إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / السِّير الذاتية للشخصيات الواردة في كتاب "مقاتل من الصحراء" / السِّير الذاتية للشخصيات، في المملكة المتحدة









تغير مستقبل تشرشل السياسي 1916 ـ 1939

تغير مستقبل تشرشل السياسي 1916 ـ 1939

بدا أن فشل تشرشل في الدردنيل، هو بداية النهاية لحياته السياسية. فعاد إلى الجيش في 1916، وعمل ضابطاً في الخنادق بفرنسا، حيث تولى قيادة الكتيبة الإسكتلندية الملكية السادسة The 6th Battalion Royal Scots Fusiliers. لكن قلبه كان لا يزال معلقاً بالبرلمان، في وستمنستر Westminster. وعندما استدعاه رئيس الوزراء لويد جورج، ليصبح وزيراً للذخيرة والعتاد الحربي في 1917، عاد تشرشل إلى مسرح السياسة بحيوية متميزة. فكان مسؤولاً عن إنتاج آلاف الدبابات، كوسيلة تتناسب مع حرب الخنادق الثابتة. واهتم بزيارة جبهات الحرب بصورة متكررة.

وفي نهاية الحرب العالمية الأولى، أصبح تشرشل وزيراً للحربية والطيران 1919 ـ1921، وخلال هذه الفترة أدخل إصلاحات على الجيش. وتدرّب ليصبح طياراً، في الوقت الذي عزز فيه قوة بريطانيا الجوية. كان مستميتا في معارضته للبلاشفة Bolsheviks، الذين استولوا على السلطة في روسيا، كما كان صريحاً في تأييده لجيش الروس البيض، في الحرب الأهلية الروسية.

عندما كان تشرشل وزيراً للمستعمرات، 1921 ـ1922، كان له دورٌ أساسي في تشكيل منطقة الشرق الأوسط العربية، على النحو التي هي عليه اليوم. وقد تم ذلك في مؤتمر تاريخي، عقده المسئولون البريطانيون في القاهرة، برئاسة تشرشل، حيث قسّم هذا المؤتمر ما كان يعرف بالأقاليم العربية في ظل الإمبراطورية العثمانية. فنشأت دولة جديدة، تسمى العراق، في بلاد ما وراء النهرين Mesopotamia، ودُعي فيصل، أحد الأمراء الهاشميين، من الحجاز، ليكون ملكاً عليها، تحت الحماية البريطانية.

كما ظهر كيان عربي آخر، هو الأردن، وتولى ملكه الأمير عبد الله، أخو الأمير فيصل، تحت الحماية البريطانية أيضا. فقد سُلخ الأردن من فلسطين، في الوقت الذي مضت فيه بريطانيا في تنفيذ تعهدها، في وعد بلفور، بمساعدة اليهود في إنشاء وطن قومي لهم، في منطقة غرب نهر الأردن وما تبقى من فلسطين. وحتى يضمن بقاء منطقة الشرق الأوسط تحت السيطرة البريطانية بأقل التكاليف، أسس تشرشل خطاً من القواعد الجوية، يمتد من مصر إلى العراق، حيث كانت القوات الجوية الملكية البريطانية تعمل كهيئة للحفاظ على القانون والنظام، وقد قذفت القبائل، الموجودة في تلك المنطقة، بالقنابل لإجبارها على الاستسلام.

وعندما هددت تركيا الفتاة، السلام في أوروبا، عام 1922، عاد تشرشل ودعا إلى اتخاذ موقف صارم تجاه الدردنيل. ولكن اللهجة الشديدة التي صدر بها البيان، الذي أُعلنت فيه نوايا الحكومة البريطانية، أزعج الرأي العام، وساهم في إنهاء الائتلاف الحكومي.

فقد تشرشل مقعده في البرلمان، في الانتخابات العامة التي جرت في 1922، وظل بعيداً عن السياسة، خلال العامين التاليين.

بعد ذلك، عمل تشرشل في مجال البناء كهاوٍ (كان مشتركاً في النقابة)، وكرّس نفسه لكتابة مذكراته: "أزمة العالم" The World Crisis، في خمس مجلدات، 1923ـ1929. وتُعدّ عمل ملحمي، من الناحية التاريخية والذاتية.

عاد تشرشل إلى حزب المحافظين "كخبير دستوري"، وأصبح الحزب نقطة الانطلاق. فوصل من خلاله إلى منصب وزير المالية، في ظل وزارة ستانلي بولدوين Stanely Baldwin ـ 1924 ـ 1929. وفي تعامله مع القضايا المالية، أظهر تشرشل تشدداً صارماً، ولكنه لم يستمر في هذا المنصب، الذي يتطلب مهارة وخبرة اقتصادية عالية.

وخلال فترة عمله في المالية، عادت بريطانيا إلى معيار الذهب في عملتها، حيث بلغ سعر الجنية الإسترليني 4,88 دولاراً أمريكياً. وكان هذا يتفق مع الحكمة السائدة في تلك الأيام، ولكن أثبتت تلك السياسة أنها كارثة. فقد أدت هذا السياسة إلى الإضراب العام في 1926، الذي عارضه تشرشل، ولم يدرك أن استياء الطبقة العاملة كان وراءه ظلم اجتماعي. كان ذلك الإضراب سبباً في الأزمة الاقتصادية العالمية، في الفترة من 1929 إلى 1931، التي فتحت الطريق أمام صعود هتلر إلى السلطة في ألمانيا. ومن سخرية التاريخ أن الرجل الذي فعل المستحيل للانتصار في الحرب العالمية الثانية، قد لعب دوراً في خلق الظروف التي أدت إلى اندلاع تلك الحرب.

في الثلاثينيات، اُستبعد تشرشل من السلطة، لفقد الحزبين السياسيين الثقة فيه، وعَدَّهُ الكثيرون خائناً، ولا يصلح للتسويات السياسية العملية. خلال تلك الفترة، كتب معظم أعماله: حياتي المبكرة My Early life في عام 1930، ومارلبورو Marlborough (أربعة مجلدات، 1933 ـ 1938)، ومجلد من الصورة المفعمة بالحيوية لزملائه، سمّاه "المعاصرون العظماء" Great Contemporaries.

وكان أبرز ما فعله تشرشل، في الثلاثينيات، هو تحذيره للشعوب الغربية، ولا سيما بريطانيا، من عواقب هتلر النازية. وفي نهاية الثلاثينيات، ازداد غضب تشرشل بسبب فشل الحكومة في التعامل مع الخطر القادم من ألمانيا، التي استعادت نشاطها، وأعادت تسليح جيشها. فأعلن في البرلمان، بعاطفة جياشة، رفضه لمحاولة استرضاء ألمانيا، وسخر من اتفاق ميونيخ Munich Agreement، الذي عقده نيفيل تشامبرلين Neville Chamberlain مع هتلر، عام 1938، واعتبره تشرشل "هزيمة نكراء"، وطالب، بدلاً من ذلك، عقد "حلف كبير" Grand Alliance ضد هتلر. ولكن بولدوين Baldwin وتشامبرلين، لم يك مؤمناً بأن هتلر غير قابل للترويض، وكان ذلك الفهم خطأً فادحاً.

عندما أعلنت بريطانيا الحرب على ألمانيا في 3 سبتمبر 1939، عُيّن تشرشل وزيراً للبحرية. وفي مايو 1940، عندما هُزم نيفيل تشامبرلين، أصبح تشرشل رئيساً لحكومة ائتلافية، و"بدأت رحلته مع القدر".