إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / حرب عام 1967، من وجهة النظر السورية





إسرائيل بعد الحرب

مراحل عمليات الجيش الإسرائيلي



المبحث الأول

المبحث الأول

فكرة الحرب

أولاً: فكرة الحرب في إسرائيل

حّملت حرب 1956 عاملين جديدين دخلا على مسيرة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وهما:

·   تشكيل " قوة الطوارئ الدولية ـUNEF: United Nations Emergency Force" ، التي نُشرت في قطاع غزة وشرم الشيخ (شبه جزيرة سيناء)، ما سمح بمرور السفن الإسرائيلية إلى خليج العقبة ومنه. وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة أن وجود القوات الدولية تم بموافقة مصر، وأن القوات تُسحب في حال طلب مصر ذلك. وقد رفضت إسرائيل أن تنشر القوات على جانبها من الحدود.

·   اعتبار الولايات المتحدة الأمريكية مياه خليج العقبة مياهاً دولية.

ونظراً إلى أن إسرائيل لم تستطع تحقيق بعض أهدافها في حرب 1956، على الرغم من تحالفها في الحرب مع دولتين عظميين، هما إنجلترا وفرنسا، وإلى أن هدف إسرائيل الثابت والأساسي، وهو بناء وطن يهودي قادر على استيعاب اليهود الموزعين في الشتات، وعلى بناء دولة تتوسع حدودها وقدراتها العسكرية والاقتصادية والسياسية على مراحل، لم يتحقق كله، فقد كان من الطبيعي أن تستعد إسرائيل، مرة أخرى، لحرب جديدة.

وحين بدأت إسرائيل تستعدّ لحرب جديدة، كان الوطن العربي يشهد سلسلة من الأحداث المهمة، التي وقعت قبيل حرب 1956، وما بين حربَي 1956 و 1967، والتي شكّلت أجزاءً من خلفية استمرار الصراع العربي ـ الإسرائيلي، في تلك الفترة. فقد استقلّت تونس (20/3/1956)، والمغرب (18/11/1956)، وقامت الوحدة بين مصر وسورية (22/2/1958)، وحدث الانفصال بينهما (28/9/1961)، ووقعت ثورة في لبنان (1958)، وثورتان في العراق (14/7/1958، 8/2/1963)، واستقلت الكويت (25/2/1962)، والجزائر (5/7/1962)، ووقعت ثورة في اليمن (28/9 /1962)، وثورة في سورية (8/3/1963)، وفشلت محادثات الوحدة الثلاثية بين مصر والعراق وسورية (1963).

ومن أجل تسويغ الذرائع للحرب الجديدة، حدّد أحد المنظّرين العسكريين الإسرائيليين الحالات، التي إذا نشأت إحداها أجازت إسرائيل لنفسها المبادرة إلى الحرب، بذريعة "حق الدفاع المشروع". وهذه الحالات هي: (1) إذا احتشدت قوات هجومية تكوّن خطراً على إسرائيل. (2) إذا اتضح أن العدو يعدّ لهجوم مفاجئ على قواعد إسرائيل الجوية. (3) إذا وقع هجوم جوي على المنشآت الذرية والمؤسسات العلمية. (4) إذا وصلت حرب العصابات إلى درجة باتت معها عمليات الدفاع عاجزة عن التصدي لها. (5) إذا دخل الأردن في حلف عسكري مع بلد عربي آخر، وسمح بحشد قوات عسكرية أجنبية في أراضيه، وخصوصاً في الضفة الغربية لنهر الأردن. (6) إذا أغلقت مصر مضيق تيران .

1. المفهوم الإستراتيجي للحرب

لم تخفِ إسرائيل إرادتها في شن حرب جديدة، من أجل التوسع وإقامة الدولة على " أرض إسرائيل التاريخية" و "أرض إسرائيل التوراتية". واستخدمت، من أجل ذلك، تعبيرات ذرائعية متنوعة تجسد تلك الإرادة، مثل: العمق الإستراتيجي، الحدود الطبيعية، الحدود التاريخية، ضرورة استيعاب المليونَيْن الرابع والخامس من اليهود.

وقد انطلقت الفكرة الإستراتيجية للحرب القادمة من الكنيست (البرلمان الإسرائيلي - Knesset) حين قدّم رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال موشي ديان (Moshe Dayan) ، في 7/3/1957، تقريراً اعتمده الكنيست كتوجيهات سياسية - إستراتيجية للحكومة، تضمن: (1) مبدأ الاعتماد على الذات في أي مواجهة عسكرية محتملة، أي عدم إشراك قوة أجنبية مع الجيش الإسرائيلي بصورة مباشرة. (2) تطوير الجيش، تنظيماً وتدريباً وتسليحاً وتعبئة وإمكانات، وتوسيع ملاكاته (زيادة قوّته) ليراوح قوامه بين 30 و 35 لواءً، من مختلف صنوف الأسلحة. وقدّر التقرير مدة عشر سنوات، لتأليف هذه القوة، وإعادة تنظيم الجيش وتسليحه، براً وبحراً وجواً، وتدريبه على مهام الحرب القادمة وعملياتها.

