إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / حرب فوكلاند





إغراق بلجرانو وشيفلد
معركة جوس جرين
الإبرار البريطاني بسان كارلوس
الهجوم على الغواصة سانتافي
القتال للجانبين 1 مايو
احتلال رأس الشاطئ
عملية ثلاجة فورتونا
عملية خليج ستورمنس
عملية خليج كمبرلاند

مناطق الحظر البريطانية والأرجنتينية
مسرح حرب فوكلاند
مسرح عمليات فوكلاند
معركة ويرلس ريدج
الاستيلاء على ستانلي
جورجيا الجنوبية "منطقة العمليات"
خط المرتفعات الثاني
جزيرة جورجيا الجنوبية
جزر فوكلاند
سقوط ستانلي
فكرة الغزو الأرجنتيني



حرب عام 1967

خامساً: دروس الحرب الجوية

1. عام

وقع العبء الرئيسي لأعمال القتال الجوية في تلك الحرب على عاتق أسراب القتال والطائرات العمودية على متن حاملتي الطائرات وسفن قوة الواجب البريطانية من ناحية، ومجموعات القتال الأرجنتينية العاملة من المطارات والقواعد الجوية في الوطن الأم من ناحية أخرى، حيث بلغت أعداد طلعات الأولى 2876 طلعة طائرة لأسراب القتال (كان معظمها لأغراض الحماية والدفاع الجوي) و10381 طلعة طائرة عمودية لأسراب الطائرات العمودية (كان معظمها لأغراض المعاونة والتأمين)، بينما بلغت أعداد طلعات الثانية 495 طلعة (تمثل معظم الطلعات الهجومية الأرجنتينية)، حيث كان الهدف الرئيسي لأسراب القتال البريطانية هو حماية قوة الواجب وتوفير الظروف الجوية الملائمة لأعمال قتال وحداتها، بينما كان الهدف الأساسي لمجموعات القتال الأرجنتينية هو إيقاع أكبر قدر من الخسائر في أسطول قوة الواجب، وقد انعكست الأهداف المختلفة للجانبين على طبيعة مهام كل منهما وأعمال قتاله لتنفيذها والدروس المستفادة منها.

وكان أول وأبرز الدروس الجوية خلال حرب "فوكلاند" هو التأكيد مرة أخرى على أهمية السيطرة الجوية لنجاح العمليات البرية والبحرية بأقل قدر من الخسائر، وهو الدرس القديم الذي استُخلص من الحرب العالمية الثانية وأكدته كل الحروب التقليدية التي تلتها، فإزاء عجز أسراب قوة الواجب عن تحقيق السيطرة الجوية في منطقة العمليات، كان على سفن القتال في هذه القوة (الهدف الرئيسي طائرات القتال الأرجنتينية) أن تدفع فاتورة هذا العجز طوال الحرب على نحو ما أظهره جدول خسائر البحرية البريطانية، والتي تعود كلها إلى الهجمات الجوية الأرجنتينية، ولو أن القوات الجوية الأرجنتينية قد عالجت مشكلة عدم انفجار معظم القنابل التي تستخدمها طائراتها في هجماتها على السفن البريطانية، لكان لتلك الحرب منحيَّ آخر نتيجة حرية العمل النسبية التي تمتعت بها طائرات القتال الأرجنتينية.

أما ثاني الدروس الجوية في حرب "فوكلاند" هو تأكيد أهمية القواعد الجوية المتقدمة وحاملات الطائرات وطائرات الصهريج عند العمل على مسافات بعيدة عن القواعد الجوية في الوطن (خارج مدى طائرات الدولة)، فبالنسبة إلى المملكة المتحدة فإنه لولا وضع تسهيلات القاعدة الجوية الأمريكية في جزيرة "أسنشن" في خدمة القوات الجوية والبحرية البريطانية، ووجود حاملتي الطائرات وأسراب طائرات الصهريج في خدمة تلك القوات، لما استطاعت الحكومة البريطانية شن حملتها لاستعادة جزر "فوكلاند"، كما أن عدم امتلاك البحرية البريطانية حاملات طائرات هجومية كبيرة في ذلك الوقت حَدَّ من قدرة المملكة المتحدة على حشد الأعداد الكافية من طائرات القتال لتحقيق السيطرة الجوية في مسرح العمليات، وقد أدى البعد الكبير لجزيرة "أسنشن" عن مسرح العمليات ووقوعها خارج مدى عمل المقاتلات والمقاتلات القاذفة البريطانية إلى إجبار قيادة القوات الجوية البريطانية على الاكتفاء باستخدام التسهيلات الجوية في تلك الجزيرة لتمركز بعض قاذفاتها العتيقة من طراز "فولكان"، التي كانت على وشك التخلص منها، والتي أكدت الحرب عدم فاعلية استخدامها.

