إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراعات في دول حول النيل والتغلغل الأجنبي، وأثره على الأمن القومي






جنوب شرق آسيا
دول الخليج العربي



المبحث الأول

المبحث الثاني

الأهداف والمصالح العربية في منطقة حوض النيل

شهدت العلاقات العربية الأفريقية مراحل متباينة من القوة والضعف، غير أن الأفارقة والعرب يعيشون ظروفاً تحتم تفعيل العلاقات التعاونية بينهما، حيث إن الدول العربية والأفريقية تجابهان عدم عدالة التجارة العالمية، ومنع نقل التكنولوجيا وتوطينها في دولها، وضعف تدفق رأس المال لمعظم الدول الأفريقية والعربية. ولذلك فإن المصلحة العربية والمصلحة الأفريقية يجب أن تكون المدخل الحقيقي لكل جهد يُبذل من أجل خدمة المصالح المشتركة والحفاظ على أمنها ومستقبلها في وسط عالم لا يعترف إلا بالكيانات والتجمعات الكبرى والقوية.

انتشرت في أفريقيا والعالم العربي -رد فعل لظاهرة العولمة- موجة تشكيل التجمعات الاقتصادية والسياسية والإقليمية، فظهرت في أفريقيا الإيكواس، والسادك، والإيجاد، والكوميسا، وتجمع الساحل والصحراء، ثم قيام الاتحاد الأفريقي واعتماد برنامج نيباد. وفي المقابل ظهرت تجمعات عربية، ووقع عدد من الاتفاقيات الثنائية، كما بدأ تنفيذ منطقة التجارة العربية الحرة، عام 1998.

ورغم أن التعاون العربي - الأفريقي قد حقق بعض النجاحات، إلا أنه لم يرتق إلى المستوى المأمول، إذ كاد يقتصر على طلب التأييد السياسي في مقابل الدعم المالي، ولهذا فإن تطوير مسيرة التعاون الأفريقي - العربي تحتاج إلى إزالة المعوقات التي تعترض هذه المسيرة وإعادة دراسته وتخطيطه للوصول إلى مرحلة تعاون حقيقية قائمة على تشابك المصالح في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والسياسية والثقافية.

أولاً: تعزيز العلاقات العربية - الأفريقية

لا يمكن تعزيز العلاقات العربية والأفريقية وتطويرها لتحقيق التعاون في مختلف المجالات وتحقيق أهداف كلا الجانبين ومصالحهما، إلا في الآتي:

1. مفهوم المصالح المشتركة ومتطلباتها

يمكن أن تتبلور المصالح المشتركة بين دول حوض النيل والدول العربية في إطار منظومة من القواسم المشتركة التي تحقق لكلا الطرفين فوائد ومزايا، سواء على مستوى العلاقات البينية أو الخارجية، ولهذا يجب توافر مجموعة من الشروط والمتطلبات.

أ. الشروط والضوابط المختلفة للمصالح المشتركة

(1) تحقيق مبدأ المنفعة المشتركة للجميع وعدم الإضرار بالغير، ويجب أن يمتد هذا لجميع مجالات التعاون.

(2) وجود توازن بين ما يعود على كل طرف أو دولة على حدة من الفوائد الإجمالية، وبين ما تتحمله من أعباء لكي تقتنع بأنها تدفع ثمناً عادلاً لما يعود عليها من ثمار.

(3) أن يشمل التعاون المجالات كافة ولا يركز على مجالات بعينها، لتحقيق الغرض من التعاون أو التكامل.

(4) التأثير الإيجابي والمنافع الحقيقية للدول والشعوب، وخاصة للشعوب، حيث إن ذلك يؤدي إلى تمسكها وتأييدها لأطر التعاون.

