إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / أزمة تخصيب الوقود النووي الإيراني




مفاعل بوشهر النووي
المفاعلات النووية من الفضاء


المفاعلات النووية الإيرانية



أزمة تخصيب الوقود النووي الإيراني

المبحث الثاني

الإستراتيجية الإيرانية لتخصيب اليورانيوم

في نطاق برنامج نووي طموح

عندما قرر النظام الإيراني استعادة تفعيل البرنامج النووي الذي كان الشاه السابق قد بدأه في حقبة السبعينيات، فإن العديد من العوامل أدت إلى اتخاذ هذا القرار متزامنة مع إصرار القيادة الإيرانية على تحقيقه وجعله إستراتيجية مستقبلية ثابتة، ضاربة عرض الحائط بما قد تجلبه هذه الإستراتيجية عليها من مشكلات وأزمات.

إن إيران وصلت في تصادمها مع العالم الخارجي بشأن برنامجها لتخصيب اليورانيوم إلى إشعال حرب باردة جديدة في منطقة الشرق الأوسط، وأدت إلى دعم ادعاءات الغرب في إحلال خطر الأصولية الإسلامية والإرهاب الإسلامي الذي يهدف إلى امتلاك قدرات نووية، محل خطر الشيوعية الدولية، والمعسكر الشيوعي الذي كان هو العدو الأول للغرب ومن ثم حلت أطراف جديدة مثل إيران وتنظيم القاعدة بدلاً من الإتحاد السوفيتي القديم وحلفائه في السياسة الأمريكية، وسياسة حلف شمال الأطلسي.

أولاً: العوامل المؤثرة في توجه الإستراتيجية الإيرانية نحو امتلاك قدرات نووية:

تتعدد هذه العوامل، وتنبع من ركائز في الشخصية الإيرانية، إلي جانب العديد من المتغيرات التي تحاول إيران مواجهتها من خلال امتلاك قوة ردع حاسمة.. وأهم هذه العوامل هي:

1. الشعور القومي بضرورة التفرد والهيمنة، وهو تأصيل للشخصية الإيرانية منذ القدم، وأدى إلى العديد من الصدامات في مراحل متعددة من التاريخ.

2. محو آثار حربها مع العراق، والتي امتدت لثماني سنوات، وانتهت بنصر سياسي عراقي وتركت آلاما تاريخية للقيادة والشعب الإيراني. وعلى الرغم مما حدث للعراق على يد التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وتدمير قوته العسكرية وبنيته الأساسية، والتي مثلت ميزة كبري لصالح إيران، إلا أن إيران تعمل للمستقبل تجاه أي قوى أخرى ناشئة في المنطقة.

3. إن منطقة الشرق الأوسط تشهد فراغاً أمنياً كبيراً بالقياس لأهميتها الإستراتيجية وثرواتها الكبيرة، وتحاول إيران إيجاد مكان لها لملء هذا الفراغ، وعدم تركه للآخرين، وتضع سياستها طبقاً لما كانت تحققه أيام الشاه في حقبة السبعينيات حيث تنصب نفسها شرطياً لمنطقة الخليج.

4. رأت إيران أن قدراتها في التأثير على المنطقة، لابد أن تنبع من قدرتها في مواجهة القوي الكبرى في النظام العالمي الجديد الذي يحاول اختراق المنطقة والسيطرة عليها أو الالتفاف حولها، لذلك، فقد كان تصاعد التوتر تجاه الولايات المتحدة أمراً لا مفر منه، لا سيما بعد تصنيف النظام العالمي الجديد لإيران بأنها دولة شر" بمعني اقتناص الفرص للقضاء على نظامها طبقاً لمفهوم النظام العالمي الجديد.

5. إن مبادئ الثورة الإسلامية، وتوجهاتها نحو بناء دولة إسلامية كبري تعتنق المذهب الشيعي، وتمتد من الجزيرة العربية إلى العراق إلى إيران، لا زالت قائمة، بل إن وصول الرئيس "محمود أحمدي نجاد" إلى سدة الحكم أحيت الكثير من هذه المبادئ التي كانت قد خفتت أبان الحكم الإصلاحي الذي قاده الرئيس خاتمي.