وهكذا بدأت أعمال التخطيط والاستعداد والتدريب والتجهيز والتسليح، لتستمر عشر سنوات. وأخذت القوات الجوية، بدءاً من مطلع عام 1965، تتدرب على تطبيق الخطة التي وضعت للحرب، وحملت اسم "كولومبColombe  - حمامة". وحددت القيادة العسكرية الإسرائيلية لنفسها، مهتدية بالإستراتيجية الهجومية التي اعتنقتها، هدفاً أساسياً، حاولت تحقيقـه في هـذه المرحلة الجديدة من إعادة بناء القوات المسلحـة وتنظيمها. وهذا الهدف هو خلق "قوة ضاربة"، وضعت لتنفيذها خطة سميت "برنامج الردع"، وكُرِّس لها القسم الأعظم من الجهد والمال. وقد بُني البرنامج على ثلاثة عناصر: السلاح الجوي والسلاح المدرع وسلاح المظليين. وجسّد البرنامج هذه العناصر في بناء قوة جوية كبيرة من الطائرات المقاتلة القاذفة، وإنشاء قوات مدرعة وآلية، وإنشاء قوة اقتحام رأسي بجنود ذوي كفاءة عالية.

ثمة أدبيات إسرائيلية كثيرة تحدثت عن أغراض إسرائيل في حرب 1967. ويمكن تركيزها، على الرغم من تعدد صياغاتها وأشكالها، في الأغراض التالية: (1) فتح مضيق تيران في وجه الملاحة الإسرائيلية. (2) إزالة التهديد المشهور على إسرائيل، وذلك بتدمير القوات المسلحة المصرية أولاً، والسورية والأردنية ثانياً. (3) التوسع الجغرافي باحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان. (4) إسقاط النظامين في مصر وسورية.

وتقضي هذه الأغراض التي حددتها إسرائيل لحربها، أن تكون إستراتيجيتها هجومية في مفهومها ومقوماتها وأسُسها وعملياتها، وخاصة أن الوضع الإستراتيجي لإسرائيل لا يساعد على تبنّي أي مفهوم دفاعي إستراتيجي. فقد كانت إسرائيل ترى أن خطوط الهدنة، التي ورثتها من حرب 1948، قد أبقتها بلا عمق إستراتيجي أو عملياتي. ومن هنا انبثق مفهوم الإستراتيجية الهجومية. "أمّا الدفاع، فقد كان ينظر إليه على أنه مرحلة ضرورية قبل إتمام تعبئة الاحتياطي". ولقد انتهت إسرائيل إلى تبنّي أساس جدّ مهم، أقامت عليه مفهومها الإستراتيجي الهجومي. وهو يتمثل في الفكرة التالية: "إن نسب القوى العددية المتفوقة للجيوش العربية، أوجبت اتباع نهج الاستباقية أو الوقائية في حال تطور القدرة العسكرية العربية إلى تهديد شامل وخطر لإسرائيل، حتى لو كان الوضع لا يشير إلى وجود خطر فوري لنشوب حرب". إن هذه الفكرة تفسر أحد أسباب شن إسرائيل حرب 1967، كما تفسر أحد أسباب شنها الحرب في عام 1956، من قبل، وهجومها على المفاعل النووي العراقي في 7 يونيه 1981، من بعد.

2. الملاحة الإسرائيلية في خليج العقبة

كان مرور الملاحة الإسرائيلية في مضيق تيران وخليج العقبة أهم مكسب حصلت عليه إسرائيل في حرب 1956. وقد كوَّن منعطفاً مهماً في مسيرة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، إذ فتح البحر الأحمر أمام إسرائيل، التي غدت تتمتع، للمرة الأولى، بميزات موقعها على البحرين المتوسط والأحمر. وقد ترتب على ذلك نتائج منها: (1) تحوّل ميناء إيلات إلى ميناء عالمي، يصل إسرائيل بآسيا وأفريقيا وصلاً مباشراً. (2) سهولة حصول إسرائيل على حاجتها من النفط المستورد، وخصوصاً من إيران، ومد أنابيب لنقل النفط من إيلات إلى مصفاة حيفا على البحر المتوسط. (3) الانفتاح على أفريقيا، حيث أخذت إسرائيل تنشط في مختلف المجالات الاقتصادية والثقافية والعسكرية، مدعومة من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية.

وهكذا جاء مكسب حرية الملاحة الإسرائيلية في خليج العقبة والبحر الأحمر، أداة لخرق الحصار الاقتصادي والسياسي العربي المضروب على إسرائيل. كانت إسرائيل تعُدّ إغلاق خليج العقبة سبباً كافياً لشن الحرب. وحينما أعلنت مصر، يوم 23/5/1967، إغلاق الخليج، سارع رئيس وزراء إسرائيل، ليفي إشكول (Levi  Eshkol) ، في اليوم التالي، إلى اعتبار إغلاق الخليج "عدواناً على إسرائيل".

3. التسلح

هرعت إسرائيل، في مرحلة الاستعداد للحرب، إلى البحث عن السلاح استعداداً للحرب القادمة. فطرقت باب ألمانيا (الغربية) عام 1957، ضاغطة عليها، مبتزّة إياها، لتدفع ثمن ما اقترفه النظام النازي من مظالم في حق اليهود في أوروبا. وطلبت إسرائيل أن يُدفع الثمن سلاحاً. وانتظم ذلك في عام 1962 في "اتفاقية برنامج المساعدات العسكرية بين ألمانيا الاتحادية وإسرائيل". وبدأت الأسلحة الألمانية، وخصوصاً الدبابات والمدافع، تتدفق إلى إسرائيل طوال عام 1964. وازدادت العلاقات بين ألمانيا وإسرائيل توثقاً بعقد اتفاقية معونة اقتصادية، واتفاقية تنص على أن تدفع ألمانيا إلى إسرائيل تعويضات مالية. وقد ساعد ذلك كله إسرائيل على التسلح وتنمية صناعتها العسكرية استعداداً لحرب 1967.

