إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / غزو العراق عام 2003




مواقع عسكرية قًصفت بالذخائر الذكية
موقع سد الحديثة
مجموعة صور لصدام حسين
محمد سعيد الصحاف
مجلس الحكم العراقي
آية الله علي سيستاني
أركان النظام الصدامي
المظاهرات تعم مدن العالم
بليكس والبرادعي
تحطيم تمثال صدام حسين
صدام حسين لحظة القبض عليه
كولين باول
عناصر القيادة السياسية العسكرية في الحرب
قادة المعارضة العراقية

أهم المدن العراقية
مناطق الاحتلال (سبتمبر 2003)
مناطق القاعدة (ديسمبر 2006)
مناطق القاعدة ديسمبر 2007
أوضاع فرق الحرس الجمهوري
محاولة اغتيال صدام
محاور التقدم الرئيسية والمساعدة
مخبأ صدام حسين
مستويات هجمات قوى التمرد
الأهداف الإستراتيجية في وسط بغداد
الليلة الأولى لقصف بغداد
الهجوم على مطار صدام الدولي
التمرد والعصيان
انتشار قوات التحالف
الحلقة الدفاعية حول بغداد
اقتحام الفرقة الثالثة لبغداد
توزيع قوات الحرس الجمهوري ومواقع قوات التحالف
حصاد ثلاثة أسابيع من المعارك
سيناريو الحرب البرية المتوقع
غزو العراق
قوات التحالف في الحرب
قاعدة العديد الجوية بقطر

معركة الاستيلاء على جزيرة الفاو
أقسام العراق الطائفية والعرقية (بالمحافظات)
المحافظات العراقية
التوزيع السكاني للأكراد بين دول المنطقة
التوزيع السكاني في المحافظات
تحرك القوات الأرضية والقوات الخاصة
خرائط الجمهورية العراقية



بسم الله الرحمن الرحيم

المبحث الثاني

الموقف الدولي

(1991 - 2003)

أولاً: السياسة الأمريكية في الخليج خلال هذه الفترة وحتى نشوب الحرب

أبرزت حرب تحرير الكويت، عام 1991، الدور الجوهري الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية في السياسة الدولية بعامة، وفي منطقة الشرق الأوسط والخليج منها بخاصة، لاسيما بعد تراجع الدور الذي كان يلعبه الاتحاد السوفيتى في السابق نتيجة المشكلات السياسية والاقتصادية التي واجهها في عهد الرئيس "جورباتشوف"، وأدت إلى تفككه خلال عقد التسعينيات، وقبله كان انهيار حلف وارسو وخروج دول أوروبا الشرقية عن الهيمنة الروسية.

كان من نتيجة كل ذلك انفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة النظام الدولي الجديد؛ وهو ما عبّر عنه الرئيس الأمريكي "جورج بوش" (الأب) بعد الحرب بـ"ولادة نظام دولي جديد، يكون للولايات المتحدة الأمريكية دور رئيس وقيادي في إدارته"، وأرجع الباحثون الأمريكيون ذلك إلى التفوق العسكري والاقتصادي، ورفعة المكانة والنفوذ السياسي "وجاذبية نموذج الحياة الأمريكية"، مقارنة بقوى دولية كبرى أخرى في العالم أقل شأناً من الولايات المتحدة الأمريكية عجزت عن منافستها في هذه المجالات.

برز اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بمنطقة الشرق الأوسط بعد حرب الخليج، عندما دعا الرئيس بوش إلى عقد مؤتمر قمة في مدريد، في 30 أكتوبر 1991، لحل الصراع العربي ـ الإسرائيلي تحت إشراف القوتين العظميين الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتى. كما نجحت الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً في إلزام العراق رسمياً بقرارات مجلس الأمن كافة، واحتفظت لنفسها بحق معاودة الهجوم على العراق استناداُ إلى القرار الثانى عشر الذي يخول القوات الدولية حق اللجوء إلى القوة من جديد في حالة عدم استجابته لقرارات مجلس الأمن، وبقبول العراق للقرار الثالث عشر (الرقم 686 في 3 مارس 1991)، يكون العراق قد استجاب نظرياً لمطالب قوى التحالف كافة التي صاغتها الولايات المتحدة الأمريكية.

من الدروس المستفادة من هذه الحرب، أنها أثبتت مدى الحاجة إلى وضع نظام شامل لضبط التسلح في المنطقة، وضرورة السعى إلى نزع أسلحة الدمار الشامل منها، على أن تكون هذه المهمة مسؤولية المجتمع الدولي كله ممثلاً في الأمم المتحدة ومجلس الأمن والدول الكبرى المصدرة للسلاح في العالم، ولكن بإشراف أمريكي، لاسيما بعد أن برزت معلومات عن اتجاه إيران نحو بناء برامج لأسلحة دمار شامل نووية وكيماوية وبيولوجية ووسائل إيصالها الصاروخية، خاصة بعد أن حيّدت حرب تحرير الكويت وما بعدها من حصار العراق وحدت من قوته، الأمر الذي صب في مصلحة إيران التي كان يمثل العراق الخطر التقليدى لها في المنطقة، وبدأ هذا الخطر العراقي يتلاشى تدريجياً من أمام إيران، وكان إنشغال الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة الاثني عشر عاماً التي أعقبت حرب تحرير الكويت بنزع أسلحة الدمار الشامل العراقية، فرصة ذهبية لإيران للانطلاق بقوة في تطوير برامجها حول هذه النوعية من الأسلحة، فضلاً عن بناء قواتها التقليدية وحرسها الثورى الذي بدأ وجوده البحري يظهر في مياه الخليج، الأمر الذي لم تتنبه لخطورته أجهزة المخابرات الأمريكية إلا في السنوات الأخيرة.

ولأن منطقة الخليج تشكل بؤرة اهتمامات إستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، بسبب مصالحها الحيوية فيها، خاصة مصادر النفط وشرايين نقله إلى باقي بلدان العالم، فضلاً عن قرب منطقة الخليج من مناطق التنافس الأخرى في آسيا الوسطى وشرق آسيا، بحسبانها أيضاً مناطق تنافس وصراع إستراتيجي مع كل من روسيا والصين، لذلك حرصت الولايات المتحدة الأمريكية على الإبقاء على قوة عسكرية حاسمة ـ بحرية وجوية وبرية ـ في مياه الخليج والدول العربية الواقعة على ساحله الغربى، مع إبرام اتفاقيات تسمح بتسهيلات عسكرية للقوات الأمريكية في المنطقة، خاصة في ظروف توقع عمليات عسكرية، وبما يسمح للطائرات والسفن الأمريكية باستخدامها، فضلاً عن إنشاء مستودعات أرضية يمكن فيها تخزين أسلحة ومعدات وقطع غيار وذخائر، تستخدم بواسطة أطقمها من الأفراد الذين ينقلون جواً إلى المنطقة، وهو ما عرف بـ"الهيمنة السريعة على مسرح العمليات". وقد أجريت بالفعل خلال سنوات ما بعد حرب الكويت عدة مناورات سنوية للتدريب المشترك بين قوات أمريكية وقوات من دول مجلس التعاون الخليجي على مواجهة تهديدات محلية وإقليمية ودولية من داخل وخارج المنطقة.