وعلى الجانب الأرجنتيني أدى عدم تجهيز مطارات "فوكلاند" لاستخدام طائرات القتال كما فعل البريطانيون بعد استعادة الجزر، وسحبهم للحاملة 15 مايو من منطقة العمليات إلى عجزهم عن حشد أعداد كبيرة من طائرات القتال خلال ضرباتهم الجوية التي كانت تتم على أقصى مدى لتلك الطائرات وبأعداد قليلة نسبياً في كل هجمة.

وقد أكدت حرب "فوكلاند" أن القوة الجوية العضوية التي تعمل من فوق سفن السطح هي مفتاح النجاح في العمليات البحرية الكبرى التي تجري في مسارح العمليات البعيدة خارج مدى عمل الطائرات من قواعدها في أرض الدولة.

2. القتال الجوي

لقد كانت الحرب الجوية في "فوكلاند" ـ في أحد جوانبها الرئيسية ـ صراعاً بين طائرات القتال الأرجنتينية وبين مقاتلات "سي هارير" البريطانية التي كانت مكلفة بحماية أسطول قوة الواجب بالتعاون مع وسائل الدفاع الجوي الذاتية لسفن ذلك الأسطول، وعلى الرغم من أن نتيجة القتال الجوي كانت لصالح البريطانيين على طول الخط، فلم يكن ذلك لافتقار الطيارين الأرجنتينيين إلى البسالة والكفاءة، فقد أظهر هؤلاء الطيارون شجاعة ومهارة في الهجوم على السفن البريطانية التي شهدت بها نتائج هجماتهم واعترف بها البريطانيون أنفسهم، غير أن القتال الجوي مع الطائرات البريطانية لم يكن هدفهم، حيث اقتضى عملهم على أقصى مدى لطائراتهم عدم التورط في قتال جوي مع الطائرات البريطانية، لأن أي اشتباك لبضع دقائق مع تلك الطائرات كان كفيلاً باستهلاك نسبة لا بأس بها من الوقود اللازم لعودة تلك الطائرات إلى قواعدها في الأرجنتين، ولذلك كانت تعليمات القيادة الأرجنتينية لطياريها تقضي بتجنب الاشتباك مع المقاتلات البريطانية تأميناً لسلامة عودتهم إلى قواعدهم، وقد استغل البريطانيون هذا القصور لإيقاع أكبر قدر من الخسائر في الطائرات الأرجنتينية.

وإن اختلاف المهام الرئيسية لكل من طائرات القتال الأرجنتينية والبريطانية يجعل من الصعب استخلاص الدروس من القتال الجوي الذي جرى في معظمه في صورة هجمات جوية بريطانية على طائرات قتال أرجنتينية اختارت ـ عن قصد ـ عدم التورط في قتال جوي مكتفية بمناورات التخلص والهروب بعد تنفيذ مهامها حرصاً على كمية الوقود اللازمة لعودتها، وما من شك أن نتيجة القتال الجوي كانت ستختلف لو توفر للطائرات الأرجنتينية قدرة أكبر على البقاء في الجو وصواريخ مماثلة للصاروخ الأمريكي المتطور "سايد وندر AIM-9L" الذي زُودت به المقاتلات البريطانية عند تصاعد الأزمة، والذي يسمح بالاشتباك خلف مدى النظر وتعود إليه معظم خسائر الطائرات الأرجنتينية نتيجة القتال الجوي[2]، أو لو توفر للأرجنتينيين القدرة على توجيه ضربات جوية شاملة بأعداد كبيرة من الطائرات أكثر من قدرات الصد لدوريات المقاتلات البريطانية.

وقد أثبت الاستخدام القتالي لطائرات "سي هارير" في القتال الجوي فعالية ومرونة طائرات الإقلاع والهبوط الرأسي (VTOL)، كما أكد قدرتها على العمل بكفاءة من فوق سفن السطح، وهو ما سمح لها بالقيام بالعبء الرئيسي من أعمال القتال البريطانية في تلك الحرب، ومواجهة طائرات تفوقها في السرعة بفضل تزويدها بصواريخ جو/ جو أكثر تطوراً.