ب. متطلبات العلاقات التعاونية والمصالح المشتركة

تمثل المصالح المشتركة جوهر العلاقات التعاونية، ولذلك عند الحاجة إلى تفعيل التعاون بين الدول العربية ودول حوض النيل، يجب توافر عدة متطلبات، هي:

(1) عقد اتفاقيات وإنشاء أنظمة قانونية وهياكل تنظيمية وقواعد إجرائية تمنح استقراراً واستدامة في العلاقات الساعية لتحقيق المصالح المشتركة.

(2) ضرورة إزالة كل المعوقات على حركة الأفراد والسلع والمنتجات بين الدول الأطراف وفقاً لنظم وقواعد محددة متفق عليها، تعود بالنفع على الطرفين، سواء من الجانب الأفريقي أو العربي.

(3) الاتفاق على وجود معاملة تفضيلية بين الأطراف تحقق الأولوية في التعامل بين الأطراف.

(4) وجود خطة عمل وجدول زمني وخطوات متدرجة متفق عليها لتحقيق المصالح المشتركة بين طرفي العلاقة الأفريقية - العربية.

2. الإطار المؤسسي للتعاون

تجسدت هذه الفكرة في انعقاد القمة العربية - الأفريقية الأولى، في القاهرة، في مارس 1977، بمشاركة كل القادة العرب والأفارقة الذين أصدروا إعلاناً وقرارات طموح ترمي إلى انطلاق تعاون عربي - أفريقي في شكل مؤسسي منظم، يهدف إلى تحقيق الاستفادة القصوى من طاقات وإمكانات الجانبين. وقد صدر عن تلك القمة أربع وثائق، شملت المجالات كافة، وأنشأت القمة أجهزة مشتركة لضمان تحقيق التعاون العربي - الأفريقي، هي:

أ. مؤتمر القمة الأفريقي العربي: ويضم ملوك ورؤساء الدول أعضاء جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي.

ب. مجلس الوزراء الأفريقي العربي: ويضم وزراء خارجية الدول، وتُعقد اجتماعاته كل ثمانية عشر شهراً.

ج. اللجنة الدائمة للتعاون الأفريقي العربي: وتضم 24 وزيراً، نصفهم من الجانب العربي والنصف الآخر من الجانب الأفريقي، بالإضافة إلى الأمينين العامين للمنظمتين، وتُعقد اجتماعاتها العادية مرتين في السنة، في مقر المنظمين بالتبادل.

ورغم أن قرارات مؤتمر القمة الأفريقية - العربية قد نصت على إنشاء محكمة أفريقية عربية خاصة، لتقديم التفسير القانوني للنصوص التي تحكم التعاون العربي الأفريقي، أو لفض أي نزاع يطرأ في مسيرة التعاون، إلا أنها لم تشكل حتى الآن.

إن حصيلة عمل تلك المؤسسات المشتركة للتعاون العربي - الأفريقي لا يُرضي المطامح المشتركة للشعوب العربية - الأفريقية، وأن تعثر عمل تلك المؤسسات، وبصفة خاصة اللجنة الدائمة للتعاون الأفريقي العربي التي تشكل محور التعاون، قد يُعزى إلى مستجدات وظروف متغيرة إقليمياً، وكذلك إلى بعض الأمور التنظيمية، بالإضافة إلى أن هناك افتقاراً واضحاً لكيفية تنفيذ توصياتها ووضعها موضع التطبيق العملي، وذلك إما لغياب الآليات الفاعلة، أو لضعف الإرادة السياسية.

إن توسيع أطر التعاون الأفريقي - العربي ومجالاته ومؤسساته يتطلب إشراك المجتمع المدني وغير الحكومي في مجالات العمل المشترك، الأمر الذي يدعو إلى إنشاء تجمعات وجمعيات مشتركة أفريقية - عربية في مجالات العمل كافة.

