إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / غزو العراق عام 2003




مواقع عسكرية قًصفت بالذخائر الذكية
موقع سد الحديثة
مجموعة صور لصدام حسين
محمد سعيد الصحاف
مجلس الحكم العراقي
آية الله علي سيستاني
أركان النظام الصدامي
المظاهرات تعم مدن العالم
بليكس والبرادعي
تحطيم تمثال صدام حسين
صدام حسين لحظة القبض عليه
كولين باول
عناصر القيادة السياسية العسكرية في الحرب
قادة المعارضة العراقية

أهم المدن العراقية
مناطق الاحتلال (سبتمبر 2003)
مناطق القاعدة (ديسمبر 2006)
مناطق القاعدة ديسمبر 2007
أوضاع فرق الحرس الجمهوري
محاولة اغتيال صدام
محاور التقدم الرئيسية والمساعدة
مخبأ صدام حسين
مستويات هجمات قوى التمرد
الأهداف الإستراتيجية في وسط بغداد
الليلة الأولى لقصف بغداد
الهجوم على مطار صدام الدولي
التمرد والعصيان
انتشار قوات التحالف
الحلقة الدفاعية حول بغداد
اقتحام الفرقة الثالثة لبغداد
توزيع قوات الحرس الجمهوري ومواقع قوات التحالف
حصاد ثلاثة أسابيع من المعارك
سيناريو الحرب البرية المتوقع
غزو العراق
قوات التحالف في الحرب
قاعدة العديد الجوية بقطر

معركة الاستيلاء على جزيرة الفاو
أقسام العراق الطائفية والعرقية (بالمحافظات)
المحافظات العراقية
التوزيع السكاني للأكراد بين دول المنطقة
التوزيع السكاني في المحافظات
تحرك القوات الأرضية والقوات الخاصة
خرائط الجمهورية العراقية



بسم الله الرحمن الرحيم

المبحث الثالث عشر

الدروس العسكرية المستفادة

أولاً: على المستوى الإستراتيجي

ثبت أن من الأسباب الرئيسة لهزيمة الجيش العراقي، في حرب عام 2003، وما قبلها من هزائم في منطقة الشرق الأوسط، وأشهرها هزيمة الجيوش العربية، في عام 1967 أمام الجيش الإسرائيلي، أن أكبر تهديد يواجه أمن الدولة أن يعمل جيشها بأمور سياسية، لعدة أسباب، أهمها أن ذلك سيكون بالقطع على حساب اهتمام الجيش بمهامه القتالية، واستعداده لتنفيذها، وبما يتعلق بها من أمور معقدة مثل التدريب على مهام العمليات، وتطوير الأسلحة والمعدات وأساليب الاستخدام القتالي، وإعداد الدولة للحرب، إلى غير ذلك من المهام الدفاعية. فضلاً عن أن إقحام الجيش في أمور السياسة سيستتبعه تلقائياً انتقاء قادته على أساس الولاء السياسي وليس الكفاءة القتالية والمهارة والخبرة القيادية.

ولأن ضباط الجيش من حيث التأهيل غير ملمين بالأمور السياسية الداخلية والخارجية بنفس المستوى العلمي والمهني، والخبرات التي لدى الكوادر السياسية والاقتصادية المدنية، فمما لا شك فيه أن ضباط الجيش لن يؤدوا ما سيُطلب منهم من أعمال في مجال السياسة بنفس الكفاءة التي لدى الكوادر المدنية المدربة والمؤهلة على ذلك. ومن ثم فإن إقحام الجيش في السياسة سيكون وبالاً على القطاعين العسكري والمدني السياسي فى آن واحد. لذلك فإنه ينبغى على القيادات السياسية في الدولة أن تجعل الجيش محترفاً عسكرياً فقط، ولا يُقحم في موضوعات سياسية داخلية أو خارجية.

وعلى مستوى السياسة الدفاعية، أبرزت حرب العراق الأخيرة مشكلات حول استخدام القواعد العسكرية فيما وراء البحار، وهو ما يعكف البنتاجون على إيجاد حلول لها. حيث اكتشفت واشنطن أنها لا تستطيع استخدام قواتها ومعداتها الموجودة في قواعد قريبة أو داخل الشرق الأوسط، لكونها لا تستطيع أن تلحق بهم فوق أراضي بعض الدول التي تعارض الحرب في العراق، كما في حالة تركيا والسعودية. لاسيما وأن اعتراضات كثيرة قامت في وجه الوجود العسكري الأمريكي خارج الأراضي الأمريكية، منها اعتراضات نابعة من الداخل الأمريكي لأسباب سياسية واقتصادية، تتمثل في التكاليف الباهظة المصاحبة لهذا الوجود، واحتمالات وقوع خسائر جسيمة في الأفراد لا يقبلها المجتمع الأمريكي. إلى جانب اعتراضات أخرى من الدول المضيفة، سواء حكومات أو شعوب، لأسباب سياسية وأيديولوجية معروفة.

لذلك تتحرك الولايات المتحدة الأمريكية سريعاً نحو تخفيض وجودها في منطقة الخليج، لاسيما مع الحاجة لتنفيس الضغط الذي تقوم به منظمات وجماعات إسلامية متشددة مناهضة للوجود الأمريكي في المنطقة، والسياسة الأمريكية بوجه عام، وخشية أن يأتى الدور على دول أخرى في المنطقة ـ إيران وسورية ولبنان ـ بعد العراق، تستأنف ضدها الولايات المتحدة الأمريكية حروبها في المنطقة. لذلك يسعى البنتاجون إلى اعتماد سياسة دفاعية تستهدف تخفيض قواتها بالخارج، في الوقت نفسه الذي تفكر فيه في إنشاء قواعد عائمة، مع الاستعانة بالدول التي ترحب بالوجود العسكري الأمريكي على أراضيها، لتشكل مراكز لتجميع القوات الأمريكية في وقت الأزمات. ويمكن من خلال هذه المراكز القريبة من مصادر التهديد للولايات المتحدة الأمريكية، شن هجماتها العسكرية دون الاعتماد على القواعد الجوية الثابتة التي تتطلب وجوداً عسكرياً دائماً فوق أراضي الدول المضيفة.

