إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / غزو العراق عام 2003




مواقع عسكرية قًصفت بالذخائر الذكية
موقع سد الحديثة
مجموعة صور لصدام حسين
محمد سعيد الصحاف
مجلس الحكم العراقي
آية الله علي سيستاني
أركان النظام الصدامي
المظاهرات تعم مدن العالم
بليكس والبرادعي
تحطيم تمثال صدام حسين
صدام حسين لحظة القبض عليه
كولين باول
عناصر القيادة السياسية العسكرية في الحرب
قادة المعارضة العراقية

أهم المدن العراقية
مناطق الاحتلال (سبتمبر 2003)
مناطق القاعدة (ديسمبر 2006)
مناطق القاعدة ديسمبر 2007
أوضاع فرق الحرس الجمهوري
محاولة اغتيال صدام
محاور التقدم الرئيسية والمساعدة
مخبأ صدام حسين
مستويات هجمات قوى التمرد
الأهداف الإستراتيجية في وسط بغداد
الليلة الأولى لقصف بغداد
الهجوم على مطار صدام الدولي
التمرد والعصيان
انتشار قوات التحالف
الحلقة الدفاعية حول بغداد
اقتحام الفرقة الثالثة لبغداد
توزيع قوات الحرس الجمهوري ومواقع قوات التحالف
حصاد ثلاثة أسابيع من المعارك
سيناريو الحرب البرية المتوقع
غزو العراق
قوات التحالف في الحرب
قاعدة العديد الجوية بقطر

معركة الاستيلاء على جزيرة الفاو
أقسام العراق الطائفية والعرقية (بالمحافظات)
المحافظات العراقية
التوزيع السكاني للأكراد بين دول المنطقة
التوزيع السكاني في المحافظات
تحرك القوات الأرضية والقوات الخاصة
خرائط الجمهورية العراقية



بسم الله الرحمن الرحيم

المبحث العاشر

أحداث ما بعد سقوط النظام

أولاً: الخسائر في الجانبين

أعلنت القيادة الأمريكية، في 20 أبريل، البيانات التالية: حجم قوات التحالف بالعراق 140 ألف جندى، عدد الأسرى العراقيين 6850 أسير في معسكرين بأم القصر، وكان قد أطلق سراح 887 منهم. أما الخسائر البشرية فهي 138 قتيل أمريكي، منهم 37 في حوادث عرضية، وثلاثة مفقودين. وخسائر بريطانيا 31 قتيلاً، منهم 16 في حوادث عرضية (اُنظر جدول بيان الخسائر البشرية لقوات التحالف). أما إجمالى قوات التحالف المنتشرة في المنطقة كلها لصالح الحرب في العراق، فقد وصلت إلى: 255 ألف أمريكي، و45 ألف بريطاني، وألفي إسترالي، وثلاثة آلاف تشيكي وسلوفاكي. وبلغ عدد اللاجئين العراقيين في شمال العراق 300 ألف، عادوا إلى ديارهم. وقد كان عدد المنشورات التي ألقيت 43 مليون منشور على مدن العراق، وبلغت تكلفة الحرب حتى منتصف أبريل، 20 مليار دولار.

أما وكالة أسوشيتدبرس فقد نشرت، في 10 يونيه، أن 3240 مدنى عراقي قتلوا في الحرب، حتى 20 أبريل 2003. وفي إيران طالب 60 ألف عراقي هجَّرهم صدام قسراً إلى إيران في الثمانينيات بالعودة إلى العراق.

وعلى صعيد آخر بدأ تساقط أعضاء النظام العراقي في أيدي قوات التحالف، بدءً بوزرائه، وكان عدد المطلوبين حوالى 55 شخصية، تمكن عدد منهم من الخروج من العراق، مثل نائب صدام "عزة الدوري"، ووزير الخارجية "ناجي صبرة". وفي وقت لاحق أبلغ الوشاة عن مكان نجلي "صدام حسين" (عدي وقصي) في منزل بمدينة الموصل، فجرت مهاجمته وقتلا أثناء الاشتباك، ثم أُلقي القبض بعد ذلك على شقيقيه برزان ووطبان، وعلي حسن المجيد (المعروف بعلي الكيميائي، بسبب مسؤوليته عن استخدام الغازات الكيميائية ضد الأكراد في طبجة عام 1988). (اُنظر صورة أركان النظام الصدامي)

وفي بداية أغسطس 2003، كان عدد الذين استسلموا أو قبض عليهم 30 فرداً من المطلوب اعتقالهم، أبرزهم دكتورة "هدى عماش" المسؤولة عن برنامج الأسلحة البيولوجية.

