إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / غزو العراق عام 2003




مواقع عسكرية قًصفت بالذخائر الذكية
موقع سد الحديثة
مجموعة صور لصدام حسين
محمد سعيد الصحاف
مجلس الحكم العراقي
آية الله علي سيستاني
أركان النظام الصدامي
المظاهرات تعم مدن العالم
بليكس والبرادعي
تحطيم تمثال صدام حسين
صدام حسين لحظة القبض عليه
كولين باول
عناصر القيادة السياسية العسكرية في الحرب
قادة المعارضة العراقية

أهم المدن العراقية
مناطق الاحتلال (سبتمبر 2003)
مناطق القاعدة (ديسمبر 2006)
مناطق القاعدة ديسمبر 2007
أوضاع فرق الحرس الجمهوري
محاولة اغتيال صدام
محاور التقدم الرئيسية والمساعدة
مخبأ صدام حسين
مستويات هجمات قوى التمرد
الأهداف الإستراتيجية في وسط بغداد
الليلة الأولى لقصف بغداد
الهجوم على مطار صدام الدولي
التمرد والعصيان
انتشار قوات التحالف
الحلقة الدفاعية حول بغداد
اقتحام الفرقة الثالثة لبغداد
توزيع قوات الحرس الجمهوري ومواقع قوات التحالف
حصاد ثلاثة أسابيع من المعارك
سيناريو الحرب البرية المتوقع
غزو العراق
قوات التحالف في الحرب
قاعدة العديد الجوية بقطر

معركة الاستيلاء على جزيرة الفاو
أقسام العراق الطائفية والعرقية (بالمحافظات)
المحافظات العراقية
التوزيع السكاني للأكراد بين دول المنطقة
التوزيع السكاني في المحافظات
تحرك القوات الأرضية والقوات الخاصة
خرائط الجمهورية العراقية



بسم الله الرحمن الرحيم

المبحث الرابع

التغير في الإستراتيجية الكونية الأمريكية بعد 11 سبتمبر

لم يلحظ الكثيرون في العالم، ومنهم بالطبع "صدام حسين"، التغيير الجوهري الذي طرأ على الإستراتيجية الكونية الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث أصبح لدى الإدارة الأمريكية منذ هذا التاريخ ثلاث ملفات رئيسة تتعامل معها وهي:

1. ملف الإرهاب: بمعنى محاربة المنظمات الإرهابية على كل الساحة العالمية.

2. ملف الدول المارقة: بوصفها راعية للإرهاب، ومالكة لأسلحة دمار شامل يمكن أن تتسلل إلى أيدى منظمات إرهابية، وتحددت في العراق وإيران وكوريا الشمالية.

3. ملف السلام في الشرق الأوسط: بمعنى فرض السلام في هذه المنطقة بما يتفق والمصالح الأمريكية والإسرائيلية المشتركة.

فقد اتسمت الإستراتيجية الأمريكية الجديدة للتعامل مع بؤر الصراع في العالم بملامح جديدة تأثرت بعدة متغيرات، تمثلت في التغيير في تصورات الإدارة الأمريكية بشأن التعامل مع المشكلات والصراعات، التي تعاني منها مناطق معينة في العالم، وأهمية تحقيق الاستقرار والأمن بالقضاء على العوامل التي تحول دون ذلك، وتدعيم فرص النمو الاقتصادي بما يخدم المصالح الأمريكية الحيوية في هذه المناطق. مع الأخذ في الحسبان التغير الذي طرأ على سياسة التحرر الاقتصادي، ورغبة الكثير من الدول في تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وإعادة تقييم أوروبا لسياستها، وكذلك روسيا والصين، حيث تسعى جميعها لإنتهاج سياسة جديدة تعتمد مفهوم الشراكة بدلاً من المواجهة.

لذلك حرصت الإستراتيجية الأمريكية الجديدة على وضع حد للصراعات القائمة، وإنهاء حروب التطهير العرقي والطائفي، والقضاء على بؤر التوتر في العالم ومصادرها ولو بالقوة. وبما يحقق في النهاية الأمن والاستقرار في هذه البؤر، ودعم النظم التي تأخذ بمفاهيم التحول الديموقراطي وفقاً للتصور الأمريكي، لا سيما في المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية بالنسبة للمصالح الأمريكية. هذا إلى جانب أهداف اقتصادية تمثلت في دفع عملية الاندماج في الاقتصاد العالمي
  بتطبيق مفاهيم الشراكة الأمريكية التي تقوم على إنهاء مرحلة تلقى المساعدات المالية وإحلالها بالتبادل التجارى وتشجيع الاستثمارات الأمريكية في باقى دول العالم.

وقد أولت الإستراتيجية الأمريكية الجديدة اهتماماً كبيراً لحماية المصالح الأمريكية الحيوية في العالم، لاسيما ما يتعلق بالاعتبارات الأمنية، مثل محاربة المنظمات الإرهابية والدول التي تأويها، ودعم الدول التي تناهض الارهاب، وقضايا انتشار أسلحة الدمار الشامل، لاسيما في الدول التي صنفتها واشنطن (مارقة). إلى جانب قضايا أخرى مثل تدفق المخدرات والمافيا (الجريمة الدولية) وانهيار البيئة واللاجئين. ولتحقيق هذه الأهداف وضعت الإستراتيجية الأمريكية الجديدة خططاً لمواجهة النظم الحاكمة الخارجة على القانون الدولي (مثل نظام صدام حسين)، وتشكيل قوة تدخل لمعالجة الازمات وحفظ السلام تشارك فيها الولايات المتحدة الأمريكية بنصيب أكبر (مثل ما حدث في البلقان وأفغانستان ثم في العراق). كما شجعت الولايات المتحدة الأمريكية التجمعات الاقتصادية الاقليمية، ودفع الدول إلى انتهاج سياسات اقتصادية ناجحة لتحقيق نمط التنمية وتتيح لها مجال الاستثمار.

وفي إطار ربط إدارة بوش بين السياستين الخارجية والدفاعية، حدَّدت الإستراتيجية الأمريكية التهديدات التي تواجه الأمن القومي الأمريكي، وسعت السياسة الخارجية إلى بناء تحالفات دولية، وعدت الاتفاقات والمعاهدات الدولية مجرد وسائل لتحقيق الأهداف، دون أن تكون هي هدفاً بحد ذاتها، من ذلك إلغاء معاهدة عام 1972 للدفاعات الصاروخية مع روسيا، التي رأى بوش أنها تعرقل تحقيق هدف إستراتيجي مهم يتمثل في إقامة الدرع الصاروخي الأمريكي. بالإضافة للسعي نحو اتفاق ينهي الصراع العربي ـ الاسرائيلي، بدءً بالصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وبما يضمن أمن اسرائيل ويدعمها.

وتعزيزاً لهذه الافكار، أُجريت تغيرات جذرية في هيكل القوات الأمريكية، في مسعى لاعادة صياغة الإستراتيجية العسكرية الأمريكية جذرياً في العقود المقبلة، ليس فقط لخوض حربين كبيرتين في الوقت نفسه، أو حرب كبرى ونصف حرب (مقصود بالنصف الإرهاب وما شابهه)، ولكن بما يحقق أيضاً مواجهة تهديدات القرن الجديد وتحدياته، التي يحتمل أن تواجهها الولايات المتحدة الأمريكية على كل الساحة العالمية، وتشكل مخاطر على مصالحها الحيوية، ويمكنها من الدفاع عن حلفائها وأصدقائها.