3. المعاونة الجوية والهجوم على السفن

على الرغم من استخدام الجانبين للصواريخ الموجهة بفاعلية، سواء ضد السفن أو ضد بعض الأهداف البرية والرادارات، فقد كانت معظم الهجمات الجوية على الأهداف البرية والمطارات والسفن تتم باستخدام القنابل الحديدية التقليدية والتي أثبتت أنها لا زالت صالحة للاستخدام في عصر الصواريخ.

فعلى الجانب البريطاني استخدمت تلك القنابل في الهجوم على المطارات والقوات البرية الأرجنتينية في جزر "فوكلاند"، أمّا على الجانب الأرجنتيني فباستثناء الهجوم على المدمرة "شيفلد" وسفينة الحاويات "أتلانتك كونفيور"، اللتين تعرضتا للهجوم بواسطة صواريخ "إكسوست"، فقد استخدمت القنابل الحديدية في الهجوم على باقي السفن البريطانية التي تمَّت إصابتها أو إغراقها، كما استخدمها الأرجنتينيون في الهجوم على القوات البرية البريطانية ومراكز قياداتها البرية، وقد أكدت الهجمات الجوية الأرجنتينية من الارتفاع المنخفض فعاليتها في اختراق الدفاعات الجوية البريطانية، وكان يمكنها أن تحقق خسائر أكبر للسفن البريطانية لو عالج الأرجنتينيون مشكلة قنابلهم التي لم تنفجر.

ومن ناحية أخرى أكدت الهجمات الجوية باستخدام الصواريخ الموجهة فعاليتها سواء ضد سفن السطح أو الغواصات الطافية.

وفي مجال المعاونة الجوية القريبة أثبتت طائرات "الهارير GR3" فعاليتها ومرونتها وقدرتها على العمل من الحاملات وأراضي الهبوط الميدانية الصغيرة، وهو ما سمح لها بتنفيذ 500 طلعة ضد القوات الأرجنتينية في جزر "فوكلاند" بأقل قدر من الخسائر على الرغم من أنها كانت أكثر تعرضاً للدفاعات الجوية الأرجنتينية من زميلتها البحرية من طراز "سي هارير.

4. الإنذار الجوي

عندما اشتعلت "حرب فوكلاند" كانت المملكة المتحدة لا تملك أي نظم إنذار جوي محمولة في الطائرات، وكان على أسطول قوة الواجب أن يدفع ثمن هذا القصور الخطير، والذي ضاعف من تأثيره ضعف شبكة الإنذار الجوي التي تعتمد على رادارات "الهارير" وسفن قوة الواجب، وقد ظهر مبكراً عدم كفاية النظام الأخير في مواجهة الطائرات الأرجنتينية التي كانت تقترب على ارتفاعات منخفضة، حيث كان ذلك الارتفاع لا يسمح باكتشافها قبل أن تصبح على مسافة 35-45 كم من سفن التغطية الرادارية، وعلى هذا المدى كان يمكن للطائرات الأرجنتينية الارتفاع وإطلاق صواريخها أو الهجوم بقنابلها قبل أن تقوم سفن التغطية بأية إجراءات دفاعية فعالة، وقد كانت المدمرة " شيفلد" على سبيل المثال تقوم بمهمة التغطية الرادارية لمجموعة الحاملات عندما تعرَّضت للهجوم الجوي الأرجنتيني بصاروخ "إكسوست" أسكنها أعماق المحيط.

وقد أكدت حرب "فوكلاند" الدرس القديم الذي دفع العرب ثمنه غالياً عام 1967، وهو أنه في ظل ظروف الحرب الجوية الحديثة وقدرة الطائرات المعادية على الاقتراب المنخفض من أهدافها، فإنه لا غنى عن نظم الإنذار المحمولة جواً لتعميق مدى الإنذار الجوي من ناحية، واكتشاف الأهداف المقتربة على ارتفاعات منخفضة من ناحية أخرى، وخاصة بالنسبة إلى الأساطيل البحرية وتشكيلات الطائرات التي تعمل بعيداً عن مدى المحطات الرادارية ثلاثية الأبعاد المُقامة على الشواطئ الصديقة.

ولقد حاول البريطانيون استخدام طائرات "سي هارير" في مهام الإنذار الجوي، إلا أنهم كانوا مقيدين بعدد الطائرات المتاحة وقدرة الرادارات المجهزة بها تلك الطائرات، فلم يكن هناك سوى ثمان وعشرين طائرة من ذلك الطراز، كما كان جهاز رادار "بلوفوكس" المجهز به تلك الطائرات والمصمم أصلاً للقتال الجوي ـ غير قادر على الكشف في الاتجاه الأسفل، ومن ثمَّ كانت الطائرات الأرجنتينية التي تطير على ارتفاع منخفض قادرة على الإفلات من المراقبة الرادارية لتلك الطائرات أثناء وجود الأخيرة في الدوريات الجوية، ما لم يرها طيارو المقاتلات البريطانية بالعيْن المجردة.