ولأن نقل وحشد هذه القوات في مراكز تجمعها المتقدمة قد يستغرق أياماً وأسابيع بوسائل النقل الجوي والبحري المتاحة حالياً، لذلك تُبذل الجهود في البنتاجون لتحويل وتطوير مشروعات لبناء طائرات نقل عملاقة، وسفن أسرع بكثير من سفن النقل العابرة للمحيطات، يمكنها حمل المئات من الجنود بمعداتهم وأسلحتهم ومركباتهم القتالية إلى مراكز تجمعهم الأمامية في مسرح العمليات المنتظر، لشن الهجوم في الوقت المحدد ودون تأخير. وترشح السياسة الدفاعية الأمريكية الجديدة البلدان الشيوعية السابقة في أوروبا ووسط آسيا، لتكون مراكز تجمع أمامية لقواتها، لقربها من منطقة الخليج والبحر المتوسط والشرق الأوسط، المرشحة أكثر من غيرها لتشكل تهديداً للأمن القومي الأمريكي. لذلك من المتوقع أن تعيد توفيق مواقعها المتقدمة في العالم، واستبدال هذه القواعد بنظام قواعد أصغر حجماً، وقد تكون مؤقتة في بعض الدول.

وتعكس التطورات السياسية في الشرق الأوسط اتجاهاً أكبر في البنتاجون لنقل القوات الأمريكية من قواعدها المقامة في مناطق آهلة بالسكان في أوروبا وآسيا، إلى مناطق أخرى ريفية، تصلح لإنشاء مدارج للطائرات فيها. وتم فعلاً تجهيز بعض هذه المناطق في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، لتناسب التنظيم الجديد لقوات الانتشار السريع الأمريكية. وبدلاً من المنشآت الضخمة باهظة التكاليف، يجري التفكير حالياً في البنتاجون لتطوير نوع جديد من القواعد يُطلق عليه قواعد عمليات متقدمة، ونوع آخر يُطلق عليه مراكز عمليات متقدمة. مع تشكيل قوة دائمة للردع تابعة للناتو، ومشكَّلة على غرار نمط قوات الانتشار السريع. يتواكب مع ذلك إعلان عدد من مراكز قيادة حلف الناتو، عن أهمية تطوير نظام مرن للقيادة والسيطرة يكون بديلاً عن المتاح حالياً، وهو ما يتطلب إقراره من الدول الأوروبية. وسيترتب على ذلك تقليص حجم قوات الناتو تقليصاً كبيراً.

يعتبر التوقع المسبق للأزمات السياسية والامنية بواسطة أجهزة صنع القرار السياسي في الدولة، من أهم المهام المنوطة بها هذه الأجهزة وأخطرها، وذلك من قِبل العدائيات المحيطة بالدولة من الخارج وفي الداخل، بل واحتمالات تصاعد هذه الأزمات حتى تصل إلى مستوى الحرب غير المحددة. وهو ما يفرض تعرف الأهداف والمخططات المعادية، ورسم سيناريوهات متوقعة لمسار الأزمات، ومن ثم تحديد خيارات مواجهتها بدءاً بالعمل الدبلوماسي وانتهاءً بالعمل العسكري المفتوح.

وبدون التوقع المسبق للأزمات ودراسة أساليب مواجهتها، تصبح مؤسسات الدولة وأجهزتها شبه عمياء، وغير مدركة لما يُحاك ضدها من مؤامرات ومخططات معادية، ثم تفاجأ بها وهي غير مستعدة لمواجهتها، وهنا تحدث الصدمة والارتباك الذي يؤدي إلى الفشل الذريع وسقوط الدولة في أيدى أعدائها، وقد يكون هذا السقوط سريعاً ومدوياً. وهذه الدراسة لا ينبغى أن تقتصر فقط على أجهزة صنع القرار الرسمية في الدولة (الوزارات المعنية وأجهزة المخابرات ووحدات إدارة الازمات)، بل أيضاً مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية، والأكاديميات العلمية والتكنولوجية، والمعاهد المتخصصة... إلخ.

وبناء على ما ستخرج به هذه الدراسة من تحديد للعدائيات والأزمات المحتملة، سيكون من السهل بعد ذلك تحديد مسرح العمليات المستقبلي والمتوقع إدارة الازمات عليه، وهو الذي ستتفاعل فيه طبيعة الارض مع وسائل القتال التي ستستخدمها الجيوش المتحاربة (الصديقة والمعادية والمتحالفة)، وتحديد السعة الإستراتيجية والتعبوية لهذا المسرح، وما يحويه من محاور تحرك وقدرة على الانتشار والحركة، والموانع الطبيعية والصناعية التي يمكن أن تحد من حرية القتال والمناورة، وتأثير طبيعة الأرض على استخدام وسائل القتال، ومن ثم أحجام القوات المتضادة طبقاً لسعة المسرح ونوعياتها، وتأثير كل ذلك على الأهداف والمهام الإستراتيجية للقوات المتحاربة، وفكرة الاستخدام القتالي لها (خطة العمليات)، ومدى التعاون المطلوب من الدول الأخرى المجاورة في مسرح العمليات، والذي بناء عليه يجري عقد التحالفات العسكرية وأعمال التعاون والتنسيق الإستراتيجي.