لذلك سعت الإستراتيجية الأمريكية التي تبناها "دونالد رامسفيلد" وزير الدفاع، إلى بناء قوات أصغر حجماً ذات قوة نيران ضخمة ومؤثرة في الجو والبر والبحر، وتتمتع بخفة حركة عالية على المستويين الإستراتيجي والتكتيكي، وأكثر تقدماً تقنياً. مع صياغة مفهوم جديد للردع يعتمد على كل من القوات الهجومية والدفاعية، وإطار عمل جديد يسمح ببناء دفاعات صاروخية، وتطور تكنولوجي يمكن الولايات المتحدة الأمريكية من السيطرة على منافذ ومفاتيح الأمن العالمى، ويسمح للقوات الأمريكية أن تكون موجودة في مواقع متقدمة على كل الساحة العالمية وفي المناطق الحاكمة منها، وبما يمكنها من سرعة التدخل المبكر بالضربات الوقائية والاستباقية، التي تمنع بروز التهديدات أصلاًُ، وهو ما يتطلب التوصل إلى اتفاقيات مع عدة دول في هذه المناطق تسهل الوجود العسكري الأمريكي المتقدم وتدعمه عند اللزوم، وسرعة نشر القوات الأمريكية براً وبحراً وجواً.

لذلك لم يكن النفط فقط هو السبب الرئيس للحرب الأمريكية في العراق، وإن كان بالطبع ضمن الأسباب الأساسية، لأن الإدارة الأمريكية لو كانت تريد فقط الاستحواذ على نفط العراق لقبلت بعروض "صدام حسين" منحها مزايا تفضيلية تصل إلى منحها مجاناً كمية من النفط تساوى ما لديها من مخزون إستراتيجي، يصل إلى 500 ألف مليون برميل، مع بيع ما تريده من نفط بسعر تفضيلي عشرة دولارات للبرميل، وذلك في مقابل عدم التعرض لنظامه وتأمين استمراره. كما كان في إمكان واشنطن أن تستجيب لإلحاح صدام في فتح قناة تفاوض تحتية، وهو ما أشار إليه الرئيس الأمريكي في أكثر من تصريح له. ولكنه كان يريد في الحقيقة اقتلاع نظام "صدام حسين" من أساسه، ليس فقط بحسبان ما يملكه من ترسانة ضخمة لأسلحة تقليدية وفوق تقليدية يستخدمها في مغامراته العسكرية، التي تهدد المصالح والأهداف الأمريكية والإسرائيلية المشتركة، ولكن أيضاً لكونه في النظرة الأمريكية أحد الأنظمة المارقة، والتى يعد النموذج العسكري الأمريكي في التعامل معها رادعاً لغيرها من الدول (المارقة).

وتنهض الإستراتيجية الأمريكية في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر، على ثلاث محاور رئيسية تتمثل في الآتى:

1. مفهوم القوة في النظام العالمي

تعد الحرب التي دارت في العراق، في مارس وأبريل 2003، هي الرأس الظاهر لجبل الجليد الأمريكي المختفي تحت سطح الماء، بمعنى أن الحرب في العراق بداية لفرض مفهوم القوة الأمريكي على النظام العالمي الجديد. وقد ساعد على ذلك إطلاق يد القوى اليمينية المتشددة في الإدارة الأمريكية وسيطرتها على عملية صنع القرار في البيت الأبيض، ويدعمون إسرائيل بقوة على حساب المصالح والأهداف العربية، ناهيك عن المصالح الشخصية لهذه القوى في شركات النفط الأمريكية وشركات السلاح، ويعبرون عن رؤى راديكالية، تقول بأن هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على المجتمع العالمي هو الخاتمة الطبيعية للتاريخ.

وهو ما نادى به الكاتب الأمريكي (فوكو ياما) في كتابه "نهاية التاريخ"، وأكده الرئيس بوش في قوله: "إن الولايات المتحدة الأمريكية هي النموذج الوحيد الباقي على قيد الحياة للنجاح الإنساني". وقد انعكس مفهوم القوة في الإستراتيجية الأمريكية في سلسلة الحروب المحدودة التي شنتها القوات الأمريكية قبل 11 سبتمبر، في البوسنة وكوسوفا وصربيا، وجندت معها قوات حلف الناتو. وأيضاً في الحروب الوقائية التي شنتها بعد 11 سبتمبر، في أفغانستان ثم في العراق أخيراً، بعد أن تخلت الولايات المتحدة الأمريكية عن إستراتيجية "الردع والاحتواء". وهى تنفيذ دقيق لإستراتيجية الأمن القومى للولايات المتحدة الأمريكية التي أعلنها البيت الأبيض رسمياً، في 20 سبتمبر 2002، ويتمثل جوهرها في المبادرة بشن الضربات ضد الأعداء المحتملين قبل أن يبادروا بأى عمل عدائي ضد الولايات المتحدة الأمريكية الأمريكي، والتكثيف الشديد لهوية هذا العدو برسمه بملامح إسلامية ـ عربية، اتفاقاً مع نظرية (صراع الحضارات) التي وضعها هانتنجتون، بحسبان الإسلام هو العدو الجديد أمام الحضارة الغربية، بعد سقوط الشيوعية، وتفكك الاتحاد السوفيتى السابق.

2. الجوانب الاقتصادية من غزو العراق

أبرز هذه الجوانب النفط، لارتباطه بمفهوم القوة وأداة تشغيل آلياتها العسكرية ومصانع إنتاجها، حيث لا تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية سوى 3% فقط من مخزون النفط العالمي، وتستورد 55% من احتياجاتها النفطية، وهو ما يعادل 25% من الإنتاج العالمي، وفي أحسن الظروف، ومع استغلال منطقة ألاسكا فإن هذا المخزون سيرتفع إلى 3.3% فقط، ولن يكفى لسد حاجاتها من الطاقة. لذلك فإن التحدي الأكبر الذي تواجهه هو ضرب قدرة الدول المنتجة للنفط على التحكم بأسعار النفط، وذلك من خلال إستراتيجية ثلاثية الأبعاد تتمثل في التقليل من الطلب الإجمالى للنفط، وجلب إنتاج جديد إلى السوق العالمية من خارج الشرق الأوسط، واستحداث أشكال بديلة من الطاقة لتسيير وسائل النقل.

أما فيما يتعلق بسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على العراق، فإن ذلك سيجعلها تتحكم في ثاني أكبر مخزون نفطي في العالم بعد المملكة العربية السعودية، يبلغ حجمه 112 مليار برميل، ومن ثم فإن التحكم في معدلات إنتاجه يعني عملياً التحكم في أسعاره. وبإضافة هذا العامل الجديد للعوامل السابقة ينتفي عمل منظمة أوبك للدول المصدرة للنفط، وبما قد يؤدي إلى خفض سعر البرميل إلى ما دون عشرة دولارات، ويقضي بالتالي على القيمة السياسية والإستراتيجية للنفط العربي.

وقد أشار الكاتبان (دان مورجان) و(ديفيد أوتاواى)، في الواشنطن بوست، في 16 سبتمبر 2002، إلى هذه الحقيقة صراحة من قبل وقوع الحرب في العراق، عندما قالا: "إن شركات النفط الأمريكية العملاقة هى التي ستدير نفط العراق بعد إسقاط صدام حسين، وسيكون ومن ثم على روسيا وفرنسا، اللتان أبرمتا صفقات نفطية ضخمة مع العراق أن يسترضوا الولايات المتحدة الأمريكية سياسياً كي تدرس منحهما حصصاً ما في النفط العراقي". أما "جيمس وولسي" الرئيس الأسبق لوكالة المخابرات المركزية CIA، فقد عبَّر بوضوح عن عامل النفط وأهميته في السياسة والإستراتيجية الأمريكية حيال منطقة الشرق الأوسط، من وجهة نظر أخرى، تتواءم والحرب الأمريكية المعلنة ضد الارهاب. حيث توصل في مقال في مجلة Commentary، عدد سبتمبر2002، إلى استنتاج خطير بأن النفط العربي والإيراني يستخدم بالفعل سلاحاً ضد الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن بطريقة تختلف عما يدعو إليه العرب والمسلمون الذين يطالبون بحظر أو تخفيض تصديره لها، وذلك في تمويل الجماعات والمنظمات الارهابية التي تهددها.