6. إن الحكومة الإيرانية، قدرت موقفها للوصول إلى درجة معينة من التأثير في مجالها الإقليمي خاصة بعد التخلص من قدرة العراق العسكرية، وتهديدات طالبان (أفغانستان) لحدودها الشمالية الشرقية، ووجدت أن إسرائيل هي الوسيلة الرئيسة لتأكيد هذا التأثير من خلال عدة إجراءات أهمها:

أ. اتخاذ شعار تحرير فلسطين وسيلة للتأثير على الرأي العام العربي، وبما يرفع من شأن إيران إقليمياً، في مواجهة الحكومات العربية خاصة التي لا ترفع هذا الشعار أو اتجهت نحو تحقيق سلام مع إسرائيل.

ب. محاولة تحقيق توازن إستراتيجي عسكري مع إسرائيل خاصة في مجال الأسلحة فوق التقليدية الأمر الذي يرفع من شأن إيران عالميا.

ج. محاولة حصار إسرائيل وبناء جبهة إيرانية حولها من خلال تحالفات مع دول وأنظمة تتعامل معها إيران أو تسيطر عليها.

د. تهديد الدول المعتدلة في المنطقة، التي لا تساير التوجهات الإيرانية، ومحاولة تأليب الرأي العام الوطني فيها على حكوماته.

7. حرصت القيادة الإيرانية في تقديرها لموقفها المتوجه نحو الهيمنة وامتلاك قدرة ردع فعالة علي استغلال الوضع الجيواستراتيجي لإيران ذات المساحة الكبيرة التي تبلغ حوالي 1.64 مليون كم2 تمثل حوالي 9.43% من مساحة الشرق الأوسط، إلى جانب جغرافيتها التي تتصف بعدة صفات خاصة منها امتداد سلاسل الجبال على الحدود الخارجية للبلاد مكونة نطاق تأمين طبيعي للداخل، ومنها امتداد سواحلها بأطوال 2440 كم على الخليج العربي وخليج عمان، وحوالي 740 كم على بحر قزوين، ومنها مشاركة سبع دول إيران في حدودها البرية التي تمتد لمسافة حوالي 5440 كم، وكلها عوامل تتطلب امتلاك إيران لأسلحة ردع طويلة المدى وذات تأثير مناسب.

8. تواجه القيادة الإيرانية العديد من التهديدات التي أفرزتها البيئة الدولية والإقليمية من أهمها

أ. الوجود العسكري الأجنبي الكثيف في منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة، وحول إيران بصفة خاصة، وهو وجود يحمل تهديدات كبري لإيران، على الرغم أنها تواجهه بتحد كامل، وتظهر باستمرار أنها ند قوي قادر على إيقاع هزيمة بالخصوم.

ب. العقوبات الدولية المتكررة على إيران منذ عقد الثمانينيات من القرن العشرين وزادت خلال الأعوام الأخيرة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

ج. الإستراتيجية الأمريكية ـ الإسرائيلية المتربصة بالبرنامج النووي الإيراني والتي تهدف إلى عدم تمكين إيران من تحقيق معادلة التوازن النووي مع إسرائيل.

د. انتشار الأسلحة النووية في قارة آسيا، ومن بينها دول لها حدود مباشرة مع إيران مثل باكستان أو قريبة منها مثل الهند، وهو ما يتطلب تحقيق توازن إستراتيجي إيراني في هذا المجال.

9. في إطار تلك المحددات، جاءت صياغة السياسة العسكرية الإيرانية في بناء برامج تطوير القدرة العسكرية الإيرانية لامتلاك إمكانات ردع فوق تقليدية على النحو التالي:

أ. امتلاك برنامج نووي نشط، وإن كان ظاهره يحمل استخدام الطاقة النووية في المجالات المدنية، خاصة المفاعلات الكهروذرية إلا أن هذا البرنامج يمثل البداية الصحيحة لامتلاك قدرات نووية عسكرية، لا سيما مع التوسع في مجال تخصيب اليورانيوم.

ب. إعطاء أولوية لامتلاك قدرات تسليح فوق تقليدية لتوصيل الأسلحة الذرية- بعد إنتاجها- إلى أهدافها بدقة مناسبة، ومن هذه الأسلحة الصواريخ البالسيتية- الطائرات بعيدة المدى- الغواصات.. الخ.

ج. تطوير وتحديث أسلحة الدفاع الجوي، خاصة المضادة للصواريخ بهدف صد أي ضربات لمنشآتها النووية.

د. توزيع المنشآت النووية على مساحات واسعة، وتوفير سبل إخفائها والدفاع عنها بقدر الإمكان، مع تحقيق بدائل لو أصاب بعضها العدوان.