فإذا ما تم تحديد مسرح العمليات، فإنه ينبغي السعي لإعداده هندسياً ليلائم طبيعة العمليات الدفاعية أو الهجومية المتوقع أن تجري عليه، من حيث بناء الدفاعات والتحصينات، وشق طرق التحرك وإنشاء مطارات وأراضي هبوط وموانئ، وإقامة منظومات الموانع الصناعية التي ينبغي أن تكون مكملة للموانع الطبيعية الموجودة، فضلاً عن تجهيز الوسائل وأساليب التغلب على الموانع الطبيعية، التي قد تحد من حرية حركة القوات أو تجنبها، مع تحديد أنسب أنظمة التسليح التي تلائم طبيعة العمليات العسكرية التي ستجري ـ سواء دفاعية أو هجومية ـ وما قد تحتاجه من تطوير وتحديث.

مع العلم بأن مسرح العمليات المستقبلي في منطقة الشرق الأوسط سيشمل العواصم والمدن الرئيسة والمناطق السكانية التي ستطولها الصواريخ البالستية المعادية، وسيكون مشبعاً بأحجام ضخمة من القوة العسكرية البشرية وأنظمة التسليح الحديثة والقديمة، فضلاً عن السكان المدنيين والمنشآت الإستراتيجية في المناطق الخلفية التي ستستهدفها الهجمات الصاروخية البالستية والجوية. حيث ستشكل المناطق الخلفية امتداداً لجبهات القتال الأمامية، الأمر الذي سيلقى على عاتق الجيوش أعباءً إضافية في الدفاع عن الأهداف المدنية والسكانية ذات الأهمية الإستراتيجية، لاسيما في تهجير السكان إلى أماكن بعيدة عن مناطق الاشتباكات المسلحة.

لذلك يعد تجهيز المدن للدفاع بنوعيه الثابت والمتحرك، والصمود فترة طويلة للحصار، من المهام الرئيسة في إعداد مسرح العمليات، فقد يؤدي نجاح المدن في الصمود أمام هجمات معادية شديدة إلى تغيير مسار الحرب ونتائجها (معركة ستالينجراد ولينينجراد في روسيا أثناء الحرب العالمية الثانية، والسويس في حرب أكتوبر 1973).

ومع تحديد أبعاد مسرح العمليات وحل مشكلاته وإعداده للحرب، ومعرفة تصور المخطط الإستراتيجي للقتال فيه دفاعاً أو هجوماً، ينبغى تدريب القوات على تنفيذ المهام القتالية التي ستُكلف بها داخل مسرح العمليات، وأن يكون التدريب واقعياً وشاملاً لكل عناصر المعركة نهاراً وليلاً، واضعين في الحسبان جميع الاساليب المضادة التي سيلجأ إليها العدو، وتحديد وسائل وأساليب مواجهتها. وإذا كان من الصعب تأمين مبدأ المفاجأة في حشد وتحريك القوات إلى مسرح العمليات، فإن البديل لذلك يتمثل في الخداع بأبعاده السياسية والإستراتيجية والتكتيكية، والذي من خلاله يمكن تضليل العدو عن نوايانا العملياتية من حيث المكان والزمان، وطبيعة العمليات العسكرية والقائمين بها، ومن خلال الخداع يمكن تحقيق المفاجأة المطلوبة.

وإذا ما فُرضت على الدولة حرب أو صراع مسلح من قِبل دولة أخرى، تتمتع قواتها بتفوق تكنولوجي من الصعب اللحاق به بسبب القيود الدولية المفروضة على تصدير التكنولوجيا المتقدمة، فإنه من الممكن تحييد هذا التفوق النوعي باستغلال ما تتمتع به الدول العربية من تفوق كمي في القوة البشرية العسكرية والأسلحة التقليدية. فطبقاً لقانون (لانشستر)، فإنه يمكن لقوة متفوقة كمياً بقيمة الضعف أن تُحيِّد قوة معادية متفوقة نوعياً بنفس القيمة، خاصة إذا ما جرى حشد القوات في اتجاه المجهود الرئيس للعمليات بمهارة، وأمكن تجزئة قوات العدو وتدميرها على مراحل، وذلك على أساس إشغال القسم الأكبر من القوات المعادية وتثبيتها بواسطة قوة صغيرة من القوات في حدود 20% منها، وتخصيص باقي القوات لتدمير العدو على مراحل وتحقيق التفوق عليه في كل مرحلة على حدة. كما يمكن التغلب على التفوق النوعى للعدو أيضاً بزيادة الثقل النيراني في وحدات القوات، على سبيل المثال استخدام راجمات الصواريخ متعددة المواسير بدلاً من المدافع أحادية المواسير، مع أهمية الوضع في الحسبان أن ليس من المهم لأية قوة قائمة بالهجوم أن تصل بنجاح إلى الهدف أو المنطقة المكلفة بالوصول إليها، ولكن الأهم من ذلك أن تكون قادرة على البقاء فيها والتمسك بها، وصد الهجمات المضادة التي قد تتعرض لها من قِبل العدو، يرتبط بذلك سرعة دفع وحدات خفيفة الحركة، سواء برية أو بالانزال الجوي، لدعمها ومساعدتها على صد ما تتعرض له من هجمات مضادة، مع سعي القوات البرية في الخلف إلى الوصول إليها والاتصال بها، وعدم تركها منعزلة لفترة طويلة في أرض العدو.

