إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراعات في دول حول النيل والتغلغل الأجنبي، وأثره على الأمن القومي






جنوب شرق آسيا
دول الخليج العربي



المبحث الأول

المبحث السابع

الدور الآسيوي في دول حوض النيل

لا شك أن القارة الأفريقية أصبحت جاذبة للاستثمارات الآسيوية بما لم يكن موجوداً من قبل، فقد كانت ذات اقتصاديات تابعة لدول الاستعمار القديم، ثم بدأت التوجهات الأوروبية ثم الأمريكية، إلا أن المنافس القوي هو الاستثمارات الآسيوية، ومن أهمها الصين والهند، ثم إيران، وأخيراً وعلى استحياء بدأت دول الخليج العربي في الدخول في مجال المنافسة.

ويُلاحظ أن هذه الاستثمارات لم تحاول الربط ما بين التوجهات السياسية والتوجهات الاقتصادية، بل ركزت على التوجهات الاقتصادية، وهذا ما جعلها المفضلة للدول الأفريقية، نظراً لرغبتها في استقلال قرارها السياسي. إلا أن الجانب الأهم هو تركيز هذه التوجهات الاقتصادية في الأقاليم الأفريقية بصفة عامة، طبقاً لمناطق توزيع الثروة أو الخامات، أو طبقاً لعدد السكان وكثافتهم، بوصف ذلك سوقاً لتصريف المنتجات.

أما منطقة حوض النيل فلم تتوجه لها القوى الآسيوية القوية إلا التي ترغب في الاستثمار في مجالات الطاقة المائية والكهربائية، أو مجالات الزراعة، لتحقيق الأمن الغذائي لشعوبها، وفي مقدمتها دول الخليج. ومعنى ذلك هو عدم إمكان استعراض منطقة حوض النيل ودراستها بمعزل عن باقي الأقاليم الأفريقية، بل لابد استعراض أفريقيا بصفة عامة، مع التعرض لما يخص منطقة حوض النيل، طبقاً لما يراه الجانب الآسيوي، وما يحققه له من جذب للاستثمارات.

أولاً: الدور الصيني

إن نشاط بكين المتزايد في أفريقيا، واندفاعها نحو دول القارة، في أوائل سنوات القرن الحادي والعشرين، أثار انتباه العديد من القوى الدولية، وقد انتعشت العلاقات الصينية. الأفريقية بصفة خاصة بعد تأسيس منتدى التعاون بينهما، عام 2000، والذي يُعقد كل ثلاث سنوات، فقد عُقد عام 2000 في بكين، وعام 2003 في أديس أبابا، وعام 2006 في بكين، وعام 2009 في شرم الشيخ بمصر.

ولم تهتم الصين بطبيعة النظم السياسية داخل الدول الأفريقية التي تتعامل معها، وأعلنت دوماً احترامها لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وكان الشعار الذي يحكم سياساتها، ولكنها في الآونة الأخيرة أصبحت أكثر حرصاً على الظهور بصفة فاعل دولي مؤثر في القضايا التي يركز عليها المجتمع الدولي والأطراف الدولية داخل القارة الأفريقية.

إن الشراكة الجديدة التي صيغت خلال منتدى التعاون الصيني ـ الأفريقي، الذي عُقد خلال عام 2006 في بكين، عندما التقى قادة 48 دولة أفريقية في أكبر تجمع لهم، تجسد المبادئ التي تجمع الصين، أكبر دولة نامية في العالم، مع أفريقيا، أكبر قارة في العالم من حيث عدد الدول النامية.

والجدير بالذكر أن الصين خلال الخمسين عاماً الماضية قدمت مساعدات إلى 53 دولة أفريقية، حيث نفذت 800 مشروع، واكتمل بناء أكثر من ألفي كم من السكك الحديدية، وأكثر من ثلاثة آلاف كم من الطرق السريعة، بالإضافة إلى إرسال فرق طبية لأفريقيا بلغ عددها أكثر من 15 ألف شخص، عالجوا 240 مليون مريض، ونفذت مشروعات بلغت تكلفتها حوالي ستة مليارات دولار دون توقف.

وقد أعلن رئيس الوزراء الصيني في المنتدى، أن بلاده ستمنح قروضاً ميسرة قيمتها عشرة مليارات دولار للدول الأفريقية، وأنها ستخفف الديون عن بعض الدول الأفريقية أو ستلغيها، كما ستعفي 95% من منتجات الدول الأقل تقدماً في أفريقيا من الرسوم.

