إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / القضية الفلسطينية ونشأة إسرائيل، وحرب عام 1948





معارك المالكية
معركة مشمار هايردن
العملية مافيت لابوليش
العملية نخشون

أوضاع الألوية الإسرائيلية
أوضاع المحور العرضي
أوضاع القوات المصرية
أهداف القوات العربية
محصلة الجولة الأولى
مشروع لجنة بيل
مسرح عمليات فلسطين
أعمال القتال المصري ـ الإسرائيلي
معركة وادي الأردن
معركة نجبا
معركة نيتسانيم
معركة مشمار هاعيمك
معركة أسدود
معركة اللطرون (الهجوم الأول)
معركة اللطرون (الهجوم الثاني)
معركة العسلوج
معركة القدس
معركة بئروت يتسحاق
معركة جلؤون
معركة جنين
معركة يد مردخاي
معركة جيشر
الأوضاع المصرية والإسرائيلية
الموقف في نهاية الفترة الأولى
المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين
الاتجاهات التعبوية لمسرح العمليات
الاستيلاء على مستعمرات عتصيون
الاستيلاء على صفد وتخومها
الاستيلاء على عكا
التنفيذ الفعلي للعملية يؤاف
التقسيمات العثمانية في سورية
الحدود في مؤتمر الصلح
الخطة الأصلية للعملية يؤاف
العملية هاهار
العملية ميسباريم
العملية أساف
العملية مكابي
العملية بن عامي (تأمين الجليل)
العملية باروش
العملية حوريف (حوريب)
العملية داني
العملية يبوس
العملية حيرام
العملية ديكيل
العملية يفتاح (تأمين الجليل)
العملية شاميتز
العملية عوفدا
القتال في المحور الشرقي
القتال في جيب الفالوجا
اتجاهات الجيوش العربية
اتفاقية سايكس/ بيكو
تقدم القوات المصرية في فلسطين
تقسيم فلسطين
تقسيم فلسطين الأمم المتحدة
دخول الفيلق الأردني القدس
حدود فلسطين تحت الانتداب
سورية في العصر الإسلامي
سورية في العصر البيزنطي
سورية في العصر اليوناني
سورية في عهد الأشوريين
طريق تل أبيب ـ القدس
كنعان قبل قيام إسرائيل
فلسطين في عهد الملوك



أمن البحـــر الأحمــر

المبحث الثامن عشر

المعارك الرئيسية على الجبهات العربية

أولاً: المعارك على الجبهة اللبنانية

1. معارك المالكية

لم تنته العملية "يفتاح" التي تمت الإشارة إليها في الفصل السابق باحتلال "صفد" فقط، فإزاء خشية القيادة الإسرائيلية من أي تقدم للجيش اللبناني في إصبع الجليل عن طريق المالكية، قامت بتكليف قيادة العملية "يفتاح" باستباق القوات اللبنانية والسيطرة على "المالكية" و"قدس" (قادش) وقلعة شرطة "النبي يوشع" قبل يوم 15 مايو، مع تخريب كل الجسور الواقعة عند مداخل فلسطين الشمالية حتى الموجودة في عمق الأراضي اللبنانية والسورية لعرقلة تقدم أية قوات عربية في ذلك الاتجاه (اُنظر خريطة العملية يفتاح (تأمين الجليل)) و(شكل معارك المالكية)

ومن ثم أصدر "إيجال آلون" قائد اللواء "يفتاح" أوامره يوم 13 مايو إلى "دان لانر" قائد الكتيبة الأولى بالماخ بالتقدم واحتلال "المالكية" والمرتفعات المحيطة بها لغلق الطريق في وجه القوات اللبنانية من هذا الاتجاه، مع عزل قلعة شرطة "النبي يوشع". وبعد سير منهك طوال ليلة 14/15 مايو ـ فقدت فيه الكتيبة اتجاهها ـ وصلت القوة قرية "قدس" فاحتلتها كما احتلت "المالكية" صباح 15 مايو.

وقبل أن تعزز الكتيبة الإسرائيلية أوضاعها قامت القوات اللبنانية بقيادة الزعيم (العميد) فؤاد شهاب بهجوم مضاد ناجح أجبر تلك الكتيبة على الانسحاب من "المالكية" و"قدس" إلى المرتفعات المجاورة بعد أن بلغت خسائرها أكثر من 120 قتيلاً وجريحاً.

وإزاء انسحاب كتيبة البالماخ الأولى من "المالكية" قلصت قيادة العملية "يفتاح" مهام التخريب المخططة وكلفت إحدى سرايا التخريب باحتلال قلعة شرطة "النبي يوشع" جنوب "المالكية" للاستفادة من وجود كتيبة البالماخ الأولى في المرتفعات المجاورة. وفي ليلة 16/17 مايو نجحت السرية في احتلال الحصن بعد أن مهد سرب الجليل لذلك الهجوم بإلقاء القنابل الحارقة على القلعة[1].

وقد شجع توقف اللبنانيين عن التقدم بعد احتلالهم "للمالكية" و"قدس" قيادة اللواء "يفتاح" على القيام بمحاولة جديدة لاسترداد "المالكية". وقد تلخصت فكرة الهجوم في القيام بهجوم مخادع على "قدس" و"المالكية" من الجنوب، بينما تقوم القوة الرئيسية بالالتفاف والهجوم على "المالكية" من الخلف عبر الأراضي اللبنانية، وفي ليلة 28/29 مايو تحركت القوة الرئيسية دون أضواء في عرباتها المدرعة من المنارة عبر الحدود اللبنانية، ثم انعطفت جنوباً نحو "المالكية" في الوقت الذي كانت فيه قوات الهجوم المخادع تهاجم "قدس" و"المالكية" من الأمام، وقبل أن يصل رتل القوة الإسرائيلية الرئيسية إلى "المالكية"، اضُطر للاشتباك مع وحدة لبنانية صغيرة كانت تتقدم لدعم القوة اللبنانية المدافعة عن تلك البلدة.

وقد نبهت أصوات الطلقات خلال هذا الاشتباك القوة اللبنانية في "المالكية"، إلا أنهم قبل أن يتمكنوا من تنظيم أنفسهم للدفاع ضد الهجوم الإسرائيلي المفاجئ من الخلف، كان الإسرائيليون يهاجمون مؤخرتهم. وبعد معركة قصيرة سقطت البلدة في أيدي القوات الإسرائيلية، كما اضطرت القوات اللبنانية إلى الانسحاب من "قدس" أيضاً إلى ما وراء حدودها.