كما احتفظت الولايات المتحدة الأمريكية بقوات ثابتة في منطقة الخليج تمثلت في 1 – 2 مجموعة حاملة طائرات (تتكون من حوالى 15 - 17 قطعة بحرية بينها غواصات، وبوارج إطلاق صواريخ كروز، وكاسحات ألغام، وسفن إنزال، وسفن إمداد، فضلاً عن حوالى 80 مقاتلة على ظهر الحاملة). هذا إلى جانب أسراب مقاتلات في القواعد الجوية الموجودة في بعض دول الخليج وأبرزها قاعدة العديد في قطر، وقواعد جوية أخرى قريبة من منطقة الخليج .. مثل قاعدة أنجرليك في جنوب تركيا، وديجو جارسيا في المحيط الهندى. وفي الوقت نفسه استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية أداة التلويح باستخدام القوة العسكرية في تفاعلاتها مع كل من العراق وإيران وليبيا، حيث استهدف من هذا التلويح تخويف العراق وإجباره على الامتثال لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بإزالة أسلحة الدمار الشامل، وضد إيران، بالنظر لبروز مخططاتها لإعادة بناء قواتها المسلحة بما فيها أسلحة دمار شامل.

تحددت أبعاد السياسة الأمريكية في الخليج في مرحلة ما بعد حرب تحرير الكويت في العناصر التالية:

1. مواصلة العمل بسياسة الردع التقليدى والنووى.

2. إحياء وتكثيف العمل بسياسة الأمن الجماعى.

3. بلورة مبدأ المساعدة الأمنية.

4. توقعات بزيادة الإرهاب المضاد للمصالح الأمريكية، وضرورة الاستعداد الجدي لمواجهته.

5. ضرورة الاستعداد لنمط جديد من الحروب وهو "حرب المخدرات".

6. أهمية ضبط التسلح في دول المنطقة وفق عمل جماعى تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.

7. أهمية دعم التغيرات الديموقراطية والاقتصادية في دول المنطقة، مع العمل على نشر المشاركة الشعبية.

ولأن الغزو العراقي للكويت عام 1990، فجَّر معضلة أمن دول الخليج، وذلك على نحو غير مسبوق، حيث كان مصدر التهديد الرئيس الذي تواجهه دول الخليج متمثلاً في إيران، لذلك كان الغزو العراقي للكويت صدمة حقيقية عصفت بالصياغات الكبرى لأمن الخليج. حيث جاء التهديد الفعلي لهذا الأمن من جانب دولة عربية خليجية كبرى، كانت باقى دول الخليج تعتمد عليها في موازنة القوة العسكرية لإيران وتهديداتها، وقد أدت تلك الصدمة إلى إحداث اهتزاز شديد للانتماء الخليجي للنظام العربي، ومجمل إستراتيجية الأمن التي كانت تؤمن بها وتعتمدها دول الخليج، وتحوُّل فيها نحو الحصول على نوع من ضمانات الأمن المستترة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، التي كان لها إسهام سياسي وعسكري كبير في تحرير الكويت من الاحتلال العراقي. وقد انتقد بعض الخبراء ضمانات الأمن الأمريكية هذه بحسبانها مدخلاً مكلفاً لإستراتيجية أمن الخليج، إذ إن الاعتماد المطلق على هذه الضمانات يتيح للولايات المتحدة الأمريكية أن تتلاعب بالأمن القومى لدول الخليج، مما يجعل أنظمة الحكم والمصالح الأمنية الوطنية لهذه الدول رهينة للمصالح الأمريكية وللرؤى المتغيرة للأدارات الأمريكية المختلفة والظروف السياسية داخل الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب تكلفة مادية باهظة لضمانات الأمن الأمريكية، تتمثل في حتمية تنسيق سياسات تصدير النفط الخليجي وأسعاره مع الولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن أعباء الإنفاق العسكري المبالغ فيها فيما يتعلق بعقود مبيعات أنظمة التسليح، والتحكم الأمريكي في أنواعها، وعقود إنشاء المرافق العسكرية الكبرى، ناهيك عن تكاليف العمليات العسكرية الأمريكية التي قد يستلزمها الدفاع عن دول الخليج العربية. وإنطلاقاً من هذه العيوب الهيكلية للاعتمادية الدفاعية الخليجية على الولايات المتحدة الأمريكية، كان لا بد لدول الخليج أن تضيف بعداً آخر لإستراتيجية الأمن الخليجي، وهو البعد العربي الإقليمي، والذي تمثل فيما عرف "بإعلان دمشق بشأن التعاون والتنسيق فيما بين دول مجلس التعاون ومصر وسورية"، والذي صدر عن مؤتمر وزراء خارجية الدول الثماني، في 16 فبراير 1992، وكان بمنزلة رد على اقتراح وزير الخارجية الأمريكي بضرورة إنشاء "بنية أمنية شرق أوسطية لردع أعمال عدوان مماثلة للغزو العراقي للكويت"، وهو الاقتراح الذي عارضته الدول العربية.

وكان إعلان دمشق يتضمن موافقة دول مجلس التعاون الخليجي على وجود قوات مصرية وسورية في أراضيها لضمان أمن الدول الخليجية. إلا أن الشهور القليلة التالية لصدور هذا الإعلان أحبطت الآمال التي كانت معلقة على أمن عربي لمنطقة الخليج، إذ تراجعت دول خليجية عن قبولها مبدأ وجود قوات سورية ومصرية على أراضيها، واستبدلت ذلك بتعاون سياسي واقتصادي.

وفي عام 1996، أثناء إدارة كلينتون برز في السياسة الأمريكية إصطلاح "الدول المنبوذة أو المارقة" في العالم، وهي العراق وإيران وكوريا الشمالية، باعتبارها خارجة على النظام الدولي ومثيرة للتوتر، وترفض التخلص مما تملكه من أسلحة دمار شامل. وقد أرجع البعض هذا التصنيف الأمريكي إلى محاولة أمريكية للبحث عن "عدو جديد" في مرحلة ما بعد الحرب الباردة. وقد نتج عن هذا التصنيف العدائي سياسة أمريكية عُرفت بـ"الاحتواء المزدوج" لكل من إيران والعراق، بهدف حماية أمن الخليج وضمان مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وأصدقائها. وتمثل هذه السياسة بديلاً لسياسة توازن القوى التي اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية في السبعينيات والثمانينيات، وعملت من خلالها على تقوية هذا الطرف أو ذاك على حساب الآخر.

وقد أخفقت هذه السياسة في تحقيق أهدافها بسبب عدم إمكان استبعاد بلدين كبيرين (العراق وإيران) في فترة تشهد إعادة ترتيب الأوضاع الأقليمية، كما انطوت سياسة الاحتواء المزدوج على نوع من التناقض، حيث اتسمت بالتشدد أكثر مع العراق، رغم اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بأن إيران هى التي تملك قوات مسلحة أكثر عدداً وتسليحاً في المنطقة، وهى القادرة على تعطيل تدفق النفط عبر الخليج.

