إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع السنغالي ـ الموريتاني






المدن والأقسام الرئيسية
الأقاليم الطبيعية
القبائل الرئيسية
جمهورية موريتانيا
جمهورية السنغال



ثانياً: الحل الجغرافي لأزمة الحدود السنغالية الموريتانية

ملحق

تحديد الحدود السياسية بين الدول النهرية

ترسيم الحدود السياسية مع الأنهار، ولكن حتى في المدنيات القديمة نادراً ما كانت الأنهار تستخدم لفصل الدول المتجاورة بعضها عن بعض، بل العكس من ذلك، كانت تستخدم للوصل بينها. فالنهر يقسم ويوحد سهله الفيضي وحضارته. وهو يعرقل الاتصال بين الضفتين. وعلى الرغم من ذلك فهو يكون طريقاً ملاحياً كثيفاً. يضم السهل الفيضي النهري مجتمعات متجانسة على الأقل، بالمعنى الاقتصادي، وتميل الحدود النهرية إلى تشجيع التعاون بين الدول التي تفصل بينها، لأن الجسور المقامة فوقه تربط بينها. ويرجع هذا إلى طبيعة الأنهار، إذ إن الإنسان يميل إلى السكن في وديانها وعلى ضفافها. ويجذب السكان إلى هذه المناطق عوامل كثيرة منها : توفر المياه اللازمة للري والشرب، وخصب التربة وسهولة زراعتها، إضافة إلى سهولة حركة النقل، فيما عدا مناطق الشلالات.

ويمكن استخدام الأنهار حدوداً سياسية تفصل بين الدول المتجاورة في المناطق، التي تعترض فيها الأنهار شلالات وجنادل، كما هو الحال عند الباب الحديدي على نهر الطونة، حيث تلتقي الحدود التي تفصل بين رومانيا وبلغاريا ويوغسلافيا، وذلك لصعوبة المواصلات في مثل هذه الجهات. كما يمكن اتخاذ الأنهار حدوداً سياسية في المناطق التي تشغلها المستنقعات، وتنتشر بها الأمراض، ولا تصلح للسكن، وتعرقل حركة الانتقال. وتصبح هذه المستنقعات الحدود الفاصلة. أما الأنهار فقد اصطلح على كونها هي الحدود في مثل هذه الجهات، لأنها أسهل في التعيين من المستنقعات. ولكن يلاحظ أن التقدم الفني والعلمي في الوقت الحاضر يمكن من تجفيف المستنقعات، وأصبحت الأنهار في مثل تلك الجهات وحدة اقتصادية واجتماعية واحدة.

ولكن يلاحظ أن الأنهار غير مستقرة، إذ إنها تغير مجراها، كما أن ضفافها غير ثابتة، بسبب الفيضان والنحر والإطماء. لذلك فهي ليست أفضل المظاهر الطبيعية لتحديد الحدود السياسية، ولا يمكن الاعتماد عليها كثيراً.

ويشيع اتخاذ الأنهار حدوداً في المناطق حديثة التعمير، بعكس الحال في الجهات قديمة الاستيطان. ويرجع ذلك إلى أنه يمكن تعيين الأنهار بسهولة من دون الحاجة إلى تخطيط في هذه البلاد المجهولة قليلة السكان.

ويعترض تحديد الحدود مع الأنهار مشكلات كثيرة معقدة ترتبط أساسا بعاملين. الأول، هو موضع الحد كخط طولي من النهر، والثاني علاقة الحد بالتغيرات التي تطرأ على مجرى النهر. ولا يكفي في معاهدة الحدود القول إن الحدّ يسير مع النهر لأن الأمر يتطلب دقة وإيضاحاً بخصوص هذه المسألة.

فهل يسير الحد مع ضفة من ضفاف النهر؟ أم هل يلازم الخط الأوسط Median للنهر بحيث يصبح على مسافة متساوية من كلا الشاطئين؟ أو هل يتفق مع وسط المجرى الملاحي Thalweg في النهر؟ وقد حددت معاهدات باريس، 1919/1920، هذه المسألة، إذ ذكرت أن الحد يجب أن يتفق مع الخط الأوسط في النهر غير الصالح للملاحة ومع وسط المجرى الملاحي في الأنهار الصالحة للملاحة. وأدى هذا الرأي الأخير إلى زيادة تعقيد المشكلة لأنه من الصعب التمييز بين الأنهار الصالحة للملاحة وغير الصالحة. ولكي تقرر مسالة صلاحية النهر للملاحة يجب أن يؤخذ في الاعتبار فصول السنة. ومستوى المياه في النهر وغاطس السفن التي تمخر عبابه. ولا تتعرض المعاهدات إلى هذه المسائل الأخيرة إطلاقا.

