إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / السِّير الذاتية للشخصيات الواردة في كتاب "مقاتل من الصحراء" / السِّير الذاتية للشخصيات، في المملكة المتحدة









سنوات التقشف 1939 ـ 1952

سنوات التقشف 1939 ـ 1952

كانت الأميرتان إليزابيث ومارجريت، تعيشان في بيركهول Birkhall، بالقرب من بالمورال Balmoral، في اسكتلندا، عندما بدأت الحرب العالمية الثانية في 3 سبتمبر 1939. وعندما غزا هتلر Hitler الدول المنخفضة[1] Low Countries، في 12 مايو 1940، انتقلت الأميرتان إلى قلعة ويندسور Windsor Castle، جنوب شرق إنجلترا، حيث كان يُعتقد أنهما سيكونان في مأمن من قنابل الألمان، المتساقطة على لندن. وبقيتا في ويندسور حتى نهاية الحرب.

بدأت إليزابيث، في ذلك الوقت، القيام بواجباتها الرسمية. ففي أكتوبر 1940، وهي مازالت في الرابعة عشرة، ألقت خطاباً عبر الإذاعة البريطانية BBC، في برنامج "ساعة للأطفال"، موجهاً إلى الأطفال البريطانيين، الذين أُخلوا إلى أمريكا الشمالية بسبب الحرب، لرفع روحهم المعنوية، ومما جاء في خطابها: "نعرف جميعاً أن كل شيء، سيكون على ما يرام في النهاية".

وكنموذج للشباب والجمال، ساعدت إليزابيث على إزالة بعض الآثار السيئة والكئيبة التي خلفتها سنوات الحرب. فكانت ترافق الملك والملكة في رحلاتهم، لرفع روح الشعب المعنوية في بريطانيا. وفي عام 1942، نالت رتبة "عقيد شرف"، في حرس جرناديير Grenadier، وهي فرقة من فرق الجيش البريطاني. وفي 23 مايو 1944 تحدثت لأول مرة على الملأ في مستشفى الملكة إليزابيث، في هاكني Hackney بلندن.

وفي أوائل عام 1945، وبعد بلوغها سن الثامنة عشرة، قررت العائلة المالكة أن تلتحق إليزابيث بالخدمة، بفرقة خدمات المناطق المساعدة، التابعة للجيش البريطاني. وقد جُندت تحت الرقم 230873 برتبة شرفية، تعادل رتبة ملازم ثان، أما التدريب الذي كان يتركز على قيادة السيارات وصيانتها، فكان تدريباً حقيقياً. وقد اتضح أن فكرة تجنيد إليزابيث، كانت فرصة جيدة لها. فقد منحتها فترة التدريب القاسية، التي استمرت ستة أسابيع، فرصة لممارسة الحياة الطبيعية العادية، بصحبة فتيات من عمرها. وقد أحب الشعب البريطاني إليزابيث، وهو الشعب الذي لم يعتد على رؤية أميرة من العائلة المالكة، بما تمثله من شخصية رفيعة، تنتمي إلى قمة السلم الاجتماعي، تمارس الأعمال الشاقة.

وقد هيأت الاحتفالات بانتصار الحلفاء، في الحرب العالمية الثانية، الفرصة للخروج عن الإطار الرسمي. ففي 8 مايو 1945، وهو التاريخ الذي يُحتفل فيه بما يسمى "عيد انتصار أوروبا"، خرجت الأميرة ومعها عدد من صديقاتها واختلطن بأفراد الشعب المحتفلين، في وسط لندن. واستمتعت الأميرة، وهي مازالت ترتدي الزي العسكري، بوضعها غير المعلن. وتتذكر بعد سنوات، ممارستها لرقصات "هوكي كوكي" و"لامبث ووك" (Hokey-cokey and Lambeth walk)، وكانت من الرقصات الشعبية في ذلك الوقت، وكذلك، تذكر صفوف الجماهير التي كانت تسير متشابكة الأيدي في شارع وايت هول (White Hall)، تغمرهم السعادة والسرور.

