إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / القضية الفلسطينية ونشأة إسرائيل، وحرب عام 1948





معارك المالكية
معركة مشمار هايردن
العملية مافيت لابوليش
العملية نخشون

أوضاع الألوية الإسرائيلية
أوضاع المحور العرضي
أوضاع القوات المصرية
أهداف القوات العربية
محصلة الجولة الأولى
مشروع لجنة بيل
مسرح عمليات فلسطين
أعمال القتال المصري ـ الإسرائيلي
معركة وادي الأردن
معركة نجبا
معركة نيتسانيم
معركة مشمار هاعيمك
معركة أسدود
معركة اللطرون (الهجوم الأول)
معركة اللطرون (الهجوم الثاني)
معركة العسلوج
معركة القدس
معركة بئروت يتسحاق
معركة جلؤون
معركة جنين
معركة يد مردخاي
معركة جيشر
الأوضاع المصرية والإسرائيلية
الموقف في نهاية الفترة الأولى
المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين
الاتجاهات التعبوية لمسرح العمليات
الاستيلاء على مستعمرات عتصيون
الاستيلاء على صفد وتخومها
الاستيلاء على عكا
التنفيذ الفعلي للعملية يؤاف
التقسيمات العثمانية في سورية
الحدود في مؤتمر الصلح
الخطة الأصلية للعملية يؤاف
العملية هاهار
العملية ميسباريم
العملية أساف
العملية مكابي
العملية بن عامي (تأمين الجليل)
العملية باروش
العملية حوريف (حوريب)
العملية داني
العملية يبوس
العملية حيرام
العملية ديكيل
العملية يفتاح (تأمين الجليل)
العملية شاميتز
العملية عوفدا
القتال في المحور الشرقي
القتال في جيب الفالوجا
اتجاهات الجيوش العربية
اتفاقية سايكس/ بيكو
تقدم القوات المصرية في فلسطين
تقسيم فلسطين
تقسيم فلسطين الأمم المتحدة
دخول الفيلق الأردني القدس
حدود فلسطين تحت الانتداب
سورية في العصر الإسلامي
سورية في العصر البيزنطي
سورية في العصر اليوناني
سورية في عهد الأشوريين
طريق تل أبيب ـ القدس
كنعان قبل قيام إسرائيل
فلسطين في عهد الملوك



أمن البحـــر الأحمــر

المبحث السابع عشر

تطور الموقف العسكري على الجبهات العربية

أولاً: تطور الموقف السياسي حتى نهاية الهدنة الأولى

1. فترة القتال الأولى (15 مايو ـ 11 يونيه)

على أثر انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين في منتصف ليلة 14/15 مايو 1948، تقدمت القوات العربية داخل الأراضي الفلسطينية، طبقاً للأهداف المحددة لكل منها. ومع بدء تدخل الجيوش العربية أرسل الأمين العام لجامعة الدول العربية برقية إلى السكرتير العام للأمم المتحدة يوضح له فيها تطورات القضية الفلسطينية وأسباب النزاع الذي تحول إلى صراع مسلح بين الفلسطينيين واليهود ومبررات تدخل الجيوش العربية لإيقاف سفك مزيد من الدماء العربية في فلسطين. (اُنظر ملحق Cablegram from the Secretary-General of the League of Arab States to the Secretary-General of the United Nations, May 15, 1948).

وبدورها قدمت الحكومة الإسرائيلية المؤقتة شكوى إلى مجلس الأمن مدعية اعتداء العرب على أراضيها. ورغم أن التقدم العربي حتى ذلك الوقت كان في جملته داخل المنطقة العربية في مشروع التقسيم، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي و"تريجف لي" ـ سكرتير الأمم المتحدة ـ أيدوا اتهام إسرائيل بأن العرب قد بدؤا عدوانا يتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة. وكانت الصين هي العضو الوحيد في مجلس الأمن الذي أيد العرب بينما اتخذ الآخرون ـ ومنهم بريطانيا ـ موقفاً وسطاً، بقبول وجهة النظر العربية جزئياً.