وعلى الفور أخذ الجيش اللبناني يستعد لاستعادة "المالكية"، وكُلفت كتيبة مشاة من فوج القناصة الثالث اللبناني بالمهمة ودُعمت بست دبابات "رينو" وأربع عربات مدرعة وجماعة مهندسين، وقد تلخصت فكرة الهجوم في الانقضاض على قوات اللواء "عوديد" ـ المشكل حديثاً والتي حلت محل اللواء "يفتاح" في "المالكية" ـ من الشرق والغرب معاً بواسطة سرايا المشاة في الوقت الذي تقوم فيه المدرعات بقصف المواقع الإسرائيلية شمال "المالكية" وتقديم المعونة بالنيران لسرايا المشاة المهاجمة. وفي الساعة 1730 يوم 5 يونيه بدأت قوات المشاة اللبنانية تقتحم مواقع اللواء "عوديد" الذي فوجئ بالهجوم، في الوقت الذي كان فيه أحد أفواج جيش الإنقاذ المعزز بمتطوعين يوغسلاف يضغط على القوات الإسرائيلية جنوب المالكية[2].

وفي الساعة 1830 حاول قائد اللواء "عوديد" شن هجوم مضاد لاستعادة مواقعه إلا أنه باء بالفشل. وخلال ليلة 5/6 يونيه تمكنت كتيبة المشاة اللبنانية من إحكام سيطرتها على التلال الواقعة شمال شرق وجنوب غرب "المالكية" وقبل أن ينبلج صباح 6 يونيه كانت القوات الإسرائيلية قد انسحبت من البلدة بعد أن أحرقت مستودعات الوقود والذخيرة فيها.

وشجع ذلك النجاح القوات اللبنانية على التقدم واحتلال "قدس" يوم 6 يونيه و"رامات نفتالي" في اليوم التالي، الأمر الذي أدى إلى فتح الطريق إلى "وادي الحولة" جنوباً. وفي الوقت الذي كانت فيه القوات اللبنانية تعيد تنظيم نفسها وتعزز مواقعها الجديدة، اندفع جيش الإنقاذ بقيادة "فوزي القاوقجي" إلى قلب الجليل، ووصلت طلائعه إلى "الناصرة" يوم 11 يونيه قبل سريان الهدنة الأولى مباشرة.

2. المعارك على الجبهة السورية

أ. معركة وادي الأردن (اُنظر خريطة معركة وادي الأردن)

كان لواء المشاة السوري الأول بقيادة العقيد "عبدالوهاب الحكيم" يتجمع جنوب شرق لبنان عشية تدخل الجيوش العربية استعدادا للتقدم من "بنت جبيل" في اتجاه "صفد" طبقاً لفكرة العمليات التي حددها رؤساء أركان الجيوش العربية في مؤتمرهم بدمشق يوم 10 مايو. إلا أنه إزاء التعديل الذي أدخله الملك عبدالله، بصفته القائد العام للجيوش العربية على محور تقدم القوات السورية، اضطرت تلك القوات إلى العودة إلى الأراضي السورية والتحرك جنوباً عبر الجولان نحو فلسطين جنوب بحيرة طبرية في اتجاه "سمخ" الهدف الجديد الذي حُدد لتلك القوات.

ويبدو أن الإسرائيليين كانوا يتوقعون الهجوم الرئيسي السوري شمال بحيرة طبرية، فقد اعتمدوا فقط في الدفاع عن وادي الأردن جنوب البحيرة على الكتيبة الثانية خفيفة الحركة من اللواء "جولاني" بالتعاون مع حرس المستعمرات وسكانها لعرقلة تقدم أية قوات عربية في هذا الاتجاه حتى يتم تعزيز القوات المدافعة.

وفي الساعة الواحدة بعد منتصف ليلة 14/15 مايو عبرت وحدات المشاة السورية الأراضي الفلسطينية قبل أن تصل أسلحتها الثقيلة، واحتلت في طريقها تل "القصر" شرق الطرف الجنوبي لبحيرة طبرية. ولما كانت القوات السورية مُنهكة من طول تحركها السابق، فقد اكتفت طوال يوم 15 مايو بالاشتباك بالنيران مع المستعمرات الإسرائيلية شرق وجنوب بحيرة طبرية مع دفع ثلاث مفارز قوية لاحتلال "سمخ" و"مسعدة" (مسادا) و"شاعر هجولاني" الواقعين جنوب "سمخ".

وفي صباح 16 مايو قامت الطائرات والمدفعية السورية بقصف "سمخ" والمستعمرتين الأخريين، وبدأت المفارز السورية الثلاث تطبق على أهدافهما، وبالرغم من نجاح مفرزة "سمخ" في الاستيلاء على معسكري الجيش و"الكرنتينا" في البلدة وتطويق قوة الاحتياطي الإسرائيلية التي قدمت من طبرية لنجدتها، فإنها توقفت أمام المعسكر الإسرائيلي المحصن في المنطقة، كما صمد المدافعون عن مستعمرتي "مسعدة" و"شاعر هجولاني" أمام المفرزتان الأخريان.

وبعد تمهيد نيراني بالمدفعية قامت المفرزة السورية بتكرار الهجوم مرة أخرى على المواقع الإسرائيلية في "سمخ" يوم 17 مايو، إلا أن التعزيزات التي تدفقت من المستعمرات الأخرى ساعدت المدافعين على الصمود في وجه الهجوم السوري حتى صباح 18 مايو عندما انهارت الدفاعات الإسرائيلية أما ضغط القوات السورية التي استولت على البلدة وأجبرت المدافعين على الانسحاب إلى مستعمرتي "داجانيا (أ)" و"داجانيا (ب)" دون أن يتمكنوا من إخلاء جرحاهم وقتلاهم، كما سقط كثير من الإسرائيليين قتلى خلال عملية الانسحاب إلى هاتين المستعمرتين.

وفي خلال ليلة 18/19 مايو شنت قوة من كتيبة "البالماخ" الثالثة هجوماً مضاداً لاستعادة "سمخ" إلا أن ذلك الهجوم باء بالفشل واضطرت القوة الإسرائيلية إلى الانسحاب نحو "داجانيا".

وقد انعكس سقوط "سمخ" في أيدي القوات السورية على معنويات المدافعين في مستعمرتي "شاعر هوجلاني" و"مسعدة"، فلم يأت الليل إلا وكانوا يستعدون لإخلاء المستعمرتين. وفي صباح 19 مايو استولت القوات السورية على هاتين المستعمرتين.

