إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع السنغالي ـ الموريتاني






المدن والأقسام الرئيسية
الأقاليم الطبيعية
القبائل الرئيسية
جمهورية موريتانيا
جمهورية السنغال



المبحث الخامس

المبحث الخامس

الجهود الدولية والإقليمية المبذولة لحل الأزمة

أولاً: الجهود الدولية والإقليمية

كان من الطبيعي وقد بلغت الأزمة بين السنغال وموريتانيا حدتها، وخرجت من المجال المحلي بين الدولتين إلى المجال الأفريقي، أن تتحرك الأجهزة السياسية في المنظمات الإقليمية والأفريقية في محاولة لوقف هذا التيار المعادي ولإنهاء الأزمة بين البلدين. وبدأ تدخل الدول الأفريقية والعربية والدول الغربية ذات المصالح القوية بالدولتين، وبدأت سلسلة من الزيارات من أجل فهم جوانب المشكلة وتقديم المقترحات بشأنها[1].

1. الاهتمام الدولي بالأزمة

حظي النزاع السنغالي الموريتاني باهتمام كبير منذ يومه الأول على الصعيد الدولي، فكثرت الدعوات والتحركات والجهود الرامية إلى احتوائه وتسويته. وأبدت الدولتان المتنازعتان تجاوبهما مع هذا الاهتمام، ولكن تبين أن الأمر ليس هيناً، وأن هذا الخلاف يتطلب لحله من الحكومتين قسطاً كبيراً من الإرادة والقدرة السياسية على فرض منطق التسوية السلمية، بكل ما تتضمنه بالضرورة من تقبل لفكرة الحلول الوسط والتنازلات المتبادلة، فضلاً عن ضرورة تهيئة الظروف المواتية لإجراء معالجة موضوعية وجادة للأسباب، التي تراكمت وتشابكت وولدت هذه الأزمة الخطيرة.

وظلت فرنسا تؤيد بعض المساعي الحميدة، وتستقبل في عاصمتها اجتماعات وزراء الدولتين ووزير الدولة المصري للشئون الخارجية، كما اجتمع وزير الخارجية الفرنسي بنظيريه، السنغالي والموريتاني، كما قامت وساطة سعودية وكويتية.

2. جهود منظمة الوحدة الأفريقية

قامت منظمة الوحدة الأفريقية بجهود الوساطة السلمية ممثلة في شخص الرئيس، الذي يتولى الدورة السنوية، والتي كان فيها الرئيس المالي موسى تراوري (يوليه 1988 ـ 1989)، ثم الرئيس المصري حسني مبارك (يوليه 1989 ـ 1990)، فالرئيس يوري موسوفيني رئيس أوغندا (1990 ـ 1991.

وقرر مؤتمر القمة في دورته السادسة والعشرين استمرار الوساطة والإبقاء على اللجنة الأفريقية المشتركة، التي شكلها المؤتمر في دورته السابقة من مصر تونس والنيجر ونيجيريا والتوجو وزيمبابوي، مع إضافة أوغندة إلى عضويتها لمعاونة رئيس المنظمة في مهمته.

3. الجولة الأولى لجهود الوساطة

حاول رئيس مالي، موسى تراوري، اتباع أسلوب الخطوة خطوة، إذ زار موريتانيا والسنغال، في 12 مايو 1989، واقترح حل بعض المشاكل الخلافية، مثل تبادل الماشية المستولى عليها بين الجانبين. وبعد تردد معين انتهى الجانب السنغالي إلى رفض هذا الاقتراح في الوقت الذي كانت تنتهي فيه رئاسة مالي لمنظمة الوحدة الأفريقية.

وانعقد في باماكو اجتماعان، الأول لوزيري داخلية البلدين وزميلهما المالي، في 17 مايو 1989، والثاني إضافة إلى هؤلاء، وزراء خارجية الدول الثلاث خلال الفترة من 3-4 يونيه عام 1989. وخلال شهر يونيه 1989، عقدت اجتماعات لوزراء الداخلية والخبراء في مدينتي روسو الموريتانية والسنغالية.

ويرجع رفض الحكومة السنغالية اقتراح تبادل الماشية، لأنها شعرت أن قبولها الاقتراح يعرضها للانتقاد اللاذع من جانب الحركة السياسية الشعوبية لإقليم النهر، على أساس أن تسوية هذا الموضوع إنما تحقق مصلحة موريتانيا أولاً، حيث أن مسألة الرعي تقع على رأس أولوياتها، على عكس السنغال الذي يولي اهتمامه الأول لموضوع أراضي الجانب الأيمن للنهر وللحقوق العرفية المتعلقة باستغلالها، ومن ثم فإن الاستجابة للاقتراح المالي إنما تنم عن رغبة في التنازل. وهذه ثغرة لم يفت على المعارضة الحزبية استغلالها، للتقارب من الحركة الشعوبية، تقويضاً لسلطة القوة الحاكمة.