هـ. التهديد المباشر للدول المحيطة بإيران، خاصة دول الخليج، بأنها ستتلقى ضربات صاروخية لتدمير القواعد الأمريكية على أراضيها في حال إقدام الولايات المتحدة على توجيه ضربة لمنشآتها النووية إلى جانب تحالف إيراني مع منظمات ودول محيطة بإسرائيل، وتدعمها عسكرياً للتدخل ضد إسرائيل في حال عدوانها علي إيران، بمعني أن إيران تتخذ من دول الخليج العربية، ومن إسرائيل درعاً يحميها من ضربات أمريكية أو إسرائيلية محتملة.

ثانياً: الهدف الإستراتيجي الإيراني لامتلاك قدرة نووية من خلال تخصيب اليورانيوم

يتمثل الهدف في وضع إيران ضمن الدول المتقدمة، والمستخدمة للتكنولوجيا النووية والتي تمتلك قدرات تحقق التفوق أو التوازن على المستوي الإقليمي والتأثير على المستوي العالمي، والذي يمكنها من بسط سيطرتها ونفوذها في مجالها الحيوي وتحقيق أهداف الثورة الإيرانية إقليمياً وإسلامياً وعالمياً.

تنظر إيران إلى أن برنامجها النووي، الذي نجح في تخصيب اليورانيوم بكميات كبيرة وتوصل في مستوي التخصيب لنسبة 20% لابد أن تتسع مجالاته من خلال إدارة سياسية تعمل على كسب الوقت للوصول إلى درجة تخصيب أكبر، مع الإدعاء المستمر أن برنامجها النووي يدور في المجال السلمي ولا يتعارض مع المعاهدات الدولية التي لا تضع قيوداً على البحث العلمي في المجال النووي، كما أنها تحاول إشعال الروح القومية بإظهار أن البرنامج يمثل فخراً قومياً، وقوة داعمة لتحقيق أهداف الثورة الإيرانية.

تتأسس الإستراتيجية الإيرانية في هذا المجال على عدة ركائز تتمثل في الآتي:

1. العوامل الدينية: النابعة من مبادئ الثورة الإيرانية، وتوصيات الإمام الخميني، بإقامة دولة شيعية كبرى عاصمتها قم.

2. العوامل السياسية: المتمثلة في أن إيران قوة إقليمية لابد من تفعيل وتأثير قدراتها في المجال الحيوي، وتعزيز ثقلها الدولي خاصة في النطاق الإسلامي، والتصدي للإمبريالية المتمثلة في النظام العالمي الجديد.

3. العوامل الاقتصادية: المتمثلة في تعدد مجالات الاقتصاد القومي الإيراني، والتي تمكنه من تمويل مشروعات البرنامج النووي، وبرامج التسليح الموازية.

4. العوامل العسكرية: التي يتحقق من خلالها الآتي:

أ. تحقيق الأمن القومي الإيراني والمحافظة على استقرار الدولة.

ب. دعم قدرة الدولة في تأثيرها في مجالها الحيوي، وامتداد هذا التأثير على اتساع مسرح الحرب الإيراني، الذي يشمل منطقة الشرق الأوسط وأجزاء من آسيا.

ج. خوض السباق النووي الذي يحقق قدرة ممتازة لإيران في نطاق دول العالم المتقدم.

د. مواجهة الحصار الذي يفرضه النظام العالمي الجديد، واتخاذ إجراءات الرد المناسب وفي الوقت المناسب، وبما يحافظ على قدرات إيران وتأثيرها في مجالها الحيوي.

هـ. المحافظة على المكاسب التي سبق الحصول عليها في العهود السابقة، وذلك في إطار المصالح القومية الفارسية الخاصة.

5. من خلال العوامل السابقة تلخصت أهداف الإستراتيجية الإيرانية في ضرورة تنمية القدرات الذاتية لمواجهة الأخطار المحيطة. وتتحدد من خلال:

أ. الاعتماد على الذات في بناء القدرات العسكرية التقليدية وفوق التقليدية دون النظر إلى تكلفتها العالية بما يحقق التوازن أو التفوق في مواجهة دول الضد.

ب. اعتناق نظرية الدفاع الإيجابي، الذي يتسم بالمبادأة، وإحباط نوايا الخصم.

ج. استخدام سياسة النفس الطويل في إدارة الأزمات مع استغلال كل الإمكانات التي تجعل الخصم عاجزاً عن التصرف.