وفي ذلك يقول "إن الثروة التي يجلبها النفط تشكل الركيزة الأساسية للقوة التي تتمتع بها ثلاث مجموعات رئيسة في الشرق الأوسط، وهى الإسلاميون، سواء الشيعة أو السُنة، والبعثيون الذين اختاروا الدخول في حرب معناً". ويقصد بذلك أن النفط هو المصدر الأساس لقدرة كل من ايران والعراق والسعودية على تحدي السياسة الأمريكية، وأن عائداته هي التي أتاحت لهذه المجموعات نشر نفوذهم الأيديولوجي في المنطقة والمعادي للولايات المتحدة الأمريكية. لذلك طالب وولسى في مقاله بالحد من الطلب على نفط الشرق الأوسط.

وفي هذا السياق يمكن فهم كلام الرئيس بوش في خطاب الاتحاد عن وضع خطة لتحقيق استقلال الولايات المتحدة الأمريكية في مجال الطاقة والنفط، وذلك بإنتاج المزيد من الطاقة التي تستخدمها محلياً، وتعزيز كفاءة استخدام الطاقة والحفاظ عليها، وتطوير تقنيات نظيفة، مع تركيز خاص على تحقيق نقلة كبيرة في مجال تطوير سيارات نظيفة تستخدم الهيدروجين.

3. تأثير غزو العراق على الصراع العربي ـ الإسرائيلي

تنهض الإستراتيجية الأمريكية إزاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي على أساس ضرورة وضع نهاية له، بحسبانه السبب الرئيس في استمرار تشغيل مفرخة الإرهاب، والتى طبقاً للرؤية الأمريكية تفرخ إرهابيين يهددون المصالح الأمريكية على كل الساحات العالمية. وذلك بالاستعداد لشن عدة حروب ضد دول عربية وإسلامية تنهج النهج الديكتاتوري لنظام الحكم السابق في العراق، وتغييرها بالقوة إذا ما شكلت تهديداً جوهرياً للمصالح الأمريكية، أو بشن عمليات عسكرية جراحية محدودة ضد منظمات وجماعات، تصفها الولايات المتحدة الأمريكية بالإرهابية، مثل حزب الله والجهاد الإسلامى وحماس.

في ذات الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة الأمريكية إلى فرض وجهة نظرها في حل الصراع العربي ـ الإسرائيلي من خلال فرض التسويات السياسية التي تتفق والمصالح الأمريكية والإسرائيلية المشتركة، بدءً بتنفيذ خطة "خريطة الطريق" لإقامة الدولة الفلسطينية في غزة والضفة، مواكباً لتنفيذ الإصلاحات السياسية في السلطة الفلسطينية. يتلو ذلك حل باقى المشكلات القائمة بين كل من إسرائيل وسورية ولبنان، وصولاً إلى معاهدة سلام معهما، وبما يؤدي في النهاية إلى تطبيع كامل للعلاقات العربية ـ الإسرائيلية طبقاً للرؤية الأمريكية. وهو ما يعني إعادة صياغة كل منطقة الشرق الأوسط سياسياً، كما أعيد صياغة أوروبا الغربية واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، وإزالة الأسلحة الإستراتيجية، من صواريخ بالسيتية، وأسلحة نووية وكيميائية وبيولوجية، ليس فقط في الدول العربية، ولكن أيضاً في الدول الإسلامية، وأبرزها باكستان وإيران.

بل يتعدى هذا الأمر البعد العسكري، ليشمل أبعاداً سياسية وأيديولوجية واجتماعية، تسعى إلى إحداث تغيير في المناهج والسياسات التعليمية والاجتماعية والعقائدية، وهو ما أشارت إليه مجلة Policy Review، في أكتوبر 2002، ويفسر الاختلاط العنيف الحادث في أوراق الشرق الأوسط.

أولاً: مغزى التحول في الفكر الإستراتيجي الأمريكي

هذا التحول في الفكر الإستراتيجي الأمريكي، يبرز الهدف الأوسع لانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالهيمنة على العالم، والمنصوص عليه في إستراتيجية، 20 سبتمبر 2002، بأن الولايات المتحدة الأمريكية لن تسمح لأي قوى دولية بأن تكون منافساً لها في العالم، وأن عليها أن تستغل بكل طاقاتها هذه الفرصة التاريخية التي تنفرد فيها بقيادة العالم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي.

ولما كانت الصين، حسب تقديرات البنتاجون مرشحة لبلوغ وضع المنافسة للولايات المتحدة الأمريكية، عام 2025، فإن خط المواجهة المطروح يجعل العالم العربي يقع في قلبه، حيث يمتد من إندونيسيا، في شرق آسيا إلى شمال أفريقيا، ويمثل حزاماً لتقييد حركة الصين، مما يعزز ما يقال من أن هذه المنطقة مرشحة لصراعات حادة في السنوات المقبلة.

لذلك يمكن القول بأن إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية بعد انتصارها في الحرب الباردة، هو إعادة ترتيب النظام العالمي على نحو يعبر عن فجوة القوة التي تفصل بين الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من القوى الدولية الكبرى الأخرى، وفي مقدمتها أوروبا عموماً، وفرنسا وألمانيا داخلها على وجه الخصوص، والصين وروسيا واليابان. ذلك أن هذا الانتصار الأمريكي ساعدت في تحقيقه دول أوروبية كثيرة، لذلك أصبح مقيداً بقواعد عامة للسلوك الدولي وأطر وهياكل ومؤسسات في النظام الدولي، تعبر عن فترة الحرب الباردة التي انتهت، وتقيد حالياً حركة الولايات المتحدة الأمريكية وتمنعها من إرساء قواعد سلوك أخرى في نظام دولي جديد تهيمن على قيادته.

من ذلك مثلاً أن واشنطن وجدت نفسها على قدم المساواة في مجلس الأمن مع أربع دول، بالرغم من أنها متقدمة على أكثر هذه الدول تطوراً بمسافة نحو ثلاثين عاماً. كما ظل عليها، بعد أن صارت على قمة النظام العالمي، أن تأخذ في الحسبان القواعد والمعايير الدولية نفسها التي تعاطت معها حين كانت إحدى قوتين على رأس هذا النظام.

لذلك يعد في قمة أهداف الإستراتيجية الأمريكية الجديدة تأكيد قدرتها على تحديد جدول الأعمال العالمي بأقل قدر من التشاور مع القوى الدولية الكبرى الأخرى، دون أن يكون في إمكان أى من هذه القوى عرقلة حركة الولايات المتحدة الأمريكية، أو اللحاق بها في المستقبل. فإذا ما تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من تحقيق هدف التحكم في جدول الأعمال العالمي، أصبحت السيطرة على سوق النفط والتحكم في حركته وأسعاره مضمونة في إطار هذا التحكم.

ومن ثم فإن سلسلة الحروب التي تشنها الولايات المتحدة الأمريكية تضمن لها الامساك بمفاتيح جدول الأعمال العالمي برمته، وضمان أمن الطاقة الحيوية للاقتصاد الأمريكي، وأنها لن تكون أسيرة النفط العربي مثلاً. يفسر ذلك اصرار واشنطن على بناء تحالف دولي معها لحربها في العراق، حتى وإن كان ضيقاً، رغم إرادة الكثير من الدول الكبرى.