وعلى الجانب الآخر كان الأرجنتينيون يفتقرون أيضاً إلى نظام الإنذار المحمول جواً، غير أنهم حاولوا تعويض هذا القصور باستخدام طائرات "البوينج 707" في أعمال الاستطلاع الراداري في عرض المحيط بعيداً قدر الإمكان عن تهديد طائرات "الهارير" البريطانية، وعلى شواطئ جزر "فوكلاند" اعتمد الأرجنتينيون على أجهزة رادارات الدفاع الجوي المتحركة ثلاثية الأبعاد من طراز "تي بي إس-43، 44 TBS-43,44" لإنذار قواتهم وطائراتهم.

وقد اعتمدت الطائرات الهجومية الأرجنتينية كثيراً على الرادارات الأخيرة، إلا أنه على الرغم من الأداء الجيد لتلك الرادارات فقد كان بها كثيرٌ من الثغرات من حيث المدى والتغطية ممَّا حَدَّ من قدراتها على تزويد الطائرات الأرجنتينية بالمعلومات الضرورية لها.

5. المدفعية المضادة للطائرات

استخدم الأرجنتينيون المدفعية المضادة للطائرات خلال الحرب في مهام الدفاع الجوي عن الأهداف البرية والجوية ودعم نيران المواقع الدفاعية البرية في المناطق التي تتمركز بها عند الحاجة، وقد ركز الأرجنتينيون أغلب مدافعهم المضادة للطائرات للدفاع الجوي عن مطار "بورت ستانلي" ومطار "كندور" بالقرب من "جوس جرين"، حيث خُصِّص للدفاع عن الأول بطاريتا مدفعية عيار 35 مم "أورليكون" ثنائية المواسير مزودة برادار "سوبر فيلد موس"، بالإضافة إلى بطارية مدافع عيار 20 مليمتراً مزودة برادار "سكاي جارد"، وقاذفات صواريخ أرض/ جو من طراز "رولاند" و"تايجر كات" و"أس. إيه. 7 SA7"، وكانت المهمة الرئيسية للوحدات السابقة هي الدفاع الجوي عن مدرج المطار. وقد أثبتت المدافع عيار 35 مليمتراً فاعليتها حتى ارتفاع 10000 قدم (3000 م)، وصواريخ "تايجر كات" و"رولاند" حتى ارتفاع 12000 قدم (3600 م)، غير أن راداراتها كانت تتعرض للتشويش بجهاز "إيه. إل. كيو-101 ALQ-101" المجهزة به طائرات "الفولكان" البريطانية كلما قامت تلك الطائرات بالهجوم على المطار.

أما الدفاع المضاد للطائرات حول مطار "كندور" فقد تَشكَّل من ثمانية مدافع مزدوجة عيار 20 مليمتراً وقاذفيْ صواريخ أرض/ جو من طراز "إس. إيه. 7" ورادار "سكاي جارد" وآخر من طراز "ألفا"، وقد أصابت تلك المدافع إحدى طائرات "سي هارير" في الرابع من مايو، ونجحت في إجبار تلك الطائرات على البقاء بعيداً عن أجواء المنطقة، وقد فشلت مقاتلات "الهارير" في إسكاتها أيام 16، 17، 18 مايو، بينما نجحت تلك المدفعية في إسقاط طائرة "هارير" أخرى في السابع والعشرين من مايو، كما لعبت دوراً ناجحاً في تعطيل تقدم القوات البريطانية نحو "جوس جرين" في اليوم التالي.

ويوضح الاستخدام الأرجنتيني الناجح للمدفعية المضادة للطائرات، سواء في مجال الدفاع الجوي أو الدفاع البري، أهمية الدور المزدوج للمدفعية المضادة للطائرات وخاصة بعد تعدد مواسيرها وتزويدها بأجهزة الرادار الحديثة، وعلى الرغم من التطور الذي حدث في مجال صواريخ الدفاع الجوي فلا يمكن الاستغناء عن المدفعية المضادة للطائرات، في الحرب الحديثة، خاصة ضد الطيران المنخفض.