وفي عام 1998، واجهت السياسة الخارجية الأمريكية تجاه العراق تحديات ترجع إلى إهتراء سياسة الاحتواء التي اتبعتها منذ حرب تحرير الكويت، وقد تحول "الاحتواء" إلى شعار أكثر منه سياسة ترتبط برؤية إستراتيجية. ومع ذلك واجهت الولايات المتحدة الأمريكية تحديات مباشرة من جراء محاولات النظام العراقي الإفلات من القفص الموضوع فيه، كي تتحرك سعياً إلى الخروج من المأزق الذي صارت عليه سياستها في منطقة الخليج. كما لم تجد الولايات المتحدة الأمريكية في كل ما أنجزته فرق التفتيش أي شيء إيجابي يُحسب للنظام العراقي، على صعيد الامتثال لقرارات مجلس الأمن. ولذلك واجهت واشنطن حالة "التململ" العراقي بقرقعة السلاح والتهديد بهجوم عسكري، ظلت تعد له طوال العام، إلى أن شنته مع بريطانيا، في ديسمبر 1998(ثعلب الصحراء)، لتنقل المسألة العراقية برمتها إلى مرحلة جديدة.

كما برز ملمح آخر في السياسة الأمريكية تجاه العراق، وهو إعطاء واشنطن اهتماماً أكثر من ذي قبل لإسقاط النظام العراقي والإطاحة برئيسه "صدام حسين"، وهو ما لم يحظ بأولية من قبل بسبب الصعوبات التي تكتنف تحقيقه في المدى القصير، ولذلك ظلت الأولوية في هذا المدى للاحتواء، ولكن باستخدام القوة العسكرية الأمريكية والبريطانية وبغطاء دولي إذا أمكن توفيره. إلا أن عملية "ثعلب الصحراء" أفرزت انقساماً دولياً لا سابقة له تجاه المسألة العراقية، ورفضاً من قِبل روسيا والصين وفرنسا وألمانيا.

مع قدوم إدارة بوش إلى البيت الأبيض، في عام 2001، ومعه فريق "المحافظين الجدد" المرتبط بالحزب الجمهوري، حدث تغير جوهري في أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، حيث تراجع ارتباط مفهوم الاستقرار الإقليمي بعملية السلام، والتى تضاءل اهتمام هذه الإدارة بها، وفي المقابل تقدمت فكرة الحرب على العراق لتحتل قمة الأولويات، وكانت مؤشرات هذا التوجه قد بدأت تظهر في الأشهر الأولى لحكم بوش، عندما زار وزير الخارجية الأمريكي "كولين باول" المنطقة لإجراء مباحثات، كان تركيزه فيها على العراق، وليس على ما يجري في الأراضي الفلسطينية من انتهاكات إسرائيلية للفلسطينيين.

ويكشف كتاب "العاصفة الوشيكة ـ مسألة غزو العراق"، لمؤلفه "كنيث بولاك"، والذي صدر قبل الحرب، في نوفمبر 2002، أن الفريق الذي يقود السياسة الخارجية الأمريكية لإدارة بوش، قد استحوذت عليه فكرة الحرب على العراق منذ سنوات، وحتى قبل أن تتاح لهم فرصة شغل مناصبهم، حيث ظهرت فكرة غزو العراق واحتلاله لدى هذا الفريق في أوائل الثمانينيات، وارتبطت هذه الفكرة بمعتقد عقائدي وسياسي يشارك فيه اليمين الإسرائيلي المتمثل في حزب الليكود. ثم عادت الفكرة تتردد بعد ذلك، عندما وردت رسمياً فيما سمى دليل التخطيط الإستراتيجي الذي وضعه البنتاجون عام 1992، بطلب من "ديك تشيني" وزير الدفاع آنذاك في إدارة بوش الأب، ونائب الرئيس في إدارة بوش الابن.

وفي المرتين كانت هذه الفكرة ترديد حرفي لخط موجود داخل المؤسسة العسكرية الأمريكية يريد القضاء على أي مصدر للسلاح في المنطقة يمكن أن يشكل تحييداً للاحتكار النووي الإسرائيلي. ولكن هذه الفكرة قوبلت بالرفض من إدارة بوش الأب التي كانت تمثل الجناح الأكثر اعتدالاً في الحزب الجمهوري.

ثم جاءت أحداث 11 سبتمبر 2001، في نيويورك وواشنطن، عندما تمكنت عناصر من تنظيم القاعدة الإرهابي من تفجير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، ومبنى البنتاجون في واشنطن، بواسطة عمليتين انتحاريتين باستخدام طائرتي ركاب، ما أدى إلى وقوع حوالى 6000 قتيل وجريح، وخسائر مادية جسيمة اهتزت بسببها هيبة الولايات المتحدة الأمريكية على الساحة العالمية، ما دفعها إلى وضع إستراتيجية عالمية جديدة لمكافحة الإرهاب، كانت مرحلتها الأولى الحملة العسكرية الأمريكية ضد أفغانستان، في أكتوبر 2001، ولا تزال مستمرة حتى اليوم.

وقد استتبع ذلك إعلان الرئيس بوش عما أسماه (محور الشر)، الذي يضم العراق وإيران وكوريا الشمالية، بحسبان ما يملكونه من أسلحة دمار شامل، وما يحكمهم من أنظمة شمولية غير ديموقراطية، إضافة لما يقدمونه من دعم لمنظمات إرهابية تهدد الأمن والاستقرار الدوليين.

ولم تكن كل مجموعة صنع القرار السياسي في الإدارة الأمريكية منحازة لرأى فريق (الصقور) من المحافظين الجدد (الذي يضم الرئيس بوش ونائبه ديك تشينى ووزير الدفاع رامسفيلد)، بل كان وزير الخارجية "كولين باول" يمثل فريق المعتدلين غير المحبذ لتوريط الولايات المتحدة الأمريكية في حرب أخرى غير محسوب عواقبها، وتكون بمنزلة فيتنام أخرى لها. أما مستشارة الأمن القومى "كونداليزا رايس" فقد التزمت موقف الحياد بين المجموعتين في البداية، ثم لحقت بعد ذلك بفريق الصقور عندما حسم الصراع لصالحهم، وبذلك انتقلت عملية صنع السياسة الخارجية بعد ذلك إلى وزارة الدفاع. إلا أنه عندما حصل هذا التحول لصالح مشروع الحرب على العراق، لم يكن المسرح مهيأ، ولكن بقى في انتظار حدث تاريخى يمكن أن يدفع الشعب الأمريكي إلى قبول قرار الحرب. وهذا القبول ارتبط بعاملين أساسيين هما: المخاطر والتكلفة، حيث سادت الرأى العام الامريكي بعد انتهاء الحرب الباردة، عام 1989، ثقافة عدم القبول بتقديم تضحيات بشرية للأمريكيين في حروب خارج حدود الولايات المتحدة الأمريكية، مع عدم الاستعداد لتحمل تكلفة مادية في مثل هذه الحروب.

لكن أحداث 11 سبتمبر 2001 جاءت بالفرصة التاريخية التي نقلت مشروع الحرب ضد الإرهاب من وضع الحلم إلى وضع التطبيق، حيث شحنت هذه الأحداث الأمريكيين بالخوف والذعر من الإرهاب، سواء من قبل المنظمات الإرهابية، أو الدول الراعية لها في الشرق الأوسط وضمنها العراق وإيران. ويقول المقربون من بوش عندما جاءت لحظة اتخاذ قرارات الحرب، أن هذه اللحظة هى "لحظة بوش"، لأن أحداث 11 سبتمبر لم تعط بالنسبة له معنى جديداً لرئاسته فحسب، بل أوجدت له هدفاً جديداً في الحياة، عبّر عن ذلك في تصريحه بعد يومين من هذه الأحداث: "على الأمة أن تفهم أن ما يحدث هو الشغل الشاغل لإدارتى الآن وغداً وبعد غد".