ويكمل هذا التحول الأساس في التفكير الإستراتيجي الأمريكي، بتركيز الاهتمام على مناطق الاحتياجات النفطية الغنية في بلدان آسيا الوسطى الإسلامية وبحر قزوين، لتكون امتداداً للثراء النفطى في منطقة الخليج. وقد يكون هذا التحول قد بدأ في هذه الناحية مبكراً، منذ أن غيَّرت الولايات المتحدة الأمريكية مفهوم كلمة الشرق الأوسط في أوائل التسعينيات، ومدت مظلة هذا المصطلح لتحتوى تحتها دول آسيا الوسطى الإسلامية تحت مسمى الشرق الأوسط الكبير.

لكن الهدف تعدل وصار له مفهوم أوسع، يتسع مع إستراتيجية 20 سبتمبر 2002، وهو البدء من لحظة السيطرة على نفط العراق بإقامة إطار منظومة نفطية تضم أيضاً نفط الخليج ونفط آسيا الوسطى، تمسك الولايات المتحدة الأمريكية بزمام إدارتها، وهو ما يحقق لها، من ناحية أخرى، فرصة امتلاك قوة ضغط جديدة على الصين، تستخدمها في أية مساومات بينهما، مثل الوضع في كوريا الشمالية التي تحظى بدعم الصين، وللتأثير أيضاً على قدرة الصين لبلوغ وضع المنافسة.

وهذا التحول في التفكير الإستراتيجي الأمريكي يخدم هدف إعادة صياغة ترتيب المصالح الحيوية والإستراتيجية في حسابات السياسة الخارجية الأمريكية، ففي الماضي كانت المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة هى بالترتيب: النفط وإسرائيل. وكانت حسابات المصالح تفرض على السياسة الخارجية الأمريكية، القلق من عدم وجود توازن في مواقفها من العرب وإسرائيل. أما في حالة فرض الهيمنة على منظومة النفط ذاتها، فإن مجموعة الصقور في واشنطن يتصورون أنهم بذلك يزيلون مركز النفط بوصفه عنصر ضغط يعكر تحيزهم لإسرائيل، فيحيدون وضع النفط العربي، وتقتصر المصلحة الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة على إسرائيل فقط.

يكمل هذا عبارات الرئيس بوش عن أن هدف الحرب على العراق، هو "إقامة نموذج ديموقراطي غربي للحكم في العراق، يكون له صدى في بقية العالم العربي والإسلامي، وينتقل مركز إلهام إلى بقية الدول العربية والإسلامية". يعبر عن هذا التوجه حديث وزير الخارجية الأمريكي "كولين باول" عن خريطة جديدة للشرق الأوسط بعد حرب العراق، وكتابات الناطقين بفكر قيادات البنتاجون أمثال "ريتشارد كراوتهامر"، و"وليام كريستول"، و"مايكل ليدين"، و"جيمس وولسى" وغيرهم، عن أن فرض التغيير الشامل في العالم العربي على وجه التحديد، والإسلامي بعامة، هو الهدف من الحرب على العراق. وكان اختيار العراق محسوباً لسهولة هدم الكيان والنظام الديكتاتوري والفاسد فيه، والذي يرفضه شعبه وجيشه، ثم تحويل العراق بعد ذلك إلى ميدان تنطلق منه الإستراتيجية الجديدة، بمعنى أن يتحول العراق بهذا المفهوم الأمريكي في المستقبل إلى قاعدة عمليات إلى باقى مناطق الشرق الأوسط، وهو ما أشارت إليه صحيفة نيويورك تايمز، في 12 أبريل 2003، حول استخدام أربع قواعد عسكرية للقوات الأمريكية في العراق على المدى الطويل، ونفاه وزير الدفاع رامسفيلد. ويطرح ومن ثم سؤالاً مهماً حول احتمالات أن توسع الحرب ميدانها في العراق إلى ما وراء حدوده، خاصة فيما يتعلق بسورية وإيران؟.

يجيب على هذا السؤال تقارير نُشرت في واشنطن عقب انتهاء الحرب في العراق، منسوبة إلى مسؤولين عسكريين أمريكيين، من أن استخدام القوة ضد سورية أو إيران، بمجرد استقرار الوضع في العراق، وهو مسألة محل مناقشة مستمرة داخل الإدارة الأمريكية. وأيضاً قول العضو الجمهوري في الكونجرس السيناتور "سام براونياك"، وعضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ: "إن العسكريين في حكومة بوش منقسمون حول ما إذا كان يجب الانطلاق في تنفيذ رؤية إقامة شرق أوسط جديد تحكمه الديموقراطية، أو الاستجابة لبعض دول المنطقة ذات التأثير هنا".

ففي وزارة الخارجية يريدون المحافظة بقدر الإمكان على بقاء أكبر عدد من دول المنطقة إلى جوار الولايات المتحدة الأمريكية، وعدم استفزاز الدول الصديقة أو إحراجها بالاندفاع عسكرياً نحو سورية أو أى دولة أخرى في المنطقة، لاسيما وأن التجربة الأمريكية في العراق لم تنضج بعد، حيث بدأت مشكلات ما بعد الحرب تطفح على سطح الأحداث، وتشير إلى وجود تيار شعبي عراقي يرفض استمرار الوجود العسكري الأمريكي بعد استقرار الأوضاع في العراق، وهو التوجه الذي يلقى دعماً قوياً من جانب معظم دول وشعوب المنطقة، وليس من المستبعد أن تنقلب المعارضة السياسية للوجود الأمريكي في العراق إلى مقاومة شعبية مسلحة، تغذيها إيران، بهدف توريط الولايات المتحدة الأمريكية في المستنقع العراقي، وتحويله إلى فيتنام أخرى، وهو السيناريو الذي ينبغي في رؤية الخارجية الأمريكية ضرورة التحسب له جيداً، وذلك بسرعة تسليم الحكم في العراق إلى حكومة منتخبة موالية للولايات المتحدة الأمريكية، في ظل كونفدرالية أو فيدرالية، تتفق عليها الطوائف والعرقيات الفاعلة على كل الساحة العراقية، مع تشكيل جيش موحد ذي طبيعة دفاعية، وتقليص الوجود العسكري الأمريكي إلى أدنى حد وفي أسرع وقت ممكن.

بينما كان الذين في وزارة الدفاع الأمريكية يقولون أن الأمر يتعلق برؤية جريئة كبرى، تتطلب طرق الحديد وهو ساخن، وهو ما يستدعي الاندفاع إلى الأمام قبل أن ترتب الدول المعادية للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة صفوفها لمقاومة الوجود الأمريكي في العراق، ويتطلب من ثم شن عدة حروب متصلة قد تستمر بضع عقود لاستئصال الأنظمة السياسية (الديكتاتورية) والمنظمات (الإرهابية) الموجودة في عدد من الدول العربية والاسلامية، وهو ما يعنى تغيير هذه الأنظمة، ودعم المجتمعات المدنية في المنطقة، كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية في اليابان.

خلاصة القول في الأهداف السياسية للحملة العسكرية على العراق، بعد أن تخلت الإدارة الأمريكية عن إستراتيجية الاحتواء والردع، ولجأت إلى إستراتيجية الضربات الوقائية، وهي جزء من الحرب ضد الإرهاب، والتى تديرها على كل الساحة العالمية، أن اسقاط نظام "صدام حسين" يعد في النظرة الأمريكية تحقيقاً لهدف سياسي لم يتحقق أثناء حرب تحرير الكويت، واستكمالاً لتدمير القوات المسلحة العراقية ببعديها التقليدي وفوق التقليدي، وهو ما يدخل ضمنياً في إطار التعهد الأمريكي بضمان أمن إسرائيل، حيث تقوم القوات الأمريكية بالمهام التي لا تستطيع القوات الإسرائيلية تنفيذها ضد أعدائها، وبما يردع سورية وإيران وحزب الله وجماعات إرهابية أخرى عن تهديد اسرائيل.