وعلى أثر سقوط "سمخ" والمستعمرتين السابقتين في أيدي القوات السورية بدأت تلك القوات هجومها على مستعمرتي "داجانيا (أ) و(ب)" في الساعة 4.30 من صباح 20 مايو بعد تمهيد مدفعي استمر نحو نصف ساعة، مركزة جهدها الرئيسي ضد مستعمرة "داجانيا (أ)". واستخدم في الهجوم سرية مشاة تتقدمها خمس دبابات "رينو" خفيفة وبعض العربات المدرعة.

وسرعان ما اخترقت المدرعات السورية دفاعات المستعمرة الأولى، إلا أن القوة الإسرائيلية المدافعة والتعزيزات التي تدفقت عليها من لواء "يفتاح" نجحت في تدمير بعض المدرعات السورية باستخدام الأسلحة المضادة للدبابات وأجبرت الباقي على الانسحاب، مما اضطر المشاة للتوقف في حدائق الموالح المحيطة بالمستعمرة.

وإزاء فشل الهجوم السوري على "داجانيا (أ)" نقلت القوة السورية جهودها إلى مستعمرة "داجانيا (ب)". إلا أن حظها أمامها لم يكن أفضل من سابقتها. وبعد محاولتين فاشلتين لاقتحام تلك المستعمرة، تخلت القوة السورية عن المحاولة. وعلى ضوء قرار تعديل منطقة عمليات القوات السورية على نحو ما سبقت الإشارة إليه انسحبت القوات السورية من منطقة وادي الأردن جنوب بحيرة طبرية لتنقل جهدها الرئيسي شمالها أمام جسر "بنات يعقوب".

ب. معركة "مشمار هايردن" (اُنظر شكل معركة مشمار هايردن)

بعد سحب اللواء الأول من جنوب بحيرة طبرية ظلت الجبهة السورية هادئة لأكثر من أسبوع، باستثناء أعمال القصف المدفعي للمستعمرات الإسرائيلية في سهل الحولة. وفي السادس من يونيه قامت قوة سورية (تُقدر بكتيبتين) بهجومها الأول على مستعمرة "مشمار هاريدن" بعد قصف مدفعي وجوي بهدف الاستيلاء على المستعمرة والوصول إلى الطريق الرئيسي الذي يربط إصبع الجليل بالجليل الأوسط، وتحقيق الاتصال مع القوات اللبنانية وقوات جيش الإنقاذ في منطقة "المالكية"، إلا أن المدافعين عن المستعمرة نجحوا في صد ذلك الهجوم بنيران المدفعية والهاون التي سبق ضبط تصويبها على مخاضات نهر الأردن المواجهة للمستعمرة.

ولكن القوات السورية سرعان ما استعادت قوتها الدافعة بعد دعمها بقوات اللواء الثاني، وشنت هجوماً جديداً يوم 10 يونيه، حيث نجحت تلك القوات في الاستيلاء على كل نقاط العبور الثلاث شرقي "مشمار هايردن".

وفي تنسيق جيد بين المشاة والمدرعات استمرت القوات السورية في تقدمها بالرغم من دعم القوات الإسرائيلية المدافعة بالمدفعية وكتيبة من لواء "كرملي"، وعلى أثر اكتساح المدرعات السورية للدفاعات الخارجية للمستعمرة دار قتال مرير انتهى بسقوط المستعمرة في أيدي القوات السورية ظهر نفس اليوم، وأُسر من بقي حياً من القوة الإسرائيلية المدافعة.

وخلال الهجمات الرئيسية السابقة على "مشمار هايردن" قامت بعض القوات السورية الأخرى بهجومين فرعيين لإشغال لوائي "عوديد" و"جولاني" اللذين كانا يتولان الدفاع عن الجليل، الأول يوم 6 يونيه بواسطة بعض قوات اللواء الثاني من "بانياس" على مستعمرة "دان" في أقصى شمال أصبع الجليل والثاني يوم 10 يونيه بواسطة بعض قوات اللواء الأول على مستعمرة "عين جيف" على الشاطئ الشرقي لبحيرة طبرية. وقد نجحت قوات الهجومين الفرعيين في مشاغلة القوات الإسرائيلية خلال الهجومين الرئيسيين على مستعمرة "مشمار هايردين"، إلا أن المستعمرتين المستهدفتين ظلتا صامدتين أمام الهجمات السورية بفضل النجدات التي تدفقت عليهما.

وخلال ليلة 10/11 يونيه أعادت القوات السورية في "مشمار هايردن" تنظيمها لاستئناف الهجوم صباح اليوم التالي للسيطرة على الطريق الرئيسي في أصبع الجليل الذي يصل "روش بينا" "بالمطلة". وفي صباح 11 يونيه بدأت تلك القوات هجومها على المواقع المحيطة بمستعمرة "محنايم"، ونجحت في احتلال جزء من هذه المواقع والوصول إلى مسافة قريبة من المستعمرة قبل موعد سريان الهدنة في ذلك اليوم، غير أن القتال استمر بين الجانبين طوال النهار حتى تمكنت القوات الإسرائيلية من إيقاف تقدم القوات السورية مساء 11 يونيه قبل أن تصل إلى تقاطع الطرق الذي استهدفته من هجومها في ذلك اليوم.

3. المعارك على الجبهة العراقية

أ. معركة "جيشر" (اُنظر خريطة معركة جيشر)

حتى 11 مايو كان للإسرائيليين حاميتان قويتان من اللواء "جولاني" في كل من مشروع كهرباء "روتنبرج" شمال شرق جسر "المجامع" ومستعمرة "جيشر" غرب ذلك الجسر. وعلى أثر توجيه الحكومة الأردنية إنذاراً إلى هيئة كهرباء "روتنبرج" انسحبت الحامية الإسرائيلية من المشروع إلى مستعمرة "جيشر" المسيطرة على جسر "المجامع"، غير أنهم نسفوا ذلك الجسر بعد انسحابهم حتى يقطعوا الاتصال البري بين ضفتي نهر الأردن في تلك المنطقة، كما عززوا دفاعاتهم عن مستعمرة "جيشر" وقلعة الشرطة جنوبها، فضلاً عن احتلال مرتفعات "كوكب الهوى" على مسافة ثلاثة كم جنوب غرب "جيشر"، والتي تسيطر على الأراضي المنخفضة بينها وبين المستعمرة.

