مقدمة

يُعد ونستون تشرشل من أعظم زعماء القرن العشرين. فقد جمع بين رجل الدولة المحنك، والقائد العسكري، والإستراتيجي، والمؤرخ، والخطيب، والفنان. وتُعزى شهرة تشرشل الخالدة، إلى قيادته للقوات البريطانية، في الحرب العالمية الثانية، التي بدأت عام 1939، عندما وقفت بريطانيا وحدها، في مواجهة ألمانيا وإيطاليا.

قاد تشرشل المقاومة ضد مخططات هتلر Hitler، الرامية للهيمنة على أوروبا، وخلّده التاريخ كواحد من أعظم مهندسي النصر في الحرب العالمية الثانية، عندما تحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي. وربما تعزى عبقريته الحربية، إلى أنه من نسل دوق مارلبورو Duke of Marlborough (ما بين 1650 ـ1722)، من القادة العظام في تاريخ بريطانيا.

حقق تشرشل شهرته، وهو مازال في عنفوان شبابه، عندما عُين وزيراً مسؤولاً عن البحرية الملكية First Lord of Admiralty، أثناء الحرب العالمية الأولى، وكذلك عندما وضع الحدود السياسية عقب الحرب، لدول الشرق الأوسط، بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، عندما كان وزيراً للمستعمرات البريطانية Colonial Secretary، بعد الحرب.

وربما يرجع الفضل إلى نسبه المختلط (أم أمريكية وأب إنجليزي)، في أنه كان جسراً للتعاون بين الشعبين الأمريكي والإنجليزي. كان تشرشل يرى أن الوحدة بين الشعوب الناطقة بالإنجليزية أفضل وسيلة للدفاع عن العالم الحر.

جمع تشرشل في شخصيته بين الشجاعة الفائقة، وسعة الخيال، وقد حباه الله، فوق ذلك، عقلاً راجحاً، تجلّى في سرعة بديهته، وبراعة خطابته. كان أصدقاؤه يحيّون فيه سخريته اللاذعة، ووفاءه، وكرمه. وقد كشفت كتاباته وخطبه السياسية ولوحاته الفنية ـ هوايته المفضلة ـ عن لمسات فنان موهوب. قال عنه مؤرخ أُكسفورد Oxford "روسي "A. L. Rowse: " إن تشرشل مثل يوليوس قيصر Julius Caesar، لم يكن بارعاً في الحرب فقط، بل أيضاً في الكتابة عنها".

تميز تشرشل بإدراك جيدٍ للمسائل العسكرية، فقد رفض طلب الفرنسيين، حول تزويدهم بعدد من الطائرات، مفضلاً بقاءها للدفاع عن بريطانيا، وطلب تدمير الأسطول الفرنسي الموجود في الجزائر، خشية وقوعه بأيدي الألمان، وإلحاقه بأسطولهم الحربي.

عُرف عن تشرشل نزعته الأرستقراطية البعيدة عن الشعب، في الداخل، والاستعمارية المتطرفة في الخارج، وعارض استقلال المستعمرات البريطانية، وكان مناصراً للصهاينة على حساب العرب، في فلسطين.

وعلى الرغم من فشله في العديد من القضايا الرئيسية في حياته، إلاّ أن كثيراً من الغربيين يعدونه من أعظم رجال التاريخ الحديث.

وخليقٌ برجلٍ حقق هذا القدر من الإنجازات العملاقة، أن يتملكه الغرور والأنانية، وقد كان كذلك، ولكن ثقته بنفسه لم تهتز قط. كان يهوى المقامرة وتحمل مخاطرها. ولكنه، في الوقت نفسه، كان يعانى من نوبات اكتئاب.