وفي 6 مايو 2003، كشف مدير البنك المركزي العراقي عن تلقيه أمراً كتابياً من صدام بتسليم ابنه قصي مليار دولار نقداً، وذلك قبل الحرب بساعات حُملت في ثلاث مقطورات، ويعادل هذه المبلغ ربع احتياطي البنك المركزي من العملة الحرة، ويحتمل أن بعض هذه الأموال نقلت إلى سورية، حيث رصدت المخابرات المركزية تحرك عدة شاحنات إلى سورية عبر الحدود مع العراق. وأشارت مصادر المعلومات أن صدام حرص على الاحتفاظ بهذه الأموال لتمويل عملية هروبه من العراق، حيث عثر أحد الجنود الأمريكيين على 656 مليون دولار مخبأة في كوخ بحدائق قصر أبي غريب، واكتشاف 160 مليون دولار في 164 صندوق معدني في منزل يقع عبر الشارع، وتم استعادة 250 مليون دولار كانت مخبأة في سيارة مدرعة. وقد ثبت أن أجزاءً من مبالغ أكبر نُهبت من البنوك أثناء الفوضى التي سادت عقب سقوط بغداد.

ثانياً: الخطة الأمريكية لتأمين السيطرة على العراق، والحكم المدني

بدءاً من يونيه 2003، انتقلت قيادة قوات التحالف إلى الفيلق الخامس الأمريكي، مع استبقاء 160 ألف جندي أمريكي في العراق لحين تحسن الأوضاع الأمنية في العراق، حيث تفجرت أعمال مقاومة للوجود الأمريكي في العراق، اشتركت فيها عناصر بعثية تابعة للنظام السابق، وجماعات إسلامية متطرفة من السنة، وجماعات مسلحة شيعية تابعة لإيران، وعناصر من تنظيم القاعدة قدمت من الخارج إلى العراق، تكبدت بسببها القوات الأمريكية خسائر جسيمة. وشملت مناطق الاشتباكات المناطق السنية في غرب العراق خاصة، حيث الرمادي والفالوجة وتكريت، وأيضاً في بغداد، وراوحت بين هجمات بالأسلحة الصغيرة، قنابل يدوية ورشاشات وصواريخ فردية مضادة للدبابات، وعربات مفخخة، في كمائن على طرق تقدم الداوريات والقوافل الأمريكية وبث ألغام، واصطياد الأمريكيين الذين يحرسون منشآت عامة، ونسف الجسور وقصف المواقع الأمريكية بالهاونات، واغتيال العراقيين المتعاونين مع الأمريكيين، خاصة من عناصر الشرطة. (اُنظر شكل التمرد والعصيان)

وهو الوضع الذي دفع القيادة الأمريكية إلى الإسراع بدفع الفرقة الرابعة المشاة لتولي مسؤولية الأمن في وسط وغرب العراق، وبغداد بصفة خاصة، بالإشتراك مع الفرقة 82 اقتحام جوي، وبذلك بقيت في العراق من القوات الأمريكية الفرقة الثالثة، والفرقة الرابعة مشاة ميكانيكية، والفرقة 82، والفرقة 101 اقتحام جوي، بالإضافة للواء السابع مدرع بريطاني، إلى جانب معظم القوات الخاصة الأمريكية والبريطانية، والتى كُلِّفت أساساً بمهام البحث عن عناصر المقاومة العراقية، ومطاردة بقايا رموز ومسؤولى النظام الصدامي.

كما أعلنت القيادة الأمريكية، في 8 يونيه 2003، عن البدء في تشكيل جيش عراقي جديد بقوة 200 ألف جندي، ذي هياكل تنظيمية وتسليحية دفاعية، بتكلفة 1.1 مليار دولار سنوياً للإنفاق العسكري العراقي، يعادل 5% من عائدات النفط سنوياً، وأسلحة ومعدات أمريكية، على أن تُباع أسلحة الجيش العراقي السابق ذات الأصل الروسى إلى الدول الأخرى، وأن خبراء أردنيين سيشاركون في تدريب وتنظيم تشكيلات هذا الجيش، ووقع الاختيار ثلاثة معسكرات للتدريب، وسينضم إليه 12 ألف من المنتسبين للجيش السابق، ممن ليست لهم ميولاً سياسية، بالإضافة لإذابة عناصر البشمرجة الكردية داخله، مع إعطاء وزن نسبي لعناصر جوية. هذا إلى جانب قوة من الشرطة يبلغ حجمها 22 ألف رجل سيجري تأهيلهم بميزانية 200 مليون دولار لحفظ الأمن الداخلي والنظام.