أمّا على الجانب الآخر، فقد اعتمد البريطانيون على نظم الصواريخ أرض (سطح)/ جو أكثر من اعتمادهم على المدفعية المضادة للطائرات، إلا أن نجاح الطائرات الأرجنتينية في اختراقات الدفاعات الجوية البريطانية عن قوة الواجب عدة مرات، وإغراق وإصابة سبع عشرة سفينة بريطانية نتيجة للهجمات الجوية كان يدعو من غير شك إلى إعادة النظر في نظام الدفاع الجوي الذاتي عن السفن في مسارح العمليات البعيدة، فقد أكدت نتائج الهجمات الجوية الأرجنتينية على ضرورة تجهيز السفن بأعداد كبيرة من المدافع والرشاشات ذات معدلات نيران عالية يتوفر لها القدرة على التعامل أوتوماتيكياً مع الطائرات المعادية، مع نشر هذه المدافع والرشاشات، والصواريخ الخفيفة الموجهة بنظام الأشعة تحت الحمراء مثل صواريخ "ستينجر" الأمريكية على سطح السفن بحيث تغطي الزوايا الميتة للصواريخ سطح/ جو المجهزة بها السفن.

6. الصواريخ أرض (سطح)/ جو

استخدمت الصواريخ أرض (سطح)/ جو على نطاق واسع في حرب "فوكلاند" سواء للدفاع عن السفن والقوات البريطانية، أو للدفاع عن المطارات والأهداف الحيوية الأرجنتينية في جزر "فوكلاند"، وقد استخدم أسطول قوة الواجب صواريخ سطح/ جو من طراز "سي وولف" و"سي دارت" و"سي كات"، بينما استخدمت القوات البرية البريطانية صواريخ "رابير" و"بلو بايب" و"ستنجر".

وطبقاً لبيانات وزارة الدفاع البريطانية التي أُذيعت بعد الحرب أن اثنتين وخمسين طائرة وطائرة عمودية أرجنتينية قد تم إسقاطها بواسطة الصواريخ أرض (سطح)/ جو البريطانية على النحو التالي:

أ. خمس طائرات وطائرات عمودية بواسطة صواريخ "سي وولف".

ب. ثماني طائرات وطائرات عمودية بواسطة صواريخ "سي دارت".

ج. ثماني طائرات وطائرات عمودية بواسطة صواريخ "سي كات".

د. تسع طائرات وطائرات عمودية بواسطة صواريخ "بلو بايب".

هـ. أربع عشرة طائرة وطائرة عمودية بواسطة صواريخ "رابير".

و. ثماني طائرات وطائرات عمودية بواسطة الصواريخ الأخرى (غالباً "ستنجر).

وهذه الأرقام تمثل 51% من جملة الطائرات والطائرات العمودية، التي اعترفت الأرجنتين بخسارتها في تلك الحرب (102 طائرة وطائرة عمودية)، ولما كان هناك نحو ثلاثين طائرة وطائرة عمودية أرجنتينية تمَّ تدمير بعضها على الأرض في مطارات "فوكلاند" واستولت الطائرات البريطانية على البعض الآخر في تلك المطارات، فإن نسبة الطائرات والطائرات العمودية، التي أسقطتها الصواريخ ترتفع إلى 72% من جملة الطائرات الأرجنتينية التي تم إسقاطها، وهي نسبة عالية إذا قورنت بنسبة الإسقاط في القتال الجوي والتي لم تزد عن 28%، وقد أكدت تلك الخسائر أهمية دور الصواريخ أرض (سطح)/ جو في منظومة الدفاع الجوي عن الدولة أو في مسارح العمليات البعيدة، وهو الدور الذي برز خلال حرب أكتوبر عام 1973 نتيجة للخسائر الجسيمة التي أنزلتها الصواريخ المصرية والسورية بالطائرات الإسرائيلية في تلك الحرب.

ولم تكن نتائج الصواريخ أرض/ جو على الجانب الأرجنتيني أقل فاعلية، فعلى الرغم من أن خسائر الطائرات والطائرات العمودية البريطانية نتيجة لأعمال قتال العدو كانت أقل من نظيرتها الأرجنتينية (23 مقابل 60) فإن نحو 61% من تلك الخسائر كان نتيجة لأعمال قتال الدفاع الجوي الأرجنتيني وخاصة الصواريخ أرض/ جو، ونحو 39% منها نتيجة الهجمات الجوية الأرجنتينية على السفن المحملة بالطائرات العمودية.