وبالمثل عندما تسرب النبأ عن لقاء تم بين الرئيسين، السنغالي والموريتاني، في (أواجادوجو)، على هامش مؤتمر قمة منظمة الجماعات الاقتصادية لأفريقيا الغربية، في 28 يونيه عام 1989، قام الحزب الديمقراطي بحملة صحفية مركزة على ما وصفه بالتواطؤ بين الرئيس عبده ضيوف والرئيس ولد الطايع ضد عبد لاي، زعيم المعارضة السنغالية، للإطاحة به وتحميله وحده مسئولية الأزمة، والزعم بأن الرئيس عبده ضيوف مستعد في سبيل ذلك للتنازل عن المسألة الحدودية والتخلي عن سكان إقليم النهر والسود الموريتانيين، الأمر الذي وضع السلطات السنغالية في حرج، فحرصت على نفي حدوث أي مباحثات بين الرئيسين وإن لم تتمكن من نفي لقائهما، الذي تم تحت إلحاح سلطات بوركينا فاسو حيث عقد المؤتمر في عاصمتها.

4. الجولة الثانية لجهود الوساطة

كانت رئاسة المنظمة للرئيس المصري، محمد حسني مبارك. ورحب السنغال بالأسلوب، الذي انتهجته الدبلوماسية المصرية برئاسة مبارك لإنجاز وساطتها، وهو يتمثل في التناول الشامل الجامع لمختلف بنود الخلاف. وقد سعت مصر في بادئ الأمر إلى تحقيق اتفاق الدولتين المتنازعتين على المبادئ، التي ستحكم التسوية السلمية، في شكل اتفاق عام يوفر لهذه التسوية إطارها الفكري والقانوني. وعلى الرغم من إعلان الجانب الموريتاني تقبله لهذا الأسلوب، اتضح سريعاً إحجامه عن تقديم مشروع لاتفاق المبادئ الإطاري على غرار ما فعله الجانب السنغالي ثبت للوسطاء التباعد الكبير في موقف الطرفين المتنازعين، حتى عند استعمالهما لنفس الكلمات التي لها معاني مختلفة لدى كل منهما، واضطرارهم، لإنقاذ المسار التفاوضي من التجمد، إلى اقتراح اتخاذ خطوات عملية يكون من شأنها إيقاف التدهور المطرد وإعادة بناء الثقة بين المتنازعين والشروع في تطبيع العلاقات بينهما. ولذلك، كان اقتراح الوسطاء المصريين باستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، وإعادة الرحلات الجوية بين العاصمتين، وترتيب لقاء قمة بين الرئيسين السنغالي والموريتاني، لتناول مختلف جوانب الخلاف من أساسها. ولوحظ أثناء هذه الجولة للجهود السلمية، قدر أكبر من المرونة لدى الجانب السنغالي. فمنذ سبتمبر 1989، أوضحت الحكومة السنغالية أنها لا تجعل من مسألة الحدود شرطاً مسبقاً للتسوية، وأنها تقبل أن تبدأ في المفاوضات، من دون انتظار لحل هذه المسألة، وأن ما تطلبه فقط هو أن تشمل هذه المفاوضات كافة جوانب النزاع، بما في ذلك موضوع الحدود. كما عدل الجانب السنغالي موقفه من لقاء القمة، فبعد أن كان الرئيس عبده ضيوف يَعُدّه "منعدم الجدوى"، ملمحاً إلى اعتراض سكان إقليم النهر على مثل هذا اللقاء. عاد، وقبل مبدأ الاجتماع بقرينه الموريتاني "في أي مكان وفي أي وقت ومن دون شروط مسبقة". كما قبلت السلطات السنغالية المقترحات الأخرى، التي تقدم بها الوسيط المصري.

بيد أن الجانب الموريتاني أبدي عزوفاً عن فكرة لقاء قمة لا تسبقه تدابير فورية لاستتباب الأمن على ضفتي نهر السنغال، ولتأمين سلامة الرعايا الموريتانيين، الذين ما زالوا "محتجزين" في السنغال، وضمان حقهم في العودة إلى وطنهم، مما تحتم معه طرح فكرة اجتماع الرئيسين جانباً في هذه المرحلة من التسوية.

وفي السادس من سبتمبر سنة 1989، توجه الرئيس حسني مبارك إلى نواكشوط، ثم زار بعد ذلك داكار، حيث التقى بالرئيس معاوية ولد الطايع والرئيس عبده ضيوف، لبحث المشكلة السنغالية الموريتانية. وقد أسفرت هذه الزيارة عن الاتفاق على :

أ. العمل على احتواء الأزمة.

ب. وقف الحملات الإعلامية بين الجانبين فورا.

ج. العمل على تسهيل مهمة اللجنة السداسية، التي قررت منظمة الوحدة الأفريقية تشكيلها من مندوبي مصر وتونس وتوجو والنيجر ونيجيريا وزيمبابوي، لبحث الخطوات العملية لإنهاء الأزمة وحلها والمساهمة في إنجاح مهمة هذه اللجنة.

كما عقدت اللجنة الأفريقية المشتركة اجتماعات في بلجراد على هامش مؤتمر قمة عدم الانحياز، ثم في مقر الأمم المتحدة في نيويورك وأديس أبابا مقر منظمة الوحدة الأفريقية، وعقد وزير الدولة للشؤون الخارجية المصري اجتماعات في باريس والقاهرة وأديس أبابا (فبراير 1990)، كما تناول الرئيسان المصري والسنغالي الموضوع أثناء زيارة الأخير للقاهرة لحضور اجتماعات الرابطة الأفريقية المشتركة (مارس 1990)، ثم أجتمع وزراء الدول الثلاث في باريس (يونيه 1990) وأديس أبابا (يونيه 1990) أثناء اجتماع مؤتمر القمة الأفريقي.

