إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


           



(تابع) تقرير اللجنة الدولية المقدم إلى عصبة الأمم عن حائط المبكي
"ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الإرشاد القومي، ج 1، ص 479 - 530"

جيل، إذا استثنينا مدة تسعين سنة كانت فيها بحوزة الصليبيين. ولم يتعرض العرب لليهود الذين جاءوا إلى فلسطين بل أكرم مثواهم حكام البلاد المسلمون. وفي أثناء هذه المدة الطويلة لم تقع حوادث ما عند البراق. ولم يدع اليهود يوما من الأيام أي حق في الحائط بل كانوا قانعين بالذهاب إليه للنواح، حينا بعد آخر، وراضين بالتأكيدات التي أعطيت لهم بأن العرب المتسامحين لن يتعرضوا لهم. إن وعد بلفور الذي ادمج في أحكام صك الانتداب هو السبب في وقوع الخلاف الذي أدى أخيرا إلى إراقة الدماء في فلسطين وحرض اليهود على تقديم مطالب لم يحلموا بها فيما مضى. فإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، البلاد العربية، التي خسرها اليهود منذ مئات ومئات من السنين، لا بد أن ينجم عنه اضطرابات وقلاقل لا نهاية لها. ثم خسر اليهود ثانية البلاد بعد أن استولوا عليها بحق الفتح فاستولى عليها العرب بدورهم ليس من اليهود الذين كانوا قد طردوا من البلاد قبل ذلك بأجيال عديدة بل من البيزنطيين. ولم تكن البلاد التي احتلها العرب في القرن السابع مملكة يهودية بل بلادا لم يكن لليهود حق فيها على الإطلاق.

(ب) حقوق اليهود في الحائط والرصيف وما جاورهما وصبغة تضرعاتهم:

        أن المسألة التي نبحث فيها الآن تدور حول ملك ما زال في تصرف المسلمين منذ قرون عديدة. فالبراق جزء لا يتجزأ من الحرم الشريف وليس فيه حجر واحد يعود إلى عهد الملك سليمان، والممر الكائن عند الحائط ليس طريقا عاما ولكنه أنشئ فقط لمرور سكان محلة المغاربة وغيرهم من المسلمين في ذهابهم إلى مسجد البراق ومن ثم إلى الحرم الشريف. والمنطقة التي حوله يقطنها مسلمون من المغاربة ممن جاءوا إلى المدينة المقدسة كحجاج أو يودون قضاء ما بقي من حياتهم فيها. وبالتالي فهذه المحلة إسلامية بحتة. ولن يرضى العرب على الاطلاق بنزع ملكيتها لليهود الذين ترمي غايتهم القصوى إلى إنشاء كنيس في ذلك المكان. وبما أنه ليس لليهود حقوق في ذلك المكان فإن وجودهم عند الحائط في أيام معلومة لا يعني سوى أنه من قبيل التسامح الذي أبداه نحوهم المسلمون والذي يفوق ما أبداه المسيحيون لهم ولذا فلا يستطيع اليهود أن يستعملوا هذا التسامح كوسيلة لتقديم مطالب بحقوق مطلقة كما يحاولون أن يفعلوا الآن. إذ إن السماح لهم بالسلوك إلى الحائط من قبيل التسامح فقط جلي كل الجلاء في المرسوم الصادر من ابراهيم باشا في سنة 1840 م. والذي مر معنا ذكره.

        ومن البيانات والأقوال العديدة التي وردت في مؤلفات السياح والمؤرخين والجغرافيين وغيرهم يتضح جليا أنه لما كان يسمح لليهود بالاقتراب من الحائط وما كان ليسمح بذلك دائما، لم يكن ما يبدونه عند الحائط يتجاوز حد النواح ولم يحاولوا قط إقامة شعائر دينية بالفعل. وفضلا عن ذلك، كان اليهود في بعض الأحيان لا ينوحون عند الحائط بل يذهبون إلى خارج المدينة للنواح.

        ومما قاله فريق المسلمين أن اليهود لم يبرزوا أية مستندات رسمية أو قرارات تأييدا لمدعاهم بأن لهم حق إقامة الصلوات عند الحائط. فالفرمان الصادر سنة 1889 م. وغيره من الوثائق التي يستندون إليها ليس لها المزية، التي يدعونها.

<17>