إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / كوسوفا... التاريخ والمصير





انتشار القوات
التقسيم المؤقت
تأثير ضربات حلف شمال الأطلسي
شكل توزيع القوات

أهم الأهداف التي تعرضت للقصف



أولاً: الجذور التاريخية للصراع، في البلقان ويوغسلافيا وكوسوفا

المبحث الأول:

الجذور التاريخية للصراع، في البلقان ويوغسلافيا وكوسوفا

أولاً: الجذور التاريخية للصراع، في البلقان ويوغسلافيا وكوسوفا

درج السياسيون على تسمية البلقان "برميل البارود"؛ لأن بلاده كانت مثار الحروب، منذ القرن التاسع عشر. وكان يسكنه شعوب مختلفة الأجناس والعادات والتقاليد، متنافرة الأهواء والميول. وتقاسم النفوذ في تلك المنطقة دولتان كبيرتان، هما: الدولة العثمانية، والإمبراطورية النمساوية. فقد استطاع الأتراك العثمانيون، منذ القرن الخامس عشر، أي منذ سقوط القسطنطينية في أيديهم، عام 1453م، أن يندفعوا بفتوحاتهم نحو البلقان، وظلوا مسيطرين على معظم بلاده، حتى نهاية القرن الثامن عشر، حينما بدأ الضعف والانحلال يعتريان الإمبراطورية العثمانية؛ مما أغرى روسيا والنمسا، بتحقيق أطماعهما في تلك البلاد؛ وأغرى شعوب البلقان بتحقق أمانيها القومية. فتمكن المجريون، عام 1804، من الاستقلال الذاتي، بعد ثورة عنيفة. ثم استقل اليونانيون استقلالاً تاماً، بعد ثورتهم الكبرى، وتدخّل الدول، في مصلحتهم، عام 1832. واضطرت الدولة العثمانية إلى إعطاء صربيا استقلالاً ذاتياً، عام 1830، بشرط دفع الجزية إلى السلطان. وكان الصربيون هم أول من ثار من البلقانيين على الأتراك؛ وإن كان اليونانيون قد سبقوهم إلى نيل استقلالهم التام. إلاّ أن الصربيين، لم يذعنوا إلى الأبد، بل تابعوا قتالهم، حتى أجلوا العثمانيين عن بلادهم، عام 1867.

وكانت ولايتا البوسنة والهرسك تابعتَين للسلطان، وسكانهما يكرهون الحكم العثماني، ويتطلعون إلى الانضمام إلى صربيا، بعد أن نالت استقلالها.

وأسفرت الثورات بالدولة العثمانية، عمّا عُرِف باسم "المسألة الشرقية". وإزاء تدخّل الدول الأوروبية الكبرى فيها، أصبحت قضية أوروبية معقدة، استحال على الساسة حلها حلاً، يُرضي جميع الأطماع. فروسيا وفرنسا يتنافسان في حماية رعايا الدولة العثمانية المسيحيين؛ إذ ادعت الأولى حق حماية الأرثوذكس، وادعت الثانية حق حماية الكاثوليك. وتطلعت النمسا إلى التوسع في البلقان، وحاولت تحقيق تطلعاتها. وتربصت بريطانيا بالأطماع الروسية في الأملاك العثمانية، وسعت إلى الحؤول دون الإجهاز على "الرجل المريض" الدولة العثمانية.

واستفحلت "المسألة الشرقية"، عام 1875، حين نشبت ثورة في الهرسك (هرزجوفينا)، بسبب قسوة الحُكم العثماني في جباية الضرائب، على الرغم من نقص المحصول، في ذلك العام. وانضم إلى الثوار متطوعون، من الصرب والجبل الأسود وبلغاريا، لمعاونتهم على العدو المشترك؛ ولتحقيق وحدتهم، بزعامة صربيا.

وفي صيف 1875، أعلنت صربيا والجبل الأسود الحرب على الدولة العثمانية. وعندئذٍ تنبهت كلُّ من روسيا والنمسا لمصالحها وأطماعها في البلقان، وحاولتا أن تستفيدا من الموقف المرتبك، في تلك البلاد.

أمّا روسيا، فقد كانت سياستها ذات وجهَين: أولهما، رسمي، ومحوره التفاهم مع النمسا على توحيد سياستَيهما في البلقان. وثانيهما، عاطفي، وعماده الأواصر السلافية، المعزَّزة بالعاطفة المذهبية الأرثوذكسية، التي تتخذ موسكو مركزاً لها.

ولكن النمسا، على الرغم من رغبتها في تحطيم الدولة العثمانية، كانت تخشى أن يثور السَّلاف الخاضعون لها، تشبهاً بالسّلاف الخاضعين للعثمانيين. فاتفق رئيس وزرائها، أندراسي، مع دزرائيلي، رئيس الوزارة البريطانية، على توجيه مذكرة إلى الدولة العثمانية، يفرضان فيها على السلطان عدة مطالب، تتعلق بمعاملة رعاياه المسيحيين. ومع أنه قبِل المذكرة، ووعد بتحقيق ما جاء فيها، فإن الثوار رفضوا أن يعتمدوا على وعده.

