إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


           



(تابع) بيان اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حول رفضها مشروع المملكة العربية المتحدة
المصدر: "الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1972، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ببيروت، مج 8، ط 1، ص 133-135"

المطلوبة، هو الذي يقرر مصيره ومصير قضيته. وفي غياب هذه الأجواء، بل وفي توفر أجواء الإرهاب والظلم والتعسف وفي الضفتين الشرقية والغربية، لا يكون هناك من رأي في تقرير المصير إلا رأي حركة المقاومة، بحكم قدرتها على التعبير الحر عما يجول في خواطر شعبنا دون أي اكتراث أو خوف من تحمل مسؤوليات الإدلاء بالرأي الحر الصحيح.

        ثانياً- على الرغم من كل ما صدر عن حركة المقاومة الفلسطينية، منذ رصاصتها الأولى وحتى أيلول [سبتمبر] الأسود 1970، من أنها لم تظهر للوجود إلا بقصد تحرير فلسطين والأراضي العربية، وبالرغم من كل مواقفها المتتالية وما تحملته نتيجة هذه المواقف بأن التناقض المركزي الذي قامت للتصدي له يكمن في الوجود الصهيوني والاحتلال الإسرائيلي، على الرغم من هذا كله، فقد أبى النظام الأردني إلا وأن يطرح نفسه كرديف للعدو الصهيوني.

        وجاء بيان الملك حسين ومشروعه يؤكدان، لمن لم يقتنع بعد، هذه الحقيقة. فقد دار ولف في مشروعه حول قضيته، على أهميتها، وخصوصاً بعد مذابح أيلول [سبتمبر] وجرش، تبقى في النهاية قضية غير مركزية. لقد ركز الملك في مشروعه على علاقات الشعب الواحد في الساحة الأردنية - الفلسطينية، دون أي إشارة جادة إلى القضية المركزية، قضية التحرير. مع أن الحقيقة النضالية، نظرياً وتطبيقياً، تكمن في تناقض موقف الملك ونظامه من موقف الشعب الفلسطيني وقياداته حول موضوع التحرير واسترداد الحق الفلسطيني. وهو تناقض لا يتناول الهدف الاستراتيجي وحسب، بل وينسحب كذلك على الأسلوب المطلوب اتباعه وصولا لتحقيق هذا الهدف.

        وبهذا المجال تريد اللجنة تعزيز ما سبق وصدر عنها في عشرات المناسبات، بأن هذا التناقض ليس قائماً على الاطلاق بين أردني وفلسطيني، بل هو قائم بين نظام عميل متواطئ وشعب مناضل اعتمد الكفاح المسلح سبيلا لتحقيق ارادته واسترداد حقه. وليس أروع من دليل على ذلك أنه في الوقت الذي يجد فيه الملك حسين من بعض الفلسطينيين من يسير في ركابه ويحبو في بلاطه، فإن حركة المقاومة تجد بين صفوفها الآلاف - من الأردنيين الأقحاح يحملون بنادقهم مع إخوتهم من مقاتلي الشعب الفلسطيني.  بل إن الملك حسين يعرف، أكثر من غيره، أن لديه في القصر رجالا من أبناء فلسطين المتآمرين على قضيتهم، عدداً من الخونة التقليديين الذين لم يسبقهم إلى الخيانة إلا أشقاء وأقرباء لهم ممن يتعاونون اليوم مع الحكم الإسرائيلي مباشرة، ولربما كان بين هؤلاء وأولئك الكثير مما يربط بينهم فكراً وتنظيماً في إطار اتصالات التنسيق بين عملاء الملك وعملاء إسرائيل.

        إذن، خلافنا الأساسي، وتناقضنا التاريخي مع النظام يدور حول قضية التحرير. أما قضية العلاقات بين الشعبين فلا يشوبها أية شائبة ولا يهددها شيء سوى النظام الأردني والملك نفسه الذي لعب ولا يزال يلعب هذه الورقة الإقليمية البشعة، ومن جمعته رفقة السلاح والسجون والآلام والآمال الواحدة، لا يمكن أن تفرقه نغمات الإعلام المشبوه المشبع بروح القبلية المقيتة.

        ثالثاً- لطالما كان الملك ونظامه يتهمان حركة المقاومة بأنها تسعى لإيجاد كيان فلسطيني هزيل تحكم فيه. وللملك ونظامه، في مجال هذه التهمة الكاذبة، بيانات وتصريحات أدلوا بها تبريراً لمذابحهم الوحشية لأبناء شعبنا.

        وها هو الملك اليوم يكشف عن نفسه وعن تواطؤه فيعلن، بصيغة أخرى، مولد "الكيان الهزيل" بعد أن ساوم إسرائيل ليكون شريكاً فيه، مقابل تنازلات عن القدس والمثلث والسيادة الحقيقية، وبالطبع الاعتراف والصلح مع إسرائيل، وخلق جسر لها للعبور إلى كل أرجاء الوطن العربي.

        إن المقاومة تفهم تصحيح الوحدة بين شعبي الضفتين من خلال رفضها لمؤسسة الحكم ونظامه الاقطاعي وعمالته الصهيونية والاستعمار.

        وإذا كان رفض المقاومة لمواقف النظام الأردني يقتصر، فيما مضى، على قراءة تاريخ الأسرة الهاشمية، واستشفافها لما يمكن أن يقدم عليه هذا النظام، فإن المقاومة اليوم تعلن رفضها للنظام والملك ومشروعه، وبيدها وثيقة الإدانة الواضحة التي تثبت مدى التلاحم الذي وصل إليه الحكم العميل في الأردن مع الحكم الصهيوني في فلسطين.

        رابعاً- إن الملك حسين، بمشروعه - الصفقة، لم يتحد العرب، بكل مؤسساتهم الرسمية والشعبية وحسب، ولم يخرج عن الإجماع العربي ومقررات الأمة العربية منذ خمسين سنة فقط، بل هو تجاوز هذا كله ليعمل في المنطقة العربية دور الوسيط لفك عزلة الوحش الإسرائيلي واطلاقه على أمتنا وبقية أقطارنا عبر "مملكة عربية" الاسم والسواعد، إسرائيلية العقل والإرادة. ومن هنا، فإن الملك حسين، بمشروعه هذا، لا يتحدى شعب فلسطين وحركة المقاومة وحسب، بل هو يتحدى الأمة العربية جمعاء ومصير حركة التحرير فوق ترابها. وهو، أيضاً، لم يغدر تاريخ أمتنا ونضالها المجيد فحسب، بل طعن مستقبلها كذلك وحكم عليها بالتبعية للأبد.

        وبعد، إن حركة المقاومة، وهي تدلي بموقفها التاريخي هذا، لم يغب عنها أبداً ظروف البؤس واليأس التي دفعنا نظام الأردن، بالتعاون مع الصهيونية والامبريالية العالمية، إلى معاناتها والشقاء منها، ولا سيما بالنسبة لشعبنا في الضفة والقطاع. ولكن المقاومة، وعياً منها علي حركة التاريخ، تدرك أن مثل هذه الظروف وحدها كفيلة بتفجير

<2>