ولما كانت بريطانيا ـ طبقاً لرواية "جلوب" في الفصل السابق ـ قد وافقت ضمنياً على دخول الجيوش العربية القسم العربي من مشروع التقسيم دون تجاوزه، فإنها ساندت مشروع القرار الذي تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن لإيقاف القتال، إلا أنها حالت دون إدانة الدول العربية طبقاً للباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة وما يستتبع ذلك من عقوبات، باستبعاد الفقرة التي كانت تشير إلى ذلك الباب في مشروع القرار الأمريكي قبل إقراره في الثاني والعشرين من مايو 1948.

وهكذا جاء القرار السابق لمجلس الأمن خالياً من أي إدانة للدول العربية ومطالباً كل الحكومات والسلطات ـ دون ما إضرار بحقوق ودعاوى ومواقف الأطراف المعنية ـ بالامتناع عن أي عمل عسكري عدائي في فلسطين وأن يُصدر لهذه الغاية أمرٌ بوقف إطلاق النار يكون سارياً خلال ست وثلاثين ساعة. (اُنظر ملحق قرار رقم 49 (1948) بتاريخ 22 أيار (مايو) 1948. طلب وقف إطلاق النار في فلسطين وهدنة في القدس)

وعندما اجتمعت اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية لبحث الموقف في الخامس والعشرين من مايو، فإنها اشترطت لوقف إطلاق النار، أن يقوم مجلس الأمن بحظر هجرة اليهود وجلب الأسلحة والعتاد إلى فلسطين، حتى لا يستفيد اليهود بالهدنة لدعم موقفهم العسكري، ولما كانت تلك الشروط غير مقبولة من الحكومة الإسرائيلية، فلم يؤد قرار مجلس الأمن إلى أي وقف لإطلاق النار، رغم موافقة إسرائيل ـ التي كانت في أمس الحاجة لالتقاط أنفاسها ـ على ذلك القرار فور صدوره.

وقدمت بريطانيا مشروعاً آخر لمجلس الأمن يدعو الفريقين إلى وقف إطلاق النار لمدة أربعة أسابيع لإعطاء الكونت "فولك برنادوت" ـ الوسيط الدولي الذي عينته الأمم المتحدة ـ فرصة البحث عن حل سلمي. وحث "بيفن" الولايات المتحدة الأمريكية على مساندة المشروع البريطاني، فقد كان يأمل في قبول الطرفين حلاً وسطاً على أساس حدود جديدة تختلف عما جاء في قرار التقسيم[1]. وخوفاً من قيام الولايات المتحدة الأمريكية برفع الحظر على تصدير السلاح تحت ضغط المنظمات الصهيونية وعدم قبول العرب لإيقاف القتال، اقترح "بيفن" عدم التسرع في رفع الحظر على تصدير الأسلحة إلى منطقة القتال[2]. إذ كان ذلك سيؤدي بالضرورة إلى رفع الحظر البريطاني على تصدير الأسلحة إلى الدول العربية التي ترتبط معها بريطانيا بمعاهدات دفاعية (مصر ـ العراق ـ شرق الأردن)، الأمر الذي يُنذر بالتصادم بين سياسة الحليفتين حيث تكون بريطانيا قد سلِّحت أحد الجانبين بينما تُسلح الولايات المتحدة الأمريكية الجانب الآخر.

وفي التاسع والعشرين من مايو، وافق مجلس الأمن على مشروع القرار البريطاني بعد أن عدلته الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة بعض الاعتراضات الإسرائيلية (اُنظر ملحق القرار الرقم 50 (1948) بتاريخ 29 أيار (مايو) 1948. الدعوة إلى وقف العمليات العسكرية لأربعة أسابيع وحماية الأماكن المقدسة). وكان ذلك القرار يقضي بإيقاف القتال لمدة أربعة أسابيع، مع إيقاف كافة الأعمال الحربية، بحيث لا يؤثر ذلك على حقوق ودعاوى وموقف أي من الطرفين (العرب واليهود)، وألا يتم إدخال أي مقاتلين أو مواد حربية إلى فلسطين أو الدول المجاورة. وأوكل ذلك القرار إلى الوسيط الدولي ولجنة الإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار، على أن تُبلغ كل الأطراف موافقتها في أول يونيه وهدد بتطبيق أحكام الباب السابع من الميثاق إذا رُفض أو انتُهك ذلك القرار[3].