وامتدت الثورة إلى بلغاريا. وتشدَّد العثمانيون في إخمادها، ما أثار عليهم سخط أوروبا، وحمل دولها على إرسال مذكرة جديدة، تُلح في وجوب تنفيذ الإصلاح، لم تعبأ بها الدولة العثمانية، وردت عليها رداً جافاً؛ لأنها كانت تعتقد، أن الدول الأوروبية تشجع الثوار، وتمدهم بالعون والتأييد.

1. الحرب الروسية ـ العثمانية

وفي عام 1877، أعلنت روسيا الحرب على الدولة العثمانية، وانضمت إليها رومانيا وصربيا والجبل الأسود وبلغاريا؛ بينما لم يكن للعثمانيين، في ذلك الوقت، حليف قوي، يمكنهم الاعتماد على تأييده. وكانت روسيا قد وعدت بالموافقة، في التسوية المقبلة، على ضم البوسنة إلى النمسا لضمان حياد الأخيرة في تلك الحرب.

ولم يكد ينتهي العام، حتى كانت القوات الروسية تتقدم منتصرة نحو إستانبول. عندئذٍ، سارعت الحكومة البريطانية، وكان على رأسها دزرائيلي، إلى العمل على منع عدوتها التقليدية، روسيا، من الوصول إلى العاصمة العثمانية؛ وكان دزرائيلي على استعداد للحرب، حتى يمنع الكارثة، التي تحوْل بريطانيا دائماً دون حدوثها. ووصلت قطع من الأسطول البريطاني، إلى الدردنيل، لمنع أي تقدم روسي.

كذلك، أظهرت النمسا قلقها من احتمال نجاح البلقانيين في مواجهة العثمانيين، وانتقال العدوى إلى ممتلكاتها. وفي الوقت نفسه، كانت ترى أن أي تقدم روسي نحو إستانبول، قد يتيح لروسيا السيطرة على مدخل الدانوب؛ وهو النهر، الذي يربط بين الممتلكات النمساوية. وبذلك، ظهر الخلاف بين السياستَين، الروسية والنمساوية، في البلقان.

أيقن قيصر روسيا صعوبة تحقيق مآربه، واضطر إلى إبرام الصلح مع الدولة العثمانية، في معاهدة "سان ستيفانو"، في 3 مارس 1878. ولم تكن معاهدة الند للند، بل معاهدة القوي والضعيف؛ أملى الروس شروطها، وهم يكظمون غيظهم من محاولة التدخل البريطاني المسلح، واحتمال انضمام النمسا إلى جانب بريطانيا فيه. ونصت المعاهدة على استقلال رومانيا والصرب والجبل الأسود استقلالاً تاماً، وتخلّى العثمانيون لروسيا، عن بعض المناطق في القوقاز.

بعد أن مهدت الصحافة، التي تنطق باسم الجامعة السلافية، لتحويل أنظار البلقانيين إلى الزعامة البلغارية الجديدة، اتسعت حدود بلغاريا، بموجب معاهدة سان ستيفانو، فامتدت من البحر الأسود، إلى الساحل الطويل الواقع على بحر إيجه. وهي محاولة، شاءت بها روسيا أن تنشئ دولة كبرى، تتمتع بالحكم الذاتي، وتستمد العون والتأييد من الحكومة الروسية؛ ومن طريقها، يتغلغل النفوذ الروسي في البلقان.

2. موقف بريطانيا

أثارت المعاهدة، حفيظة بريطانيا، فقررت التدخل لإجبار القيصر على أن يعرض معاهدة "سان ستيفانو" بحذافيرها، على مؤتمر، يمثّل الدول الكبرى، للنظر في شروطها، وتعديلها.

3. مؤتمر برلين، عام 1878

رأى بسمارك (رجل ألمانيا القوي آنذاك) أن يتوسط في الأمر، واقترح عقد المؤتمر في برلين. وقبِلت روسيا أن تعرض شروط المعاهدة على المؤتمر؛ لأنها شعرت، آنئذٍ، بعزلتها. وفي هذا المؤتمر، توافقت سياسات ألمانيا والنمسا وبريطانيا؛ وأيد بسمارك جميع المشروعات البريطانية، التي كانت ترمي إلى تضييق الخناق على روسيا.

وتقرر في هذا المؤتمر أن توضع البوسنة والهرسك، تحت حماية النمسا وإدارتها، باسم السلطان العثماني. أمّا حدود بلغاريا، التي اتسعت، بموجب معاهدة سان ستيفانو، وطبقاً للسياسة الروسية ـ فقد انكمشت إلى مساحة أكثر ملاءمة واعتدالاً. وكل ما استطاعت روسيا أن تخرج به من المؤتمر، هو منحها مقاطعة بساربيا. وعاد دزرائيلي، ممثل بريطانيا في المؤتمر، إلى بلاده، بعد أن كسب قبرص إليها، ووضع حدَاً لمطامع الروس.