وفي فجر 15 مايو بدأت إحدى سرايا المشاة العراقية عبور نهر الأردن تحت جُنح الظلام من ممر وادي البيرة جنوب "جيشر"، لتحتل رأس كوبري على الضفة الغربية للنهر، في الوقت الذي كانت فيه وحدات المهندسين العراقيين تقيم جسراً بديلاً عن الجسر المنسوف، تحت ستر نيران المدفعية التي أخذت تقصف المستعمرات الإسرائيلية المجاورة.

وفي اليوم التالي عبر فوج مشاة عراقي كامل واستولى على تل الجمل شمال مستعمرة "جيشر" والمشرف على المنطقة المحيطة بها، كما احتل محطة السكة الحديد وقرية المجامع شرق تلك المستعمرة، وبعد تمهيد بنيران المدفعية والهاون بدأت القوة العراقية هجومها على المستعمرة عصر يوم 16 مايو، إلا أن القوة الإسرائيلية المدافعة عن المستعمرة نجحت في صد الهجوم العراقي.

وفي السابع عشر من مايو نجح العراقيون في مد كوبري آخر على نهر الأردن، قرب خط أنابيب البترول جنوب "جيشر"، عبر عليه فوج مشاة عراقي ثان مدعم بالمدرعات، وتقدمت سرية منه نحو كوكب الهوى بينما تقدمت القوة الرئيسية في اتجاه قلعة الشرطة، وفي عملية مُنسقة شن الفوجان العراقيان هجوماً على مستعمرة "جيشر" وقلعتها من الشمال والجنوب واستمر ضغط القوات العراقية على هدفيها طوال النهار، وقبل أن يحل الظلام كان قد تم تطويق المستعمرة والقلعة، وبدأت القوات العراقية في اقتحامها، إلا أن عنف مقاومة المدافعين عنهما أجبرت المهاجمين على الارتداد والاكتفاء مؤقتاً بفرض الحصار عليهما.

أما سرية المشاة العراقية التي اتجهت إلى كوكب الهوى، فبمجرد وصولها إلى منتصف سفح الهضبة التي تقع البلدة على قمتها، انهالت عليها نيران قوة الكتيبة الثالثة من لواء "جولاني" التي سبقتها إلى احتلالها، مما أجبر السرية العراقية على الانسحاب قرب عصر يوم 18 مايو.

وقبل أن تشن القوات العراقية هجوما جديداً على أهدافها المحاصرة فجر يوم 21 مايو قررت القيادة العامة في عمان تغيير منطقة عملها إلى نابلس، فتوقفت أعمال قتالها في منطقة "جيشر" وما حولها، وانتقلت إلى منطقة المثلث (جنين/ نابلس/ طولكرم).

ب. معركة "جنين" (اُنظر خريطة معركة جنين)

على أثر انتقال القوات العراقية إلى منطقة المثلث وبدء أعمال قتالها في المنطقة الجديدة، قررت القيادة الإسرائيلية تصفية التهديد العراقي في منطقة المثلث بعملية هجومية لإبعاد خطر القوات العراقية عن السهل الساحلي و"ناتانيا" و"تل أبيب"، وأوكلت هذه العملية إلى لوائي "جولاني" و"كرملي" بالتعاون مع اللواء "اسكندروني". وتلخصت فكرة العملية في قيام اللواء "جولاني" بقوة كتيبتين بالتمهيد لاحتلال "جنين" بالسيطرة على القرى العربية الواقعة في السلسلة الغربية لجبال "جلبوع" وعلى جانبي طريق "العفولة/جنين" كمرحلة أولى، وبانتهاء هذه المرحلة يتقدم اللواء "كرملي" لاحتلال المواقع المحيطة بجنين والسيطرة على المدينة ثم التقدم نحو "قباطية" و"نابلس"، في الوقت الذي يقوم فيه اللواء "اسكندروني" بهجوم مضلل على "طولكرم" لتشتيت جهود القيادة العراقية وجذب بعض الاحتياطيات العراقية بعيداً عن "جنين".

وبدأت المرحلة الأولى للعملية في الأول من يونيه، وخلال اليومين الأولين نجحت قوات اللواء "جولاني" في الاستيلاء على القرى العربية على جانبي طريق "العفولة/جنين" وبعض قرى السلسلة الغربية لجبال جلبوع (عربونة، صندلة، عرانة، جلمة، مقيبلة)، وكانت إحدى كتائب اللواء "جولاني" قد سبق لها، الاستيلاء على قرى "زرعين" و"نورس" و"المزار" في عمليات سابقة، وبذا تم التمهيد لتقدم اللواء "كرملي" نحو "جنين" ليلة 2/3 يونيه للاستيلاء على التلال التي تتحكم في المدينة من ناحية الجنوب الغربي والجنوب الشرقي[3].

وفي فجر الثالث من يونيه بدأت كتيبتا اللواء "كرملي" في الضغط على قوات الفوج العراقي الذي يحتل التلال، إلا أن النجدات التي وصلته غيرت الموقف في منطقة "جنين" لصالح القوات العراقية، خاصة وأن اللواء "اسكندروني" لم يتمكن من القيام بهجومه طبقاً للخطة لجذب اهتمام القيادة العراقية نحو "طولكرم" وتشتيت احتياطياتها، مما أحرج قوات اللواء "كرملي" في مرتفعات "جنين" وزاد من خسائرها.

وفي الرابع من يونيه شنت إحدى الوحدات العراقية هجوماً مضاداً على مواقع كتيبة "كرملي" الأولى في التلال الواقعة جنوب غرب "جنين"، وفشلت كل المحاولات الإسرائيلية لتخفيف الضغط على تلك الكتيبة، كما فشلت كتيبة "كرملي" الثانية، التي تطل على مرتفعات الجانب الآخر للمدينة، في تقديم أي مساعدة لها مما أجبر الكتيبة الأولى على الانسحاب تحت ضغط الهجوم المضاد العراقي بعد تكبدها خسائر جسيمة.

ومع حلول المساء تأزم موقف قوات اللواء "كرملي" المتبقية في مرتفعات جنين، وأبلغ "موسى كرملي" ـ قائد الجبهة الشمالية الذي يقود العملية ـ رئاسة الأركان الإسرائيلية قبل منتصف ليلة 4/5 مايو، أن الموقف في "جنين" لم يحسم بعد، وأن الصمود يستحق العناء فقط إذا قام اللواء "اسكندروني" بالهجوم على "طولكرم" لتخفيف الضغط على قواته طبقاً للخطة غير أن رئاسة الأركان ردت عليه بعدم إمكانية الهجوم على "طولكرم" وسمحت له بالانسحاب. وقبل حلول فجر الخامس من يونيه أتمت القوات الإسرائيلية انسحابها من مرتفعات "جنين" تحت نيران القوات العراقية التي أوقعت بها خسائر جسيمة واستعادت سيطرتها على المدينة، إلا أن القوات الإسرائيلية ظلت محتفظة بالقرى التي احتلتها شمال "جنين" خلال المرحلة التمهيدية للعملية.