وتمثل قضية الطاقة القضية المحورية في علاقات الصين بأفريقيا، حيث تمتلك أفريقيا احتياطيات مؤكدة من النفط قدرها حوالي 87 بليون برميل، فضلاً عن احتياطيات غير مكتشفة تبلغ حوالي 125 بليون برميل. ومن هنا فإن الصين توطد وجودها في دول حوض النيل البترولية، وهي أوغندا، والسودان وإثيوبيا. كما وقع الرئيس الصيني اتفاقاً يسمح لشركة "إف شور" الصينية بالتنقيب عن البترول في كينيا، وقدمت مساعدة لكينيا قدرها 36.5 مليون دولار لتطوير محطات الطاقة.

كما استفادت السودان، التي تمد الصين بحوالي 7% من وارداتها من النفط، بأضخم الاستثمارات الصينية في المنطقة، حيث استثمرت ثلاثة مليارات دولار في إنشاء مصافي التكرير ومد خطوط الأنابيب.

أما عن موقف الصين من الأوضاع في السودان، فقد حاولت عند اندلاع الصراع في دارفور، منع صدور قرار بشأنه من مجلس الأمن، والتقى الممثل الخاص للحكومة الصينية للشؤون الأفريقية بالرئيس السوداني، في 31 مايو 2011، لتداول الآراء حول عملية السلام بين شمال وجنوب السودان وقضية دارفور والقضايا الأخرى. كما أرسلت الصين بعثة لمراقبة الاستفتاء العام في جنوب السودان، في 9 يناير 2011، وقدمت مساعدات نقدية وعينية لإجراء الاستفتاء. كما قدمت مساعدات قيمتها 68 مليون يوان للمشاركة في تنمية جنوب السودان، وأعلنت اعترافها بجمهورية جنوب السودان، مع استعدادها لإقامة علاقات دبلوماسية، كما تأمل في التعاون مع جنوب السودان في مجال النفط والزراعة والتنقيب عن المعادن والإسكان والري والاتصالات.

أقامت الصين أكثر من 40 مشروعاً زراعياً في أكثر من 30 دولة أفريقية، خلال الفترة من 2007 – 2009، وأرسلت 104 خبيراً زراعياً لعدد 33 دولة. وحتى يونيه 2011، أقامت 14 مركز زراعة نموذجياً في 14 دولة أفريقية، منها إثيوبيا، وقررت إنشاء عشرة مراكز في أنجولا، وجنوب السودان، والكونغو الديموقراطية.

ثانياً: النمور الآسيوية

اندرجت تحت هذا المُسمى مجموعة من الدول، منها كوريا الجنوبية، وماليزيا، وسنغافورة، وتايوان، وهونج كونج، وتايلاند، والفيليبين، وإندونيسيا، وفيتنام. وقد قدمت هذه الدول نماذج رائدة في التنمية الاقتصادية، تسعى جميع الدول النامية، ومن بينها الدول الأفريقية إلى الاحتذاء بها، واستندت في تعاملاتها إلى سياسات للاندماج الاقتصادي من خلال منظمات تجمعها، مثل رابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان) (اُنظر خريطة جنوب شرق آسيا).

والعلاقات بين النمور الآسيوية والدول الأفريقية تعود إلى السنوات الأولى لاستقلال الدول الأفريقية، وعلى الرغم من أن النمور الآسيوية واجهت ظروفاً مشابهة لما واجهته الدول الأفريقية من استعمار وتبعية، إلا أنها استطاعت أن تُخرج نفسها من التخلف. أما الدول الأفريقية فقد عانت الكثير من المشكلات، وهذا لا يعني أن النمور الآسيوية لا تواجه مشكلات، ولكن مع هذه المشكلات فإن أساليب مواجهة النمور الآسيوية للتحديات تختلف عن الدول الأفريقية، حيث إنها تتغلب على المشكلات وترتفع بمعدلات نموها الاقتصادي، مهما كانت التحديات.

وقد تعرضت علاقات النمور الآسيوية بالدول الأفريقية إلى العديد من التحديات، عامي 2004 و2005، كان لها أثر كبير على معدلات النمو، ومن ثم العلاقات الاقتصادية. فإلى جانب حدة الصراعات الإثنية، وتفاقم مشكلات الفقر والمرض في أفريقيا، عانت النمور الآسيوية من الكوارث الطبيعية والأمراض التي هزت اقتصادياتها.

ويُلاحظ أن النمور الآسيوية لا تركز على دول حوض النيل فقط، بل تنتشر استثماراتها في كل أنحاء القارة، وليس في منطقة إقليمية واحدة. ففي عام 2005،  زار "بان كي مون" (وزير خارجية كوريا الجنوبية في هذا التوقيت) أربع دول أفريقية، هي تنزانيا وكينيا من دول حوض النيل، بالإضافة إلى الجزائر وليبيا من دول الشمال الأفريقي، وهدفت هذه الزيارة إلى تقوية الروابط الاقتصادية بين بلاده وهذه الدول، التي تُعد من الدول المصدرة للطاقة، وهي دول كبيرة الأسواق.