وكانت سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في مجال تسليح إسرائيل، تقتصر، حتى أوائل الستينيات، على تزويدها بالأسلحة، بطريقة غير مباشرة، على شكل هبات أو صفقات غير معلنة، أو بواسطة طرف ثالث. وكانت تشجع حليفاتها في أوروبا الغربية، وخصوصاً ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، على تسليح إسرائيل.

ولم تترك إسرائيل فرصة إلا انتهزتها من أجل حيازة أسلحة أمريكية، فما أن فشل "مبدأ أيزنهاور" لملء الفراغ في الشرق الأوسط في عام 1958، وقامت الوحدة المصرية ــ السورية (1958ـ 1961)، حتى هرعت إسرائيل إلى واشنطن طالبة مدّها بالأسلحة، وخصوصاً الطائرات والصواريخ، شاكية "الوحدة العربية التي حاصرتها من الشمال والجنوب، وجعلت سماءها مهددة ومطوقة لدولة واحدة هي الجمهورية العربية المتحدة". ودللت على ذلك بأن "الحرب قد تباغتنا فجأة دون إنذار … إن الساعات الأولى ستكون مصيرية. ولن تستطيع إسرائيل الاعتماد على قوة جيشها، ما لم يزود هذا الجيش مقدماً بالأسلحة المجدية، حتى يستطيع وقف الهجوم. إن إسرائيل مضطرة إلى الاعتماد على السلاح لضمان استمرار وجودها". وقد أدّت هذه الذرائع الابتزازية إلى أن تغيّر الولايات المتحدة الأمريكية سياستها التسليحية لإسرائيل، فترسل إليها الأسلحة مباشرة، وكان ذلك في عام 1962.

ازدادت العلاقـة التسليحية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل توثقاً في أعقاب مؤتمر القمة العربي الأول (13 ـ 17/11/1964)، فراح سفير إسرائيل إلى وزارة الدفاع الأمريكية يشكو إليها "أن إنشاء القيادة الموحدة لجيوش الدول العربية، شكل تهديداً مباشراً وقوياً لإسرائيل، وعرّضها للهجوم المفاجئ الذي قد يقضي عليها قبل أن تدركها الولايات المتحدة الأمريكية بالتدخل. ورد نائب وزير الدفاع الأمريكي مبدياً استعداد الولايات المتحدة الأمريكية لنجدة إسرائيل، إذا تعرضت للهجوم، وأن لديها القوة للتدخل بسرعة وبصورة فاعلة".

شهد عام 1965 بداية التطبيق العملي للسياسة الأمريكية الجديدة في شأن تسليح إسرائيل، حين وافقت واشنطن على تقديم الدبابات والمقاتلات النفاثة (من نوع سكاي هوك Sky Hawk) والمدافع ذاتية الحركة، ووقعت اتفاقية بذلك في مايو 1966، وغدت الولايات المتحدة الأمريكية المورِّد الرئيسي للأسلحة اللازمة لإسرائيل، كي تشن حربها القادمة.

وإلى جانب ذلك، خططت إسرائيل لسرقة طائرة مقاتلة من طراز "ميج ـ 21Mig-21   " السوفيتية، التي كانت القوات الجوية المصرية والسورية والعراقية والجزائرية مزودة بها. وقد استطاعت الحصول عليها بالاتفاق مع طيار عراقي هرب بطائرته إلى إسرائيل في 5/8/1966. وقد تدرب الطيارون الإسرائيليون ـ بعد أن تعرفوا إمكانات الطائرة القتالية ـ على التصدي لطائرة الميج. وظهر ذلك واضحاً في المعركة الجوية ضد سورية يوم 7/4/1967.

4. الأزمة الاقتصادية

كان من الأسباب الرئيسية التي دعت إسرائيل إلى خوض الحرب، الأزمة الاقتصادية التي كانت تعانيها. فقد ارتفعت مستويات الحياة بأعلى وأسرع كثيراً من ارتفاع القدرة الإنتاجية. ومع بداية الستينيات، تلاشت ظاهرة الازدهار، وحلّت محلها ظاهرة الأزمة الاقتصادية. فتضاءلت معدلات النمو الاقتصادي، وتعاظمت البطالة، حتى وصل عدد العاطلين عن العمل إلى أكثر من 100 ألف عامل. ويمثل هذا الرقم نسبة تزيد على 12 بالمئة من القوى العاملة. وكان هناك أزمة تضخم. وانعكس ذلك كله على الحياة الاجتماعية والسياسية. وانخفض معدل النمو في الإنتاج عام 1965 إلى 8 بالمئة، بعد أن كان 15 بالمئة. واستمر الانخفاض عام 1966. وفي الأشهر الأولى من عام 1967، استفحل الكساد، فانخفض الإنتاج الصناعي بمعدل 16 بالمئة عن مستواه في عام 1966. وبذلك عرفت إسرائيل أسوأ أزمة اقتصادية مرت بها منذ إقامتها. ولعل التراجع الكبير في الهجرة اليهودية إلى إسرائيل، مقابل تزايد الهجرة المضادة إلى الخارج، كانا بعض نتائج هذه الأزمة. فقد هبط عدد المهاجرين إلى إسرائيل من 55 ألفاً عام 1964، إلى 31 ألفاً عام 1965، وإلى أقلّ من 14 ألفاً عام 1966.