ولأن بناء الجيش العراقي الجديد ـ تنظيماً وتسليحاً وتدريباً ـ سيحتاج إلى عدة سنوات، فقد قررت القيادة الوسطى الأمريكية أن تسارع بتشكيل عشرة أفواج للدفاع المدني، يتألف كل منها من 350 جندي عراقي، لمهام حراسة المنشآت العامة والأهداف الإستراتيجية الحيوية، وإعفاء القوات الأمريكية من هذه المهام، بإجمالي 3500 جندي، يصلون بنهاية عام ،2003 إلى 6500 جندي عراقي، تحت إشراف وتدريب القوات الأمريكية. وقد سجل بالفعل 7000 عراقي أسماءهم للتطوع في هذه القوة للدفاع المدني وحفظ الأمن، بحيث تكون بديلاً عن القوات الأمريكية في النهوض بهذه المهام.

وجاء هذا التطور في إطار خطة جديدة وضعها الجنرال "جون أبي زيد"، الذي تولى القيادة الوسطى خلفاً للجنرال فرانكس، الذي تقاعد في مايو 2003، بعد انتهاء الحرب، وذلك بالتعاون مع البنتاجون لتخفيف العبء على القوات الأمريكية في العراق وتقليل خسائرها البشرية إلى أدنى حد، على أن تنتشر القوات الدولية في المنطقة الممتدة من شمال البصرة إلى جنوب العراق. وفي المقابل تستمر الفرقة الرابعة في الإمساك بزمام الأمور وسط بغداد، بينما تتولى الفرقة 101 اقتحام جوي مسؤولية شمال العاصمة وأجزاء من كردستان. أما المناطق الجنوبية الممتدة من البصرة إلى أم القصر، فتستمر تحت إدارة القوات البريطانية المرابطة هناك، إضافة لقوات من دول التحالف. (اُنظر شكل مناطق الاحتلال في العراق)

كما شملت الخطة تعديلاً في طبيعة تشكيلات الوحدات البرية بالعراق، لتكون أخف وأقدر على الحركة، ومن ثم أنشط في مواجهة هجمات المقاومة، التي بلغ معدلها 25 هجمة في اليوم، بعد فهم عقلية مخططي ومنفذي هذه الهجمات وأساليب عملهم. وكان الجنرال أبى زيد قد صنف منطقة وسط العراق، المحصورة بين بعقوبة والفالوجة والرمادي وتكريت، منطقة حرب، وهي التي تضم الأغلبية السُنية وتعد معقلاً لأنصار النظام السابق وفدائيي صدام، ووقعت فيها 80% من عمليات المقاومة. وجرى فيها اعتقال عدة آلاف من رجال المقاومة وأتباع صدام، والكشف عن عشرات مخازن الأسلحة والذخائر والمتفجرات، وأيضاً الأموال.

وبلغ معدل المداهمات التي قامت بها القوات الأمريكية لهذه المناطق في هذه المرحلة، أكثر من ألف مداهمة في اليوم. واعترف الجنرال أبى زيد بأن قواته في العراق تواجه حرب عصابات منظمة وعالية الكفاءة. وكان زعماء العشائر العراقية ـ خاصة الدليم ـ قد اقترحوا على القيادة الأمريكية أن تخرج قواتهم من المدن وتتمركز حولها، وأن يتركوا للعشائر مهمة حفظ الأمن داخل المدن، وقد بدأ تنفيذ هذه الفكرة جزئياً في الرمادي، وبتكليف البشمرجة الكردية بمهام في مجال محاربة الإرهاب في الشمال، خاصة منظمة أنصار الإسلام العاملة في منطقة الحدود مع إيران بشمال العراق.