وفي المجال الاقتصادي تظهر مستويات التعاون بين النمور الآسيوية وأفريقيا في هذا المجال. فكوريا الجنوبية قد نشطت في تأسيس مصانع لإطارات السيارات والجلود والأدوية في السودان. كما تظهر ماليزيا في مجالات الاتصالات، حيث دخلت بقوة في عدد من الدول الأفريقية وأقامت مركز أعمال في كمبالا بأوغندا للبحث عن فرص الاستثمار بالقارة. كما أن فيتنام لديها أكثر من ألفي خبير زراعي وغذائي في مدغشقر وبنين والكونغو والسنغال.

ومن القطاعات الواعدة في التعاون مع النمور الآسيوية والدول الأفريقية قطاع النفط، حيث تحتاج هذه الدول إلى استيراد النفط من الدول الأفريقية.

وقدمت بعض دول النمور الآسيوية معونات لعديد من الدول الأفريقية لتنمية هذه الدول، كما تُخصص تبرعات لنزع الأسلحة لتسريح آلاف المقاتلين في الدول التي تُعاني من الحروب الأهلية، كما عملت على تعزيز التعاون العلمي والأكاديمي.

ثالثاً: اليابان

لعبت اليابان دوراً كبيراً في أفريقيا، منذ بداية الثمانينيات، على المستويين الرسمي والشعبي، وظهر ذلك واضحاً في تزايد مساعداتها للقارة بمقدار عشرة أضعاف، خلال الفترة من عام 1977 – 1987، حتى أصبحت من أكبر الدول المانحة في مجال المساعدات الثنائية لأربع دول أفريقية، وهي: كينيا (إحدى دول حوض النيل)، وزامبيا، ومالاوي، ونيجيريا. وكذلك فهي ثاني أكبر دولة مسهمة في بنك التنمية الأفريقي. وبتفاقم مشكلات التنمية في أفريقيا تزايدت الآمال في اليابان التي أصبحت أكبر مانح للمعونات في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي (السابق) وضعف المعونات الأوروبية.

ويتم التعاون الياباني مع أفريقية من طريق التوسع في الواردات، والاستثمارات المباشرة، والتعاون الفني من خلال شركات تجارية، وشركات بناء، وصناعات تحويلية، وشركات استثمارية، خاصة في مجال التنمية. إن تحقيق التنمية في أفريقيا، وتدعيم مبادرة النيباد، هو ما يُطلق عليه في ظل التعاون الأفريقي ـ الياباني (التيكاد)، وتركزت الركائز الأساسية لمجال التعاون الأفريقي الياباني منذ التيكاد الأول، في الآتي:

1. تقديم اليابان منحاً وقروضاً مساعدةً لمباشرة برنامج الإصلاح الاقتصادي، وليس في شكل مشروعات.

2. الاهتمام بمشكلات البيئة لأنها من ضرورات استدامة التنمية الاقتصادية.

3. الاهتمام بكفاءة مساعدات التنمية الرسمية وفاعليتها للدول الأفريقية.

وفي مايو 2003، أعلنت الحكومة اليابانية عن مبادرة تستهدف تنمية أفريقيا في ثلاث مجالات، هي:

·   تطوير الموارد البشرية.

·   تخفيض معدلات الفقر من خلال التنمية الاقتصادية.

·   تعزيز السلم في القارة.

ومن أهم المشروعات التي دعمتها اليابان مشروع توليد الكهرباء، التي تعيش أجزاء كبيرة من القارة بدون خدماتها، وكذا مشروع تطوير أحواض الأنهار الدولية في أفريقيا، وكذلك دعم مشروعات الري والصرف.

وركزت المساعدات التنموية اليابانية على تطوير قطاع التعليم في العديد من الدول الأفريقية. كما وضعت اليابان مجموعة من الإجراءات الشاملة على المدى المتوسط والطويل، لدعم القطاع الزراعي في أفريقيا، من خلال تحسين البنية التحتية الزراعية، وتقديم المساعدات الفنية، من أجل زيادة الإنتاج الزراعي.

كما قدمت اليابان منحة للحكومة الكينية، في فبراير 2005، قدرها عشرة ملايين دولار، لشراء الآلات والسلع ذات الأهمية لإنعاش الاقتصاد الكيني، وتم الاتفاق على أن تتولى الإنفاق شركة كرون البريطانية لإدارة المنحة وتحديد السلع التي سيُعمل على استيرادها في إطار المنحة. ولكن اليابان أعربت عن قلقها إزاء التقارير التي تؤكد استشراء الفساد في كينيا وضعف أساليب مقاومته.