3. مجالات التعاون الأفريقي - العربي

أ. المجال الاقتصادي

أوصت اللجنة الدائمة للتعاون الأفريقي - العربي، في دورتها العاشرة التي عُقدت بالكويت، في يونيه 1989، بالموافقة على إنشاء مؤسسة عربية أفريقية للتمويل والاستثمار، حتى يمكن أن تشكل إطاراً للعمل الاقتصادي والنشاط الاستثماري في دول المجموعتين، ولم يتم تنفيذ هذه التوصية.

ناقشت اللجنة في دورتها العاشرة، اتفاقاً إطارياً لإنشاء منطقة التجارة التفضيلية، وأوصت بإحالته إلى لجنة الخبراء، وعُقد اجتماع لجنة الخبراء الذي ضم ممثلي الجانبين، في أبيدجان، في يوليه 1990، ولم يسفر عن توصيات محددة.

كشفت تجربة التعاون الاقتصادي الأفريقي العربي عن عدة حقائق يجب أخذها بعين الاعتبار:

(1) أهمية إعداد خريطة استثمارية أفريقية متكاملة، ويجري تحديثها باستمرار.

(2) الاعتماد على العقول والسواعد وبيوت الخبرة العربية - الأفريقية.

(3) ضرورة توافر إطار قانوني واضح والتزام سياسي من جانب الطرفين.

(4) أن التجمعات الاقتصادية يجب أن تلعب دوراً في تذليل العقبات.

(5) العمل على ربط الدول العربية والأفريقية براً وبحراً وجواً، وتطوير الموانئ وشبكات الطرق والسكك الحديدية، ودعم مبادرات القطاع الخاص في هذا الشأن.

(6) أن التعاون الأفريقي - العربي لا يتعارض مع الاستفادة من إمكانات التعاون المشترك العربي - الأفريقي مع أية دول أو مجموعات.

ب. المجال الثقافي والاجتماعي

(1) تمشياً مع مقررات القمة العربية - الأفريقية الأولى في دعم العلاقات الثقافية والاجتماعية، تمت الموافقة على مشروع النظام الأساس للمعهد الثقافي العربي - الأفريقي، وقد استكمل المعهد خطوات الإنشاء وعقد مجلسه التنفيذي ثلاث اجتماعات.

(2) يُعقد الاتحاد البرلماني العربي والاتحاد البرلماني الأفريقي اجتماعات دورية، بقصد تنسيق المواقف في الاتحاد البرلماني الدولي.

(3) ضرورة قيام مؤسسات تعليمية مشتركة، ودعم برامج ومناهج التدريب.

(4) ضرورة زيادة فرص التعليم الفني والتقني والعلمي المتبادل بين الدول العربية والأفريقية، والعمل على تقنين مجالات التعاون في البحث العلمي.

(5) ضرورة تفعيل دور الجاليات العربية في أفريقيا، والأفريقية في الدول العربية وتنشيط ذلك الدور وترشيده، بما يشجع التواصل والتلاقي الثقافي والفكري.

(6) ضرورة دراسة المؤثرات الخارجية على الثقافات العربية والأفريقية، والتأثيرات الإيجابية والسلبية الناتجة عنها.

(7) ضرورة التعاون في مجالات تنشيط التعاون لمكافحة الأمراض والوقاية منها، وخاصة مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، والملاريا، والدرن، وكذا تخفيض آثار الكوارث الطبيعية من مجاعة وجفاف وتصحر، وإنشاء آليات مشتركة للعمل.

ج. التعاون الأفريقي - العربي العام

(1) اتفق على إقامة بعثة دبلوماسية لجامعة الدول العربية في كينيا في نيروبي، تسهم في تفعيل العمل العربي وتنشيطه على الساحة الأفريقية. كما اتفق على افتتاح بعثة دبلوماسية لجامعة الدول العربية في جنوب أفريقيا في العاصمة بريتوريا.