كما أن سقوط النظام الصدامي في بغداد، بما له من ميراث تاريخي، يوفر في نظر الرئيس بوش نموذج ديموقراطي لشعوب عربية أخرى مقهورة، يشجعها على الثورة على الانظمة الديكتاتورية التي تحكمها، ومن ثم إعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط على أسس غربية، تتفق والمصالح والأهداف الأمريكية، ناهيك عما سيترتب على ذلك من إبراز الهيمنة الأمريكية العالمية، وما يشكله ذلك من رمز الالتزام والعظمة والعزم والحزم في تنفيذ الأهداف الأمريكية، والتصدي لمن يتعرض لها، حتى وإن كان مجلس الأمن، وذلك تحت جميع الظروف، وفي أى مكان من العالم، والقضاء على الإحباط الذي أصاب الأمريكيين بسبب عجزهم عن الإمساك ببن لادن، والسيطرة على معدلات إنتاج النفط وأسعاره على المستوى العالمي، والوجود العسكري الأمريكي في بقعة إستراتيجية متميزة على الساحة العالمية، تفيد الولايات المتحدة الأمريكية في صراعاتها العسكرية المستقبلية، خاصة في إطار احتواء وحصار وتهديد إيران.

ثانياً: الإدارة السياسية للحرب من وجهة النظر الأمريكية

حقيقة الأمر أن إدارة بوش عندما طرحت خيار رحيل صدام خياراً وحيداً لحل الأزمة سلمياً، كانت في الحقيقة تخشى من عدة مخاطر (سيناريوهات) إذا ما أكملت طريقها نحو الحرب، قد تتسبب إحداها أو جميعها في تكبيد القوات الأمريكية خسائر بشرية جسيمة، قد تصل طبقاً لتقديرات البنتاجون إلى حوالى عشرة آلاف قتيل، في أسوأ الاحتمالات، مع كلفة مادية تراوح ما بين 200 مليار دولار و1924 مليار دولار إذا ما طالت فترة الحرب، وهو ما لا تستطيع أي إدارة أمريكية تحمل تبعته أمام الرأي العام الأمريكي، حتى وإن نجحت القوات الأمريكية في تحقيق مهامها الإستراتيجية باسقاط نظام "صدام حسين"، وتدمير قواته المسلحة وأسلحته ذات الدمار الشامل، ورفعت العلم الأمريكي فوق قصور الرئاسة في بغداد، حيث سيكون انتصاراً مكلفاً لا يمكن قبوله في الرؤية الأمريكية. (اُنظر صورة عناصر القيادة السياسية والعسكرية)

1. السيناريوهات المتوقعة من جانب العراق في حالة دخوله الحرب

أ. السيناريو الأول: الأرض المحروقة

تعني إقدام "صدام حسين" بتخريب حقول النفط في شمال وجنوب العراق (1500 حقل نفطي)، خاصة بعد أن كشفت المعلومات عن نقل كميات ضخمة من المتفجرات إليها بدعوى التنقيب عن النفط، وكان قد سبق للنظام العراقي أن قام بتخريب 700 من حقول نفط الكويت إبان احتلاله لها، في عام 1991، قبل تحريرها، بالإضافة لمعلومات أخرى حول استعداد النظام لنسف الكباري والسدود لإغراق الأراضي في جنوب العراق بالمياه لعرقلة تقدم القوات الأمريكية، وتدمير مستودعات الأغذية، وتخريب محطات الطاقة الكهربائية، والإمداد بالمياه لإحداث مجاعة يمكن أن يعاني منها ملايين العراقيين، تقترن بإشعال حرائق في المناطق السكنية لإجبار ملايين العراقيين في بغداد على الهجرة منها، وخلق مشكلة لاجئين أمام القوات الأمريكية، أشبه بالمشكلة التي واجهتها قوات الناتو وأجهزة الأمم المتحدة في كوسوفا، عام 1999، عندما أجبرت القوات الصربية مليوني مسلم على ترك منازلهم والهجرة إلى منطقة الحدود مع ألبانيا، ما أحدث مشكلة إيواء صعبة أمام قيادة الناتو آنذاك.

ومما يؤكد هذا التوجه لدى "صدام حسين"، ما سبق أن نشره الكاتب العراقي "سعد البزاز" في كتابه (رماد الحروب) على لسان صدام حين قال: "من يفكر أن يأخذ الحكم منا سوف نعطيه أرضاً بلا ناس، ودولة بلا شعب لأننا سوف نبيد الجميع".

ب. السيناريو الثاني: اندلاع انتفاضات شعبية

احتمال اندلاع انتفاضات شعبية تقوم بها الجماهير العراقية في المدن والقرى ضد مؤسسات النظام السياسية والأمنية، خاصة مدن الشمال والجنوب، على نمط الانتفاضة التي وقعت في مارس 1991، وما قد يصاحب ذلك من عمليات انتقامية وتصفيات حسابات، قد تتصاعد إلى حرب أهلية، سواء بين أعداء النظام والموالين له في الداخل، أو بين أعداء النظام القادمين من الخارج والموالين له في الداخل لاسيما مع تعدد العرقيات والطوائف في العراق، ووجود نزاعات قديمة وحديثة بينها.

ج. السيناريو الثالث: التورط في حرب مدن

مخاطر تورط القوات الأمريكية في حرب مدن طويلة الأمد، ومرهقة ضد قوات النظام وميليشياته، لاسيما قوات الحرس الجمهوري، وهو ما هدّد به صدام وأركان نظامه طويلاً. حيث كانت هذه القوات تملك أحجاماً ضخمة من أسلحة النيران المباشرة وغير المباشرة، يمكن إذا ما استُخدمت في حرب الشوارع وقتال بين المباني، أن تكبد القوات الأمريكية خسائر بشرية جسيمة.

د. السيناريو الرابع: استخدام العراق أسلحة دمار شامل

خشيت الولايات المتحدة الأمريكية من احتمال لجوء صدام إلى استخدام ما يخفيه من صواريخ سكود، محملة برؤوس كيميائية أو بيولوجية، وما يمكن أن يحدثه ذلك من دمار وإبادة شاملتين للقوات الأمريكية وسكان المدن الخليجية، التي قد تتعرض لمثل هذه الهجمات، ناهيك عن التلوث الذي قد يصيب البيئة الخليجية من جراء ذلك لسنوات طويلة.

هـ. السيناريو الخامس: تدخل تركيا وإيران

من المخاوف التي تحسَّبت لها القيادة الأمريكية، احتمالات تدخل كل من تركيا وإيران في الحرب بما يتفق ومصالحهما، ورعاية مصالح العرقيات والطوائف التي ترعاها، والمتمثلة في جماهير الشيعة العراقية المتمركزة أساساً في مدن الجنوب وتحظى بدعم إيران، والأقلية التركمانية في مدن الشمال وتحظى بدعم تركيا، إلى جانب أطماع تركية قديمة في لواء الموصل وكركوك، ورغبتها في دخول قواتها إلى شمال العراق حماية لمصالحها، وهو ما قد يدفع إيران أيضاً للتدخل حماية لمصالحها، ويفسد من ثم مسار الحملة العسكرية الأمريكية على العراق ويشتت جهودها.

