جانب مراقبة الإتصالات الداخلية الهاتفية واللاسلكية والبريدية... الخ.

و. الوحدة 585

برزت هذه الوحدة عقب هزيمة العراق في حرب الكويت، حيث شكلت داخل جهاز المخابرات العامة بالتنسيق مع أجهزة الإتصالات والمؤسسات البحثية والفنية، والغرض منها الاستفادة من التقنية العالية التي برزت بعد الحرب في الإتصالات لجمع المعلومات من طريق الإشارات الالكترونية، وحرب المعلومات. وتم توفير حوالى 800 فرد للعمل في هذه الوحدة، حيث دربوا على أحدث الوسائل التكنولوجية في جمع المعلومات في الإتحاد السوفيتى وبعض دول أوروبا الشرقية. ونُشرت حوالى خمس محطات أرضية في أنحاء العراق لرصد وجمع الإشارات الإلكترونية التي تدخل إلى العراق من الخارج وتخرج منه، وإعادة بثها لأفرع أجهزة المخابرات والأمن. وتمتد مهام هذه الوحدة لرصد الإشارات الصادرة من السفارات الأجنبية في العراق. كما زودت بأجهزة تجسس اتصالات وحواسب إلكترونية مستوردة من فرنسا واليابان لصالح هذه الوحدة.

إلا أنه رغم قوة هذه المنظومة الأمنية المتعددة والمتنامية الأطراف داخل وخارج العراق، وتنوع مهامها، إلا أنها لم تنجح في منع عدة محاولات اغتيال استهدفت "صدام حسين" وولده عدي وعدد من أركان النظام ووزرائه وقادته العسكريين، كذلك انشقاق عدد من المقربين لصدام، أخطرهم وزير الدفاع وزوج ابنته "حسين كامل"، الذي تمكن من الهرب إلى الأردن وكشف الكثير من أسرار النظام، كذلك عدد من القادة العسكريين هربوا إلى دول أوروبية أبرزهم رئيس الأركان الفريق "نزار خزرجى"، ومدير المخابرات العسكرية اللواء "وفيق السامرائى"، كذلك عدد من الدبلوماسيين والعلماء.

ثالثاً: لجان تفتيش الأمم المتحدة بحثاً عن أسلحة الدمار الشامل

بدأت المواجهة بين النظام العراقي وفرق التفتيش الدولية التي كُلفت بإزالة أسلحة الدمار الشامل من العراق، وذلك فيما عُرف (بلعبة القط والفأر) منذ يوليه 1991، وبعد أن تعهد هذا النظام، في 15 يوليه 1991، بأن يقدم كل المعلومات المطلوبة لهذه الفرق طبقاً لقرار مجلس الأمن الرقم 687 في هذا الشأن، وأن يكشف بنفسه كشفاً كاملاً ونهائياً عن جميع جوانب برامج أسلحته النووية والكيماوية والبيولوجية والصاروخية، وأن يساعد فرق التفتيش الدولية في إزالتها، وأن يسمح لهذه الفرق بحرية التفتيش غير المشروط في كل ما تراه من مواقع تتعلق بتطوير هذه الأسلحة وتخزينها واستخدامها، وأن يتوقف النظام العراقي عن أي محاولات لإخفاء أية مواد أو معدات تتعلق بتلك البرامج أو نقلها أو تدميرها.

وبعد المصادقة على هذا القرار، كان من المتوقع ألا يتطلب امتثال العراق لتطبيقه أكثر من 90 يوماً، وكان من المتوقع عند تنفيذ العراق لهذا القرار أن يتم رفع العقوبات والحصار المفروض عليه. ولكن استمرت (لعبة القط والفأر) بين النظام العراقي وفرق التفتيش الدولية اثنى عشر عاماً في مراوغات متعددة الجوانب، انسحبت بسببها عدة لجان تفتيش، ما حدا بمجلس الأمن إلى استصدار عدة قرارات أخرى في نفس الشأن الأرقام 707، 715، 1015. حيث أخفى النظام العراقي العديد من مكونات هذه البرامج ومتعلقاتها، بل ومنع فرق تفتيش من الوصول إلى الأماكن التي كان يخفي فيها أسلحته ذات الدمار الشامل، ومتعلقات برامج تطويرها، حتى إنه كاد يتسبب، في عام 1997، في إسقاط طائرة عمودية كانت تقل إحدى هذه الفرق أرادت النزول في أحد هذه المواقع، فرفض المسؤول العراقي المرافق لفريق التفتيش.

وحدث بعد ذلك عدة أزمات، منها أزمة أبريل 1991، حين احتجز مسؤولو النظام المفتشين أربعة أيام، واستولوا على وثائق تتعلق بالبرنامج النووى. وأزمة مارس 1996، حين منعوا المفتشين من دخول وزارة الزراعة. وفي يونيه 1996 منعوا أيضاً المفتشين من دخول إحدى ثكنات الحرس الجمهوري. وفي أكتوبر 1997، قرر النظام طرد الأمريكيين العاملين في فرق التفتيش، ثم عاد وسمح لهم بالعودة بعد التهديد بتوجيه ضربة للنظام. وفي نوفمبر 1997، منع النظام فرق التفتيش من دخول أحد قصور الرئاسة. وفي أغسطس 1998، علَّق النظام تعاونه مع فرق التفتيش وأيضا الوكالة الدولية للطاقة النووية.