5. الإعلام والتعبئة

بعد أن عزمت إسرائيل على الاحتلال والتوسع وفرض وجودها كدولة، والسيطرة على منطقة الشرق الأوسط، وبعد أن تسلحت واستعدت، بدأت بحملة إعلامية على الصعيدين العالمي والداخلي تمهيداً لإعلان التعبئة العامة. ولهذا، أخذت التصريحات التي تُهدد سورية بأسوأ العواقب تتالى. وبدأت أجهزة الإعلام تستغل قرارات وبيانات مؤتمرات القمة العربية ومجلس جامعة الدول العربية وبعض المسؤولين العرب، على أساس أنها تُعبر عن إرادة العرب في القضاء على إسرائيل. وقد استغلت إسرائيل ذلك كله على الصعيد العالمي، ودعمتها في ذلك وسائل الإعلام الأجنبية، والمنظمات الصهيونية، وأحزاب ومؤسسات، أوروبية وأمريكية، معادية للعرب.

في إطار هذه الحملة الإعلامية والعملياتية (التعبوية) الواسعة، أنجزت الحكومة الإسرائيلية خطتها للحرب، وحازت موافقة لجنة الأمن في الكنيست، يوم 9/5/1967، حيث نالت سلطات كاملة لتنفيذ عمليات عسكرية وفق متطلبات الدفاع.

وفي اجتماع القيادات الأمنية (اللجنة الوزارية المصغرة للأمن: رئيس الوزراء، ووزير الخارجية، ووزير الدفاع، ورئيس الأركان العامة، ورئيس هيئة العمليات، ومديرو أجهزة الاستخبارات) يوم 18/5/1967، قدّر المجتمعون أن الظروف ما زالت غير مواتية للبدء بالعمليات. وكان التقدير في اليوم التالي يشير إلى أن انتشار القوات المصرية في سيناء لا يدل على نية البدء بالهجوم. وبعد أن أعلنت مصر، يوم 23/5/1967، إغلاق خليج العقبة، رأت اللجنة الوزارية ذلك الإغلاق إعلاناً للحرب من مصر على إسرائيل، وأصدرت توجيهاً إلى الجيش للدخول في الحرب. وفي 2/6/1967، وفي إثر انتهاء الاتصالات بين إسرائيل والإدارة الأمريكية، اجتمع مجلس الوزراء وأركان الجيش واتخذوا قراراً جماعياً مبدئياً بالحرب. ثم عاد مجلس الوزراء إلى الاجتماع يوم 4/6/1967، واتخذ قراراً نهائياً بالحرب. وقد تأخر اتخاذ القرار النهائي إلى ذلك اليوم بانتظار عودة مدير الموساد، (جهاز الاستخبارات الخارجية)، الجنرال ميري أميت (Mery Emet) ، من واشنطن، التي سافر إليها سراً مدة ثلاثـة أيام، واستطلع آراء الإدارة والزعماء الأمريكيين في شأن قرار الحرب. وقد وصل الجنرال أميت ومعه سفير إسرائيل في واشنطن (Washington) إلى منزل رئيس الوزراء ليفي أشكول مساء 3/6/1967، حيث كان ينتظرهما جميع الوزراء وكبار القادة السياسيين والعسكريين. وقد عاد مدير الموساد ومعه أحدث الصور الجوية، والمعلومات والتقارير، عن أوضاع الحكومات والجيوش العربية وقوّتها وانتشارها، خاصة في الدول المحيطة بإسرائيل. وقال الجنرال أميت: "إن الأمريكيين سوف يباركون أي عملية، إذا نجحنا في تحطيم عبدالناصر".

ولقد تذرعت إسرائيل، قبل أن تشن الحرب، بأنها تدافع عن نفسها تجاه عدوان سيقع عليها بين يوم وآخر، وأنها لا بد من أن تجهض نيات أعدائها وخططهم في الهجوم عليها. ودللت على ذلك بسحب مصر قوات الطوارئ الدولية، وإغلاق مضيق تيران في وجه الملاحة الإسرائيلية، وعقد اتفاقيات عسكرية بين مصر وسورية والأردن والعراق. وراحت إسرائيل تنشر ذرائعها في مختلف أنحاء العالم والمحافل الدولية، مستعينة ببعض أجهزة الإعلام المناصرة لها، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية، وهي أجهزة تكنّ، في الأصل، العداء للعرب، وتناصر إسرائيل عليهم.

ثانياً: فكرة الحرب الدفاعية لدى الجانب العربي

1. ملامح الفكر الإستراتيجي العربي

لم تخفِ الدول العربيـة رغبتها في تحرير فلسطين، على الرغم من أن هذه الرغبة لم تتجسد في إرادة قومية جامعة، تخطط وتبني القوة المسلحة وتوظف الإمكانات والقدرات العربية لهدف التحرير. ولقد عبّرت الدول العربية عن رغبتها هذه في مناسبات عدة. ونكتفي بالإشارة، كأمثلة، إلى بعض وثائق مؤتمرات القمة العربية:

أ. رأى مؤتمر القمة العربي الأول (القاهرة، 13 ـ 17/1/1964)، "أن قيام إسرائيل هو الخطر الأساسي الذي أجمعت الأمة العربية بأسرها على دفعه. وبما أن وجود إسرائيل يعتبر خطراً يهدد الأمة العربية، فإن تحويلها لمياه الأردن سيضاعف من أخطارها على الوجود العربي. لذلك، فإن على الدول العربية أن تضع الخطط اللازمة لمعالجة الجوانب السياسية والاقتصادية والإعلامية، حتى إذا لم تُحقِّق النتائج المطلوبة، كان الاستعداد العسكري العربي الجماعي القائم، بعد استكماله، هو الوسيلة الأخيرة العملية للقضاء على إسرائيل نهائياً"[1].