وتحظى مصر بأولوية خاصة في إطار سياسة المساعدات التنموية اليابانية، حيث إنها تمثل المرتبة الأولى على مستوى أفريقيا من حيث قيمة المساعدات الرسمية.

كما قدمت اليابان دعماً يُقدر بـ5.16 مليون دولار، لدعم برنامج اليونيسيف في السودان، بغرض توفير الرعاية الصحية والوقائية لأطفال السودان، وأنها تستهدف مليوني طفل في الولايات الجنوبية والمناطق المتأثرة بالحروب ودارفور.

ومن أجل مكافحة الإيدز في كينيا، قدمت منحة قدرها 250 مليون دولار للصندوق الشامل للقضاء على الإيدز والدرن والملاريا. كما قدمت للحكومة الكينية 96 ألف جهاز للكشف عن الفيروس.

ولتحسين الوضع الإنساني في دارفور، قدمت عام 2004 مساعدات طارئة قدرها 21 مليون دولار، بالإضافة إلى 700 خيمة للاجئين السودانيين في المعسكرات.

كما عززت اليابان جهود منظمتي الكوميسا والإيجاد، من أجل تسوية الصراعات في كل من السودان والصومال، والصراع الإثيوبي ـ الإريتري.

وقدمت اليابان مساعدات قدرها 2.1 مليون دولار، لمبادرة الاتحاد الأفريقي، لاحتواء النزاع في دارفور من خلال تحسين الوضع الأمني، ودعم بعثة الاتحاد الأفريقي، واللجنة المشتركة، ولجنة مراقبة وقف إطلاق النار، والمحادثات التي تجري بين الأطراف.

ولحفظ السلام في إقليم البحيرات العظمى، أكدت اليابان أنها تدرس إمكان مشاركة قوات الدفاع اليابانية في عمليات حفظ السلام، وعدم الاقتصار فقط على الدعم المالي. ولهذا الغرض قام ممثل شخصي لرئيس الوزراء الياباني بزيارة تنزانيا. كما أسهمت في بناء السلم في إقليم البحيرات العظمى والجنوب الأفريقي، حيث أسهمت في نشر الأمن بين المواطنين في الكونغو الديموقراطية، وقدمت مساعدات تقدر بحوالي 300 مليون دولار للاجئين في كل من رواندا، وبوروندي، والكونغو الديموقراطية.

وتحرص اليابان على دعم الدول المستقرة، والتي تنعم بالاستقرار السياسي، ومنها مصر وكينيا وتنزانيا، من دول حوض النيل.

وقد حظيت السياسة اليابانية في أفريقيا بدرجة يُعتد بها من القبول لدى الجانب الأفريقي، حيث إنها ليس لها ماضٍ استعماري بالقارة، كما أنها لا تفرض شروطاً مسبقة للمنح والمساعدات التنموية، على عكس المساعدات التي تقدمها الدول الاستعمارية السابقة، وهي دائماً تظهر التأييد والتعاطف للقضايا الأفريقية.

رابعاً: الهند

زاد الارتباط الهندي ـ الأفريقي خلال سنوات الحرب الباردة، بفضل انتمائها عضواً في مجموعة دول عدم الانحياز، ومجموعة الـ77.

وتوجد كثير من المصالح المتبادلة بين الهند وأفريقيا، ما يجعل حرصهما على تنمية العلاقات ضرورة تسعى الهند إليها للاستفادة من القارة في تأمين المواد الخام، لاسيما النفط والغاز الطبيعي والألماس والحديد، وكذلك الرغبة في استثمار الحجم الكبير للسوق الأفريقية في تصريف منتجاتها.

وتسعى الدول الأفريقية إلى الاستفادة من التجربة التنموية الهندية في تطوير القطاع الزراعي الأفريقي، وبناء القطاعات الصناعية، وإتاحة مناخ ملائم لجذب الاستثمارات الأجنبية، وإقامة المنشآت المتوسطة والصغيرة، ورفع معدلات الادخار المحلي التي وصلت إلى 26% من إجمالي الناتج المحلي في الهند. وتحقيق معدلات نمو اقتصادي غير مسبوقة، بلغت نحو 9% عام 2007، ما جعل الهند قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب والتصدير للخارج. لذلك تتطلع الدول الأفريقية للاستفادة من التجربة التنموية الهندية.