د. التمسك بإستراتيجية الردع، وتوجيه الضربة الأولي لإجهاض نوايا العدو، مع الاحتفاظ بالحق في توجيه الضربة المضادة لو فوجئت بالضربة الأولي.

هـ. وضع الخصوم في حالة ارتباك مستمرة من خلال عمليات نفسية مستدامة، مع إظهار القوة الإيرانية بأكبر من حجمها أو تأثيرها.

و. التوسع في التحالفات، واستخدام نظرية الحرب بالوكالة من خلال دعم حركات التحرر للتأثير على دول الضد الإيراني.

ز. عدم الوصول في المواجهة مع الولايات المتحدة إلى الحل العسكري، مع اتخاذ كل وسائل المناورة لتجنب الصدام العسكري.

6. فيما يختص بالحرب النووية في العقيدة العسكرية الإيرانية، فإن إيران لم تعلن عن مثل هذه الأمر إطلاقاً بل تخفيه أو لم يحن الوقت لديها للتفكير فيه، وعموماً، فإن الإستراتيجية في هذا المجال لن تخرج عن إستراتيجية "الرد المرن" التي استخدمتها كل من الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي السابق وتعمل بها إسرائيل حالياً، والتي تتحدد في استخدام الأسلحة التقليدية بصورة أساسية، ووضع الأسلحة النووية احتياطياً إستراتيجياً يمكن استخدامها في حالات محددة تقرها القيادة السياسية للدولة.

7. في نطاق تحقيق الهدف الإستراتيجي لبناء برنامجها النووي حققت إيران العديد من الخطوات الأساسية من خلال إجراءات تكنولوجية وفنية وإدارية محاطة بسياج كامل من السرية إلى جانب دعم سياسي قوي يحميها ويدافع عنها في مواجهة القوي العالمية. ويلاحظ هنا أن السرية التي استمرت لمدة 18 عاماً في إخفاء البرنامج النووي الإيراني، إلى جانب الجهود السياسية للدفاع عنه، هي التي أثارت حفيظة الدول الكبرى ووكالة الطاقة الذرية للاشتباه في أهداف البرنامج النووي الإيراني. وتتلخص هذه الخطوات التي اتخذتها إيران وحققتها بالكامل بعيداً عن نظر المجتمع الدولي في الآتي:

أ. مرحلة التعدين والحصول على الخامات الانشطارية "uranium mining and milling".

ب. البنية الأساسية لتشغيل هذه الخامات "processing".

ج. مرحلة التنشيط والتخصيب النووي "Enrichment".

د. العدد المناسب من المفاعلات النووية المنتجة للوقود النووي المخصب "Reactor fuel fabrication".

هـ. البنية الأساسية عالية التكنولوجيا لمرحلة تخزين ما أنتج من المكونات النووية "Interim storage".

و. الاستعداد لإجراءات التفجير النووي، فيما لو توصلت الأبحاث إليه "Final waste disposition" وهي خطوة لم تتم بعد.

ثالثاً: قدرات إيران لتخصيب اليورانيوم

أعلن رئيس وكالة الطاقة الذرية الإيرانية "على أكبر صالحي"، بتاريخ 20 أكتوبر 2010، أن بلاده تمكنت من إنتاج 30 كجم من اليورانيوم المخصب بنسبة 20%، وأن إمكاناتها الحالية إنتاج 3.5 كجم شهرياً من هذا اليورانيوم وهو ما يشير إلى قدرة إيرانية متنامية في مجال تخصيب اليورانيوم، ويشير أيضاً إلى أن وكالة الطاقة الذرية العالمية ربما تكون لم تكتشف حتى الآن بعض المنشآت النووية الإيرانية.

هناك أربعة تقارير يمكن من خلالها استشراف حقيقة قدرات إيران لتخصيب اليورانيوم وهي كالأتي:

1. التقرير الأول هو ما أذاعه رئيس المجلس الوطني الأمريكي للاستخبارات "جون نيجروبونتي"  nigrobonty" في شهادته أمام مجلس الشيوخ الأمريكي في 2 فبراير 2006، وذلك بعد اكتشاف تورط شبكة يقودها العالم الباكستاني عبد القدير خان في دعم الأنشطة الذرية الإيرانية وقال: "إن إيران ليس لديها على الأرجح سلاح ذري، ولا مادة مشعة تكفي لإنتاج سلاح ذري، وإن كان يمكنها أن تصل إلى قدرة إنتاج هذا السلاح خلال العقد القادم".

