إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراعات في دول حول النيل والتغلغل الأجنبي، وأثره على الأمن القومي






جنوب شرق آسيا
دول الخليج العربي



المبحث الأول

المبحث الخامس

التغلغل الأمريكي الأوروبي في دول حوض النيل

لا يمكن قصر بحث التغلغل الأمريكي الأوروبي ودراسته في دول حوض النيل فقط، دون بحث هذا التغلغل ودراسته في القارة الأفريقية بصفة عامة، حيث إن هذا التغلغل هو بالقطع إن لم يكن موجوداً في دول حوض النيل بكثافة مناسبة، إلا أنه يؤثر سلباً على دول الحوض، باعتبار الدول الأفريقية وحدة واحدة يتأثر بعضها ببعض سلباً أو إيجاباً.

أولاً: التغلغل الأمريكي

بدأت أفريقيا خلال عام 2003، في توظيف الاهتمام الأمريكي بالقارة واستثماره، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وزيارة الرئيس الأمريكي "جورج بوش" الابن إلى خمس دول أفريقية، في يوليه 2003. وقد تجلى هذا في حل الأزمات بين الفرقاء في مجموعة من الدول الأفريقية، منها دول البحيرات العظمى والسودان، وتزامن هذا الاهتمام الأمريكي مع تزايد الحديث عن تبني واشنطن إستراتيجية جديدة ركيزتها التوسع الخارجي في عدة مناطق من العالم، لتحقيق المفهوم الجديد للأمن القومي الأمريكي بمضامينه وأبعاده وإستراتيجياته. وقد علقت صقور الإدارة الأمريكية على هذه الإستراتيجية بشعار "الحرب على الإرهاب". وتتبنى هذه الإستراتيجية في القارة الأفريقية لأسباب عديدة، منها:

1. امتلاك القارة ممرات حيوية للتجارة الدولية، ومنافذ وموانئ بحرية مهمة على المحيطين الهندي والأطلسي، ما يجعلها منطقة لتوسيع الانتشار العسكري عبر العالم.

2. امتلاك القارة لإمكانات نفطية، تبلغ الاحتياطيات النفطية فيها حوالي 80 مليار برميل، أي بنسبة 8% من الاحتياطي العالمي للخام، واستناداً لهذه القدرات النفطية، سترفع الولايات المتحدة الأمريكية وارداتها النفطية من أفريقيا، من 16% إلى 25% بحلول عام 2015، وإكمال سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على مخزون النفط الأفريقي.

3. تأتي تحركات واشنطن في أعقاب نجاحها في توطيد العلاقات وتوطيد وجودها العسكري في القرن الأفريقي، بعد زيارة وزير دفاعها السابق "رمسفيلد" لكل من إريتريا وإثيوبيا، وهما من دول حوض النيل، وكذلك جيبوتي، عام 2003، حيث وافقت الدول الأفريقية الثلاث على السماح للطائرات الأمريكية بالتحليق فوق أراضيها، وتقديم معلومات عسكرية، والسماح للبحرية الأمريكية بحرية الحركة، لضمان أمن البحر الأحمر والقرن الأفريقي.

ولعل من أبرز تحركاتها في منطقة حوض النيل، ما جاء لحل الصراعات المعقدة في مناطق إنتاج النفط، مثل التوسط لاتفاق تقاسم السلطة في الكونغو الديموقراطية، في يونيه 2003، وكذلك تدعيم محادثات مفاوضات السلام في السودان، خلال عام 2003، الذي بدأ من خلال زيارة وزير خارجية أمريكا الأسبق "كولن باول" لكينيا، في أكتوبر 2003، لحث المفاوضين وتأييدها لاتفاق السلام في بوروندي، في نوفمبر 2003.

4. زيارة الرئيس الأمريكي "بوش"، في 7 يوليه 2003، خمس دول أفريقية، منها أوغندا، وهي تشبه زيارة "كلينتون" في مارس 1998، والتي كانت أيضاً أوغندا ورواندا من دول الزيارة. ويلاحظ من ذلك سعي الولايات المتحدة الأمريكية لتوطيد علاقاتها، ليس بالغرب الأفريقي فحسب، بل أيضاً بالدول المحورية في الشرق، ومنها كينيا، وتنزانيا، ومصر في الشمال الأفريقي.

