إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراعات في دول حول النيل والتغلغل الأجنبي، وأثره على الأمن القومي






جنوب شرق آسيا
دول الخليج العربي



المبحث الأول

المبحث الثالث

الصراعات في دول الحوض الشرقي

كان الحوض الشرقي هو الأقل عدداً من حيث في الدول المتشاطئة فيه، فكان يقتصر على إثيوبيا والسودان ومصر، وبعد استقلال إريتريا في أبريل 1993، أصبحت إحدى دول الحوض رغم عدم اشتراكها في زيادة مياهه، بل هي مستقبلة للمياه من أحد روافد الهضبة الإثيوبية. ونفس الحال بالنسبة لجنوب السودان، حيث إنها بعد انفصال الجنوب ونشوء الدولة الوليدة في جنوب السودان، أصبحت إحدى دول الحوض، حيث إنها تتشارك مع باقي دول الحوض، حيث يمر بأراضيها نهر السوباط وهو أحد الروافد الرئيسة لنهر النيل. وعلى هذا أصبح هذا الحوض يحتوي على الدول التالية: إثيوبيا، وإريتريا، وجنوب السودان، والسودان، ومصر.

ويمتاز هذا الحوض بقلة النزاعات فيه عن الحوض الجنوبي، لقلة عدد دوله، إلا أن أهم النزاعات هي النزاعات الحدودية بين إثيوبيا وإريتريا، ثم النزاع المائي بين كل من إثيوبيا والسودان ومصر لاعتراض إثيوبيا على الحقوق التاريخية المائية المصرية ـ السودانية، وتزعمها هذا الموقف على مستوى حوض النيل كله، سواء منفردة أو مع كل من أوغندا وكينيا.

ولا يمكن إنكار أن إثيوبيا تمثل ثقلاً إقليمياً في شرق أفريقيا، وكان لها دور إقليمي قوي، إلا أنه بعد أن أصبحت دولة حبيسة نتيجة استقلال إريتريا وجيبوتي، تناقص هذا الدور، وتعمل جاهدة على استعادته.

أولاً: الصراع الإثيوبي ـ الإريتري

خاضت إثيوبيا وإريتريا صراعاً حدودياً، استمر من عام 1998 إلى عام 2000، حيث تنازع الطرفان على أرض قليلة الموارد لا تتجاوز مساحتها 400 كم2. إن أهم أسباب الصراع هو أن إثيوبيا أصبحت دولة حبيسة لا توجد لها منافذ بحرية إلا من طريق إريتريا وجيبوتي، بالإضافة إلى اتخاذ إريتريا إجراءات لتقييم عملتها بالدولار في تعاملها مع إثيوبيا بدلاً من "البر"، ويأتي هذا في ظل تزايد حدة المجاعة والفقر في إثيوبيا.

1. جهود التسوية

أ. نجحت الجهود الإقليمية والدولية، بعد عامين من الصراع، في إقناع كل من إثيوبيا وإريتريا على توقيع اتفاق بينهما، في يونيه 2000، في الجزائر .

ب. في يوليه 2000، كون مجلس الأمن بعثة لإيجاد آلية لوقف إطلاق النار. وفي سبتمبر من العام نفسه، نشر المجلس 4200 جندياً لمراقبة وقف إطلاق النار ومتابعة التعهدات.

ج. في ديسمبر 2000، وقعت الدولتان اتفاقاً للسلام الشامل بالجزائر، وتعهدت فيه الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بمساندة الدولتين.

د. تشكلت لجنة لترسيم الحدود بين الدولتين التي تبلغ ألف كم، وتحددت فترة ستة أشهر لإنجاز العملية، على أن يتم الترسيم وفقاً للقانون الدولي والمعاهدات الحدودية التي وُقعت خلال الحقبة الاستعمارية.

هـ. في عام 2002، قررت اللجنة أن مدينة بادمي المتنازع عليها تابعة للأراضي الإريترية، وقوُبل هذا القرار بالرفض من الجانب الإثيوبي، وتصاعدت الأحداث جراء ذلك.

و. تجدد الصراع إثر اندلاع قتال عنيف براً وجواً في منطقة بادمي بالجبهة الغربية، وقام مجلس الأمن بدعوة الدولتين إلى إجراء المفاوضات لحل النزاع.