وعلى الرغم من النتائج السابقة للصواريخ أرض (سطح)/ جو، فقد أظهر الاستخدام الميداني لها عدداً من العيوب ونقاط الضعف في بعض طرازاتها، فبالنسبة إلى نظام صواريخ "رابير" ثبت أن الأجهزة الإلكترونية في هذا النظام شديدة الحساسية أكثر من اللازم عند التعامل الخشن معها، والذي غالباً ما يحدث في بيئة الحرب، وتبين أنه من بين الإثني عشر قاذفاً من قواذف هذه الصواريخ التي وُضعت في منطقة "سان كارلوس" في بداية الإنزال لحماية السفن البرمائية وقوات الإبرار كان هناك ثماني قواذف عاطلة عن العمل خلال اليوم الأول للإبرار، وهو أحرج أيام العملية "سَتْون". وقد أدت الأعطال المتزايدة لتلك الصواريخ وقلة المدفعية المضادة للطائرات على السفن البريطانية إلى كثرة عدد السفن التي أصيبت أو أُغرقت نتيجة للهجمات الجوية الأرجنتينية.

أما صواريخ "بلوبايب" فكان أقصى ما حققته هو ثماني إصابات من بين مائة صاروخ تمَّ إطلاقها خلال الحرب، أي ما يساوي 8%، وهي نسبة منخفضة مقارنة بصواريخ "رابير" التي حققت نسبة 31% على الرغم من عيوبها السابقة، وقد أكدت تلك الحرب عدم فاعلية صاروخ "بلوبايب" ضد الأهداف العابرة والمقتربة، إلا أنه على الرغم من هذه العيوب فقد ساعد تزويد القوات البرية البريطانية بأعداد كبيرة من تلك الصواريخ الخفيفة على الحد من فعالية الهجمات الجوية الأرجنتينية ضد هذه القوات.

سادساً: دروس الحرب البحرية

1. أهمية السيطرة الجوية لتأمين أعمال القتال البحرية

أكدت "حرب فوكلاند" مرة أخرى الأهمية البالغة للسيطرة الجوية وأثرها على الحرب البحرية، فحتى عام 1940 كان يمكن لأسطول يتكون من عدد كافٍ من السفن أن يذهب إلى أي مكان ويفعل ما يشاء في المحيطات والبحار المفتوحة، إلا أنه بعد أن بدأت القوة الجوية تلعب دورها البارز في الحرب العالمية الثانية وتنامى هذا الدور فيما تلاها من حروب، أصبحت القوة البحرية عاجزةَ عن القيام بدورها التقليدي السابق مادام العدو يملك السيطرة الجوية فوق تلك البحار، ومن ثمَّ بُنيت حاملات الطائرات كأحد العناصر الأساسية في تشكيل الأساطيل التي تجوب البحار لتوفر لتلك الأساطيل السيطرة الجوية اللازمة لها للقيام بدورها.

ولما كانت طبيعة الحاملات وسعاتها عادة ما تكون أقل من المطارات على اليابسة فإنه من الصعب حشد الأعداد المطلوبة من الطائرات على متن الحاملات لتحقيق السيطرة الجوية في مواجهة عدو يعمل من مثل هذه المطارات إلا بزيادة عدد حاملات الطائرات أو تحقيق التفوق النوعي في القوة الجوية على متن تلك الحاملات، غير أنه عندما تصاعدت الأزمة بين المملكة المتحدة والأرجنتين حول جزر"فوكلاند" واحتكم الطرفان إلى السلاح لم يكن لدى الأولى سوى حاملتين صغيرتين لطائرات الإقلاع والهبوط الرأسي والطائرات العمودية وكانت طائرات "الهارير" هي الوحيدة من بين طائرات القتال البريطانية القادرة على العمل من هاتين الحاملتين، بينما كان نحو 60% من طائرات القتال الأرجنتينية التي تعمل من مطارات اليابسة، وطائرات بحريتها ـ التي يمكنها العمل من على متن حاملتها الوحيدة ـ قادرة على تهديد الأسطول البريطاني جنوب الأطلسي.

ولما كان التفوق النوعي في طائرات القتال في جانب الأرجنتين، فقد تمتعت الأخيرة بمزايا التفوق العددي والنوعي، الأمر الذي لم يسمح للبريطانيين بتحقيق السيطرة الجوية اللازمة لتأمين أسطولهم في منطقة العمليات البحرية حول جزر "فوكلاند"، غير أنه حَدَّ من التفوق الجوي الأرجنتيني المشار إليه افتقار الطيارين الأرجنتينيين للتدريب الكافي على العمل فوق البحر، واضطرارهم للقيام بمهامهم على أقصى مدى لطائراتهم ـ مما لا يوفر لهم وقود يسمح بالاشتباك ـ بينما كان البريطانيون أفضل تدريباً، واستغلوا تفوقهم العددي في الطيارين لزيادة معدل طلعات طائراتهم لتعويض قلة عددها، وتزويد تلك الطائرات بتسليح متفوق عوض قصورها النوعي، خاصة وأن أغلب أعمال القتال كانت تدور على الارتفاعات المنخفضة حيث لا يظهر مزايا التفوق النوعي لطائرات القتال الأرجنتينية.