و. السيناريو السادس: استمرار عمل صدام من تحت الأرض

وضعت الإدارة الأمريكية في حساباتها صعوبة اغتيال صدام، واستحالة القبض عليه حياً، أو إجباره على مغادرة العراق، إضافة إلى صعوبة تشجيع ثورة أو انقلاب من داخل القصر، بسبب الحلقات الأمنية المتعددة والمحيطة به، وتعدد الأجهزة الأمنية المعنية بشأن أمن وحماية صدام، وسمعتها الرهيبة. هذا مع احتمال اختفاء "صدام حسين" بنفس الأسلوب الذي اختفى به "أسامة بن لادن" في أفغانستان، خاصة وأن له مدناً سرية كاملة تحت الأرض لا يعلم سواه وابنه قصى مداخلها ومخارجها. إلى جانب عمليات الخداع باستخدام أشباهه (الدوبليرات) لتشتيت جهود المخابرات الأمريكية في البحث عنه، وما قد يعنيه ذلك من تشكيل متاعب في المستقبل للقيادة العراقية الجديدة في العراق، ويشجع مؤيدى النظام الصدامي داخل وخارج العراق على مناهضة الحكم الجديد هناك، لاسيما وأن ثروة صدام في الخارج تقدر بحوالى 40 مليار دولار.

ز. السيناريو السابع: تدخل إسرائيل في الحرب

خشيت الإدارة الأمريكية من احتمال تدخل إسرائيل في الحرب، خاصة إذا ما استفزها صدام بإطلاق صواريخ سكود عليها، سواء برؤوس تقليدية أو فوق تقليدية، وبما قد يؤدي إلى إفساد التعاون الإستراتيجي القائم بين الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول العربية، ويثير العالم العربي والإسلامي ضد الولايات المتحدة، خاصة إذا ما ردَّت إسرائيل نووياً على العراق.

ح. نقص في المعدات

على الرغم من استعجال الولايات المتحدة الأمريكية تنفيذ الحرب وإنهائها بتحقيق أهدافها، وأبرزها تغيير النظام الصدامي، قبل حلول فصل الصيف، إلا أن عدة عوامل لوجستية وعملياتية كان من الممكن ان تؤثر سلباً على تحقيق ذلك. أبرزها عدم استكمال إنتاج أحجام الذخائر الذكية المطلوبة للعملية، خاصة بعد الاستهلاك الكبير منها في الحرب الأفغانية، وإعداد ست حاملات طائرات على الأقل للمشاركة في الحرب من إجمالى 11 حاملة طائرات أمريكية، حيث أثَّرت الحرب الأفغانية، التي شاركت فيها هذه الحاملات، على جداول صيانة وتدريب أطقمها، خاصة وأن ثلاث حاملات كانت تشارك مشاركة دائمة في مهام عمليات في مناطق مختلفة من العالم، بعيدة عن المسرح الخليجي، وثلاث أخرى في دورة تدريبية، والباقى كان خاضعاً للصيانة الدورية التي من المفروض ألا تنتهى قبل حلول الخريف، ما يعطي البنتاجون خمس حاملات طائرات فقط للعمل في الخليج، إذا ما تقرر بدء الحرب، في مارس 2003.

ناهيك بالطبع عن الإنهاك الذي كانت تعاني منه القوات الأمريكية بجميع أفرعها، بسبب مشاركتها في الحرب الأفغانية التي لم تكن قد أفاقت منها بعد، بالإضافة لسوء أحوال الطقس بمنطقة الخليج خلال الفترة من مارس إلى يونيه.

2. الخطة الأمريكية لمواجهة هذه السيناريوهات

بذلت الإدارة الأمريكية، لاسيما وزارة الخارجية، جهوداً مكثفة للإعداد السياسي للحرب، وبما يضفى عليها غطاءً من الشرعية الدولية. فبجانب نجاحها في الحصول على القرار الرقم 1441 من مجلس الأمن بالإجماع، الذي يحذر النظام العراقي من "عواقب وخيمة" إذا لم يتعاون مع المفتشين الدوليين، فقد قام "كولين باول" بزيارات لكثير من عواصم العالم، لاسيما الدول الخمس عشرة الأعضاء في مجلس الأمن، خاصة دائمي العضوية، من أجل تأمين موافقتهم على قرار يسمح للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بشن حرب ضد العراق، وهو ما عارضته فرنسا وروسيا وألمانيا بشدة، بالإضافة إلى سورية، ودول أخرى تردَّدت بين الموافقة والرفض، من أجل إجبار الولايات المتحدة الأمريكية على دفع ثمن الموافقة، وهو ما انعكس فيما تردد، خلال شهر فبراير 2003، حول ما أُطلق عليه "دبلوماسية الشيكات".

وكان الهدف الرئيس للدبلوماسية الأمريكية قبل الحرب، هو منع روسيا وفرنسا من استخدام حق الفيتو في الاعتراض على مشروع القرار البريطاني المقدم لمجلس الأمن، للسماح باستخدام القوة ضد العراق بسبب انتهاكه القرار الرقم 1441. وعندما تبين للإدارة الأمريكية إصرار فرنسا على استخدام الفيتو، سحبت بريطانيا مشروعها، مكتفية بما يتيحه القرار الرقم 1441 من "اللجوء إلى عواقب وخيمة".

وفي مجال الإعداد السياسي للحرب حرصت الإدارة الأمريكية على تحييد إسرائيل، بأن قدمت لها مساعدة مالية (عشرة مليارات دولار)، ووعداً بعدم فرض مشروعات تسوية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية دون التشاور معها، وأقنعت "كونداليزا رايس" مستشارة الأمن القومى الأمريكي، "شارون" رئيس وزراء إسرائيل، بأنه لا يملك من الأسلحة لضرب العراق ما يزيد عما تملكه الولايات المتحدة الأمريكية من أسلحة تفوق ما لدى إسرائيل كثيراً، كماً ونوعاً، ومن ثم فلا يوجد أدنى مسوغ لتدخل إسرائيل.

كذلك حرصت الإدارة الأمريكية في إطار الإعداد السياسي للحرب على إجراء مصالحة بين الحزبين الكرديين الرئيسيين في شمال العراق، المؤتمر الوطنى الكردستانى بزعامة "طالبانى"، والحزب الديموقراطى الكردستانى بزعامة "برزانى"، بالإضافة لتحييد إيران في الحرب وتأمين دور لها مشابه لدورها في حرب أفغانستان، ومنع تركيا من إرسال قواتها شمال العراق، حتى لا تستفز الأكراد وإيران، بالإضافة لجهود دبلوماسية ومخابراتية بذلتها الإدارة الأمريكية لتقليص حجم المعارضة الدولية للحرب، وتهيئة البيئة الداخلية في العراق لإسقاط نظام "صدام حسين"، والقبول بنظام سياسي جديد في العراق.

كما حرصت القيادة الأمريكية على سرعة السيطرة بقواتها على حقول النفط، لمنع النظام العراقي من تخريبها، مع تجهيز فرق خاصة لإطفائها إذا ما تعرضت للتخريب. بالإضافة لإبعاد مرافق البنية الأساسية من كهرباء وماء وجسور، والمناطق السكنية المدنية، والمساجد عن أهداف القصف، رغم وضع النظام العراقي أهدافاً عسكرية في جوار هذه المناطق المدنية. واستخدام المقاتلات والقاذفات الأمريكية ذخائر موجهة بدقة لقصف الأهداف العسكرية، وبما يجنب الأهداف المدنية المخاطر. مع إعداد معسكرات لاستقبال مليوني لاجئ في الدول المجاورة للعراق.

وتجنبت الخطة الأمريكية تماماً القتال داخل المدن، بل حصارها وعزلها، ثم اقتحامها بعد إجهاد المدافعين عنها بالقصف الجوي. وتم التدريب على خطة حصار بغداد ثم اقتحامها، شهوراً طويلة في صحراء بجنوب كاليفورنيا، وكان ذلك في إطار مبدأ إنهاك الجسد إذا فشلت خطة قطع الرأس، ذلك أن إنهاك الجسد بالضربات الجراحية ليلاً ونهاراً، سيسهل النفاذ إليه من الثغرات التي ستحدث فيه، وعندئذ يتم الانقضاض على الرأس. لأن من خصائص النظم الديكتاتورية أنه إذا ضرب رأس النظام وقطعه، انهار النظام كله. وفي هذا الإطار درست القيادة الأمريكية أربع تجارب تاريخية لاقتحام المدن، وهى:

أ. التجربة المجرية (1944 – 1945): عندما حاصرت القوات السوفيتية العاصمة بودابست ستة أسابيع، تعرضت خلالها المدينة لقصف شديد، أدى إلى تدمير البنية الأساسية بالكامل، ووقوع خسائر بشرية جسيمة بين المدنيين.

