إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


           



( تابع ) برقية الملك حسين إلى العقيد معمر القذافي بمناسبة اجتماع بعض الرؤساء العرب في طرابلس
المصدر: " الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1971، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 7، ط 1، ص 650 - 652 "

          وجاءت حركة الأردن في هذين الاتجاهين الرئيسيين في إطار ادراكه التام بانه لا حل للقضية إلا من خلال توفر الحد المطلوب من التنسيق - والتعاون العربيين، وبالتالي توجيه الفاعليات العربية من أجل انقاذ المقدسات وتحرير الشعب وانتزاع الحق كاملا اقتناعا منه بأن أية تجزئة للقضية لا بد وان تعود بالضرر علينا أجمعين.

          ثم أود أن الفت النظر الى الرسالة التي وجهتها الى جميع الاخوة القادة العرب في السابع والعشرين من رمضان المبارك سنة - 1390 هجرية الموافق 25 تشرين الثاني ( نوفمبر ) سنة 1970 ميلادية داعيا إياهم الى الاجتماع بمستوى القمة لبحث موضوع من أخطر المواضيع وأهمها وأدقها، وهو القضية الفلسطينية وذلك في ضوء ما وجدناه يحيط بها من تطورات وأخطار. ولئن كانت دعوتنا لم تحقق غرضها في عقد الاجتماع المطلوب، فاننا نرى ان ظروف اليوم ليست الا نتيجة مباشرة لبعض تلك التطورات والاتجاهات التي أشرنا اليها في تلك الرسالة بصراحة ووضوح، والتي كنا نأمل ان يتم بحثها وتجري مواجهتها بصراحة ووضوح كذلك.

          كما أود ان الفت النظر أيضا الى رسالتي الاخيرة بتاريخ 21 /  7 / 1971 والتي شرحت فيها العديد من المرتكزات التي تقوم عليها مواقف الاردن واتجاهاته. وقد رحبت في تلك الرسالة بالاشقاء يأتون الينا على أي مستوى ليشاهدوا ويتحروا الحقيقة بأنفسهم قبل أن يندفعوا في طريق الاتهام والتجني، وقبل ان يحددوا المواقف ويتخذوها من بلدهم هذا، بلد التضحية والصمود.

          لقد علمت بأنكم تجتمعون اليوم في ضوء اتفاقية القاهرة وما تبعها من اتفاقات. وأحب هنا ان أقرر بأنني لم أذهب يومها الى القاهرة الا رغبة في انهاء كل أسباب الضعف والتفكك في الموقف هنا، وفي العالم العربي، والقضاء على ما نعانيه من أسباب الفوضى والتشتت والضياع، وانطلاقا من حرصنا الدائم على حقن الدماء وصون الطاقات والامكانات وادخارها للمعركة. فقد أردناها نقطة تحول كبير تحقق لنا فاعلية في مقاومة الاحتلال حيث يفرض ظله على الاهل في الارض المحتلة، وتؤمن صفاء الوحدة الوطنية لشعبنا الصامد في وجه المعتدين، وتحمي جبهتنا الداخلية من مراكز القوى التي تنمو على حساب الشعب وتتاجر بمصالحه وأمانيه،: تعمل في صفوفه. تهديما وتخريبا، والوصول بتلك الجبهة الى درجة من المناعة تكون فيها ظهيرا لقواتنا المسلحة، تزيد من صلابتها ومعنوياتها وتضاعف من قدرتها على اداء واجبها القومي الخطير.

          ومنذ التوقيع على تلك الاتفاقية، أو الاتفاقيات، والطرف الاخر يفتعل المشاكل ويثيرها في المدن التي نصت الاتفاقية على اخلائها من السلاح والمسلحين. ومنذ ذلك الحين والطرف الآخر يحشد في المدن آلاف الاطنان من: الأسلحة الثقيلة التي ما زلنا نكشف عن مستودعاتها حتى اليوم. ومنذ ذلك الحين والطرف الآخر ماض في اعلامه بغوغائية فاجرة جاوزت في افكها وبهتانها كل الحدود. ومنذ ذلك الحين والطرف الاخر يقيم التنظيمات السرية التي تمارس اغتيال المواطنين الابرياء وتقترف جرائم الهدم والتخريب في الاقتصاد الوطني ومرفق الحياة العامة في البلد كله. ومنذ ذلك الحين، وقبل ذلك الحين، والطرف الاخر مصر على التواجد في اماكن، كجرش وعجلون مما لا علاقة له باسرائيل وتحرير الاراضي المغتصبة.

          ويقينا أن المقاومة لو كانت جادة في التزامها باتفاقية القاهرة وغيرها، او جادة في التزامها بهدف التحرير المقدس، لكانت لمت صفوفها ووحدت قياداتها، وطهرت مسيرتها من العناصر التي لم يتردد أخيرا سيادة رئيس الجمهورية العربية المتحدة نفسه من وصفها بالعمالة والانحراف، ولكانت اعدت مخططا مفصلا يبنى على معطيات الواقع ومقتضيات المقاومة داخل الاراضي المحتلة، وهو ما لم نفتأ نطالبها به منذ البداية.

          لقد جاءت اتفاقية القاهرة لتعالج موضوع المقاومة، وكان المأمول من الطرف الآخر أن يلتزم بها وينتقل بالمقاومة من بعدها الى حالة تصبح معها جزءا من عمل عربي مشترك وتخطيط عربي موحد. لكن الطرف الآخر هو الذي تنكر لها في الوقت الذي سيظل الاردن مؤمنا الايمان كله بالركيزتين الاساسيتين لتلك الاتفاقية وهما حرية العمل الفدائي حيث يجب ان يكون وسيادة الدولة.

          ان الاردن مع العمل الفدائي الذي يستهدف التحرير، ولكنه ليس مع العمل الفدائي الذي لا يسعى الا الى الوصول الى الحكم والوثوب اليه. والاردن مع العمل الفدائي الفلسطيني دما وروحا، لكنه ليس مع العمل الآخر المقنع بالفداء بينما هو في حقيقته عمل تخريبي وعميل. والاردن مع العمل الفدائي الذي يؤمن بوحدة الامة العربية، ولكنه ليس مع العمل الفدائي الذي لا يتورع عن شطر الشعب الواحد في البلد الواحد الى شطرين. والاردن مع العمل الفدائي بأعلى مستوياته وأرقى صوره وانبلها، ولكنه ليس مع الاعمال الاجرامية التي تحفل بها ملفات المحاكم ومكاتبها، مما يندى له جبين الانسان وتخجل به الاخلاق.

<2>