إلاّ أن هذه الأيام السعيدة لم تدم طويلاً. ففي عام 1947 شرع الملك جورج السادس وزوجته والملكة والأميرة، في رحلة مدتها أربعة أشهر، إلى جنوب أفريقيا. وفي 21 أبريل، وبمناسبة بلوغها الحادية والعشرين ـ ألقت الأميرة خطاباً، يُعد الأهم في حياتها، بثته هيئة الإذاعة البريطانية، وتعهدت فيه قائلة: "إنني أتعهد أمامكم بان أكرس كل حياتي، طالت أم قصرت، لخدمتكم وخدمة الأسرة المالكة التي انتمي إليها. إنني على يقين من أن مساندتكم لي ستستمر، وليبارك الله كل من أراد مشاركتي في ذلك".

وذرفت عيون الملايين عند سماع هذا الخطاب. وقد حققت الرحلة نجاحاً كبيراً، فقد نجحت إليزابيث في تقديم نفسها شخصية عامة محبوبة، تجمع بين سمو الشخصية، والأمانة والرصانة.

عند عودة إليزابيث إلى إنجلترا في يوليه 1947، بدأت حياتها العاطفية، فخُطبت إلى الأمير فيليب Philip، ابن ملك اليونان. وكان في ذلك الوقت لا يزال ضابطاً بحرياً صغيراً. وكانا قد تقابلا قبل عشر سنوات، عندما كانت إليزابيث في الحادية عشرة. زار فيليب قصر باكنجهام عدة مرات، ليعبر عن حبه للأميرة الهائمة. وقد وصفته "كراوفي"، مربية إليزابيث، بأنه "كنسمة هواء داخل بلاط القصر المغلق"، وهو شاب طبيعي صريح، يقول ما يفكر فيه.

كان حب إليزابيث لفيليب حباً صادقاً، ولكن اعترضت طريق زواجهما عدة عقبات. كان أولها، أن فيليب يوناني من أصل ألماني، ولابد له من الحصول على الجنسية البريطانية. والعقبة الثانية، اسم عائلته ـ شليزفيج ـ هولستيني ـ سوندر بوج ـ جلكسيج Schleswig-Holstein-Sonderburg- Glucksburg، الذي لم يسهل نطقه، على عامة الشعب البريطاني. وكانت العقبة الأخيرة طلب الأمير للقب ملكي مناسب. وقد اجتاز الأمير العقبات الثلاث، ووجد مساندة قوية من عمه اللورد "ديكي" مونتاباتن Dickie Mountabatten، وهو عضو مؤثر من الطبقة الأرستقراطية. وحصل الأمير فيليب على الجنسية البريطانية، بعد موافقة الملك جورج السادس؛ ووزارة الخارجية، وكنيسة إنجلترا، وأخذ اسم عائلة عمه، مونتاباتن، ولُقب بدوق إدنبره Duke of Edinburgh.

وعندما حان وقت الزواج، كان الشعب البريطاني قد تقبل ضابط البحرية الشاب الوسيم، كواحدٍ منهم. وجرى الاحتفال بزواج إليزابيث على دوق إدنبره في 20 نوفمبر 1947؛ و حضرته أعداد غفيرة قدموا للتهنئة أو لاختلاس نظرة إلى العروسين الملكيين. وعلى الرغم من برودة الطقس، اصطف الآلاف في الشوارع لتحية العروسين الصغيرين، عند مرورهم من قصر باكنجهام Backingham، إلى كنيسة وستمنيستر Westminster Abbey، وقد أتاحت هذه المناسبة الفرصة للتخلص من حياة التقشف، التي سادت بريطانيا بسبب الحرب العالمية الثانية، وتابع هذا الحفل شعوب 32 دولة من خلال الإذاعة.

وقد قضى "الزوجان الحالمان" إليزابيث وفيليب، كما وصفتهم إحدى الصحف المعجبة بهما، شهر العسل في برودلاندز Broadlands، ببيت اللورد مونتاباتن Mountabatten في جنوب إنجلترا؛ وكذلك قلعة بالمورال، المقر الملكي باسكتلندا. وعند عودتهما إلى لندن، انتقلا إلى مقر سكنهما الجديد، كلارانس هاوس Clarence House، وهو مسكن مكون من أربعة طوابق، يقع في الركن الجنوبي لقصر سانت جيمس St. James، وكان قد بُني لوليام الرابع William IV، في عام 1824 (وهو الآن مقر سكن الملكة الأم).