وتقدم التجربة الهندية تجربة فريدة في التعليم، حيث تمكنت خلال سنوات قليلة من رفع نسبة التعليم لدى مواطنيها من 52% إلى 64%، وكذا التقدم في مجال تكنولوجيا المعلومات والبرمجيات، حتى أن 92% من الأرباح التي تحققها الشركات الهندية من هذا الاتجاه. ومن ثم يحرص الأفارقة على الاستفادة من خبرة هذه الشركات.

كما اعتمدت الهند برنامج التركيز على أفريقيا، يُنفذ خلال خمس سنوات، من 2002 – 2007، ويستهدف عدة دول، هي إثيوبيا، وكينيا (من دول حوض النيل)، وموريشيوس. كما تبنت الهند برامج ومبادرات للتعامل مع الأسواق الأفريقية، مثل برنامج الحكومة الهندية، الذي أعلنه وزير التجارة والصناعة الهندي عام 2002، للتوجه والترويج للصادرات، والعمل على مستوى سبع دول أفريقية، هي: تنزانيا، وكينيا، وإثيوبيا (من دول حوض النيل)، بالإضافة إلى جنوب أفريقيا، وموريشيوس، وغانا. ويهدف إلى إعطاء التجارة أهمية خاصة، وتفعيل مجتمعات رجال الأعمال.

وقد تنامى حجم الاستثمارات الهندية في أفريقيا في قطاعات البتروكيماويات، والصناعات الهندسية، وتكنولوجيا المعلومات، والمنسوجات والألياف الصناعية، والأدوية، والسيارات ومكوناتها.

القمة الهندية ـ الأفريقية

يمكن النظر إليها على أنها تتويج للعلاقات المتنامية، حيث استضافت نيودلهي، خلال الفترة من 8 – 19 أبريل 2008، مؤتمر القمة الهندية ـ الأفريقية الأول، والذي شارك فيه رؤساء ومسؤولو 14 دولة أفريقية، كان في مقدمتهم مصر، وأوغندا، وإثيوبيا، والكونغو الديموقراطية (من دول حوض النيل)، وغانا، وبوركينا فاسو، وغيرهم. وهدفت القمة إلى خلق مشاركة حقيقية في المجالات المهمة، مثل التجارة والطاقة. وأعلن خلالها رئيس الوزراء الهندي أن بلاده ستعمل على مضاعفة الاستثمارات الهندية، وأنها سوف تخصص 500 مليون دولار خلال خمس سنوات، منحاً لمشروعات التنمية بالقارة.

ومن خلال التعاون الإيجابي المصري، تبنت مصر والهند آلية عمل ثلاثية (مصري ـ هندي ـ أفريقي)، تنطوي على برامج يُشرف عليها الصندوق المصري للتعاون الفني في أفريقيا، والبرنامج الهندي للتعاون الاقتصادي والتكنولوجي، خاصة في مجالات الزراعة وتطوير مصادر المياه، وتنمية القدرات البشرية، وإقامة مشروعات تنموية.

واتفقت وجهات النظر المصرية ـ الهندية على إقامة مركز مصري ـ هندي لتأهيل الخريجين للعمل في مجال مشروعات الأمن الغذائي في دول حوض النيل، وكذا التوافق على عدم إقامة مشروعات على مياه النيل في دول المنابع، إلا في إطار موافقة الجانب المصري، الأمر الذي يلتزم بالاتفاقيات الدولية القائمة، ويطابق سلوك البنك الدولي.

خامساً: تركيا

ترتبط تركيا بعلاقات وثيقة مع العديد من المناطق الأفريقية. وبالرغم من أن تركيا لعبت دوراً مهماً في تقديم المساعدات للدول الأفريقية، إلا أنها كانت تتحاشى التدخل في النزاعات الأفريقية، نظراً لتعقدها. ومنذ نهاية الثمانينيات، أعلنت تركيا سياسة جديدة تجاه أفريقيا، قوامها المساعدات والمشروعات الاقتصادية والتبادل الثقافي وحفظ السلام.

وتقيم تركيا علاقات جيدة مع كل من السودان وإثيوبيا، وكينيا، ولا ترقى علاقاتها بباقي دول حوض النيل إلى مستوى علاقاتها مع هذه الدول الثلاث. وقد مثلت زيارة الرئيس التركي "عبدالله جول" إلى جمهورية الكونغو الديموقراطية، في مارس 2010، بداية جديدة لفتح علاقات مع دول الحوض.

1. إثيوبيا

تُعد إثيوبيا من أهم شركاء تركيا الرئيسيين في دول حوض النيل، وشهدت العلاقات الثنائية الاقتصادية والتجارية نمواً مطرداً، وهناك سانحة لتعميق هذه العلاقات وتنويعها، مع تسريع أعمال اللجنة الاقتصادية المشتركة، ومجلس رجال الأعمال. وبلغ حجم التجارة الثنائية 115 مليون دولار عام 2006.