4. المعارك على الجبهة الأردنية

أ. معركة "القدس"[4] (اُنظر خريطة دخول الفيلق الأردني القدس) و(خريطة معركة القدس)

(1) القتال في القدس القديمة

عندما عادت قوات الفيلق الأردني إلى فلسطين صباح 15 مايو، حرص الجنرال "جلوب" على إبعادها عن القدس المقرر وضعها تحت إدارة دولية طبقاً لقرار التقسيم. ومن ثم بدأت تلك القوات انتشارها في منطقتي "نابلس" و"رام الله"، بينما اتجه بعض هذه القوات مع بعض سرايا المتطوعين الأردنيين إلى "اللد" و"الرملة"، في الوقت الذي كانت فيه القوات الإسرائيلية في "القدس" تضغط على قوة المجاهدين العرب وبعض عناصر جيش الإنقاذ التي تدافع عن الأحياء العربية في المدينة، بهدف الاستيلاء على المدينة بأكملها. (اُنظر ملحق وثيقة تسليم الحي اليهودي في القدس القديمة (28 مايو 1948))

وإزاء مناشدة عرب "القدس" الملك عبدالله أن يبعث ببعض قوات الفيلق الأردني للدفاع عن المدينة حتى لا تسقط في أيدي القوات الإسرائيلية، وافق في البداية على إرسال سرية مشاة من الفوج السادس الذي كان في الاحتياط لدعم الدفاع عن "القدس القديمة". وتحت إلحاح القيادة العربية في القدس ومناشدة سكان المدينة عاد ووافق على تعزيز تلك القوات بباقي قوات الفوج السادس، وأصدر أوامره مباشرة إلى الرائد عبدالله التل قائد الفوج بالتحرك من "أريحا" و"الخان الأحمر" و"الجفتلك" إلى "القدس" لدعم الدفاع عن المدينة القديمة. وعلى أثر وصوله من "أريحا" إلى "القدس" ليلة 17/18 مايو، ومعرفته الأوضاع في المدينة القديمة نقل الرائد التل مركز قيادته داخلها وقسم قواته إلى ثلاثة أقسام:

الأول: ويتشكل من نحو سريتي مشاة دفع بهما لدعم الدفاعات العربية داخل أسوار المدينة القديمة.

والثاني: ويتكون من سرية مشاة مدعمة أبقاها كاحتياط في قرية الطور العربية شرق المدينة القديمة.

أما القسم الثالث: فكان يتكون من سرية المعاونة المشكلة من فصيلة "هاون" ومدافع عيار 6 رطل وفصيلة عربات مدرعة وخصص لها مواقعها في "رأس العمود" وجبل الطور لدعم القوات العربية في القدس بالنيران.

ومع دخول سريتي الفوج السادس المدينة القديمة وُضعت كافة القوات العربية فيها تحت قيادة الرائد عبدالله التل، الذي نجح في توزيع قواته بشكل مكنها من صد الهجمات الإسرائيلية المتكررة على الأبواب الرئيسية للمدينة، وحصار الحي اليهودي فيها الذي كان يقطنه نحو 1800 من اليهود الشرقيين بينهم ما يزيد على 300 مقاتل من قوات الهجناه والأرجون، نجحوا في جعل ذلك الحي بحواريه الضيقة بمثابة قلعة حصينة يصعب اقتحامها، ومن ثم اكتفت القوات العربية في البداية بحصاره وقصفه بنيران المدفعية والهاون.

وعلى الجانب الآخر من الأسوار كثفت القوات الإسرائيلية هجماتها – التي لم تنقطع ليلة واحدة – على الأبواب الرئيسية للمدينة في محاولات يائسة لإنقاذ الحي اليهودي المحاصر داخل الأسوار، وكان أخطر هذه الهجمات تلك التي تمت ليلة 18/19 مايو ومساء يوم24 من نفس الشهر. ففي المحاولة الأولى نجحت بعض القوات الإسرائيلية في فتح ثغرة في الدفاعات العربية عند باب النبي داود والوصول إلى الحي اليهودي، إلا أن القوات العربية نجحت صباح اليوم التالي في غلق تلك الثغرة مرة أخرى، أما المحاولة الثانية فقد جرت في نفس المنطقة مساء 24 مايو بعد تمهيد نيراني بقذائف الهاون على القوات العربية المدافعة، التي أصلت قوة البالماخ المهاجمة بنيرانها الكثيفة وقنابلها اليدوية عند اقترابها من سور المدينة، مما أجبرها على الانسحاب بعد تكبدها ستين قتيلاً.

وعندما قدر الرائد عبدالله التل موقفه من أجل اقتحام الحي اليهودي وجد أن تحصينات الحي ستكلفه ثمناً كبيراً لعملية الاقتحام، فقرر نسف المنازل اليهودية التي اتُخذت أبراجاً واستحكامات للقوات المدافعة، تمهيداً لتقدم المشاة في عمليات التطهير والاحتلال.

ومع تكرار أعمال النسف والتدمير المنظم بدأت تضيق خطوط المدافعة عن الحي، وتزايد نزوح السكان من المناطق المهددة بالتدمير إلى المناطق الخلفية التي دب الذعر بين سكانها الذين كان ينتظرهم نفس المصير. وزاد من سوء حالة السكان اليهود أعمال القصف المدفعي التي استمرت تدك الحي طوال فترة الحصار، وبدأت المواقع الإسرائيلية داخل الحي تُخلى الواحد تلو الآخر وتضاءلت المساحة التي تدافع عنها القوات الإسرائيلية إلى أقل من مائتي متر مربع.

ولم يكن هناك من مناص من التسليم بعد أن فشلت كافة المحاولات الإسرائيلية خارج القدس القديمة للاتصال بالحي اليهودي فيها. وفي صباح 28 مايو جرت مفاوضات التسليم بين الوفد الأردني برئاسة الرائد عبدالله التل والوفد الإسرائيلي الذي تكون من "موسى روزنك" قائد الهجناة في ذلك الحي و"الأدون مردخاي فون جارتن" ممثلاً لسكان الحي، وبحضور السنيور "اسكاراتي" ممثل الأمم المتحدة في القدس، وبعد جدال استمر ثلاث ساعات قبل الجانب الإسرائيلي شروط التسليم والتي كانت تتلخص فيما يلي (اُنظر ملحق خطاب الملك عبدالله إلى الجنرال جون جلوب (مايو 1948)):

·           إلقاء السلاح وتسليمه للجانب الأردني.