وتحت الضغط البريطاني، والخوف من الإدانة طبقاً للباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة وما يستتبع ذلك من عقوبات، وافق العرب على قرار مجلس الأمن[4]، خاصة وقد سبقهم الإسرائيليون في الموافقة عليه، كما كان الملك عبدالله مُصراً على إيقاف القتال. وبعد بعض التأخير حول تفسير نصوص القرار، وافق الجانبان على أن تبدأ الهدنة في السادسة صباحاً بتوقيت جرينتش (الثامنة بالتوقيت المحلي) يوم 11 يونيه.

2. فترة الهدنة الأولى (11 يونيه – 8 يوليه)

على أثر وقف إطلاق النار قام الوسيط الدولي بمباحثات استطلاعية مع ممثلي العرب والإسرائيليين حول مستقبل فلسطين. وفي الثامن والعشرين من يونيه قدم لهم مقترحات أولية من أجل تسوية النزاع بينهما. وكانت هذه المقترحات تتلخص في قيام اتحاد فلسطيني تُضم إليه شرق الأردن، ويٌقسم إلى وحدتين تتمتع كل منهما بالاستقلال الذاتي، إحداهما عربية والأخرى يهودية، على أن يتولى المسائل الاقتصادية والدفاعية مجلس مركزي.

وكانت مقترحات الوسيط الولي تقضي بإجراء تعديلات على حدود قرار التقسيم لتعطي العرب "اللد" و"الرملة" و"النقب"، ويحصل الإسرائيليون على الجليل الغربي، مع تحويل "حيفا"، إلى ميناء حر ووضع القدس تحت سيطرة العرب، على أن يكون لها وضع خاص تحت إشراف الأمم المتحدة يضمن المرور إلى الأماكن المقدسة. كما كانت هذه المقترحات تمنح الأفراد الذين شردتهم الحرب حق العودة إلى أراضيهم واستعادة ممتلكاتهم.

ورغم أن هذه المقترحات كانت تحظى بموافقة بريطانيا في خطها العام[5]، وتحقق للملك عبدالله أطماعه في فلسطين، فقد رفضها العرب الذين أساءوا تقييم انتصاراتهم الأولية والتحول الذي تم في ميزان القوى لأطراف الصراع خلال فترة الهدنة. كما لم يرغب الملك عبدالله في الانفراد بقبول تلك المقترحات في ظل الموقف العربي الرافض لها. ولما كانت إسرائيل قد رفضت مقترحات الوسيط الدولي هي الأخرى، فقد وُئدت تلك المقترحات في مهدها.

وقد حاول "برنادوت" مد فترة الهدنة لإعطاء الفرصة لمزيد من المشاورات من أجل إيجاد حل للمشكلة، فقدم في الخامس من يوليه إلى الطرفين مقترحاته بمد أجل الهدنة وتجريد منطقتي القدس ومصافي البترول في حيفا من السلاح، في الوقت الذي طالب فيه مجلس الأمن بمد الهدنة لمنع تجدد القتال وتوفير مزيد من الوقت لجهود الوساطة.

وفي استجابة لطلبات الوسيط الدولي الملحة، وافق مجلس الأمن في 7 يوليه على مشروع قرار بريطاني يناشد الأطراف المعنية أن تقبل من حيث المبدأ مد الهدنة لفترة تتحدد بالتشاور مع الوسيط الدولي.

ولما كانت إسرائيل لا تزال في حاجة لمزيد من الوقت لاستكمال حشد قواتها المسلحة فقد كانت على استعداد لقبول مد محدود للهدنة، أما الحكومات العربية فقد اختلف موقفها. فعلى حين وافقت حكومات شرق الأردن والسعودية والعراق على قبول مد الهدنة، فإن الحكومتين المصرية والسورية أصرتا على استئناف القتال، فلم تكن الحكومتان قادرتين على تبرير قبول مد الهدنة أمام شعبيهما بعد أن روجت أجهزة إعلامهما للانتصارات العربية المدوية قبل إيقاف القتال.