(2) شارك وفد من الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في مؤتمر طوكيو الثالث لتنمية أفريقيا، الذي عُقد في طوكيو في الفترة من 29 سبتمبر – 1 أكتوبر 2003، بهدف دعم الإصلاح الاقتصادي في أفريقيا، وإثارة انتباه المجتمع الدولي تجاه القارة الأفريقية، والتوصل إلى اتفاق دولي حول أولويات التنمية في أفريقية.

(3) دعا الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى ثلاث اجتماعات تنسيقية للدول وصناديق الاستثمار والتمويل العربية، لدفع منظومة العمل العربي المشترك للعب دور بارز في تنمية جنوب السودان، وقد أعلن الصندوق عن استعداده للإسهام بمبلغ عشرة ملايين دولار لتكملة محطات تنقية المياه وبناء الجديد منها، وحفر آبار وبناء سدود صغيرة في الجنوب.

(4) أكد الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية أولويته لتمويل مشروع إعادة تأهيل النقل النهري بالسودان.

(5) أعلن الصندوق السعودي للتنمية الإسهام في تكاليف سد مروى بالسودان، بتكلفة بلغت 300 مليون دولار.

(6) تعهد صندوق أبو ظبي الوطني للتنمية بالنظر في تمويل مشروعات إعادة تأهيل السكك الحديدية في جنوب السودان.

(7) مساهمة الصناديق العربية في مشروع طريق السلام (يربط شمال السودان بجنوبه).

(8) التركيز على قضايا التنمية البشرية والتأهيل والتدريب الفني والإداري، وذلك بإنشاء مراكز التدريب المشتركة، ودعم المؤسسات التعليمية والجامعات.

(9) قام كل من الإيكواس والإيكاس بتعيين مستشارين اقتصاديين لبحث طبيعة التنمية في مجال الإنتاج الزراعي والتجاري ومستقبلها بين الإقليمين العربي والأفريقي.

4. مبادئ وآليات وبرامج التعاون العربي - الأفريقي

أ. تمثلت المبادئ التي يرتكز عليها التعاون بين الدول العربية والأفريقية في احترام سيادة جميع الدول وسلامة أراضيها واستقلالها السياسي، والمساواة بين جميع الدول، والسيادة الدائمة لجميع الأطراف على مواردها الطبيعية، ونبذ العدوان وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والحفاظ على المصالح المشتركة المتبادلة وتسوية النزاعات والخلافات بالطرق السلمية.

ب. حدد الإعلان وبرنامج العمل للتعاون العربي - الأفريقي آليات التعاون في أجهزته المشتركة، وهي:

(1) مؤتمرات القمة العربية - الأفريقية، وهو الجهاز الأعلى الذي يرسم التوجهات العامة.

(2) المجلس الوزاري العربي - الأفريقي، وهو أحد الأجهزة التنفيذية.

(3) اللجنة الدائمة، وهي تعني بتنفيذ ومتابعة قرارات القمم العربية الأفريقية والمجلس الوزاري، ثم الإشراف الكامل على التعاون في المجالات المختلفة.

(5) لجنة التنسيق، التي تتألف من رئيسي الجانبين العربي والأفريقي في اللجنة الدائمة، والأمينين العامين لجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي، ورؤساء ومقرري مجموعات العمل المختلفة، ومجوعات العمل، واللجان المختصة.

(6) المحكمة العربية الأفريقية.

ج. تمثلت برامج التعاون العربي - الأفريقي في ثلاثة برامج أساسية، هي:

(1) تنظيم المعرض التجاري العربي - الأفريقي.

(2) أسبوع رجال الأعمال العرب والأفارقة.

(3) المعهد الثقافي العربي - الأفريقي.  

 ويعُقد المعرض التجاري العربي - الأفريقي بانتظام كل عامين على أساس مبدأ التناوب، مرة بدولة عربية، والأخرى بدولة أفريقية. وقد أُقيم المعرض الأول بتونس، عام 1993، والثاني في جوهانسبرج، والثالث في الشارقة، والرابع في داكار، والخامس بلبنان، والسادس في تنزانيا.