وعقب سقوط بغداد اعتمد الرئيس بوش الجنرال الأمريكي المتقاعد "جاي غارنر" حاكماً مدنياً للعراق، ومعه فريق من المساعدين، وصلوا إلى بغداد عقب توقف القتال، في الأسبوع الثالث من أبريل 2003، وبدأ تعرف الأوضاع من القيادات العسكرية الموجودة، وقسَّم العراق إلى ثلاث مناطق إدارية: شمالية ووسطى وجنوبية، ولكن مع اشتعال المقاومة العراقية، وتأخر إعادة المرافق الهامة إلى العمل، لا سيما الكهرباء والماء. ومع شيوع الفوضى والاضطراب وعمليات القتل والسرقة والنهب، وافتقاد الأمن ما أدى إلى اندلاع المظاهرات في معظم المدن العراقية، اضطر الرئيس بوش إلى تغيير جهاز الإدارة المدنية في العراق، وعيَّن على رأسها "بول بريمر" المتخصص في مكافحة الإرهاب، والذي بدأ عمله في العراق بالإعلان عن حل حزب البعث والجيش والحرس الجمهوري، ما زاد من غضب العراقيين العاطلين وثورتهم. لا سيما من رجال الجيش ـ الذين انتفضوا في مظاهرات عارمة مطالبين بمرتباتهم التي لم يتسلموها منذ ثلاثة أشهر، وهو ما أجبر بريمر على إعلان إعتزامه دفع مرتباتهم المتأخرة.

وواجه بريمر ثورة الجماهير العراقية، والسياسيين والمثقفين العراقيين المطالبين بأن يتولى العراقيون زمام أمورهم، خاصة من زعماء الأحزاب والطوائف والعشائر العراقية، واجه ذلك بالإعلان، في 13 يوليه 2003، عن تشكيل مجلس حكم انتقالي ضم 25 فرداً من زعماء الأحزاب والطوائف والعرقيات، منهم 14 شيعة، وأربعة عرب سُنة، وخمسة أكراد، ومسيحي واحد، وتركماني واحد. وكان أبرز الغائبين عن المجلس التيار الممثل لمقتدى الصدر، في حين كان تمثيل الشيوعيين بواحد في المجلس.

وإتُّفق على أن تجري رئاسته بالتناوب بين تسعة من أعضائه، وأصدر المجلس بياناً سياسياً حدَّد فيه النقاط التسع الأساسية في "المجالات السياسية"، والتى شملت توفير الأمن والاستقرار للمواطنين بما في ذلك إعادة بناء أجهزة الشرطة والجيش، وتصفية آثار الاستبداد السياسي والتمييز القومي والطائفي، واجتثاث حزب البعث، وترسيخ مبادئ الديموقراطية والتعددية السياسية، وإجراء مصالحة وطنية، وتوفير الخدمات العامة من خلال تفعيل أجهزة الدولة، واستئصال بؤر الفساد والتخريب، وإنعاش الاقتصاد الوطني، وخلق فرص عمل، وتحسين الوضع المعيشي للمواطنين، وتطوير القطاع النفطي، وإنشاء مؤسسة لرعاية ذوي الشهداء وتوفير تعويضات مناسبة لضحايا الإضطهاد السياسي والعرقي والطائفي الذي مارسه النظام السابق، إلى جانب تطوير علاقات العراق الخارجية مع الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة.

وبينما أيدت إيران مجلس الحكم الانتقالي بتحفظ، أعربت عن رغبتها في التعاون مع المجلس لاسيما على الصعيد الأمنى، وعرضت دعماً أمنياً للعراق، في مقابل تسليم أعضاء منظمة مجاهدي خلق أو تجميد نشاطهم، أعلن بريمر أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تسمح لإيران أو غيرها بالتدخل في شؤون العراق، ووجَّه تحذيراً لإيران بعد أن اتهمها بالتوغل 1.5 – 3 كم داخل الأراضي العراقية، وفي سبع نقاط من الحدود. وقد أعلن في طهران أن الحرس الثوري الإيراني يُشدِّد الرقابة على الحدود مع العراق، بسبب ازدياد حوادث القتل التي يتعرض لها المتسللون الإيرانيون إلى داخل الأراضي العراقية بطرق غير قانونية، وأغلبها لزيارة الأماكن المقدسة في النجف وكربلاء، حيث بلغت تسعين حادث قتل وإصابة من بينهم خمسون مفقوداً.

ثالثاً: جماعات ومنظمات المقاومة

أعلنت حوالي 21 جماعة ومنظمة عن نفسها، أنها تحمل لواء محاربة الوجود الأمريكي في العراق، والسعي إلى إخراجه، برزت منهم (الجماعة السلفية المجاهدة) وهي أحد أفرع تنظيم القاعدة، و(حركة الجهاد العراقية)، و(الرايات البيضاء)، و(شباب المسلمين)، و(جيش محمد)، أعلنوا عن أنفسهم على قناة العربية الفضائية، بواسطة شباب مسلحين وملثمين، تعهدوا بشن حرب عصابات ضد المحتلين الأمريكيين، فضلاً عن جماعات أخرى أعلنت تبرؤها من نظام صدام.