ومع ذلك، فلا يمكن القول، إن مؤتمر برلين، قد انتهى إلى إيجاد تسوية دائمة لـ "المسألة الشرقية"؛ إذ إن الولايات البلقانية نفسها، لم ترض عن تلك التسوية. فرومانيا، التي ساعدت روسيا على حربها للعثمانيين، فوجئت بتقرير ضم بساربيا إلى حليفتها روسيا. وساء بلغاريا أن يتبدد الحلم، الذي حققته في سان ستيفانو. وغضبت صربيا كل الغضب لانتقال البوسنة والهرسك، من يد العثمانيين الضعيفة، إلى قبضة النمسا القوية؛ إذ إن ذلك الحل، يضعف أمل ضمهما إليها، عندما تسمح الظروف.

ومع أن دولة النمسا والمجر، استطاعت أن تكسب أرضاً جديدة (البوسنة والهرسك)، من دون أن تدخل الحرب، فإن ذلك الكسب، كان، في الواقع، عبئاً جديداً على عاتقها؛ إذ إن بسط السيادة النمساوية على ولايتَين سلافيتَين، يزيد من نسبة عدد الجنسيات الأجنبية المختلفة، في المملكة الثنائية (النمسا والمجر)؛ وذلك يضعف ـ كما اتضح، فيما بعد ـ بناءها، ويزيد أعباءها؛ وقد كان الإمبراطور فرنسيس جوزيف نفسه، يرى هذا الرأي('عبدالحميد البطريق، `التيارات السياسية المعاصرة 1815 ـ 1960م`، المركز العربي للبحث والنشر، القاهرة 1982م، ص 51.').

وخرجت إيطاليا من ذلك المؤتمر خالية الوفاض. وخرجت روسيا حسرى، لغدر ألمانيا بها، وبمصالحها في البلقان؛ ووافقت على إلغاء شروط معاهدة سان ستيفانو.

4. ضم البوسنة والهرسك

وفي عام 1908، قررت النمسا ضم البوسنة والهرسك إلى إمبراطوريتها، متعددة الجنسيات والقوميات. ومنذ البداية، أعرب الجزء الأكبر من شعب البوسنة والهرسك عن رفضه، وعدائه الصريح، للاحتلال النمساوي ـ المجري. ولم تنقطع عمليات التمرد والاختطاف والسلب.

ويمثل احتلال البوسنة والهرسك، نقطة تحّول في تطورهما الاقتصادي؛ إذ تحولتا إلى الاقتصاد الرأسمالي، الذي لا يمكن تصوره من دون وسائل مواصلات جديدة. ولذا أَوْلَتْ سلطات الاحتلال، اهتماماً خاصاً خطوط السكك الحديدية، وشبكة كاملة للمواصلات، تربط بين المناجم والمصانع وأحدثت التحولات الاقتصادية تغييرات مهمة في المجتمع، ما أدى إلى تغيير هيكله. وكانت سلطات الاحتلال تحمي مصالحها الرأسمالية، وتمنع البوسنيين من تطوير صناعتهم المحلية، والاشتراك في استغلال الثروات الطبيعية للبلاد.

وقد أثار ضم البوسنة والهرسك، إلى الإمبراطورية النمساوية، غضب الصّرب، الذين رأوا نحو مليون من بَني جنسهم، تضمهم النمسا بجرة قلم؛ في الوقت، الذي كانوا يؤملون ضم البوسنة والهرسك إلى صربيا، لإقامة الوحدة اليوغسلافية المنشودة. على أن صربيا، لم تكن، في ذلك الوقت، تستطيع أن تمنع الكارثة؛ فهي لا تستطيع الاستنجاد بزعيمة السلاف؛ روسيا، التي تعاني هزيمتها في الحرب اليابانية. كذلك، أعلنت بريطانيا أنها لا تفكر في احتمال نشوب حرب عامة، من أجل المسألة البلقانية. وكانت ألمانيا، في الوقت نفسه، قد أعلنت أنها تؤيد حليفتها النمسا، وأنها لا تتأخر عن معاونتها عسكرياً، في حالة الحرب. ولم يستطع الصربيون أن يواصلوا معارضتهم، أمام ما سمعوه من عزم النمسا على تنفيذ قرارها بكل ما في وسعها من قوة، حتى اشتهر عن الأرشيدوق "فرانز فرديناند" Frans Ferdinand، ولي عهد النمسا، وكونرادفون "هوتزندورف" Hotzendorf قائد القوات النمساوية، أنهما يفضلان الإسراع في مهاجمة صربيا، ومحوها من الخريطة الأوروبية.