أما أسبوع رجال الأعمال العرب والأفارقة، فقد كان تنظيمه بهدف السماح للقطاع الخاص بالإسهام في تعزيز العلاقات الاقتصادية العربية - الأفريقية. وقد أُقيم الأسبوع الأول في القاهرة، في مارس 1995، على هامش معرض القاهرة الدولي. وأُقيم الأسبوع الثاني في واجادوجو ببوركينا فاسو، على هامش المعرض الدولي للصناعات الحرفية

د. إلى جانب برامج التعاون السالفة الذكر، فقد طُرح مشروعان لإنشاء مؤسسة عربية أفريقية للتمويل والاستثمار، وإنشاء منطقة التجارة التفضيلية العربية الأفريقية، إلا أن المشروعين قد جُمدا ولم يدخل أي منهما حيز التنفيذ.

ه-. في المجالين الاقتصادي والتجاري، أسهم التعاون في دعم وتمويل مشروعات التنمية في مختلف أنحاء القارة، من خلال ما قدمته مؤسسات التمويل العربية العاملة في هذا المجال من قروض ميسرة ومعونات مالية وعون فني ومنح تدريبية، فقد بلغ إجمالي القروض التي قدمها المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا، منذ عام 1975 وحتى عام 2005، مبلغ 2.790.338 بليون دولار، خُصص منها مبلغ 2.706.100 بليون دولار لتمويل 379 مشروعاً إنمائياً. وقد حققت عمليات المصرف انتشاراً واسعاً في الدول الأفريقية المستفيدة، شملت 42 دولة أفريقية جنوب الصحراء، وعدداً من المنظمات الإقليمية، كما تزايد اهتمام المصرف بتوفير المعونة الفنية اللازمة للتنمية، سواء ما تعلق منها بدراسات الجدوى، أو إيفاد الخبراء. أما الصندوق العربي للمعونة الفنية للدول الأفريقية، فقد استطاع أن يقدم معونات فنية لأكثر من 40 دولة أفريقية، ما بين إرسال خبراء في مختلف التخصصات، وتقديم منح دراسية ودورات تدريبية، أسهمت في تكوين الكوادر الفنية لدى العديد من الدول الأفريقية.

و. أبدت جامعة الدول العربية اهتماماً كبيراً بموضوع (النيباد)، وكلفت القمة العربية المنعقدة بالجزائر، في مارس 2005، الأمانة العامة للجامعة بتكثيف الاتصالات مع سكرتارية النيباد، لدعم سبل مشاركة الدول العربية في تنفيذ برامج النيباد وتطوير مجالات التعاون والاستثمار، بما يحقق المصالح المشتركة للجانبين.

ز. في ضوء مواجهة العديد من الدول الأفريقية لبعض الكوارث الطبيعية، قامت منظمات العمل العربي المشترك ذات الصلة بتقديم المعونة الفنية العاجلة لصالح سكان بعض المناطق التي تواجه كارثة الجفاف والتصحر، وكانت من أهم هذه الدول إثيوبيا، وقد بادرت العديد من الدول العربية، مثل مصر وليبيا والمملكة العربية السعودية والكويت بتقديم المعونات والمساعدات للمناطق المضارة من الكوارث الطبيعية.

ثانياً: دور دول الخليج العربي في حوض النيل

تُعد قضيتا الأمن الغذائي والأمن المائي من أبرز المشكلات التي تواجه دول الخليج العربي، وذلك في ظل التغيرات المناخية الناجمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري. ولا شك أن هذه التغيرات سيكون لها آثاراً سالبة على توافر المياه في دول الخليج العربي، التي تواجه في الأصل ندرة في المياه، وتعتمد على المياه الجوفية غير المتجددة، والتي تعاني تدنياً واضحاً في معدلات استخراجها، نتيجة قلة الأمطار المغذية للخزانات الجوفية.

