إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


       



مذكرة عدد من الشخصيات المصرية إلى الرئيس أنور السادات حول الوضع الراهن
المصدر:" الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1972، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 8، ط ا، ص 197- 198"

مذكرة عدد من الشخصيات المصرية إلى الرئيس أنور السادات، رئيس جمهورية مصر العربية، حول الوضع الراهن.

القاهرة ، 4/ 4/ 1972

(النهار، بيروت، 13/7/ 1972)

       السيد رئيس الجمهورية،
       تحية طيبة وبعد،
       ما من مصري يملك اليوم أن يلوذ بالصمت.
       وأولئك الذين يملكون الرأي ويحبسونه ضناً به، أو حذر العواقب، إنما يرتكبون في حق مصر إثماً لا يغتفر.

       إن الموقعين على هذا الخطاب مصريون. تلك هي صفتهم الوحيدة . يتوجهون به إلى رئيس الدولة، مدركين كل الادراك أنهم لا يفضلون أحداً من أبناء مصر إلا بأمر واحد، أنهم أثقل حملاً. لقد منحتهم مصر -ذات يوم- شرف خدمتها، وبوأتهم مكاناً رفيعاً بين الصف الأول من خدامها.

       إن لمصر إذاً في ذمتهم ديناً مضاعفاً.
       إنهم ليتقدمون بهذا الخطاب وفاءً لدين مصر، وولاءً لها.
       السيد الرئيس،
       لم تعرف مصر ما حفل به تاريخها من محن، محنة كالتي تمر بها.
       إن المحنة التي أطبقت على مصر لا تهدد الأرض وحدها.
       إن مصر، حضارة وتراثاً، عقيدة وقيماً، نضالا وعملا، فكراً وعلماً وأملاً، إن مصر وجوداً ومصيراً تمتحن اليوم امتحاناً شديداً، ود الأعداء لو كان فيه هلاكها.

       إن الغزو الإسرائيلي يدنس منذ خمس سنوات جزءاً غالياً من أرض مصر. وفي نيته - وقد أعد لها ما استطاع من قوة - أن يجعل منه جزءاً لا يتجزأ من إسرائيل.

       إن الولايات المتحدة الأميركية -إحدى الكبريين- تقدم لإسرائيل من العون، القدر الذي يأذن لها بالإصرار على العدوان، ويغريها بالمزيد.

       إن الاتحاد السوفياتي -القوة الكبرى الأخرى- يقدم لنا من العون، القدر الذي لا يأذن -حتى اليوم- بتحرير الأرض، واسترداد الحق.

       إن الدول العربية، لأسباب متباينة عند كل منها، لم تستجمع بعد كل قواها. ومن ثم فإن العمل العربي من أجل التحرير لم يرقَ بعد إلى مستوى الخطر الذي يهدد الأمة.

       إن البناء الداخلي يوشك أن ينقض. فإن هزيمة يونيو [حزيران]، بأسبابها، وأحداثها، وعواقبها، قد زلزلت البناء الوطني فكشفت فيه صدوعاً، وأحدثت صدعاً.

       ولدت هزيمة يونيو [حزيران] في حضن استبداد الفرد بالسلطة، وصورية التنظيم الشعبي، والمؤسسات الدستورية، وغيبة القانون، وغلبة التشريعات الاستثنائية، وامتهان الكلمة الحرة، وشيوع الخوف، فالنفاق، فالهوى، فالهوان.

       ولقد وعى الشعب درس الهزيمة ولن ينساه.
       إن طريق النصر لا يمكن بحال أن تكون طريق الهزيمة.
       السيد الرئيس،
       صنعت مصر أمسها وحدها، ولن يصنع الغد سواها.
تلك هي الحقيقة الأولى، بل الكبرى التي ينبغي أن نعود إليها.

       لقد انقضت علي هزيمة يونيو [حزيران] سنوات خمس. ولئن صح أن الزمن عامل محايد، فالأصح أنه ينحاز بغير تردد، ضد أولئك الذين لا يحسنون تقديره.

       ولقد آن لمصر أن تحسن تقديره.  آن لمصر أن تستخلص بأمانة وشجاعة، تلك الحقيقة الكبرى التي أسفرت عنها استراتيجية العمل الوطني، بعد خمس سنين من الهزيمة.  

       لقد آن الأوان لأن ترسم سياسة التحرير الوطني على أساس أن قوى مصر الذاتية وحدها -روحية ومادية- هي الركيزة الأولى، والأمنية، لتلك السياسة.

       نحن وحدنا أصحاب الشرف المثلوم، والكرامة الجريحة، والأرض المحتلة، ولن يسترد الشرف والكرامة والأرض سوانا.  

       إن حسابات معركة التحرير الوطني ينبغي أن تراجع على هدي من إمكانات مصر وحدها لقد عادت مصر الخالدة تحارب من أجل استقلالها في جبهتين، الغزو الإسرائيلي، وأطماع القوى الكبرى. وحينئذ فإن الإمكانات الوطنية هي التي تحدد طبيعة النضال الوطني من أجل التحرير وأسلوبه.

       وآن الأوان من ثم لمراجعة سياسة "الإسراف في الاعتماد" على الاتحاد السوفياتي. إن تلك السياسة لم تحقق، بعد خمس سنين من الهزيمة، تحرير الأرض، وردع العدوان، واسترداد الحق.

       ونحن لا نقصد بحال، المساس بالصداقة المصرية السوفياتية، فإنه لمن قبيل الطيش أن تستغني مصر عن صداقة إحدى القوتين الكبريين. إنما نقصد أن تعود العلاقة المصرية السوفياتية إلى "الإطار الطبيعي والمأمون" للعلاقة بين دولة حديثة الاستقلال حريصة عليه حرصها على الحياة، ودولة كبرى لا تبرأ استراتيجيتها، بحكم العقيدة والمصلحة، من طموح الرغبة في بسط النفوذ.

       وليس يدور بخلد واحد منا، أن الخط السياسي المقترح يمكن أن يتم بخطى غير متأنية، أو بأسلوب غير محكم الإعداد والتنفيذ. إن التحول إلى الخط الجديد ينبغي أن يستوفي حقه من الوقت، ومن الإعداد المحكم والحكيم.

<1>