لذلك كان تصميمه على الإسراع بتوجيه الضربات الوقائية ضد القوى التي صنفها معادية للولايات المتحدة الأمريكية وتهدد أمنها، رغم ما يمكن أن تسفر عنه هذه الحروب من خسائر جسيمة، وزيادة العمليات الإرهابية وبما يهدد المصالح والأهداف الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك إمدادات النفط، وتحول دون الشرق الأوسط إلى أنظمة راديكالية وسقوط أنظمة صديقة، فضلاً عن إحتمالات إنعزال الولايات المتحدة الأمريكية وتفكك تحالفاتها. إلا أن بوش كان يعتقد أن الحرب على العراق ستكون من وجهة نظره نظيفة ويسيرة، ولا بد أن تبدأ في الوقت المحدد لها في الخطة حتى ينتهى الوضع المعلق في العراق، والذي دام أطول مما ينبغى.

كما اعتقد بوش أيضاً أن حقائق جديدة ستفرض نفسها بعد الحرب على الجميع، وستغير الكثير في العلاقات الدولية والإقليمية تبعاً للنتائج التي ستسفر عنها الحرب، ومن ثم تتغير قواعد اللعبة بين الولايات المتحدة الأمريكية وخصومها، وربما الجلوس معاً لتنسيق قواعد جديدة للعبة تفرض أحادية القيادة الأمريكية للنظام العالمى الجديد.

ولكن، وكما يقول (كنيث بولاك): "كان السؤال الأول المطروح بقوة أمام إدارة بوش هو: إلى أى مدى يمكن أن يصل حجم الموارد الكبيرة التي تضمن نجاح حرب تستهدف في النهاية إسقاط نظام صدام حسين؟"، وقد أجاب بولاك على ذلك قائلا: "قوة عسكرية من 300 ألف جندى، والتزام أمريكي تام بإعادة إعمار العراق بعد إنتهاء الحرب".

أما السؤال الثانى الذي طرحه صناع القرار في واشنطن فهو: "ما هى حجم المخاطر المحتملة في هذه الحرب حتى تحقق هدفها باقتلاع نظام صدام حسين بشكل نهائي؟"، وكانت الإجابة أن الخسائر قد تصل إلى 10 آلاف قتيل وجريح، وأكثر من 100 مليار دولار، لاسيما إذا زادت فترة الحرب عن شهر، وهو ما لايمكن أن يتحمله الرأى العام الأمريكي".

وهنا تم طرح السؤال الثالث والبديهى حول الخيارات الأخرى المتاحة لتحقيق الهدف السياسي والإستراتيجي نفسه وتكون بديلة عن الحرب، حتى وإن كانت نظرية، وحيث يبقى خيار الحرب في رؤية فريق المحافظين الجدد هو الخيار العملي الوحيد.

كان أمام صانعي القرار الأمريكي أربعة خيارات متاحة بدائل لحرب شاملة على العراق، وذلك على النحو التالى:

1. الخيار الأول: احتواء العراق، وهل يستمر؟ فقد أثبتت تجربة 12 عاما من حصار العراق واحتوائه فشلها في اسقاط نظام صدام حسين، حيث استغل الثغرات الواسعة الموجودة في عمليات الحصار والعقوبات في إقامة محاور لتهريب النفط عبر بعض الدول المجاورة، والاستفادة بعائداته في استكمال برامجه التسليحية وتطويرها.

2. الخيار الثانى: استئناف عمليات التفتيش على أسلحة الدمار الشامل، وكانت هذه العمليات قائمة منذ 1991 حتى أوقفها صدام حسين في أكتوبر 1998، وقد أخفق المفتشون الدوليون طوال هذه السنوات في الكشف عما يخفيه نظام صدام من أسلحة دمار شامل، والتى ربط بقاءها ببقائه واستمرار نظام حكمه، لذلك لم يكن من السهل عليه التنازل عنها طوعا.

3. الخيار الثالث: يتمثل في الردع بالتهديد بقصف العراق نووياً إذا استمر في برامجه التسليحية ذات الدمار الشامل، ويفترض هذا الخيار أنه كان لدى نظام صدام بضع سنوات قبل أن يتمكن من الحصول على سلاح نووى، كما أن عدم امتلاك هذا النظام لسلاح نووى حتى تلك اللحظة لم يمنعه عن استخدام أسلحة دمار شامل أخرى كيماوية وبيولوجية ضد إيران في حرب الثمانى سنوات، وضد الأكراد في حلبجة، ولكن يبقى السؤال: ماذا ستكون عليه سلوكيات صدام على الساحتين الإقليمية والدولية فيما لو تُرك حتى يتمكن من امتلاك سلاح نووى؟ خاصة وأنه سبق له، في أبريل 1990، ان هدد إسرائيل بقصفها بالكيماوي المزدوج عندما تمكن من تصنيعه، لذلك فإن إتباع سياسة الردع لم تكن لتردع صدام عن مواصلة تطوير برامجه لإنتاج أسلحة الدمار الشامل.

4. الخيار الرابع: يتمثل في الاكتفاء بتوجيه ضربات جوية وصاروخية لفترة طويلة ضد هياكل النظام العراقي السياسية والعسكرية، على النحو الذي جرى في عملية (ثعلب الصحراء) عام 1998. إلا أن مثل هذه الضربات، وإن كانت قد نجحت في كسر إرادة رئيس يوغسلافيا "سلوبودان ميلوسيفتش"، عام 1999، وأجبرته على الانسحاب من كوسوفا بعد الخسائر الجسيمة التي لحقت بالبنية الأساسية اليوغسلافية، لا تفلح في كسر إرادة صدام حسين الذي لا يأبه بأى حجم من الخسائر الذي قد تسببها مثل هذه الضربات للعراق، طالما كان قادراً على البقاء في الحكم.