كما عززت تركيا وجودها الرئيس في مجال صناعة المنسوجات والسلع المعمرة في إثيوبيا، وتُصدر تركيا لإثيوبيا الحديد والصلب، والصناعات الكهربائية، والآلات. وتستورد منها البذور الزيتية، والفواكه، والجلود الخام، والبن، والشاي. كما تمد تركيا إثيوبيا بخبراء وفنيين لإعطاء دورات تدريبية في مختلف المجالات.

وقد وصل عدد الاتفاقيات والمعاهدات والبروتوكولات ومذكرات التفاهم الثنائية بين البلدين إلى 29 اتفاقية، منذ عام 1993. كما تُجرى الآن دراسة إنشاء منطقة تجارة حرة بين البلدين.

2. السودان

كانت تركيا من أولى الدول التي اعترفت باستقلال السودان، وتشارك حالياً في بعثة الأمم المتحدة بالسودان، كما تسهم في ميزانية بعثة الأمم المتحدة بالسودان. وشهدت العلاقات الاقتصادية والتجارية تطوراً ملحوظاً، مع زيادة في عدد الشركات العاملة بالسودان، وبلغ حجم التجارة الثنائية، عام 2008، نحو 225 مليون دولار، كما بلغت الاستثمارات التركية المباشرة في السودان ما يقرب من 50 مليون دولار.

ويرتبط الجانبان، منذ عام 1985، بالعديد من الاتفاقيات والمعاهدات في مجالات التجارة، والتعاون العلمي والتقني، وبرنامج تبادل ثقافي، وتعاون في مجال الزراعة، واتفاقية تجنب الازدواج الضريبي، واتفاقية إنشاء مجلس أعمال تركي ـ سوداني.

3. كينيا

تعد العلاقات التركية ـ الكينية حديثة العهد، إذ مثلت زيارة الرئيس التركي لكينيا، في فبراير 2009، تحولاً في العلاقات الثنائية، وارتبطت تركيا وكينيا بالعديد من الاتفاقيات المشتركة. فهناك بروتوكول تعاون ثنائي بين وزارتي الشؤون الخارجية للبلدين عام 2002، واتفاق تعاون تجاري اقتصادي تقني، عام 2004. وفي عام 2009 وقع الجانبان مذكرة تفاهم لرحلات الطيران.

وهناك فرص تعاون مختلفة، أهمها تبادل الخبرات في مجال الزراعة والصحة والتعليم المهني، وتشجيع المشاريع المتوسطة وصغيرة الحجم. كما تجتذب كينياً عديداً من الشركات التركية، ويتيح ميناء مومباسا دوراً رائداً في التجارة مع شرق أفريقيا.

القمة التركية ـ الأفريقية

مثل انعقاد القمة التركية ـ الأفريقية الأولى، في اسطنبول، في أغسطس 2008، تحت شعار "التضامن والشراكة من أجل مستقبل مشترك" تجسيداً واضحاً للعلاقات التركية الأفريقية. وكان الاتفاق على مبدأ دورية انعقاد القمة كل خمس سنوات منتظمة بالتبادل.

وزاد الإنفاق التركي على المشروعات الاستثمارية التي تنفذها المنظمات العامة وغير الحكومية التركية، تحت إشراف الوكالة التركية للتعاون والتنمية. كما اهتمت تركيا بالشق المؤسسي الاقتصادي مع دول القارة، حيث انضمت تركيا، في مايو 2008، للبنك الأفريقي للتنمية، وخصصت 50 مليار دولار، عام 2008، لتمويل مشروعات تنموية في القارة الأفريقية.

سادساً: إيران

لدول حوض النيل، بصفة عامة، علاقات طبيعية مع إيران، وتتنوع أوجه تلك العلاقات في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والدينية والثقافية.

1. السودان

تعدها إيران دولة على درجة كبيرة من الأهمية لموقعها الإستراتيجي، فهي جزء من العالم العربي، وذات ارتباط خاص بمصر، كما يمكن أن تكون بوابة خلفية لأفريقيا جنوب الصحراء وشمال أفريقيا. ومما ساعد على التقارب بينهما العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية عليهما. وتوجد أوجه متعددة للعلاقات، مثل الأمنية، والسياسية، والاقتصادية.