سكتت صربيا على مضض، ولكن الروح القومية ازدادت اشتعالاً. ونشأت الجمعيات السرية، للعمل على تحقيق مشروع صربيا الكبرى؛ واستحكم العداء بين الصربيين والنمسويين. وعزمت النمسا على التخلص من صربيا حينما تسنح الفرصة؛ ونشط سفيرها لدى بلغراد، عاصمة صربيا، لجمْع الوثائق، التي تبرر شن الهجوم. ولكن، لم يقع العدوان في تلك الفترة؛ ولعل ذلك مردّه إلى أن ألمانيا، على الرغم من إعلانها تأييد حليفتها، أظهرت أنها لا تتحمس لخوض حرب، من أجل مسألة صربيا.

ثانياً: الحروب البلقانية (1912 ـ 1913)

أثار ضم النمسا للبوسنة والهرسك الشعور القومي، في بلاد البلقان. وتبين البلقانيون مبلغ ضعف الدولة العثمانية، بعد حرب طرابلس؛ ورأوا أن ساعة الخلاص من حكْمها قد حانت. وكانوا يطمعون في أن تعاونهم روسيا، بعد أن توترت العلاقات بينها وبين النمسا، وتضاربت مصالحهما في البلقان؛ ويأملون أن تبادر موسكو، التي استشعرت ضعف الدولة العثمانية، إلى تسوية مسألة المضايق في مصلحتها، فيقع النزاع بين الدولتَين.

وفي مارس 1912، شجّع الروس صربيا وبلغاريا على توقيع معاهدة، تضمن تعاونهما المشترك، في حالة اعتداء دولة أوروبية كبرى على حدودهما. وجاء في إحدى مواد المعاهدة: "يتعهد الطرفان، الموقعان المعاهدة، بأن يؤيد أحدهما الآخر، بكل قّوته، لدى محاولة إحدى الدول الكبرى، ضم أو احتلال أي حدود من بلاد البلقان، الواقعة، حالياً، تحت الحكم العثماني". وفي مادة سرية أخرى، ملحقة بتلك المعاهدة، أعلن الطرفان أنه "في حالة حدوث أي اضطرابات داخلية في الدولة العثمانية، مما يعرض للخطر المصالح، القومية أو الوطنية، للدولتَين المتعاقدتَين، أو إحداهما؛ أو في حالة حدوث مصاعب، داخلية أو خارجية، في الدولة العثمانية، مما يعرض للخطر الحالة الراهنة، في شبه جزيرة البلقان، ويجب على الدولتَين المتعاقدتَين، أن تسارعا إلى تبادل الآراء، لاتخاذ الخطوات العاجلة لمنع الخطر".

واستهدفت تلك المعاهدة السرية، التي اشترك في مفاوضاتها ممثلو روسيا في العاصمتَين البلقانيتَين، بلغراد وصوفيا، مواجهة دولة النمسا والمجر، خشية أن تتكرر مأساة ضم البوسنة والهرسك؛ والرغبة في نصيب من ميراث الإمبراطورية العثمانية المتهالكة. وقد عقدت معاهدة مشابهة بين بلغاريا واليونان، في مواجهة الدولة العثمانية.

وبعد إبرام تلك المعاهدات البلقانية، أصبح الموقف ينذر بالحرب؛ حتى إن روسيا نفسها، التي عاونت على إبرامها، بدأت تتبرم بتوتر الموقف في البلقان. ولم يطل انتظار الحرب، بعد ذلك؛ إذ أعلنت كل من بلغاريا وصربيا واليونان والجبل الأسود، في 8 أكتوبر 1912، الحرب على الدولة العثمانية، لطردها من أملاكها الأوروبية في البلقان. واستطاع المتحالفون البلقانيون، أن يحرزوا انتصارات خاطفة سريعة، وأنزلوا الهزائم المتعاقبة بالجيش العثماني. ووصل بعض الفرق البلغارية قرب إستانبول؛ واحتل اليونانيون سالونيك؛ واكتسح الصّربيون أعالي وادي نهر الوردار، واستولوا على إسكوب Uskub، العاصمة القديمة لصربيا، وعلى موناستير Monastair، مفتاح مقدونيا الوسطى، والجزء الشمالي من ألبانيا، حتى ساحل الأدرياتيك. وهكذا، استطاعت دول الجامعة البلقانية Balkan League، التي أرسلت إلى ميادين القتال أكثر من ستمائة ألف مقاتل، أن تنتزع معظم الأراضي العثمانية في أوروبا.

أثارت الانتصارات البلقانية على الدولة العثمانية، ريبة الدول الأوروبية الكبرى؛ فروسيا وجلة من نتائج الاتحاد البلقاني؛ والنمسا أوجست من اطِّراد نمو صربيا، وقد تضخمت مساحتها، وتضاعف عدد سكانها، فأصبح أربعة ملايين ونصف. وأصبح من الواضح أن صربيا سوف، تهتم بتصحيح وضعها مع النمسا.

أمام ذلك الخطر، الذي يهدد السلام في البلقان، رأت الدول الكبرى أن تتكاتف، للوصول إلى حل يطمئن له الجميع؛ فعقد في لندن مؤتمر، على مستوى السفراء، في ديسمبر 1912، لإقرار الحدود الجديدة، في ضوء الانتصارات البلقانية على الدولة العثمانية.