ب. أنشأ المؤتمر "قيادة عربية موحدة لجيوش الدول العربية"، ودعا إلى الاستمرار في الجهود "لإقامة القواعد السليمة لتنظيم الشعب الفلسطيني وتمكينه من القيام بدوره في تحرير وطنه وتقرير مصيره".

ج. تابع الملوك والرؤساء العرب، في قمتهم الثانية (الإسكندرية، 5 - 11/9/1964)، توضيح مفهومهم الإستراتيجي وترسيخه، حين قالوا: "إن الهدف العربي في المجال العسكري ذو مرحلتين: 1- هدف قومي نهائي، وهو تحرير فلسطين من الاستعمار الصهيوني. 2 ـ هدف أولي عاجل، وهو تعزيز الدفاع العربي على وجه يؤمن للدول، التي يجري فيها روافد نهر الأردن، حرية العمل العربية في الأرض العربية". وحدّدوا مستلزمات "تحقيق الهدف القومي النهائي في تحرير فلسطين" بما يأتي:

(1) استكمال القوة العربية لتحقيق هذا الهدف، وحشد جميع الطاقات العربية العسكرية والاقتصادية والسياسية.

(2) أن تضع القيادة العامة الموحدة خطة تفصيلية لتنفيذ هذا الهدف، وما يستلزمه من قوات ومعدات وأموال ووقت.

(3) أن تبين كل دولة، في تفصيل، مقدرتها على تقديم العون البشري والمالي لاستكمال قوات الدول العربية المحيطة بإسرائيل والتي تحتاج إلى هذا العون، وأن تحدد مساهمتها في حمل مسؤولياتها تجاه هذا الهدف القومي.

د. أن يضع القائد العام، خلال عام، خطة تفصيلية لتحرير فلسطين من الاستعمار الصهيوني، على أساس القوات المتوافرة حالياً. وتعرض على المجلس في دورته المقبلة"[2].

هـ. في مؤتمر القمة العربي الثالث (الدار البيضاء، 13 ـ 17/9/1965)، قال الملوك والرؤساء العرب، في البيان الختامي، إنهم "عالجوا الجوانب المختلفة لقضية فلسطين. واتفقوا على الخطط العربية في سبيل تحريرها". وخصصوا الاعتمادات المالية اللازمة لإنشاء جيش التحرير الفلسطيني.

وهكذا، يمكن القول إن مؤتمر القمة العربي ـ وهو أعلى مستوى قيادي عربي ـ كان واضحاً في تكوين مفهومه الإستراتيجي في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، من حيث تحديد الهدف القومي النهائي، ومن حيث توفير الوسائل اللازمة والكفيلة ببلوغه.

يضاف إلى ذلك مواقف مصر ما بين حربَي 1956 و 1967، باعتبارها كانت، في ذلك الحين، موئل الإستراتيجية العليا العربية، سياسياً وعسكرياً. ويمكن العودة إلى البيان الذي وجهه الرئيس جمال عبدالناصر إلى الشعب المصري مساء 9/6/1967، أي بعد انتهاء القتال في سيناء، للتعرف إلى بعض الأسس التي بنيت عليها الإستراتيجية العسكرية المصرية ـ العربية، وهذه هي:

(1) "كنا ندرك أن احتمال الصراع بالقوة المسلحة قائم، وقبِلنا المخاطرة".

(2) عدم المبادأة بالهجوم، تجنباً للإنذار الأمريكي "بأن مصر ستواجه نتائج خطيرة ما لم تتحلّ بضبط النفس فلا تكون البادئة بإطلاق النار"، واستجابة للرجاء السوفيتي "ألاّ تكون مصر هي البادئة".

(3) الوقوف إلى جانب سورية في مواجهة التهديدات الإسرائيلية، أداءً لواجب الأخوّة العربية، إضافة إلى أنه "واجب الأمن الوطني المصري، فإن البادئ بسورية سوف يثنِّي بمصر".

ويمكن إكمال ملامح الفكر الإستراتيجي المصري ـ العربي من خطب الرئيس عبدالناصر، قبيل الحرب وبعدها. ويمكن تلخيص تلك الملامح في النقاط التالية:

(1) وقوف الأمة العربية كلها مستعدة لمواجهة العدوان الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية، التي تدعمه.

(2) الولايات المتحدة الأمريكية مناصرة لإسرائيل مئة بالمئة، وتسلّحها بالدبابات والطائرات والصواريخ ومعدات الحرب الإلكترونية.

(3) عدوّنا ليس إسرائيل وحدها، وإنما معها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.

(4) "إن الاتحاد السوفيتي يقف معنا في هذه المعركة، ولن يسمح لأي دولة أن تتدخل، إلى أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه عام 1956".

(5) "تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى وراثة الاستعمار البريطاني في منطقتنا".

(6) "نترك المبادأة والضربة الأولى لإسرائيل".