وإزاء ضغط الشعوب العربية ـ التي ضللها حكامها ـ لاستئناف القتال ورفض الحكومتين المصرية والسورية مد الهدنة تراجعت الحكومات العربية الأخرى عن موقفها، وقررت اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية في الثامن من يوليه رفض مد الهدنة. وأرسلت الجامعة العربية إلى كل من الوسيط الدولي ومجلس الأمن مذكرة توضح فيها مبررات ذلك الرفض.

وعلى عكس الإسرائيليين الذين استفادوا من الهدنة لتعميق وحدتهم السياسية، فقد زادت الهدنة والخلاف حول استئناف القتال من الشكوك والصراعات العربية، ولا سيما بين الملك عبدالله، الذي كان مصراً على ضم ولو جزأً من فلسطين إلى مملكته من ناحية، ومصر وبعض الدول العربية الأخرى ومعهم اللجنة العربية العليا ـ الذين كانوا يعملون على إنشاء حكومة عربية مستقلة لفلسطين برئاسة المفتي ـ من ناحية أخرى.

ثانياً: تطور الموقف العسكري العام خلال فترة القتال الأولى (15 مايو ـ 11يونيه)

عندما بدأت الجيوش العربية تحركها لدخول فلسطين لم يكتف الملك عبدالله بالتعديل الذي أجراه على محور تقدم الجيش السوري عشية ذلك التدخل، بل أمر أيضاً بإجراء تعديلين آخرين قضى أولهما بنقل محور تقدم الجيش اللبناني من ساحل البحر الأبيض إلى "المالكية" في الجليل الشمالي الشرقي، كما قضى الثاني بتغير محور تقدم الجيش الأردني من قطاع نابلس إلى قطاع القدس، وهو ما أدى إلى سحب الجيش العراقي إلى مثلث "جنين/ نابلس/ طولكرم" اعتباراً من 22 مايو، الأمر الذي كشف الجناح الأيسر للقوات السورية جنوب بحيرة طبرية، وأخلى الجهة العربية الشمالية إلا من القوات اللبنانية المحدودة، الأمر الذي أخل بفكرة العملية التي حددها رؤساء أركان حرب الجيوش العربية. (اُنظر ملحق تقرير الأميرالاي سعد الدين صبور إلى وزير الدفاع المصري (17 مايو 1948)) و(خريطة اتجاهات الجيوش العربية)

وفي فجر الخامس عشر من مايو بدأت القوات العربية تقدمها داخل الأراضي الفلسطينية، وبعد بضعة أيام باشرت القيادة العامة للقوات المسلحة العربية تنفيذ التعديلات الجديدة على محاور تقدم القوات العراقية والأردنية، فبدأت الأولى تحركها إلى "طوباس" و"نابلس"، وتقدمت مفارزها الأمامية نحو "جنين" و"طولكرم"، في الوقت الذي تقدمت فيه الثانية إلى رام الله والقدس مع دفع إحدى سراياها إلى اللد والرملة.

وخلال الأسبوعين الأخيرين من شهر مايو اتخذت القوات العربية أوضاع الهجوم على كافة الجبهات، وبدا أنها تحقق تقدماً معقولاً في عملياتها التعرضية ـ على الأقل ـ داخل الأراضي المخصصة للدولة العربية في مشروع التقسيم، بينما كان الإسرائيليون يتخذون أوضاع الدفاع، محاولين في استماتة بناء وتنظيم تشكيلاتهم تحت وطأة الهجوم العربي الذي أحاط بها.

وقد اتخذت القوات الإسرائيلية بصورة عامة أوضاع الدفاع مع تركيز الجهود الرئيسية في العمق، حيث وقع على المستعمرات التي سبق اختيارها في مواقع حاكمة مهمة كسر حدة الهجوم العربي، وتهديد أجناب القوات المهاجمة وخطوط مواصلاتها، بينما تأهبت القوات الرئيسية في الخلف للقيام بالهجمات المضادة. إلا أن الضغط العربي المستمر على كافة الجبهات لم يسمح للقوات الإسرائيلية باستعادة زمام المبادأة خلال فترة القتال الأولى. (اُنظر خريطة أوضاع الألوية الإسرائيلية).