5. لا يبقى بعد ذلك إلا الخيار الرئيس: وهو الحرب الشاملة ـ وليس المحدودة ـ ضد العراق، بما يؤدي إلى إسقاط نظام صدام حسين، وأن هذا الخيار يمكن أن يحقق معظم الأهداف الأمريكية في المنطقة، وقد شجع على اعتماد هذا الخيار وساعد عليه ما ثبت عن فشل هذا النظام في اتخاذ قرارات سياسية وعسكرية رشيدة، خاصة ما يتعلق منها بمسائل الحرب والسلام، كان ذلك واضحاً في حرب الثماني سنوات ضد إيران، ثم في غزوه للكويت، حتى أطلق على صدام "أستاذ الحسابات الخاطئة". تأكد ذلك في قراره الفاشل بخوض الحرب ضد إيران، والتى توقع انتصاره عليها في بضعة أيام، فاستمرت الحرب ثمانى سنوات، منها أربعة أشهر فقط داخل الأراضي الإيرانية، وسبع سنوات وثمانية أشهر داخل الأراضي العراقية، حيث كانت قوات الحرس الثورى الإيراني (البازدران) على مسافة ستة كم من البصرة. وتكررت الحسابات الخاطئة في قراره الفاشل بغزو الكويت وضمها للعراق تحت اسم المحافظة التاسعة عشرة، حيث تكررت هزيمة جيشه رغم رهانه على "حرب برية طويلة تعيد آلاف الأمريكيين جثثاً في توابيت إلى ذويهم في أمريكا". ناهيك عن تنكره لما يوقعه من اتفاقيات ومعاهدات ثم تراجعه عنها بعد ذلك ـ وهو ما حدث في اتفاقية الجزائر التي وقعها مع شاه إيران عام 1975، عندما مزّقها معلناً أنها تحت قدميه في عام 1981، ثم عاد واعترف بها مرة أخرى في عام 1990 ـ إلى جانب تراجعه عن الكثير من قراراته كتلك المتعلقة برفض عودة المفتشين الدوليين إلى العراق ثم القبول بهم، ورفض دخولهم قصور الرئاسة، ثم موافقته بعد ذلك، وعدم تدمير الصواريخ (صمود-2) ثم موافقته على تدميرها عند الضغط عليه... الخ، من القرارات الكثيرة التي كان صدام يظهر في البداية تصميماً عليها، ثم يتراجع عنها في اللحظات الأخيرة عندما كانت الولايات المتحدة الأمريكية  تظهر له (العين الحمراء) وتشهر (العصا) في وجهه. كل هذا أكد لدى إدارة بوش القناعة بضرورة ممارسة أقصى صور الضغط السياسي والعسكري على صدام عندما كان يبدى رفضا لما تطالبه به، وهى على يقين من أنه سيتراجع في اللحظة الأخيرة، وأن هذا هو الاسلوب الأمثل في التعامل معه، حيث لا يصلح معه أسلوب (الجزرة) بل (العصا) فقط. ليس ذلك فقط بل كان لدى الإدارة الأمريكية اليقين أيضاً بسرعة تهاوي النظام العراقي، عندما توجه له أولى الضربات الأمريكية في الحرب ضده.

كان لدى الإدارة الأمريكية يقين مسبق بهزيمة النظام العراقي، نتيجة عدة دراسات أجرتها أجهزة المخابرات الأمريكية حول شخصية صدام حسين والمحيطين به في دائرة صنع القرار، أفادت بأن صدام حسين رجل ذو عقل ولا يوصف بالجنون، وإن كان مريضاً نفسياً بأمراض البارانويا وغيرها. ومن ثم فليس لديه أية نزعة انتحارية، ولكن في المقابل من المحتمل أن يقدم على تصرفات حمقاء بدافع من خطأ الاعتقاد والحسابات، من ذلك أن يتصور أن امتلاكه سلاحاً نووياً أو كيماوياً والتلويح باستخدامه يمكن أن يردع الولايات المتحدة الأمريكية عن تهديد نظام حكمه بعمل عسكري مباشر وشامل، يساعد على ذلك أنه لا يوجد في النظام العراقي آلية لصنع القرار، فكل القرارات كانت فردية وعفوية نابعة من صدام شخصيا.

وقد ساعد على ذلك غياب مفهوم الأمن القومي العراقي، الذي ذاب وانصهر في مفهوم أمن النظام ولحسابه، وهو ما انعكس في اختزال الدفاع عن كل أرض العراق في الدفاع عن النظام في بغداد. وقد أدى ذلك إلى اختراق نظام الحكم بواسطة أجهزة الاستخبارات الأجنبية، بل وتهديد أمن العراق نتيجة ضعف النظام الحاكم ذاته وأخطائه.

ثانياً: أحداث الأيام الأخيرة قبل الحرب على المستويات الدولية والإقليمية العربية والمحلية (فى العراق)

1. الموقف الأمريكي والدول المتحالفة معها

انطلاقاً من التغيير الذي وقع في السياسة والإستراتيجية الأمريكية، في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، وفي ضوء أهداف فريق المحافظين الجدد السابق إيضاحها، يمكن القول إن الأهداف السياسية والإستراتيجية التي حكمت السلوك الأمريكي في الأيام الأخيرة قبل الحرب على العراق تمحورت حول ضرورة إسقاط نظام صدام حسين، استكمالاً لهدف سياسي لم يتحقق في حرب الكويت، واستكمالاً لتدمير القوات المسلحة العراقية ببعديها التقليدي وفوق التقليدي، وهو ما يدخل ضمنياً في إطار التعهد الأمريكي بضمان أمن إسرائيل، حيث تنفذ القوات الأمريكية المهام التي لا تستطيع القوات الإسرائيلية تنفيذها في تدمير الجيش العراقي، وبما يردع سورية وإيران وحزب الله والجماعات الإرهابية عن تهديد إسرائيل.

وبالتالي يمكن إعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط على أسس جديدة تتفق مع المصالح والأهداف الأمريكية، ناهيك عما سيترتب على ذلك من تأكيد الهيمنة الأمريكية عالمياً، ويقضي على الإحباط الذي أصاب الأمريكيين بسبب هجمات 11 سبتمبر، وعجز الولايات المتحدة الأمريكية عن الإمساك ببن لادن المسؤول عن هذه الهجمات، فضلاً عن السيطرة على معدلات إنتاج النفط وتسويقه، إلى جانب الوجود العسكري الأمريكي المكثف في منطقة الخليج، وما يمثله من ردع لكل من سورية وإيران.

وفي ضوء هذه الأهداف السياسية الأمريكية، رأت الإدارة الأمريكية أن عمليات التفتيش التي قامت بها لجنة (انموفيك) بحثاً عن أسلحة الدمار الشامل وازالتها، هى عملية عبثية لا طائل من ورائها سوى توفير الغطاء السياسي لاستصدار قرار آخر من مجلس الأمن، بعد القرار الرقم 1441، يدين العراق لعدم تعاونه مع المفتشين، بما يعد خرقاً للقرار الرقم 1441.

 هذا من جهة، ومن جهة أخرى لإتاحة الوقت اللازم لاستكمال الحشود والانتشار العسكري للقوات الأمريكية والبريطانية في المنطقة. لأنه من البديهي إن لم يكشف النظام العراقي بنفسه وطواعية عن كل ما يملكه من أسلحة دمار شامل ـ كما فعلت أوكرانيا وكازاخستان وجنوب أفريقيا من قبل في التسعينيات، عندما فتحوا جميع منشآتهم النووية أمام الوكالة الدولية للطاقة النووية، لإزالة كل ما يملكونه من رؤوس نووية وصواريخ حاملة لها وكميات بلوتونيوم ـ بدون ذلك من جانب النظام العراقي، فإن هناك استحالة مادية في نجاح المفتشين في الكشف عن أسلحة الدمار الشامل العراقية وإزالتها، لاسيما وأن صدام حسين ثبت أنه يوزع هذه الأسلحة ومنشآت إنتاجها وتخزينها على كل الساحة العراقية، بل وتحت نهر دجلة وبحيرة الثرثار.

وحتى مع افتراض قيام النظام العراقي بالكشف طواعية عن هذه الأسلحة والمعدات والمواد، فإن ذلك في النظرة الأمريكية ليس كافياً، لأن نظام صدام ما بقي، سيظل مالكاً للمعرفة التكنولوجية والعلمية وجميع مقومات إعادة بناء هذه الأسلحة عندما تسمح له الظروف بذلك مستقبلاً. ومن ثم لم تكن هناك قيمة للدعاوى التي برزت من قِبل الدول المعارضة للحرب بإتاحة مزيد من الوقت لعمليات التفتيش، وزيادة عدد المفتشين، طالما أن النظام العراقي لم يكن مخلصاً في نواياه للكشف عن هذه الأسلحة وإزالتها.