ولقد رافق الأزمة التي سبقت الحرب، والتدابير العسكرية الخاصة بالتعبئة والحشد، أضواء إعلامية لم تنسَ أن تعظّم القوة العربية، وتهوّن شأن القوة الإسرائيلية، وتبرز مظاهر القوة واستعراض السلاح. من ذلك، أن القوات المسلحة المصرية سلكت بسياراتها وأسلحتها ومدافعها ودباباتها شوارع القاهرة، جهاراً نهاراً، بقصد استقطاب الدعاية، وحتى "لا يظن الإسرائيليون وغيرهم أن الجيش المصري كان متورطاً في اليمن إلى حد أنه لم يكن قادراً على أن يهبّ لنجدة سورية".

وفي حين كانت أجهزة الإعلام العربية وتصريحات المسؤولين تركز على إعلانات البلدان العربية ـ كل منها على حدة ـ أنها تضع جميع إمكاناتها وقواتها في مصلحة المعركة ضد إسرائيل، كانت هذه الأخيرة تخفي تعبئة قواتها الاحتياطية وتموِّه تدابير الحرب، وتنادي بالويل للعرب الذين يستعدون ـ جميعهم ـ للانقضاض عليها، وهي دولة صغيرة مسالمة في محيط كبير معادٍ. ولم تقصّر أجهزة الإعلام الصهيونية والأمريكية والأوروبية وغيرها، في التعاطف مع هذه المقولة، وفي استغلالها للتأثير في الرأي العام العالمي وكسب تأييده لأهدافها.

2. تحويل نهر الأردن

كان مشروع إسرائيل لتحويل مياه نهر الأردن عاملاً رئيسياً في تصعيد التوتر بين البلدان العربية وإسرائيل، وفي لجوء الطرفين إلى استخدام السلاح في فترات متقطعة. وقد كانت تلك الصدامات تقف في خلفية تراكم الأحداث وتصعيد الأزمة حتى بلغ الأمر حد الحرب.

باشرت إسرائيل مشروعها، الذي خططت لتنفيذه كاملاً في سبعة أعوام (1959 ـ 1966)، حينما كانت أجهزة معاهدة الدفاع العربي المشترك في حالة عطالة. وهذا ما دعا مجلس جامعة الدول العربية إلى معالجة الأمر، فعهد في 28/8/1960 إلى اللجنة العسكرية الدائمة، أحد أجهزة المعاهدة، بوضع مخطط شامل لمواجهة جميع الاحتمالات. ثم عرض المخطط على الهيئة الاستشارية ( رؤساء أركان الجيوش العربية )، التي اجتمعت في 22/4/1961، وخلصت إلى نتائج أهمها:

أ. ينتظر أن تكمل إسرائيل مشروع تحويل مياه نهر الأردن في نهاية عام 1963. وسيخلق هذا الوضع موقفاً أمام البلدان العربية يقتضيها القيام بعمل دفاعي موحد.

ب. يتطلب هذا العمل إعداداً مبكراً يجب إنجازه قبل عام 1963.

ج. يتطلب الإعداد للعمل الموحد جهازاً مشتركاً ذا فاعلية.

عُرضت توصيات الهيئة الاستشارية على مجلس الدفاع في دورته الثالثة (10 /6 /1961)[3]، وقرر تأليف "قيادة عامة مشتركة لقوات الدول العربية"، ودعوة الأقطار العربية إلى إعداد قواتها.

وفيما كانت الجامعة تعمل على تنفيذ هذه القرارات، جرت أحداث شغلت الحكومات العربية والجامعة عن العدوان الإسرائيلي على مياه نهر الأردن، كان في مقدمتها الخلاف العراقي ـ الكويتي (19/6/1961) وتشكيل قوات أمن عربية هي "قوات أمن الجامعة العربية". وتلا ذلك انفصال سورية عن الجمهورية العربية المتحدة (28/9 1961).

وبعد انقضاء أكثر من عامين على قرارات مجلس الدفاع، وبعد أن تقدمت أعمال التحويل الإسرائيلي لمياه نهر الأردن نحو إنجاز المرحلة الأخيرة من المشروع، رأى مجلس الجامعة في اجتماع عقده في 19/9/1963، دعوة مجلس الدفاع المشترك إلى الانعقاد من جديد "بأسرع ما يمكن، لمواجهة المرحلة الخطيرة الحالية".

لم يجتمع مجلس الدفاع المشترك، وإنما اجتمع رؤساء الدول العربية في أول مؤتمر قمة، بناء على دعوة مصر "لوضع خطة العمل العربي الجماعي في مواجهة العدوان الصهيوني في صورته الأخيرة، الممثلة في تحويل إسرائيل لمجرى نهر الأردن".

عالج مؤتمر القمة العربي الأول (القاهرة، 13 ـ 17/1/1964) موضوع سرقة إسرائيل مياه نهر الأردن، وحدد أسلوب مواجهتها في ثلاث نواحٍ[4]:

أ. الناحية العسكرية: أنشأ قيادة عربية موحدة لجيوش البلدان العربية، وفق الصلاحيات التي صدق عليها مجلس الدفاع المشترك في دورته الثالثة (يونيه 1961).

ب. الناحية الفنية: أنشأ "هيئة استغلال مياه نهر الأردن وروافده"، في إطار الجامعة، "مهمتها تخطيط وتنسيق وملاحظة تنفيذ المشروعات العربية الخاصة باستغلال مياه نهر الأردن وروافده، التي تقوم بتنفيذها الدول المعنية".