كما شارك متطوعون عرب في أعمال المقاومة، وكانوا يعيشون في أصعب الظروف داخل العراق، بسبب رفض معظم العراقيين لهم بحسبانهم من أنصار نظام صدام، لذلك كثرت الوشاية بهم لدى القوات الأمريكية، خاصة بعد أن أعلنت القيادة الأمريكية عن جائزة عشرة آلاف دولار لكل من يبلغ عن عمل من أعمال المقاومة، أو جريمة قبل وقوعها، ويرشد عن منفذيها، كما أقدم العراقيون على طرد الفلسطينيين على منازلهم، وعاملوهم معاملة سيئة بوصفهم بعثيون من أنصار صدام. وفي المقابل أعلنت جماعة جديدة عن نفسها تحت اسم (أبناء الإسلام) تعهدت بالانتقام من صدام والوصول إليه قبل الأمريكيين، وذكرت في بيانها أن العراق لن ينعم بالاستقرار إلا بعد التخلص من صدام.

واستغلت القاعدة حالة الفوضى في العراق، وأرسلت مقاتليها عبر الحدود السورية لإقامة ما يسمى بدولة العراق الإسلامية، بدءاً من الرمادي والفالوجة في محافظة الأنبار. حيث أنشأت القاعدة حكومة إسلامية بزعامة "أبو مصعب الزرقاوي" (أردنى الجنسية)، الذي نشر الإرهاب في ربوع هذه المنطقة، وأثار جماهير السُنة والعشائر لتطبيقه أحكاماً متشددة على الأهالي. وقد نجحت المخابرات الأمريكية لاحقاً، بعد ثلاث سنوات، في رصد منزله وقصفه جواً وبراً، ما أدى إلى مقتله، وورثه في قيادة القاعدة بالعراق "أبو أيوب المصرى"، وقد قتل أيضاً بالطريقة نفسها، عام 2009. (اُنظر شكل مناطق القاعدة ديسمبر 2006) و(شكل مناطق القاعدة ديسمبر 2007)

وقد سعى تنظيم القاعدة إلى إحداث فتنة بين المسلمين السُنَّة والمسلمين الشيعة بهدم مساجد الطائفتين، وإشعال الفتنة بينهما لمدة عامين، وأدى تشكيل قوات الصحوة من أبناء العشائر السُنة، تحت إشراف الأمريكيين، إلى الحد من نفوذ القاعدة في العراق. ومن ناحية أخرى برز الصراع بين أحزاب وميليشيات الشيعة بعضهم بعضاً، خاصة بين فيلق بدر التابع للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية بزعامة "عبدالعزيز الحكيم"، وجيش المهدى بزعامة "مقتدى الصدر". في نفس الوقت الذي أخذ فيه النفوذ الإيرانى السياسي والأمني يتصاعد في جنوب العراق، بعد أن أصبح فيلق القدس ـ مسؤول العمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني ـ هو المسؤول عن حماية المصالح الإيرانية وترسيخ النفوذ الإيراني في العراق.

وبدأت إيران تدعم المعارضة للوجود الأمريكي في العراق، بإرسال الأسلحة والذخائر والأموال، والتى أدت إلى تفجير كثير من المركبات الأمريكية بجنودها أثناء تحركاتها على الطرق، وتنفيذ عمليات انتحارية وهجمات بعربات مفخخة ضد أماكن وجود الأمريكيين وقوافلهم، إلى جانب هجمات بصواريخ مضادة للدبابات وبالأسلحة الرشاشة والقنابل، ونسف جسور، وبث ألغام، وعمل كمائن، وشن إغارات ليلية، وقصف بالهاون، ما ضاعف من حجم الخسائر الأمريكية أكثر مما خسرت أثناء الحرب عدة مرات، ووصلت إلى أكثر من 4000 قتيل، ببداية عام 2010، ما دفع الإدارة الأمريكية الجديدة في عهد "أوباما" إلى وضع خطة للانسحاب، مع بداية عام 2011. (اُنظر شكل مستويات هجمات قوى التمرد)

وزاد من نفوذ القاعدة في غرب العراق تعاونها مع إيران، من خلال فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الذي استضاف في إيران خمسمائة من أبرز كوادر القاعدة العائدين من أفغانستان، منهم إثنين من أبناء "أسامة بن لادن" والقيادي الثالث في التنظيم "سيف العدل"، حيث كان يجري تدريبهم وتسليحهم في معسكرات الحرس الثوري داخل إيران، ثم بعد ذك في جنوب العراق، بعد إحكام فيلق القدس السيطرة عليه، كذلك تسهيل سورية عمليات تجميع وحشد وتدريب وتسليح عناصر المعارضة للوجود الأمريكي في العراق، وتسللهم إلى داخل العراق، حيث وجد النظام السوري في عراق ما بعد صدام فرصته لابتزاز الولايات المتحدة الأمريكية، للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية، خاصة فيما يتعلق بالوضع بين سورية وإسرائيل.