وعندما اجتمعت اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية صباح 26 مايو في عمان ـ بحضور قادة الجيوش العربية في فلسطين ـ لبحث الموقف العسكري على ضوء قرار مجلس الأمن الصادر يوم 22 مايو (الذي دعا إلى وقف القتال في مسرح عمليات فلسطين) دارت مناقشات حول الخطوة العسكرية التالية بعد أن حققت القوات العربية أغلب مهامها التي أصدرها القائد العام مساء 14 مايو.

وقد تبلورت تلك المناقشات في ضرورة قيام القوات الأردنية والعراقية والمصرية بالهجوم في وقت واحد للضغط على القوات الإسرائيلية في كافة الاتجاهات حتى يمكن للسياسيين أن يتحدثوا من موقع القوة بالنسبة لوقف إطلاق النار.

ولما كانت اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية تجهل الاتفاق الذي تم بين الملك عبدالله ورئيس وزرائه مع الحكومة البريطانية بقصر تدخل الجيوش العربية على القسم العربي من قرار التقسيم، فقد تبلورت الخطوط العريضة للهجوم الذي كانت تطلع إليه تلك اللجنة فيما يلي. (اُنظر ملحق تقرير الأميرالاي سعد الدين صبور إلى وزير الدفاع المصري (26 مايو 1948))

1. الجيش الأردني

تُخصص قيادة ذلك الجيش قوة تقدر بمجموعة لواء لحصار القدس وتطهيرها، مع دفع باقي القوات على الفور للتجمع غرب "باب الواد" استعداداً للهجوم في اتجاه "تل أبيب" و"يافا" على محورين، الأول على طريق "اللطرون/ الرملة"، والثاني على يساره في اتجاه "خلدة/ عكير/ رحابوت".

2. الجيش العراقي

يتقدم ذلك الجيش من "نابلس" إلى "طولكرم" بعد إتمام حشده للهجوم في اتجاه "ناتانيا". وقُدر لإتمام ذلك الحشد من أربعة إلى خمسة أيام.

3. الجيش المصري

يقوم ذلك الجيش من مواقعه (آنذاك) بتحقيق الاتصال وسد الثغرة بينه وبين القوات الأردنية التي ستُدفع على المحور الأيسر ببعض القوات الخفيفة المزودة بالمدفعية والمصفحات.

ومع إتمام القوات العربية الثلاث لحشودها وسد الثغرات بينها والاتفاق على ساعة الصفر لبدء هجومها، تقوم هذه القوات بالضغط على القوات الإسرائيلية والتقدم في اتجاه "يافا" و"تل أبيب"، كل من اتجاه تقدمها الأصلي.

إلا أنه في اليوم التالي لاجتماع اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية المشار إليه، أوضحت القيادة الأردنية لكل من نائب القائد العام للقوات العربية (العراقي) وممثل الجيش المصري في عمان أن أوضاع القوات الأردنية لا تسمح لها بالهجوم نظراً لتعرضها لضغط كبير من القوات الإسرائيلية في منطقة "باب الواد" و"اللطرون" و"عرطوف"، وطلبت تلك القيادة أن يتقدم الجيش المصري إلى خط "يبنا/ عاقر" على الفور وليس متأخراً عن يوم 29 مايو، كما طلبت أن يتقدم الجيش العراقي من "طولكرم" في اتجاه "ناتانيا"، إلا أن ممثلي الجيش المصري والعراقي في عمان وجدا في طلب القيادة الأردنية كثيراً من التعسف لاستحالة تنفيذها في الوقت الذي طلبته تلك القيادة، وأن كل ما يمكن عمله لمساعدة الجيش الأردني وقتئذ هو القيام ببعض أعمال القتال المحدودة على الجبهتين المصرية والعراقية، في الوقت الذي تقوم فيه القوتان الجويتان المصرية والعراقية بتكثيف هجماتها على التجمعات الإسرائيلية التي تهدد القوات الأردنية، على أن يتم الهجوم بالجيوش الثلاثة طبقاً للخطوط العريضة التي سبقت الإشارة إليها عندما تكون الجيوش الثلاثة مستعدة لذلك[6]. (اُنظر ملحق تقرير الأميرالاي سعد الدين صبور إلى وزير الدفاع المصري (28 مايو 1948))

