إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / السِّير الذاتية للشخصيات الواردة في كتاب "مقاتل من الصحراء" / السِّير الذاتية للشخصيات، في المملكة المتحدة









المجددة الهادئة 1968 ـ 1998

المجددة الهادئة 1968 ـ 1998

خضعت الأسرة المالكة في أواخر الستينات، لضغوط كبيرة من أجل التجديد. وقد أضعفت حقبة الستينيات، التي عُرفت بأنها عقد "التساهل"، احترام الشعب البريطاني لزعمائه. وقد ظهرت عدة نِكات تسخر من الملكة في المجلات، خاصة في المجلتين الساخرتين " بنش وبرايفت أي" (Punch and Private Eye). وفي عام 1967، خرجت جماعة راديكالية تُدعى "لجنة المائة " (Committee of 100) بتظاهرة احتجاج، في ميدان ترافلغار (Trafalgar) في وسط لندن، ضد الاشتراك في حرب فيتنام. وأثناء التظاهرة مثلت امرأة شخصية الملكة، وهي ترتدى كل مظاهر الملكية، وقدمت ميدالية لجندي استرالي، تحيط به الجثث من كل جانب.

وبدأت تظهر التعليقات والانتقادات ضد الأسرة المالكة، على شاشات التلفاز و صفحات الجرائد. فقد كتب مالكولم موجريدج (Malcolm Muggeridge) ـ وهو كاتب مشهور ومذيع ورئيس تحرير مجلة "بنتش" الساخرة ـ "أن النبضات التي تتولد منها الغطرسة، قد انحدرت من الملكة، من قمة الهرم الاجتماعي، إلى القاعدة".

ورداً على هذا المزاج الوطني السائد، حظرت الملكة، في عام 1969، برنامجاً عن الأسرة المالكة، يتحدث عن الحياة الخاصة للأسرة. وقد صُور الأمير فيليب، في هذا البرنامج، في صورة طيار، محافظ، من مؤيدي الأعمال الخيرية. وظهرت الملكة في البرنامج وهي مسترخية على اليخت الملكي "بريطانيا"، في ملابس الاسترخاء، وجاء في التعليق الساخر أن "الأسرة المالكة تنفق الكثير لتشجيع الصناعة". ويضيف التعليق: "لقد تحولت الميزانية من تجييش الجيوش إلى حماية الإمبراطورية، ومن الصادرات إلى حماية الجنيه". وقد لاقي هذا البرنامج قبولاً كبيراً، نتيجة  لهذا الانفتاح. وبدأت الملكة تستعيد حب الجماهير لها في السبعينات، وفي ذلك الوقت كان كلُ من الأمير تشارلز والأميرة آن في بداية العشرينيات، وكانا يحظيان باهتمام شعبي متزايد، خاصة الأميرة آن التي أصبحت فارسة، وشاركت في سباق الفروسية في أولمبياد مونتريال بكندا، عام 1976.

وفي نوفمبر 1972، احتفل كل من الملكة والأمير فيليب، بالذكرى الثلاثين لزواجهما، بأداء صلاة الشكر في جيلدهول (Guildhall) بلندن. كما أُحتفل عام 1977م باليوبيل الفضي لتتويج الملكة.

واجهت الملكة في الثمانينيات سلسلة جديدة من التحديات الدستورية. ففي عام 1983م، ومن دون تشاور مع بريطانيا، غزت القوات الأمريكية جرينادا (Grenada)، وهي عضو صغير في الكومنولث، الذي ترأسه الملكة. وفي عام 1987، اختارت  جزر الفيجي (Fiji) الانسحاب من الكومنولث، عقب انقلاب عسكري. وفي عام 1986، لم تتعاطف الملكة مع رئيسة الوزراء مارجريت تاتشر، عندما وصل الخلاف إلى قمته حين عارضت السيدة تاتشر آراء الكومنولث، ورفضت فرض عقوبات على نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا.

وكان رد فعل الملكة - كالمعتاد - تجاه هذه التحديات، أن تظل بمنأى عن الأمور السياسية. ففي مسألة جرينادا، أدانت الملكة سراً، غزو أي قوة أجنبية لبلد عضو في الكومنولث من دون إنذار، حتى ولو كانت هذه القوة حليفاً قوياً مثل الولايات المتحدة. ولكنها لم تعلن هذا الرأي رسمياً، ولم تعط أوامرها بالتدخل. أمّا بالنسبة لجنوب أفريقيا، فقد ساندت الملكة الحكومة، ولكنها أعلنت من طريق الصحافة، أنها تختلف مع السياسة التي تنتهجها (الحكومة). أمّا في مسألة فيجي فإنها أشارت إلى هذا الأمر بالطرق الدبلوماسية، وذلك بالتعبير عن أسفها، بأن عدم ولاء فيجي للتاج، كان يجب أن يتم من دون إعطاء شعب فيجي الفرصة للتعبير عن رأيه حول هذا الطلب".