2. مواقف الدولتين

أ. الموقف الإريتري

رغم أن حكم اللجنة الخاصة بترسيم الحدود جاء في صالح إريتريا، حيث أقرت أن مدينة بادمي التي بدأت فيها الحرب تتبع إريتريا، إلا أنها اتخذت موقفاً متشدداً حيال أطقم العمل الخاصة بالأمم المتحدة. حيث ذكرت الأمم المتحدة أن طاقمها يتعرض للاعتقال غير القانوني، ومن المعلوم أن هذه الأطقم تقوم بدوريات على طول الحدود المشتركة بين إريتريا وإثيوبيا، البالغ طولها ألف كم.

وفي المقابل تتهم إريتريا قوات الأمم المتحدة الخاصة بحفظ السلام بجرائم خطيرة، مثل الاعتداء الجنسي على الأطفال، بل وذكرت أيضاً أن الأمم المتحدة تعمل على زعزعة الاستقرار بالمنطقة. وقد أعربت الأمم المتحدة عن صدمتها من هذه الاتهامات، واتهمت إريتريا أنها جعلت مهمتها مستحيلة باعتقالها العاملين الدوليين، وتقييد حركة السيارات وطيران الطائرات العمودية.

كما انتقدت كل من إثيوبيا والسودان إريتريا لزعزعة الاستقرار في المنطقة (الحوض الشرقي للنيل)، حيث اتهمتا إريتريا بالقيام بأعمال من شأنها تهديد الأمن بالمنطقة، وعلى سبيل المثال فقد اتهم الرئيس السوداني إريتريا بتقديم أسلحة وتدريب المتمردين في إقليم دارفور.

ب. الموقف الإثيوبي

قابلت إثيوبيا حكم اللجنة بالرفض، وخاصة للنتائج التي توصلت إليها لجنة الحدود، ومنها سيادة إريتريا على مدينة بادمي، ولذلك تقدمت بطلب إلى مجلس الأمن لتشكيل لجنة جديدة تفصل في النزاع، وهو ما قوبل بالرفض. وقد ترك النزاع الإثيوبي ـ الإريتري آثاراً سالبة على طرفي الصراع، ونخص بالذكر الجانب الإثيوبي، الذي تعرض لتجميد المعونات الأجنبية، حيث اتخذت الدول المانحة موقفاً عقابياً موحداً تجاه إثيوبيا لرفضها محاولات التسوية.

وروجت بعض وسائل الإعلام الإثيوبية أن اتجاهات حل النزاع يمكن أن تتحقق بحصول إثيوبيا على منفذ على البحر الأحمر، حيث إنها أصبحت دولة حبيسة بعد استقلال إريتريا، وأنه يمكن إجراء التبادل بينهما، بحيث يتبادلان بادمي مقابل زالامبسا، وبذلك تحصل إثيوبيا على منفذ على البحر الأحمر (اُنظر خريطة إثيوبيا).

كما ذكر رئيس الوزراء "ميليس زيناوي" (قبل وفاته)، أنه ملتزم بالتوصل إلى تسوية سلمية لأسوا نزاع حدودي بين الدولتين.

3. تطور الصراع الإثيوبي - الإريتري

أ. في فبراير 2005، دعت لجنة الحدود الطرفين إلى اجتماع في لندن لمناقشة مسألة ترسيم الحدود بين البلدين، ووافقت إريتريا على الحضور بينما رفضت إثيوبيا.

ب. في مارس 2005، قدم الأمين العام للأمم المتحدة تقريراً لمجلس الأمن، أشار فيه إلى أن إثيوبيا تحشد قواتها، ووصفت هذا بأنه عملية إعادة تنظيم للأوضاع، بينما ارتأت فيه إريتريا عملاً استفزازياً، وطالب المجلس الطرفان الالتزام بعملية السلام والتنفيذ الكامل لاتفاق السلام الموقع في الجزائر عام 2000.

ج. في سبتمبر 2005، صدر قرار مجلس الأمن، الرقم 1622، والذي نص على تمديد بعثة الأمم المتحدة في إثيوبيا وإريتريا حتى 15 مارس 2006. ولكن إريتريا في أكتوبر 2005، قررت فرض حظر على طيران الطائرات العمودية التابعة لبعثة الأمم المتحدة في المنطقة العازلة بينها وبين إثيوبيا، وهددت بالعودة للحرب إذا استمر الرفض الإثيوبي لترسيم الحدود. ونتيجة لذلك قامت إثيوبيا بزيادة قواتها العسكرية بالمنطقة، وتصعيداً للموقف طلبت إريتريا من الأمم المتحدة أن يغادر البلاد، في خلال عشرة أيام، موظفو الأمم المتحدة من جنسيات الولايات المتحدة وأوروبا وكندا وروسيا. ولم تبد إريتريا أية أسباب لهذا القرار.