·           أخذ جميع الرجال المحاربين أسرى حرب.

·           السماح للشيوخ من الرجال والنساء والأطفال ومن كانت جراحهم خطيرة بالخروج إلى الأحياء اليهودية في القدس الجديدة بواسطة الصليب الأحمر.

·           تعهد الجانب الأردني بحماية أرواح جميع اليهود المستسلمين.

·           احتلال الجيش العربي الحي اليهودي في القدس القديمة.

(2) القتال خارج المدينة القديمة

إزاء تباطؤ الجنرال "جلوب" في نجدة "القدس" ـ تارة بحجة الحفاظ على الهدنة في المدينة المقدسة بالرغم من نقض اليهود لها، وتارة أخرى بحجة عدم إضعاف سيطرة الفيلق الأردني عن المناطق الأخرى في الضفة ـ قام الملك عبدالله من جانبه بخطوتين هامتين: الأولى هي إصداره أوامره مباشرة إلى الرائد عبدالله التل بالتحرك بقواته لنجدة القدس متخطياً بذلك الجنرال "جلوب" قائد جيشه على نحو ما سبق، والثانية هي تكليفه وزير دفاعه بعد ظهر السابع عشر من مايو بإرسال برقية إلى قائد الفيلق الأردني يبلغه فيها قلق الملك وإصراره على تحريك قوة مدعمة بالمدفعية من "رام الله" للهجوم على الأحياء اليهودية في "القدس" بما يسمح بتخفيف الضغط على القوات العربية المدافعة عن المدينة القديمة، وإجبار اليهود على الالتزام بالهدنة، وأن القنصل البلجيكي الذي كان يقابل الملك عبدالله وقتئذ يوافق على هذا الرأي، ولم يكتف الملك بذلك، بل أرسل خطاباً شخصياً إلى الجنرال "جلوب" يحثه فيه على نجدة المدينة القديمة حتى لا تسقط فيقع عليه تبعة سقوطها وما سيجري للعرب فيها[5]. (اُنظر خريطة معركة اللطرون (الهجوم الأول)) و(خريطة معركة اللطرون (الهجوم الثاني))

وإزاء هذا الضغط من قِبل الملك لم يجد الجنرال "جلوب" بُداً من إرسال بعض القوات إلى القدس تنفيذاً لرغبة الملك، حتى لا تقع عليه مسؤولية سقوط المدينة.

ولما كان "جلوب" قد علم بإرسال وحدة عبدلله التل إلى المدينة القديمة، فقد اكتفى في البداية بإرسال قوة أخرى من الفوج الخامس من "رام الله" تبلغ نحو 300 من جنود المشاة المدعمين بفصيلة عربات مدرعة وأربعة مدافع عيار 6 رطل مضادة للدبابات، وبمجرد وصولها إلى الطرف الشمالي من المدينة نجحت تلك القوة في استرداد حي "الشيخ جراح" من القوات الإسرائيلية وأجبرتها على الانسحاب، وبدأت في التقدم جنوباً للاتصال بدفاعات المدينة القديمة لتكوين خطاً دفاعياً متصلاً، يؤمن تلك المدينة والأحياء العربية شمالها وشرقها.

ولما كانت القوة السابقة غير كافية لبناء خط دفاعي متماسك، فقد دفع "جلوب" الفوج الثالث بقيادة الرائد "بل نيومن" لدعم خط الدفاع الجديد في القدس وعزل المنطقة اليهودية فيها. وبوصول قوات الفوج الثالث إلى المدينة صباح 22 مايو، كان على تلك القوات شن هجوم مزدوج على كل من المواقع الإسرائيلية في المنطقة المعروفة باسم بوابة "مندلبوم" جنوب غرب حي "الشيخ جراح"، وعلى المواقع الإسرائيلية في منطقة دير "نوتردام" التي تسيطر على حي المصرارة العربي شمالها ـ وكانت القوات الإسرائيلية قد احتلت ذلك الدير بعد 15 مايو ـ إلا أنه نظراً لعدم تعيين الرائد "نيومن" لدليل يقود سرايا البدو التي تجهل دروب المدينة فقد ضلت بعض هذه السرايا طريقها وسط شوارع القدس مما دفع قيادة الفيلق إلى تأجيل الهجوم إلى اليوم التالي.

وفي الساعة 1200 يوم 23 مايو بدأت سريتاين من الفوج الثالث هجومها على دير "نوتردام"، في الوقت الذي قامت فيه باقي قوات الفوج بالهجوم على المواقع الإسرائيلية في منطقة بوابة "ماندلبوم"، بعد أن قامت المدفعية الأردنية بالتمهيد لهذين الهجومين بقصف المناطق اليهودية المستهدفة، غير أن القوات الإسرائيلية تمكنت من صد هذين الهجومين وكبدت الفوج الثالث خسائر جسيمة في منطقة الدير، نتيجة لأخطاء قائد الفوج مما دفع الجنرال "جلوب" إلى إصدار أوامره في الساعة الخامسة مساء 24 مايو بإيقاف الهجوم، ولما كان القائد البريطاني غير مستعد لسحب وحدات أخرى لاستئناف الهجوم، الذي كان على غير إرادته منذ البداية، فإنه قرر الاكتفاء بحصار المنطقة اليهودية في القدس الجديدة انتظاراً لسقوط الحي اليهودي في المدينة القديمة، والذي كان سقوطه مسألة وقت فقط، وبتصفية الموقف في "القدس القديمة" لصالح القوات الأردنية ودعم الدفاع عن الأحياء العربية شمالها وشرقها، ركزت جهود القوات الأردنية لإرهاق وإزعاج الإسرائيليين في "القدس الجديدة" بالقصف المدفعي، مع تشديد الحصار على تلك المنطقة وإحكام عزلها عن مصادر إمدادها في السهل الساحلي حتى يجبر الإرهاق والجوع سكانها على التسليم.