وكان اغتيال المرجع الديني الشيعي "عبد المجيد الخوئى"، أول علامات الصراع والانقسام في الساحة السياسية العراقية، فقد كان من قيادات المعارضة المقيمة في الخارج إبان حكم "صدام حسين"، واغتيل بعد عودته للعراق بأيام قليلة، وأصابع الإتهام بمقتله توجهت إلى أتباع "مقتدى الصدر". ثم بعد ذلك جرى اغتيال الزعيم الديني "باقر الحكيم"، واتهم به أيضاً أتباع "مقتدى الصدر". وبذلك تكون الساحة الشيعية قد صفيت من خصوم الصدر، ولم يبق في العراق منهم سوى "آية الله على سيستاني" (اُنظر صورة آية الله علي سيستاني)، الذي حاصرته قوات الصدر في منزله بالنجف، إلا أن أتباع السيستانى أجبروا أتباع الصدر على التراجع. وقد صنف "مقتدى الصدر" على أنه رجل إيران المفضل لديها في العراق، والذي يجب أن يمثل المرجعية الدينية الوحيدة لشيعة العراق بعد السيستاني.

ولكن لكون الصدر غير مؤهل دينياً لشغل هذا المنصب، فقد استضافته إيران قرابة عام لتأهيله دينياً، وإعطائه مرتبة دينية تؤهله لزعامة الشيعة في العراق، ولتكون تابعة بعد ذلك للمرجعية الإيرانية في قُم، وبحيث تستبدل مرجعية النجف بمرجعية قُم؛ وبذلك تنفرد إيران بزعامة الشيعة على مستوى العالم.

رابعاً: مطاردة رأس النظام واعتقاله

فيما استضاف ملك الأردن بنات صدام، وهو ما أثار غضب العراقيين، وأدى إلى حادث تفجير عربة مفخخة بقرب السفارة الأردنية في بغداد، كثفت القوات الأمريكية والمخابرات المركزية من جهودها لملاحقة صدام والإمساك به، لاسيما بعد مقتل ابنيه عدي وقصي. وأنشأت مركز قيادة خاص وفرقة خاصة لمتابعة عمليات مطاردته (أطلق عليها الفرقة 20)، وقد حصرت المناطق التي يتنقل بينها من قرية إلى أخرى على طول نهر دجلة فيما بين تكريت وسامراء، وفي المناطق المجاورة بشمال وغرب بغداد، لاسيما في المنطقة الصحراوية حيث العشائر والقبائل التي أغدق عليها قبل سقوطه وظلت موالية له، والتى اتفق معها مسبقاًً على إيوائه في حالة سقوط نظامه، وحتى يتمكن من استعادة الحكم مرة أخرى. لاسيما وأنه يحتفظ بحوالى مليار دولار يوزعها في أماكن لا يعرفها غيره، منها أموال حملها معه عقب انهيار نظامه، ما يمكنه من شراء الأشخاص وإيجاد المأوى.

وهو لا يستخدم الهواتف خوفاً من رصد مكانه بواسطة أقمار التجسس، ولكن يتعامل مع أعوانه من طريق المبعوثين. وكانت الإدارة الأمريكية قد أعلنت عن جائزة 25 مليون دولار لمن يبلغ عن مكانه. وقد وصلوا إلى بعض الأماكن التي كان فيها صدام، ولكنه كان يغادرها قبل وصول القوات الأمريكية إليها بساعات، حيث اتضح أنه يُغيِّر مكان وجوده كل أربع ساعات، بعد أن بلغت عمليات المداهمة التي تجرى بحثاً عنه ألف عملية في اليوم، ونجحت في الامساك بعدد من حراسه ومساعديه وأنصاره، أبرزهم وزير الداخلية "محمد دياب الأحمر"، وحارس صدام الشخصي "عدنان عبد الله عبد المسلط" في مزرعة بتكريت.