1. التوجه الخليجي لدول حوض النيل لتأمين الغذاء

في ظل ندرة المياه في الخليج، وارتفاع الأسعار العالمية للحبوب، منذ عام 2008، أصبح توجه دول الخليج نحو الأراضي الزراعية في البلدان النائية هدفاً إستراتيجياً لدول إنتاج الطاقة، لامتلاكها احتياطيات نقدية كبيرة، ومعدلات نمو عالية، في حين لا تمتلك مساحات زراعية كافية، وهي ذات إمكانات مائية محدودة.

ففي دراسة بعنوان "دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2020"، أكدت الدراسة أن دول مجلس التعاون الخليجي ستواجه مخاطر حقيقية تمس أمنها المائي والغذائي، نتيجة نقص إمدادات المياه والغذاء خلال تلك السنوات القادمة.

ولقد أدركت دول الخليج العربي أنه لتحقيق الأمن الغذائي فلا بد أن تتجه إلى التنمية الزراعية، وذلك في ظل تزايد عدد السكان ومحدودية الموارد الطبيعية، ما يؤدي إلى زيادة الفجوة الغذائية التي من شأنها أن تخلق تبعية اقتصادية وسياسية للدول الغربية، وهو ما جعل الخيار الإستراتيجي للخليج هو تحقيق تنمية زراعية بشراء الأراضي أو تأجيرها أو توجيه الاستثمارات نحو دول حوض النيل (اُنظر خريطة دول الخليج العربي).

فبادرت المملكة العربية السعودية بإعلان أنها على استعداد لشراء المياه من أية دولة بها فائض مائي، وترغب في بيع هذا الفائض أو استثماره، وتعدى هذا الأمر إلى شراء الأراضي أو تأجيرها، لاسيما في القارة الأفريقية، مع توجه السياسات الأفريقية نحو الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية.

ولما كانت منطقة حوض النيل تمثل الامتداد الجغرافي لمنطقة الخليج العربي، بالإضافة إلى ثروات مائية وزراعية ضخمة، وعلى الجانب الآخر تتوافر في الخليج الموارد المالية، فقد ارتأت دول الخليج إمكان إقامة نظام اقتصادي إقليمي من الجانبين، يقوم على الشراكة، مع الأخذ في الاعتبار الصلات الاعتبارات الجغرافية والتاريخية والحضارية التي تجمع الإقليمين، ما يزيد من فرص نجاح أية مشروعات وتنفيذ أية خطط تكاملية في المستقبل.

ولهذا رأت دول الخليج أن تدفع مواطنيها وشركاتها للاستثمار الزراعي صوب دول حوض النيل، وعقد اتفاقيات شراكة مع عدد من التجمعات الاقتصادية الأفريقية، مثل الكوميسا التي تضم 19 دولة أفريقية في شرق وجنوب القارة، ومنها دول حوض النيل. وتداعت إلى عقد مؤتمر الاستثمار الخليجي الأفريقي الأول بالرياض، في أبريل 2010، بمشاركة سبع دول أفريقية منها تنزانيا، وكينيا، والكونغو الديموقراطية، وهي دول نيلية. وقد شارك في هذا المؤتمر من الجانب الخليجي أمين عام مجلس التعاون الخليجي، ووزير الخارجية السعودي.

نظمت غرفة تجارة وصناعة الشارقة، في فبراير 2009، لقاءات في كل من كينيا وإثيوبيا، وهما دولتان نيليتان، بهدف تطوير العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، وأهمها المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، والبدء في مشاريع ومبادرات بين رجال الأعمال والهيئات الاقتصادية بين البلدين، وتشجيع التبادل التجاري على نطاق واسع، وكذا في المجال الزراعي.

وحظت السودان باهتمام خليجي كبير، حيث بادر عدد كبير من رجال الأعمال الخليجيين إلى شراء مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية موزعة على معظم ولايات السودان. حيث يمتلك السودان حوالي 48% من جملة الأراضي الزراعية في الوطن العربي، أي نحو 90 مليون هكتار.

