إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


       



( تابع ) تقرير السيد الباهي الأدغم إلى الملوك والرؤساء العرب حول تطورات مهمته في الأردن
المصدر: " الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1971، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 7، ط 1، ص 287- 289 "

مدنية كانت أو عسكرية، مما جعل هذا الجانب في حالة فزع دائمة، ويحرص على التسلح وامتلاك الأسلحة الفردية خاصة للدفاع الشرعي عن النفس، وهذا ما يفسر- في نظري - الصعوبات التي وجدها القادة الفلسطينيون في نقل أسلحتهم من المدن، ويعزي ذلك إلى مخلفات مأساة أيلول ( سبتمبر )، واستمرار المخاوف من القمع والمضايقات المتنوعة التي يلاقيها جانب كبير من الفلسطينيين.

         ومن جهة أخرى فقد سلكت في معالجتي للمشاكل القائمة طريق الحكمة والهدوء والإنسانية، وسعيت طيلة إقامتي بالأردن إلى تطويق الحوادث التي تندلع من حين إلى آخر حتى لا يفتح رد الفعل سلسلة من الأحداث، ولطالما ناشدت الطرفين بسلوك هذا الطريق، إلا أن الحكومة الأردنية لم تستجب - من سوء الحظ - لهذه الرغبة بل لاحظت عكس ذلك، فسرعان ما ينقلب التدخل في حوادث بسيطة إلى استعمال أسلحة ثقيلة ثم إلى عمليات عسكرية هامة، وهو يخالف اتفاقية القاهرة التي جاءت بوقف إطلاق النار وإنهاء جميع العمليات المركزية. ومهما كانت المخالفات التي كانت تصدر أحيانا عن بعض العناصر الفلسطينية فلا يمكنني أن أقيس بنفس المقاييس تصرف الدول وتصرف الأفراد.

         ومن المهم جدا أن نلاحظ أنه لم يتسن للجنة العربية ممارسة مهمتها لحقن الدماء وتحديد المسؤوليات لأنها كانت في غالب الأحيان أمام الأمر المقضي.

         وقد ظللت ولا أزال أتلقى من اللجنة المركزية تقارير وشكاوى تفيد اعتداء الجيش الأردني على قوات الفدائيين أو معسكرات اللاجئين أو مضايقة المقاومة في تنقل رجالها وعتادها وفي ممارستها لواجباتها، بينما اتصل بي في مدينة جدة بتاريخ 1 / 2 / 1971 السيد رياض المفلح، ممثل الحكومة الأردنية باللجنة العربية العليا، وطلب مني كتابيا أن أرفع تقريرا إلى ملوك ورؤساء الدول العربية لإعلامهم بحل كافة المشاكل بين الحكومة الأردنية ومنظمة التحرير الفلسطينية ورجوع الحياة إلى مجاريها العادية، وشروع القوات المسلحة الأردنية في الالتحاق بمواقعها، وإن هاته العملية على وشك الانتهاء، الأمر الذي يتنافى مع الواقع الذي يشاهده يوميا الملاحظون العسكريون، وما الأحداث التي جرت أخيرا بأربد وغيرها إلا دليلا قاطعا على ذلك.

         وقد أعلمنا رئيس الحكومة الأردنية برغبته في إنهاء مهمة المكتب العسكري المنبثق عن اللجنة وترحيل ضباطه نظرا إلى أن الحالة كما كان يراها أصبحت لا تستوجب حضورهم، ونظرا إلى أن الطرفين أنشأ مكتبا للارتباط مهمته نفس المهمة التي كان الضباط العرب يضطلعون بها.

         ثم حصل بعد ذلك أن ضربت بعض التضييقات على نشاط الضباط العرب مما جعلهم عاجزين عن القيام بواجبهم، وقد قررت التخفيف من عدد هؤلاء الضباط، على مراحل وحسب الظروف، إلى أن اقتصر المكتب العسكري على خمسة ضباط اعتبارا لتضاؤل مهمة هذا الجهاز وللرغبة التي عبر الضباط أنفسهم عنها حفظا لكرامتهم. إلا أن هذا التخفيف نفسه لم يجد نفعا إذ منع عن الضباط العرب كل تحرك في سبيل الاطلاع أو المراقبة.

         من كل هذا يستخلص أن الحكومة الأردنية أصبحت غير راغبة في بقاء اللجنة العربية العليا مباشرة لمأموريتها في الأردن، وهي تعتقد، كما صرح به ممثلوها مرارا، أن مهمة اللجنة مس بسيادة الدولة الأردنية وتدخل في شؤونها، كما تعتقد أن الحوادث التي تندلع بين حين وآخر في الأردن لا تعدو أن تكون حوادث أهلية داخلية للحكومة، وللحكومة وحدها حق الحكم عليها واتخاذ ما تراه من إجراءات لمعالجتها. وليس أدل على تردي الأوضاع نتيجة لهذا الاعتقاد من الأحداث المفصلة التي نص عليها تقرير رئيس المكتب العسكري العميد أحمد عبد الحميد حلمي الذي لا يسعني بهذه المناسبة إلا أن أشيد بنزاهته وتفانيه هو ومساعدوه من الضباط العرب في أداء المهام العصيبة الموكلة إليهم.

         ونظرا إلى أن الوثائق التي تقدمت بها إلى أصحاب الجلالة والفخامة في شهر كانون الثاني ( يناير ) 1971، والتي تضمنت وصفا دقيقا لتدهور العلاقات من جديد بين الحكومة الأردنية والمقاومة الفلسطينية، مع شرح أسباب هذا التدهور، وعرضا لبعض الاقتراحات المتأكدة لمعالجة هذا الوضع، منها توسيع اللجنة العربية العليا وتحوير أسس عملها، لم تلق صدى لدى الدول الموقعة على اتفاقية القاهرة مما جعل مهمة اللجنة العربية العليا في حكم المنتهية.

         ونظرا إلى أن مهمة مكتب الرقابة العسكرية أصبحت مجمدة، فقد رأيت من المتأكد أن أرفع هذه الرسالة إلى أصحاب الجلالة والفخامة ملوك ورؤساء الدول العربية حتى أطلعهم على التطورات التي مرت بها المهمة التي تفضلوا بتكليفي بها، وحتى يقرروا ما يرونه صالحا تجاه الأوضاع المتدهورة في الأردن والتي لا يمكن لرئيس اللجنة العربية العليا تحمل تبعاتها.

         وتفضلوا - أصحاب الجلالة والفخامة- بقبول وافر تحياتي واحتراماتي.


<2>