وهذا التقرير قوبل باستخفاف من صقور الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس السابق "جورج بوش الابن"، خاصة أن هذه الشهادة جاءت بعد فض إيران في يناير 2006، أختام الوكالة الدولية للطاقة الذرية الموضوعة على 52 منشأة إيرانية لها قدرة تخصيب اليورانيوم، منذ العام 2003، وعللت إيران إقدامها على ذلك احتجاجاً على قيام الولايات المتحدة الأمريكية بإحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن.

2. التقرير الثاني: صدر من مجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي في 2 ديسمبر 2007، ويتضمن "أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية تستطيع أن تقرر بدرجة عالية اليقين، أن طهران قد أوقفت تجاربها لتطوير أسلحة ذرية في خريف عام 2003، وهو ما يشير إلى أن إيران تبدو أقل تصميماً على حيازة الأسلحة الذرية مما كنا نقدر اعتباراً من عام 2005"

ويستند التقرير الأمريكي في ذلك إلى الضغوط التي واجهتها إيران للعدول عن خططها في امتلاك سلاح نووي.. وهذا التقرير أدي بدوره إلى تحول كبير في نية الولايات المتحدة توجيه ضربة إحباط لإيران للتخلص من برامجها النووية، بل أن إدارة الرئيس بوش الابن ضغطت على إسرائيل لتحول دون تصميمها على توجيه ضربة عسكرية لإيران.

3. التقرير الثالث: صادر عن القيادات العسكرية الأمريكية، ونشرته وكالة رويترز للأنباء في 2 مارس 2009، تعقيباً على تقرير وكالة الطاقة الذرية الدولية عن البرنامج النووي الإيراني.

وقد أدلي الأدميرال مايك مولين MOLIUN رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية بتصريح ذكر فيه : " أنه يعتقد أن إيران لديها مواد ذرية مخصبة تكفي لصنع سلاح نووي" وقد أسس ذلك على إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن إيران تمكنت من إنتاج 1010 كجم من اليورانيوم منخفض التخصيب حتى نهاية عام 2008.

في الوقت نفسه أدلي وزير الدفاع الأمريكي "روبرت جيتس"  GUITS بتصريح قال فيه أن إيران ليست قريبة من إنتاج مثل هذا السلاح.

4. التقرير الرابع: هو ملخص لتقرير وكالة الطاقة الذرية العالمية التي قدمته إلى مجلس الأمن الدولي في منتصف عام 2009. تقول فقرات من التقرير:

أ. تأكد ممثلو الوكالة من تطابق الجرد الفعلي للمواد في المواقع الخاضعة للتفتيش مع الأرقام التي أعلنتها إيران، ووجدت أنه في 17 نوفمبر 2008، كان هناك 9956 كجم من اليورانيوم أدخلت إلى الوحدات المختلفة في منشات التخصيب، وأنه يوجد 839 كجم من اليورانيوم الذي تم إخصابه إلى منسوب 3.49% (يورانيوم 235 منخفض التخصيب).

ب. ذكرت إيران أنها أنتجت 171 كجم إضافية في الفترة من 18 نوفمبر  2008، وحتى 31 يناير 2009 (أي بقدرة إنتاج حوالي 2.3 كجم من اليورانيوم منخفض التخصيب يومياً) وأن كل المواد ووحدات التخصيب ظلت تحت إشراف خبراء الوكالة ومراقبتهم.

ج. إن إيران نقلت بضعة كيلوجرامات من الوقود منخفض التخصيب إلى معمل جابر بن حيان في مركز طهران للبحوث الذرية لأغراض البحث.

د. إن الفحوصات البيئية التي أجراها خبراء الوكالة تشير إلى أن المنشآت كانت تعمل على النحو الذي أعلنته إيران، وهو بلوغ نسبة تخصيب أقل من 5% وأنه منذ مارس 2007 حتى أوائل فبراير 2009 أجري خبراء الوكالة 21 زيارة تفتيش مفاجئة لمنشات نووية إيرانية.

هـ. إن الوكالة استمرت في مراقبة المنشات ومواقع البناء في مفاعل البحوث في طهران، ومعمل إنتاج النظائر المشعة، وإنها لم تجد فيها ما يشير إلى وجود أية أنشطة لإعادة معالجة الوقود المستنفذ. هذا ولا تستطيع الوكالة أن تتأكد عن عدم وجود دلالة على معالجة الوقود المستنفذ إلا في الموقعين الذين زارتهما فقط، دون أي تأكيد لمواقع أخري قد تقوم بمثل هذا العمل، وتخفيها إيران.