أما في الدفاع، فإن الأمر يتطلب ضرورة المحافظة على الاتزان الدفاعي في مسرح العمليات، بمعنى أنه عند دفع قوة مدرعة لشن هجوم مضاد، يجري على الفور تشكيل قوة أخرى تحل محلها تكون بمنزلة احتياطي لمواجهة طوارئ المعركة، وعدم ترك القوات دون وجود احتياطي لها في جميع الأوقات، لمواجهة الاحتمالات المختلفة في المعركة، لاسيما مع إتباع الجيوش الأجنبية المتقدمة أساليب (الحرب الجوبرية) معتمدة على تفوقها الجوي، وبما يخضع جميع تشكيلات الخصم للعمليات الهجومية في كل العمق الدفاعي. بمعنى أن تكون مهاجمة دفاعات الخصم من الأمام ومن الأجناب بعمليات الالتفاف والتطويق، وفي الخلف بهجمات جوية وعمليات إبرار جوي، وبما يشل جميع عناصر تشكيل معركته، ويسهل من ثم اختراق دفاعاته والوصول إلى العمق بسرعة وسهولة.

وفي حالة عدم وجود حجم كافٍ من الاحتياطيات الإستراتيجية لمواجهة أعباء المعركة في عمقها، ومفاجأة العدو بحشد وإقحام قوات إضافية ـ سواء من مصادره أو مصادر خارجية ـ ينبغي أن تكون الدولة مستعدة لمواجهة مثل هذه المواقف بجلب قوات إضافية من مصادر حليفة من خارج المسرح، والإعداد مسبقاً لتحريكها إلى داخل المسرح واستيعابها داخلها، بما يعيد الاتزان للقوات.

وتعد المتابعة الاستخباراتية المستمرة لما يجري في أرض العدو، من الحصول على أنظمة تسليح ومعدات متقدمة تكنولوجياً، أمراً في غاية الأهمية، حتى لا يُفاجأ بها في أثناء القتال، بما في ذلك من تأثيرات سلبية على القوات. لذلك يجب تحليل كل معدة جديدة يحصل عليها العدو، وتحديد نقاط الضعف فيها، مهما كانت درجة تطور ومستوى حداثة هذه المعدة وقوتها. وفي هذا المجال يتوقع أن تلعب الطائرات من دون طيار دوراً كبيراً في الحروب القادمة، سواء في مهام الاستطلاع أو القصف الجوي الموجه عن بعد.

وحتى هذا التطور في استخدام وسائل القتال الحديثة من الممكن الحد من خطورته وتحييده باستخدام السدود النارية، بواسطة المدافع والرشاشات الثقيلة المضادة للطائرات، لاسيما وأن الطائرات من دون طيار تحلق بسرعات أقل بكثير من سرعة المقاتلات.

كما تبرز في مسرح العمليات المستقبلي تطوير آليات القيادة والسيطرة، والتي تضم في إطارها الاستخبارات والاتصالات والكمبيوتر والانترنت وإدارة المعركة C4I and management، ويدخل فيها البعدين الجوي والفضائي من خلال طائرات القيادة والسيطرة والأقمار الصناعية. وهو التطوير الذي يجب تطويع القوات المسلحة له وبما يكفل تأمين توصيل معلومات دقيقة وكاملة وموقوتة عن العدو، وأوضاع القوات لمستويات القيادة كافة، ورد الفعل السريع لإجراءات العدو، أو المبادرة بالفعل المطلوب اتخاذه لإحباط تحضيرات العدو.

ويعد تحقيق السيادة الجوية أو التفوق الجوي فوق مسرح العمليات أمراً أساسياً لنجاح أي عمليات هجومية أو دفاعية، لتأمين المعاونة النيرانية الجوية للقوات البرية، وتوفير الحماية الجوية لها. ولكن قد لا يتحقق ذلك بسبب تفوق العدو الجوي، خاصة التفوق النوعي في طائرات القتال، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يكون قيداً على حرية حركة القوات وقيامها بتنفيذ ما تُكلف بها من مهام قتالية، باستخدام وسائل الدفاع الجوي الأرضية بأعلى مستوى من الكفاءة القتالية، والحشد والتركيز وأسلوب السدود النارية فوق أرض المعركة، والرادارت السلبية التي لا تنتج نبضات كهرومغناطيسية تستغلها طائرات العدو في توجيه صواريخها ضدها. واستغلال فترات الأحوال الجوية السيئة التي تعيق استخدام العدو لطيرانه في تنفيذ أعمال قتال رئيسة من جانب القوات (تحركات، هجمات مضادة).

الترشيد في استخدام القوة البشرية العسكرية، بما يقلل إشغال مقاتلين في أعمال إدارية وكتابية إلى أدنى حد، والاستفادة بهم في مهام قتالية، وتكليف مدنيين أو كبار السن والنساء بالأعمال الإدارية والمكتبية، كذلك ترشيد الموارد المالية بما يخصص معظمها لأعمال تطوير الأسلحة والمعدات، وأنظمة القيادة والسيطرة، مع إعطاء القوات البرية استقلال نيراني كافٍ يقلل اعتمادها على المعاونة الجوية، بزيادة حجم وحدات المدفعية الموجودة مع التشكيلات الميدانية (فرقة ولواء)، وتطوير نوعيتها بما يزيد من مداها وقوتها النيرانية. مع الاهتمام بأن يكون التطوير على الصعيدين الرأسي (النوعي) والأفقي (الكمي)، مع الوضع في الحسبان أن القوات الخاصة سيكون الاعتماد عليها في الحروب القادمة كبيراً، من حيث تحديد الأهداف مبكراً في أرض العدو، وتوجيه القوات الجوية والبرية نحوها، والتعامل مع الأهداف التي يصعب على القوات الجوية تدميرها، خاصة عند القتال في المدن.