ومما يؤكد إصرار الإدارة الأمريكية على إحداث تغيير جوهري وجذري في نظام الحكم بالعراق، أنها طالبت بمستحقات أخرى كان يتعين على النظام العراقي تلبيتها، تتمثل في الإفراج عن الأسرى الكويتيين والعرب الذين أنكر صدام وجودهم في سجونه، وإنهاء التجارة غير المشروعة خارج برنامج النفط مقابل الغذاء، فضلاً عن شروط أخرى حول الديموقراطية، والتعددية الحزبية، واحترام حقوق الإنسان، وحرية الاقتصاد، وإجراء إنتخابات تحت إشراف دولي، وهو ما لم يكن "صدام حسين" على استعداد أبداً لقبوله، لأنه يتعارض كلياً مع أيديولوجية نظام حزب البعث الحاكم في العراق.

ولقد أدركت واشنطن جيداً أن صدام حسين يلعب على عامل الوقت، لما في ذلك من تأثير سلبي على القرار الأمريكي باعتماد خيار الحرب، بالنظر لزيادة المعارضة الدولية والأمريكية والرأي العام العالمي لهذا الخيار، وحدوث إنشقاق داخل مجلس الأمن والإتحاد الأوروبي وحلف الناتو بين الدول المؤيدة للحرب والمعارضة له. ناهيك عن رهان صدام حسين على إطالة زمن الأزمة لتثبيط الروح المعنوية للقوات الأمريكية المنتشرة في الخليج، لاسيما مع قدوم فصل الصيف والتأثير السلبي للحرارة على الأفراد والمعدات والأسلحة.

وإدراكاً من واشنطن لهذه المثبطات فإنها لن تسمح بإطالة زمن الجهود الدبلوماسية لما بعد منتصف مارس، وحزمت أمرها على بدء عملياتها العسكرية ليس متأخراً عن هذا الموعد، سواء بقرار من مجلس الأمن أو بدونه، خاصة بعد أن اكتمل الحشد العسكري للفرقتين الأساسيتين المكلفتين بتولي المجهود الرئيس للهجوم في الكويت في اتجاه جنوب العراق، وهما الفرقة الأولى مشاة أسطول والفرقة الثالثة المشاة، بالإضافة لاستكمال حشد ست حاملات طائرات، وباقى أسراب القاذفات والمقاتلات، وبما أوصل حجم القوات الأمريكية في المنطقة قبل الحرب إلى 250 ألف جندى، والقوات البريطانية إلى 46 ألف جندى، وباستكمال حشد هذه القوات وانتشارها في المنطقة بهذا الحجم، خلال فبراير 2003، كانت الإدارة الأمريكية قد وصلت إلى نقطة اللاعودة، ولم يكن متوقعاً بأى حال من الأحوال أن يتراجع بوش عن تحقيق هدفه الحقيقي، وهو "تغيير نظام الحكم في العراق تغييراً جوهرياً بإزالة نظام صدام حسين، إما طوعاً برحيله أو بالحرب"، وكان أى تراجع من جانبه يمثل انتحاراً سياسياً له دولياً وأمريكياً، ناهيك عن أن أى تراجع أمريكي يعنى في المقابل انتصاراً ضخماً لصدام حسين.

لذلك عندما شعرت الإدارة الأمريكية باستحالة الموافقة على المشروع البريطاني المقدم لمجلس الأمن، في فبراير 2003، للسماح باستخدام القوة ضد العراق، نتيجة انتهاكه قرار المجلس الرقم 1441، سارعت بسحب هذا المشروع، واكتفت بما يوفره القرار الرقم 1441 من غطاء سياسي دولي، بالنظر لما يحويه من مادة تنص على اللجوء إلى عواقب وخيمة في حالة خرق هذا القرار.

لذلك لم يكن غريباً أن ترفض إدارة بوش العرض الذي قدمه صدام حسين أثناء الأزمة بتنازله عن الحكم لابنه قصي، في مقابل تعهد أمريكي بعدم مهاجمة العراق وسحب حشودها. حيث عدت ذلك مخادعة لاستمرار "الصدامية بدون صدام"، لاسيما وأن قصي كان المسؤول عن الأجهزة الأمنية والحرس الجمهوري، ويعد الرجل الثانى في العراق الذي أوصى صدام بأن يكون خليفته. إلا أن الإدارة الأمريكية طرحت خياراً آخر بديلاً عن الحرب، وهو أن يرحل صدام وعائلته ومساعديه عن العراق حتى لا يشكلون معارضة قوية في الخارج تناوئ النظام الجديد القادم في العراق، مع الإصرار على إقصاء حوالى خمسة آلاف من مسؤولى النظام عن مناصبهم، وعلى عدم ملاحقة صدام جنائياً في المنفى على جرائم الحرب التي ارتكبها في حق شعبه وجيرانه. وكان هذا هو المفهوم الأمريكي لحل الأزمة، وهو ما لم يقبله صدام حسين بتشجيع من دوائر داخلية ترتبط مصالحهم ببقائه.

وخلال يناير وفبراير 2003، كرَّر كل من الرئيس بوش ومساعدوه، وتونى بلير رئيس وزراء بريطانيا، تحذير النظام العراقي بأن ليس لديه سوى القليل من الوقت الباقي لتقديم تعاون كامل مع مفتشي الأمم المتحدة، في ذات الوقت الذي حث كل من قادة فرنسا وألمانيا وروسيا والصين على ضرورة منح مفتش الأمم المتحدة مزيداً من الوقت لتنفيذ المهام المكلفين بها من قِبل مجلس الأمن.

ويرجع موقف الدول الرافضة للحرب إلى التخوف من أن تؤدي الحرب إلى مخاطر حدوث عدم استقرار وتفتيت عرقي وطائفي في العراق والدول المجاورة له. لاسيما وأن الخطط الأمريكية لإدارة حكم العراق فيما بعد الحرب ليست واضحة (اُنظر ملحق صياغة تسوية سياسية قوية لعراق ما بعد الحرب ـ رؤية أمريكية)، كما أن دور الأمم المتحدة في هذا الشأن كان موضع جدل ونقاش، مع ما قد يترتب على ذلك من بروز روح عدائية ضد الولايات المتحدة الأمريكية، وشن هجمات مكثفة ضد منشآتها ومصالحها في الشرق الأوسط، فضلاً عن مواجهة اضطراب في سوق النفط العالمي، من حيث معدلات الإنتاج والأسعار وتأمين طرق نقله من الدول المنتجة له إلى الدول المستوردة. هذا إلى جانب مواجهة مشكلات إنسانية، تتمثل في اعداد القتلى والمصابين وإيواء اللاجئين.

ولتفادي احتمالات عدم تصديق الكونجرس على قرار يسمح لإدارة بوش بشن حرب مسبقة ضد العراق، اعتمدت هذه الإدارة على قانون صادر من الكونجرس، في أكتوبر 2002، برقم P.L.107-243، يأذن للرئيس باستخدام القوات المسلحة في الدفاع عن الأمن القومى الأمريكي، في مواجهة التهديدات الناجمة عن عدم تنفيذ العراق قرارات الأمم المتحدة الخاصة بنزع أسلحته ذات الدمار الشامل. وقد قدّر الكونجرس كلفة الحرب في شهرها الأول بحوالي 24 مليار دولار.