و. طلبت الوكالة زيارة مفاعل البحوث الذرية IR-40 في أغسطس 2008، ثم في يناير 2009، ولكن الحكومة الإيرانية اعتذرت بحجة أنه لا توجد مواد ذرية في هذا الموقع وقد تشككت الوكالة في هذا الأمر، خاصة أن إيران قامت بتمويه هذا الموقع بما يحول دون التقاط صور فضائية واضحة له.

ز. أجرت الوكالة تفتيشاً على معمل تصنيع الوقود النووي في ناتانز في 7 فبراير 2009 حيث ظهر أنه اكتمل إنشاؤه، وأصبح قادراً على إنتاج كرات وعصى اليورانيوم الطبيعي لمفاعل الماء الثقيل.

ح. استمرت الوكالة في مراقبة العمل في معمل إنتاج الماء الثقيل، وبدا لها أنه يعمل بانتظام.

ط. من تفتيش الوكالة ظهر أنه تم إنتاج نحو 42 طنا من اليورانيوم في صورة "UF6" وهو ما يصل بإجمالي اليورانيوم المنتج منذ مارس 2004 إلى 357 طناً تخضع كلها لمراقبة الوكالة وإشرافها.

ى. قام خبراء الوكالة بالتفتيش على موقع المحطة الذرية في بوشهر يومي 13، 14 ديسمبر 2008، حيث تحققوا من أن الوقود الذي كان قد استورد من الإتحاد الروسي لا زال تحت ختم الوكالة، حيث ذكر المختصون الإيرانيون، أن شحن المفاعل بالوقود سيتم خلال الربع الثاني من العام 2009.

ك. اختتمت الوكالة تقريرها بالإشارة إلى عدم تلقيها ردودا من الجانب الإيراني حول طلبها لقاءات وتأكيدات بشأن استبعاد إساءة استخدام المواد والمعارف الذرية للأغراض العسكرية، وبشأن رفض إيران المضي في التعاون مع وكالة الطاقة الذرية العالمية فيما يتعلق بالبروتوكول الإضافي وزيارة المنشآت الجديدة وتعدين اليورانيوم، وهو تعاون ضروري لإثبات شفافية البرنامج النووي الإيراني، وأنها مخالفة لقرارات مجلس الأمن، ومن ثم فإن إيران لم توقف أنشطة تخصيب اليورانيوم أو إنتاج الماء الثقيل، بما في ذلك بناء معمل البحوث الذي يستخدم الماء الثقيل.

رابعاً: تحليل الهدف الإستراتيجي الإيراني مقارنة بالقدرات في تخصيب اليورانيوم

يدل التصريح الذي أطلقه مدير وكالة الطاقة الذرية الإيرانية بإمكان تخصيب يورانيوم بنسبة تركيز 20%، ومقارنته بالتقرير الذي أعدته وكالة الطاقة الذرية العالمية في العام 2009 وقدمته إلى مجلس الأمن،  على أن البرنامج النووي الإيراني في تخصيب اليورانيوم يحظى بمحاولات تمويه وسرية مطلقة تفرضها السلطات الإيرانية لحجب أي معلومات مهمة عن المراقبين الدوليين، وهو ما يشير إلى الآتي:

1. أن لدي إيران هدفاً إستراتيجياً في تحقيق مستوي معين من تخصيب اليورانيوم، قد يصل إلى نسبة 90%، وهي الدرجة التي يمكن عندها اقتناء سلاح نووي.

2. أن إيران تستخدم في معالجتها السياسية لبرنامجها النووي، تجارب سابقة، مرت بها الهند وباكستان والبرازيل والأرجنتين، إلى جانب مراقبتها لما يتخذه الغرب من إجراءات في مواجهة البرنامج النووي لكوريا الشمالية إلى جانب أن تحاول تحقيق أقصي استفادة من الظروف العالمية، والظروف التي تمر فيها المنطقة لتمرير برنامجها في تخصيب اليورانيوم.

3. أن القيادة الإيرانية تعمل على تحفيز الشعب الإيراني لامتلاك التكنولوجيا النووية ويستخدم رئيس الجمهورية أسلوب الصدمات التي تشعل الانتماء القومي الإيراني عندما يعلن كل فترة عن الوصول إل مرحلة أرقي في تخصيب اليورانيوم على الرغم من كل ما يفرضه الغرب من حصار على إيران، وهو ما يمثل تحدياً ظاهراً، وإصراراً على تحقيق هدف البرنامج النووي الإيراني.