ج. الناحية المالية: خصص اعتمادات مالية للتعزيزات العسكرية اللازمة للقوات المسلحة العربية المكلفة حماية المشروع العربي، واعتمادات مالية لتنفيذ مشروعات الاستثمار.

وفي مؤتمر القمة العربي الثاني (الإسكندرية 5 ـ 11/9/1964)، قرر الملوك والرؤساء أن يبدأ تنفيذ مشروعات استغلال مياه نهر الأردن وروافده فوراً، وأن "يتم حشد القوى المخصصة من العراق وسورية والمملكة العربية السعودية لنجدة الأردن ولبنان، لتنطلق إلى أهدافها في حالة حصول أي اعتداء من إسرائيل، أو احتمال حصول هذا الاعتداء. كما تلتزم سائر الدول العربية بأن تكون قواتها متأهبة لرد العدوان فوراً". ومنح المؤتمر القائد العام "حق التصريح المطلق بالتحركات العسكرية"، من بلد إلى آخر[5].

وفي مؤتمر القمة العربي الثالث (الدار البيضاء، 1317/9/1965) قرر الملوك والرؤساء الاستمرار "في أعمال المشروع العربي الموحد لاستثمار مياه نهر الأردن وروافده، وفقاً للخطة المرسومة، وطبقاً لما تقرر في شأن الحماية العسكرية المطلوبة"[6].

لم يجتمع مؤتمر القمة العربي، بعد ذلك، إلاّ في إثر حرب 1967. وكانت العلاقات العربية، في خلال الفترة بين المؤتمر الأول (1964) واندلاع حرب 1967، تعاني أزمات واختناقات متتالية، فلم يكتب للمشروع العربي الخاص باستثمار مياه نهر الأردن وروافده، وللخطة العسكرية الخاصة بتكوين قيادة عامة فاعلة تملك قوات مسلحة تحت تصرفها وتوفر للمشروع الحماية - لم يكتب للمشروع والخطة النجاح، بسبب فقدان المناخ السياسي الملائم وارتباطهما بهذا المناخ.

وكانت إسرائيل قامت بغارات جوية وضربات بالمدفعية، منذ نوفمبر 1964 حتى يوليه 1966، على مواقع المشروع العربي في سورية، خاصة مشروع القناة التي كانت ستربط بين الأنهار الثلاثة: بانياس والحاصباني واليرموك، واستطاعت أن تنزل بالمشروع بعض الأضرار، وخاصة أن قرارات حماية المشروع العربي عسكرياً لم تخرج إلى حيز التنفيذ.

وقد اغتنمت إسرائيل مناسبة تجديد الرئيس الأمريكي، ليندون جونسون (Lyndon Baines Johnson) ، ولايته الثانية في عام 1964(إذ تولى الرئاسة، للمرة الأولى، بعد اغتيال الرئيس جون كيندي، عام 1963)، فجددت سعيها إلى تنفيذ مشروع تحويل نهر الأردن إلى النقب، معتمدة على دعم الرئيس الأمريكي الذي وُصف بأنه "أفضل صديق لإسرائيل من بين رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية".

3. المقاومة الفلسطينية المسلحة

كان أبرز المستجدات في ساحة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، تأسيس منظمة وطنية تتولى شؤون الشعب الفلسطيني، وانطلاقة ثورته المسلحة. فقد اتجه مؤتمر القمة العربي الأول (القاهرة، 13 ـ 17/1/1964) إلى "إقامة القواعد السليمة لتنظيم الشعب الفلسطيني وتمكينه من القيام بدوره في تحرير وطنه وتقرير مصيره". وفي المؤتمر الثاني (الإسكندرية، 5 ـ 11 /9 /1964)، رحَّبت القمة بقيام "منظمة التحرير الفلسطينية" ممثلة الشعب الفلسطيني "في تحمّل مسؤولية العمل لقضية فلسطين، والنهوض بواجبها على الصعيدين العربي والدولي".

وكان "المؤتمر الوطني الفلسطيني" الأول انعقد في القدس (28 /5 ـ 2 /6 /1964)، وأقر "الميثاق الوطني الفلسطيني". وشرعت المنظمة في إنشاء أجهزتها العسكرية والسياسية والتنظيمية وغيرها، وفي مقدمها "جيش التحرير الفلسطيني".

ولأن منظمة التحرير الفلسطينية كانت مؤسسة "رسمية" انبثقت من مؤتمر القمة العربي، فقد كان النضال الفلسطيني يحتاج إلى عمل مسلح لا يرتبط بإرادات الحكومات العربية، وإن كان يطلب عونها في إطار العمل القومي المشترك وفي إطار المسؤولية القومية للبلدان العربية في قضية فلسطين.

واستجابة لهذه الحاجة، انطلقت الثورة المسلحة الفلسطينية في اليوم الأول من عام 1965، على شكل عمليات عسكرية قامت بها "حركة التحرير الوطني الفلسطيني ـ فتح" في الأرض المحتلة. وتتابعت بعد ذلك العمليات العسكرية والفدائية لحركة "فتح" وغيرها من منظمات الثورة الفلسطينية. وقد أنجزت منظمات المقاومة 35 عملية في عام 1965، و 41 عملية في عام 1966، و 37 عملية في الأشهر الخمسة الأولى من عام 1967.