وكانت النقطة الشائكة في الموضوع، هي مستقبل الساحل الشمالي لبحر الأدرياتيك، بما في ذلك ميناء دورازو Durazzo؛ إذ ليس من السهل على الصربيين أن يُنتزع منهم ذلك الميناء، بعد أن استولوا عليه بالقوة، ولا سيما أنه يعطيهم باباً ينفذون منه إلى البحر. وكانت النمسا تعارض كل المعارضة، أن يظل ذلك الميناء في حوزة الصِّرب؛ لأن سياستها كانت تتجه إلى إنشاء دولة ألبانيا، وتقويتها حتى توازن قواها قوى الصرب.

أمّا ألمانيا، فلم تكن على استعداد لأن تقحم نفسها في حرب، من أجل تلك المشكلة. وقد قال قيصر ألمانيا: "لا أعتقد أن هناك خطراً على كيان النمسا، أو على مركزها، من وجود ميناء لصربيا على البحر الأدرياتيكي". ولذلك، قرر القيصر ألاّ يؤيد النمسا، في القيام بأي حركة عسكرية ضد صربيا. ويُؤْثَر عنه أنه قال، في هذه المناسبة: "لن أحمل على باريس، أو موسكو، من أجل خاطر ألبانيا ودورازو"، وهكذا، احتفظت ألمانيا لنفسها، مؤقتاً، بالاستقلال في سياستها الخارجية، وأخرت قيام الحرب، فترة من الوقت.

وعلى الرغم من أن روسيا كانت مسرورة، بانتصار حلفائها السّلاف في الحرب البلقانية الأولى، إلاّ أنها كانت تخشى أن تقع إستانبول، في قبضة إحدى دول البلقان المنتصرة، فيتبدد بذلك حلمها القديم في الاستيلاء عليها. وقد عرف عن فرناند، ملك بلغاريا، أنه كان يطمع في أن يتوج، يوماً ما، في كنسية سانت صوفيا (مسجد آيا صوفيا الحالي). وفي الوقت نفسه، كانت سياسة سازونوف Sazonov، وزير خارجية روسيا، تتجه إلى تقوية ولايات البلقان ضد النمسا؛ ولكنه كان يفضل أن تظل إستانبول والمضايق تحت الحكم العثماني، حتى تسنح الفرصة لروسيا للاستيلاء عليها.

وقد قدّم سازونوف، في ديسمبر 1913، مذكرة إلى القيصر، ذكر فيها "أنّ روسيا لا ترغب في الحرب، ولا في ضم أي حدود جديدة؛ ولكنها لا تستطيع أن تسمح بسقوط المضايق، أو إستانبول، في أيدي دولة أخرى؛ ولو كانت إحدى دول البلقان الصغرى، أمثال بلغاريا". وأضاف إلى ذلك قوله: "إن تأمين المضايق لمصلحة روسيا، هو في حكم الواقع، الآن؛ فالدولة العثمانية ليست بالدولة القوية كل القوة، ولا بالضعيفة كل الضعف؛ فهي لا تستطيع، إذاً، أن تكون خطراً علينا؛ ولكنها، في الوقت نفسه، مضطرة إلى أن تقف من روسيا موقف الحذر، لأنها أقوى منها. إن ضعف الإمبراطورية العثمانية، وعدم قدرتها على التطور مع الحضارة، هما في مصلحتنا؛ لأنهما أوجدا بين الشعوب المسيحية، الخاضعة لها، شعوراً بالولاء نحو روسيا الأرثوذكسية، مما يقوي مركزنا الدولي، في أوروبا الشرقية".

مسألة ألبانيا

غضبت صربيا أشد الغضب، من إنشاء دولة ألبانيا، التي ألحت في تأسيسها كلُّ من النمسا وإيطاليا. فقد كانت النمسا تخشى من امتداد نفوذ صربيا، ووصولها إلى تلك الجهات. وتحرص على عدم إعطائها الفرصة، لتصبح دولة بلقانية كبرى، على ساحل البحر الأدرياتيك. أما إيطاليا، فقد كانت تعارض في أن ترى الساحل الشرقي للبحر الأدرياتيك، في يد دولة منافسة قوية. والحقيقة أن إيطاليا كانت تأمل أن تضم ألبانيا إليها، عندما تسنح لها الفرصة. وظل هذا الأمل يراودها، حتى أقدم على غزوها موسوليني، 1939.