ب. التجربة الألمانية (1945): وتتمثل في هجوم الجيش السوفيتى بقيادة الجنرال "جوكوف" على مدينة برلين لمدة ثلاثة أيام متواصلة، خسر خلالها السوفيت 80 ألف رجل، في حين كان يدافع عن برلين عناصر من الصبية وكبار السن، بهدف تعطيل تقدم السوفيت حتى تصل القوات الأمريكية إلى المدينة.

ج. التجربة الشيشانية (1999): حين اقتحم الروس مدينة جروزنى بعد طول مقاومة من جانب القوات الشيشانية، وقصف جوي ومدفعي مستمر من قِبل القوات الروسية، التي قضت على الأخضر واليابس في المدينة، وخسر الروس في المقابل عدة مئات من رجالهم.

د. التجربة الفرنسية (1944): عندما رفض قائد القوات الألمانية النازية التي كانت تحتل باريس تنفيذ الأوامر الصادرة إليه من هتلر بإحراق باريس قبل الانسحاب منها، بما في ذلك معالمها الحضارية مثل متحف اللوفر، وبرج إيفل، ولكن القائد الألماني فضَّل الانسحاب دون تنفيذ هذه الأوامر، حتى لا يتحمل تاريخياً هذه المسؤولية، ولإدراكه أن النظام النازى كان على وشك الانهيار.

وقد فضلت القيادة الأمريكية أن تأخذ بالتجربة الفرنسية، وتبقي قدر الإمكان على البنية الأساسية لمدينة بغداد والمدن الأخرى، ليستفيد بها الشعب العراقي في مرحلة ما بعد صدام، ولأنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية أن يتهمها العالم بإتباع إستراتيجية (الأرض المحروقة)، وإن كان صدام حريصاً على أن ينفذ هذه الإستراتيجية ويلصقها تهمة بالولايات المتحدة الأمريكية.

ولمنع تركيا من التدخل في الحرب، حتى لا تحدث صدامات بينها وبين الأكراد، بذلت الدبلوماسية الأمريكية جهوداً شاقة لإقناع الحكومة الإسلامية في أنقرة بزعامة أردوغان بذلك، بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية لفتح الأراضي والأجواء التركية لاستقبال 62 ألف جندى أمريكي و320 طائرة قتال. وذلك في إطار صفقة قيمتها 26 مليار دولار (ستة مليارات منحة، والباقي ضمانات قروض)، بما في ذلك استخدام قاعدتين بحريتين (الاسكندرونة) و(مرسين)، والأخيرة تبعد 135 كم عن الاسكندرونة، بالإضافة لقاعدتين جويتين في (أنجرليك) و(قونية) بجنوب ووسط تركيا.

إلا أن حكومة أنقرة رفعت من سقف مطالبها الاقتصادية إلى 32 مليار دولار، رغم حصولها على 16 مليار دولار من البنك الدولي بضمانات أمريكية، وإعفاءات من الديون، كما صعَّدت من مطالبها السياسية والإستراتيجية في ضمان منع الأكراد من إقامة دولة خاصة بهم في شمال العراق، وتجريدهم من أسلحتهم بعد انتهاء الحرب، وأن يُسمح بدخول 50 ألف جندى تركي إلى شمال العراق، وألا يخضعوا للقيادة الأمريكية، وألا يشتبكوا في قتال مع القوات العراقية، وتنحصر مهمتهم فقط في تأمين ظهر القوات الأمريكية ومدينتي الموصل وكركوك، خاصة حقول النفط بهما.

ولم يقتصر (البازار) التركي على ذلك، بل وشمل مطالب أخرى، تتمثل في إقامة منطقة أمنية بشمال العراق تخضع للسيطرة التركية، ومشاركة تركيا في رسم مستقبل عراق ما بعد صدام، بحيث يكون لها نصيب في النفط العراقي وعائداته على أساس مبدأ (النفط مقابل الماء)، وتحدَّدت المطالب التركية في 10% من نفط شمال العراق أو 5% من إجمالى النفط العراقي، وتعويض تركيا عن خسائرها نتيجة الحرب، لاسيما فيما يتعلق بتشغيل أنبوب النفط العراقي، الذي يدر على تركيا 500 مليون دولار سنوياً.

إلا أن الإدارة الأمريكية رفضت معظم هذه المطالب، لاسيما بعد أن رفض البرلمان التركي نزول القوات الأمريكية في الأراضي التركية، واضطرت القيادة الأمريكية لسحب السفن المحملة بأسلحة ومعدات الفرقة الرابعة المشاة وتحويلها إلى منطقة الخليج لإنزالها في الكويت، مع نقل الأفراد جواً بالطائرات من تكساس إلى الخليج رأساً، وبذلك خسرت تركيا الصفقة التي كانت تأمل فيها، الأمر الذي دفع البرلمان إلى الموافقة بعد ذلك على استخدام الممرات الجوية لنقل القوات الأمريكية رأساً إلى شمال العراق. هذا مع إصرار أمريكي صارم على عدم دخول القوات التركية الأراضي العراقية، في مقابل تعهد أمريكي بعدم دخول الأكراد إلى الموصل وكركوك.

أما فيما يتعلق بتأمين جانب إيران في الحرب، والتى كانت تخشى أن تغدر بها واشنطن، كما غدرت بها عقب الحرب في أفغانستان، رغم المساعدات الإيرانية التي قدمتها للولايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد طالبان، وكانت النتيجة أن وضعها بوش ضمن دول محور الشر. لذلك حرصت واشنطن على فتح قناة مفاوضات تحتية جديدة مع طهران، تم من خلالها الاتفاق على تسع نقاط كالآتي:

أ. عدم تدخل إيران في الحرب أثناء عملية إسقاط نظام صدام حسين.

ب. عدم السماح لقوات فيلق بدر التابع للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بدخول الأراضي العراقية حتى تنتهى الحرب، ويجري بعد ذلك الاتفاق على دوره ومكانه في النظام الجديد.

ج. منع العناصر الشيعية في العراق التي تسيطر عليها طهران من أية أعمال عدائية ضد القوات الأمريكية،

د. منع حدوث انتفاضات شعبية في مدن الجنوب العراقي ضد نظام صدام، تجنباً لصدامات شعبية بين مؤيدي ومعارضي النظام، أو ضد قوات التحالف.

هـ. تعهدت طهران بعدم السماح لأى قيادي أو مسؤول عراقي مرتبط بنظام صدام باللجوء إلى الأراضي الإيرانية.

و. عدم تحول الساحة الإيرانية إلى (قاعدة خلفية) تنطلق منها أنشطة معادية لقوات التحالف ونظام ما بعد صدام،

ز. أن تسلم أى طيار أمريكي أو بريطاني يسقط في الأراضي الإيرانية.

ح. ألا تتدخل في الشؤون الداخلية لعراق ما بعد صدام، وألا تسعى بأي صورة لإقامة جمهورية إسلامية عراقية، على غرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

ط. أن إيران ستؤيد وتدعم أي نظام حكم يختاره العراقيون، سواء من خلال انتخابات ديموقراطية، أو من خلال استفتاء شعبي.

كما أكدت إيران حرصها على وحدة العراق وسلامته الإقليمية، ومعارضة أى توجه لتفكيكه، وأنها ستتعامل بواقعية مع وجود قوات التحالف في العراق لضبط الأمن وتأمين الاستقرار.