وكان أهالى تكريت قد حطموا تماثيله في المدينة، وبعثوا برسالة إلى مجلس الحكم (اُنظر صورة مجلس الحكم العراقي) أعلنوا فيها تبرؤهم منه، كما ضبطت كميات ضخمة من الأسلحة والذخائر تحت تصرفهم، تضم صواريخ مضادة للطائرات قصيرة المدى. وكانت المخابرات الأمريكية قد وزَّعت ست صور مُعدلة بالكمبيوتر لوجه صدام، تظهر بعض مظاهر التخفي التي قد يلجأ إليها لتغطيه ملامح جديدة. (اُنظر صورة مجموعة صور لصدام حسين)

وكان صدام قد كلف سكرتيره الشخصي "عبد حمود"، بتوصيل رسالة إلى الأمريكيين، عرض فيها وقف عمليات المقاومة مقابل إيقاف ملاحقته، على أن يتدبر أمر خروجه وجميع عائلته من العراق، وكان ذلك قبل مقتل ولديه عدي وقصي. إلا أن القيادة الأمريكية رفضت العرض واعتقلت حمود، الأمر الذي أفقد صدام الأمل في النجاة، وشعر أن الأمريكيين قريبون منه، ما زاد وضعه النفسى سوءاً، لاسيما بعد أن عرف بمقتل ولديه.

وكان على القيادة الأمريكية في العراق، من أجل القضاء على أي هاجس لدى الشعب العراقي في إمكان عودة نظام "صدام حسين" لحكم العراق مرة أخرى، أن تبحث عنه وتمسك به حياً أو ميتاً. ولأنه كان مدركاً لذلك، فقد تنقل بين عدة أماكن بعد توقف القتال، ولكنه، بعد تساقط معظم أعوانه ومقتل ولديه، لم يكن قادراً على مواصلة الانتقال بين الملاجئ التي أعدها لنفسه من قبل، لاسيما بعد أن ضاقت الدائرة من حوله، وزادت القوات الأمريكية وأجهزة المخابرات الأمريكية من مطاردة كل أعوانه، الذين كان بإمكانهم معاونته في تأمين تنقلاته والإمساك بمعظمهم واستجوابهم حول الأماكن التي يمكن أن يلجأ إليها صدام للاختفاء فيها، فضلاً عن تشديد المراقبة على طرق التحرك المحتمله له في محافظته تكريت، التي أشارت المعلومات إلى احتمالات قوية لاختبائه فيها لوجود عشيرته فيها.

وتكثفت أعمال البحث المعلوماتي عن الأشخاص المقربين لصدام وكانوا في خدمته، ويمكن ان يكونوا وسائل إمداده باحتياجاته المعيشية من مأكل ومشرب ودواء.. الخ، شددت المراقبة على الجميع، ثم انحصرت الشبهات في واحد من أعوانه، وبعد إعتقاله واستجوابه، واغرائه بالحصول على المكافأة المخصصة لمن يرشد إليه، وهي 25 مليون دولار، أفاد باسم من عائلة صدام يقوم بخدمته في منطقة قريبة من مسقط رأسه في تكريت. وباعتقال هذا الشخص، في 14 ديسمبر 2003، في بغداد في اليوم السابق للقبض على "صدام حسين"، واستجوابه أفاد بوجوده في منطقة (الداور AL-Dawr).

وفي الساعة السادسة مساءً، وتحت غطاء الظلام، تحركت قوة مكونة من 600 جندي من اللواء الأول التابع للفرقة الرابعة المشاه الأمريكية، نحو هدفين كان من المحتمل وجوده في إحداهما في منطقة الداور، وكانت المهمة المكلفة بها هذه الوحدة هي القبض على "صدام حسين" أو قتله، وعندما اقتحموا الهدفين، اللذين أطلق عليهما الاسم الكودي Wolverine1 and Wolverine2، في الساعة الثانية صباحاً، لم يجدوا أحداً فيهما، عند ذلك حاصروا المنطقة، وعندما أخبروا الشخص الذي دلهم على هذا المكان بعدم وجود صدام فيهما، أصر على أقواله بأن صدام موجود في أحد هذين المكانين.