ثالثاً: حرب بلقانية ثانية (1912 ـ 1913)

كان تأسيس ألبانيا ضربة موجهة إلى صربيا؛ لأن ألبانيا كانت ضمن الدائرة، التي فكرت صربيا في ضمها إلى صربيا الكبرى. وعندما ضاع هذا الأمل، وجهت صربيا أنظارها نحو الحدود البلغارية الشرقية، واحتلت رقعة واسعة منها. فأثار ذلك بلغاريا، فأقدم جيشها على مهاجمة القوات الصربية، من دون إنذار، فكان ذلك إيذاناً بقيام حرب بلقانية ثانية، اشترك فيها الصربيون واليونانيون ضد البلغار. وانتهزت رومانيا الفرصة، فهاجمت بلغاريا من الخلف، وانتزعت لنفسها منطقة "دبروجه" Dobrudja، جنوب مصب الدّانوب. ودخلت الدولة العثمانية تلك الحرب، واستردت "أدرنة" من البلغار. والواقع أن بلغاريا هُزمت هزائم منكرة، في كل مكان. وانتهت الحرب بمعاهدة بوخارست، عام 1913. واستطاعت كلٌّ من صربيا واليونان، أن تضم جانباً من أراضي الدولة العثمانية في أوروبا. ورضيت بلغاريا بصلح، حرمها نصف أملاكها.

كانت الحروب البلقانية نذيراً للنمسا، بفشل سياستها في البلقان. فقد كان من نتائج تلك الحروب ازدياد قوة صربيا، حتى أصبحت الدولة الأولى في البلقان؛ وإضعاف الدولة العثمانية، التي كان الألمان، حلفاء النمسا، يعلقون أملاً كبيراً على صداقتها. وفقدت النمسا خياراتها إلاّ أن تأخذ برأي العسكريين، الذين كانوا ينادون، في ذلك الوقت، بضرورة البطش بصربيا، قبل أن يستفحل أمرها. إلاّ أن ساسة النمسا، كانوا لا يرتبطون برأي قادتهم العسكريين، قدر ارتباطهم بسياسة حليفتهم الكبرى ألمانيا.

وهكذا، احتلت الجيوش الصربية مقدونيا، وكوسوفا، وشمالي ألبانيا، حتى شواطئ بحر الأدرياتيك، في ألبانيا. وفي مؤتمر لندن، المنعقد في 27 مايو 1913، أنهت الدول العظمى حرب البلقان، واعترفت بدولة ألبانيا، بحدودها الحالية (من دون كوسوفا). وضُم إقليم كوسوفا، والجبل الأسود، ومقدونيا إلى صربيا. ومع بداية الحرب العالمية الأولى، اضطرت القوات الصربية إلى الانسحاب من كوسوفا، ولكنها عادت إليها، عام 1918، واحتلت السنجق ومقدونيا من جديد، وأغلقت المدارس الألبانية، وبدأت حملة إبادة عِرقية بحق الألبان.

أشعر انتصار صربيا في حروب البلقان (1912 ـ 1913م)، الإمبراطورية النمساوية بالأخطار المقبلة؛ نظراً إلى التغييرات التاريخية الضخمة، في شبه جزيرة البلقان، التي أحدثتها هذه الحروب، في تزايد الوعي القومي. وأدى ذلك إلى زيادة نشاط الحركات الوطنية، المطالبة بطرد النمسا من البلقان؛ وتكثيف الجمعيات السرية في البوسنة والهرسك، أعمالها الموجهة ضد النمسا.

وقد ظهرت، آنذاك، حركة "بوسنة الفتاة"؛ وهي حركة ثورية من الشباب، تطبق أساليب جديدة في النضال، من أجل التحرر القومي، والوحدة مع صربيا؛ ولا تستخدم إلاّ أسلوب الاغتيالات؛ واشترك كثير من أتباعها في الحروب البلقانية. وفي يونيه 1914، تمكن أحد أبناء البوسنة المنتمين إلى هذه الحركة، من اغتيال ولي العهد النمساوي، خلال زيارته الرسمية إلى سراييفو، عاصمة البوسنة. وكان ذلك الاغتيال، هو الشرارة، التي أشعلت الحرب العالمية الأولى، وانتهت بانهيار الإمبراطورية النمساوية ـ المجرية، التي نشأ على أنقاضها عدد من الدول القومية.

وفي عام 1918، دخلت البوسنة والهرسك في تشكيل مملكة الصرب والكروات والسلوفينيين؛ ومن الملاحظ أنه لم يُذكر اسم البوسنيين، ولا المسلمين، في اسم هذه الدولة الجديدة. ولم يكن هذا الأمر مصادفة، وإنما كان عن عمد؛ لأن الشعوب الأساسية المكونة لهذه الدولة، لم تشأ أن تعترف بالبوسنيين، وإنما كانت تعُدهم من المسلمين الصّرب، أو الكروات، من دون الاعتراف بشخصيتهم المتميزة، وهويتهم البوسنية.

وفي عام 1929، اتخذت هذه الدولة اسم يوغسلافيا، أي وطن السلاف الجنوبيين. وسرعان ما تكشفت الطموحات الصربية السابقة، إلى إقامة دولة صربيا الكبرى، التي تجمع كل العناصر السّلافية الجنوبية. وفرض الصرب، في هذه الدولة الجديدة، سيطرتهم المطلقة على بقية القوميات؛ الأمر الذي أدى إلى ظهور حركات مناهضة للصرب، بين الكروات والمسلمين، وغيرهم من القوميات. وبعد اغتيال ألكسندر ملك يوغسلافيا، غرقت البلاد في صراعات عِرقية، لاقى فيها مسلمو البوسنة الكثير من العنف والمعاناة. وظلت هذه الصراعات مستمرة، حتى غزو الألمان ليوغسلافيا، في أبريل  1941.