ب. معركة "اللطرون" الأولى (اُنظر خريطة معركة اللطرون (الهجوم الأول))

إزاء تفاقم سوء الحالة التي كان عليها يهود القدس الجديدة المحاصرة، أصبح مصير سكانها المائة ألف معلقاً بفتح طريق "القدس/ تل أبيب" ووصول قوافل الإمداد. وعلى ذلك بذلت رئاسة الأركان الإسرائيلية جهوداً مستميتة لفتح ذلك الطريق الذي أغلقه المجاهدون العرب وجيش الإنقاذ في البداية وحلت محلهم القوات الأردنية اعتباراً من 19 مايو (احتل الفوج الرابع بقيادة المقدم "حابس المجالي" منطقة اللطرون، بينما احتل الفوج الثاني بقيادة المقدم (البريطاني) "هنري سلين" منطقة باب الوادي)، حيث قامت القوات الإسرائيلية في الفترة من 23 مايو وحتى 11 يونيه بثلاث محاولات فاشلة لزحزحة قوات الفوج الرابع عن اللطرون وفتح الطريق إلى القدس دون جدوى.

وقد بدأت أولى هذه المحاولات بعد أربعة أيام من احتلال القوات الأردنية لمواقعها في منطقة "اللطرون". حيث كان على اللواء السابع المدرع أن يقوم بالتعاون مع الكتيبة الثانية من لواء "اسكندروني" بالاستيلاء على المراكز الحاكمة في منطقة اللطرون لتأمين الطريق ثم توصيل قافلة إمداد إلى السكان والقوات المحاصرة في منطقة "القدس".

وبحلول يوم 23 مايو كان اللواء السابع قد تجمع في منطقتي "ناعان" و"خلدة" بينما كانت قافلة إمداد كبيرة على أهبة الاستعداد عند "عكير"، غير أن الهجوم لم يبدأ في موعده المقرر في منتصف ليلة 22/23 مايو لتأخر وصول الكتيبة الثانية من لواء "اسكندروني" التي كانت ستقوم بالمجهود الرئيسي في الهجوم على "اللطرون"، فطبقاً للخطة الإسرائيلية كان على تلك الكتيبة أن تقوم بالإستيلاء على بلدة "اللطرون" وقلعة الشرطة بالقرب منها، في الوقت الذي تقوم فيه الكتيبة الثانية من اللواء السابع بتأمين الجانب الأيمن لمحور تقدم كتيبة "اسكندروني" وطريق "القدس".

وعلى ذلك لم يبدأ تحرك كتيبة "اسكندروني" إلا مع أول ضوء صباح الثالث والعشرين من مايو، مما جعل تقدم تلك القوة إلى أهدافها على طريق القدس على مرأى من القوات الأردنية في منطقة "اللطرون"، فأصلتها الأخيرة بنيرانها الحامية وأوقعت بها خسائر جسيمة، مما جعل إتمام العملية أمراً مستحيلاً، فبدأت تلك الكتيبة في الانسحاب بشكل مأساوي راح ضحيته المئات من أفرادها، في الوقت الذي أصبحت فيه كتيبة اللواء السابع ـ على ميمنة كتيبة اسكندروني ـ هدفاً للنيران الجانبية للقوات الأردنية والمتطوعين العرب الذين احتلوا قرى "بيت جيز" و"بيت سوسين" التي ظن الإسرائيليون أنها خالية.

وبينما كانت الوحدات الإسرائيلية تحاول تخليص نفسها تحت نيران المدفعية الأردنية تعرضت تلك الوحدات للهجمات المضادة العربية من الاجناب والخلف مما زاد من صعوبة تخلص ما تبقى من هذه الوحدات المبعثرة التي دبت الفوضى في أوصالها.

ولم ينج من قوة الهجوم الإسرائيلي إلا حفنة كان على رأسها الكولونيل "حاييم لاسكوف" قائد الكتيبة المدرعة في اللواء السابع.

وبالرغم من خطورة الموقف الإسرائيلي على الجبهات العربية الأخرى، فقد أجبر تفاقم سوء حالة يهود القدس الجديدة ـ الذين أنهكهم الحصار ـ القيادة الإسرائيلية إلى إعطاء الأسبقية لفتح طريق القدس. ومن ثم تلقى اللواء السابع الأمر بشن هجوم جديد على اللطرون بالتعاون مع إحدى كتائب لواء "جعفاني" بعد أسبوع واحد من فشل المحاولة الأولى.

ولتجنب أخطاء الهجوم الأول احتلت بعض قوات المشاة في اللواء السابع "بيت جيز" و"بيت سوسين" العربيتين قبل بدء الهجوم على اللطرون الذي أُلقى على عاتق الكتيبة المدرعة في ذلك اللواء، التي كان عليها الاستيلاء على منطقة "اللطرون" بالتعاون مع بعض سرايا المشاة في اللواء، بينما كان على كتيبة لواء "جعفاني" الاستيلاء على "دير أيوب" ومرتفعاتها بالتعاون مع إحدى سرايا اللواء السابع والتقدم إلى "يالو" لقطع طريق الإمداد من "رام الله" إلى الكتيبة الأردنية الرابعة التي تسيطر على منطقة اللطرون وعزل تلك الكتيبة.

وفي 30 مايو بدأت قوات الهجوم الجديد تحركها إلى أهدافها بعد أن تم تأمين جانبها الأيمن باحتلال "بيت جيز" و"بيت سوسين". وبوصول كتيبة جعفاني إلى مرتفعات دير أيوب تعرضت لنيران كثيفة من الأمام والأجناب من القوات الأردنية المدافعة عن تلك المرتفعات، مما أوقع بالكتيبة خسائر جسيمة، فساد الاضطراب في صفوفها، وانسحبت دون أوامر في حالة من الفوضى مخلفة وراءها 137 قتيلاً، دون أن يعلم بذلك "حاييم لاسكوف" قائد قوة الهجوم الرئيسية على مرتفعات "اللطرون". وبالرغم من وصول مدرعات "لاسكوف" إلى ضواحي بلدة "اللطرون" ودخلول بعضها الساحة الخارجية لقلعة الشرطة القريبة منها، إلا أن المدافعين عن القلعة الذين راحوا يمطرون المهاجمين بالنيران والقنابل الحارقة أصابوا سرايا المشاة الإسرائيلية بالشلل فتوقفوا عن متابعة المدرعات، مما أجبر "لاسكوف" على سحب قواته من منطقة اللطرون تاركاً خمسين قتيلاً وأربع دبابات محترقة بجوار قلعتها، وبذلك فشلت ثاني المحاولات الإسرائيلية لفتح طريق القدس خلال هذه المرحلة. (اُنظر خريطة معركة اللطرون (الهجوم الثاني))

وإزاء تزايد إلحاح القيادة الإسرائيلية في القدس من أجل فتح الطريق بعد أن تزايدت حالة السكان المحاصرين سوءاً، قررت رئاسة الأركان الإسرائيلية شن هجوم ثالث لفتح الطريق، أوكلت قيادته هذه المرة إلى الكولونيل "دافيد ماركوس" (الضابط الأمريكي المتطوع الذي سبق له الخدمة في قيادة الجنرال أيزنهاور في أوروبا)، ووضعت الألوية الثلاثة العاملة في جبهة القدس تحت قيادته (لواء "عتصيوني" المسؤول عن الدفاع عن الأحياء اليهودية في "القدس" ولواء "هرئيل" الذي يدافع عن ممر القدس غرب المدينة حتى قرب منطقة "باب الواد" التي يسيطر عليها الفوج الأردني الثاني، واللواء السابع الذي كان يعاد تنظيمه وتعزيزه في منطقة "خلدة" و"دير محيسن" غرب "اللطرون"، بعد الخسائر التي مُنى بها في الهجومين السابقين).