5. تتخذ الولايات المتحدة الأمريكية إستراتيجية جديدة في القرن الأفريقي، الذي يشمل من الناحية الجغرافية كل من إثيوبيا وإريتريا والصومال، ولكن في ظل هذه الإستراتيجية قد يشمل أيضاً كل من السودان وكينيا وأوغندا، وهي من دول المنابع. وتحتل منطقة القرن الأفريقي موقعاً مهماً في الإستراتيجية العسكرية الأمريكية، وفي هذا الإطار يُلاحظ أن الرئيس "بوش" التقى في واشنطن، في ديسمبر 2002، كل من رئيس الوزراء الإثيوبي "زيناوي"، والرئيس الكيني "دانيال آراب موي".

6. لجأت الولايات المتحدة الأمريكية إلى طرح رؤية جديدة تجاه أفريقيا، ترمي إلى دمج القارة في منظومة الاقتصاد العالمي، وتحويلها إلى الانتفاع بمبادئ الفلسفة الليبرالية، مع إعادة توجيه السياسة الأمريكية نحو أفريقيا من خلال التركيز على دبلوماسية التجارة أداة للاختراق، بالإضافة إلى دعم بعض القادة الأفارقة. وسعياً نحو تحقيق هذين الهدفين تعددت مجالات الشراكة الأمريكية ـ الأفريقية، وتنوعت ما بين السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية. وطبقاً لتقرير أعده مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، بعنوان "تعزيز العلاقات الاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية مع أفريقيا"، أوصى بأن تكون الولايات المتحدة الأمريكية في مقدمة الدول الصناعية الكبرى للاستفادة من الفرص الجديدة في أفريقيا، ولذلك أعد قانون النمو والفرص في أفريقيا AGOA، الذي يُعد منافساً لاتفاقية لومي، المبرمة بين دول الاتحاد الأوروبي ومنطقتي الكاريبي والباسفيكي.

وسعياً نحو تدعيم هذه السياسات تعددت الإجراءات التي قامت عليها الإستراتيجية الاقتصادية الأمريكية تجاه دول القارة الأفريقية في إطار AGOA، ومن ذلك استقطاب الدول الأفريقية ثقافياً وسياسياً وإعلامياً لخدمة الأغراض الاقتصادية، والعمل على إحداث تغييرات سياسية واقتصادية، بما يخدم الأهداف الأمريكية والسعي نحو إقامة منطقة تجارة حرة بين الولايات المتحدة والدول الأفريقية، بحلول عام 2020، وإنشاء بنك لتمويل الصادرات والواردات بين الطرفين، وبموجب هذه الشروط أصبحت AGOA تضم، في نهاية عام 2004، 37 دولة من الدول الأفريقية، منها من دول حوض النيل الآتي: كينيا ـ تنزانيا ـ أوغندا ـ الكونغو الديموقراطية ـ رواندا ـ إثيوبيا).

وقد ارتفعت قيمة الصادرات الأمريكية إلى دول أجوا إلى 8.6 مليار دولار، في ديسمبر 2004، بزيادة قدرها 25% عما كانت عليه، في عام 2003. وبلغت قيمة الواردات إلى الولايات المتحدة الأمريكية من دول أجوا 26.60 مليار دولار، عام 2004، بزيادة 88% عما كانت عليه عام 2003.

ولا يمكن إنكار الدور الأمريكي في السودان لحسم قضية انفصال الجنوب، فلم تتوان الولايات المتحدة الأمريكية أو تتراجع منذ عهد "كلينتون" في دعم الحركة الشعبية لتحرير السودان والجيش الشعبي في مواجهة نظام الرئيس السوداني "البشير"، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية طرفاً رئيساً في إجبار النظام السوداني على المضي قدماً في المفاوضات مع الحركة الشعبية، والتي نتج عنها التوصل لاتفاق السلام الشامل، الذي أعطى جنوب السودان الحق في تقرير المصير. وقد أكد "جوزيف بايدن" نائب الرئيس الأمريكي، خلال اجتماع عقده مع وفد من جنوب السودان برئاسة "سلفاكير" في نيروبي، في يونيه 2010، التزام الولايات المتحدة الأمريكية القوي بإجراء الاستفتاء في موعده، وبطريقة تعكس رغبة شعب جنوب السودان.