وقد سافر وزير الدولة للشؤون الخارجية المصري، بعد ذلك، إلى المنطقة. كما زار القاهرة وزراء خارجية السنغال وموريتانيا، لمتابعة الجهود المبذولة لحل المشكلة. وقد حققت هذه الجهود أهدافها في احتواء الأزمة، وقبول الطرفين حضور اجتماعات اللجنة الأفريقية للمصالحة، والتي ترأسها مصر ـ وذلك في 15 أكتوبر 1989، في نيويورك.

كما قبلت الدولتان، بعد ذلك، عقد اجتماع في القاهرة بين ممثلي كل منهما وبحضور ممثل لمصر، لبدء المفاوضات حول تنفيذ القرارات التي توصلا إليها في نيويورك، خاصة ما يتعلق بعودة العلاقات الدبلوماسية بينهما وإجراء التعويضات التي طلبها كل جانب من الطرف الآخر، ووسائل لم شمل العائلات في كل من الدولتين.

أما بالنسبة إلى القضايا البالغة الدقة والحساسية، مثل قضية الحدود، التي اختلفت فيها رؤى الدولتين ـ اختلافاً جذرياً حاداً ـ فقد ترك للجانبين تحديد موعد للمفاوضات حول هذه المسائل الخلافية، وفقاً للاتفاقات والمعاهدات السابقة المعقودة بين الدولتين.

وقد قامت لجنة للخبراء، شكلتها وزارة الخارجية المصرية، بإعداد تقرير مفصل بآراء الدولتين في هذه المسائل الخلافية، والحلول المقبولة لتقريب وجهات النظر بينهما.

وخلال الفترة من 16 ـ 17 يونيه 1990، وبناء على اقتراح الوسيط المصري، اجتمع وزيرا الدولتين المتنازعتين والوزير المصري، في باريس، للنظر في مقترحات تتعلق باستئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة الرحلات الجوية، وإيقاف كل أنواع أعمال العنف على الحدود، وتأمين سلامة رعايا كل من الدولتين لدى الأخرى، وضمان حقهم في العودة إلى بلادهم في الوقت المناسب. وانفض الاجتماع من دون أن يتوصل إلى أي نتيجة اللهم اتفاق الطرفين المتنازعين على معاودة الاتصال في إطار مؤتمر القمة الأفريقي السادس والعشرين بأديس أبابا، في يوليه 1990، بعد أن عجزا عن الاتفاق على من ستشملهم العودة إلى الوطن. ورفضت موريتانيا أن ينسحب هذا الإجراء إلى المبعدين الموريتانيين الذين تحولوا إلى لاجئين على الضفة السنغالية للنهر، ورأت أن حق العودة لا ينطبق إلاّ على الموريتانيين الذين ما زالوا بالسنغال رغم مشيئتهم، "محتجزين كرهائن يعملون لحساب السنغاليين" على حد قول المسئولين الموريتانيين. وأثار الوفد الموريتاني في أديس أبابا هذا الموضوع، من جديد، وتحول الأمر إلى مساجلة بين الوفدين وبدت الشروط، التي ألحت عليها الحكومة الموريتانية منذ سبتمبر 1989، لتطبيع العلاقات بين البلدين وكأنها شروط مسبقة تضعها للتسوية السلمية، وهي تتعلق برد الأموال المصادرة إلى أصحابها الموريتانيين، والتعويض العادل عن الأضرار التي لحقت بهم، وعودة الرعايا الموريتانيين التي تعدهم محتجزين في السنغال. ثم أضافت، بعد ذلك، إيقاف الهجمات التي تشن ضد الموريتانيين انطلاقاً من السنغال. ويبدو أن مسألة التعويضات واستعادة الأموال ليست مستعصية على الحل العملي، على الرغم من المصاعب التي تكتنفها، لتضارب التقديرات بين الطرفين وعجزهما مالياً، على أي حال، عن الوفاء بها ـ وذلك بفضل استعداد بعض الدول العربية الغنية لتحمل هذه التكلفة الباهظة.

أما موضوع الإفراج عما تعدهم موريتانيا المحتجزين في السنغال، فالخلاف يدور حول عددهم وظروف إقامتهم. وتقدرهم السلطات الموريتانية ما بين 150 ألفاً و 300 ألف نسمة على أساس طرح عدد الموريتانيين الذين عادوا إلى بلادهم من العدد الإجمالي لأفراد الجالية الموريتانية في السنغال وهو ما بين 500 ألف (وهذا هو الرقم الذي قدمه الرئيس عبده ضيوف في خطابه يوم 29 أبريل 1989) و350 ألف. كما أنها تَعُدّهم معتقلين ويعملون لحساب السنغال.

وتناول الرئيسان، المصري والسنغالي، الأزمة أثناء وجود الرئيس عبده ضيوف في القاهرة لحضور اجتماعات الرابطة الأفريقية المشتركة، في مارس 1990، ثم اجتمع وزراء الدول الثلاث، في باريس، في يونيه 1990، وأديس أبابا، في يوليه 1990، أثناء اجتماع مؤتمر القمة الأفريقي.

وفي اجتماع القمة في أديس أبابا أثار المندوب الموريتاني مسألة المبعوثين، الذين ما زالوا محتجزين في السنغال رغم إرادتهم ويعملون لحساب السنغاليين، وتحول الموقف إلى مساجلة بين الطرفين خاصة وأن مطالب موريتانيا برد الأموال المصادرة والتعويض العادل عن الأضرار وعودة الرعايا الموريتانيين وكأنها شروط مسبقة لاقناعها بالتسوية، في الوقت الذي أبدت فيه السنغال استعدادها لاستقبال أي بعثة لتقصي الحقائق حول عدد المعتقلين الذين في السنغال.