أما بالنسبة للقوات الجوية، فإن المهام التي ستكلف بها في حروب المستقبل ستزداد، خاصة الطائرات العمودية الهجومية، التي يُعتقد أنها ستحدث انقلاباً في موازين المعركة، بالنظر لما توفره من خيارات عملياتية عديدة عند التعامل مع الأهداف المعادية في العمق، مثل مواقع إطلاق صواريخ أسلحة الدمار الشامل، ومراكز القيادة، ومواقع المدفعية، والاحتياطيات المدرعة، ومواقع الدفاع الجوي والمناطق الادارية... إلخ، فضلاً عن تقديم الدعم والمساندة للقوات الخاصة التي سيجري إبرارها بالطائرات العمودية الاقتحامية في العمق، تطبيقاً لاساليب (الحرب الجوبرية). لذلك ستحرص قيادات القوات الجوية على دمج كل عناصر قتالها الرئيسة (أسراب المقاتلات والمروحيات والنقل) مع عناصر الدفاع الجوي الأرضية في منظومة قيادة وسيطرة واحدة.

إن التخطيط الجيد للحرب أمر مطلوب ومهم، إلا أن الأهم من ذلك هو تنفيذ الخطط أثناء الحرب، وإدارة العمليات في مواجهة العدو الذي سيسعى إلى عرقلة تنفيذ هذه الخطط، وهو ما ينبغي التحسب له والتدريب عليه مسبقاً، بتوقع أعمال العدو وكيفية مواجهتها. لذلك ينبغي على القادة أن يتفهموا أن الخطط الموضوعة ليست حبلاً رفيعاً مشدوداً يتعين السير عليه كما يفعلون في السيرك، ولكنها طريق يمكن أن تتقدم عليه بسرعة أو ببطء، وأن تعرج فوقه يميناً أو يساراً لتجنب نيران العدو.

وتعد الحرب النفسية الموجهة ضد قوات العدو وشعبه، من خلال وسائل الإعلام المختلفة، والمنشورات التي تلقى عليه بالطائرات من الأساليب القوية في إضعاف روحهم المعنوية، والتأثير سلباً في كفاءته القتالية. ولضمان نجاح الحرب النفسية في تحقيق الهدف منها، ينبغي أن تكون موجهة بذكاء، وذات صدقية عالية، وتمس أعصاباً حساسة عند العدو، وصادرة من أكثر من مصدر عند القوات وأيضاً الحلفاء. وقد استخدمت مؤخراً وسائل كثيرة جديدة في توصيل معلومات الحرب النفسية، مثل الهواتف المحمولة التي تحمل رسائل إلى أفراد الشعب والقوات المسلحة، وكذلك البريد الالكتروني. وإذا كانت الحرب النفسية لم تنجح في دفع القوات العراقية إلى التمرد على النظام، إلا أنها تمكنت من التأثير سلباً في الروح المعنوية للكثير من الجيش العراقي، ودفعتهم إلى الهروب من وحداتهم تاركين أسلحتهم، وإلى إحجام قادة وحدات الصواريخ وأسلحة الدمار الشامل عن استخدامها.

ثانياً: المستوى التكتيكى

الاهتمام بتنمية روح "جماعية القتال" على مستوى الوحدات والوحدات الفرعية، ابتداءً الفصيلة والسرية وحتى الفرقة، وذلك من خلال التدريب في فرق قتال، بحيث يضم الفريق عناصر المعركة المشتركة من مشاة ومدرعات ومدفعية ومهندسين وقوات خاصة ومعاونة نيرانية. وبذلك يمكن القضاء على روح الفردية، بخلاف الجيوش المتقدمة التي تقاتل بروح الفريق. يتواكب مع ذلك الارتقاء بالفرد المقاتل من حيث النواحي الصحية والبدنية والمهنية واللوجستية (إيواء، مأكل، ملبس، ترفيه، إجازات، حسن معاملة... إلخ)، بما يرفع من روحه المعنوية، ويجعله يؤمن بالقضية التي يقاتل من أجلها وعدالتها، وأن انتصاره فيها يعود بالخير عليه وعلى أهله ومستقبل أولاده، وأنه جزء من الأرض والوطن الذي يستميت في الدفاع عنه، مع تدريبه على مواجهة أساليب الحرب النفسية المعادية. وبالتوازي مع الاهتمام بالفرد المقاتل ينبغي إعطاء اهتمام كافٍ لصيانة وإصلاح الأسلحة والمعدات ومركبات القتال، وجعلها في حالة استعداد قتالي دائم.

ومع الاهتمام بتدريب الفرد ينبغي الاهتمام أيضاً بتأهيل الضباط والقادة على قيادة وحداتهم في المواقف المختلفة للمعركة، وألا يكون التأهيل نظرياً فقط، بل عملياً على تخطيط وإدارة العمليات الحربية بأنواعها المختلفة، وتنمية القدرة لديهم على الحصول على المعلومات ذاتياً، بواسطة إمكانات وحداتهم بتخصيص عناصر استطلاع داخلها، وعدم انتظار المعلومات من المستوى الأعلى، بل وأن يكون التدريب في ميدان العمليات المستقبلي، وعلى مهام العمليات التي ستنفذ في الحرب، وبفرض أصعب المواقف المتوقعة من جانب العدو. وأن يكون التدريب مستمراً لعدة أيام ليلاً ونهاراً، لوضع الضباط والجنود في ظروف أقرب ما يمكن للعمليات الحقيقية. وفي هذا الصدد ينبغي اعتماد أسلوب مركزية التخطيط ولا مركزية التنفيذ، بمعنى ارتباط قائد الوحدة بالأبعاد العامة للخطة، أما تنفيذها فيتم طبقاً لظروف المعركة، وبمبادرة منه، دون الرجوع إلى المستوى الأعلى إلا لإحاطته بالموقف فقط.