وعلى ذلك قامت القوتان الجويتان المصرية والعراقية بتكثيف هجماتها ضد التجمعات الإسرائيلية غرب "اللطرون" أيام 27، 28، 29 مايو، كما قامت القوات العراقية بالتقدم في اتجاه "ناتانيا"، ووصلت طلائعها المدرعة إلى "كفاريونا" و"عين فيرد" قبل أن يوقفها لواء "اسكندروني" على مسافة 8 كم شرق "ناتانيا" يوم 30 مايو، أما القوات المصرية فقد تقدمت في اتجاه "أسدود" شمال "المجدل" ونجحت في احتلالها يوم 29 مايو، كما شددت القوات الأردنية في منطقة القدس ضغطها على القوات الإسرائيلية فيها، فسقطت المدينة القديمة في أيدي القوات الأردنية في نفس اليوم.

أما جيش الإنقاذ، فقد أمر القائد العام (الملك عبدالله) قيادته بإخلاء مواقعه وتسليمها إلى القوات العراقية والأردنية والانسحاب من فلسطين إلى سوريا لإعادة تنظيم قواته ودعم القوات اللبنانية في الدفاع عن منطقة الحدود.

ولمواجهة التهديد العراقي في الشريط الساحلي الضيق في المنطقة الوسطى، قامت القوات الإسرائيلية ابتداءً من 31 مايو بعملية هجومية لتهديد منطقة "نابلس" والجناح الشمالي للقوات العراقية، إلا أن ذلك الهجوم باء بالفشل نتيجة للمقاومة العراقية الصلبة والتعزيزات التي وصلت إلى تلك القوات، فضلاً عن الأخطاء الإسرائيلية في إدارة ذلك الهجوم.

ولم يكن حظ الإسرائيليين بأفضل حالاً على الجبهة الجنوبية، فقد نجحت القوات المصرية في صد هجماتهم المتكررة على منطقة "أسدود" في آخر مايو والأسبوع الأول من يونيه، وكبدت المهاجمين خسائر جسيمة.

ثالثاً: تطور الموقف العسكري على الجبهات العربية المختلفة

1. تطور الموقف على الجبهة اللبنانية (اُنظر شكل معارك المالكية)

في محاولة لغلق طريق تقدم القوات اللبنانية في الجليل الشمالي الشرقي (بعد تغيير محور تقدمها)، قامت إحدى كتائب البالماخ باحتلال قريتي "قدس" و"المالكية" العربيتين ليلة 14/15 مايو، وقبل أن تُعزز القوات الإسرائيلية أوضاعها شنت القوات اللبنانية هجوماً مضاداً قوياً صباح 16 مايو استعادت به "المالكية" وبدأت تُحسِّن أوضاعها فيها.

ولاسترجاع "المالكية" قامت القوات الإسرائيلية بعملية التفاف حول البلدة وهاجمتها من الخلف (من اتجاه الأراضي اللبنانية على غير ما كان يتوقع المدافعون). مما سمح لهم باقتحامها واحتلالها يوم 29 مايو، إلا أن القوات اللبنانية نجحت في استعادة "المالكية" للمرة الثانية ليلة 5/6 يونيه بالتعاون مع بعض قوات جيش الإنقاذ، ثم اندفعت للاستيلاء على "رمات نفتالي" و"قدس" اللتين كانتا لا زالت تحتلها القوات الإسرائيلية، كما اندفع جيش الإنقاذ إلى الجليل الأوسط.

2. تطور الموقف على الجبهة السورية (اُنظر خريطة معركة وادي الأردن) و(شكل معركة مشمار هايردن)

إزاء تغيير محور تقدم القوات السورية طبقاً لأوامر الملك عبدالله لتهجم على "سمخ" بدلاً من محور تقدمها الأول في إصبع الجليل من اتجاه "بنت جبيل" إلى "الناصرة" ثم "العفولة"، كان على اللواء السوري الأول بقيادة العقيد عبدالوهاب الحكيم أن يشق طريقه إلى هدفه الجديد يوم 15 مايو عبر تحصينات خط "إيدن" التي سبق أن أقامها البريطانيون للدفاع عن فلسطين في هذا الاتجاه.