د. أصدر مجلس الأمن، في 14 ديسمبر 2005، بياناً أدان بشدة التصرف الإريتري، كما وافق المجلس على القيام بإعادة نشر بعض موظفي البعثة من إريتريا إلى إثيوبيا، ويبلغ عددهم 77 موظفاً مدنياً، و61 من أفرادها العسكريين، حفاظاً على سلامتهم.

مما سبق يمكن القول أن المسؤولية عن استمرار جمود الموقف واستمرار التوتر في العلاقات بين البلدين تقع على الطرفين، لتعنت كل منهما في مواقفها، كما تقع أيضاً على مجلس الأمن الذي مازال عاجزاً عن إصدار قرار حاسم بشأن الصراع.

4. الدور الإقليمي في الحوض الشرقي (اُنظر خريطة الهضبة الإثيوبية)

أ. تُعد إثيوبيا دولة رئيسة في القرن الأفريقي وشرق أفريقيا، وكانت قبل استقلال إريتريا تتحكم في الجزء الجنوبي من البحر الأحمر وباب المندب، وكانت تشرف على الامتداد البحري لكل من المملكة العربية السعودية واليمن. إلا أنه باستقلال إريتريا عام 1993، أصبحت دولة حبيسة.

ب. أثر الموقف الجديد على التوجهات الإقليمية الإثيوبية، حيث سعت إلى دعم العلاقات مع دول الجوار الإقليمي للتغلب على وضعها، دولة حبيسة، بالإضافة إلى محاولة حصار الدور الإريتري في المنطقة.

ج. لعل الوضع الجيوبولتيكي والقدرات والخصائص العرقية والتغيرات المصاحبة لتغير النظام الدولي، وتنامي الدور الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة، هو المؤثر الرئيس على رسم ملامح الدور الإثيوبي الحالي في منطقة القرن الأفريقي وحوض النيل.

د. منذ استقلال إريتريا سعت إثيوبيا إلى احتواء الدور الإقليمي الإريتري، الذي انعكس على العلاقة بين الدولتين، حيث أخذت دورات متعاقبة من التعاون والصراع، الذي تفاقم إلى صراع مسلح عندما اندلع النزاع الحدودي بين الجانبين، منذ عام 1998. وعلى ضوء هذا النزاع وما أسفر عنه من تداعيات، اتجهت إثيوبيا إلى التحالف مع السودان واليمن في مواجهة إريتريا، فيما عُرف بـ"تحالف صنعاء"، الذي عُقدت أول قمة له في صنعاء، في أكتوبر 2002، ثم قمته الثانية في الخرطوم، ثم قمته الثالثة في أديس أبابا في ديسمبر 2003، وكانت إثيوبيا الساعية لهذا التحالف، وكانت تهدف إلى:

(1) تشكيل تكتل إقليمي موالٍ لها في مواجهة إريتريا.

(2) الحصول على الدعم الأمريكي في ظل زيادة اهتمامها بالمنطقة وتشكيل منطقة القرن الأفريقي الكبير، وإمكان قيامها بتفعيل الدور الأمريكي بالوكالة.

(3) محاولة إثيوبيا استعادة دورها الإقليمي المتناقص، الذي تراجع لحساب بعض القوى الإقليمية الصاعدة في شرق أفريقيا، مثل كينيا وتنزانيا.

ثانياً: الصراع المائي الإثيوبي في مواجهة مصر والسودان

سعت إثيوبيا إلى استخدام المياه ورقة ضاغطة على كل من مصر والسودان، حيث إن المنابع الإثيوبية هي المغذية لنهر النيل بنسبة 84% من مياه النهر. وتسعى إثيوبيا لتحقيق مكاسب، أهمها إعادة توزيع المياه بين دول الحوض، حيث إنها تعارض اتفاقية عام 1929، واتفاقية عام 1959 على وجه الخصوص. كما ترغب إثيوبيا في الحصول على التمويل اللازم لبناء سدود للتغلب على مشكلة تخزين المياه.

وكانت مصر والسودان، بوصفهما وحدة واحدة تشكلان دولة المصب، أكثر دول حوض النيل تأثراً بالممارسات الإثيوبية، ويُلاحظ أن معظم المحاولات الأجنبية التي تهدد الأمن المائي المصري والسوداني، تنبع من محاولة تأثيرها على إثيوبيا لتهديد المصالح المائية، نظراً لأهمية المنابع الإثيوبية في تكوين مياه نهر النيل، سواء من حيث الكمية أو الاستدامة.