لا ينبغي أن تشكل حيازة العدو على أسلحة هجومية متطورة (مقاتلات ومدرعات حديثة) عائقاً يحول دون القدرة على المواجهة، حيث يمكن تحييد الإمكانات القتالية الهجومية لمثل هذه الأسلحة المتقدمة، بأنظمة دفاعية مضادة يمكن تحويرها لتصير ذات قدرات هجومية. فالصاروخ المضاد للدبابات يمكنه تحييد الدبابة المعادية، سواء بقتالها من موقع أرضي أو بتحميله في مركبة نصف نقل (فقد أمكن في الحرب التشادية عام 1986، أن يُحمِّل التشاديون الصواريخ المضادة للدبابات الفرنسية ميلان، في عربات تويوتا نصف نقل، ويستغلوا ما تتمتع به من سرعة في تدمير لواء مدرع ليبي في أقل من ساعة، باستغلال القوة النارية للصاروخ وخفة حركة العربة تويوتا، حتى أطلق على هذه الحرب "حرب التويوتا").

كما يمكن بالصواريخ أرض/ جو ذاتية الحركة تحييد المقاتلات والطائرات العمودية المعادية، واستخدام الصواريخ البالستية (أرض/ أرض) بأسلوب الإغراق الصاروخي ضد الأهداف الإستراتيجية المعادية في العمق، بإمكانه تعويض النقص في القاذفات بعيدة المدى. كما أن استخدام الصواريخ أرض/ جو والمدفعيات المضادة للطائرات، بأسلوب السدود النارية، يحد كثيراً من قدرة المقاتلات على قصف أهدافها بدقة، لاسيما إذا استخدمت السدود النارية في مناطق لا يتوقعها الطيران المعادي، وبما يشكل مفاجأة له.

لا ينبغى أيضاً أن تشكل الذخائر الذكية لدى العدو مشكلة، لأن طرق توجيه هذه الذخائر، سواء بالليزر أو بالأشعة تحت الحمراء، أو بالاتجاه نحو نبضات الرادار الكهرومغناطيسية، يمكن إبطال فاعليتها بعرقلة وسيلة التوجيه بإجراءات مضادة. في ذات الوقت الذي ينبغي فيه تحويل الذخائر التقليدية (قنابل الطائرات وقذائف المدفعية والصواريخ) إلى ذخائر ذكية، بواسطة مراكز البحوث العلمية، وهو أمر أصبح ممكناً من الناحية التقنية.

كما يمكن أيضاً استعواض النقص في وسائل الاستطلاع الفضائي والجوي في الحصول على المعلومات المطلوبة عن العدو، بزيادة الاعتماد على المخابرات البشرية بواسطة العملاء الممكن تجنيدهم في أرض العدو. فرغم القدرات الاستطلاعية الجوية والفضائية الأمريكية في حرب العراق، فإنها لم تستطع أن تستغني عن العملاء داخل العراق لتوفير ما تحتاجه من معلومات.

ينبغى إعطاء اهتمام أكبر بالتدريب على العمليات الليلية، لأن حروب المستقبل لن تفرق بين نهار وليل، بسبب قدرة الطيران وغيره من وسائل القتال على العمل ليلاً، بل واستغلال الليل في تنفيذ تحركات وأعمال قتال مخفاه عن رصد عيون الخصم. لذلك تعطي الجيوش المتقدمة اهتماماً كبيراً بتزويد أفرادها ومعداتها بأجهزة تمكنهم من القتال ليلاً، مع التدريب على القتال في عمليات هجومية دفاعية وخاصة (كمائن، إغارات)، لاسيما وأن عمليات القوات الخاصة سيكون لها دور كبير في الحروب القادمة، خاصة فيما يتعلق بحل المشكلات التكتيكية الصعبة، مثل فتح طرق تحرك أو إغلاقها، وتدمير أهداف ذات أهمية خاصة مثل المطارات، ومراكز القيادة أو المعابر، والجسور.. إلخ. والتي من المؤكد أنها ستكون أهدافاً لهجمات ليلية من قِبل القوات الخاصة للعدو، فضلاً عن تأمين وحراسة القولات الإدارية التي تتحرك ليلاً ضد هجمات القوات الخاصة للعدو ومجموعاته العاملة خلف الخطوط، لاسيما إذا ما طالت خطوط المواصلات داخل أراضي العدو، كما حدث في الحرب على العراق عام 2003.

يفضل عدم شن هجمات أو ضربات مضادة إذا لم يتيسر توفير غطاء جوي للقوات القائمة بها، ذلك أنه مجرد بقائها في مناطق تمركزها في الخلف في حماية الدفاعات الارضية سيحد من إمكانات العدو المهاجم من اختراق المناطق المتمركزة فيها، ويُقيِّد قدراته الجوية والبرية في تدميرها. ومن ثم ينبغي عدم إعطاء العدو الفرصة لتدميرالاحتياطات المدرعة بدعوى تحركها لشن هجمات مضادة. يرتبط بهذا الأمر أن يكون النظام الدفاعي بعمق ومتحرك، وبما يعرقل هجوم العدو ويجبره على الفتح المبكر والمستمر، ووقوعه تحت ستائر متتالية من النيران المباشرة وغير المباشرة للقوات المدافعة، لاسيما الموجودة في الأجناب والخلف، والتى سيحاول العدو تطويقها أو الالتفاف حولها أو إجراء عمليات إبرار جوى فوقها.

وهو ما يتطلب تنظيم تعاون بين القوات المدافعة في الأمام والمدافعة في الأجناب والخلف، وأيضاً مع الطيران، على أن يستمر هذا التعاون أثناء المعركة أيضاً، ويفرض ومن ثم تنظيم الاتصالات التي تحقق التعاون بين جميع عناصر تشكيل المعركة، والحصول على المعلومات لحظياً فور وقوع الحدث عبر شبكة الانترنت، وذلك ما يؤمن اتخاذ قرارات سليمة.