5. الجولة الثالثة في الوساطة

وقد تمت تحت زعامة رئيس أوغندا يوري موسوفيني، في يوليه 1990، والتي لم يطرأ عليها أي تغيير يذكر، بل وصلت الأزمة إلى طريق مسدود. ولكن موريتانيا واجهت تغييراً ملحوظاً في القوى الخارجية والداخلية في غير مصلحتها، إذ كانت هزيمة حليفها العراقي، صدام حسين، قد أفقدها أهم سند خارجي يمدها بالسلاح، إضافة إلى ضغوط اقتصادية من قبل فرنسا والولايات المتحدة والدول العربية الخليجية، التي أرادت أن تدفع موريتانيا ثمن انحيازها للعراق. ووجد النظام الموريتاني أن يطوع نفسه للتجديد، الذي اتخذ أحد شكلين، إما أن يتخلى عن التشدد الذي اتسم به أسلوبه في معالجة الأزمة، أو إنهاء الحكم العسكري والعودة إلى النظام المدني ثم التحول إلى التعدد الحزبي. لذا، بدأ استئناف اللقاءات بين المسئولين تحت رعاية فرنسا، التي نجحت في مساعيها التوفيقية هذه المرة.

6. احتمالات التسوية للمشكلة

يُعدّ حل مشكلة الصراع بين موريتانيا والسنغال مطلباً ضرورياً لأن بؤر الصراع في تلك الأجزاء المنكوبة من العالم الثالث قد هددت هذه القوى بالفناء، لذا فإن التفكير في حلول لهذه الأزمة صار قضية حياة أو موت، خاصة وأن لب النزاع ومكمن الصراع وباعث هذا الخلاف هو مشروع استغلال نهر السنغال، الذي ارتبط عضوياً بقضية التنمية، وكيف تكون هناك تنمية والصراع الدموي يمتد هنا وهناك يأكل الأخضر واليابس، ويضع شعوب المنطقة في جو من عدم الاستقرار والشك والخوف؟ لقد كانت خسائر الجانبين باعثاً على ضرورة التحرك لعودة المياه إلى مجاريها.

ولقد خسرت موريتانيا دولة وشعباً أهم مهجر لشعبها، وأهم مصدر للدخول والتحويلات النقدية، وفقدان المنشآت والأموال، أي أن الخسارة تعكس ما تقتضيه إستراتيجية رشيدة للتنمية في إطار هذه الظروف الصعبة، فضلاً عن فقدان أكثر من 30 ألفاً في عداد المفقودين ومصادرة حوالي 35 مليار من الفرنكات، وفقدان 22 ألفاً من رؤوس الضأن والماعز، و 20 ألفاً من الإبل، وبضاعة 20 ألفاً من المتاجر المختلفة، وعدة آلاف من السيارات.

وخسرت السنغال أعداداً كبيرة من القتلى والجرحى، يصعب تقديرها وتختلف البيانات حولها، إضافة إلى قيمة السلع الضائعة والتي تقدر بحوالي ستة مليارات فرنك، وخسارة الشركات الصناعية بسبب الهبوط في كمية المبيعات أثناء الأطوار الساخنة والتي قدرت بنحو 50 مليون فرنك أفريقي (167مليون دولار)، وهو ما اثر في القطاع الصناعي.

وإذا أضيف إلى ذلك أثر الصراع في تنمية النهر لمصلحة شعوب المنطقة، وفقدان مهجر للسنغاليين، وزيادة الأعباء نتيجة التزايد المفاجئ في السكان، وفقدان السوق الموريتانية، وظهور دولة معادية على حدود السنغال ـ هي موريتانيا ـ وهو ما يوفر عمقا وقواعد للمعارضة المسلحة الموريتانية التي اشتد عودها، لتبين حجم الخسائر الحقيقية.

إن هذه الخسائر كفيلة بان يراجع النظام في الدولتين حساباته، وأن يفكر بشكل جدي لحل هذه الأزمة، خاصة وأن المستجدات الدولية قد غيرت الحسابات بعد انهيار الحليف العراقي، وبعد قيام الدولتين بانتهاج نظام التعدد الحزبي الذي يضيق مجال التحرك أمام التنظيمات المتطرفة، وبعد تعليق المعارضة الموريتانية لأعمالها العسكرية في ضوء هذه المتغيرات في حوض السنغال، وبعد اهتمام فرنسا بعد حرب الخليج بامتصاص بؤر التوتر بين الدولتين.

وبالنظر إلى مكونات الخلاف فإن مسار التسوية يتحدد في هذه المحاور:

أ. مشكلة التعويضات وهي مشكلة ليست صعبة الحل لأن دولاً عربية تبدي استعدادها لتحمل هذه النفقات.

ب. ضرورة وضع برامج تنمية في إطار مشروع استغلال النهر. وفي هذا الإطار يتم تشييد نظام فلاحي حقيقي يكون حجر الزاوية لوادي النهر.

ج. تحديث علاقات الإنتاج وإعطاء الحق المتساوي للجميع في حيازة الأرض الزراعية وتصفية الامتيازات الموجودة عند بعض الأرستقراطيين، و بذلك، يتم التخلص من النعرات القومية.