وتوجهت الاستثمارات السعودية الزراعية في السودان لنحو 250 ألف فدان في ولاية نهر النيل، وشمال السودان. وقد تمكنت مجموعة حائل للتنمية الزراعية السعودية من استغلال نحو 10 آلاف هكتار من الأراضي الزراعية السودانية المطلة على نهر النيل، ودفعت مقابل ذلك للحكومة السودانية ما يزيد عن 99 مليون دولار.

وتُعد الاستثمارات الزراعية الإماراتية هي الأكبر بين دول الخليج العربي في السودان، حيث تُقام على مساحة كبيرة تقارب المليون فدان في عدة ولايات، أهمها مشروع زايد الخير على مساحة 40 ألف فدان في ولاية الجزيرة. كما أن شركة الروابي الإماراتية تعمل أيضاً في شمال السودان بالتعاون مع الهيئة العربية للاستثمار الزراعي، وتتمتع الإمارات العربية عامة بعلاقات اقتصادية قوية مع السودان، حيث وصل حجم التبادل التجاري الثنائي إلى نحو 30 مليار درهم خلال عام 2008، أي بزيادة 39% مقارنة بعام 2007، و120% مقارنة بعام 2006.

كما قامت حكومة قطر بتأسيس مشروع مشترك مع الحكومة السودانية لإنتاج القمح والذرة والحبوب الزيتية. كما وقع مستثمرون كويتيون من القطاع الخاص اتفاقاً مع حكومة السودان لاستزراع نحو 40 ألف فدان في ولاية النيل الأبيض.

وفي إثيوبيا يقوم عدد من رجال الأعمال السعوديون بالاستثمار في الأراضي الزراعية بمساحات كبيرة تقارب عشرة ملايين فدان.

وفي دلتا نهر تانا بكينيا، تمكنت مؤسسة قطرية  من الحصول على 140 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، من خلال صفقة وُقعت عام 2008، حيث تتمكن قطر بموجبها من حق استغلال هذه الأراضي، بينما تحصل كينيا على تمويل قطري لاستكمال منشآت بحرية.

2. تأثير الوجود الخليجي على أزمة مياه حوض النيل

أ. إن تنامي الاستثمارات الخليجية في دول حوض النيل سوف  يؤثر بالقطع على الأزمة الحالية بين مصر والسودان ودول المنابع، لا سيما بعد توقيع دول المنابع اتفاقاً إطارياً منفرداً لتقاسم مياه النهر بين دول الحوض، في مايو 2010، من دون دولتي المصب مصر والسودان.

ب. يمكن اعتبار الدول الخليجية واستثماراتها في دول الحوض طرفاً مؤثراً وله تأثيراته المقصودة أو غير المقصودة في نمط التفاعلات، سواء كانت تعاونية أو صراعية داخل النظام الإقليمي لحوض النيل.

ج. إن الموقف الإثيوبي الخاص بافتتاح سد تانا بيلز بعد أيام قليلة من توقيع الاتفاقية الإطارية المثيرة للجدل والمرفوضة سودانياً ومصرياً، واعتزامها إنشاء أكثر من 70 سداً بقدرات تخزين مختلفة، بالإضافة إلى توليد الكهرباء، إنما يأتي في إطار عزم إثيوبيا تخزين كميات كبيرة من المياه وتوليد طاقة كهربائية كافية لتحقيق المطامح الإثيوبية في جذب الاستثمارات العربية والخليجية بصفة خاصة، وجذب كثير من المستثمرين الزراعيين، سواء لشراء الأراضي الزراعية أو تأجيرها، لتحقيق المطامح الإثيوبية التنموية، أسوة بباقي دول الجوار التي حصلت على مزيد من الأموال العربية نتيجة الاستثمارات والمشروعات المشتركة الزراعية.