ومن أبرز التفاعلات، زيارة الرئيس الإيراني الأسبق، عام 1991، يصاحبه وفد مكون من 150 عضواً، وقعت خلاله اتفاقيات مختلفة. كما كانت زيارة الرئيس الإيراني في أكتوبر 2004، وسبتمبر 2007، ودعمت فيها إيران السودان بالأسلحة لمواجهة حركات التمرد. كما وقع البلدان مذكرة تعاون تضمنت إنشاء مشروعات مشتركة، وإنشاء لجنة اقتصادية مشتركة تكون إطاراً مؤسسياً، وإعطاء إيران مميزات في ميناء بورسودان. كما وقع اتفاق لتعزيز التعاون في مجالي النفط والتجارة، منذ عام 1996.

2. إثيوبيا

تمثل لإيران دولة ذات ثقل سياسي واقتصادي، كما تحاول إيران أن تحل محل إسرائيل في إثيوبيا. ومن الناحية الاقتصادية تقدم إيران مساعدات لإثيوبيا في مجال الزراعة وبناء السدود. كما جرى توقيع اتفاقية للتعاون الاقتصادي والثقافي بين البلدين، عام 2000.

3. كينيا

تقُيم إيران علاقات جيدة مع كينيا، تركز فيها على الأبعاد الاقتصادية، وخاصة في مجال النفط. حيث يشترك البلدان في تنفيذ مشروع لزيادة إنتاج النفط في ممباسا. كما وقع الطرفان عدداً من الاتفاقيات الاقتصادية المتعلقة بمشاركة إيران في عدد من مشروعات البنية التحتية، منذ عام 1996.

وجاءت زيارة الرئيس الإيراني لكينيا، عام 2009، يصحبه وفد من 150 عضواً، وقعت خلالها عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، واتُفق على تأسيس خط ملاحي من بندر عباس إلى ممباسا. وتتطلع كينيا أن تساعدها إيران في إطار برامج الطاقة النووية لبناء مفاعل نووي لإنتاج الكهرباء، وتشترك شركات إيرانية في بناء مصنع كهرومائي شمال نيروبي، ومحطة للكهرباء قرب ممباسا.

4. إريتريا

تولي إيران اهتماماً خاصاً لعلاقاتها مع أسمرة، نظراً لموقعها الإستراتيجي على البحر الأحمر. وقد زار الرئيس "أفورقي" إيران عام 2008، ووُقعت خلال الزيارة اتفاقيات شملت التعاون العسكري والتجارة والاستثمار، كما منح المصرف الإيراني إريتريا مبلغ 350 مليون دولار لتنمية الصادرات الإريترية. كما أبرمت صفقة نفطية تتولي إيران بمقتضاها تطوير شركة تكرير النفط الإريترية، واتفقت الدولتان على منح السفن الإيرانية الحربية والغواصات الإيرانية تسهيلات بحرية في ميناء عصب.

5. تنزانيا

أثناء زيارة وزير الخارجية التنزاني لإيران، عام 2008، وقع مع نظيره الإيراني مذكرة تفاهم لتقوية العلاقات الاقتصادية والزراعية. وفي مايو 2009، زار نائب الرئيس الإيراني تنزانيا، حيث وقع اتفاقيات تتعلق بالتجارة والزراعة، وتعزيز الروابط بينهما.

6. أوغندا

تُعد المبادرة الأوغندية بزيارة الرئيس الأوغندي لإيران ، في أغسطس 2001، على رأس وفد كبير، والتي انتهت بتوقيع ثلاثة بروتوكولات للتعاون المشترك في مجال الصناعة والتجارة تطوراً في التشاور والتنسيق بين الجانبين، ثم جاءت زيارة الرئيس الإيراني لأوغندا، عام 2005، وتوقيع أربع اتفاقيات، ثم تدشين مصنع لإنتاج الجرارات في أوغندا، وتخصيص بعض الأراضي لمؤسسات إيرانية لإنشاء منطقة زراعية نموذجية دعماً لهذه العلاقات. وبعد أقل من خمسة أعوام، زار الرئيس الإيراني أوغندا، عام 2010.

القمة الإيرانية ـ الأفريقية

انعقدت، في 14 سبتمبر 2010، في طهران، وأُطلق عليها "منتدى التقارب الفكري بين إيران وأفريقيا"، بمشاركة ممثلين لأكثر من 30 دولة أفريقية، وعبرت عن بداية التعاون بين الجانبين في ظل وجود مجموعة من القواسم المشتركة والمصالح التي تجمع بينهما. وأوضح الرئيس الإيراني خلال القمة أن إيران وأفريقيا يسلكان طريقاً واحداً، ولديهما أهدافاً متطابقة، مؤكداً أن خبرات وقدرات إيران في المجالات العلمية والتقنية والاقتصادية والصناعية والزراعية والثقافية والصحة والعلاج، من شأنها أن تعزز العلاقات بين إيران وأفريقيا.