وفي أكتوبر 1998، قرر النظام العراقي وقف كل صور التعاون مع فرق التفتيش، ثم عاد وسمح لهم بالعودة، في نوفمبر 1998، إلا أنه عاود عرقلته لأعمالهم مما اضطرهم إلى مغادرة العراق، في 16 ديسمبر 1998، ما تسبب في توجيه ضربة جوية وصاروخية أمريكية وبريطانية مشتركة (ثعلب الصحراء) في 17 ديسمبر 1998، وقد وجهت هذه الضربة ضد المنشآت المشكوك أن أسلحة دمار شامل فيها.

ثم توقف عمل المفتشين الدوليين منذ ذلك التاريخ ولمدة أربعة سنوات، حتى نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في استصدار القرار الرقم 1441 من مجلس الأمن، في نوفمبر 2002، الذي طالب النظام العراقي بذلك، وإلا تعرض لعواقب وخيمة. وشكل مجلس الأمن بالفعل لجنة تفتيش دولية (إنموفيك) لإزالة كل ما يوجد لدى النظام العراقي من أسلحة دمار شامل، بكل متعلقاتها، وتحددت مواعيد لكى يقدم هذا النظام بيانه النهائي عما يمتلكه من هذه الأسلحة، ولكي يقدم رئيس (انموفيك) "هانز بليكس" تقريراً عن إنجازات لجنته في تنفيذ قرار مجلس الأمن. (اُنظر صورة بليكس والبرادعي)

إلا أن النظام العراقي لم يدرك خطورة تصميم الرئيس الأمريكي "بوش الابن" حول نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية، ليس ذلك فقط، بل وإزالة هذا النظام من جذوره بوصفه المسؤول عن امتلاك هذه الأسلحة، كما لم يدرك "صدام حسين" خطورة عدم إذعانه لتنفيذ قرار مجلس الأمن الأخير، وأن عدم تعاونه مع لجنة (انموفيك) سيكون الذريعة الى ينتظرها بوش لتنفيذ المخطط الموضوع فعلاً لغزو العراق واحتلاله. وبسبب غياب هذا الإدراك، استمر النظام العراقي في ممارسة لعبة (القط والفأر) التي سبق أن مارسها مع لجنتى (إيكوس) و(بتلر)، اللتان عملتا في العراق في إطار نفس المهمة بقرارات من مجلس الأمن، خلال الفترة من عام 1991 وحتى عام 1998، حين طردهم صدام من العراق.

وخلال الأربع سنوات، من ديسمبر 1998 وحتى عاد مفتشوا (أنموفيك) في نوفمبر 2002، أتاحت هذه الفترة للنظام العراقي تطوير الكثير من برامجه ذات أسلحة الدمار الشامل، وهو ما اعترف به عدد من العلماء العراقيين المنشقين عن النظام. إلا أنه اتبع تكتيكاً جديداً في التعامل مع (إنموفيك) تمثل في إبراز التعاون مع المفتشين على مستوى الإجراءات فقط وتسهيل تنقلاتهم وعملهم، حتى لا يُتَّهم بعرقلة أعمالهم، ولكنه رفض التعاون في جوهر مهمة اللجنة، وهى الكشف عما لديه حقيقة من أسلحة دمار شامل ومتعلقاتها.

لذلك قدّم أول بيان في يناير 2003، لا جديد فيه، حيث سرد تاريخ صناعة هذه الأسلحة، وإعلاناً بأنه دمر كل ما لديه منها تدميراً كاملاً. إلا أن تقرير كبير المفتشين "بليكس" إلى مجلس الأمن أفاد بأن النظام العراقي لم يجاوب على أسئلة عديدة تتعلق بامتلاكه غاز الأعصاب (VX)، وبكتيريا (أنتراكس)، وتطوير الصواريخ (صمود-2) التي زاد مداها عن 150 كم المسموح به من مجلس الأمن، فاضطر النظام إلى تقديم بيانات جديدة حول أنشطة هذه البرامج، والموافقة على تدمير ما لديه من صواريخ (صمود-2). وكان من الواضح أن هذا النظام اتبع تكتيكاً يتمثل في إعطاء المعلومات (بالقطارة) وطبقاً للحاجة، وليس دفعة واحدة إبراءً لذمته من امتلاك هذه الأسلحة، وحتى يفوت على الإدارة الأمريكية هدفها في توجيه ضربة قاضية ضده.

