إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

           



(تابع) تقرير عن حالة حقوق الإنسان في العراق أعده المقرر الخاص للجنة حقوق الإنسان
المعني بحالة حقوق الإنسان في العراق (مقتطف)
"الأمم المتحدة، سلسلة الكتب الزرقاء، مج 9، ص 823 - 832"

تنعدم، في النظام القانوني والسياسي السائد الآن في العراق، الظروف التي لا بد منها للتكفل بجعل حرية إرادة الشعب أساسا لسلطة الحكومة. وبمزيد من التحديد، تتضافر الرقابة شبه التامة على الإعلام، مقترنة بخوف واسع الانتشار، يعم جميع السكان، من العقوبات القاسية التي يمكن أن تفرض على من لا يؤيد النظام السائد، ومستمرة من خلال التعسف في السلطة، ومسهلة بانعدام حكم القانون في البلد، لكي تضعف وتشوه تماما ما يظهر من عمليات التعبير عن "إرادة الشعب "؛ ومع أن الحكومة تزعم أن استفتاء 15 تشرين الأول/ أكتوبر 1995 كان "حرا"، لا يرى المقرر الخاص أن مجرد الإجراء الآلي لعملية  التصويت الرسمية يمكن أن يعادل التعبير الحقيقي عن إرادة الشعب في العراق. ويعود هذا إلى أن خطر انكشاف معارضة أي شخص للرئيس وللنظام السائد هو، بالمعنى الحرفي، خطر يتهدد الحياة: فقرار مجلس قيادة الثورة رقم 840 المؤرخ 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 1986 ينص على أن أي شخص يهين رئيس الجمهورية، أو مجلس قيادة الثورة، أو المجلس الوطني، أو الحكومة، أو حزب البعث، يتعرض لعقوبات قاسية منها الموت. وهذا النوع من القوانين، وقد أوكل إلى جهاز أمن لا يحترم الحياة الخاصة على الإطلاق، ولا يتقيد بأي احترام لحكم القانون، يعني أنه لا يكاد يوجد هناك أي مواطن يمكن أن يخاطر بإبداء معارضته للرئيس أو للحكومة - وإذا فعل ذلك فسيتعرض لخطر الموت. والواقع أن هذا الاستنتاج سيظل منطقيا طالما وجدت في العراق أدوات للقسر مثل القرار رقم 840، وطالما وقعت اعتداءات سياسية، وارتكبت أعمال قتل، ضد من يبدو أنهم قادة معارضة (انظر، مثلا، A/49/651، الفقرات 72 - 88).

          55 -   وبالنظر إلى النظام القانوني والسياسي السائد في العراق، كان كل ما أثبته الاستفتاء الوطني الذي جرى في 15 تشرين الأول/ أكتوبر 1995 هو أنه، حتى في خضم الضغوط الاقتصادية الشديدة، تستطيع السلطات الحكومية أن تنظم مثل هذا الحدث خلال فترة ثلاثة أسابيع فقط، وأن تنال، حسبما أفاد به التلفزيون العراقي، نسبة 99,96 في المائة من "الموافقين" على الرئيس، وذلك ضمن معدل اشتراك هائل بلغ 99,467 في المائة ممن لديهم أهلية الانتخاب، وعددهم 8402321 فردا. ولعل من الأجدر بالذكر أن النتائج، التي تمثل أكثرية ساحقة، نيلت دون أن يضطر الرئيس، ولا مرة واحدة، إلى مخاطبة الشعب، أو إلى الظهور أمام الجمهور، أو التلفظ بوعد واحد، أو الانطلاق في أي حملة للفوز بموافقة الناخبين. كما أن معدل المقترعين، الهائل في ارتفاعه، يوضح أن هويات السكان كانت قد أثبتت كلها، بالفعل، وأن السكان كانوا قد عُددوا في قوائم موزعة حسب المناطق الانتخابية، عندما أعلن إجراء الاستفتاء. وهذه الواقعة تؤكد درجة تحكم السلطات الحكومية في حركة وأنشطة الشعب داخل البلد.