ثالثاً: عناصر التميز التي تؤدي إلى النصر

1. القوات البرية

امتازت القوات البرية بالسرعة العالية وخفة الحركة، بهدف الوصول إلى العدو في أقل وقت ممكن، ففي حرب تحرير الكويت عام 1991، كانت سرعة التشكيلات البرية لا تتجاوز 1 كم/ ساعة، في حين وصلت سرعة التقدم في حرب العراق عام 2003، إلى ثلاثة أضعاف هذه السرعة. وجرى تخفيض عناصر المدفعية الثقيلة الموجودة في صلب تشكيل الفرق المشاة والفرقة المدرعة، والتى عادة ما تبطئ من حركة التشكيل الأم، وتعويض النقص في النيران بنيران المعاونة الجوية القريبة، التي أصبح استدعاؤها سهلاً وبسرعة، نتيجة الثورة التي حدثت في وسائل وأساليب القيادة والسيطرة والإتصالات.

وقد علَّق الجنرال "تومى فرانكس" قائد قوات التحالف، على تأثير سرعة الحركة على نتائج العمليات القتالية بقوله: "لقد هزمنا عدوَّنا بالسرعة". وبالفعل فإن تقديم ميعاد إنطلاق الحملة البرية بيوم كامل ساعد على الاستيلاء على حقول النفط في الجنوب، قبل أن يتمكن النظام العراقي من إحراقها. كما أدت السرعة والدقة في الوصول إلى الهدف إلى الاستيلاء على الجسور الحيوية، والوصول إلى مناطق معينة قبل أن يسبقهم إليها العراقيون.

ولقد عملت القوة البرية الأمريكية في هذه الحرب في ظل دعم دائم من القوة الجوية الخاصة بها، أو المتحركة معها. وتمثل الطائرة العمودية الهجومية (آباتشى) مثالاً على ذلك، بوصفها تعمل كأنها "دبابة طائرة"، نتيجة تسليحها بصواريخ "هيل فاير" المضادة للمدرعات، وصواريخ 70 مم حرة، ومدفع رشاش عيار 30 مم. وهناك أيضاً الطائرة "سفينة المدفعية سبيكتر Specter Gunship"، التي تمتلك قدرة هائلة على إنتاج النيران المضادة لتجمعات الأفراد والمركبات. بالإضافة إلى المقاتلة A-10، القادرة على صيد المدرعات وإبادة تجمعات المشاة، وليس لها مثيل في الترسانات الجوية للدول الأخرى، فهى مزودة بمدفع GAU-81A مكون من ثماني مواسير عيار 30 مم، يمكنه إطلاق 4200 طلقة/ دقيقة.

والطائرة العمودية "بلاك هوك Black Howk" المخصصة لنقل المشاه، والطائرة "ليلتل بيرد Little Bird" لمسح الميدان ونقل الأفراد وتقديم الدعم النيراني. أيضاً الطائرة من دون طيار "بريداتور Predator"، المستخدمة في الاستطلاع واصطياد الأهداف الأرضية بالصواريخ. وبعامة فإن القوات البرية التي شاركت في الحرب كانت تمتلك قدرات جوية عضوية في صلب تنظيمها الأساس. فعلى سبيل المثال، نجد الفرقة 101 المحمولة جوا ـ الفرقة الوحيدة المحمولة جواً في العالم ـ مسلحة بحوالي 270 طائرة عمودية هجومية منها كتيبة أباتشى، كما يعمل مع الفرقة الأولى مشاة أسطول حوالي 100 طائرة مقاتلة من نوعي F-18، وAV-8B، وأيضاً 50 طائرة عمودية كوبرا Cobra AH-1.

2. القوات الخاصة

استُخدمت القوات الخاصة بكثافة كبيرة، وفي كل الاتجاهات للقيام بعمليات اغتيال للشخصيات المهمة، أو الإرشاد عنها، وخلق حالة من الذعر في المناطق الخلفية، وأيضاً دفع الجنود العراقيين إلى مناطق قتل تحت القصف الجوي الأمريكي. كما استُخدمت القوات الخاصة أيضاً في الاستيلاء على المطارات والمنشآت الحيوية وتأمينها، وتدمير وحدات الصواريخ ومخازن الذخيرة، والبحث عن أسلحة الدمار الشامل.

3. القصف الجوي الدقيق

استمر القصف الجوي الكثيف خلال فترة الحرب على مدار الساعة ليلاً ونهاراً، وعلى معظم المدن العراقية المهمة لاسيما بغداد. وأعطيت الأولوية في القصف لتدمير وسائل القيادة والسيطرة والاتصالات، وإضعاف وحدات الحرس الجمهوري والدفاع الجوي، والنيل من قدراتها وروحها المعنوية. وأسهم القصف الجوي في تدمير كميات كبيرة من المعدات العراقية المشاركة في معارك ضد القوات البرية الأمريكية والبريطانية، فضلاً عن قصف القوات المتمركزة داخل وخارج بغداد.

وزادت سرعة التحضير للضربات الجوية بدرجة كبيرة في هذه الحرب، وبرزت أهمية ذلك مع الضربات غير المخططة، التي حدثت خلال العمليات أكثر من مرة، بسبب نشاط المخابرات وتقديمها معلومات يمكن أن تؤدي إلى اصطياد قيادات مهمة، أو التعامل مع حالات طارئة. وقد أُطلق على تلك النوعية من الأهداف The Sensitive Targets.