خلفت هذه العمليات التي جرى معظمها في الجليل وسهل الحولة وطبرية في الأرض المحتلة عام 1948، على الرغم من صغرها وعدم تواترها، شعوراً لدى إسرائيل بحالة انعدام الأمن، اتخذتها ذريعة ـ من بين ذرائع أخرى ـ لشن حرب 1967.

4. القيادة العربية الموحدة

قرر مجلس الدفاع المشترك (18/6/1961) تكوين "القيادة العامة المشتركة لقوات الدول العربية". وهي أول قيادة عسكرية عامة في إطار الجامعة العربية، قوامها 60 ضابطاً كنواة، وتصبح كاملة عندما يصبح قوامها حوالي 90 ضابطاً. وتباشر القيادة العامة بقوامها النواة عملها في خلال شهرين (أي في موعد أقصاه 18/8/1961)، على أن يكتمل ملاكها في مدة أربعة أشهر (أي في موعد أقصاه 18/10/1961[7].

وحينما عقد الملوك والرؤساء العرب مؤتمرهم الأول صادقوا على قيام القيادة العامة المشتركة، وسمَّوها "القيادة العربية الموحدة لجيوش الدول العربية"، وعينوا الفريق المصري، علي علي عامر، قائداً عاماً، على أن "تلتزم الدول العربية جمعاء بتشكيل وتخصيص القوات التي تقترحها القيادة العامة، ويصدّق مجلس الدفاع المشترك على تشكيلها وتخصيصها، وتلتزم الدول بتسهيل مهمة القائد العام وتنفيذ كافة الوصايا والطلبات التي تصدر عنه"[8].

استناداً إلى قرار مؤتمر القمة العربي هذا، أصدر مجلس الدفاع المشترك في 30 /1 /1965 [9]. حدد فيه اختصاصات القيادة الموحدة، وبخاصة واجباتها في مجالات التخطيط للعمليات وإداراتها، وإعداد القوات للقتال، وتنسيق التعاون العسكري بين البلدان الأعضاء، وتوحيد النظُم العسكرية فيها.

وضعت القيادة الموحدة خطة لحماية المشروعات العربية لاستغلال مياه نهر الأردن وروافده، صادق عليها مجلس الدفاع المشترك في دورته الخامسة (9 ـ 10 /1 /1965)، وأنشأ مجموعة عمليات جوية تتولى قيادة المجهود الجوي للدول الأعضاء وتنسيقه، وفوض القائد العام "حق تعديل الخطة العسكرية التي أقرها المجلس في دورته الحاليـة، إذا اقتضى الأمر ذلك، بالتشاور مع أركان حربه ودون الرجوع إلى هذا المجلس"[10]. وفي دورة لاحقة، صادق مجلس الدفاع على قرار ينظم "إقامة القوات العربية في البلد الذي تقتضي الضرورات العسكرية انتقالها إليه".

بدأت القيادة الموحدة وضع الدراسات والخطط بناءً على توجيهات مؤتمرات القمة وتعليمات القائد العام. وكانت المهمة الملحّة الملقاة على عاتق هذه القيادة حماية مشروعات تحويل مياه نهر الأردن وروافده في الأراضي العربية، رداً على المشروع الإسرائيلي بتحويل مياه النهر من شمالي بحيرة طبرية، وجرها إلى الجنوب. وكانت الاستجابة لمطالب القيادة وتوصياتها جيدة بصورة عامة، حتى إذا عادت الخلافات العربية البينية إلى الظهور في أوائل عام 1966، انعكست آثارها على تنفيذ قرارات مؤتمرات القمة، وبالتالي على القيادة الموحدة وخططها التي أخذت تُطوى الواحدة تلو الأخرى. وحينما نشبت حرب 1967 كانت القيادة الموحدة معطلة عن العمل، فاقدة القدرة على الحركة.

وبسبب هذه العطالة التي أصابت القيادة الموحدة على مستوى الجامعة، ظهر بديلها، وهو القيادات الثنائية والثلاثية. فبعد اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر وسورية (4/11/1966)، عقدت سورية والعراق اتفاقية مماثلة (13/5/1967)، وفعلت مثلهما مصر والأردن (30/5/1967)، ثم انضم العراق إليهما (4/6/1967). غير أن هذا النوع من التعاون العسكري العربي جاء متأخراً، " فلم يتم أي تحضير، ولم توضع أي خطة عسكرية موحدة على مسرح عمليات الدول الأربع ".



[1] قرار مؤتمر القمة الأول، رقم 11 (17/1/1964)

[2] قرار مؤتمر القمة الثاني، رقم 18 (11/9/1964)

[3] قرار مجلس الدفاع المشترك في دورته الثالثة، رقم 15 (18/6/1961

[4] قرار مؤتمر القمة ذات الأرقام 12، 13، 14 (17/1/1964)

[5] قرار مؤتمر القمة الثاني، رقم 19 (11/9/1964)

[6] قرار مؤتمر القمة الثالث، رقم 34 (17/9/1965)

[7] قرار مجلس الدفاع المشترك في دورته الثالثة، رقم 15 (18/6/1961)

[8] قرار مؤتمر القمة الأول، رقم 12 (17/1/1964)

[9] قراراً قرارات مجلس الدفاع المشترك في دورته الخامسة، ذات الأرقام 2، 5، و 7 (10/1/1965.)

[10] قرار مجلس الدفاع في دورته السابعة، رقم 2 (11/9/1965)