4. تشير نسب تخصيب اليورانيوم الإيراني وكمياته، إلى أن إيران لديها مفاعلات تخصيب أخرى مخفاة عن وكالة الطاقة الذرية العالمية، وهو ما يمثل فشلاً في آليات الوكالة الدولية لمراقبة عمليات تخصيب اليورانيوم ليس على مستوي إيران بمفردها، ولكن على مستوي العالم.

كذلك يدل على فشل استخباراتي خاصة للولايات المتحدة الأمريكية في تتبع مسار البرنامج النووي الإيراني، إلا إذا كان هناك علم واكتشاف لإيراد الإعلان عنه في هذه المرحلة حنى لا توضع الولايات المتحدة في خيار ضرورة توجيه ضربة عسكرية للمنشات النووية الإيرانية وربما يكون التضارب ما بين تصريحات وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية يدل على ذلك.

5. يشير المراقبون إلى أن أسلوب المعالجة الدولية لبرنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني يشوبه العديد من أوجه القصور، وأن العقوبات المتتالية التي يفرضها مجلس الأمن أو تفرضها بعض الدول على إيران قبل أن تؤتي ثمارها يكون الإيرانيون قد وصلوا إلى تحقيق هدفهم.

ويشير المراقبون أيضاً إلى أنه ربما يصحو العالم ذات صباح على تفجير نووي إيراني، كما حدث في الهند العام 1974، وفي باكستان العام 1984، وفي كوريا الشمالية عام 2006، وعندها سيسلم العالم مكرهاً بانضمام إيراني للنادي النووي الدولي، وتكون هي الدولة التاسعة في هذا النادي.

هل لدي إيران مواد خام تكفي لصنع قنبلة نووية؟

طبقاً للمعادلات الفيزيائية في صناعة السلاح النووي، فإن امتلاك من 1000 – 1700 كجم من اليورانيوم المخصب بنسبة أقل من 5%، يمكن معالجته لزيادة نسبة التركيز إلى 90% وضغط حجمه ليصبح سلاحاً نووياً.

وتشير الإحصائيات إلى أن إيران تمتلك حوالي 2000 كجم من اليورانيوم المخصب بنسبة أقل من 5% (منها 1200 كجم السابق ذكرها في اتفاقية تبادل اليورانيوم ضعيف التخصيب بيورانيوم مخصب بنسبة 20%)، وكذلك فإن الإعلان عن امتلاك إيران30 كجم يورانيوم مخصب بنسبة 20%، وإمكان تخصيب 3.5 كجم شهرياً بهذه النسبة، يعطي إشارة واضحة إلى أن إيران تسير خطوات نحو امتلاك سلاح نووي بالرغم من كل التصريحات السياسية التي تدعي بأنها لا ترغب في امتلاك هذا السلاح.

وربما تكون إيران غير راغبة فعلاً في ذلك، ولكن امتلاكها لليورانيوم المخصب بنسبة كبيرة يجعلها قادرة في وقت قصير على صناعة السلاح النووي، وهي الإستراتيجية التي تنتهجها دول متقدمة مثل اليابان.

وفي السياق ذاته، فإن عدد أجهزة الطرد المركزي في إيران ـ طبقاً للتصريحات المعلنة ـ وصلت إلى ستة آلاف جهاز، وهو رقم قد يكون مغايراً للحقيقة، طبقاًُ للسرية المفروضة على البرنامج النووي، وسبق أن أشيع في السنوات الأولى من عقد التسعينيات، وبعد إعلان تفكك الإتحاد السوفيتي، وانفصال جمهوريات آسيا الوسطى، والذي أدى بدوره إلى فوضى المحافظة على البرنامج النووي السوفيتي، أن إيران تمكنت من اقتناء ثلاث قنابل نووية من إحدى دول الجمهوريات الإسلامية التابعة للاتحاد السوفيتي، كما جلبت كميات من اليورانيوم المخصب. واستقطبت بعض علماء الذرة السوفيت.

لكي تحصل إيران على السلاح النووي فعليها القيام بالعديد من الخطوات ـ وهو أمر بلا شك في مقدورها ـ إذا لاحظنا الإرادة السياسية والإصرار الذي تبديه القيادة الإيرانية في هذا المجال، دون أي اهتمام للجهود الدولية المضادة. وأهم هذه الخطوات:

1. زيادة أعداد وحدات الطرد المركزي وقدراتها لتصل بتركيز اليورانيوم إلى النسب المطلوبة. ولما كان مفاعل ناتانز، مراقبا من وكالة الطاقة الذرية الدولية، فإن زيادة هذه القدرات لا بد أن تتم في مفاعلات سرية أخري غير معلن عنها، وربما كان مفاعل قم، والمفاعل المنشأ شمال إيران أو غيرهما هي المكلفة بذلك.