ولما كان موقف اللواء السابع ولواء "عتصيوني" لا يسمح باشتراكهما في الهجوم الجديد ـ نتيجة للخسائر الجسيمة التي لحقت بهما ـ فقد أُسندت المهمة إلى الكتيبة الخامسة من لواء "هرئيل" والكتيبة الأولى والثالثة من لواء "يفتاح" الذي سُحب من الجليل للمشاركة في معركة "اللطرون". وكان على الكتيبة الأولى "يفتاح" القيام بهجوم تضليلي على "عمواس" شمال شرق "اللطرون" في الوقت الذي تقوم فيه الكتيبة الخامسة "هرئيل" بالهجوم على أحد المرتفعين الحيويين شرق "اللطرون" (تل يالو) وبسيطرة الكتيبة الخامسة على ذلك المرتفع تتقدم الكتيبة الثالثة "يفتاح" عبر مواقع الكتيبة الخامسة للاستيلاء على المرتفع الثاني (تل المدافع).

وبعد تأجيل الهجوم عدة مرات، بدأت العملية ليلة 8/9 يونيه، فأغارت الكتيبة الأولى يفتاح على قرية "عمواس"، كما تحركت الكتيبة الخامسة "هرئيل" إلى تل "يالو" إلا أنها أخطأته في الظلام وهاجمت تل "المدافع" بدلاً منه، حيث قوبلت بمقاومة عنيفة من قوات الفيلق الأردني فلم تتمكن إلا من احتلال جزء من التل.

وقبل أن ينقضي الليل كانت قوات الكتيبة الخامسة تتعرض لثلاث هجمات مضادة قوية من القوات الأردنية في المنطقة في الوقت الذي تحركت فيه الكتيبة الثالثة "يفتاح" نحو تل "المدافع"، وعند مرورها بتل "يالو" فوجئت الكتيبة الأخيرة ـ التي لم تعلم بالخطأ الذي وقعت فيه الكتيبة الخامسة ـ بالنيران تنهمر عليها من منطقة يفترض أن كتيبة "هرئيل" قامت باحتلالها، وتحول الهجوم إلى حالة من الفوضى أجبرت القيادة الإسرائيلية في قطاع "القدس" على سحب الكتيبتين قبل أن يبزغ نور الفجر، وهكذا انتهت المحاولة الإسرائيلية الثالثة للسيطرة على منطقة "اللطرون" بالفشل وبقي طريق "القدس" مغلقاً حتى سريان الهدنة الأولى صباح 11 يونيه.




[1] يشير اللواء حسن البدري إلى أن القوات الإسرائيلية استعادت المالكية يوم 19 مايو، ويبدو أن هناك خطأ مطبعياً لأن المصادر الإسرائيلية والغربية تجمع على أن قوات اللواء "يفتاح" التي استعادتها تحركت لتنفيذ العملية ليلة 28/29 مايو.

[2] يشير "دي بوي" إلى أن استعادة القوات اللبنانية للمالكية تمت مساء 6 مايو وأن الاستيلاء على "قدس" و"رامات نفتالي" تم في اليوم التالي.

[3] يشير اللواء حسن البدري إلى أن قوات اللواء "كرملي" هي التي قامت بالهجوم خلال المرحلتين بينما تُجمع المصادر الإسرائيلية والغربية لهذه الدراسة على قيام اللواء "جولاني" بمهمة التمهيد للهجوم على " جنين " خلال المرحلة الأولى.

[4] نجحت القوات الإسرائيلية خلال الفترة من 15 إلى 17 مايو في احتلال كافة الأحياء العربية خارج سور القدس القديمة عدا الأحياء الواقعة شرق المدينة وبدأوا في الهجوم على الأبواب الرئيسية في تلك الأسوار لاقتحام المدينة القديمة التي احتشد فيها أكثر من 60 ألف عربي نزح أغلبهم من الأحياء التي احتلها الإسرائيليون.

[5] يصف " حاييم هيرتزوج " رئيس دولة إسرائيل السابق حالة يهود القدس آنذاك بقوله: "تضاءل إمداد المدينة بالكهرباء إلى ساعات قليلة في اليوم، وأغلقت مضخات ضخ المياه إلى المدينة منذ استيلاء العرب عليها في 12 مايو، وانقطعت الأنباء لتوقف البث الإذاعي، وانتشر الجوع والعطش وسادت الليل ظلمة حالكة، واستمر القصف المدفعي للمدينة طوال الأربع والعشرين ساعة، وخلت المحلات من الأغذية، وكان جميع السكان يعيشون وينامون في المخابئ، ولم يكن ممكناً القيام بأية إجراءات صحية نتيجة لنقص المياه، ومع نفاد المؤن أصبح واضحاً للجميع أن القدرة على الاحتمال صارت هي الأخرى على وشك الانهيار ما لم يرتفع الحصار.

[6] يشير اللواء محمد نجيب إلى أنه كان يقود اللواء الثاني خلال معركة أسدود إلى حين وصول الأميرالاي محمود فهمي نعمة الله من القاهرة بعد معركة " نيتسانيم " وتوليه قيادة اللواء وانتقاله هو لقيادة اللواء الرابع.

[7] حدد اللواء محمد نجيب قائد مجموعة اللواء الثاني التي قامت قواته باحتلال أسدود عدد القتلى بأربعمائة وخمسين والأسرى بمائة وتسعة وعشرين بينما أشار "دي بوي" إلى أن عدد القتلى والجرحى بلغ 400 فرد، أما هيرتزوج فأشار إلى أن الخسائر الإسرائيلية في المعركة بلغت 100 فرد بين قتيل وجريح بالإضافة إلى عدد من الأسرى.