وفي عام 1941، دخلت القوات الإيطالية إلى ألبانيا وكوسوفا، وأسست ألبانيا الكبرى. وأعادت فتح المدارس الألبانية، وعدّ الألبان ذلك تحريراً لهم، من العبودية الصّربية.

وباستسلام يوغسلافيا في هذه الحرب، وقع شعب البوسنة والهرسك تحت الاحتلال الألماني ـ الإيطالي. ثم دخلت البوسنة، بموافقة المحتل الألماني، في إطار دولة كرواتيا المستقلة.

وسرعان ما بدأت أعمال الإرهاب والمطاردات والسجن الجماعي والقتل، ضد المسلمين. وأبدى سكان البوسنة مقاومة ضد هذه الأعمال الإجرامية. وبدأت حرب التحرير الشعبية، بقيادة الحزب الشيوعي اليوغسلافي، الذي جمع تحت لوائه، بزعامة يوسيب بروز تيتو، جماعات وقوميات وشعوباً ذات انتماءات مختلفة، ترفع شعار طرد المحتل، وفرض العدل والمساواة العِرقية، وتُنادي بالأخوّة والوحدة.

وفي عام 1944، عقد الشيوعيون اليوغسلاف مباحثات مع زعماء ألبان كوسوفا، وأكدوا لهم فيها أن وقوفهم إلى جانب جيش التحرير اليوغسلافي، بقيادة المارشال يوسيب بروز تيتو، سيعطيهم، بعد التحرير، حق تقرير المصير؛ وحق الاستقلال عن يوغسلافيا، إذا رغبوا في ذلك. ولكن بعد دخول القوات اليوغسلافية إلى كوسوفا، عاد الإرهاب ضد الشعب الألباني، الذي ثار، مجدداً، ضد الحكم اليوغسلافي. واقترح تيتو أن تدخل ألبانيا في الاتحاد اليوغسلافي؛ وبعد ذلك، يمكن ضم كوسوفا إلى ألبانيا. وعلى الرغم من موافقة الصرب على ذلك، إلاّ أن الخلافات، التي نشبت بين تيتو وستالين، عام 1948، وفرض الحصار الشيوعي على يوغسلافيا، حال دون إنشاء الاتحاد. وأُعيد عزل كوسوفا، وأكمل الحكم الجديد في بلغراد، ما ورثه عن المملكة اليوغسلافية، بتصنيف الألبان "شعباً من الدرجة الثالثة". كذلك، بدأت حركة اعتقال لزعماء الألبان، من سياسيين وعلماء دين.

وقد تألفت دولة يوغسلافيا الاتحادية، من شعوب وقوميات وجماعات عِرقية صغيرة، تتباين دياناتها ولغاتها وحضاراتها وعاداتها وتقاليدها، وتفتقد، في أساسها، أي مقومات للوحدة والتماسك. ولم تتحد إلاّ من أجل التصدي للاحتلال الألماني، والكفاح من أجل الاستقلال. وكان هذا التباين اليوغسلافي، يمثل، في حينه، ثروة كبيرة؛ إذ طالما باهى الحكام الشيوعيون، في عهد تيتو، بتنوع تراثهم، الحضاري والثقافي والأدبي، خاصة أن القبضة الحديدية لتيتو، بحكم زعامته لهذه الشعوب، في فترة تحررها الوطني، حاولت أن تصهر، باللين، وفي أحيان كثيرة، بالعنف، كل هذه القوميات والديانات والثقافات المختلفة، في بوتقة الحزب الشيوعي، وأن تحافظ على توحدها.

وفي عام 1974، صدر الدستور اليوغسلافي الجديد، الذي منح فيه الرئيس تيتو إقليمين من أقاليم صربيا، الحكم الذاتي، هما: "فوجفدينا"، حيث تعيش أقلية مجرية؛ و"كوسوفا"، حيث يعيش الألبان. ومنذ ذلك التاريخ، وإقليم كوسوفا يتمتع بنظام سياسي متطور، يتيح له عقد اتفاقيات دولية، في المجالات، السياسية والاقتصادية والثقافية. كما فُتحت المدارس والجامعات، للدراسة باللغة الألبانية.

وكان تيتو شجاعاً في إعلان قاعدته الشهيرة: "صربيا قوية، تعني يوغسلافيا ضعيفة. وصربيا ضعيفة، تعني يوغسلافيا قوية". وظل تيتو يجري تطهيرات جذرية في أجهزة الدولة، بصورة دورية، لإبعاد المتسللين الصربيين، عن المواقع الحساسة في الدولة.