وفي طريقها إلى "سمخ" استولت بعض قوات اللواء الأول على "تل القصر"، كما دفعت قيادة اللواء مفرزتين للاستيلاء على مستعمرتي "شاعر هجولاني" و"مساده" (مسعدة).

وفي صباح 16 مايو بدأ القصف الجوي والمدفعي السوري لبلدة "سمخ" والمستعمرات الإسرائيلية في وادي الأردن بعد أن أطبقت عليها القوات السورية. وبعد قتال ضار حول البلدة التي توالت عليها النجدات الإسرائيلية تمكنت القوات السورية من اقتحامها والاستيلاء عليها يوم 18 مايو، كما تمكنت من صد الهجوم المضاد الذي شنته عليها كتيبة البالماخ الثالثة ليلة 18/19 مايو. وبالاستيلاء على "سمخ" ومستعمرتي "هاجولاني" و"مسعدة"، انفتح الطريق أمام القوات السورية إلى وادي الأردن، الذي تدفقت على مستعمراته التعزيزات الإسرائيلية. وعندما بدأ الهجوم السوري على مستعمرتي "داجانيا (أ)" و"داجانيا (ب)" صباح 20 مايو، كان قد تم تعزيز المنطقة ببعض قوات اللوائين "جولاني" و"يفتاح" والمدفعية التي وصلت حديثاً، الأمر الذي مكن المستعمرتين من الصمود في وجه القوات السورية التي أشرفت ذخيرتها على النفاد.

وإزاء تغيير القوات العراقية لأوضاعها لتحل محل القوات الأردنية في منطقة نابلس طبقاً لأوامر الملك عبدالله، فقد وجدت قيادة القوات السورية أن جناحها الأيسر أصبح مكشوفاً، ولما كانت قوات البالماخ قد بدأت تهدد مواصلات تلك القوات بأعمالها القتالية عبر بحيرة طبرية (الجناح الأيمن للقوات السورية)، فقد تقرر سحب تلك القوات من "سمخ" و"شاعر هجولاني" و"مسادة"، لإعادة تنظيمها في الخلف تمهيداً لدفعها إلى "بنت جبيل" جنوب شرق لبنان لمساندة الجيش اللبناني، مع تسليم مواقعها في منطقة "سمخ" إلى كتيبة من جيش الإنقاذ. (اُنظر ملحق تقرير الأميرالاي سعد الدين صبور إلى وزير الدفاع المصري (30 مايو 1948))

وبدأت قيادة اللواء الأول التي أخلت وحداتها جنوب بحيرة طبرية تعيد تنظيم قواتها في الخلف قرب القنيطرة تمهيداً لاتخاذ مواقعها الجديدة على يسار القوات اللبنانية في منطقة "المالكية"، حيث كان سينضم إليها فوجان من جيش الإنقاذ للقيام بعمليات تعرضية في اتجاه "صفد" أو "الناصرة" لإرغام القيادة الإسرائيلية على إبقاء جزء كبير من قواتها في الشمال لتخفيف الضغط على القوات العربية الأخرى في الجبهة الوسطى والجنوبية. (اُنظر ملحق تقرير الأميرالاي سعد الدين صبور إلى وزير الدفاع المصري (30 مايو 1948))

إلا أن الحالة المتدنية التي كانت عليها قوات اللواء الأول بعد معاركها السابقة، لم تسمح بدفعها مرة أخرى داخل الأراضي اللبنانية فتقرر دفعها شمال بحيرة طبرية أمام جسر "بنات يعقوب" للهجوم على مستعمرة "مشمار هايردن" المواجهة للجسر بالتعاون مع قوات لواء المشاة الثاني الذي تم سحبه من حلب.

وفي السادس من يونيه شنت القوات السورية هجومها الأول على مستعمرة "مشمار هايردن" في الوقت الذي كان على بعض القوات السورية الأخرى شن هجومين آخرين على مستعمرتي "دان" شمال إصبع الجليل و"عين جيف" شرق بحيرة طبرية. وبينما فشلت الهجمات السورية على المستعمرتين الأخيرتين، فإن الهجوم على "مشمار هايردن"، كان أفضل حظاً، فبعد عدة محاولات دُعمت خلالها القوة المهاجمة نجحت القوات السورية في اقتحام المستعمرة يوم 10 يونيه عشية سريان الهدنة. وباحتلال القوات السورية "لمشمار هايردن" فإنها نجحت في دق إسفيناً في الجليل الشرقي بالرغم من عنف المقاومة الإسرائيلية التي واجهتها.