          56 -   وفيما يتعلق بإجراء الاستفتاء، ورد في التقارير أنه كانت قد أرسلت إلى كل شخص لديه أهلية الانتخاب، قبل الاستفتاء، بطاقة اقتراع بجزأين يتطلب أولهما إفادة مفصلة عن الهوية الشخصية، ويشكل الثاني، الذي يمكن فصله عن الأول، ورقة الاقتراع نفسها. وفي مراكز الاقتراع، كان على الناخبين أن يقدموا إلى إداريي الاستفتاء، بحضور مختلف موظفي قوات الأمن وحزب البعث، الجزء الأول من بطاقة الاقتراع، مع الأوراق الرسمية التي تثبت هويتهم وأهليتهم للانتخاب، وحينئذ كانوا يوجَّهون إلى ملء الجزء الثاني من البطاقة في حجرة منفصلة، ثم إلى وضع هذه الأوراق، مملوءة، في علبة مختومة لا يرى داخلها. وإزاء حالة النظام السياسي العام في العراق، وبالاستناد إلى العملية المحددة التي تجري في مراكز الاقتراع، يمكن أن يقدر أن قلة من الناخبين فقط. هذا إن وجدوا، كان يمكنهم أن يشعروا بالاطمئنان في التعبير عن آرائهم ضد الرئيس، بعد تقديمهم أنفسهم مباشرة إلى موظفي قوات الأمن وحزب البعث. بل إن هذا الأمر يمكن، إلى حد بعيد، أن يوضح واقعة تثير الدهشة، هي أنه لم يصوت أي شخص ضد الرئيس في محافظات كربلاء والنجف وميسان والمثنى وذي قار، بينما صوت 18 شخصا ضده في البصرة، أي أنه لم يصوت أحد، تقريبا، ضد الرئيس في المحافظات الجنوبية التي كانت مسرحا لانتفاضات دامية حصلت في نيسان/ أبريل 1991. ولكن لا يستبعد أبدا أنه ربما تكون نتيجة الاقتراع هذه، المتناقضة في ظاهرها، قد جاءت نتيجة منطقية تماما، بسبب الخوف الناجم عن القمع الوحشي الذي حصل في نيسان/ أبريل 1991 وبعده؛ فالسكان كانوا قد أخضعوا تماما، وأجبروا على الانصياع، وأصبحوا منهكين اقتصاديا ومرتهنين تمام الارتهان. وفي هذه الظروف، يبدو من الطبيعي اتباع الغرائز الأساسية لحفظ الحياة، والتصويت، حسب مقتضيات العقل، لصالح الرئيس، مع أن هذا التصويت "الرشيد" لا يمكن أن يفسر كتعبير عن إرادة صحيحة لدى الشعب.

          57 -   ومن الوقائع الهامة أن من اشتركوا في الاقتراع لا يمثلون مجموع السكان العراقيين المعنيين. فهناك، أولا، عدد  من المؤهلين للانتخاب في محافظات أربيل ودهوك والسليمانية، في الشمال، يتراوح عددهم بين مليونين و 3 ملايين، لم يشتركوا في الانتخاب لأن السلطات المركزية انسحبت من المنطقة في تشرين الأول/ أكتوبر 1991، تاركة إياها لإداراتها المحلية. كما أن هناك مجموعة ثانية من العراقيين، تقارب المليونين لم تؤخذ في الحسبان في الاستفتاء: فهؤلاء الأشخاص فروا من العراق أو أبعدوا عنه، وهم يعيشون الآن خارج وطنهم بسبب الرئيس صدام حسين وسياسته بالذات؛ فمعظم هؤلاء الناس قد اقترعوا ضد صدام حسين فرارا على الأقدام.

          58 -   ويلاحظ المقرر الخاص، إذ يسعى إلى الوقوف على دلالة هذا الاستفتاء الذي يمثل، في الواقع، أول مرة على الإطلاق يتوجه فيها صدام حسين، في عهد رئاسته، إلى الشعب مباشرة، تعليقات نائب رئيس الوزراء طارق عزيز التي نقلتها وكالة الأنباء العراقية في بغداد يوم 17 تشرين الأول/ أكتوبر 1995، وقوله إن الاستفتاء هو جزء من عملية التحرك "من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية". فالمقرر الخاص، حتى لو لم يفهم تماما مفهوم "الشرعية الثورية"، المطبق على حكومة مهيمنة منذ أكثر بكثير من ربع قرن، يفهم من تعليقات السيد عزيز أن العراق ليس، على الإطلاق، دولة ذات شرعية دستورية أي أنه ليس دولة خاضعة لحكم القانون. وأكيد أن هذا الاعتراف  

<9>