وفي 26 يناير 2003، صرح وزير الخارجية الأمريكي "كولين باول"، في المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي عُقد في دافوس بسويسرا، "إن عدم توافر التعددية في العمل الدولي لا ينبغي أن تكون مبرراً للتقاعس عن المبادرة بإجراء العمل الواجب"، وأضاف "إن الولايات المتحدة الأمريكية ستستمر في ممارسة حقها في القيام بعمل عسكري ضد العراق، سواء بمفردها، أو في إطار تحالف مع الدول الراغبة في ذلك".

أما "دونالد رامسفيلد" وزير الدفاع الأمريكي، فقد تحدى الفشل الدبلوماسي في مجلس الأمن، وصرح باستعداد الولايات المتحدة الأمريكية للذهاب للحرب وحدها، وحتى بدون بريطانيا.

وفي خطاب عن حالة الاتحاد، في 28 يناير 2003، أمام الكونجرس قدم الرئيس بوش إدانة واسعة ضد العراق بسبب احتفاظه بترسانة ضخمة من أسلحة الدمار الشامل، وحذر من أن "صدام حسين يمكن أن يعتمد على هذه الترسانة من الأسلحة في استئناف مطامحه في غزو دول أخرى في الشرق الأوسط، وخلق فوضى قاتلة في المنطقة"، ثم وجه خطابه إلى القوات المسلحة الأمريكية قائلاً: "إن ساعات حاسمة تنظرنا". وعد النظام العراقي أشبه بمرض الإيدز، واتهمه بحماية تنظيم القاعدة الإرهابى.

وفي خطاب وزير الخارجية الأمريكي "كولين باول" أمام مجلس الأمن، في 5 فبراير 2003، شرح بالتفصيل ما وصفه "بشبكة أكاذيب النظام العراقي" حول إنكار العراق ما لديه من أسلحة دمار شامل، واحتمال وصول هذه الأسلحة إلى أيدي منظمات إرهابية، وهو ما ينبغي على المجتمع الدولي ألا يسكت عليه. (اُنظر صورة كولين باول)

وفي 26 فبراير، ألقى الرئيس بوش خطاباً مهماً بشأن العراق، ذكر فيه أن "نهاية صدام حسين سوف تحرم المنظمات الإرهابية من الغطاء المالي الذي يوفره لها هذا النظام، كما سيعطي سقوط نظام حسين إنذاراً واضحاً لأنظمة أخرى بأن دعمها للإرهابيين لن يتم السكوت عليه"، ثم تنبأ بأن المنطقة في مرحلة ما بعد صدام حسين ستشهد تحولاً نحو الديموقراطية، وإصلاحاً سياسياً في باقى دول الشرق الأوسط.

وفي 24 فبراير 2003، قدم قادة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأسبانيا، مشروع قرار آخر لمجلس الأمن، ينص على أن العراق فشل في اغتنام الفرصة الأخيرة الممنوحة له في القرار الرقم 1441، لنزع أسلحته ذات الدمار الشامل، ولذلك فإن مشروع القرار المقترح يمنح الحق للمجتمع الدولي في استخدام القوة لنزع هذه الأسلحة من العراق. إلا أن معارضة فرنسا وروسيا لهذا المشروع وتهديدها باستخدام حق الفيتو جعل بريطانيا تسحب مشروعها. وعند ذلك أدرك بوش أنه لا فائدة من الاعتماد على الأمم المتحدة في تحقيق أهدافه، ولذلك طار إلى جزر الأزور التابعة للبرتغال في المحيط الأطلسي، وعقد اجتماعاً، في 16 مارس 2003، مع كل من رئيس وزراء بريطانيا وأسبانيا والبرتغال. وقد أسفر هذا الاجتماع عن تعهد المجتمعين بتحويل العراق من نظامه الشمولي الحاكم إلى نظام ديموقراطي موحد وحر ومزدهر.

وفي مؤتمر صحفى ذكر بوش بأن "غدا هو الذي سنقرر فيه ما إذا كانت الديموقراطية قادرة على العمل أم لا". وفي 17 مارس، أعلن الرؤساء المجتمعون في الآزور أنهم سحبوا مشروع القرار البريطاني المقدم لمجلس الأمن. وأعلن بوش في التلفزيون، في الساعة الثامنة مساء نفس اليوم "أنه ما لم يغادر صدام حسين العراق خلال 48 ساعة، فإن النتيجة ستكون (صراع مسلح) في الوقت الذي سنختاره".

وكانت بريطانيا قد وضعت ستة شروط لإيقاف عجلة الحرب، تتمثل في اعتراف متلفز لصدام حسين بحيازته أسلحة محظورة، ونقل ثلاثين عالم عراقي إلى قبرص لاستجوابهم، وأن يكشف عن مخزونه من الأنتراكس وغاز VX، والتدمير الفورى لعشرة آلاف لتر منه، وغير ذلك من أسلحة كيماوية وبيولوجية، وتقديم معلومات عن طائرات الرش، وتسليم المختبرات النقالة لإنتاج مواد بيولوجية، ومنحته فرصة عشرة أيام لتنفيذ هذه الشروط.

كما تزايد الحديث حول سيناريو واشنطن لإدارة العراق بعد الحرب، من حيث بقاء 200 ألف جندي أمريكي، ومستشارين أمريكيين في الوزارات، مع إشراف دولي على النفط، وإشادة أمريكية بقوى المعارضة العراقية في داخل العراق وخارجه، ونفى أمريكي لإبقاء صدام في العراق بعد الحرب، ولو ثانية واحدة، حتى لا يتسلح مجدداً بأسلحة دمار شامل، إلى جانب تلويح أمريكي بالبقاء في العراق عدة أشهر بعد تشكيل حكومة جديدة.

2. موقف الدول المعارضة للحرب

في مواجهة المحور الأمريكي ـ البريطانى ـ الإسبانى، المطالب بشن حرب شاملة على العراق، برز محور آخر مضاد رافض الحرب، تمثل في روسيا، وفرنسا، وألمانيا، والصين. فقد كان الرئيس الفرنسى "جاك شيراك" أبرز المنتقدين لنهج الولايات المتحدة الأمريكية في معالجة القضية العراقية، وأن هذا الموضوع يجب أن يعود إلى مجلس الأمن، مؤكداً أنه غير مقتنع بالأدلة التي قدمها وزير الخارجية الأمريكي "كولين باول" حول إصرار إخفاء العراق لأسلحة دمار شامل.

وفي 10 فبراير 2003، عقد شيراك مؤتمراً صحفياً في باريس مع الرئيس الروسي بوتين، صرحا خلاله بأنه لا يوجد شيء يبرر الحرب اليوم، وأنه لا يوجد دليل على وجود أسلحة دمار شامل في العراق. وكان واضحاً أن كل من فرنسا وألمانيا وروسيا يدعون إلى تعزيز نظام التفتيش على هذه الأسلحة، بدلاً من الحديث عن صراع مسلح قريب الوقوع في العراق. كما كان هناك تخوف من قِبل روسيا وفرنسا وألمانيا من أن تنفرد الولايات المتحدة الأمريكية ـ بعد انتصارها في العراق ـ برسم وتنفيذ الإستراتجية الكونية، بما يتفق ومصالحها وأهدافها، متجاهلة مصالح وأهداف الدول الكبرى الأخرى، وأن تعتمد الولايات المتحدة الأمريكية أسلوب استخدام القوة العسكرية سبيلاً لتحقيق ذلك. لاسيما وأن لفرنسا وروسيا نفوذاً ومصالح واستثمارات كبيرة في العراق، وديوناً على العراق يخشون عليها في حالة استئثار الولايات المتحدة الأمريكية بالنفوذ فيه.