 



[1] يشير الدكتور أحمد عبدالرحيم مصطفى ـ استناداً إلى وثائق الخارجية البريطانية ـ أن "بيفن" كان يفكر، آنذاك، في عدة بدائل منها، تخلي الدول العربية عن قيام دولة عربية في فلسطين وضم أراضيها إلى كل من مصر وشرق الأردن، فتأخذ مصر شريط غزة الساحلي بينما تأخذ شرق الأردن القسم الأوسط (الضفة الغربية للأردن) مع تقسيم النقب فيما بينهما. وكان ذلك الحل سيوفر لبريطانيا منطقة واسعة من الأراضي العربية الحليفة التي تسمح بإقامة التسهيلات الإستراتيجية البريطانية، حيث كان يعتقد أن دولة عربية مستقلة في فلسطين ستكون من الصغر والضعف بحيث لا يمكنها الوقوف على قدميها، وقد تنهار في مواجهة الضغط والتغلغل الصهيوني.

[2] كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد فرضت حظراً على تصدير الأسلحة إلى منطقة القتال قبل بدء الحرب المعلنة، كما حظرت بريطانيا تصدير أي أسلحة إلى الدول العربية وإسرائيل، باستثناء بعض الأسلحة السابق التعاقد عليها عام 1947 لمصر والأردن والعراق. إلا أن بريطانيا عادت وفرضت حظراً شاملاً على تصدير الأسلحة لتلك الدول تطبيقاً لقرار مجلس الأمن في التاسع والعشرين من مايو.

[3] يتعلق الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة بأعمال العدوان والأعمال التي تهدد أو تنتهك السلام.

[4] حاولت بريطانيا إقناع العرب بأن عامل الوقت ليس في صالحهم بعد أن كادت قواتهم أن تتوقف. فمع مرور الوقت سيتمكن اليهود من زيادة قوتهم وخاصة القوة الجوية، وأنهم يعدون العدة للقيام بهجوم مضاد كبير. كما أشار "بيفن" إلى أن استمرار القتال سيؤدي إلى تدهور أوضاعهم العسكرية وخسارتهم لقسط كبير من المساندة الدولية، وسيجعل بريطانيا عاجزة عن بذل مزيد من الجهد لصالحهم. ولما كان العرب قد سيطروا فعلاً على معظم القسم العربي من مشروع التقسيم، ويشكلون ضغطاً على القوات الإسرائيلية وخاصة في منطقتي القدس والنقب، في الوقت الذي وصلوا فيه إلى أقصى طاقاتهم آنذاك، فقد رأى "بيفن" أن الوقت ملائم – قبل أن يتبدل ميزان القوى – لقبول كل من الطرفين تقديم تنازلات سياسية، باعتبار أن ذلك أفضل من مخاطرة حسم النزاع بالقوة المسلحة.

[5] يشير الدكتور أحمد عبدالرحيم إلى رضا بريطانيا عن مقترحات "برنادوت" لأنها تخدم الاتفاق بين إسرائيل وشرق الأردن وتوفر الاتصال بين مصر والمشرق العربي عبر النقب بما يخدم المصالح الغربية النفطية، إلا أنها كانت ترى تقسيم النقب بين مصر وشرق الأردن وتدويل القدس.

[6] توضح المذكرة التي قدمها الجنرال "جلوب" بمطالبة من الجيش المصري والعراقي يوم 27 مايو المرفقة في الملحق إظهار عجز هذين الجيشين على مساعدة الجيش الأردني، حتى يبرر عدم قدرة الجيش الأخير على الهجوم الذي طالبت به اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية، لأن ذلك الهجوم يتعارض مع ما تم الاتفاق عليه بين الحكومتين الأردنية والبريطانية من عدم تجاوز الجيوش العربية للمنطقة العربية في قرار التقسيم.