وفي المقابل تعهدت إدارة بوش للجانب الإيراني بالامتناع عن توجيه ضربات عسكرية وقائية ضد إيران، أو القيام بأعمال عدائية ضدها، بما في ذلك أعمال المخابرات التحتية التي تستهدف تقويض نظام الحكم الإيراني، بإثارة القوى الإصلاحية ضد القوى المحافظة في إيران. كما تعهدت واشنطن أيضاً بألا تتحول الساحة العراقية إلى نقطة انطلاق لأعمال معادية ضد إيران، والقضاء على منظمة (مجاهدى خلق) المناهضة للحكومة الإيرانية، وكانت تتمتع بحماية نظام "صدام حسين".

بالإضافة لتعهد أمريكي ببحث الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة في الولايات المتحدة الأمريكية، كما أبدت الإدارة الأمريكية استعدادها للتشاور مع إيران حول مستقبل الأوضاع في العراق وتركيبة الحكم الجديد فيه. وخلال المفاوضات التي جرت بين البلدين، كان واضحاً أمام الجانب الأمريكي أن طهران، رغم كراهيتها ورفضها لنظام "صدام حسين" بسبب بحور الدم التي أجراها بين البلدين، وراح ضحيتها حوالى مليون إيرانى، منهم 100 ألف جندى إيرانى أُبيدوا بالأسلحة الكيميائية، إلا أن الإيرانيين يخشون تحول العراق إلى قاعدة أمريكية تستكمل بها الولايات المتحدة الأمريكية حصارها لإيران من الغرب بواسطة العراق، بعد أن أحكمت حصارها من الشرق بوجودها العسكري في أفغانستان، ومن الشمال بوجودها العسكري في تركيا ودول آسيا الوسطى الإسلامية، ومن الجنوب بالوجود العسكري الأمريكي في الخليج والدول العربية فيه.

كما تخشى إيران أيضاً من أن يأتى الدور عليها بعد العراق إذ هي مصنفة من دول محور الشر، بدعوى امتلاكها أسلحة دمار شامل، أو أن تسمح الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل بتوجيه ضربة وقائية ضد منشآت إيران النووية والصاروخية، كما فعلت إسرائيل من قبل، عام 1981، ضد المفاعل النووى العراقي (أوزيراك). وهذه المخاوف الإيرانية تعني في النظرة الأمريكية نجاح رسالتها الردعية الموجهة لحكومة طهران، منذ أحداث 11 سبتمبر.

وللتحسب ضد احتمالات استخدام النظام الصدامى لأسلحة دمار شامل، فقد أعدت القيادة الأمريكية قواتها، تنظيماً وتسليحاً وتدريباً، لخوض حرب يحتمل أن تستخدم فيها هذه الأسلحة. حيث زودتهم بمهمات الاستطلاع الكيماوي، ومهمات الوقاية الكاملة، وحصَّنتهم بالأمصال المضادة، وأجرت تدريبات مكثفة على خوض المعارك في ظل هذه الظروف. أما على صعيد العمليات، فقد اعتمدت القيادة الأمريكية على مصادر استطلاعها الفضائية والجوية والمخابراتية في الاكتشاف المبكر لأماكن هذه الأسلحة، وتحييدها بالوسائل المختلفة، وبما يمنع النظام العراقي من استخدامها أصلاً، أو تقليل فعالية استخدامها في حالة حدوث ذلك. وفي هذا الإطار وجِّهت الحرب النفسية للقادة والضباط العراقيين بتحذيرهم من مغبة تنفيذ أوامر صدام في هذا الخصوص، والإ فإنهم سيلاحقون ويتعرضون للمحاكمة على أنهم مجرمو حرب.

بالإضافة لتجهيز المناطق الخلفية في منطقة الخليج، خاصة الكويت وتركيا، بنشر صواريخ باتريوت لاعتراض الصواريخ العراقية في الجو، في حالة إطلاقها وقبل وصولها إلى أهدافها، مع إعداد المناطق الخلفية بالملاجئ الواقية للسكان، وعناصر تطهير الأرض والأفراد والمباني ووحدات الدفاع المدني. كما خصَّصت أعداد من المقاتلات العاملة بصفة مظلة جوية فوق مسرح العمليات، لسرعة توجيه هجمات جوية ضد وحدات الصواريخ العراقية فور اكتشاف تحركها وانتشارها في مواقعها، وبمجرد الإنذار بذلك من وسائل الاستطلاع والإنذار الفضائية والجوية.

وفي إطار الحرب النفسية، شجَّعت القيادة الأمريكية القادة والضباط والجنود العراقيين على التمرد والاستسلام للقوات الأمريكية، أو التوجه إلى بيوتهم. وبالتوازى مع الحرب النفسية التي شنتها القيادة الأمريكية قبل الحرب، عبر ملايين المنشورات التي أسقطتها، والإذاعات الموجهة التي أطلقتها، فقد تسللت مجموعات من المخابرات الأمريكية والقوات الخاصة، ومعها ملايين الدولارات للاتصال بالعناصر الفاعلة في النظام الصدامى على الصعيدين السياسي والعسكري لاستقطابها، وكذلك رؤساء القبائل والعشائر، بالإضافة لتقديم وعود بمناصب لهم في نظام الحكم بعد "صدام حسين".

واتسمت الخطة الأمريكية بالمرونة، ووضعت بحيث توفر بدائل تتلاءم مع كل الظروف المتوقعة في المعركة، بدءاً بأسوأ الاحتمالات التي قد تطيل الحرب إلى عدة أشهر، وبخسائر بشرية تصل إلى عشرة آلاف رجل، وكلفة مادية تبلغ 1924 مليار دولار، إلى أفضل الاحتمالات، والتى قد تقصر الحرب إلى أسبوع واحد، وبخسائر بشرية محدودة، وكلفة لا تزيد عن 200 مليار دولار. وبالتالي تحسبت الخطة لكل الاحتمالات، بما في ذلك إلغاء الجبهة الشمالية نتيجة رفض البرلمان التركي دخول القوات الأمريكية الأراضي التركية، وهو ما حدث بالفعل أثناء الحرب، كما وضعت الخطة في الاعتبار احتمال أن تجري الحرب على مرحلتين، بينهما وقفة تعبوية لإجراء اتصالات سياسية تنهي الحرب وتحقق أهدافها دون اقتحام بغداد.

وحددت القيادة السياسية والعسكرية الأمريكية للجنرال فرانكس قائد القيادة الوسطى والمسؤول عن قيادة القوات الأمريكية في الحرب، ثمانى مهام إستراتيجية تتمثل في الآتي:

أ. القضاء على نظام صدام حسين القائم في بغداد.

ب. التخلص من أسلحة الدمار الشامل التي يخفيها النظام.

ج. القضاء على الإرهابيين الذين يؤويهم النظام في العراق.

د. إصلاح البنية الأساسية العراقية وإعادة تشغيلها.

هـ. تأمين آبار النفط.

و. تتبع فلول النظام واعتقالهم.

ز. التمهيد لإقامة حكم ديموقراطي.

ح. المساعدة في بناء جيش جديد للعراق.

أما الجنرال فرانكس فقد كان في خطته للحرب حريصاً على أن يطبق جيداً توصيات "كولين باول" عندما كان رئيساً للأركان المشتركة، والتى تتمثل في الآتي:

أ. تحديداً واضحاً للأهداف والمهام الإستراتيجية.

ب. تعبئة قوة عسكرية كاسحة لتحقيق النصر بأقل خسائر ممكنة وفي أقل فترة زمنية.

ج. عدم ترك أى شئ للمصادفة، ولكن التحسب لكل الاحتمالات.