ونتيجة لعجز أسطول قوة الواجب عن تحقيق السيطرة الجوية في منطقة العمليات فقد دفع ذلك الأسطول ثمناً باهظاً من سفنه، حيث أُغرقت "شيفلد" بصاروخ موجه جو/ سطح أُطلق من هجوم جوي على ارتفاع منخفض بعد أن عجزت أجهزة الرادار المجهزة بها السفن البريطانية وطائرات "الهارير" عن رصد الطائرات الأرجنتينية قبل اطلاقها ذلك الصاروخ، كما احترقت "أتلانتك كونفيور" ثم أُغرقت نتيجة الهجوم عليها بصاروخ مماثل أما باقي السفن السبع التي فقدها أسطول قوة الواجب والعشر سفن التي دُمرت جزئياً من ذلك الأسطول، فقد جاءت خسائرها نتيجة الهجمات الجوية الأرجنتينية بالقنابل الحديدية التقليدية، وكان يمكن أن تتضاعف تلك الخسائر لو انفجرت كل القنابل التي أصابت السفن البريطانية.

2. أهمية نظم الأسلحة البحرية الحديثة وفعاليتها

على الرغم من عجز طائرات "الهارير" عن تحقيق السيطرة الجوية في حرب "فوكلاند" فإن من بين كل الأسلحة التي استخدمها الأسطول البريطاني في تلك الحرب كانت طائرات "سي هارير" هي الأكثر فعالية وبروزاً، وبدونها كان يمكن للمملكة المتحدة أن تخسر الحرب، فقد مكَّنها تسليحها وأجهزتها الإلكترونية المتفوقة وقدرتها العالية على المناورة، والمستوى العالي لطياريها من أن تكون نِداً لطائرات القتال الأرجنتينية التي واجهتها، الأمر الذي يبرز دور التقنية المتفوقة ومستوى التدريب العالي للطيارين والأطقم الفنية في رفع معامل الكفاءة النوعية لنظم الأسلحة.

وبرز في تلك الحرب استخدام الجانبين للتقنية العالية كثيرة التكلفة، حيث استخدمت السفن والطائرات نظم أسلحة ومعدات إلكترونية متقدمة وخاصة بالنسبة إلى الصواريخ جو/ جو، وجو/ سطح، وأرض/ سطح، فضلاً عن استخدام معدات الحرب الإلكترونية والغواصات المزودة بمحركات نووية، والاتصالات المؤمَّنة المعتمدة على الأقمار الصناعية، الأمر الذي سيجعل المحللين مستقبلاً يتساءلون ـ عند تقييمهم للقدرات القتالية للسفن ـ عن كفاءة النظم الإلكترونية ونظم الأسلحة بتلك السفن ومعدات الحرب الإلكترونية المزودة بها، ومدى قدرة تلك السفن على البقاء في ظل الحرب البحرية الحديثة.

وقد برز خلال الحرب عددٌ من نظم الأسلحة التي استخدمت لأول مرة في الحرب البحرية، فبالإضافة إلى طائرات "الهارير" البريطانية، أثبتت صواريخ "إكسوست" الفرنسية الأصل كفاءتها في تلك الحرب، وكان صاروخٌ واحدٌ منها كافياً لإغراق مدمرة حديثة مثل "شيفلد" أو سفينة كبيرة مثل "أتلانتك كونفيور"، وقد ثبت أن أفضل دفاع ضد مثل هذه الصواريخ يتطلب تدمير الطائرات التي تحملها قبل أن تطلق تلك الصواريخ، وهو الأمر الذي يحتم ضرورة وجود نظم إنذار جوي محمولة بالطائرات مع الأساطيل البحرية تكون قادرةَ على اكتشاف الطائرات المعادية المقتربة على ارتفاع منخفض على مسافة مائتي ميل حتى يتوفر الوقت اللازم للتعامل مع تلك الطائرات قبل إطلاق صواريخها على سفن الأسطول. كما أبرزت حملة "فوكلاند" أهمية الحرب الإلكترونية ضد الأهداف الطائرة بداية من اكتشافها والتعرف عليها (صديقة أم معادية) إلى الشوشرة عليها وإعمائها أو تدميرها.