وفي التسعينيات، اضطرت الملكة، نتيجة لعدد من الحوادث المأساوية، أن توجه اهتمامها إلى الشؤون الداخلية. ففي عام 1992، تعرضت قلعة وندسور Windsor Castle، إلى حريق تسبب في دمارها. وفي العام نفسه ظهر فشل زواج ابنها تشارلز، أمير ويلز، من ديانا، نتيجة عدم التزام الأمير. إضافة إلى ازدياد تدخل الصحافة في الشئون الداخلية للأسرة المالكة. وقد عبرت الملكة على الملأ بأن سنة 1992 "كانت مرعبة".

وشهدت سنة 1996 المزيد من المشاكل داخل قصر وندسور. ففي شهر أبريل طلق الأمير أندرو، الابن الثالث للملكة، زوجته سارا فيرجسون (Sarah Ferguson )، التي تلقبها الصحافة "بفرجي" (Fergie).

وفي يونيه من العام نفسه، طلق تشارلز ديانا، وبذلك وضع نهاية مأساوية لما كان يُعد دراما شعبية، أو مسلسلاً تلفزيونياً، جذب انتباه ملايين القراء والمشاهدين في شتى أنحاء العالم.

ولم تسلم الملكة ولا دوق أدنبره، وقد كانا محط إعجاب الشعب البريطاني، من نقد الجماهير اللاذع. فقد تعرضا للسخرية، نتيجة ما زُعم أنه تقصير من جانبهما في تربية أطفالهما، وفي اختيار ديانا زوجة لتشارلز. والجدير بالذكر أنه في عام 1936، عندما أُجبر إدوارد الثامن على التنازل عن العرش، لم تعلن الصحافة التفصيل عن علاقتها مع واليس سمبوسون،  بل عدّتها أمراً حساساً يجب ألاّ ينشر على الجمهور. أمّا في الثمانينيات والتسعينيات، فقد تجردت الصحافة البريطانية من كل القيود المفروضة على تغطية شئون الأسرة المالكة، الخاصة منها والعامة،ٍ إذ ظهرت أخبارها على نطاق واسع، على صفحات المجلات والجرائد الشعبية.

فعلى سبيل المثال، في عام 1992، عرضت جريدة صن (Sun) صورة لدوقة يورك، زوجة الأمير أندرو آنذاك، وهي جالسة عارية الصدر تماماً بجوار حمام للسباحة، وفي موقف خال من الحياء، مع عشيقها، جون براين Johm Bryan، وهو يقبل أصابع قدميها. وفي عام 1996، ظهرت ديانا أميرة ويلز في برنامج بانوراما الشهير، الذي تبثه الـ بي بي سي، وهي تحدث ملايين المشاهدين عن خيانة الأمير تشارلز، وأنّ معركتها الخاصة ليست فقط مع مرض البوليميا (Bulimia nervosa) [1]، ولكن مع أفراد البلاط الملكي، الذين ادعت أنهم كانوا يعتبرونها "حالة فاشلة"، وأنها لا تستطيع "الوقوف على قدميها".

وفي ضوء هذه المواقف المخزية، تصرفت الملكة تصرفاً نموذجياً وبروح المسئولية. والآن وقد بلغت العقد الثامن، فإنها مازالت تؤدي واجباتها الرسمية باقتدار، وتحضر اللقاءات الرسمية، في الداخل والخارج، أكثر من ذي قبل. وعلى الرغم من أنها صُورت في بعض الأحيان على أنها باردة وصارمة، إلا أن إيمانها بمهامها الملكية قد حفظ النظام الملكي من تدخل الشعب المستمر في شؤون النظام الملكي، ومن الشكوك الجماهيرية المتزايدة، حول الجدوى من النظام الملكي أصله.

وفي أوقات الأزمات القومية، كما حدث بعد وفاة ديانا، أميرة ويلز، في شهر أغسطس 1997 مع الشاب المصري دودي الفايد، فلا مبالغة في القول أن الملكة ما زالت تلعب دوراً مهماً في الحياة العامة البريطانية. فعندما تتوجه البلاد نحو قادتها لتلقي التوجيه اللازم، فغالباً ما يكون هذا التوجه إلى الملكة مباشرة، لا إلى رئيس الوزراء أو الحكومة.

وقد استطاعت الملكة إليزابيث الثانية، بما تتصف به من شجاعة ونزاهة وصبر، أن تعبر الأزمات والأحداث الصعبة، التي مرت بها في السنوات الأخيرة. فقد خدمت البلاد لأكثر من نصف قرن، وضمنت استمرار قصر ويندسور Windsor على عرش المملكة المتحدة في القرن الحادي والعشرين. ويعتبر وجودها سبباً في أن أغلبية الشعب البريطاني، مازالت تفضل النظام الملكي على النظام الجمهوري.

 



[1] هو اضطراب نفساني مزمن يحد المريض من تناول كميات أو نوعيات من الطعام مخافة البدانة.