د. وضع التكامل الإقليمي موضع الاعتبار لأنه من أهم المسلمات المثلى لحل المشكلة، لأن التكامل سوف يقضي على المشكلات الحدودية، التي تتطلب رفض مفهوم المطالب التاريخية، وترسيم الحدود، مع إقرار مبدأ المسؤولية المشتركة، وتطبيق مفهوم المنطقة الحدودية وليس الخط الحدودي، الذي سبق ذكره، لأن المنطقة الحدودية تتفق مع طبيعة القارة الأفريقية قبل قدوم الأوروبيين.

إن التسوية لابد أن تتخلى عن قضايا النزاع العرقي لأن مثل هذه المنازعات، والتي تحدث كثيراً في القارة الأفريقية، تمثل بؤراً للتصادم والمواجهات العسكرية، ولا سبيل لحلها إلا بالتطبيق واستئصال بذور الخلاف من أعماقها. ويجب أن يوضع في الحسبان أن مثل هذه الأمور الخلافية ليست سهلة، لأنها تحتاج إلى إحداث تغييرات كيفية اجتماعية وسياسية وأيديولوجية بين البلدين.

7. الوساطة المغربية

بينما دخلت الأزمة الموريتانية ـ السنغالية مرحلة جديدة، بعد رحيل عدد كبير من الموريتانيين من السنغال، وإعطاء السلطات الموريتانية للسنغاليين المقيمين في أراضيها، مهلة أسبوعين لمغادرة البلاد، عرض العاهل المغربي، الملك محمد السادس، وساطته بين نواكشوط وداكار، بخصوص الوضع في المنطقة الحدودية بين البلدين.

وجاء في قصاصة بثتها وكالة الأنباء المغربية الرسمية، أن العاهل المغربي، فور علمه بالتطورات الأخيرة، التي طرأت على العلاقات بين موريتانيا والسنغال، بشأن منطقتهما الحدودية، أجرى "اتصالا هاتفيا مع  الرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطايع، والرئيس عبدو اللاي واد، للاطلاع على الوضعية، وعرض وساطته بين الطرفين، إن لزم الأمر".

وأضافت وكالة الأنباء المغربية، أن الملك محمد السادس، دعا "البلدين الشقيقين، إلى ضبط النفس، والاستمرار في إيثار سبل الحوار والتعاون في كل ما يتعلق بتنمية منطقتهما الحدودية، خصوصا في إطار منظمة تهيئة نهر السنغال".

وكان قد حل بنواكشط في 5 يونيه 2000، الوزير الأول السنغالي، مصطفى نياس، حاملاً رسالة من الرئيس السنغالي إلى نظيره الموريتاني. وقال مصدر رسمي، إن الوزير الأول السنغالي، أجرى، فور وصوله، مباحثات، على انفراد، مع نظيره الموريتاني، الشيخ العافية ولد محمد خونا، قبل أن يحضرها وزيرا خارجية البلدين.

وذكر المصدر، أن نياس استُقبِل أمس من قِبَل الرئيس الموريتاني، حيث سلمه رسالة من الرئيس واد تتعلق بـ"الأزمة، التي اندلعت بين البلدين" يوم السبت الماضي، بسبب "استئناف الجانب السنغالي العمل في مشروع الأحواض الناضبة في منطقة حوض نهر السنغال، الذي يمثل الحدود الفاصلة بين البلدين". وجاءت زيارة نياس لنواكشط، كمحاولة أخيرة لرأب الصدع ولطمأنة الحكومة الموريتانية حول مشروع سنغالي لإحياء بحيرات جافة تقول السلطات الموريتانية، إنه سيشكل كارثة في موريتانيا.

وقال الوزير الأول السنغالي "نياس"، إن المشروع السنغالي، يتعلق بإحياء تسع بحيرات، إلاّ أن ما يتعلق منها بنهر السنغال، لا يتجاوز الاثنتين. وحاول الوزير الأول السنغالي التقليل من أهمية الموضوع، مشيرا إلى عمق الروابط بين البلدين.

وكان نياس يتحدث، بُعيد استقباله من قِبل الرئيس ولد الطايع، في لقاء دام أكثر من ساعة. ومن جهته، قال وزير الطاقة السنغالي، إن أي مشروع يتعلق بالمياه، لا يمكن أن يجري دون الاستناد إلى الدول الأعضاء في منظمة استثمار نهر السنغال، التي تضم موريتانيا والسنغال ومالي. ولم يتسنّ معرفة ردة الفعل الموريتانية الفورية على الموقف السنغالي، إلاّ أن الحكومة الموريتانية سبق أن حذرت بشدة من مخاطر المشروع، ومن السعي السنغالي لامتلاك السلاح، مشيرة إلى أن موريتانيا لن تفرط في حقوقها.

وللإشارة، فإن اقتسام مياه نهر السنغال، ظل أحد ابرز أسباب الخلاف بين موريتانيا والسنغال، وقد سبق للسنغال أن طالبت بالضفة الموريتانية من النهر، الذي يشكل الحدود الطبيعية بين البلدين إبان الأزمة، التي اشتعلت بين البلدين سنة 1989، والتي أدت، فيما بعد، إلى ترحيل مئات الآلاف من مواطني البلدين.