وعلى صعيد بناء السفن، أثارت المتاعب الكثيرة التي عانت منها السفن البريطانية نتيجة للحرائق أسئلة عديدة حول المواد المستخدمة في عملية البناء، ونظم السيطرة على التدمير، وأسلوب مكافحة الحرائق، وأدت دروس تلك الحرب إلى صرف النظر تماماً عن استخدام الألومنيوم في بناء السفن الحربية بعد أن ثبت تأثره السريع بدرجات الحرارة العالية الناتجة من الحرائق، والعودة مرة أخرى إلى استخدام الصلب في بناء هياكل السفن، كما يشمل التغيير التقنيات المستخدمة في مكافحة الحريق والمعدات المستخدمة فيه.

3. سفن الأسطول التجاري

أكدت "حرب فوكلاند" أهمية الأسطول التجاري، ليس فقط كاحتياطي ودعم لسفن المعاونة والتأمين الإداري والفني التابعة للأسطول الحربي، وإنما أيضاً كقواعد عائمة لإيواء الوحدات الاحتياطية لحين دفعها للاشتباك، ومستودعات طوارئ عائمة لاحتياجات الوحدات المقاتلة، كما سمح تجهيز بعض السفن التجارية بأسطح قوية باستخدام تلك السفن لإيواء الطائرات والطائرات العمودية سواء أثناء الرحلة البحرية أو إدارة العمليات حيث كانت تجرى لها أعمال الصيانة والإصلاح، وكان أبرز مثال على ذلك سفينة الحاويات "أتلانتك كونفيور" التي عملت ـ حتى غرقها ـ كحاملة معاونة.

وقد تمَّ إدماج عدد كبير من السفن التجارية المستأجرة مع الأسطول الحربي وعملت عليها أطقم مشتركة وشارك بعضها في عمليات الإبرار في "سان كارلوس"، كما جُهز العديد من تلك السفن بأنظمة الاتصالات عَبْر الأقمار الصناعية، وعلى ذلك فإننا سنرى في المستقبل مزيداً من دمج السفن التجارية في الأساطيل الحربية وقت الأزمات والحروب ـ على ضوء تجربة "فوكلاند" ـ ليس فقط للقيام بأعمال المعاونة والتأمين الإداري والفني ولكن أيضاً للقيام بالأعمال شبه القتالية كما حدث في تلك الحرب، وهو ما يستوجب أن يُوضع في الاعتبار عند تصميم وبناء سفن المستقبل إمكانية استخدامها في الأغراض الحربية وتجهيزها بوسائل الدفاع الذاتية ضد الطائرات والغواصات عند الحاجة، فقد أثبتت "حرب فوكلاند" أن المملكة المتحدة ما كان يمكنها شن حملتها لاستعادة تلك الجزر دون الأعداد الكبيرة من سفن أسطولها التجاري التي قامت بتعبئتها واستئجارها لدعم أسطولها الحربي.

وفي النهاية فإنه يمكن القول ـ في ضوء دروس حرب "فوكلاند" ـ إن السيطرة البحرية لم تفقد أهميتها في ظل بروز أهمية السيطرة الجوية، خاصة في مسارح العمليات البعيدة والتي يغلب عليها الطابع البحري، إلا أن السيطرة الجوية على مسرح العمليات مازالت هي مفتاح النصر ـ سواء في العمليات البحرية أو البرية أو الجوية ـ كما كان عليه الحال منذ الحرب العالمية الثانية، وهي العامل الذي لا غنى عنه لتحقيق السيطرة البحرية وتمكين القوات البرية والبحرية من القيام بدورها في الحرب.

كما أبرزت "حرب فوكلاند" التكلفة العالية للحروب الحديثة حتى ولو كانت ضد إحدى دول العالم الثالث، فخلال الأربعة والسبعين يوماً التي استغرقتها حرب "فوكلاند" تكلفت المملكة المتحدة ما يزيد على 1.6 بليون جنيه إسترليني أي ما يقرب من ثلاثة بلايين دولار، كما تكلفت الأرجنتين ما يزيد قليلاً عن ذلك الرقم، وهو عبء ضخم دفع فاتورته الشعبان البريطاني والأرجنتيني ثمناً لحرب لم يسع إليها أحد.


 



[1] قدرت بعض المصادر البريطانية تلك التكلفة بنحو بليونين من الجنيهات الإسترلينية.

[2] قدرتها البيانات الرسمية لوزارة الدفاع البريطانية بنحو 20 طائرة.