وكانت النتيجة الطبيعية لغياب القبضة الحديدية لزعامة تيتو، المتوفى عام 1981؛ وللتفاوت الاقتصادي، بين الشعوب اليوغسلافية ـ أن تحوّل هذا التعدد القومي، والتباين الديني، في غير مصلحة اليوغسلاف. فانطلقت النعرات القومية الكامنة، وسادت، لأسباب واهية، غير منطقية، المشاعر العدائية، بين الشعوب والقوميات، وأتباع الديانات المختلفة، والجماعات العِرقية؛ الأمر الذي عجّل بظهور صُدُوع في البناء اليوغسلافي.

وأخذ الصرب، بعد وفاة تيتو، يستعيدون سيطرتهم على المناصب والمواقع المهمة، داخل المؤسسات الفيدرالية المهمة في الدولة، بما فيها الحزب الشيوعي. وبدأت النخبة الصربية الدعوة إلى إعادة صياغة المشاركة، بين نخب القوميات اليوغسلافية صياغة، تُتيح للنخبة الصربية السيطرة على مقدرات الدولة اليوغسلافية.

وبلغت تلك الدعوة مداها، عام 1989، حين وصل رموزها أو ممثلوها، إلى قيادة الحزب الشيوعي في صربيا، ورئاستَي الحكومة والجمهورية فيها؛ وعلى رأسهم سلوبودان ميلوسيفيتش، الذي ضمن ولاء الجهاز الحزبي والجيش الوطني الفيدرالي، بعد أن أدرك ضرورتهما لإنجاز مشروعه؛ بعدها، انتقل إلى القضاء على المعارضة داخل الحزب، ثم استكمال سيطرته على وسائل الإعلام. بعد ذلك، طرح ميلوسيفيتش مشروعه لبعث القومية الصربية، وإعادة بناء يوغسلافيا تحت السيطرة الصربية، التي عملت على فرض قيود على تنامي الاتجاهات السياسية الليبرالية، ووضع يوغسلافيا كلها تحت سيطرتها المركزية.

ومنذ أن أعلن الحزب الشيوعي اليوغسلافي، في يناير 1990، تخلّيه عن احتكار السلطة في البلاد، نشطت النخبة الحاكمة، التي كانت قد تبلورت في مرحلة الستينيات، أثناء سيادة دولة الاتحاد. وحاولت كل نخبة أن تستعيد شرعيتها، والسيطرة من جديد على القاعدة الاجتماعية، التي تساندها.

في تلك الفترة، تولّت قيادة الجمهوريات الثلاث: صربيا، وكرواتيا، وسلوفينيا، قيادات يمينية وفاشية. كما أكد مختلف الدوائر الدبلوماسية، في غربي أوروبا، أن القيادات الجديدة في الجمهوريات الثلاث، هي من بقايا منظمتَي "التشيتنيك"[1]. النازية، و"الأوستاشي"[2]. الفاشية، اللتين خاضتا الحرب الأهلية، أثناء الحرب العالمية الثانية. وفي عام 1990، سعت النخبة السياسية الصربية إلى تطوير دستورها، ليؤمن توازناً بين السلطة المركزية، والتطلعات المحلية للجمهوريات، وإصلاحات دستورية واقتصادية. غير أن هذه التغييرات الليبرالية في الحياة، الاقتصادية والسياسية، عُلقت على شرط إعادة البناء على أساس إعادة توزيع الثروة، وإنشاء البِنى، الاقتصادية والتحتية، لكل الجمهوريات، بما يعني تعليق الإصلاحات، على شرط لا يمكن تحققه، في المدى المنظور؛ ومن ثَم، عرقلة تلك التوجهات الليبرالية. إلاّ أن أهم ما ساعد الصرب على فرض سيطرتهم المركزية، على مقدرات الدولة اليوغسلافية، هو سيطرتهم على الجيش الفيدرالي (80% من الجيش الاتحادي)، وتحويله إلى جيش قومي لصربيا، لا ليوغسلافيا، من دون أن يتعرض لأي انقسامات، أو صراعات داخل صفوفه.

فالقيادة العسكرية، التي كادت تُرقّى، علناً، إلى عصبة عسكرية ـ حاكمة، وثّقت تحالفها مع النخبة القومية الصربية المتطرفة، وأصبحت، تلك القيادة، تعمل بمفردها، غير خاضعة للقيادة السياسية للجمهورية الفيدرالية. وطهرت الجيش الفيدرالي من العناصر غير الصربية، وذلك بهدف "صربنة" الجيش، عبْر موجتَين من حملات التطهير: الأولى، في مايو 1991؛ والثانية في فبراير 1992، التي أُبعِد فيها من الجيش الجنرالات غير الصّرب.



[1] التشيتنيك: هو الاسم الرسمي للفرق العسكرية الصربية التي كونها ميخائيلوفيتش لمقاومة الغزاة. وهي منظمة إرهابية قامت بمذابح جماعية لمخالفيها في الدين أو العرقية، وقد عملت هذه المنظمة تحت شعار صربيا الكبرى

[2] منظمة الأوستاشي: هي منظمة إرهابية تضم حوالي 15 منظمة فرعية تنظمها `اللجنة القومية الكرواتية` وتطالب باستقلال كرواتيا