وكان الإعداد لضربة غير مخططة من قبل بصواريخ كروز يحتاج إلى ثلاثة أيام لتجهيز إحداثيات الهدف والمسار المؤدي إليه، لكن في العمليات الأخيرة ضد العراق انخفض هذا الزمن إلى 45 دقيقة فقط، من لحظة تحديد الهدف المراد قصفه، ما ساعد على تنفيذ عمليات قصف جوي ضد قيادات عراقية كانت موجودة في أماكن معينة، وقبل أن تغادرها. مثل عملية قصف المكان الذي كان فيه صدام حسين بحي المنصور في بغداد، بواسطة قاذفة مقاتلة B-1B Lancer، بإلقاء أربعة قنابل زنة كل واحدة 900 كجم مزودة بجهاز Joint Direct Attack Munition (JDAM) للتوجيه عبر الأقمار الصناعية (اُنظر شكل محاولة اغتيال صدام حسين)، ما يتيح للطائرة إطلاق الصواريخ من ارتفاع كبير بعيداً عن تأثير الدفاعات الأرضية، كما تستخدم ذخائر ذكية مثل Enhanced Guided Bomb Unit (EGBU-47) وJoint Stand-Off Weapons (JSOW)، وصواريخ كروز توماهوك RGM/ UGM، ومعظم هذه الذخائر موجهة بالأقمار الصناعية أو بالليزر أو بالرادار. وفي بعض الحالات يوجه السلاح بأكثر من طريقة لضمان تحقيق دقة الإصابة.

4. العمليات النفسية

امتازت الحرب بدور بارز للحرب النفسية، والتي بدأت قبل أن تبدأ العمليات العسكرية الساخنة، وكان الهدف من هذه الحرب دفع القادة والجنود العراقيين إلى الاستسلام، من خلال إقناعهم أن نتيجة الحرب محسومة لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وأنه لا فائدة من القتال. وكان للحرب النفسية دور كبير ومؤثر في الانهيار المفاجئ الذي حدث للقوات العراقية، برغم تماسكها في بداية الحرب، وبرغم تنفيذها لعدد من عمليات المقاومة الناجحة.

واستخدمت القوات الأمريكية في إطار الحرب النفسية التي شنتها، أساليب متعددة، أبرزها ملايين المنشورات التي ألقيت بالطائرات وتظهر فساد وسوء "صدام حسين" وتسببه في إفقار شعب العراق، وتوريطه في حروب عديدة تسببت في خسائر بشرية ومادية وسياسية جسيمة، وأن السبيل للتخلص من صدام ونظامه يتمثل في مساعدة القوات الأمريكية على إنجاح عملياتها العسكرية في العراق، واستسلام القوات العراقية. كما أوضحت هذه المنشورات كيفية استسلام قوات الجيش، فضلاً عن استخدام وسائل الإعلام الأمريكية الأخرى من إذاعة وتليفزيون وفضائيات في الترويج لنفس الأفكار.

5. المخابرات والاستطلاع

طبقا للتقارير الأمريكية فقد بدأ نشاط المخابرات قبل الحرب بشهور عديدة، حيث دخل إلى العراق عملاء لأجهزة المخابرات الأمريكية لجمع المعلومات وتحديد الأهداف التي ستكون عرضة للقصف جواً وبالصواريخ، والتحضير للعمليات الخاصة، وشراء العملاء من بين رجال القبائل والعشائر، وقادة وضباط الجيش، وعناصر قيادية في حزب البعث، بما يحقق اختراق النظام الحاكم في معظم مفاصله، فضلاً عن الإعداد لعمليات التخلص من القيادات السياسية والعسكرية المهمة في هذا النظام.

وقد استخدمت المخابرات وسائل عديدة لتحقيق مهامها، أبرزها الرشوة والإغراء بمنح الجنسية الأمريكية، وتجنيد عملاء محليين، فضلاً عن استخدام باقي وسائل الاستطلاع الجوي والفضائي والإلكتروني، إلى جانب تنفيذ عمليات استطلاع قتالي، مثل الكمائن والإغارات والاستطلاع بقوة. وقد أمكن من خلال العمليات الخفية تعزيز مبدأ المفاجأة الذي اتسمت به معظم عمليات قوات التحالف في العراق.

6. القيادة والسيطرة والاتصالات

لقد وصلت قدرة القادة والجنود في هذه الحرب على الاتصال ببعضهم البعض إلى مستوى لم يتحقق من قبل. فقد كان في مقدور القادة على مختلف المستويات رؤية مسرح العمليات بنفس القدر الذي يراه الجندي المشارك في العملية، كما كان في مقدورهم الاتصال المباشر مع الآخرين وبدون عوائق. وفي هذه الحرب زودت أعداد كبيرة من المركبات الحاملة للجنود والقادة بجهاز "قيادة اللواء للقوة 21" Force XXI Battle Command Brigade and Below (FBCB2)، وهذا الجهاز يستخدم لأول مرة بصورة تجريبية، ومن خلال شاشته يمكن للجندي داخل المركبة معرفة موقف الأهداف المعادية والصديقة.

وأثناء المعركة كان الفضاء يعج بأقمار التجسس والإتصالات، كما أطلقت العديد من الطائرات من دون طيار، كذلك استخدمت مراكز قيادة واستطلاع طائرة يمكن من خلالها تحقيق أعلى مستوى من القيادة والسيطرة والاتصالات.

وفي المقابل واجه العراقيون مصاعب عديدة في تأمين الاتصالات بين القيادة المركزية العليا (وزارة الدفاع ورئاسة الأركان)، فضلاً عن "صدام حسين" وابنه قصى، والوحدات الكبرى والصغرى، بسبب نجاح الأمريكيين في ضرب معظم عقد الاتصالات بالقنابل.