إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

           



( تابع ) الجمهورية العربية المتحدة
" المشاريع الوحدوية العربية 1913 - 1989، يوسف خوري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط 2، 1990، ص 336 - 377 "

هكذا ترون أن تاريخ القاهرة في خطوطه العريضة، هو نفسه تاريخ دمشق في خطوطه العريضة.

ولقد تختلف التفاصيل، ولكن المعالم البارزة هي نفس المعالم، نفس الدول، نفس الغزاة، نفس الملوك، نفس الأبطال، ونفس الشهداء.

بل انه لما بدا في بعض الأحيان أن مصر ابتعدت عن الفكرة العربية، وقطعت ما بينها وبين المنطقة من صلات، وذلك بعد الحملة الفرنسية على مصر، ثم تحت حكم أسرة محمد علي، لم يكن الأمر في باطنه يمثل ما يبدو في ظاهره.

لم يكن البعد الا سطحيا، ولم تكن القطيعة إلا باللسان.

أما الشواهد الحقيقية، وأما الأدلة الأصيلة، فكانت تؤكد ان ما قربه الله لا يمكن ان يبتعد، وما وصلته الطبيعة لا يمكن ان ينقطع.

من بين الشواهد والأدلة ان جيش الفلاحين الذي سار تحت قيادة إبراهيم باشا، ليحرر سوريا من الظلم العثماني كان يسمي نفسه " الجيش العربي ".

ومن بين الشواهد والأدلة ان القاهرة التي سارعت، في النصف الأخير من القرن التاسع عشر إلى فتح النوافذ لتيارات النهضة، تحولت إلى قلعة للفكر الحر في الشرق العربي، وما لبث رواد الحرية في سوريا، ورواد الحرية في المنطقة العربية كلها، ان وفدوا إليها، يتحصنون بأسوارها المنيعة، ويبعثون منها اشعاعات الفكر، لتعبئ وتلهم، بل ان القاهرة تحولت في مطلع القرن العشرين، فأصبحت هي ودمشق المركز الرئيسي للجمعيات السرية، التي راحت تناضل جبروت سلاطين استانبول من أجل تحرير الأمة العربية، بكل ما يملكه الشباب من روح البذل والفداء.

هكذا كانت الوحدة هي الحقيقة، وكان كل ما عدا الوحدة اصطناعاً.

وهكذا كان واضحا انه إذا تركت المنطقة تستوحي طبيعتها وتستلهم مشاعرها وتستمع إلى دقات قلبها، فان اتجاهها إلى الوحدة يصبح لا ريب فيه ولا مناص منه.

وهذا هو ما حدث.

أيها المواطنون أعضاء مجلس الأمة.

حين حصلت سوريا على استقلالها الكامل تطلعت إلى مصر، وحين حصلت مصر على استقلالها الكامل تطلعت إلى سوريا.

ولقد كان التقارب بل التوافق والتماثل كاملا حتى قبل ان يوقع ميثاق جامعة الدول العربية، وحتى بعد ان تم توقيعه وأرادت له بعض القوى ان يبقى حبرا على ورق.

لقد كان في سوريا رد فعل لكل حركة في مصر، كما كانت أصداء الذي يحدث في دمشق تتجاوب في القاهرة.

في مصر وسوريا ذلك الفوران الذي أعقب الحرب العالمية

<58>