وفي عام 1948، رُزقا طفلهما الأول، الأمير تشارلز Charles، أمير ويلز، الوريث الاول للعرش، ثم رُزقا بثلاثة آخرين: الأميرة آن Anne (فيما بعد صاحبة السمو الملكي) في عام 1950، ثم الأمير أندرو Andrew (دوق يورك Duke of York، فيما بعد) في عام 1960، ثم الأمير إدوارد في عام 1964.

وفي السنوات التالية، اختلفت سمعة دوق إدنبره. فوصفته الصحافة في أحيان كثيرة برفيق الملكة المخلص، وفي أحيان أخرى كانت تسخر، منه واصفة إياه بأنه أرستقراطي يتلعثم في الكلام، وأنه عرضة للوقوع في أخطاء اجتماعية. فعلى سبيل المثال، خلال إحدى رحلاته إلى الصين في 1986، حذر الطلبة البريطانيون بعدم البقاء طويلاً في ذلك البلد، وإلاّ أصبحت عيونهم "ضيقة".

وخلال السنوات الأولى من زواجها، زارت إليزابيث مالطة عدة مرات، حيث كان يخدم فيليب قائداً ثانياً للسفينة البريطانية HMS Chequers. وعند وجودها في إنجلترا، كانت تواصل تعليمها السياسي، مستفيدة في ذلك من خدمات سكرتيرها الخاص الجديد جون "جاك" كولفيل John 'Jack' Colville، أحد موظفي وزارة الخارجية السابقين، الذين عملوا مع ونستون تشرشل Winston Churchill، بطل الحرب البريطاني آنذاك. وقد رافق كولفيل إليزابيث في زيارات تعليمية إلى البرلمان، وساعدها في الحصول على وثائق سرية من وزارة الخارجية ومجلس الوزراء.

وفي مارس 1949، أجرى الملك جورج السادس George VI جراحة خطيرة في العمود الفقري، لإعادة سريان الدم في رجله. وقد شفي جزئياً، ولكنة عاش بقية حياته أسير الخوف من تدهور صحته. وفي تلك الأثناء، كانت إليزابيث، تقوم بواجباتها الرسمية، واضعة في اعتبارها أن يوم اعتلائها العرش يقترب بسرعة. وفي عام 1951،  كانت تتفقد استعراض " فرقة الحرس"، وهي فرقة ملكية تعرف باسم "حملة الأعلام العسكرية"، وفي العام نفسه، ترأست "مهرجان بريطانيا"، وهو احتفال عام يغطي جميع أنحاء البلاد، وكان الغرض منه إثبات أن بريطانيا قد نهضت من جديد، بعد ما قدمته من تضحيات أثناء الحرب العالمية الثانية. وفي أكتوبر، مثلت كل من الأميرة إليزابيث والأمير فيليب، الملك والملكة، في رحلة إلى دول الكومنولث.

وأثناء إقامتها في منزل يقع وسط الأشجار، في منطقة منعزلة في كينيا، علمت الأميرة إليزابيث بوفاة أبيها، الملك، في 6 فبراير 1952. وقد أدلى ونستون تشرشل، الذي كان قد بلغ من العمر عتياً، أثناء فترته الثانية كرئيس للوزراء، بتصريح جاء فيه " لقد رحل كبيرنا ".

ظلت إليزابيث هادئة، وأظهرت صبراً عرفت به على مر التاريخ. واعتذرت بقولها: "إني آسفة، علينا أن نعود، إنني أعلم أنني قد أفسدت على الجميع رحلتهم ". ووصلت إلى إنجلترا في 7 فبراير. وأُعلنت ملكة للمملكة المتحدة وشمال ايرلندا، في اليوم التالي.