وكانت سياسة النظام العراقي في التعامل مع فرق التفتيش تتمثل في الإعلان عن تدمير بعض الأسلحة والمعدات القديمة ذات القيمة والقدرة الأقل (مثل هياكل الصواريخ سكود دون محركاتها)، وتزويد المفتشين ببيانات مزورة، ودس معلومات مضللة عليهم لخداعهم، ونشر ما يريد إخفاءه من أسلحة دمار شامل ومتعلقات بنيتها الأساسية من مصانع ومعامل ومواد وعلماء على كل مساحة العراق، فضلاً عن التجسس على أفراد فرق التفتيش وتسجيل تحركاتهم وأحاديثهم على مدار الساعة، ومحاولات شراء أعضائها. وخصصت مجموعة خاصة من المخابرات أطلق عليها (الوحدة 585) يشرف عليه قصى نجل صدام، ومهمتها عرقلة أعمال فرق التفتيش.

إلا أنه على الرغم من مراوغات النظام العراقي العديدة لعرقلة عمل فرق التفتيش وإخفاء برامج أسلحته ذات الدمار الشامل، فقد نجحت فرق التفتيش خلال ثمانى سنوات، من بدء عملها 1991 وحتى 1998، أن تكشف وتدمر الأحجام التالية من أسلحة الدمار الشامل العراقية، أكثر من 3800 طن أسلحة كيماوية معدة للاستخدام، و690 طن من عناصر إنتاج الأسلحة الكيماوية، و48 صاروخ سكود جاهز للتشغيل، ومصنع كامل لإنتاج الأسلحة البيولوجية قادر على إنتاج 50 ألف لتر بكتيريا الجمرة الخبيثة (إنتراكس) المدمرة للجهاز التنفسي، ومادة (البوتيولينم) المدمرة للجهاز العصبي، و14 رأس صاروخ تقليدي، وستة قواذف صواريخ متحركة، و32 منصة إطلاق صواريخ ثابتة، و30 رأس صاروخ كيماوية، و38.537 قذيفة مدفعية كيماوية، وأكثر من ثلاثة آلاف طن متري كيماويات وسيطة، و426 معدة إنتاج أسلحة كيماوية، و91 قطعة متصلة بالتحليل، ومصنع كامل لإنتاج الأسلحة البيولوجية، ومجموعة متنوعة من معداته.

وعلى الرغم من ضخامة هذه الكميات إلا أنها كانت تمثل جزءً ضئيلاً مما كان يخفيه النظام العراقي حول هذه البرامج، والتى أنفق عليها 150 مليار دولار (طبقاً لتقديرات أنتونى كوردسمان في كتابه "ما بعد العاصفة")، كما كشف كتاب "النفخ على اللهب" لمؤلفه "كينيث تيرمان"، المسؤولية الشخصية لصدام حسين عن إتخاذ قرارات إنتاج هذه الأسلحة وتطويرها بجميع أنواعها.

وهنا يبرز سؤال مهم: لماذا حرص "صدام حسين" على امتلاك هذه الأنواع الخطيرة من الأسلحة ذات الدمار الشامل وإخفائها؟، وضد من كان ينوى استخدامها؟. بالقطع لم تكن موجهة ضد إسرائيل لأنه يدرك حقيقة رد فعل إسرائيل التي تملك أكثر من 200 سلاح نووى ووسائل إيصالهم، ولا ضد القوات الأمريكية في الخليج، حيث سبق قبل حرب تحرير الكويت مباشرة، عام 1991، أن حذرت الولايات المتحدة الأمريكية على لسان وزير خارجيتها "جيمس بيكر" وزير خارجية العراق "طارق عزيز" من استخدام العراق أسلحته الكيماوية ضد قواتها في المنطقة، لأن الرد الأمريكي في هذه الحالة سيكون نووياً. حقيقة الأمر أن "صدام حسين" كان ينوي تهديد الدول العربية والإسلامية في المنطقة وإبتزازها بهذه الأسلحة ليحقق من وراء ذلك أحلامه في إقامة الإمبراطورية الصدامية ـ البعثية في كل المنطقة العربية.

لقد كان من الواضح في الأسابيع الأخيرة التي سبقت حرب عام 2003، أن "صدام حسين" كان يراهن من وراء مراوغته فرق التفتيش الدولية على عامل الزمن، حتى يحل فصل الصيف ويصعب على القوات الأمريكية التي كان يجرى حشدها في منطقة الخليج وحولها القتال في حرارة صيف الخليج العالية، ناهيك عن مراهنته أيضاً على تفعيل الرفض الدولي للحرب، والمظاهرات العديدة الحاشدة التي عمت كثيراً من عواصم العالم معلنة رفضها للحرب. واستمر صدام مراهناً على هذه الأوراق رغم الإنذار النهائى الذي وجهه له كل من الرئيس الأمريكي بوش، ورئيس الوزراء البريطانى "تونى بلير"، ومعهما رؤساء وزراء أسبانيا وبلغاريا في اجتماع قمة جزر الأزور بالمحيط الأطلسي، في بداية مارس 2003، وحتى وقعت الحرب في 19 مارس 2003.