ثانياً: موريتانيا تتهم السنغال بتجاوز حصتها في النهر

اتهمت موريتانيا السنغال بالإضرار بمصالحها الزراعية على ضفة نهر السنغال، من خلال تجاوز حصتها من مياه النهر، وبالعمل على فرض رأيها بالقوة على شركائها في منظمة استثمار نهر السنغال، التي تضم موريتانيا والسنغال ومالي. وقال بيان رسمي، بثه التليفزيون الحكومي، ليل السبت ـ الأحد، إن البلدين "حلا على الدوام خلافاتهما مباشرة. وبعد وصول النظام الجديد، تراجعت روح الأخوة والتعاون المثمر والثقة المستعادة، والجهود المشتركة لاستغلال نهر السنغال، وتدهورت العلاقات بسرعة".

ويأتي البيان الموريتاني، بعد إعلان داكار الاستمرار في مشروع للري، تتجاوز بموجبه حصتها من مياه النهر، الذي تقيم عليه الدولتان، إضافة إلى مالي، مشاريع للطاقة الكهربائية والزراعة. وكانت السلطات الموريتانية قدمت المفوض السابق لمنظمة استغلال نهر السنغال الموريتاني، بابا ولد سيدي عبدالله، للمحاكمة، واتهمته بالخيانة العظمى، والإضرار بالمصالح الاقتصادية الموريتانية، لتقديمه تسهيلات للمشروع السنغالي، العام الماضي.

وتراجعت الحكومة السنغالية في عهد الرئيس السابق عبدو ضيوف، عن المشروع، استجابة للرفض الموريتاني، غير أن الحكومة الحالية، بقيادة عبدالله واد، أعلنت "وبغطرسة الاستمرار في المشروع، ضاربة عرض الحائط بالالتزامات، التي اتخذها الرئيس ضيوف باسم السنغال، وكذلك نصوص المعاهدات المنظمة لنشاطات منظمة استغلال نهر السنغال". كما ورد في البيان الموريتاني، الذي اتهم السنغال بأنها الآن، وقبل تنفيذ المشروع، تتجاوز الحصة المسموح بها، إذ "اتضح ما بين 30 إلى 50 م3 من أصل 200 م3 مخصصة لإنتاج الطاقة". وقال البيان الموريتاني، إنه منذ تم شق القنوات الخاصة بالمشروع السنغالي، المسمى "مشروع الأحواض الجافة" تضررت المشاريع الزراعية الموريتانية، في شكل خطر، بسبب الجفاف، الناتج عن فقد المياه، إثر الضخ السنغالي، الذي يخرق المادة 4 من معاهدة 11 مارس 1972.

1. مسؤول سنغالي في موريتانيا يقلل من أهمية الخلاف على النهر

أمهلت السلطات الموريتانية الرعايا السنغاليين 15 يوماً لمغادرة البلاد، وواصل الموريتانيون، في السنغال، العودة إلى بلادهم، وسط مخاوف من نشوب أعمال عنف. وقد قلل رئيس الوزراء السنغالي، مصطفى نياس، من أهمية الأزمة، بعد لقاء مع الرئيس الموريتاني، معاوية ولد سيد أحمد الطايع. وقال نياس في تصريح صحافي: "إن مشروع الأحواض الجافة، لم يخلق أي وضعية خاصة، فهو مشروع تنموي سنغالي، مثل كل المشاريع". وقال إن "لموريتانيا مشاريع فوق أرضها، كما للسنغال أخرى". أما الأحواض الجافة، فعددها "تسعة، ولا يقع في السنغال  منها إلا اثنان. وإحياء الأحواض الجافة يعني كل دول المنطقة". وأكد أن "كل مشروع إنماء سنغالي، هو مشروع إنماء لموريتانيا، والعكس صحيح". ووضع نياس زيارته، في إطار المشاورات الدورية بين موريتانيا والسنغال، رافضا الربط بينها وأزمة "الأحواض الجافة". وعلى الرغم من لهجة التهدئة هذه، فإن البيان الرسمي الموريتاني، الذي بثه التليفزيون الحكومي، اتسم بالحدة، ووجه اتهامات واضحة وصريحة للحكومة السنغالية الجديدة، التي "تدهورت معها العلاقات مباشرة بعد وصولها إلى السلطة". كما يبدو رحيل رعايا البلدين في كل منهما، مؤشرا إلى وجود أزمة حقيقية.

وقد عاد مئات الموريتانيين، المقيمين في السنغال، إلى بلادهم، على الرغم من تطمينات السلطات السنغالية، فيما نقلت وكالة "فرانس برس"، عن رئيس رابطة السنغاليين المقيمين في موريتانيا، أن الشرطة الموريتانية أبلغته أنها تمنح السنغاليين مهلة 15 يوماً لمغادرة موريتانيا، مؤكدة، في الوقت ذاته، أنهم سيرحلون "في سلام وأمن". ويقيم في موريتانيا، طبقاً لمصادر غير رسمية، أكثر من 300 ألف سنغالي.

ورأى مراقبون في تجاهل رئيس الوزراء السنغالي لموضوع "الأحواض الجافة" علناً محاولة سنغالية لإطفاء الأزمة، من دون التراجع عن تنفيذ المشروع، الذي كانت الحكومة السابقة اضطرت إلى التراجع عنه، بسبب الاحتجاج الموريتاني. وتقول الحكومة الموريتانية، إن شق السنغال قنوات لجذب مياه نهر السنغال إلى أحواض جافة فيه، يعرض مشاريع الطاقة والري، على الضفة الموريتانية، ويخل بالتقاسم المتفق عليه، في إطار منظمة استغلال نهر السنغال، التي تضم موريتانيا والسنغال ومالي.