ناهيك عما يشكله تجاهل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لمجلس الأمن، من تقويض هيبة مجلس الأمن والأمم المتحدة ونفوذهما ومصداقيتهما. وكان الرئيس الروسى بوتين قد بعث بمبعوث له "بريماكوف" إلى بغداد، في 17 مارس 2003، حاملاً اقتراحاً بتخلي "صدام حسين" عن الحكم لابنه، واللجوء إلى روسيا أو أي دولة أخرى، إلا أن صدام رفض هذا الاقتراح الروسي.

أ. الموقف الروسى

تعد روسيا حليفاً تقليدياً للعراق منذ الحقبة السوفيتية، والتى حافظت على علاقات اقتصادية مهمة مع العراق بعد حرب الكويت، وأظهرت قلقاً واضحاً بسبب النوايا الأمريكية تجاه العراق. لذلك راهن النظام العراقي، في الأزمات التي تعرض لها طوال عقد التسعينيات، على الموقف الروسي من ناحية المصالح المشتركة بين البلدين. وقد اتسم الموقف الروسي بعدد من السمات يمكن تلخيصها على النحو التالى:

(1) الإصرار الروسي على المطالبة برفع العقوبات الدولية المفروضة على العراق منذ عام 1991.

(2) مواجهة روسيا للانتقادات الأمريكية بشأن توثيق روابطها مع العراق، بعد أن خصت بغداد موسكو دون غيرها، في أغسطس 2002، باتفاق ثنائى للتعاون الاقتصادي والتجاري والعلمي والصناعي طويل الأمد، قيمته 40 مليار دولار، يشتمل على 67 مشروعاً في قطاعى النفط والغاز، وستة مشروعات بتروكيماويات.

(3) رفضت موسكو فكرة توجيه ضربة عسكرية ضد العراق رفضاً تاماً، لعدم وجود سبب لها، وعدم وجود أدلة دامغة على وجود أسلحة دمار شامل، لاسيما وأن ما سينتج عن الحرب هو استبدال نظام صدام حسين بنظام آخر موال لأمريكا.

(4) أن الحرب ستقوض مساعي موسكو للحصول على ديونها المستحقة لدى بغداد، وتقدر بثمانية مليارات دولار

ولذلك رفضت موسكو رفضاً قاطعاً فكرة استصدار قرار جديد من مجلس الأمن يسمح بعمل عسكري ضد العراق.

ب. الموقف الفرنسي

اتضح الخلاف الفرنسي ـ الأمريكي في العديد من المواقف الفرنسية الثابتة، منذ بداية الأزمة العراقية في بداية التسعينيات، من ذلك امتناع فرنسا عن المشاركة في مراقبة منطقتي الحظر الجوي اللتين أقامتهما الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا شمال وجنوب العراق، منذ عام 1991، بدون قرار من مجلس الأمن، وامتناع فرنسا عن تقديم الدعم للمعارضة العراقية، على عكس الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لأحزاب المعارضة العراقية. (اُنظر جدول حركات المعارضة الست التي حضرت مؤتمر لندن)

وبديلاً للسياسة الأمريكية، اقترحت فرنسا خطة من مرحلتين للتعامل مع المسألة العراقية، تبدأ بإصدار قرار من مجلس الأمن يوجه إنذاراً للعراق يمنحه مهلة زمنية قصيرة لعودة غير مشروطة للمفتشين، وتطبيق قرارات مجلس الأمن السابقة، وفي حالة رفضه الامتثال للقرار، وبعد نفاذ المهلة المحددة، يصدر مجلس الأمن قراراً نهائياً يتيح وسائل رد أخرى ملائمة، بما فيها الوسيلة العسكرية. وبهذه الخطة اقتربت فرنسا من الموقف البريطاني، لاسيما بعد أن استضافت باريس مؤتمراً للمعارضة الكردية، في أواخر نوفمبر 2002، تحت عنوان "أى مستقبل ينتظر العراق".

أما الموقف الفرنسى، فقد كان صلباً إزاء القرار الرقم 1441، في منع تضمين هذا القرار بنداً يجيز استخدام القوة تلقائياً ضد بغداد دون الرجوع لمجلس الأمن.

ج. الموقف الألماني

أما الموقف الألماني، فإنه منذ بداية عام 2002، كان مناوئاً للسياسة الأمريكية إزاء المسألة العراقية، حيث أكدت ألمانيا على أن الولايات المتحدة الأمريكية لا ينبغي أن تتعامل مع الدول الأخرى بوصفها تابعة لها، برز ذلك في المظاهرات الألمانية الحاشدة، في أواخر مايو 2002، أثناء زيارة الرئيس الأمريكي بوش للعاصمة الألمانية، والمناهضة للحرب، وإعلان المستشار الألمانى لموقف ألمانيا الرسمي من الحرب بعدم مشاركة بلاده فيها، حتى وإن جاء بتفويض من الأمم المتحدة. ثم تأكد هذا الموقف الألمانى في الموقف المشترك مع فرنسا وروسيا في رفض الحرب، ورفض أى قرار يصدر من مجلس الأمن يسمح بها.

3. الرأي العام العالمي

أظهرت استطلاعات الرأي، في منتصف يناير 2003، أن غالبية الأمريكيين يفضلون حصول الولايات المتحدة الأمريكية على دعم حلفائها قبل أن تشن الحرب ضد العراق. ولكن بعد خطاب دولة الإتحاد الذي ألقاه بوش، حدث تحول في الرأى العام الأمريكي، لتفضيل الحرب حتى وإن كان ذلك بدون موافقة صريحة من الأمم المتحدة. وأظهر 71% تأييدهم للحرب ضد العراق، بينما أيد 66% قرار الرئيس بعدم السعي لتصويت مجلس الأمن. وأن سبعة من بين كل عشرة أمريكيين يدعمون الحرب. (اُنظر جدول تطور موقف الرأي العام الأمريكي من الحرب على العراق)

ورغم ذلك فقد عارض كثير من الأمريكيين الحرب، وجرت مظاهرات ضخمة مناهضة للحرب في عدة مدن أمريكية، في عطلة نهاية الأسبوع في، أيام 19 و20 يناير، 15 و16 فبراير.

وأشارت تقارير كثيرة إلى أن السياسة الأمريكية في العراق أدت إلى وجود معارضة شديدة للسياسة الأمريكية في الخارج، خاصة في بلدان أوروبا الغربية والشرق الأوسط، ووصفت المظاهرات المناهضة أنها حاشدة، كما جرت مظاهرات أخرى حاشدة عمت معظم المدن الأمريكية في يومى 15، 16 مارس. ومع اندلاع الحرب عمت المظاهرات المناهضة للحرب مدن العالم كافة، كما برزت في بعض الدول دعوات لمقاطعة المنتجات الأمريكية، ومع إرتفاع حدة العداء لأمريكا تعقدت الدبلوماسية الأمريكية في معظم دول العالم. (اُنظر جدول أعداد المتظاهرين ضد الحرب في العالم)، و(جدول تراجع قبول الولايات المتحدة الأمريكية في الدول الأوروبية)، و(صورة المظاهرات تعم مدن العالم)، و(ملحق أهم المنظمات الأوروبية والأمريكية التي نشطت في مجال مناهضة الحرب)