جرت مراسم تتويج الملكة إليزابيث الثانية، في 2 يونيه 1953. وكان حفل التتويج واحداً من أبرز الاحتفالات الرسمية البريطانية في القرن العشرين. وعلى الرغم من الأمطار الغزيرة، والرياح العاصفة، اصطف الآلاف في طريق الموكب، لمشاهدة الملكة وهي ترتدي الثياب الملكية، وتتقلد المجوهرات، التي لا تقدر بثمن، بينما عربتها المذهبة تقطع المسافة من قصر باكنجهام إلى كنيسة وستمينستر.

وقد بُهر السير سيسيل بيتن Sir Cecil Beaton، وهو مصور بارز لكبار الشخصيات، بمظهر الملكة، فوصفها قائلاً: "الخدود وردية، والشعر ملفوف حول التاج الفيكتوري، المصنوع من الأحجار الكريمة.... إن هذا الشكل الشبابي يحمل كرامة وعزة … إنها تنتمي في مظهرها إلى العصر البيزنطي". وبعد الاحتفال حُملت الملكة، وهي تحمل رمز الملكية، في موكب سار لمسافة 7 أميال في شوارع العاصمة، يرافقها 13000 جندي و29 فرقة موسيقية و27 عربة تجرها الخيول، وسط دوي الجماهير وتصفيقها، الذي كاد يصم الآذان. وقد عمد البريطانيون إلى تزيين مدنهم وقراهم بالألوان الحمراء، والبيضاء، والزرقاء - ألوان العلم البريطاني. واكتظت المحلات التجارية بنماذج مصغرة لكل ما اُستخدم في مراسم التتويج. وقد وصف سكرتير الملكة، جاك كولفيل Jack Colville، المهرجان بأنه لم يسبق له مثيل، كما لم يسبق لملك أن حظي بمثل هذا الترحيب.

وقد واكب حفل التتويج تطور كبير في البث الدولي، فنُقل التتويج تلفزيونيا إلى كافة دول أوروبا، عن طريق ربط مباشر بفرنسا وألمانيا الغربية وهولندا. كما سُمح لشبكات التلفاز الأمريكية بتسجيل وقائع الحفل، من خلال تغطية هيئة الإذاعة البريطانية، من داخل كنيسة وستمنستر، وبثها عبر المحيط الأطلسي.

وفي بريطانيا، تمكن 27 مليون شخص من مشاهدة الحفل، الذي استمر 12 ساعة، حياً على الهواء مباشرة. وبسبب هذا المهرجان، اشترى أكثر من ثلاثة ملايين بريطاني أجهزة تلفزيون، ودفعوا رسوم الترخيص لهيئة الإذاعة البريطانية، حتى يتمكنوا من مشاهدة الاحتفال في منازلهم.

ولدعم مهرجانات ذلك اليوم، أُعلن أن متسلق بريطاني، يدعي ادموند هيلاري Edmund Hillary نجح في التسلق إلى قمة جبل إفرست (Mount Everest )، أعلى قمة في العالم. ويعد ادموند أول متسلق في العالم يحقق هذا الإنجاز، بصحبة دليله ورفيقه شيربا تنزينج (Sherpa Tenzing).

وفي الوقت الذي خففت فيه احتفالات الزواج الملكي، قبل التتويج بست سنوات، عن الشعب البريطاني ويلات الحرب، فقد عُد حفل التتويج رمزاً لنهاية التقشف. إلا أنه تزامن مع التقليل من أهمية بريطانيا في العالم، بعد حصول بعض المستعمرات البريطانية على استقلالها، مثل الهند وباكستان ( 1947)، وسيلان في 1948 (غُير اسمها إلى سريلانكا عام 1953). وقد ذكر المؤرخ البريطاني بن بملوت (Ben Pimlott)، أن تتويج الملكة إليزابيث كان في حقيقته، بمثابة مراسم دفن الإمبراطورية البريطانية، التي بموتها فقدت الملكية أهم أدوارها".

 



[1] يقصد بالدول المنخفضة` (Low Countries)بلجيكا و هولندا ولوكسمبورج.