ويلاحظ أن الحد السياسي الذي يسير مع أحد ضفاف النهر يُعَد أكثر وضوحاً من ذلك الذي يسير مع الخط الأوسط أو المجرى الملاحي فيه. ويؤدي اتفاق الحدود مع أحد ضفاف النهر إلى الإجحاف بحق الدولة الأخرى، التي تستبعد من المشاركة في النهر. ويترتب على ذلك حرمانها من الاستفادة بمياه النهر في الري وتوليد الكهرباء، إضافة إلى عدم تمكينها من الملاحة فيه. فضلاً عن أن صيانة ضفة النهر المجاورة للدولة الأخرى تصبح مسألة صعبة للغاية. كما يتفاوت النهر في حجمه من وقت لآخر، فلو كانت معاهدة الحد تنص على أنه يتفق مع منطقة الالتقاء بين اليابس والماء، فسيزداد الأمر تعقيداً؛ً لأن الحد لا بد أن يتغير موضعه تبعا للتفاوت في حجم النهر؛ ذلك لأن النهر إذا زادت فيه المياه عن المتوسط العادي سينتهي بها الأمر إلى الفيضان على الجانبين، ومن ثم، يتزحزح الحد إلى داخل أراضي الدولة المجاورة ليسلخ منها مناطق ويضيفها إلى الثانية. كما أن طغيان المياه على أراضي الدولة المجاورة يعطيها الحق في استخدامها، علماً بأنها محرومة منها بنص معاهدة الحدود بين الدولتين.

وقد يتفق الحد السياسي مع الخط الأوسط للنهر. ولكن قَلّ أن يستخدم هذا التعبير في اتفاقيات الحدود. وينسب الخط الأوسط إلى السطح الأفقي للنهر، ويمكن تعريفه بأنه الخط الذي يصل كل النقط التي تقع على مسافة متساوية من كلا الشاطئين. ويتطلب تحديد موضعه عملية حسابية دقيقة ومعقدة. ويؤدي اختياره إلى تقسيم متساو لسطح الماء لا لحجمه.

وتثور مشكلات معقدة أمام هذا النوع من الحدود. مثال ذلك، لو وجدت جزر في النهر ماذا يكون موقفها ؟ هل تتبع دولة معينة أو تتبع الدولتين معاً؟

ولو كان النهر صالحاً للملاحة، وكان الحد يتفق مع الخط الأوسط، فمعنى هذا أن المجرى الملاحي في النهر سيقطع هذا الحد الأوسط السياسي من جهة إلى أخرى، لأنه متغير من وقت لآخر. وليس شرطاً أن يتفق المجرى الملاحي مع الخط الأوسط للنهر، فكيف تنظم الدول المشتركة في الحدود هذه المسألة؟ إضافة إلى ذلك، أن تحديد الخط الأوسط في مجرى النهر يستدعي الاتفاق بدقة على موضع ضفاف النهر. وهذه مسألة لا يمكن الاتفاق عليها، لأن حجم النهر يختلف من وقت إلى آخر، ومن ثم، يتغير موضع ضفافه خاصة إذا كان السهل الفيضي متسعاً. ويتضح من ذلك صعوبة الاتفاق على الخط الأوسط في النهر.

والحد السياسي مع وسط المجرى الملاحي في النهر هو أفضل أنواع الحدود النهرية، لأنه يتيح فرصة الاستفادة للدولتين معاً من النهر في الملاحة وتوليد الكهرباء، والصيد والري والشرب، وينطبق هذا على بعض أجزاء من نهر الراين والطونة.

وتواجه مسألة سريان الحد السياسي مع وسط المجرى الملاحي في النهر مشكلات كثيرة. إذ المعلوم أن المجرى الملاحي في النهر يشتمل على أعمق الأجزاء فيه، وفي كثير من الأحيان لا يتفق المجرى الملاحي للنهر مع الخط الأوسط فيه، فتارة يقترب من هذا الشاطئ وأخرى يبتعد عنه. وقد اتبعت هذه الطريقة ببعض الأنهار الأفريقية في رسم الحدود السياسية بين الدول ومنها نهر السنغال.