عند ذلك عاودت القوات ببحث في المنطقة أكثر اتساعاً ودقة وتكثيفاً، فاكتشفوا وجود مجموعة منازل ريفية محاطة بسور، وتحوي هيكل معدني تحت الانشاء، و كوخ من الطمي. وبالبحث داخل هذا المكان عثر أحد الجنود بسلك كهرباء، وبتتبعه أوصله إلى حفرة عنكبوتية Spider Hole مخفاة بالطوب والوحل، ومغطاه بمشمع وسجاد. وعندما نظر الجنود داخل الحفرة وجدوا داخلها شخصاً رافعاً يديه يريد الاستسلام، وكان الجنود على وشك القاء قنبلة يدوية داخل الحفرة، عند ذلك صاح صدام بالانجليزية "اسمى صدام حسين، أنا رئيس العراق وأريد أن أتفاوض"، عند ذلك سحب من الحفرة في الساعة الثامنة و36 دقيقة صباحاً، وقيدت يداه ووضعت عصابة على عينيه، فأجابه الرائد "بريان ريد": "الرئيس بوش يبلغك تحياته"، واعتُقل شخصان كانا يوفران الحماية والخدمة لصدام حسين. (اُنظر شكل مخبأ صدام حسين)

كان مقاس الحفرة التي كان يختبئ فيها "صدام حسين" 1.8 × 2.4 م، وما تكاد تكفي شخصاً واحداً لكي يرقد فيها، ومزودة بفتحة تهوية ومروحة. وكان صدام يستخدم الكوخ المجاور للحفرة من وقت لآخر، حيث وجد فيه ملابسه ومطبخ وصنبور مياه. وكان صدام ينتقل من الكوخ إلى الحفرة عندما يشعر بوجود قوات التحالف قريبة منه، وكانت الحفرة قريبة من نهر تيجري Tigris، ووُجد مع صدام صندوق به 750 ألف دولار نقداً فئة مائة دولار، ومدفعان رشاش من نوع AK-47، وحقيبة بها مستندات، ولم يوجد معه أي وسائل إتصال، ما ينفي ما أشيع حول قيادته لعناصر المقاومة.

وفي الساعة التاسعة والربع مساءً، اقتيد صدام الى مكان آمن تابع للفرقة الرابعة مشاه الأمريكية، وجرى تصويره وهو على الحال الذي اعتقل فيه، من حيث كث الشعر واللحية أشعثها (اُنظر صورة صدام حسين لحظة القبض عليه)، وتولى طبيب أمريكي بفحصه طبياً. وفور التأكد من شخصيته بواسطة أعضاء من المجلس الرئاسي، عقد الحاكم بريمر مؤتمراً صحفياً، شاركه فيه أعضاء المجلس الذي شاهدوا صدام وعرفوه بعد اعتقاله، وعرض شريط فيديو لعملية اعتقاله وقيام الطبيب الأمريكي بفحصه، ليتأكد أفراد الشعب من صدق الخبر الذي أعلن، الأمر الذي يقضي على أية شائعات تفيد بقيادته لعمليات المقاومة. وبعد ذلك جرت محاكمة صدام على الجرائم التي ارتكبها في حق الشعب العراقي بواسطة محكمة عراقية مدنية، أتيح له فيها الدفاع عن نفسه، وصدر ضده الحكم بالاعدام شنقاً، ونفذ الحكم فيه صباح يوم عيد الاضحى.

يرجع نجاح هذه العملية، التي أُطلق عليها "الفجر الأحمر"، إلى الجهد المكثف الذي قامت به وحدة تحليل معلومات خاصة داخل جهاز المخابرات الامريكية، جمعت كمية كبيرة من المعلومات حول الأماكن التي يمكن أن يلجأ إليها "صدام حسين" بين عشيرته في مسقط رأسه تكريت، والأشخاص المقربين له ويمكن أن يقوموا بخدمته، وباستجواب الكثير من المعتقلين الذين كانوا مقربين من صدام، وبتحليل دقيق للمعلومات التي استخرجت من الكمبيوتر، أمكن التوصل للشخص الأول، الذي أدلى بالمعلومات التي قادت إلى الشخص الثاني، الذي قاد إلى "صدام حسين".

وتعرف عملية تحليل المعلومات هذه بـ"المخابرات العملياتية Actionable Intelligence "، والتي تؤدي إلى توجيه القوات إلى مكان وهدف محدد. إلا أنه في مرحلة استجواب الشخصين اللذين قدَّما المعلومات التي قادت الى اعتقال "صدام حسين"، كان للمكافأة بقيمة الـ25 مليون دولار، المخصصة للإرشاد إليه، دور كبير في اغرائهما بتقديم مزيد من المعلومات التي أدت اليه، وهو ما برز في إصرار الشخص الثاني على اعتقاده بوجود صدام في هذا المكان، رغم أن تفتيش المكان في المرة الأولى لم يؤد إلى شيء.