وقد سبق لإثيوبيا إثارة المسألة المائية في مناسبات عديدة فيما يتعلق بإعادة توزيع مياه النيل بين دول الحوض، حيث صدرت تصريحات عديدة من المسؤولين الإثيوبيين يطالبون فيها بتطبيق مبدأ (الإنصاف) وإعادة النظر في اتفاقية عام 1929، ويُعلنون رفضهم قبول الاتفاقية المصرية ـ السودانية الخاصة بالانتفاع بمياه النيل لعام 1959. كما نجحت إثيوبيا في تكوين جبهة مؤيدة لها تضم كينيا وأوغندا وتنزانيا وإريتريا، ترفض جميعاً نظرية "الحقوق التاريخية"، التي تضمنتها اتفاقية عام 1929 الخاصة بعدم التدخل في تدفق مياه النيل بما يلحق الضرر بمصر دون موافقتها (الإخطار المسبق). كما كانت إثيوبيا تؤكد دوماً رفضها لأية فكرة مصرية لإقامة تجمع يضم دول حوض النيل، انطلاقاً من أن هذا التجمع يخدم المصالح المصرية.

وقد دأبت إثيوبيا على تسريب أنباء عن تعاونها مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لبناء مجموعة من السدود، بالإضافة إلى مشروعات أخرى خاصة بالمياه والري، بتمويل من البنك الدولي. ويُلاحظ أن هذه التسريبات تأتي في توقيتات التوتر مع مصر أو السودان، بما يعني أنها تمثل أوراق ضغط على صانعي القرار المصري ـ السوداني.

ويُلاحظ أنه وردت تحولات محورية على الموقف الإثيوبي في المسألة المائية من الصراع إلى التعاون، وخاصة مع مصر. ومن أبرز مؤشرات التحول هو مشاركة إثيوبيا بصفة مراقب في مشروع التكونيل (1993 – 1998)، وتوقيعها على اتفاقية مبادرة حوض النيل بعد أن كانت دائمة الرفض لهذا التعاون، بل كانت تستقطب دول أعالي النيل لإقامة تكتل لهذه الدول ضد مصر. كما حرصت إثيوبيا على نفيها لأي دور للمطالبة بإلغاء اتفاقيتي عام 1929 و1959، أو وقف العمل بهما كما نفت أيضاً أي تنسيق لها مع إسرائيل ضد مصر. كما أكدت الحرص الإثيوبي على التعاون المائي مع مصر ورغبتها في القيام بمشروعات مشتركة.

1. السياسات المائية الإثيوبية كمحدد للصراع

يخترق الأراضي الإثيوبية 14 حوضاً مائياً، وتقدر الموارد الإثيوبية المائية بنحو 110 مليار م3، بخلاف 20 مليار م3 من المياه الجوفية. أما الحاجات المائية الإثيوبية فتقدر بنحو سبعة مليارات م3، تُستخدم في توليد الطاقة الكهربائية، ثم بنسبة قليلة جداً في الزراعة. وبمقارنة الموارد الإثيوبية بحاجاتها المائية، نجد أن إثيوبيا لا تعاني في الوقت الراهن من مشكلات مائية حقيقية، بل إنه يمكنها باستخدام مواردها المائية الداخلية لزراعة أكثر من 25 مليون فدان بمحصولين سنوياً.

وتكمن المشكلة الإثيوبية في أن الاتفاقيات التاريخية تلزم إثيوبيا بالامتناع عن إقامة أية مشروعات في أعالي النيل تؤثر بالنقصان على تدفق المياه نحو المصب إلا بموافقة مصر، وهو ما أسهم في مناخ التوتر الذي شاب العلاقات المائية بين الجانبين، وخاصة في أوقات الفيضانات المدمرة ونوبات الجفاف التي تجتاح إثيوبيا من وقت لآخر.

وبالنسبة للسياسة المائية لإثيوبيا، فقد طورت الدولة عدداً من الأطر، وبخاصة سياسة إدارة الموارد المائية. انطلاقاً مما سبق، وضعت إثيوبيا سياسة إستراتيجية للإدارة المائية ترمي إلى تحقيق الآتي:

أ. تحسين المستوى المعيشي والاقتصادي للشعب الإثيوبي.

ب. الاكتفاء الذاتي من الغذاء.

ج. توسيع إمدادات المياه والصرف الصحي.

د. توليد الطاقة الكهرومائية ومضاعفتها.