2. امتلاك تكنولوجيا تحويل اليورانيوم عالي الإثراء إلى معدن، وضغطه إلى أقل حجم ممكن، بحيث يمكن تحويله إلى قنبلة ذرية يمكن حملها على صاروخ أو وسيلة إطلاق أخري.

3. تصميم آلية إطلاق ذرية مناسبة.

4. التوصل إلى قدرة التحكم في إطلاق سلسلة التفاعلات الذرية من خلال مصدر خارجي للنيوترونات وذلك لتفجير القنبلة الذرية.

5. تجميع الرأس النووية وإعداد وسيلة التحميل المناسبة لتوصيله إلى هدفه.

وهذه الخطوات كلها ليست بعيدة عن المخططين في وكالة الطاقة الذرية الإيرانية التي تعاملت ولا تزال تتعامل مع العديد من الهيئات التي تمنحها هذه الخبرة، سواء من الصين أو كوريا الشمالية أو باكستان أو روسيا أو غيرها.

ومن ثم، فإن الزمن المحسوب ـ افتراضاً ـ لامتلاك إيران سلاحاً نوويا، لا يقل عن عام واحد، ولا يزيد عن أربعة أعوام (بدءاً من العام 2010، طبقاً لتقرير وضعته وكالة رويتر للأنباء).

خامساً: الدعم الخارجي لإيران في برنامجها لتخصيب اليورانيوم

ينقسم هذا الدعم إلى مراحل زمنية، ارتبطت باتجاهات ودول معينة لكي تحصل إيران على مطالبها في مجال تخصيب اليورانيوم، علماً بأن التفكير في هذا البرنامج بدأ في عقد الثمانينيات من القرن العشرين إبان الحرب العراقية ـ الإيرانية.

وتصاعدت أو هبطت  المطالب الإيرانية طبقاً لمسار الحرب ذاتها من مكاسب وانتكاسات، ولكن كان هناك تصميماً سياسياً على التوجه نحو تفعيل هذا البرنامج، وتجميع العلماء الإيرانيين في هذا المجال، وإغراء العلماء الأجانب للتعاقد مع إيران لتحقيق هذا الهدف.

مع بداية عقد التسعينيات استغلت إيران الوضع في المنطقة، خاصة في مجال إعادة الشرعية للكويت من خلال التحالف الدولي في مواجهة العراق، واتخذت موقفاً مؤيداً لهذا التحالف، مكنها من التعامل مع العديد من الشركات الغربية في الحصول على مطالبها من أجهزة الطرد المركزي، وتكنولوجيات تخصيب اليورانيوم.

واستغلت، في الوقت نفسه، تفكك الاتحاد السوفيتي، وعلاقتها بدول الجوار الإسلامية التي كانت تابعة له في الحصول على تكنولوجيات، وربما أسلحة، وكميات من اليورانيوم المخصب، بل وتعاملت مع روسيا نفسها. والتي كانت تحتاج إلى مزيد من العملات الصعبة من أجل النهوض باقتصادها ـ وذلك لعقد صفقات لصالح البرنامج النووي، ومنها إعادة إنشاء محطة بوشهر الكهروذرية.

واستقطبت إيران عالم الذرة الباكستاني "عبد القدير خان" لتحصل منه على كل ما يتعلق بتكنولوجيات بناء برنامج تخصيب اليورانيوم، كما تعاملت إيران مع المؤسسات التي كان يتعامل معها عبد القدير خان للحصول على الأجهزة والمواد اللازمة، سواء من الصين أو كوريا الشمالية، أو بعض الدول الأوروبية مثل هولندا وبلجيكا، والتي كانت إيران تستورد منها أجزاء ثنائية الاستخدام (المدني في مجال الطاقة أو لبناء أجهزة الطرد المركزي).

وسلكت إيران الطريق نفسه للحصول على أجهزة دقيقة من دول أوربية أخري أو من الولايات المتحدة نفسها عن طريق طرف ثالث.

وما يعني أن إيران استخدمت كل الطرق المشروعة وغير المشروعة في بناء برنامج تخصيب اليورانيوم.