ويبدو القلق ظاهراً في نواكشوط، على وجوه مواطنين موريتانيين، ورعايا سنغاليين، يعملون في البلد. وهناك خشية من تكرار أعمال العنف العرقية، التي حدثت في أبريل 1989، وراح ضحيتها مئات من رعايا البلدين، في كل منهما، ونشبت تلك الأحداث، بعد مواجهات بين مربي ماشية موريتانيين، ومزارعين سنغاليين.

ويؤمل أن يتغلب البلدان على الأزمة الجديدة، عبر التشاور، إذ عرض العاهل المغربي، الملك محمد السادس، القيام بوساطة بين موريتانيا والسنغال. وذكر مصدر رسمي في الرباط، أن الملك محمد السادس، أجرى اتصالين هاتفيين مع الرئيسين الموريتاني والسنغالي، في شأن التطورات الأخيرة. وقال، إنه عرض وساطته، في حال لزوم ذلك. وأضاف المصدر، أن العاهل المغربي "تمنى على قائدي البلدين ضبط النفس، واعتماد سبل الحوار والتعاون في تنمية مناطق الحدود، في إطار منظمة استغلال نهر السنغال".

بعد استعراض الأزمة والصراع بين السنغال وموريتانيا في عام 1989، وما ترتب عليه من مواجهة دموية أتت على الأخضر واليابس، في منطقة نهر السنغال، التي أصبحت مسرحاً لأحداث دموية بين شعبين أفريقيين يدينان بدين واحد، وتربطهما علاقات قوية ومتينة عبر عصور خلت، حتى جاء الاستعمار بأساليبه التي فرقت بين الجماعات الأفريقية، وقام بتقسيم القارة حسب هواه ومصالحه من دون أن يضع في الاعتبار الايديولوجية الأفريقية أو رأي الأفارقة في حدود بلادهم التي وضعت في أوروبا وطبقت على شعوب القارة من دون مراعاة للشعوب والقبائل، وصارت الحدود بخطوطها الهندسية والفلكية تفصل بين الجماعات المتشابهة والتي لم تعرف عبر العصور مثل هذه التقسيمات الوهمية الاستعمارية. وكانت النتيجة أن القارة عندما حصلت على استقلال دولها لم تجد حلاً أفضل من الإبقاء على هذه الحدود الاستعمارية حتى لا تتحول القارة إلى بؤر من الصراع والتطاحن، لأن الحدود بنيت على أسس خاطئة تتفق والعقلية الأوروبية، التي يهمها مصالحها في المقام الأول.

كان إبقاء الوضع على ما هو عليه باعثاً على حدوث الأزمات بين الفينة والأخرى ، وفي الغالب الأعم تكون مسألة الحدود هي لب الصراع وأساسه، ولقد حاولت هذه الدراسة أن تتعرض لإحدى هذه المشكلات محللة بواعث هذا الصراع وأسبابه وموقف الدولتين ثم الجهود التي بذلت لحل الصراع.

2. من أهم النتائج التي خلصت إليها الدراسة ما يلي:

أ. قد تبدو الأزمة، أزمة حدودية، إلاّ أن الثابت أن هذه الأزمة كانت نتيجة للصراع الدموي، وليست هي السبب المباشر أو غير المباشر للأزمة، وأن قضية الحدود التي أثيرت بعد الأزمة وكانت محور الجهود الوسيطة للحل كانت مجرد استئصال للبؤر الصراعية، والتوصل إلى حل نهائي للمشكلة، حتى لا تتكرر مرة ثانية؛ لأن لب الصراع في منطقة النهر يقوم بين الشعوب وقبائل متجانسة، والحدود الفاصلة بشكلها الهندسي لا تتفق مع الأوضاع السائدة.

ب. إن مرتكزات الحل في المقام الأول تقوم على حسن النوايا بين الجارتين وإدراك أن الحلول لن تأتي من الخارج، وأنه يجب على السنغاليين والموريتانيين فهم طبيعة بلادهم ، وتناسي الخلافات، والشروع في إقامة مشروعات قومية تتجاهل الحدود، وأن يكون التكامل هو الطابع السائد، وأن تكون مشروعات التحديث وإعادة النظر في الأوضاع الاقتصادية والتطور الاقتصادي لمشروعات استغلال نهر السنغال تدريجية، بعد توعية المواطنين في البلدين أن هذه المشروعات لمصلحة الطرفين.

ج. إن عناصر المعارضة في البلدين، بسبب الأزمات السياسية وأزمات الهوية والانتماء لأحزاب تسعى للوصول إلى السلطة بالاعتماد على الدعم الخارجي من دول يهمها مثل هذه القلاقل، يجب أن تدرك أن مخاطر إثارة المشكلات الحدودية إنما يعني استمرار الاحتكاك الذي يولد الانفجار في المنطقة، التي تسعى القيادة الحاكمة نحو تطويرها وتحديثها بالشكل الذي يحقق الرخاء للجميع، سواء من المزارعين المستقرين أو من البدو الذين يبحثون عن أماكن لرعي مواشيهم وإبلهم.