هـ. تعزيز إسهام الموارد المائية في تحقيق أولويات التنمية.

و. الإدارة المتكاملة لموارد المياه.

ولتحقيق ذلك اتجهت إثيوبيا إلى التوسع في الاعتماد على مياه النهر لتنفيذ الخطط التنموية، وهو ما يستلزم إقامة مشروعات لتنمية الموارد المائية اعتماداً على رؤوس الأموال المقدمة من الدول والجهات المانحة.

إن هذه التوجهات من وجهة النظر الإثيوبية تصطدم بالاتفاقيات التي تلزمها بالإخطار المسبق، أو ضرورة موافقة مصر والسودان على مشروعاتها، ما عدته انتقاصاً من سيادتها، ومن ثم تحولت المواقف التعاونية السابقة إلى مواقف صراعية، اضطرت إثيوبيا لتأييد مواقفها ضد كل من مصر والسودان، بخلق تكتلات مع باقي دول أعالي النيل صاحبة المصلحة.

ومما هو جدير بالذكر أن آثار مشاريع التنمية في حوض النيل الشرقي على مصر تبلغ عدة أضعاف آثار مشروعات الهضبة الاستوائية، وأن الحاجات المائية لمشاريع التنمية في الحوض الشرقي الذي يضم إثيوبيا والسودان ومصر، تبلغ أضعاف الحاجات المائية لمشاريع الهضبة الاستوائية.

إن معظم السدود المقترحة في إثيوبيا ذات سعات تخزينية كبيرة، ولذلك فإن الوضع المائي المصري الحرج والتأثير الكبير المتوقع عليها من مشاريع التنمية في حوض النيل الشرقي، هما اللذان أديا إلى هذه الحساسية القائمة بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى، بالرغم من القواسم المشتركة التي تجمع بين مصر وإثيوبيا، فكليهما وزنها الإقليمي والدولي والتعداد السكاني المتقارب.

إن توقيع إثيوبيا ضمن الدول الست توقيعاً منفرداً، إنما يأتي في إطار إدارة الصراع وليس في إطار التعاون، وقد لخص ذلك وزير الري المصري "د. محمد نصر الدين علام"، عند وصفه لما دار باجتمـاع أديـس أبابا، في 4 يونيه 2010، حيث ذكر "وجهت الدعوة لدول حوض النيل للاجتماع للمجلس الوزاري، في 26–27 يونيه، وكان جدول الأعمال يشمل الأعمال الاعتيادية، ولم يكن هناك توقيعاً منفرداً على الاتفاقية الإطارية أو انقساماً بين دول الحوض".

واتفق وزيرا الري المصري والسوداني على التركيز في الاجتماعات القادمة على تداعيات التوقيع المنفرد لدول المنابع الخمس على الاتفاقية الإطارية، وطلب الوزير السوداني من الجانب الإثيوبي تأجيل الاجتماع لمدة شهر، لانشغال السودان في الانتخابات، ورفض الجانب الإثيوبي التأجيل، واقترح عقد اجتماع استثنائي للمجلس الوزاري في تاريخ لاحق لمناقشة الاتفاقية الإطارية.

وعقد الاجتماع في الموعد المحدد، بحضور وزيري الري المصري والسوداني، وعرضت الموضوعات العادية، واعترضا على ذلك، وطالبا أولاً مناقشة التداعيات المترتبة على التوقيع المنفرد، ولم يوافق أعضاء دول المنابع على هذا الطلب، فرفضت مصر والسودان الميزانية والخطة السنوية (جدول الأعمال العادي)، واعترضتا على جدول الأعمال.

وكان الاتفاق على عقد اجتماع استثنائي، بناءً على طلب مصر والسودان، لدراسة التداعيات القانونية لتوقيع خمس دول على الاتفاقية الإطارية في نيروبي بكينيا. ونتيجة لتفتت مواقف دول المنابع، ومحاولة فرض سياسة الأمر الواقع وبناؤها تكتلاً في مواجهة المصالح المصرية السودانية المقبولة، ومحاولتها فرض صياغة محددة لمحضر الاجتماع المنعقد في أديس أبابا، ومحاولة إثيوبيا وباقي دول المنابع الموقعة فرض الأمر الواقع. أعلنت مصر والسودان تعليق المشاركة وتجميدها في أنشطة المبادرة كافة، حتى يجري مناقشة التداعيات القانونية والمؤسسية لتوقيع خمس دول على الاتفاقية الإطارية، والاتفاق على خريطة طريق للتحرك قدماً.