وفي كلمته أمام اجتماع وزاري عقدته الأمم المتحدة، في سبتمبر 2010، حول الوضع في السودان، أوضح "أوباما" أن اتفاق السلام الشامل لا بد أن يُنفذ بالكامل، ولا بد من إجراء الاستفتاء في موعده، ولا بد من احترام إرادة الجنوبيين. وقد شاركت الولايات المتحدة الأمريكية بوفد رسمي برئاسة "سوزان رايس"، في وقائع الاحتفال الرسمي باستقلال دولة جنوب السودان، في 9 يوليه 2011. وأصدر "باراك أوباما" بياناً رسمياً في اليوم نفسه، أكد اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية رسمياً بدولة جنوب السودان، دولة مستقلة.

ثانياً: التغلغل الأوروبي

تكتسب منطقة البحيرات العظمى أهمية خاصة لعدة أسباب، منها:

1. الثروة الطبيعية الهائلة، مثل الألماس، والذهب، والنحاس، فضلاً عن المواد المعدنية التي تستخدم في الصناعات الثقيلة والنووية، مثل الكوبالت، واليورانيوم.

2. الثروة المائية الهائلة التي تتمتع بها المنطقة.

3. الموقع الإستراتيجي كونها حلقة وصل بين أفريقيا العربية وأفريقيا جنوب الصحراء، وقربها من مدخل البحر الأحمر.

وهذا ما حدا بواشنطن أن تضع هذه المنطقة في بؤرة الاهتمام بعد أحداث 11 سبتمبر، وإعلان إنشاء قاعدة عسكرية لها في جيبوتي. وأدى هذا إلى فشل سياسة فرنسا السابقة في كل من رواندا والكونغو الديموقراطية، وإحداثها نقلة شكلية في إستراتيجيتها في منطقة البحيرات العظمى، باستخدامها نفس وسائل السياسة الأمريكية في تأييد النظم الحاكمة ودعمها لحقوق الإنسان.

ويُلاحظ أن باريس تسعى للحفاظ على نفوذها في المنطقة من أجل مواجهة النفوذ الأمريكي من ناحية، وضمان الحفاظ على مصالحها الإستراتيجية بالمنطقة.

أما الاتحاد الأوروبي، فقد توجه إلى الصعيد السياسي، حيث حظيت جمهورية الكونغو الديموقراطية باهتمام خاص، إذ شهدت أول عملية تدخل عسكري خارج أوروبا يقودها الاتحاد الأوروبي، دون الاستعانة بموارد الناتو، في عام 2003، وتضمنت مشاركة 1500 جندي أوروبي في إطار السياسة الأمنية والدفاعية الأوروبية المشتركة.

أما في إطار التفاعلات المائية في حوض النيل، فيمكن القول أنه لا توجد سياسة أوروبية موحدة تجاه حوض النيل، ويمكن استعراض أدوار بعض الدول الأوروبية، مثل إيطاليا، وهولندا، وألمانيا، والنرويج.

1. إيطاليا: تقوم إيطاليا عبر شركاتها الهندسية، في بناء بعض السدود في دول المنابع، حيث قدمت 150 مليون دولار للإسهام في حل مشكلات الجوع في إثيوبيا، بإنشاء سد بيليز، وسد أمبوجيلا، وسد ثالث على نهر بليس الصغير. علاوة على إنشاء محطات مياه شرب وآبار جوفية، وزراعة 100 ألف فدان مطرياً، وتوطين 60 ألف أسرة.

2. هولندا: تعد هولندا إحدى الدول المنسقة لجهود التعاون المائي في حوض النيل، فضلاً عن دورها الفعال في الإسهام المالية في عدد من المشروعات المائية. ومن بين المشروعات المائية التي تقوم بها الحكومة الهولندية: مشروع تعزيز مشاركة المستخدمين في الإدارة المتكاملة للموارد المائية. ويستهدف هذا المشروع تشجيع مشاركة شرائح المجتمع في وضع الخطط والسياسات المائية، ويقدم المنح الدراسية والفنية للمتدربين من دول حوض النيل، بالتعاون مع مصر.

3. ألمانيا والنرويج: دخلت كل من ألمانيا والنرويج محاولة التأثير على التفاعلات المائية في حوض النيل، من خلال لعب دور المانح والمقاول الهندسي في عدد من المشروعات المائية والسدود في حوض النيل، حيث يتولّيان بناء سد كرادوبه في إثيوبيا، وهو سد متعدد الأغراض، وهو جزء من سلسلة سدود مقرِّرٍ بناؤها في السنوات القادمة، وتتولى شركتان عملية إعداد الدراسات والتنفيذ، وهما شركة نوربلان النرويجية، ولاماريو الألمانية.