د. إن إثارة النعرات القبلية، والنظرة الإقليمية المحدودة لن تكون سوى المفجر لأي أزمة سياسية بين شعوب عرفت التعاون والتآخي عبر عصور طويلة، وأن التركيز على مثل هذه النزعات الإقليمية المحدودة سوف يجر المنطقة إلى مزيد من التشرذم والتفكك، في وقت تسعى شعوب أفريقيا إلى مزيد من التكامل والترابط والشروع في إنشاء مشروعات تنموية تفيد الجميع، وتتخطى الإقليمية والعنصرية، وتسعى إلى آفاق أوسع من التفاهم وحل المشكلات بالطرق السلمية ومن دون اللجوء إلى العنف أو الصدام المسلح الذي يؤدي حتماً إلى خلق دول متخلفة، ومجتمعات هزيلة لا تستطيع البقاء في وجه التطورات العالمية المتلاحقة.

هـ. ضرورة وضع برامج تنمية في إطار مشروع استغلال النهر، وفي هذا الإطار يجري تشييد نظام زراعي حقيقي يكون أساساً لوادي النهر في صورة متكاملة، مع تحديث علاقات الإنتاج، وإعطاء حق متساو للجميع في حيازة الأراضي الزراعية، وتصفية الامتيازات الموجودة.

إن التكامل الإقليمي هو أحد المسلمات الرئيسية، التي يجب أن ينبني عليه المشروع الاقتصادي المتكامل لاستقلال نهر السنغال، وهو السبيل الوحيد لتناسي مشاكل العرقية ومسألة الحدود والسعي نحو اندماج وطني إقليمي متكامل، يهدف خدمة الطرفين ويقضي على المزايدات العرقية، والأساليب الانعزالية، التي لا تترك وراءها إلا مجتمعات متخلفة وهياكل زائفة وبؤر للصراع المتجدد، الذي يُعَدّ العدو الأساسي للتنمية.

إن روح التعاون يجب أن تسود من طريق وضع أساليب تصون وتحافظ على التواصل بين جانبي النهر، وتمنع العزلة، كي تتلاشى فكرة الحدود بالمفهوم الضيق، الذي خلفه الاستعمار الأوروبي على التراب الأفريقي.



[1] وتوافد على داكار ونواكشوط المبعوثون من مالي وغينيا والرأس الأخضر وجامبيا ونيجيريا وتوجو وغينيا بيساو وبنين والنيجر وبوركينا فاسو وزائير والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والكنغو. إضافة إلى الزيارة التي قام بها الرؤساء وكبار المسئولين، فضلاً عن تطرق بعضهم إلى جوانب الخلاف، وتقديم المقترحات بشأنها توافد إلى داكار ونواكشوط المبعوثون من مالي (قبْل اضطلاعها بالوساطة) وغينيا والرأس الأخضر وجامبيا ونيجيريا والتوجو والكويت وغينيا بيساو وبنين وبوركينا فاسو والنيجر وزائير والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والكونجو واتحاد المغرب العربي. كما تناولت المشكلة التصريحات والرسائل والبيانات، الصادرة عن أسبانيا والمغرب ومصر والمملكة العربية السعودية والنيجر والتوجو ومؤتمر القِمة الخامس، للجماعة الاقتصادية لأفريقيا الغربية، ومؤتمر القمة التاسع، للجنة المشتركة لدول الساحل، لمكافحة الجفاف. وزار العاصمتَين وزير خارجية فرنسا ورؤساء زائير وفلسطين (أواخر مايو 1989) ومبعوثون من مصر والمغرب. إضافة إلى مساعي رئيس التوجو (يوليه 1989). وتطرق إلى المشكلة، رؤساء بوركينا فاسو والكونجو وفلسطين، في المحادثات، التي أجروها في البلدَين (سبتمبر 1989). علاوة على زيارة الأمناء العامين لمنظمة الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة الوحدة الأفريقية. وبالمثل، كان النزاع السنغالي ـ الموريتاني موضوعاً للمباحثات، التي أجراها مساعد وزير الخارجية الأمريكي، في الدولتَين (أكتوبر 1989). وأولت مالي (مارس 1990) الموضوع اهتمامها، بمواصلة بذل المساعي السلمية، في إطار منظمة استغلال نهر السنغال. وكذلك كوناكري (مارس 1990). إضافة إلى أن النزاع، كان محور زيارة رئيسَي الرأس الأخضر ومالي إلى نواكشوط (يونيه 1990). فضلاً عن محاولت رئيسَي جامبيا وغينيا التقريب بين الطرفَين (مارس 1990) بتأييد من نيجيريا. وظلت فرنسا تؤيد، من بعيد، مساعي الوساطة الأفريقية، وتستقبل، في عاصمتها، اجتماعات وزراء الدولتَين ووزير الدولة المصري للشؤون الخارجية (المرة الأولى في فبراير 1990). وقد اجتمع وزير الخارجية الفرنسي بنظيرَيه، السنغالي والموريتاني، في أعقابها، ثم في يونيه 1990. وتردد في الأوساط الدبلوماسية، كذلك، بذل جهود من جانب المملكة العربية السعودية والكويت. وفي أواخر سبتمبر 1990، أعلن أن الجمعية المشتركة، لممثلي الجماعة الأوروبية، ودول أفريقيا والكاريبي والمحيط الهادي، المرتبطة بها، كلفت (ليوتنديمانس) بمساعي وساطة بين الدولتَين. علاوة على جهود منظمات غير حكومية، مثل رابطة العالم الإسلامي، والرابطة التونسية لحقوق الإنسان