وعلى الرغم من الانجازات التي حققتها إيران في مجال تدعيم العلاقات مع الدول الأفريقية، إلا أن هذه الإنجازات لم تصل إلى ما حققه فاعلون آخرون، مثل الصين مثلاً.

سابعاً: دول الخليج العربي

تُعد قضيتا الأمن الغذائي والمائي من أبرز المشكلا التي تؤرق الحكومات في دول الخليج العربي، في ظل المتغيرات المناخية. ولا شك أن مثل هذه المظاهر ستكون لها آثاراً سيئة على توافر المياه في دول الخليج العربية، التي تعاني أساساً من ندرة المياه. وفي ظل ارتفاع الأسعار العالمية للحبوب، منذ عام 2008، فقد أصبح التوجه نحو الأراضي الزراعية في البلدان النامية هدفاً للدول النفطية في منطقة الشرق الأوسط، التي تمتلك احتياطيات نقدية كبيرة، في حين تعاني نقصاً كبيراً في قدرتها المائية، ولا تمتلك إلا مساحات زراعية صغيرة.

وقد أدركت الدول الخليجية أن إستراتيجيتها التنموية لتحقيق الأمن الغذائي لمواطنيها لا بد أن تتخذ من التنمية الزراعية غاية لها، في ظل زيادة عدد السكان، وقلة الموارد الزراعية، وتنامي الفجوة الزراعية الغذائية. ولما كانت منطقة حوض النيل والقرن الأفريقي تُعد بمنزلة العمق الإستراتيجي والامتداد الجغرافي لمنطقة الخليج العربي، وما تحتويه المنطقة من ثروات مائية وزراعية ضخمة، وفي المقابل تتوافر في المنطقة الخليجية الموارد المادية. فقد رأت دول الخليج إنشاء نظام شراكة اقتصادية هادفة مع عدد من التجمعات الأفريقية، وعلى رأسها "الكوميسا" التي تضم 19 دولة أفريقية في شرق وجنوب القارة، متضمنة دول حوض النيل.

وعقد مجلس الغرف التجارية السعودية مؤتمر الاستثمار الخليجي الأفريقي الأول بالرياض، في أبريل 2010، بمشاركة سبعة رؤساء دول أفارقة، منهم تنزانيا، وكينيا، والكونغو (من دول حوض النيل).

كما نظمت غرفة تجارة وصناعة الشارقة، عام 2009، جولة ترويجية في كل من كينيا وإثيوبيا، بهدف بحث تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، واستثمار فرص النمو المتاحة في المجالات المختلفة، ومن أهمها الزراعة.

كما استقبلت السودان عدداً كبيراً من رجال الأعمال الخليجيين، لشراء أكثر من 2.1 مليون فدان من الأراضي الزراعية في معظم ولايات السودان، خاصة ولايات نهر النيل، والخرطوم، والجزيرة، وسنار، والنيل الأبيض، وكردفان. كما تبلغ الاستثمارات السعودية في السودان حوالي 250 ألف فدان في ولاية نهر النيل. وقد بدأ الإنتاج الفعلي من المحاصيل، وقد تمكنت مجموعة حائل السعودية من استغلال عشرة آلاف هكتار من الأراضي الزراعية السودانية وزراعتها خضراوات وقمحاً وأعلافاً للماشية، ودفعت مقابل ذلك 99 مليون دولار.

وتُعد الاستثمارات الزراعية الإماراتية هي الأكبر خليجياً في السودان، حيث تستغل مساحة 900 ألف فدان. وترعى إمارة أبو ظبي مشروعاً لتطوير الأراضي الزراعية بالسودان، لضمان الحصول على المنتجات الزراعية.

وفي إثيوبيا يستثمر عدد من رجال الأعمال السعوديون نحو مائة مليون دولار في أرضي زراعية لإنتاج القمح والشعير والأرز. وأعلن رئيس الوزراء الإثيوبي، عام 2008، أن بلاده ترغب في وضع مئات الآلاف من الهكتارات تحت تصرف من يرغب في الاستثمار، وأن حكومته خصصت نحو مليوني هكتار في مقاطعتي أمهارا وأرومي.

وفي كينيا تمكنت مؤسسة قطرية من الحصول على 40 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، خصصتها لزراعة الفاكهة والخضراوات والحبوب، عام 2008، وعقدت الصفقة بحيث تتمكن قطر بموجبها من حق استغلال الأراضي مقابل تمويل قطر لبناء ميناء في جزيرة لامو الكينية الساحلية.